الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
موقفه من المبتدعة:
بدعة المولد النبوي:
له رسالة لطيفة في هذه البدعة سماها 'المورد في عمل المولد' وهي مطبوعة بتحقيق أبي الحارث الحلبي. وهذا نصها، قال الفاكهاني رحمه الله: الحمد لله الذي هدانا لاتباع سيد المرسلين، وأيدنا بالهداية إلى دعائم الدين، ويسر لنا اقتفاء آثار السلف الصالحين، حتى امتلأت قلوبنا بأنوار علم الشرع وقواطع الحق المبين، وطهر سرائرنا من حدث الحوادث والابتداع في الدين.
أحمده على ما من به من أنوار اليقين، وأشكره على ما أسداه من التمسك بالحبل المتين. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، سيد الأولين والآخرين، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه وأزواجه الطاهرات أمهات المؤمنين، صلاة دائمة إلى يوم الدين.
أما بعد: فقد تكرر سؤال جماعة من المباركين عن الاجتماع الذي يعمله بعض الناس في شهر ربيع الأول، ويسمونه المولد: هل له أصل في الدين؟؟
وقصدوا الجواب عن ذلك مبينا، والإيضاح عنه معينا.
فقلت وبالله التوفيق: لا أعلم لهذا المولد أصلا في كتاب ولا سنة، ولا ينقل عمله عن أحد من علماء الأمة، الذين هم القدوة في الدين، المتمسكون بآثار المتقدمين. بل هو بدعة، أحدثها البطالون، وشهوة نفس اغتنى بها الأكالون، بدليل أنا إذا أدرنا عليه الأحكام الخمسة قلنا:
إما أن يكون واجبا، أو مندوبا، أو مباحا، أو مكروها، أو محرما.
وهو ليس بواجب إجماعا، ولا مندوبا، لأن حقيقة المندوب: ما طلبه الشرع من غير ذم على تركه، وهذا لم يأذن فيه الشرع، ولا فعله الصحابة، ولا التابعون، ولا العلماء المتدينون -فيما علمت- وهذا جوابي عنه بين يدي الله تعالى إن عنه سئلت.
ولا جائز أن يكون مباحا، لأن الابتداع في الدين ليس مباحا بإجماع المسلمين.
فلم يبق إلا أن يكون مكروها، أو حراما، وحينئذ يكون الكلام فيه في فصلين، والتفرقة بين حالين:
أحدهما: أن يعمله رجل من عين ماله لأهله وأصحابه وعياله، لا يجاوزون في ذلك الاجتماع على أكل الطعام، ولا يقترفون شيئا من الآثام: فهذا الذي وصفناه بأنه بدعة مكروهة، وشناعة، إذ لم يفعله أحد من متقدمي أهل الطاعة، الذين هم فقهاء الإسلام، وعلماء الأنام، سرج الأزمنة، وزين الأمكنة.
والثاني: أن تدخله الجناية، وتقوى به العناية، حتى يعطي أحدهم الشيء ونفسه تتبعه، وقلبه يؤلمه ويوجعه، لما يجد من ألم الحيف، وقد قال العلماء رحمهم الله تعالى: أخذ المال بالحياء كأخذه بالسيف.
لا سيما إن انضاف إلى ذلك شيء من الغناء مع البطون الملأى بآلات الباطل، من الدفوف، والشبابات، واجتماع الرجال مع الشباب المرد والنساء الغانيات، إما مختلطات بهن أو مشرفات، والرقص بالتثني والانعطاف، والاستغراق في اللهو ونسيان يوم المخاف.
وكذلك النساء إذا اجتمعن على انفرادهن رافعات أصواتهن بالتهنيك والتطريب في الإنشاد، والخروج في التلاوة والذكر عن المشروع والأمر المعتاد، غافلات عن قوله تعالى:{إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ (14)} (1).
وهذا الذي لا يختلف في تحريمه اثنان، ولا يستحسنه ذوو المروءة الفتيان.
وإنما يحل ذلك بنفوس موتى القلوب، وغير المستقلين من الآثام والذنوب. وأزيدك أنهم يرونه من العبادات، لا من الأمور المنكرات المحرمات.
فإنا لله وإنا إليه راجعون، بدأ الإسلام غريبا وسيعود كما بدأ.
ولله در شيخنا القشيري رحمه الله تعالى حيث يقول فيما أجازناه:
قد عرف المنكر واستنكر الـ وصار أهل العلم في وهدة حادوا عن الحق فما للذي فقلت للأبرار أهل التقى
…
لا تنكروا أحوالكم قد أتت
…
ـمعروف في أيامنا الصعبه
وصار أهل الجهل في رتبه
سادوا به فيما مضى نسبه
والدين لما اشتدت الكربه
نوبتكم في زمن الغربه
ولقد أحسن الإمام أبو عمرو بن العلاء رحمه الله تعالى حيث يقول: لا يزال الناس بخير ما تعجب من العجب.
هذا مع أن الشهر الذي ولد فيه صلى الله عليه وسلم وهو ربيع الأول هو بعينه الشهر
(1) الفجر الآية (14).
الذي توفي فيه، فليس الفرح بأولى من الحزن فيه.
وهذا ما علينا أن نقول، ومن الله تعالى نرجو حسن القبول.
التعليق:
هذه البدعة التي أحدثها الروافض ومن كان على شاكلتهم حاربها علماء السلف في كل وقت، وسيمر بنا إن شاء الله بعضهم، وكلام هذا الإمام يستحق أن يكتب بماء الذهب، حيث ذكر أن هذا المولد لا أصل له في دين الله إن خلا من المظاهر الشركية ومن سائر المحرمات؛ من أكل مال بالباطل، ومن وجود اختلاط، ومن وجود زنا ولواط، وتغن بالفحش. ومن زابور هذه المواسم ما يقول صاحبه مخاطبا النبي صلى الله عليه وسلم:
فإن من جودك الدنيا وضرتها يا أكرم الخلق مالي من ألوذ به
…
ومن علومك علم اللوح والقلم
سواك عند حلول الحادث العمم
وقوله:
هذه علتي وأنت طبيبي
…
ليس يخفى عليك في القلب داء
وقوله:
وكيف تدعو إلى الدنيا ضرورة من
…
لولاه لم تخرج الدنيا من العدم
وهكذا لو اجتنبت الصلوات المصحوبة بالشرك، التي يصفون فيها النبي صلى الله عليه وسلم بأوصاف شركية، لو قام صلى الله عليه وسلم من قبره لقاتلهم كما كان يقاتل المشركين أعداء الله، لكان الحكم في ذلك كما ذكر هذا الإمام.