المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌موقفه من القدرية: - موسوعة مواقف السلف في العقيدة والمنهج والتربية - جـ ٨

[المغراوي]

فهرس الكتاب

- ‌ موقفه من المبتدعة:

- ‌ موقفه من المشركين:

- ‌ موقفه من الرافضة:

- ‌موقفه من الصوفية:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من الخوارج:

- ‌موقفه من المرجئة:

- ‌موقفه من القدرية:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من المشركين:

- ‌موقفه من المشركين:

- ‌موقفه من المشركين:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من المشركين:

- ‌موقف السلف من الدكاكي الزنديق (741 ه

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من المشركين:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من المشركين:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من المشركين:

- ‌موقفه من الرافضة:

- ‌موقفه من الصوفية:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من الخوارج:

- ‌موقفه من المرجئة:

- ‌موقفه من القدرية:

- ‌موقفه من الصوفية:

- ‌موقفه من الصوفية:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من المشركين:

- ‌موقفه من الرافضة:

- ‌موقفه من الصوفية:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من الخوارج:

- ‌موقفه من المرجئة:

- ‌موقفه من القدرية:

- ‌موقفه من الرافضة:

- ‌موقف سلطان الوقت من محمد بن عبد المعطي المخرف (760 ه

- ‌موقف السلف من محمد زبالة الزنديق (761 ه

- ‌موقف السلف من عثمان بن محمد الدقاق الزنديق (761 ه

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من الصوفية:

- ‌موقفه من الرافضة:

- ‌موقف السلف من محمود بن إبراهيم الشيرازي الرافضي (766 ه

- ‌موقفه من المشركين:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من المشركين:

- ‌موقفه من الرافضة:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من الخوارج:

- ‌ موقفه من عبد الرحمن بن الأشعث ومن بايع له:

- ‌موقفه من القدرية:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من الرافضة:

- ‌موقفه من القدرية:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من الرافضة:

- ‌موقفه من الصوفية:

- ‌موقفه من الزنادقة والمشركين:

- ‌موقفه من الرافضة:

- ‌موقفه من الصوفية:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من الصوفية:

- ‌موقفه من الخوارج:

- ‌موقفه من المرجئة:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من الصوفية:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من الخوارج:

- ‌موقفه من المرجئة:

- ‌موقفه من القدرية:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من المشركين:

- ‌موقفه من المشركين:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من الصوفية:

- ‌موقفه من المشركين:

- ‌موقفه من المشركين:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من المشركين:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من الرافضة:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من المشركين:

- ‌موقفه من الرافضة:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من الخوارج:

- ‌موقفه من المرجئة:

- ‌موقفه من القدرية:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من المشركين:

- ‌موقفه من الرافضة:

- ‌موقفه من الصوفية:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من الخوارج:

- ‌موقفه من المرجئة:

- ‌موقفه من القدرية:

- ‌الجزولي وضلاله (870 ه

- ‌موقفه من الصوفية:

- ‌ابن حجر الهيتمي (973 ه

- ‌موقفه من المشركين:

- ‌موقفه من الرافضة:

- ‌عبد الوهاب الشعراني: ترهاته ومخازيه (973 ه

- ‌موقفه من المشركين:

- ‌موقفه من الرافضة:

- ‌موقفه من الرافضة:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من الرافضة:

- ‌موقفه من الصوفية:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌إبراهيم بن سليمان الحنفي الأزهري (كان حيا سنة 1100 ه

- ‌موقفه من المشركين:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌الشيخ مربد بن أحمد بن عمر التميمي وعداؤه للدعوة السلفية (1181 ه

- ‌موقفه من المشركين:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من المشركين:

- ‌موقفه من الصوفية:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من القدرية:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من المشركين:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من الخوارج:

- ‌موقفه من المرجئة:

- ‌موقفه من القدرية:

- ‌موقفه من الرافضة:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من الصوفية:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من الجهمية:

الفصل: ‌موقفه من القدرية:

لِلْإِيمَانِ} ولا ينافي هذا قوله: {قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا} فإنه نفى الإيمان المطلق ومن عليهم بهدايتهم إلى الإسلام الذي هو متضمن لمطلق الإيمان. ومنها أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قسم القسم قال له سعد أعطيت فلانا وتركت فلانا وهو مؤمن، فقال أو مسلم ثلاث مرات (1) وأثبت له الإسلام دون الإيمان. وفي الآية أسرار بديعة ليس هذا موضعها. والمقصود الفرق بين الإيمان المطلق ومطلق الإيمان. فالإيمان المطلق يمنع دخول النار، ومطلق الإيمان يمنع الخلود فيها. (2)

‌موقفه من القدرية:

لقد أبلى رحمه الله البلاء الحسن في الدفاع عن المنهج السلفي والرد على مناهج أهل البدع والزيغ والضلال، فكانت القدرية الخاسئة من جملة أهل الأهواء الذين رد عليهم وبين رحمه الله زيف أقوالهم وشبههم، فدحضها رحمه الله كلها وذلك في كتابه 'شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل'.

- قال في مقدمته: ولما كانت معرفة الصواب في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل واقعة في مرتبة الحاجة، بل في مرتبة الضرورة، اجتهدت في جمع هذا الكتاب وتهذيبه وتحريره وتقريبه، فجاء فردا في معناه بديعا في مغزاه، وسميته: 'شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل'

(1) أحمد (1/ 176) والبخاري (1/ 108/27) ومسلم (1/ 132/150) وأبو داود (5/ 62 - 63/ 4685) والنسائي (8/ 477 - 478/ 5007) عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه.

(2)

بدائع الفوائد (4/ 16 - 17).

ص: 353

وجعلته أبوابا. (1)

- قال رحمه الله: أما بعد، فإن أهم ما يجب معرفته على المكلف النبيل، فضلا عن الفاضل الجليل، ما ورد في القضاء والقدر والحكمة والتعليل، فهو من أسنى المقاصد، والإيمان به قطب رحى التوحيد ونظامه، ومبدأ الدين المبين وختامه، فهو أحد أركان الإيمان، وقاعدة أساس الإحسان، التي يرجع إليها، ويدور في جميع تصاريفه عليها، فالعدل قوام الملك، والحكمة مظهر الحمد، والتوحيد متضمن لنهاية الحكمة وكمال النعمة. ولا إله إلا الله وحده، لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، فبالقدر والحكمة ظهر خلقه وشرعه المبين ألا له الخلق والأمر، تبارك الله رب العالمين.

وقد سلك جماهير العقلاء في هذا الباب في كل واد، وأخذوا في كل طريق، وتولجوا كل مضيق، وركبوا كل صعب وذلول، وقصدوا الوصول إلى معرفته، والوقوف على حقيقته، وتكلمت فيه الأمم قديما وحديثا، وساروا للوصول إلى مغزاه سيرا حثيثا، وخاضت فيه الفرق على تباينها واختلافها، وصنف فيه المصنفون الكتب على تنوع أصنافها.

فلا أحد إلا وهو يحدث نفسه بهذا الشأن، ويطلب الوصول فيه إلى حقيقة العرفان، فتراه إما مترددا فيه مع نفسه، أو مناظرا لبني جنسه، وكل قد اختار لنفسه قولا لا يعتقد الصواب في سواه، ولا يرتضي إلا إياه. وكلهم -إلا من تمسك بالوحي- عن طريق الصواب مردود، وباب الهدى في وجهه مسدود، تحسى علما غير طائل، وارتوى من ماء آجن، قد طاف على أبواب الأفكار،

(1) شفاء العليل (1/ 22).

ص: 354

ففاز بأخس الآراء والمطالب، فرح بما عنده من العلم الذي لا يسمن ولا يغني من جوع، وقدم آراء من أحسن به الظن على الوحي المنزل المشروع، والنص المرفوع، حيران يأتم بكل حيران، يحسب كل سراب ماء، فهو طول عمره ظمآن، ينادى إلى الصواب من مكان بعيد، أقبل إلى الهدى فلا يستجيب إلى يوم الوعيد، قد فرح بما عنده من الضلال وقنع بأنواع الباطل وأصناف المحال، منعه الكفر الذي اعتقده هدى، وما هو ببالغه عن الهداة المهتدين، ولسان حاله أو قاله يقول:{أَهَؤُلَاءِ مَن اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ} (1).

ولما كان الكلام في هذا الباب نفيا وإثباتا موقوفا على الخبر عن أسماء الله وصفاته وأفعاله وخلقه وأمره، فأسعد الناس بالصواب فيه من تلقى ذلك من مشكاة الوحي المبين، ورغب بعقله وفطرته وإيمانه عن آراء المتهوكين، وتشكيكات المشككين، وتكلفات المتنطعين، واستمطر ديم الهداية من كلمات أعلم الخلق برب العالمين، فإن كلماته الجوامع النوافع في هذا الباب وفي غيره كفت وشفت وجمعت وفرقت وأوضحت وبينت وحلت محل التفسير والبيان لما تضمنه القرآن.

ثم تلاه أصحابه من بعده على نهجه المستقيم، وطريقه القويم، فجاءت كلماتهم كافية شافية مختصرة نافعة، لقرب العهد ومباشرة التلقي من تلك المشكاة التي هي مظهر كل نور، ومنبع كل خير، وأساس كل هدى.

(1) الأنعام الآية (53).

ص: 355

ثم سلك آثارهم التابعون لهم بإحسان، فاقتفوا طريقهم، وركبوا منهاجهم، واهتدوا بهداهم، ودعوا إلى ما دعوا إليه، ومضوا على ما كانوا عليه.

ثم نبغ في عهدهم وأواخر عهد الصحابة القدرية مجوس هذه الأمة، الذين يقولون: لا قدر، وأن الأمر أنف، فمن شاء هدى نفسه، ومن شاء أضلها، ومن شاء بخسها حظها وأهملها، ومن شاء وفقها للخير وكملها، كل ذلك مردود إلى مشيئة العبد ومقتطع من مشيئة العزيز الحميد. فأثبتوا في ملكه ما لا يشاء، وفي مشيئته ما لا يكون.

ثم جاء خلف هذا السلف فقرروا ما أسسه أولئك من نفي القدر وسموه عدلا، وزادوا عليه نفي صفاته سبحانه وحقائق أسمائه وسموه توحيدا.

فالعدل عندهم إخراج أفعال الملائكة والإنس والجن وحركاتهم وأقوالهم وإراداتهم من قدرته ومشيئته وخلقه.

والتوحيد عند متأخريهم تعطيله عن صفات كماله ونعوت جلاله، وأنه لا سمع له ولا بصر ولا قدرة ولا حياة ولا إرادة تقوم به ولا كلام، ما تكلم ولا يتكلم، ولا أمر ولا يأمر، ولا قال ولا يقول، إن ذلك إلا أصوات وحروف مخلوقة منه في الهواء أو في محل مخلوق، ولا استوى على عرشه فوق سماواته، ولا ترفع إليه الأيدي، ولا تعرج الملائكة والروح إليه، ولا ينزل الأمر والوحي من عنده، وليس فوق العرش إله يعبد ولا رب يصلى له ويسجد، ما فوقه إلا العدم المحض والنفي الصرف، فهذا توحيدهم وذاك عدلهم.

ص: 356

ثم نبغت طائفة أخرى من القدرية فنفت فعل العبد وقدرته واختياره، وزعمت أن حركته الاختيارية -ولا اختيار- كحركة الأشجار عند هبوب الرياح وكحركات الأمواج، وأنه على الطاعة والمعصية مجبور، وأنه غير ميسر لما خلق له، بل هو عليه مقسور ومجبور.

ثم تلاهم أتباعهم على آثارهم مقتدين، ولمنهاجهم مقتفين، فقرروا هذا المذهب وانتموا إليه وحققوه وزادوا عليه أن تكاليف الرب تعالى لعباده كلها تكليف ما لا يطاق، وأنها في الحقيقة كتكليف المقعد أن يرقى إلى السبع الطباق، فالتكليف بالإيمان وشرائعه تكليف بما ليس من فعل العبد ولا هو له بمقدور، وإنما هو تكليف بفعل من هو متفرد بالخلق وهو على كل شيء قدير، فكلف عباده بأفعاله وليسوا عليها قادرين، ثم عاقبهم عليها وليسوا في الحقيقة فاعلين.

ثم تلاهم على آثارهم محققوهم من العباد، فقالوا: ليس في الكون معصية ألبتة، إذ الفاعل مطيع للإرادة موافق للمراد. كما قيل:

أصبحت منفعلا لما يختاره

مني ففعلي كله طاعات

ولاموا بعض هؤلاء على فعله فقال: إن كنت عصيت أمره فقد أطعت إرادته، ومطيع الإرادة غير ملوم، وهو في الحقيقة غير مذموم. وقرر محققوهم من المتكلمين هذا المذهب بأن الإرادة والمشيئة والمحبة في حق الرب سبحانه هي واحد، فمحبته هي نفس مشيئته، وكل ما في الكون فقد أراده وشاءه، وكل ما شاءه فقد أحبه.

وأخبرني شيخ الإسلام قدس الله روحه أنه لام بعض هذه الطائفة على

ص: 357

محبة ما يبغضه الله ورسوله فقال له الملوم: المحبة نار تحرق من القلب ما سوى مراد المحبوب، وجميع ما في الكون مراده، فأي شيء أبغض منه؟ قال الشيخ: فقلت له: إذا كان قد سخط على أقوام ولعنهم وغضب عليهم وذمهم فواليتهم أنت وأحببتهم وأحببت أفعالهم ورضيتها تكون مواليا له أو معاديا؟ قال: فبهت الجبري ولم ينطق بكلمة.

وزعمت هذه الفرقة أنهم بذلك للسنة ناصرون، وللقدر مثبتون، ولأقوال أهل البدع مبطلون. هذا وقد طووا بساط التكليف، وطففوا في الميزان غاية التطفيف، وحملوا ذنوبهم على الأقدار، وبرأوا أنفسهم في الحقيقة من فعل الذنوب والأوزار، وقالوا إنها في الحقيقة فعل الخلاق العليم، وإذا سمع المنزه لربه هذا قال: سبحانك هذا بهتان عظيم، فالشر ليس إليك والخير كله في يديك.

لقد ظنت هذه الطائفة بالله أسوأ الظن، ونسبته إلى أقبح الظلم. وقالوا إن أوامر الرب ونواهيه كتكليف العبد أن يرقى فوق السموات، وكتكليف الميت إحياء الأموات، والله يعذب عباده أشد العذاب على فعل ما لا يقدرون على تركه وعلى ترك ما لا يقدرون على فعله، بل يعاقبهم على نفس فعله الذي هو لهم غير مقدور، وليس أحد ميسر له بل هو عليه مقهور ونرى العازف منهم ينشد مترنما، ومن ربه متشكيا ومتظلما:

ألقاه في اليم مكتوفا وقال له

إياك إياك أن تبتل بالماء

وليس عند القوم في نفس الأمر سبب، ولا غاية، ولا حكمة، ولا قوة في الأجسام، ولا طبيعة ولا غريزة، فليس في الماء قوة التبريد، ولا في النار

ص: 358

قوة التسخين، ولا في الأغذية قوة الغذاء، ولا في الأدوية قوة الدواء، ولا في العين قوة الإبصار، ولا في الأذن قوة السماع، ولا في الأنف قوة الشم، ولا في الحيوان قوة فاعلة ولا جاذبة، ولا ممسكة ولا دافعة، والرب تعالى لم يفعل شيئا بشيء ولا شيئا لشيء، فليس في أفعاله باء تسبيب ولا لام تعليل، وما ورد من ذلك فمحمول على باء المصاحبة ولام العاقبة. (1)

- وقال في معرض ذكره لحديث احتجاج آدم وموسى (2): وقد رد هذا الحديث من لم يفهمه من المعتزلة كأبي علي الجبائي ومن وافقه على ذلك، وقال: لو صح لبطلت نبوات الأنبياء، فإن القدر إذا كان حجة للعاصي بطل الأمر والنهي، فإن العاصي بترك الأمر أو فعل النهي إذ صحت له الحجة بالقدر السابق ارتفع اللوم عنه.

وهذا من ضلال فريق الاعتزال وجهلهم بالله ورسوله وسنته، فإن هذا حديث صحيح متفق على صحته، لم تزل الأمة تتلقاه بالقبول من عهد نبيها قرنا بعد قرن وتقابله بالتصديق والتسليم، ورواه أهل الحديث في كتبهم وشهدوا به على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قاله، وحكموا بصحته، فما لأجهل الناس بالسنة ومن عرف بعداوتها وعداوة حملتها والشهادة عليهم بأنهم مجسمة ومشبهة حشوية وهذا الشأن. (3)

- وقال: وتأمل قوله سبحانه بعد حكايته عن أعدائه واحتجاجهم

(1) شفاء العليل (1/ 17 - 21).

(2)

تقدم في مواقف ابن قتيبة سنة (276هـ).

(3)

شفاء العليل (1/ 46).

ص: 359

بمشيئته وقدره على إبطال ما أمرهم به رسوله، وأنه لولا محبته ورضاه به لما شاءه منهم:{قل فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} (1).

فأخبر سبحانه أن الحجة له عليهم برسله وكتبه، وبيان ما ينفعهم ويضرهم وتمكنهم من الإيمان بمعرفة أوامره ونواهيه، وأعطاهم الأسماع والأبصار والعقول فثبتت حجته البالغة عليهم بذلك، واضمحلت حجتهم الباطلة عليه بمشيئته وقضائه، ثم قرر تمام الحجة بقوله:{فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ (149)} (2) فإن هذا يتضمن أنه المتفرد بالربوبية والملك والتصرف في خلقه، وأنه لا رب غيره ولا إله سواه، فكيف يعبدون معه إلها غيره؟.

فإثبات القدر والمشيئة من تمام حجته البالغة عليهم، وأن الأمر كله لله، وأن كل شيء ما خلا الله باطل، فالقضاء والقدر والمشيئة النافذة من أعظم أدلة التوحيد، فجعلها الظالمون الجاحدون حجة لهم على الشرك. فكانت حجة الله البالغة وحجتهم الداحضة، وبالله التوفيق.

إذا عرفت هذا، فموسى أعرف بالله وأسمائه وصفاته من أن يلوم على ذنب قد تاب منه فاعله فاجتباه ربه بعده وهداه واصطفاه، وآدم أعرف بربه من أن يحتج بقضائه وقدره على معصيته، بل إنما لام موسى آدم على المعصية التي نالت الذرية بخروجهم من الجنة ونزولهم إلى دار الابتلاء والمحنة بسبب خطيئة أبيهم، فذكر الخطيئة تنبيها على سبب المعصية والمحنة التي نالت

(1) الأنعام الآية (149).

(2)

الأنعام الآية (149).

ص: 360

الذرية، ولهذا قال له:(أخرجتنا ونفسك من الجنة) وفي لفظ (خيبتنا).

فاحتج آدم بالقدر على المصيبة، وقال: إن هذه المصيبة التي نالت الذرية بسبب خطيئتي كانت مكتوبة بقدره قبل خلقي، والقدر يحتج به في المصائب دون المعائب، أي أتلومني على مصيبة قدرت علي وعليكم قبل خلقي بكذا وكذا سنة.

إلى أن قال: ونكتة المسألة أن اللوم إذا ارتفع صح الاحتجاج بالقدر، وإذا كان اللوم واقعا فالاحتجاج بالقدر باطل. (1)

- وقال: والفرقة الثانية غلاة القدرية الذين اتفق السلف على كفرهم، وحكموا بقتلهم، الذين يقولون: لا يعلم أعمال العباد حتى يعملوها، ولم يعلمها قبل ذلك ولا كتبها ولا قدرها، فضلا عن أن يكون شاءها وكونها. وقول هؤلاء معلوم البطلان بالضرورة من أديان جميع المرسلين، وكتب الله المنزلة. وكلام الرسول صلى الله عليه وسلم مملوء بتكذيبهم وإبطال قولهم، وإثبات عموم علمه الذي لا يشاركه فيه خلقه، ولا يحيطون بشيء منه إلا بما شاء أن يطلعهم عليه ويعلمهم به. وما أخفاه عنهم ولم يطلعهم عليه ولا نسبة لما عرفوه إليه إلا دون نسبة قطرة واحدة إلى البحار كلها، كما قال الخضر لموسى، وهما أعلم أهل الأرض حينئذ: ما نقص علمي وعلمك من علم الله إلا كما نقص هذا العصفور من البحر. (2)

(1) شفاء العليل (1/ 55 - 57).

(2)

جزء من حديث طويل لابن عباس أخرجه: أحمد (5/ 117 - 118) والبخاري (8/ 522 - 523/ 4725) ومسلم (4/ 1847 - 1850/ 2380) والترمذي (5/ 289 - 292/ 3149).

ص: 361

ويكفي أن ما يتكلم به من علمه لو قدر أن البحر يمده من بعده سبعة أبحر مداد وأشجار الأرض كلها من أول الدهر إلى آخره أقلام يكتب به ما يتكلم به مما يعلمه لنفدت البحار وفنيت الأقلام ولم تنفد كلماته. فنسبة علوم الخلائق إلى علمه سبحانه كنسبة قدرتهم إلى قدرته، وغناهم إلى غناه، وحكمتهم إلى حكمته. وإذا كان أعلم الخلق على الإطلاق يقول:«لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك» . (1)

ويقول في دعاء الاستخارة: «فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب» (2). ويقول سبحانه للملائكة: {إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30)} (3).

ويقول سبحانه لأعلم الأمم وهم أمة محمد صلى الله عليه وسلم: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (216)} (4). ويقول لأهل الكتاب: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} (5). وتقول رسله

(1) أحمد (6/ 58،201) ومسلم (1/ 352/486) وأبو داود (1/ 547/879) والترمذي (5/ 524/3566) والنسائي (2/ 558/1099) وابن ماجه (2/ 1262 - 1263/ 3841) كلهم أخرجه من حديث عائشة.

(2)

أخرجه من حديث جابر بن عبد الله: أحمد (3/ 344) والبخاري (11/ 218 - 219/ 6382) وأبو داود (2/ 187 - 188/ 1538) والترمذي (2/ 345 - 346/ 480) والنسائي (6/ 388 - 389/ 3253) وابن ماجه (1/ 440/1383).

(3)

البقرة الآية (30).

(4)

البقرة الآية (216).

(5)

الإسراء الآية (85).

ص: 362

يوم القيامة حين يسألهم ماذا أجبتم: {قَالُوا لَا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ} (1).

وهذا هو الأدب المطابق للحق في نفس الأمر، فإن علومهم وعلوم الخلائق تضمحل وتتلاشى في علمه سبحانه كما يضمحل ضوء السراج الضعيف في عين الشمس. فمن أظلم الظلم وأبين الجهل وأقبح القبيح وأعظم القحة والجراءة أن يعترض من لا نسبة لعلمه إلى علوم الناس التي لا نسبة لها إلى علوم الرسل التي لا نسبة لها إلى علم رب العالمين عليه، ويقدح في حكمته، ويظن أن الصواب والأولى أن يكون غير ما جرى به قلمه وسبق به علمه، وأن يكون الأمر بخلاف ذلك. فسبحان الله رب العالمين تنزيها لربوبيته وإلهيته وعظمته وجلاله عما لا يليق به من كل ما نسبه إليه الجاهلون الظالمون. (2)

- وقال: والقول الحق في هذه الأقوال كيوم الجمعة في الأيام أضل الله عنه أهل الكتابين قبل هذه الأمة وهداهم إليه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الجمعة: «أضل الله عنها من كان قبلنا فاليوم لنا وغدا لليهود وبعد غد للنصارى» . (3)

ونحن هكذا نقول بحمد الله، ومنه القول الوسط الصواب لنا، وإنكار الفاعل بالمشيئة والاختيار لأعداء الرسل، وإنكار الحكمة والمصلحة والتعليل والأسباب للجهمية والجبرية، وإنكار عموم القدرة والمشيئة العائدة إلى الرب

(1) المائدة الآية (109).

(2)

شفاء العليل (2/ 79 - 81).

(3)

أخرجه من حديث أبي هريرة: مسلم (2/ 586/856) والنسائي (3/ 97/1367) وابن ماجه (1/ 344/1083).

ص: 363