المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[تنقسم الطهارة إلى عينية وحكمية] - نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج - جـ ١

[الرملي، شمس الدين]

فهرس الكتاب

- ‌[خُطْبَةُ الْكِتَاب]

- ‌كِتَابُ الطَّهَارَةِ

- ‌[تَنْقَسِمُ الطَّهَارَةُ إلَى عَيْنِيَّةٍ وَحُكْمِيَّةٍ]

- ‌[اسْتِعْمَالُ وَاقْتِنَاءُ كُلِّ إنَاءٍ طَاهِرٍ]

- ‌بَابُ أَسْبَابِ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ

- ‌[السَّبَبُ الْأَوَّل خُرُوجُ شَيْءٍ مِنْ قُبُلِهِ أَوْ دُبُرِهِ]

- ‌[الثَّانِي مِنْ أَسْبَاب الْحَدَث زَوَالُ الْعَقْلِ]

- ‌(الثَّالِثُ: الْتِقَاءُ بَشَرَتَيْ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ)

- ‌(الرَّابِعُ مَسُّ قُبُلِ الْآدَمِيِّ)

- ‌[مَا يَحْرُمُ بِالْحَدَثِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي أَحْكَامِ الِاسْتِنْجَاءِ وَآدَابِهِ]

- ‌بَابُ الْوُضُوءِ

- ‌[شُرُوطُ الْوُضُوء]

- ‌[فَرَائِضُ الْوُضُوء]

- ‌[سُنَنُ الْوُضُوءِ]

- ‌بَابُ مَسْحِ الْخُفِّ

- ‌[شُرُوطُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَكَيْفِيَّتِهِ وَحُكْمِهِ]

- ‌[مَتَى تَبْدَاءُ مُدَّةِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ]

- ‌[شُرُوطُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ] [

- ‌الْأَوَّل أَنْ يَلْبَسَهُمَا بَعْدَ كَمَالِ الطَّهَارَة]

- ‌[الثَّانِي أَنْ يَكُونَ الْخُفُّ صَالِحًا سَاتِرٌ مَحِلَّ فَرْضِهِ]

- ‌[يُشْتَرَطُ فِي الْخُفِّ كَوْنُهُ قَوِيًّا يُمْكِنُ تَتَابُعُ الْمَشْيِ فِيهِ]

- ‌بَابُ الْغُسْلِ

- ‌[مُوجِبَاتُ الْغُسْل]

- ‌[وَاجِبَاتُ الْغُسْل]

- ‌بَابُ النَّجَاسَةِ

- ‌[أَنْوَاعِ النَّجَاسَات]

- ‌ النَّجَاسَةَ الْمُغَلَّظَةَ

- ‌[النَّجَاسَةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ] [

- ‌[النَّجَاسَةَ الْمُخَفَّفَةَ]

- ‌[النَّجَاسَةُ الْمُتَوَسِّطَةُ]

- ‌بَابُ التَّيَمُّمِ

- ‌[أَسْبَابُ التَّيَمُّمِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ أَرْكَانِ التَّيَمُّمِ وَكَيْفِيَّتِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ]

- ‌[بَيَانِ مَا يُبَاحُ لَهُ التَّيَمُّمِ]

- ‌[سُنَنُ التَّيَمُّمِ]

- ‌ أَحَدُهَا مَا يُبْطِلُهُ غَيْرُ الْحَدَثِ الْمُبْطِلِ لَهُ

- ‌[أَحْكَامُ التَّيَمُّمِ]

- ‌[الْحُكْمِ الثَّانِي مَا يَسْتَبِيحُهُ بِالتَّيَمُّمِ]

- ‌[الْحُكْمِ الثَّالِثِ وُجُوبُ الْقَضَاءِ لِمَنْ لَمْ يَجِدْ مَاءً وَلَا تُرَابًا]

- ‌بَابُ الْحَيْضِ وَمَا يُذْكَرُ مَعَهُ مِنْ الِاسْتِحَاضَةِ وَالنِّفَاسِ

- ‌[أَقَلُّ الْحَيْضِ زَمَنِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ]

- ‌ أَحْكَامِ الْحَيْضِ

- ‌[الِاسْتِحَاضَةُ وَأَحْكَامِهَا]

- ‌[فَصْلٌ إذَا رَأَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ الدَّمِ لِسِنِّ الْحَيْضِ أَقَلَّهُ فَأَكْثَرَ وَلَمْ يَعْبُرْ أَكْثَرَهُ]

- ‌[إذَا جَاوَزَ دَمُ الْمَرْأَةِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا يُسَمَّى بِالْمُسْتَحَاضَةِ]

- ‌[الْمُسْتَحَاضَةِ الثَّانِيَةِ وَهِيَ الْمُبْتَدَأَةُ غَيْرُ الْمُمَيِّزَةِ]

- ‌ الْمُسْتَحَاضَةِ الثَّالِثَةِ وَهِيَ الْمُعْتَادَةُ غَيْرُ الْمُمَيِّزَةِ

- ‌ الْمُسْتَحَاضَةِ الْخَامِسَةِ: وَهِيَ الْمُتَحَيِّرَةُ

- ‌[الْمُسْتَحَاضَةِ الرَّابِعَةِ وَهِيَ الْمُعْتَادَةُ الْمُمَيِّزَةُ]

- ‌[الْمُسْتَحَاضَة غَيْر الْمُمَيَّزَة]

- ‌[أَقَلُّ النِّفَاسِ وَأَكْثَرُهُ وَغَالِبُهُ]

- ‌كِتَابُ الصَّلَاةِ

- ‌[حُكْمُ النِّفَاسِ هُوَ حُكْمُ الْحَيْضِ]

- ‌[وَقْتُ الظُّهْرِ]

- ‌«وَقْتُ الْمَغْرِبِ

- ‌[وَقْتُ الْعَصْرِ]

- ‌ وَقْتُ الْعِشَاءِ

- ‌(وَقْتُ الصُّبْحِ

- ‌ وَقَعَ بَعْضُ صَلَاتِهِ فِي الْوَقْتِ) وَبَعْضُهَا خَارِجَهُ

- ‌[الْإِبْرَادُ بِالظُّهْرِ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ]

- ‌[جَهِلَ الْوَقْتَ لِغَيْمٍ أَوْ حَبْسٍ]

- ‌[صَلَّى بِاجْتِهَادٍ ثُمَّ تَيَقَّنَ أَنَّ صَلَاتَهُ وَقَعَتْ قَبْلَ الْوَقْتِ أَوْ بَعْضُهَا]

- ‌[تَرْتِيبُ الْفَائِتِ مِنْ الصَّلَاة]

- ‌[إيقَاظُ النَّائِمِينَ لِلصَّلَاةِ]

- ‌[الصَّلَاةُ عِنْدَ الِاسْتِوَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَمَنْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ]

- ‌[وَقْتُ زَوَالِ مَوَانِعِ وُجُوبِ الصَّلَاة]

- ‌فَصْلٌ فِي بَيَانِ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ

- ‌ الْأَذَانِ (لِلْمُنْفَرِدِ) بِالصَّلَاةِ

- ‌[التَّثْوِيبُ فِي أَذَانَيْ الصُّبْحِ]

- ‌[تَرْتِيبُ الْأَذَانِ]

- ‌[مِنْ شُرُوطُ الْمُؤَذِّنِ وَالْمُقِيمِ الْإِسْلَامُ]

- ‌[كَرَاهَةُ الْأَذَانِ لِلْمُحْدِثِ]

- ‌[الْإِمَامَةُ أَفْضَلُ مِنْ الْأَذَانِ]

- ‌[شُرُوطُ الْأَذَانِ]

- ‌ الدُّعَاءُ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ

- ‌فَصْلٌ فِي بَيَانِ الْقِبْلَةِ وَمَا يَتْبَعُهَا

- ‌ الْفَرْضَ فِي حَقِّ الْقَرِيبِ مِنْ الْكَعْبَةِ إصَابَةُ عَيْنِهَا

- ‌[أَرْكَانُ الصَّلَاةُ]

- ‌[الْأَوَّلُ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ النِّيَّةُ]

- ‌[الثَّانِي مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةُ تَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ]

- ‌[الثَّالِثُ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةُ الْقِيَامُ]

- ‌[الرَّابِعُ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ]

- ‌[الْخَامِسُ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاة الرُّكُوعُ]

- ‌[السَّادِسُ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاة الِاعْتِدَالُ]

- ‌[السَّابِعُ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاة السُّجُودُ مَرَّتَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ]

- ‌[الثَّامِنُ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاة الْجُلُوسُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ]

- ‌[التَّاسِعُ وَالْعَاشِرُ وَالْحَادِي عَشَرَ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاة التَّشَهُّدُ وَقُعُودُهُ وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ]

- ‌[الثَّانِيَ عَشَرَ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ السَّلَامُ]

- ‌[الثَّالِثَ عَشَرَ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاة تَرْتِيبُ الْأَرْكَانِ]

الفصل: ‌[تنقسم الطهارة إلى عينية وحكمية]

‌كِتَابُ الطَّهَارَةِ

الْكِتَابُ لُغَةً مُشْتَقٌّ مِنْ الْكَتْبِ وَهُوَ الضَّمُّ وَالْجَمْعُ، يُقَالُ كَتَبَ كَتْبًا وَكِتَابَةً وَكِتَابًا وَمِثْلُهُ الْكَثْبُ بِالْمُثَلَّثَةِ. وَقَالَ أَبُو حَيَّانَ وَغَيْرُهُ: إنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ الْمَصْدَرَ لَا يُشْتَقُّ مِنْ الْمَصْدَرِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُمْ لَمْ يُرِيدُوا الِاشْتِقَاقَ الْأَصْغَرَ، وَهُوَ رَدُّ لَفْظٍ إلَى آخَرَ لِمُنَاسَبَةٍ بَيْنَهُمَا فِي الْمَعْنَى، وَالْحُرُوفُ الْأَصْلِيَّةُ، وَإِنَّمَا أَرَادُوا الْأَكْبَرَ، وَهُوَ اشْتِقَاقُ الشَّيْءِ مِمَّا يُنَاسِبُهُ مُطْلَقًا سَوَاءٌ أَوَافَقَتْ حُرُوفُهُ حُرُوفَهُ أَمْ لَا كَمَا فِي الثَّلْمِ وَالثَّلْبِ،

ــ

[حاشية الشبراملسي]

كِتَابُ الطَّهَارَةِ

قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: الْمُشْتَمِلَةُ عَلَى وَسَائِلَ أَرْبَعَةٍ، وَمَقَاصِدَ كَذَلِكَ، وَأَفْرَدَهَا بِتَرَاجِمَ دُونَ تِلْكَ انْتَهَى. وَكَتَبَ عَلَيْهِ ابْنُ قَاسِمٍ: لَعَلَّ مُرَادَهُ بِالْوَسَائِلِ الْمُقَدِّمَاتُ الَّتِي عَبَّرَ بِهَا فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَقَالَ: وَهِيَ أَيْ الْوَسَائِلُ أَرْبَعَةٌ: وَهِيَ الْمِيَاهُ، وَالْأَوَانِي، وَالِاجْتِهَادُ وَالنَّجَاسَاتُ انْتَهَى.

وَبِالْمَقَاصِدِ: الْوُضُوءُ، وَالْغُسْلُ، وَالتَّيَمُّمُ، وَإِزَالَةُ النَّجَاسَةِ وَحِينَئِذٍ فَهَلَّا عُدَّ مِنْ الْوَسَائِلِ وَالْمُقَدِّمَاتِ التُّرَابُ كَالْمِيَاهِ وَالْأَحْدَاثُ كَالنَّجَاسَاتِ، لَكِنْ يَشْكُلُ عَلَى هَذَا قَوْلُهُ: وَأَفْرَدَهَا بِتَرَاجِمَ بِالنِّسْبَةِ لِإِزَالَةِ النَّجَاسَاتِ، إلَّا أَنْ يُرِيدَ بَيَانَ النَّجَاسَةِ ذَاتًا وَإِزَالَةً فَيَكُونُ قَدْ تَرْجَمَ لِلْإِزَالَةِ اهـ.

أَقُولُ قَوْلُهُ فَهَلَّا عَدَّ إلَخْ، قَدْ يُقَالُ لَمَّا كَانَ التُّرَابُ غَيْرَ رَافِعٍ بَلْ هُوَ مُبِيحٌ لَمْ يَعُدَّهُ فِيمَا هُوَ رَافِعٌ، وَالطَّهَارَةُ لَمَّا لَمْ تَتَوَقَّفْ عَلَى الْحَدَثِ دَائِمًا بَلْ قَدْ تُوجَدُ بِلَا سَبْقٍ حَدَثَ كَالْمَوْلُودِ فَإِنَّهُ لَيْسَ مُحْدِثَا وَإِنْ كَانَ فِي حُكْمِهِ، وَمَعَ ذَلِكَ يُطَهِّرُهُ وَلِيُّهُ إذَا أَرَادَ الطَّوَافَ بِهِ فَلَمْ تَتَوَقَّفْ الطَّهَارَةُ عَلَيْهِ، وَمِنْ شَأْنِ الْوَسِيلَةِ أَنْ لَا تَنْفَكَّ (قَوْلُهُ وَهُوَ الضَّمُّ وَالْجَمْعُ) أَيْ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ الْأَشْيَاءُ مُتَنَاسِبَةً أَوْ لَا، وَقَوْلُهُ وَالْجَمْعُ مِنْ عَطْفِ الْأَعَمِّ عَلَى الْأَخَصِّ؛ لِأَنَّ كُلَّ ضَمٍّ فِيهِ جَمْعٌ وَلَا عَكْسَ (قَوْلُهُ: يُقَالُ كَتَبَ كَتْبًا) أَيْ يَقُولُ قَوْلًا جَارِيًا عَلَى طَرِيقَةِ اللُّغَةِ، وَقَوْلُهُ كَتْبًا: أَيْ فَلِكَتَبَ ثَلَاثَةُ مَصَادِرَ: الْأَوَّلُ مُجَرَّدٌ، وَالْآخَرَانِ مَزِيدَانِ (قَوْلُهُ وَمِثْلُهُ الْكَثَبُ) أَيْ فِي أَنَّ مَعْنَاهُ الضَّمُّ وَالْجَمْعُ.

وَفِي الْمِصْبَاحِ: الْكَثَبُ بِفَتْحَتَيْنِ الْقُرْبُ، وَهُوَ يَرْمِي مِنْ كَثَبٍ: أَيْ مِنْ قُرْبٍ وَتَمَكُّنٍ، وَقَدْ تُبْدَلُ الْبَاءُ مِيمًا، فَيُقَالُ مِنْ كَثَمٍ، وَكَثَبَ الْقَوْمُ مِنْ بَابِ ضَرَبَ اجْتَمَعُوا، وَكُثْبَتُهُمْ جَمْعَتُهُمْ يَتَعَدَّى وَلَا يَتَعَدَّى وَمِنْهُ كَثِيبُ الرَّمَلِ لِاجْتِمَاعِهِ (قَوْلُهُ: إنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ) أَيْ اشْتِقَاقُهُ مِنْ الْكَثَبِ، وَقَوْلُهُ وَغَيْرُهُ مِنْ الْغَيْرِ الْإِسْنَوِيُّ (قَوْلُهُ: وَهُوَ رَدُّ لَفْظٍ) أَيْ الِاشْتِقَاقِ الْأَصْغَرِ (قَوْلُهُ: وَالْحُرُوفُ الْأَصْلِيَّةُ) أَيْ وَمَعَ رِعَايَةِ التَّرْتِيبِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ اشْتِقَاقُ الشَّيْءِ) أَيْ الِاشْتِقَاقُ الْأَكْبَرُ (قَوْلُهُ: مِمَّا يُنَاسِبُهُ مُطْلَقًا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَتَوَافَقَا فِي الْحُرُوفِ الْأَصْلِيَّةِ وَالْمَعْنَى، وَعَلَيْهِ فَهُوَ بِهَذَا التَّفْسِيرِ أَعَمُّ مِنْ الْأَصْغَرِ فَيَجْتَمِعَانِ فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ فَلَا حَاجَةَ إلَى الِاعْتِذَارِ بِمَا ذُكِرَ.

هَذَا وَفِي شَرْحِ جَمْعِ الْجَوَامِعِ مَا يَقْتَضِي التَّبَايُنَ، وَعِبَارَتُهُ وَالْأَكْبَرُ لَيْسَ فِيهِ جَمِيعُ الْأُصُولِ انْتَهَى. وَظَاهِرُهَا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَكُونَ فِيهِ جَمِيعُ الْأُصُولِ فَيُبَايِنُ الْأَصْغَرَ (قَوْلُهُ: كَمَا فِي الثَّلْمِ وَالثَّلْبِ)

ــ

[حاشية الرشيدي]

[كِتَابُ الطَّهَارَةِ]

[تَنْقَسِمُ الطَّهَارَةُ إلَى عَيْنِيَّةٍ وَحُكْمِيَّةٍ]

ِ (قَوْلُهُ: وَقَالَ أَبُو حَيَّانَ وَغَيْرُهُ إنَّهُ) يَعْنِي كَوْنَ الْكِتَابِ مُشْتَقًّا مِنْ الْكَتْبِ (قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الْمُشْتَقُّ أَوْ الْمُشْتَقُّ مِنْهُ مَصْدَرًا أَمْ لَا، فَقَوْلُهُ سَوَاءٌ أَوَافَقَتْ حُرُوفُهُ حُرُوفَهُ أَمْ لَا لَيْسَ بَيَانًا لِلْمُرَادِ مِنْ مُطْلَقًا، وَإِنَّمَا هُوَ تَعْمِيمٌ

ص: 57

وَقَدْ ذَكَرُوا أَنَّ الْبَيْعَ مُشْتَقٌّ مِنْ مَدِّ الْبَاعِ مَعَ أَنَّهُ يَائِيٌّ وَالْبَاعُ وَاوِيٌّ، وَأَنَّ الصَّدَاقَ مُشْتَقٌّ مِنْ الصَّدْقِ بِفَتْحِ الصَّادِ وَهُوَ الشَّيْءُ الصُّلْبُ؛ لِأَنَّهُ أَشْبَهَهُ فِي قُوَّتِهِ وَصَلَابَتِهِ انْتَهَى.

وَيَرُدُّ الِاعْتِرَاضَ مَا صَرَّحَ بِهِ السَّعْدُ التَّفْتَازَانِيُّ بِقَوْلِهِ: وَاعْلَمْ أَنَّ مُرَادَنَا بِالْمَصْدَرِ هُوَ الْمَصْدَرُ الْمُجَرَّدُ؛ لِأَنَّ الْمَزِيدَ فِيهِ مُشْتَقٌّ مِنْهُ لِمُوَافَقَتِهِ إيَّاهُ بِحُرُوفِهِ وَمَعْنَاهُ اهـ وَاصْطِلَاحًا: اسْمٌ لِضَمِّ مَخْصُوصٍ أَوَلِجُمْلَةٍ مُخْتَصَّةٍ مِنْ الْعِلْمِ مُشْتَمِلَةٍ عَلَى أَبْوَابٍ وَفُصُولٍ غَالِبًا فَهُوَ إمَّا مَصْدَرٌ لَكِنْ لِضَمٍّ مَخْصُوصٍ أَوْ اسْمِ مَفْعُولٍ بِمَعْنَى الْمَكْتُوبِ أَوْ اسْمِ فَاعِلٍ بِمَعْنَى الْجَامِعِ لِلطَّهَارَةِ وَقَدْ افْتَتَحَ الْأَئِمَّةُ كُتُبَهُمْ بِالطَّهَارَةِ لِخَبَرِ «مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ الطَّهُورُ» مَعَ افْتِتَاحِهِ صلى الله عليه وسلم ذِكْرُ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ بَعْدَ الشَّهَادَتَيْنِ الْمَبْحُوثِ عَنْهُمَا فِي عِلْمِ الْكَلَامِ بِالصَّلَاةِ كَمَا سَيَأْتِي وَلِكَوْنِهَا أَعْظَمَ شُرُوطِ الصَّلَاةِ الَّتِي قَدَّمُوهَا عَلَى غَيْرِهَا؛ لِأَنَّهَا أَفْضَلُ عِبَادَاتِ الْبَدَنِ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَالشَّرْطُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمَشْرُوطِ طَبْعًا فَقُدِّمَ عَلَيْهِ وَضْعًا، وَلَا شَكَّ أَنَّ أَحْكَامَ الشَّرْعِ إمَّا أَنْ تَتَعَلَّقَ بِعِبَادَةٍ أَوْ بِمُعَامَلَةٍ أَوْ بِمُنَاكَحَةٍ أَوْ بِجِنَايَةٍ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

الثَّلَمُ: هُوَ زَوَالُ بَعْضِ الْحَائِطِ أَوْ نَحْوِهِ كَزَوَالِ شَفَةِ الْإِنَاءِ. وَالثَّلْبُ: ذِكْرُ عُيُوبِ الشَّيْءِ اهـ مُخْتَارٌ بِالْمَعْنَى (قَوْلُهُ: وَقَدْ ذَكَرُوا) تَأْكِيدٌ لِلْجَوَابِ (قَوْلُهُ: السَّعْدُ التَّفْتَازَانِي) أَيْ فِي شَرْحِ التَّصْرِيفِ (قَوْلُهُ: اسْمٌ لِضَمِّ) كَأَنْ يُقَالَ ضَمُّ مَسَائِلَ جُمْلَةٍ مُخْتَصَّةٍ إلَخْ، وَعَلَيْهِ فَالْكِتَابُ اصْطِلَاحًا أَخَصُّ مِنْهُ لُغَةً، وَعَلَى الثَّانِي بَيْنَهُمَا التَّنَاسُبُ بِغَيْرِ الْمَخْصُوصِ (قَوْلُهُ: أَوْ لِجُمْلَةٍ مُخْتَصَّةٍ) أَيْ مُمَيِّزَةٍ: أَيْ لِدَالِ جُمْلَةٍ أَوْ لِجُمْلَةٍ مُخْتَصَّةٍ مِنْ دَالِ الْعِلْمِ، فَلَا يُخَالِفُ مَا اخْتَارَهُ السَّيِّدُ مِنْ أَنَّ الْمُخْتَارَ أَنَّهُ اسْمٌ لِلْأَلْفَاظِ الْمَخْصُوصَةِ بِاعْتِبَارِ دَلَالَتِهَا عَلَى الْمَعَانِي (قَوْلُهُ: فَهُوَ إمَّا مَصْدَرٌ إلَخْ) أَيْ رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ لِضَمٍّ مَخْصُوصٍ (قَوْلُهُ أَوْ اسْمُ مَفْعُولٍ) هُوَ وَمَا بَعْدَهُ يَرْجِعَانِ لِقَوْلِهِ أَوْ لِجُمْلَةٍ. وَالْمُرَادُ أَنَّهُ إمَّا مَصْدَرٌ بَاقٍ عَلَى مَصْدَرِيَّتِهِ أَوْ هُوَ بِمَعْنَى اسْمِ الْمَفْعُولِ إلَخْ (قَوْلُهُ بِمَعْنَى الْجَامِعِ لِلطَّهَارَةِ) زَادَ ابْنُ حَجَرٍ: وَالْإِضَافَةُ إمَّا بِمَعْنَى اللَّامِ أَوْ بَيَانِيَّةٌ، وَكَتَبَ عَلَيْهِ ابْنُ قَاسِمِ قَوْلَهُ وَالْإِضَافَةُ إلَخْ. عِبَارَةُ شَرْحِ الْعُبَابِ: وَالْإِضَافَةُ عَلَى غَيْرِ الثَّانِي بِمَعْنَى اللَّامِ وَعَلَيْهِ بَيَانِيَّةٌ انْتَهَى.

يُتَأَمَّلُ هَلْ وُجِدَ شَرْطُ الْبَيَانِيَّةِ؟ وَفِي تَخْصِيصِ مَعْنَى اللَّامِ بِغَيْرِ الثَّانِي نَظَرٌ (قَوْلُهُ: ذِكْرُ شَعَائِرِ) وَفِي نُسْخَةٍ شَرَائِعِ (قَوْلُهُ: الْمَبْحُوثُ عَنْهُمَا) دَفْعٌ لِمَا قَدْ يُقَالُ: هَلَّا ذَكَرَ الْفُقَهَاءُ الْكَلَامَ عَلَى الشَّهَادَتَيْنِ لِلِابْتِدَاءِ بِهِمَا فِي الْحَدِيثِ (قَوْلُهُ: وَلِكَوْنِهَا) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ لِخَبَرِ " مِفْتَاحُ " إلَخْ (قَوْلُهُ: أَعْظَمُ شُرُوطِ الصَّلَاةِ إلَخْ) اُنْظُرْ مَا سَبَبُ كَوْنِ الطَّهَارَةِ أَعْظَمَ شُرُوطِ الصَّلَاةِ مَعَ تَوَقُّفِ صِحَّتِهَا عَلَى الْجَمِيعِ عِنْدَ الْقُدْرَةِ وَعَدَمِ تَوَقُّفِهَا عَلَى شَيْءٍ مِنْهَا عِنْدَ الْعَجْزِ. وَقَدْ يُقَالُ اعْتِنَاءُ الشَّارِعِ بِهَا أَكْثَرُ بِدَلِيلِ أَنَّ مَنْ فَقَدَ السُّتْرَةَ يُصَلِّي عَارِيًّا وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ الْمُحْدِثِ وَمَنْ بِبَدَنِهِ نَجَاسَةٌ فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُصَلِّي لِحُرْمَةِ الْوَقْتِ وَيُعِيدُ، بَلْ قِيلَ لَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا صَلَاةٌ عَلَى تِلْكَ الْحَالَةِ، وَالْقِبْلَةُ لَا تُشْتَرَطُ لِلْمُسَافِرِ فِي النَّفْلِ عَلَى مَا هُوَ مُبَيَّنٌ فِي مَحَلِّهِ، وَالْوَقْتُ إنَّمَا يُعْتَبَرُ لِوُقُوعِ الصَّلَاةِ فَرْضًا لَا لِمُطْلَقِ الصَّلَاةِ حَتَّى لَوْ أَحْرَمَ ظَانًّا دُخُولَ الْوَقْتِ فَبَانَ خِلَافُهُ انْعَقَدَتْ صَلَاتُهُ نَفْلًا مُطْلَقًا (قَوْلُهُ: مُقَدَّمٌ عَلَى الْمَشْرُوطِ طَبْعًا) وَضَابِطُهُ مَا يَتَوَقَّفُ

ــ

[حاشية الرشيدي]

بَعْدَ تَعْمِيمٍ بِحَذْفِ حَرْفِ الْعَطْفِ، وَلَا بُدَّ مِنْ ذَلِكَ وَإِلَّا لَمْ يَتِمَّ مَقْصُودُ الْجَوَابِ،؛ لِأَنَّ مَا نَحْنُ فِيهِ فِيهِ الْمُوَافَقَةُ الْمَذْكُورَةُ كَالْمُنَاسَبَةِ: وَالْمَانِعُ إنَّمَا هُوَ كَوْنُ الْمُشْتَقِّ مَصْدَرًا عَلَى تَسْلِيمِ الِاعْتِرَاضِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: مِنْ مَدِّ الْبَاعِ) حَقُّ الْعِبَارَةِ مِنْ الْبَاعِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا بَعْدَهُ (قَوْلُهُ: وَيَرُدُّ الِاعْتِرَاضَ) أَيْ يَمْنَعُهُ مِنْ أَصْلِهِ، وَالْجَوَابُ الْأَوَّلُ فِيهِ تَسْلِيمُهُ (قَوْلُهُ: لَكِنْ لِضَمٍّ مَخْصُوصٍ) فِي الْعِبَارَةِ تَسَمُّحٌ (قَوْلُهُ: الَّتِي قَدَّمُوهَا) الْمَوْصُولُ وَاقِعٌ عَلَى الصَّلَاةِ (قَوْلُهُ: وَالشَّرْطُ مُقَدَّمٌ إلَخْ) كَانَ الْأَوْلَى حَذْفَهُ، وَالْكِفَايَةَ بِمَا قَبْلَهُ؛ لِأَنَّهُ يُنْتَقَضُ بِالشُّرُوطِ الَّتِي أَخَّرُوهَا عَنْ أَحْكَامِ الصَّلَاةِ، فَالطَّهَارَةُ إنَّمَا قُدِّمَتْ مِنْ حَيْثُ أَعْظَمِيَّتُهَا لَا مِنْ حَيْثُ شَرْطِيَّتُهَا، وَأَعْظَمِيَّتُهَا مِنْ حَيْثُ إنَّ سُقُوطَ الْفَرْضِ مُطْلَقًا بِالْمَعْنَى الْمُغْنِي عَنْ الْقَضَاءِ لَا يَقَعُ بِدُونِهَا، بِخِلَافِ بَقِيَّةِ الشُّرُوطِ فَقَدْ تَقَعُ الصَّلَاةُ بِدُونِهَا مُغْنِيَةً عَنْ الْإِعَادَةِ

ص: 58

مِنْ الْبَعْثَةِ نَظْمُ أَحْوَالِ الْعِبَادِ فِي الْمَعَادِ وَالْمَعَاشِ، وَانْتِظَامُهَا إنَّمَا يُحَصَّلُ بِكَمَالِ قُوَاهُمْ النُّطْقِيَّةِ وَالشَّهَوِيَّةِ وَالْغَضَبِيَّةِ، فَمَا يُبْحَثُ عَنْهُ فِي الْفِقْهِ إنْ تَعَلَّقَ بِكَمَالِ النُّطْقِيَّةِ فَالْعِبَادَةُ إذْ بِهَا كَمَالُهَا أَوْ بِكَمَالِ الشَّهْوِيَّةِ، فَإِنْ تَعَلَّقَ بِالْأَكْلِ وَنَحْوِهِ فَالْمُعَامَلَةُ أَوْ بِالْوَطْءِ وَنَحْوِهِ فَالْمُنَاكَحَةُ أَوْ بِكَمَالِ الْغَضَبِيَّةِ فَالْجِنَايَةُ، وَأَهَمُّهَا الْعِبَادَةُ لِتَعَلُّقِهَا بِالْأَشْرَفِ، ثُمَّ الْمُعَامَلَةُ لِشِدَّةِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا؛ ثُمَّ الْمُنَاكَحَةُ؛ لِأَنَّهَا دُونَهَا فِي الْحَاجَةِ، ثُمَّ الْجِنَايَةُ لِقِلَّةِ وُقُوعِهَا بِالنِّسْبَةِ لِمَا قَبْلَهَا، فَرَتَّبُوهَا عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ وَرَتَّبُوا الْعِبَادَةَ بَعْدَ الشَّهَادَتَيْنِ عَلَى تَرْتِيبِ خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ، وَحَجِّ الْبَيْتِ» وَاخْتَارُوا هَذِهِ الرِّوَايَةَ عَلَى رِوَايَةِ تَقْدِيمِ الْحَجِّ عَلَى الصَّوْمِ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ أَعَمُّ وُجُوبًا لِوُجُوبِهِ عَلَى الْفَوْرِ وَلِتَكَرُّرِهِ فِي كُلِّ عَامٍ.

وَالطَّهَارَةُ مَصْدَرُ طَهَرَ بِفَتْحِ الْهَاءِ وَضَمِّهَا وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ يَطْهُرُ بِضَمِّهَا فِيهِمَا، وَهِيَ لُغَةً: النَّظَافَةُ وَالْخُلُوصُ مِنْ الْأَدْنَاسِ حِسِّيَّةً كَانَتْ كَالْأَنْجَاسِ أَوْ مَعْنَوِيَّةً كَالْعُيُوبِ، وَشَرْعًا:

ــ

[حاشية الشبراملسي]

عَلَيْهِ الشَّيْءُ وَلَيْسَ عِلَّةً تَامَّةً لَهُ (قَوْلُهُ: فِي الْمَعَادِ وَالْمَعَاشِ) يَحْتَمِلَانِ الْمَصْدَرَ وَاسْمَ الزَّمَانِ ابْنُ قَاسِمٍ عَلَى الْبَهْجَةِ. أَقُولُ: وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي (قَوْلُهُ بِكَمَالِ قُوَاهُمْ النُّطْقِيَّةِ) أَيْ الْإِدْرَاكِيَّةِ اهـ ابْنُ قَاسِمٍ عَلَى ابْنِ حَجَرٍ، وَقَالَ فِيمَا كَتَبَهُ عَلَى شَرْحِ الْبَهْجَةِ: أَيْ الْعَقْلِيَّةِ اهـ وَمَعْنَاهَا وَاحِدٌ، ثُمَّ قَالَ: وَهَلْ الْمُرَادُ بِكَمَالِهَا بِمَا أَنَّهَا تُزِيلُ نَقْصًا يَكُونُ لَوْلَاهَا، أَوْ أَنَّهَا تُفِيدُ اعْتِبَارَهَا، وَالِاعْتِدَادُ بِهَا فِيهِ نَظَرٌ، وَلَا مَانِعَ مِنْ إرَادَةِ الْأَمْرَيْنِ اهـ (قَوْلُهُ: لِتَعَلُّقِهَا بِالْأَشْرَفِ) وَهُوَ الْبَارِي سبحانه وتعالى (قَوْلُهُ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ) وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا فِي هَذِهِ الْحِكْمَةِ لِلْفَرَائِضِ لَعَلَّهُ لِكَوْنِهَا عِلْمًا مُسْتَقِلًّا أَوْ لِجَعْلِهَا مِنْ الْمُعَامَلَاتِ حُكْمًا إذْ مَرْجِعُهَا قِسْمَةُ التَّرِكَاتِ وَهِيَ شَبِيهَةٌ بِالْمُعَامَلَاتِ، وَأَخَّرُوا الْقَضَاءَ وَالشَّهَادَاتِ وَالدَّعَاوَى وَالْبَيِّنَاتِ لِتَعَلُّقِهَا بِالْمُعَامَلَاتِ وَالْمُنَاكَحَاتِ وَالْجِنَايَاتِ (قَوْلُهُ: وَعَلَى رِوَايَةِ تَقْدِيمِ الْحَجِّ) يَظْهَرُ مِنْ سِيَاقِهِ أَنَّهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا وَهُوَ كَذَلِكَ فَقَدْ نَقَلَهُ عَنْهُمَا فِي الْأَرْبَعِينَ النَّوَوِيَّةِ (قَوْلُهُ: بِضَمِّهَا فِيهِمَا) وَيُقَالُ أَيْضًا طَهِرَ يَطْهَرُ بِكَسْرِهَا فِي الْمَاضِي وَفَتْحِهَا فِي الْمُضَارِعِ: إذَا اغْتَسَلَ لَا مُطْلَقًا، وَلِعَدَمِ عُمُومِهَا بِهَذَا الِاسْتِعْمَالِ لَمْ يَذْكُرْهَا الشَّارِحُ رحمه الله (قَوْلُهُ: وَالْخُلُوصُ) عَطْفُ تَفْسِيرٍ (قَوْلُهُ: وَشَرْعًا) ظَاهِرُهُ أَنَّ هَذَا التَّعْرِيفَ لِلْأَصْحَابِ. وَقَالَ ابْنُ قَاسِمٍ عَلَى الْمَنْهَجِ: إنَّ هَذَا التَّعْرِيفَ لِلشِّهَابِ الرَّمْلِيِّ اسْتِنْبَاطًا مِنْ كَلَامِهِمْ، وَلَعَلَّ عَدَمَ عَزْوِ الشَّارِحِ إيَّاهُ لِوَالِدِهِ لِكَوْنِهِ لَمَّا كَانَ مُسْتَنْبَطًا مِنْ كَلَامِهِمْ صَحِيحٌ نِسْبَتُهُ إلَيْهِمْ.

هَذَا، وَعَبَّرَ عَنْ مَعْنَى الطَّهَارَةِ الْمُقَابِلِ اللُّغَوِيِّ بِقَوْلِهِ وَشَرْعًا، وَعَنْ مَعْنَى الْكِتَابِ بِقَوْلِهِ وَاصْطِلَاحًا بِنَاءً عَلَى مَا هُوَ الْمَعْرُوفُ مِنْ أَنَّ الْحَقِيقَةَ الشَّرْعِيَّةَ هِيَ مَا تَلْقَى مَعْنَاهَا مِنْ الشَّارِعِ، وَأَنَّ مَا لَمْ يُتَلَقَّ مِنْ الشَّارِعِ يُسَمَّى اصْطِلَاحِيَّةً، وَإِنْ كَانَ فِي عِبَارَاتِ الْفُقَهَاءِ بِأَنْ اصْطَلَحُوا عَلَى اسْتِعْمَالِهِ فِي مَعْنًى فِيمَا بَيْنَهُمْ، وَإِنْ لَمْ يَتَلَقَّوْا التَّسْمِيَةَ بِهِ مِنْ كَلَامِ الشَّارِعِ. نَعَمْ قَدْ يَسْتَعْمِلُونَ الْحَقِيقَةَ الشَّرْعِيَّةَ كَمَا قَالَهُ ابْنُ قَاسِمٍ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الْبَهْجَةِ فِي بَابِ الزَّكَاةِ فِيمَا وَقَعَ فِي كَلَامِ الْفُقَهَاءِ مُطْلَقًا.

هَذَا وَيَنْبَغِي أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ التَّقْسِيمَ لِغَيْرِ اللُّغَوِيَّةِ فِي الْأَصْلِ إنَّمَا هُوَ لِلْعُرْفِيَّةِ الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ، لَكِنْ غَلَبَ اسْتِعْمَالُ الْعُرْفِيَّةِ كَمَا قَالَ الْعَضُدُ عَلَى مَا نَقَلَهُ ابْنُ قَاسِمٍ عَنْهُ فِي شَرْحِ الْوَرَقَاتِ فِي الْعَامَّةِ وَتَسْمِيَةِ الْخَاصَّةِ بِالِاصْطِلَاحِيَّةِ، فَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ هُنَا تَبَعًا لِلشَّيْخِ جَرَى فِيهِ عَلَى ذَلِكَ.

وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: إطْلَاقُ الطَّهَارَةِ عَلَى الْأَوَّلِ حَقِيقَةٌ، وَعَلَى الثَّانِي مَجَازٌ مِنْ إطْلَاقِ اسْمِ السَّبَبِ عَلَى الْمُسَبَّبِ انْتَهَى.

وَهَا هُنَا مَسْأَلَةٌ أُصُولِيَّةٌ ذَكَرهَا الرَّازِيّ عِنْدَ قَوْله تَعَالَى {أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى} [البقرة: 16] هِيَ أَنَّ الشَّارِعَ اخْتَرَعَ مَعَانِيَ شَرْعِيَّةً وَاسْتَعْمَلَ فِيهَا أَلْفَاظًا مَوْضُوعَةً فِي اللُّغَةِ لَمَعَانٍ أُخْرَى، فَهَلْ هِيَ حَقَائِقُ شَرْعِيَّةٌ أَوْ مَجَازَاتٌ لُغَوِيَّةٌ؛ لِأَنَّ

ــ

[حاشية الرشيدي]

فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ مَحَالِّهَا (قَوْلُهُ النُّطْقِيَّةِ) أَيْ الْإِدْرَاكِيَّةِ (قَوْلُهُ: فَالْجِنَايَةُ) يَعْنِي التَّحَرُّزَ عَنْهَا كَمَا فِي التُّحْفَةِ (قَوْلُهُ: بِالْأَشْرَفِ) أَيْ كَمَالِ النُّطْقِيَّةِ خِلَافًا لِمَا وَقَعَ فِي حَاشِيَةِ شَيْخِنَا (قَوْلُهُ: وَالطَّهَارَةُ مَصْدَرُ إلَخْ) كَانَ الْأَوْلَى تَقْدِيمَهُ

ص: 59

زَوَالُ الْمَنْعِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَى الْحَدَثِ أَوْ الْخَبَثِ أَوْ الْفِعْلِ الْمَوْضُوعِ لِإِفَادَةِ ذَلِكَ أَوْ لِإِفَادَةِ بَعْضِ آثَارِهِ، كَالتَّيَمُّمِ فَإِنَّهُ يُفِيدُ جَوَازَ الصَّلَاةِ الَّذِي هُوَ مِنْ آثَارِ ذَلِكَ، فَهِيَ قِسْمَانِ، وَلِهَذَا عَرَّفَهَا النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ بِاعْتِبَارِ الْقِسْمِ الثَّانِي بِأَنَّهَا رَفْعُ حَدَثٍ أَوْ إزَالَةِ نَجَسٍ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُمَا وَعَلَى صُورَتِهِمَا، كَالتَّيَمُّمِ وَالْأَغْسَالِ الْمَسْنُونَةِ وَتَجْدِيدِ الْوُضُوءِ وَالْغَسْلَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ. وَتَنْقَسِمُ الطَّهَارَةُ إلَى عَيْنِيَّةٍ وَحُكْمِيَّةٍ، فَالْعَيْنِيَّةُ مَا لَا تُجَاوِزُ مَحَلَّ حُلُولِ مُوجِبِهَا كَغَسْلِ الْخَبَثِ، وَالْحُكْمِيَّةُ مَا تُجَاوِزُ ذَلِكَ كَالْوُضُوءِ

، وَقَدْ جَرَتْ عَادَةُ إمَامِنَا رضي الله عنه بِأَنَّهُ إذَا كَانَ فِي الْبَابِ آيَةٌ أَوْ حَدِيثٌ أَوْ أَثَرٌ ذَكَرَهُ ثُمَّ رَتَّبَ عَلَيْهِ مَسَائِلَ الْبَابِ، وَتَبِعَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الْمُحَرَّرِ، وَحَذَفَ ذَلِكَ الْمُصَنَّفُ مِنْ الْمِنْهَاجِ اخْتِصَارًا، غَيْرَ أَنَّهُ افْتَتَحَهُ بِالْآيَةِ الْآتِيَةِ تَبَرُّكًا أَوْ اسْتِدْلَالًا وَقَدَّمَهَا؛ لِأَنَّ الدَّلِيلَ إذَا كَانَ عَامًّا فَرُتْبَتُهُ التَّقْدِيمُ فَلِهَذَا قَالَ (قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} [الفرقان: 48] أَيْ مُطَهِّرًا، وَيُعَبَّرُ عَنْهُ بِالْمُطْلَقِ، وَعُدِلَ عَنْ قَوْله تَعَالَى {وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ} [الأنفال: 11] وَإِنْ قِيلَ بِأَصْرَحِيَّتِهَا لِيُفِيدَ بِذَلِكَ أَنَّ الطَّهُورَ غَيْرُ الطَّاهِرِ، إذْ قَوْله تَعَالَى {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً} [المؤمنون: 18] دَلَّ عَلَى كَوْنِهِ طَاهِرًا؛ لِأَنَّ الْآيَةَ سِيقَتْ فِي مَعْرِضِ الِامْتِنَانِ وَهُوَ سُبْحَانَهُ لَا يَمْتَنُّ بِنَجَسٍ، وَحِينَئِذٍ فَيَكُونُ الطَّهُورُ غَيْرَ الطَّاهِرِ وَإِلَّا لَزِمَ التَّأْكِيدُ، وَالتَّأْسِيسُ خَيْرٌ مِنْهُ (يُشْتَرَطُ لِرَفْعِ الْحَدَثِ وَالنَّجِسِ) بِكَسْرِ الْجِيمِ وَفَتْحِهَا وَبِإِسْكَانِهَا مَعَ كَسْرِ النُّونِ وَفَتْحِهَا:

ــ

[حاشية الشبراملسي]

الشَّارِعَ إنْ غَيَّرَ وَضْعَ اللُّغَةِ وَوَضَعَهَا لِتِلْكَ الْمَعَانِي الشَّرْعِيَّةِ فَهِيَ حَقَائِقُ شَرْعِيَّةٌ، إذْ لَا مَعْنَى لِلْحَقِيقَةِ الشَّرْعِيَّةِ إلَّا اللَّفْظَ الْمُسْتَعْمَلَ فِيمَا وُضِعَ لَهُ فِي الشَّرْعِ، وَإِنْ لَمْ يُغَيِّرْ وَضْعَ اللُّغَةِ وَاسْتَعْمَلَهَا فِي تِلْكَ الْمَعَانِي لِعَلَاقَةٍ بَيْنَهُمَا فَهِيَ مَجَازَاتٌ لُغَوِيَّةٌ، وَحِينَئِذٍ لَوْ كَانَتْ الْعَلَاقَةُ التَّشْبِيهَ تَكُونُ اسْتِعَارَاتٍ لَا مَحَالَةَ انْتَهَى (قَوْلُهُ: زَوَالُ الْمَنْعِ الْمُتَرَتِّبِ) وَهُوَ حُرْمَةُ الصَّلَاةِ مَثَلًا (قَوْلُهُ وَهِيَ قِسْمَانِ) أَيْ الطَّهَارَةُ (قَوْلُهُ: وَلِهَذَا عَرَّفَهَا النَّوَوِيُّ إلَخْ) صَرِيحٌ فِي أَنَّ الرَّفْعَ وَالْإِزَالَةَ الْمَذْكُورَيْنِ فِي تَعْرِيفِ النَّوَوِيِّ الْمَذْكُورِ هُمَا نَفْسُ نَحْوِ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَصَبِّ الْمَاءِ عَلَى الثَّوْبِ، لَكِنْ قَدْ يَتَوَقَّفُ فِي أَنَّ الْوُضُوءَ مَثَلًا هُوَ نَفْسُ الرَّفْعِ، بَلْ الرَّفْعُ يَحْصُلُ بِهِ وَلَيْسَ نَفْسُهُ فَلْيُتَأَمَّلْ انْتَهَى ابْنُ قَاسِمٍ عَلَى شَرْحِ الْبَهْجَةِ (قَوْلُهُ: بِاعْتِبَارِ الْقِسْمِ الثَّانِي) هُوَ قَوْلُهُ أَوْ الْفِعْلُ الْمَوْضُوعُ (قَوْلُهُ: أَوْ إزَالَةُ نَجَسٍ) أَيْ حُكْمُ إلَخْ وَيُقَالُ عَيْنًا أَوْ أَثَرًا (قَوْلُهُ وَعَلَى صُورَتِهِمَا) عَطْفُ تَفْسِيرٍ انْتَهَى ابْنُ قَاسِمٍ عَلَى ابْنِ حَجَرٍ (قَوْلُهُ: كَالتَّيَمُّمِ) مِثَالٌ لِمَا فِي مَعْنَى رَفْعِ الْحَدَثِ وَمِثَالُ مَا فِي مَعْنَى النَّجَسِ الدَّبَّاغِ وَانْقِلَابُ الْخَمْرِ خَلًّا (قَوْلُهُ: وَالْأَغْسَالُ الْمَسْنُونَةُ) هُوَ وَمَا بَعْدَهُ مِنْ تَجْدِيدِ الْوُضُوءِ مِثَالٌ لِمَا هُوَ عَلَى صُورَةِ رَفْعِ الْحَدَثِ (قَوْلُهُ: وَالْغَسْلَةُ الثَّانِيَةُ) مِثَالٌ لِمَا عَلَى صُورَتِهِمَا (قَوْلُهُ: فَالْعَيْنِيَّةُ مَا لَا تُجَاوِزُ) أَيْ تَتَعَدَّى

(قَوْلُهُ: وَهُوَ سُبْحَانَهُ لَا يَمْتَنُّ بِنَجَسٍ) يُتَأَمَّلُ فَمَا الْمَانِعُ مِنْ صِحَّةِ الِامْتِنَانِ بِشَيْءٍ وَإِنْ قَامَ غَيْرُهُ مَقَامَهُ، وَهَذَا وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِأَنْ يَقُولَ ثَبَتَتْ الطَّهَارَةُ بِالْمَاءِ وَلَمْ تَثْبُتْ بِغَيْرِهِ، وَلَا مَدْخَلَ لِلْقِيَاسِ لِظُهُورِ الْفَرْقِ انْتَهَى ابْنُ قَاسِمٍ عَلَى الْمَنْهَجِ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا لَزِمَ التَّأْكِيدُ) أَيْ لَوْ جَعَلَ الطَّهُورَ بِمَعْنَى الطَّاهِرِ لَزِمَ التَّأْكِيدُ، لِأَنَّ الطَّهَارَةَ مُسْتَفَادَةٌ مِنْ لَفْظِ الْمَاءِ عَلَى مَا مَرَّ. بِخِلَافِ مَا لَوْ أُرِيدَ بِهِ الطَّهُورُ فَلَا يَكُونُ تَأْكِيدًا بَلْ تَأْسِيسًا، لِأَنَّهُ أَفَادَ مَعْنًى لَمْ يُفِدْهُ مَا قَبْلَهُ وَهُوَ الْمُرَادُ بِالتَّأْسِيسِ (قَوْلُهُ بِكَسْرِ الْجِيمِ وَفَتْحِهَا) أَيْ مَعَ فَتْحِ النُّونِ وَقَوْلُهُ مَعَ كَسْرِ النُّونِ إلَخْ: أَيْ مَعَ إسْكَانِهَا فَتَصِيرُ

ــ

[حاشية الرشيدي]

عَلَى قَوْلِهِ فِيمَا مَرَّ.

وَقَدْ افْتَتَحَ الْأَئِمَّةُ كُتُبَهُمْ إلَخْ كَمَا صَنَعَ غَيْرُهُ لِيَكُونَ ذَاكَ بَعْدَ التَّكَلُّمِ عَلَى جَمِيعِ أَلْفَاظِ التَّرْجَمَةِ (قَوْلُهُ: أَوْ الْفِعْلُ الْمَوْضُوعُ) يَشْمَلُ نَحْوَ الْوُضُوءِ الْمُجَدَّدِ، وَالْأَغْسَالِ الْمَسْنُونَةِ، فَإِنَّ تِلْكَ الْأَفْعَالَ الْمَخْصُوصَةَ مَوْضُوعَةٌ لِإِفَادَةِ مَا ذُكِرَ لَوْ كَانَ ثَمَّ مَنْعٌ وَإِنْ لَمْ تُفِدْهُ بِالْفِعْلِ فِي نَحْوِ الْوُضُوءِ الْمُجَدَّدِ، وَالْأَغْسَالِ الْمَسْنُونَةِ وَذَلِكَ لِعَدَمِ وُجُودِ الْمَنْعِ، فَهُوَ مُوفٍ بِمَا

ص: 60

أَيْ رَفْعِ حُكْمِهِ وَهُوَ بِمَعْنَى مَنْ عَبَّرَ فِي النَّجَسِ بِالْإِزَالَةِ وَالشَّرْطُ فِي اللُّغَةِ الْعَلَامَةُ وَفِي الِاصْطِلَاحِ مَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ الْعَدَمُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ وُجُودٌ وَلَا عَدَمٌ لِذَاتِهِ. وَالْحَدَثُ لُغَةً الشَّيْءُ الْحَادِثُ وَشَرْعًا يُطْلَقُ عَلَى ثَلَاثَةِ أُمُورٍ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِ الْأَحْدَاثِ أَحَدُهَا وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا أَنَّهُ أَمْرٌ اعْتِبَارِيٌّ يَقُومُ بِالْأَعْضَاءِ يَمْنَعُ صِحَّةَ نَحْوِ الصَّلَاةِ حَيْثُ لَا مُرَخِّصَ إذْ لَا يَرْفَعُهُ إلَّا الْمَاءُ وَلَا فَرْقَ فِي الْحَدَثِ بَيْنَ الْأَصْغَرِ وَهُوَ مَا أَبْطَلَ الْوُضُوءَ وَالْمُتَوَسِّطِ وَهُوَ مَا أَوْجَبَ الْغُسْلَ مِنْ نَحْوِ جِمَاعٍ وَالْأَكْبَرُ وَهُوَ مَا أَوْجَبَهُ مِنْ نَحْوِ حَيْضٍ.

وَالنَّجَسُ لُغَةً الشَّيْءُ الْمُبْعَدُ وَشَرْعًا مُسْتَقْذَرٌ يَمْنَعُ صِحَّةَ نَحْوِ الصَّلَاةِ حَيْثُ لَا مُرَخِّصَ (مَاءٌ مُطْلَقٌ) أَمَّا فِي الْحَدَثِ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [المائدة: 6] فَأَوْجَبَ التَّيَمُّمَ عَلَى مَنْ فَقَدَ الْمَاءَ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ بِغَيْرِهِ، وَأَمَّا فِي النَّجَسِ فَلِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «لَمَّا بَالَ الْأَعْرَابِيُّ فِي الْمَسْجِدِ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

اللُّغَاتُ أَرْبَعَةً، وَفِي الْقَامُوسِ لُغَةٌ خَامِسَةٌ وَهِيَ كَعَضُدِ انْتَهَى (قَوْلُهُ: أَيْ رُفِعَ حُكْمُهُ) إنَّمَا يَحْتَاجُ إلَى هَذَا التَّقْدِيرِ إذَا أُرِيدَ بِالْحَدَثِ الْأَسْبَابُ، أَمَّا إنْ أُرِيدَ الْأَمْرُ الِاعْتِبَارِيُّ أَوْ الْمَنْعُ فَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ بَلْ لَا يَسْتَقِيمُ، وَسَيَأْتِي لَهُ التَّصْرِيحُ بِأَنَّ الْمُرَادَ الْأَمْرُ الِاعْتِبَارِيُّ، وَعَلَيْهِ فَكَانَ الْأَوْلَى تَرْكُ هَذَا الْمُقَدَّرِ، وَلَعَلَّهُ قَدَّرَهُ لِيَظْهَرَ وَجْهُ التَّعْبِيرِ بِالرَّفْعِ فِي النَّجَسِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ وَهُوَ بِمَعْنَى مَنْ عَبَّرَ فِي إلَخْ (قَوْلُهُ: وَهُوَ) أَيْ رَفْعُ حُكْمِهِ (قَوْلُهُ: وَالشَّرْطُ فِي اللُّغَةِ الْعَلَامَةُ) سَيَأْتِي لَهُ فِي بَابِ شُرُوطِ الصَّلَاةِ أَنَّ مَا فَسَّرَ بِهِ الشَّرْطَ هُنَا مُوَافِقٌ لِلُّغَةِ خِلَافًا لِقَوْلِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ: إنَّ الْعَلَامَةَ مَعْنَى الشَّرْطِ بِالْفَتْحِ، وَأَمَّا الشَّرْطُ بِالسُّكُونِ فَمَعْنَاهُ إلْزَامُ الشَّيْءِ وَالْتِزَامُهُ (قَوْلُهُ: إذْ لَا يَرْفَعُهُ) أَيْ هَذَا الْأَمْرُ الِاعْتِبَارِيُّ (قَوْلُهُ: وَهُوَ مَا أَبْطَلَ الْوُضُوءَ) إنَّمَا سُمِّيَ أَصْغَرَ لِقِلَّةِ مَا يَحْرُمُ بِهِ بِالنِّسْبَةِ لِمَا يَحْرُمُ بِالْجَنَابَةِ أَوْ الْحَيْضِ، وَسُمِّيَ الْحَيْضُ أَكْبَرَ لِكَثْرَةِ مَا يَحْرُمُ بِهِ بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِهِ، وَالْجَنَابَةُ مُتَوَسِّطَةٌ لِتَوَسُّطِ مَا يَحْرُمُ بِهَا بَيْنَ الطَّرَفَيْنِ، فَإِنَّهُ يَحْرُمُ بِهَا قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ وَالْمُكْثِ فِي الْمَسْجِدِ وَلَا يَحْرُمَانِ بِالْأَصْغَرِ وَالْحَيْضُ يَحْرُمُ بِهِ ذَلِكَ وَالصَّوْمُ وَالْوَطْءُ وَنَحْوُهُ (قَوْلُهُ: لَمَّا بَالَ الْأَعْرَابِيُّ) هُوَ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ أَوْ ذُو الْخُوَيْصِرَةِ قَالَهُ الْمُنَاوِيُّ فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ، وَاقْتَصَرَ ابْنُ حَجَرٍ فِي التُّحْفَةِ عَلَى الثَّانِي لَكِنَّهُ قَيَّدَهُ بِالتَّمِيمِيِّ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْإِصَابَةِ وَلِمَا فِي الْقَامُوسِ فَإِنَّهُ قَالَ: ذُو الْخُوَيْصِرَةِ اثْنَانِ أَحَدُهُمَا تَمِيمِيٌّ وَالثَّانِي

ــ

[حاشية الرشيدي]

فِي تَعْرِيفِ النَّوَوِيِّ الْآتِي خِلَافًا لِمَا فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ فَتَأَمَّلْ

(قَوْلُهُ: أَيْ رَفْعُ حُكْمِهِ) أَيْ النَّجَسِ بِقَرِينَةِ مَا بَعْدَهُ، وَإِنَّمَا أَظْهَرَ فِيهِ مَعَ أَنَّ الْمَقَامَ لِلْإِضْمَارِ لِدَفْعِ تَوَهُّمِ الْعَوْدِ إلَى الْحَدَثِ أَيْضًا، وَإِنَّمَا قَصَرْنَاهُ عَلَى النَّجِسِ؛ لِأَنَّ الْحَدَثَ بِالْمَعْنَى الْآتِي لَا يَحْتَاجُ إلَى هَذَا التَّقْدِيرِ الَّذِي قَدَّرَهُ (قَوْلُهُ: وَهُوَ بِمَعْنَى مَنْ عَبَّرَ إلَخْ) أَيْ بِحَسَبِ الْمَآلِ، وَإِلَّا فَالْمَعْنَى غَيْرُ الْمَعْنَى، وَالشِّهَابُ ابْنُ حَجَرٍ حَمَلَ النَّجِسَ هُنَا عَلَى مَعْنًى مَجَازِيٍّ لَهُ غَيْرِ مَا يَأْتِي لِيَبْقَى التَّعْبِيرُ بِالرَّفْعِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ عَلَى ظَاهِرِهِ وَعِبَارَتُهُ، وَهُوَ: أَيْ النَّجِسُ مُسْتَقْذَرٌ يَمْنَعُ صِحَّةَ نَحْوِ الصَّلَاةِ حَيْثُ لَا مُرَخِّصَ، أَوْ مَعْنًى يُوصَفُ بِهِ الْمَحَلُّ الْمُلَاقِي لِعَيْنٍ مِنْ ذَلِكَ مَعَ رُطُوبَةٍ، وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ هُنَا لَا أَنَّهُ الَّذِي لَا يَرْفَعُهُ إلَّا الْمَاءُ، وَلِأَنَّ الْمُصَنِّفَ اسْتَعْمَلَ فِيهِ الرَّفْعَ كَمَا تَقَرَّرَ، وَهُوَ لَا يَصِحُّ فِيهِ حَقِيقَةً إلَّا عَلَى هَذَا الْمَعْنَى، أَمَّا عَلَى الْأَوَّلِ فَوَصْفُهُ بِهِ مِنْ مَجَازِ مُجَاوَرَتِهِ لِلْحَدَثِ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (قَوْلُهُ: أَحَدُهَا، وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا أَنَّهُ أَمْرٌ اعْتِبَارِيٌّ إلَخْ) إنَّمَا خَصَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ بِهِ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى الثَّانِيَ الَّذِي هُوَ الْمَنْعُ الْمُتَرَتِّبُ عَلَى مَا ذُكِرَ لَا يَخْتَصُّ رَفْعُهُ بِالْمَاءِ بَلْ يَرْفَعُهُ التُّرَابُ أَيْضًا.

عَلَى أَنَّ الشِّهَابَ ابْنَ حَجَرٍ جَوَّزَ إرَادَتَهُ هُنَا أَيْضًا وَقَالَ: إنَّ مُرَادَنَا بِالرَّفْعِ الْعَامِّ، وَهُوَ لَا يَكُونُ إلَّا الْمَاءُ، بِخِلَافِ التُّرَابِ، فَإِنَّهُ رَفْعٌ خَاصٌّ بِالنِّسْبَةِ لِفَرْضٍ وَاحِدٍ انْتَهَى بِالْمَعْنَى.

أَمَّا الْمَعْنَى الثَّالِثُ لِلْحَدَثِ فَلَا تَصِحُّ إرَادَتُهُ هُنَا إلَّا بِتَقْدِيرٍ كَأَنْ يَجْعَلَ قَوْلَ الشَّارِحِ الْمَارَّ أَيْ رَفْعَ حُكْمِهِ رَاجِعًا لِلْحَدَثِ أَيْضًا إلَّا أَنَّ صَنِيعَهُ هُنَا يُنَافِيهِ (قَوْلُهُ: إذْ لَا يَرْفَعُهُ إلَّا الْمَاءُ) كَذَا فِي النُّسَخِ أَوْ الْقَرِيبَةِ وَحَقُّ الْعِبَارَةِ.

إذْ هُوَ الَّذِي لَا يَرْفَعُهُ إلَّا الْمَاءُ، وَلَعَلَّ الضَّمِيرَ، وَالْمَوْصُولَ سَقَطَا مِنْ الْكَتَبَةِ (قَوْلُهُ: فَأَوْجَبَ التَّيَمُّمَ عِنْدَ فَقْدِ الْمَاءِ) أَيْ، وَالْمَاءُ يَنْصَرِفُ إلَى الْمُطْلَقِ لِتَبَادُرِهِ إلَى الْأَذْهَانِ وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا يَأْتِي

ص: 61

صُبُّوا عَلَيْهِ ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ» وَالذَّنُوبُ بِفَتْحِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ: الدَّلْوُ الْمُمْتَلِئَةُ أَوْ الْقَرِيبَةُ مِنْ الِامْتِلَاءِ مَاءً، وَالْمَأْمُورُ لَا يَخْرُجُ عَنْ عُهْدَةِ الْأَمْرِ إلَّا بِالِامْتِثَالِ، وَقَدْ نَصَّ عَلَى الْمَاءِ فَهُوَ إمَّا تَعَبُّدٌ لَا يُعْقَلُ مَعْنَاهُ، أَوْ لِمَا حَوَى مِنْ الرِّقَّةِ وَاللَّطَافَةِ الَّتِي لَا تُوجَدُ فِي غَيْرِهِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَرْسُبُ لِلصَّافِي مِنْهُ ثِقَلٌ بِإِغْلَائِهِ، بِخِلَافِ الصَّافِي مِنْ غَيْرِهِ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: لَا لَوْنَ لَهُ وَمَا يَظْهَرُ فِيهِ لَوْنُ ظَرْفِهِ أَوْ مُقَابِلِهِ؛ لِأَنَّهُ جِسْمٌ شَفَّافٌ.

وَقَالَ الرَّازِيّ: بَلْ لَهُ لَوْنٌ وَيُرَى، وَمَعَ ذَلِكَ لَا يَحْجُبُ عَنْ رُؤْيَةِ مَا وَرَاءَهُ. وَاقْتَصَرَ عَلَى الْحَدَثِ وَالنَّجِسِ؛ لِأَنَّهُمَا الْأَصْلُ، وَإِلَّا فَيُشْتَرَطُ لِسَائِرِ الطَّهَارَاتِ غَيْرَ التَّيَمُّمِ وَالِاسْتِحَالَةِ الْمَاءُ الْمُطْلَقُ، وَشَمِلَ النَّجَاسَةَ بِأَنْوَاعِهَا وَلَوْ مُخَفَّفَةً أَوْ مُغَلَّظَةً بِشَرْطِهِ الْآتِي، وَدَخَلَ فِي الْمَاءِ جَمِيعُ أَنْوَاعِهِ بِأَيِّ صِفَةٍ كَانَ مِنْ أَحْمَرَ وَأَسْوَدَ، وَكَذَا مُتَصَاعِدٌ مِنْ بُخَارٍ مُرْتَفِعٍ مِنْ غَلَيَانِ الْمَاءِ وَنَابِعٍ مِنْ زُلَالِ، وَهُوَ شَيْءٌ يَنْعَقِدُ مِنْ الْمَاءِ عَلَى صُورَةِ حَيَوَانٍ، وَشَمِلَتْ عِبَارَتُهُ الْمَاءَ النَّازِلَ مِنْ السَّمَاءِ وَالنَّابِعَ مِنْ الْأَرْضِ وَلَوْ مِنْ زَمْزَمَ، وَالْمَاءُ النَّابِعُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ أَشْرَفُ الْمِيَاهِ، وَخَرَجَ بِهِ مَا لَا يُسَمَّى مَاءً كَتُرَابِ تَيَمُّمٍ وَحَجَرِ الِاسْتِنْجَاءِ وَأَدْوِيَةِ دَبَّاغٍ وَشَمْسٍ وَرِيحٍ وَنَارٍ وَخَلٍّ وَنَبِيذٍ وَغَيْرِهَا، وَخَرَجَ بِمُطْلَقِ الْمُسْتَعْمَلِ وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِهِ. قَالَ فِي الدَّقَائِقِ: وَعَدَلَ عَنْ قَوْلِ أَصْلِهِ لَا يَجُوزُ إلَى قَوْلِهِ يُشْتَرَطُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

يَمَانِيٌّ، فَالْأَوَّلُ خَارِجِيٌّ لَيْسَ بِصَحَابِيٍّ، وَالثَّانِي هُوَ الصَّحَابِيُّ الْبَائِلُ فِي الْمَسْجِدِ انْتَهَى بِالْمَعْنَى فَلْيُرَاجِعْ. وَعِبَارَتُهُ ذُو الْخُوَيْصِرَةِ الْيَمَانِيِّ صَحَابِيٌّ وَهُوَ الْبَائِلُ فِي الْمَسْجِدِ، وَالتَّمِيمِيُّ حُرْقُوصُ بْنُ زُهَيْرٍ ضِئْضِئُ الْخَوَارِجِ: أَيْ أَصْلُهُمْ. وَفِي الْبُخَارِيِّ: فَأَتَاهُ ذُو الْخُوَيْصِرَةِ، وَقَالَ مَرَّةً: فَأَتَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ ذِي الْخُوَيْصِرَةِ وَكَأَنَّهُ وَهَمَ انْتَهَى.

(قَوْلُهُ: «صُبُّوا عَلَيْهِ ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ» ) عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ: أَيْ مَظْرُوفَ ذَنُوبِ وَمِنْ تَبْعِيضِيَّةٌ، أَوْ هِيَ مَعَ مَدْخُولِهَا فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ انْتَهَى عَمِيرَةُ انْتَهَى زِيَادِيُّ.

لَا يُقَالُ لَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ مَعَ قَوْلِهِ وَالذَّنُوبُ اسْمٌ لِلدَّلْوِ إلَخْ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: لَمَّا كَانَ الذَّنُوبُ لَهُ إطْلَاقَاتٌ مِنْهَا أَنَّهُ يُطْلَقُ فِي اللُّغَةِ عَلَى الدَّلْوِ فَقَطْ لَا بِقَيْدِ كَوْنِهِ مُمْتَلِئًا مَاءً وَعَلَيْهِ يُقَيَّدُ بِشَدِّ الْحَبْلِ عَلَيْهِ فَلِهَذَا قُيِّدَ فِي الْحَدِيثِ بِقَوْلِهِ مِنْ مَاءٍ، وَفِي نُسْخَةٍ: إسْقَاطُ قَوْلِهِ مَاءٌ، وَعَلَيْهَا فَلَا حَاجَةَ لِمَا ذُكِرَ (قَوْلُهُ: الدَّلْوُ الْمُمْتَلِئَةُ) يُفِيدُ أَنَّ الدَّلْوَ مُؤَنَّثَةٌ، وَفِي الْمُخْتَارِ أَنَّهَا تُؤَنَّثُ وَتُذَكَّرُ، وَعِبَارَتُهُ وَالذَّنُوبُ النَّصِيبُ وَهُوَ أَيْضًا الدَّلْوُ الْمَلْأَى مَاءً. وَقَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: الَّتِي فِيهَا مَاءٌ قَرِيبٌ مِنْ الْمِلْءِ تُؤَنَّثُ وَتُذَكَّرُ، وَلَا يُقَالُ لَهَا وَهِيَ فَارِغَةٌ ذَنُوبٌ انْتَهَى. وَفِي الْقَامُوسِ مَا يُصَرَّحُ بِأَنَّهُ يُقَالُ لَهُ مُطْلَقًا فِيهِ مَاءٌ أَمْ لَا انْتَهَى.

(قَوْلُهُ: فَهُوَ إمَّا تَعَبُّدٌ) أَيْ الْمَاءُ بِمَعْنَى الِاعْتِدَادِ بِهِ دُونَ غَيْرِهِ (قَوْلُهُ: ثُفْلٌ بِإِغْلَائِهِ) الثُّفْلُ بِضَمِّ الْمُثَلَّثَةِ: مَا سَفُلَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ انْتَهَى مُخْتَارٌ (قَوْلُهُ: وَشَمِلَ) أَيْ النَّجَسُ (قَوْلُهُ: بِشَرْطِهِ الْآتِي) أَيْ وَهُوَ امْتِزَاجُهُ بِالتُّرَابِ (قَوْلُهُ: مِنْ غَلَيَانِ الْمَاءِ) أَيْ كَمَا صَرَّحَ بِهِ النَّوَوِيُّ وَإِنْ خَالَفَهُ صَاحِبُ الْعُبَابِ (قَوْلُهُ: عَلَى صُورَةِ حَيَوَانٍ) زَادَ ابْنُ حَجَرٍ: وَلَيْسَتْ بِحَيَوَانٍ، فَإِنْ تَحَقَّقَ أَيْ كَوْنُهُ حَيَوَانًا كَانَ نَجَسًا؛ لِأَنَّهُ قَيْءٌ انْتَهَى (قَوْلُهُ: وَلَوْ مِنْ زَمْزَمَ) عِبَارَةُ ابْنِ حَجَرٍ: وَلَا يُكْرَهُ الطُّهْرُ بِمَاءِ زَمْزَمَ، وَلَكِنَّ الْأَوْلَى عَدَمُ إزَالَةِ النَّجَسِ بِهِ، وَجَزْمُ بَعْضِهِمْ بِحُرْمَتِهِ ضَعِيفٌ بَلْ شَاذٌّ (قَوْلُهُ: وَخَرَجَ بِهِ) أَيْ بِالْمَاءِ (قَوْلُهُ مَا لَا يُسَمَّى مَاءً) قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَخَرَجَ بِالْمَاءِ مِنْ حَيْثُ تَعَلَّقَ الِاشْتِرَاطُ بِهِ انْتَهَى.

وَدَفَعَ بِذَلِكَ مَا أَوْرَدَ عَلَيْهِ مِنْ أَنَّ الْمَاءَ لَقَبٌ وَلَا مَفْهُومَ لَهُ عَلَى الرَّاجِحِ

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلُهُ: الدَّلْوُ الْمُمْتَلِئَةُ إلَخْ) وَعَلَيْهِ فَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم " مِنْ مَاءٍ " تَأْكِيدٌ لِدَفْعِ تَوَهُّمِ التَّجَوُّزِ بِالذَّنُوبِ عَنْ مُطْلَقِ الدَّلْوِ وَقِيلَ فِيهِ غَيْرُ ذَلِكَ، لَكِنْ نَقَلَ بَعْضُهُمْ عَنْ اللُّغَةِ أَنَّ مُطْلَقَ الدَّلْوِ مِنْ جُمْلَةِ إطْلَاقَاتِ الذَّنُوبِ، وَعَلَيْهِ فَمِنْ مَاءٍ تَأْسِيسٌ مِنْ غَيْرِ تَكَلُّفٍ، وَمِنْ ثَمَّ اقْتَصَرَ عَلَى هَذَا الْإِطْلَاقِ الْمُحَقِّقُ الْجَلَالُ الْمَحَلِّيُّ (قَوْلُهُ: وَنَابِعٍ مِنْ زُلَالٍ، وَهُوَ شَيْءٌ إلَخْ) صَرِيحٌ فِي أَنَّ الزُّلَالَ اسْمُ حَيَوَانٍ نَفْسِهِ وَيُوَافِقُهُ مَا فِي عِبَارَاتٍ كَثِيرَةٍ، لَكِنَّ عِبَارَةَ التُّحْفَةِ صَرِيحَةٌ فِي خِلَافِهِ، وَأَنَّ الزُّلَالَ اسْمٌ لِمَا يَخْرُجُ

ص: 62

مِنْ عَدَمِ الْجَوَازِ الِاشْتِرَاطُ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ قَدْ ذَكَرَ فِي شَرْحِ الْمُهَذِّبِ أَنَّ لَفْظَةَ يَجُوزُ تُسْتَعْمَلُ تَارَةً بِمَعْنَى الْحِلِّ وَتَارَةً بِمَعْنَى الصِّحَّةِ وَتَارَةً بِمَعْنَاهُمَا، وَهَذَا الْمَوْضِعُ مِمَّا يَصْلُحُ لِلْأَمْرَيْنِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ لَفْظَةَ يُشْتَرَطُ تَقْتَضِي تَوَقُّفَ الرَّفْعِ عَلَى الْمَاءِ، وَلَفْظَةُ لَا يَجُوزُ مُتَرَدِّدَةٌ بَيْنَ تِلْكَ الْمَعَانِي وَلَا قَرِينَةَ، فَالتَّعْبِيرُ بِيُشْتَرَطُ أَوْلَى. وَرُدَّ بِمَنْعِ التَّرَدُّدِ؛ لِأَنَّهُ إنْ حَمَلَ الْمُشْتَرَكُ عَلَى جَمِيعِ مَعَانِيهِ عُمُومًا فَظَاهِرٌ، وَإِلَّا فَحَمْلُهُ عَلَى جَمِيعِهَا هُنَا بِقَرِينَةِ السِّيَاقِ وَالتَّبْوِيبِ وَاعْتَرَضَ ثَانِيًا بِأَنَّ تَعْبِيرَ الْمُحَرَّرِ أَوْلَى لِدَلَالَتِهِ عَلَى نَفْيِ الْجَوَازِ بِغَيْرِ الْمَاءِ بِمَنْطُوقِهِ، وَتَعْبِيرُ الْكِتَابِ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ بِوَاسِطَةِ أَنَّ الْإِتْيَانَ بِالْعِبَادَةِ عَلَى غَيْرِ وَجْهِهَا حَرَامٌ لِلتَّلَاعُبِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ إذَا تَعَارَضَ هَذَانِ الْغَرَضَانِ فَالتَّعْبِيرُ بِمَا يُصَرِّحُ بِالْمَقْصُودِ وَهُوَ اشْتِرَاطُ الْمَاءِ لِلتَّطْهِيرِ أَوْلَى.

وَعِبَارَةُ بَعْضِهِمْ لَا يُرْفَعُ الْحَدَثُ وَلَا يُزَالُ الْخَبَثُ بِالِاسْتِقْلَالِ إلَّا بِالْمَاءِ. وَاحْتُرِزَ بِقَيْدِ الِاسْتِقْلَالِ عَنْ التُّرَابِ فِي غَسَلَاتِ الْكَلْبِ فَإِنَّهُ إزَالَةُ نَجَاسَةٍ بِغَيْرِ الْمَاءِ لَكِنْ لَا مُسْتَقِلَّا. وَقَدْ يُقَالُ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ بِغَيْرِ الْمَاءِ بَلْ بِهِ مَعَ انْضِمَامِ غَيْرِهِ (لَهُ وَهُوَ) أَيْ الْمَاءُ الْمُطْلَقُ (مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ مَاءٍ بِلَا قَيْدٍ) لَازِمٍ فَشَمِلَ الْمُتَغَيِّرَ كَثِيرًا بِمَا لَا يَضُرُّ كَطِينٍ وَطُحْلُبٍ أَوْ بِمُجَاوِرٍ إذْ أَهْلُ اللِّسَانِ لَا يَمْنَعُونَ مِنْ إيقَاعِ اسْمِ الْمَاءِ الْمُطْلَقِ عَلَيْهِ فَعُلِمَ أَنَّهُ مُطْلَقٌ لَا أَنَّهُ غَيْرُ مُطْلَقٍ وَإِنَّمَا أُعْطِيَ حُكْمَهُ، وَخَرَجَ الْمُسْتَعْمَلُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُطْلَقٍ وَالْقَلِيلُ الْمُتَنَجِّسُ بِالْمُلَاقَاةِ، وَالْمُؤَثِّرُ هُوَ الْقَيْدُ اللَّازِمُ مِنْ إضَافَةٍ كَمَاءِ وَرْدٍ، أَوْ صِفَةٍ كَمَاءٍ دَافِقٍ وَمَاءٍ مُسْتَعْمَلٍ، أَوْ مُتَنَجِّسٍ أَوْ لَامِ عَهْدٍ كَالْمَاءِ فِي قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «نَعَمْ إذَا رَأَتْ الْمَاءَ» أَيْ الْمَنِيَّ فَلَا أَثَرَ لِلْقَيْدِ الْمُنْفَكِّ كَمَاءِ الْبِئْرِ أَوْ الْبَحْرِ، وَيُجْزِئُ الرَّفْعُ بِهِ وَلَوْ ثَلْجًا أَوْ بَرَدًا إنْ سَالَ فِي مَغْسُولٍ، وَإِلَّا أَجْزَأَ فِي مَمْسُوحٍ، وَبِمَا يَنْعَقِدُ مِلْحًا أَوْ حَجَرًا وَلَوْ لِجَوْهَرِهِ أَوْ لِسُبُوخَةِ الْأَرْضِ، وَيَلْزَمُ مُحْدِثًا وَنَحْوَهُ إذَابَةُ بَرَدٍ وَنَحْوِهِ وَمِلْحٍ مَائِيٍّ إنَّ تَعَيَّنَ وَضَاقَ الْوَقْتُ وَلَمْ تَزِدْ مُؤْنَتُهُ عَلَى ثَمَنٍ مِثْلِ الْمَاءِ هُنَاكَ

(فَالْمُتَغَيِّرُ بِمُسْتَغْنًى عَنْهُ) طَاهِرٌ مُخَالِطٌ (كَزَعْفَرَانٍ تَغَيُّرًا يَمْنَعُ إطْلَاقَ اسْمِ الْمَاءِ غَيْرِ طَهُورٍ) بِأَنْ يَحْدُثَ لَهُ بِسَبَبِ ذَلِكَ اسْمٌ آخَرُ، وَيَزُولَ بِهِ وَصْفُ الْإِطْلَاقِ كَجَصٍّ وَنَوْرَةٍ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

قَوْلُهُ مِمَّا يَصْلُحُ لِلْأَمْرَيْنِ) أَيْ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِمَا إذْ لَا مَانِعَ (قَوْلُهُ: بَيْنَ تِلْكَ الْمَعَانِي) وَهِيَ الْحِلُّ وَالصِّحَّةُ وَهُمَا مَعًا (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ إنْ حَمَلَ عَلَى الْمُشْتَرَكِ) كَمَا قِيلَ بِهِ وَعَلَيْهِ إمَامُنَا الشَّافِعِيُّ، وَقَوْلُهُ عُمُومًا: أَيْ بِأَنْ تَجْعَلَ تِلْكَ الْمَعَانِيَ مَدْلُولَةً لِلَّفْظِ الْمُشْتَرَكِ بِالْمُطَابِقَةِ، وَقَوْلُهُ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ قُلْنَا لَا يُحْمَلُ عُمُومًا بَلْ هُوَ مُجْمَلٌ، فَمَحَلُّ هَذَا الْقَوْلِ حَيْثُ لَمْ تَقُمْ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَى حَمْلِهِ عَلَى جَمِيعِ مَعَانِيه، وَهَذَا قَدْ قَامَتْ عَلَى حَمْلِهِ الْقَرِينَةُ وَهِيَ السِّيَاقُ وَالتَّبْوِيبُ، وَقَوْلُهُ بِقَرِينَةِ السِّيَاقِ خَبَرُ قَوْلِهِ حَمْلُهُ وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ وَاجِبٌ (قَوْلُهُ: فَظَاهِرٌ) أَيْ وَاضِحُ الرَّدِّ (قَوْلُهُ وَاعْتَرَضَ ثَانِيًا) أَيْ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَيْضًا (قَوْلُهُ وَعِبَارَةُ بَعْضِهِمْ) تَأْيِيدٌ لِكَلَامِ الْمُحَرَّرِ (قَوْلُهُ: بِلَا قَيْدٍ) أَيْ مَعَ الْعِلْمِ بِالْحَالِ عِنْدَ أَهْلِ الْعُرْفِ وَاللِّسَانِ (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا أَعْطَى حُكْمَهُ) هَذَا مُشْعِرٌ بِجَرَيَانِ الْخِلَافِ فِي الْمُجَاوِرِ وَمَا مَعَهُ، وَاَلَّذِي فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ يَقْتَضِي تَخْصِيصَ الْخِلَافِ بِالتُّرَابِ وَالْمِلْحِ الْمَائِيِّ، وَأَنَّ الْمُتَغَيِّرَ بِغَيْرِهِمَا مِمَّا لَا يَضُرُّ التَّغَيُّرُ بِهِ مُطْلَقٌ قَطْعًا فَلْيُرَاجَعْ.

(قَوْلُهُ: الْقَلِيلُ الْمُتَنَجِّسُ) أَيْ؛ لِأَنَّ مَنْ عَلِمَ بِحَالِهِمَا يَمْتَنِعُ مِنْ إطْلَاقِ الْمَاءِ عَلَيْهِمَا (قَوْلُهُ: وَإِلَّا أَجْزَأَ فِي مَمْسُوحٍ) كَالرَّأْسِ مَثَلًا (قَوْلُهُ وَبِمَا يَنْعَقِدُ مِلْحًا) أَيْ وَيُجْزِئُ الرَّفْعُ بِمَا يَنْعَقِدُ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَضَاقَ الْوَقْتُ) أَيْ بِحَيْثُ لَمْ يَبْقَ مَا يَزِيدُ عَلَى الصَّلَاةِ كَامِلَةً بَعْدَ الْوُضُوءِ وَإِذَابَةِ الْمَاءِ فَحِينَئِذٍ تَجِبُ إذَابَتُهُ وَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ بِاشْتِغَالِهِ بِذَلِكَ وَلَا يَتَيَمَّمُ؛ لِأَنَّهُ وَاجِدٌ لِلْمَاءِ

ــ

[حاشية الرشيدي]

مِنْ الْحَيَوَانِ الْمَذْكُورِ (قَوْلُهُ: عَلَى نَفْيِ الْجَوَازِ) أَيْ بِمَعْنَى الْحِلِّ (قَوْلُهُ: مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ مَاءٍ بِلَا قَيْدٍ) أَيْ لِلْعَالِمِ بِحَالِهِ (قَوْلُهُ: لَازِمٌ) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ،؛ لِأَنَّ ذَا الْقَيْدَ الْمُنْفَكَّ يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ مَاءٍ بِلَا قَيْدٍ وَإِنَّمَا كَانَ يَحْتَاجُ إلَيْهِ لَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ هُوَ الَّذِي لَمْ يُقَيَّدْ بِقَيْدٍ مَثَلًا (قَوْلُهُ: وَالْمُؤَثِّرُ هُوَ الْقَيْدُ اللَّازِمُ) هَذَا قَدَّمَهُ عَقِبَ الْمَتْنِ وَذَكَرَهُ هُنَا تَوْطِئَةً لِمَا بَعْدَهُ وَتَقَدَّمَ مَا فِيهِ

(قَوْلُهُ: بِأَنْ يَحْدُثَ لَهُ بِسَبَبِ ذَلِكَ اسْمٌ) يَعْنِي يَحْدُثَ لَهُ قَيْدٌ بِقَرِينَةِ مَا بَعْدَهُ، أَوْ أَنَّ الْوَاوَ لِلتَّقْسِيمِ، فَالْمَعْنَى

ص: 63

وَزِرْنِيخٍ وَسِدْرٍ وَلَوْ عَلَى الْمَحَلِّ الْمَغْسُولِ وَحَجَرٍ مَدْقُوقٍ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ التَّغَيُّرُ حِسِّيًّا أَمْ تَقْدِيرِيًّا، فَلَوْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ مَائِعٌ طَاهِرٌ يُوَافِقُهُ فِي صِفَاتِهِ فُرِضَ وَصْفُ الْخَلِيطِ الْمَفْقُودِ مُخَالِفًا فِي أَوْسَطِ الصِّفَاتِ كَلَوْنِ الْعَصِيرِ وَطَعْمِ الرُّمَّانِ وَرِيحِ اللَّاذَنِ، كَذَا قَالَهُ ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ، وَاعْتَبَرَ الرُّويَانِيُّ الْأَشْبَهَ بِالْخَلِيطِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ عَرْضِ جَمِيعِ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

قَوْلُهُ: وَلَوْ عَلَى الْمَحَلِّ) أَيْ وَسَوَاءٌ كَانَ السِّدْرُ مُخْتَلِطًا بِالْمَاءِ الَّذِي قُصِدَ التَّطْهِيرُ بِهِ أَوْ كَانَ عَلَى الْمَحَلِّ الَّذِي قُصِدَ تَطْهِيرُهُ (قَوْلُهُ: الْمَغْسُولُ) هُوَ مُعْتَبَرٌ فِي الْجَمِيعِ وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِهِ فِي السِّدْرِ لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِالتَّنْظِيفِ بِهِ وَخَرَجَ بِهِ مَا لَوْ أُرِيدَ تَطْهِيرُ السِّدْرِ نَفْسِهِ فَتَغَيَّرَ الْمَاءُ بِهِ قَبْلَ وُصُولِهِ إلَى بَقِيَّةِ أَجْزَائِهِ فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ لِكَوْنِهِ ضَرُورِيًّا فِي تَطْهِيرِهِ (قَوْلُهُ: وَصْفِ الْخَلِيطِ الْمَفْقُودِ) يَنْبَغِي أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ لَوْ قَدَّرَ فَغَيْرُ ضُرٍّ، وَإِلَّا فَلَهُ الْإِعْرَاضُ عَنْ التَّقْدِيرِ وَاسْتِعْمَالُهُ، إذْ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ شَاكٌّ فِي التَّغَيُّرِ الْمُضِرِّ وَالشَّكُّ لَا يَضُرُّ انْتَهَى ابْنُ قَاسِمٍ عَلَى ابْنِ حَجَرٍ.

وَقَوْلُهُ الْمَفْقُودُ قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُخَالِفْ الْمَاءَ فِي الْأَصْلِ إلَّا فِي صِفَةٍ وَاحِدَةٍ فُرِضَتْ دُونَ غَيْرِهَا كَمَا لَوْ كَانَ لَهُ رِيحٌ وَفَقَدَ فَلَا يُقَدِّرُ غَيْرَهُ، وَقَضِيَّةُ قَوْلِهِ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا بُدَّ إلَخْ خِلَافُهُ، ثُمَّ قَضِيَّةُ تَأْخِيرِ قَوْلِهِ وَمَعْلُومٌ عَنْ كَلَامِ الرُّويَانِيِّ وَابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ تَفْرِيعُهُ عَلَيْهِمَا وَيَنْبَغِي تَخْصِيصُهُ بِكَلَامِ ابْنِ أَبِي عَصْرُونٍ (قَوْلُهُ كَلَوْنِ الْعَصِيرِ) أَيْ عَصِيرِ الْعِنَبِ أَبْيَضَ أَوْ أَسْوَدَ (قَوْلُهُ: وَرِيحُ اللَّاذَنِ) هُوَ بِالذَّالِ الْمَفْتُوحَةِ الْمُعْجَمَةِ كَمَا فِي الْقَامُوسِ (قَوْلُهُ: وَاعْتَبَرَ الرُّويَانِيُّ) وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ أَنَّهُ عَلَى كَلَامِ ابْنِ أَبِي عَصْرُونٍ

ــ

[حاشية الرشيدي]

أَنَّهُ يَنْسَلِخُ عَنْهُ اسْمُ الْمَاءِ كُلِّيَّةً أَوْ يَزُولُ عَنْهُ وَصْفُ الْإِطْلَاقِ فَقَطْ بِأَنْ يَصِيرَ مُقَيَّدًا (قَوْلُهُ: فَرْضُ وَصْفِ الْخَلِيطِ الْمَفْقُودِ) أَيْ بِعَرْضِ جَمِيعِ الْأَوْصَافِ كَمَا سَيَأْتِي فِي قَوْلِهِ وَمَعْلُومٌ إلَخْ، وَحِينَئِذٍ فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا وَقَعَ فِي الْمَاءِ مَائِعٌ يُوَافِقُهُ فِي جَمِيعِ الصِّفَاتِ وَكَانَ ذَلِكَ الْمَائِعُ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَصْفٌ مَثَلًا، فَفِقْدَانُهُ يُفْرَضُ بِعَرْضِ جَمِيعِ الصِّفَاتِ لَكِنَّ ذَلِكَ الْعَرْضَ إنَّمَا هُوَ عَنْ الْوَصْفِ الْمَفْقُودِ الَّذِي كَانَ مِنْ شَأْنِهِ الْوُجُودُ، كَالرِّيحِ فِي الْمَاوَرْدِ الْمُنْقَطِعِ الرَّائِحَةِ، وَكَالطَّعْمِ الْمِلْحِ الْجَبَلِيِّ، لَا أَنَّ كُلَّ وَصْفٍ بَدَلٌ عَنْ نَظِيرِهِ مِنْ الْمَائِعِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ شَأْنِهِ وُجُودُهُ فِيهِ كَاللَّوْنِ فِي الْمِثَالَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ،؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْوَصْفَ لَمْ يَكُنْ فِيهِ وَفُقِدَ حَتَّى يُقَدَّرَ فَرَجَعَتْ عِبَارَتُهُ إلَى قَوْلِ الْعُبَابِ، وَلَوْ خَالَطَ الْمَاءَ الْقَلِيلَ أَوْ الْكَثِيرَ مَائِعٌ طَاهِرٌ يُوَافِقُ أَوْصَافَهُ، أَوْ خَالَطَ الْمَاءَ الْقَلِيلَ مُسْتَعْمَلٌ وَلَمْ يَبْلُغْ بِهِ قُلَّتَيْنِ فُرِضَ وَصْفُ الْخَلِيطِ الْمَفْقُودِ مُخَالِفًا وَسَطًا فِي جَمِيعِ الْأَوْصَافِ انْتَهَى.

فَجُعِلَ الْفَرْضُ لِلْأَوْصَافِ الثَّلَاثَةِ بَدَلًا عَنْ خُصُوصِ الْوَصْفِ الْمَفْقُودِ وَإِنْ لَمْ يَأْتِ فِي الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ، مَعَ أَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ فِي كَلَامِهِ كَالشَّارِحِ أَنَّ الْمَائِعَ مُوَافِقٌ فِي جَمِيعِ الْأَوْصَافِ، وَوَجْهُهُ مَا أَشَرْنَا إلَيْهِ فِيمَا مَرَّ، وَوَجْهُ تَقْدِيرِ الْأَوْصَافِ الثَّلَاثَةِ أَنَّ الْأَمْرَ إذَا آلَ إلَى التَّقْدِيرِ سَلَكَ فِيهِ الِاحْتِيَاطَ، أَلَا تَرَى أَنَّ وَصْفَ النَّجَاسَةِ الْمَقْصُودَ يُقَدَّرُ بِالْأَشَدِّ وَإِنْ كَانَ تَأْثِيرُهُ أَضْعَافَ تَأْثِيرِ الْوَصْفِ الْمَفْقُودِ، وَحِينَئِذٍ فَلَيْسَ فِي الشَّارِحِ كَالْعُبَابِ وَغَيْرِهِ تَعَرُّضٌ لِمَا إذَا وَقَعَ فِي الْمَاءِ كَلَوْنِ مَا يُوَافِقُهُ فِي بَعْضِ أَوْصَافِهِ وَيُخَالِفُهُ فِي بَعْضِهَا، بَلْ كَلَامُهُمَا كَغَيْرِهِمَا يُفْهَمُ أَنَّهُ لَا تَقْدِيرَ حِينَئِذٍ، وَهُوَ ظَاهِرٌ، إذْ مِنْ الْبَعِيدِ أَنَّهُ إذَا وَقَعَ فِي الْمَاءِ مِلْحٌ جَبَلِيٌّ مَثَلًا بَاقِي الطَّعْمِ وَلَمْ يُغَيِّرْهُ بِطَعْمِهِ الَّذِي لَيْسَ لَهُ إلَّا هُوَ فِي الْوَاقِعِ أَنَّا نَفْرِضُ لَهُ لَوْنًا أَوْ رِيحًا مُخَالِفًا، وَكَلَامُهُمْ وَأَمْثِلَتُهُمْ كَالصَّرِيحِ فِي خِلَافِ ذَلِكَ، وَلَيْسَ لَهُ وَصْفٌ مَفْقُودٌ مِنْ شَأْنِهِ الْوُجُودُ حَتَّى نُقَدِّرَ بَدَلَهُ، وَلَيْسَ الْمُخَالِطُ الطَّاهِرُ كَالنَّجَاسَةِ فِيمَا ذَكَرَهُ فِيهَا الشِّهَابُ ابْنُ حَجَرٍ مِنْ أَنَّهَا إذَا وَافَقَتْ فِي بَعْضِ الْأَوْصَافِ وَخَالَفَتْ فِي بَعْضِهَا أَنَّا نُقَدِّرُ فِي الْأَوْصَافِ الْمُوَافِقَةِ إذَا لَمْ تُغَيَّرْ بِالْمُخَالَفَةِ لِلْفَرْقِ الظَّاهِرِ، وَهُوَ غَلَطُ أَمْرِ النَّجَاسَةِ وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يَذْكُرْ هُوَ نَظِيرَهُ هُنَا فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ مُهِمٌّ، وَبِهِ يَنْدَفِعُ مَا اُعْتُرِضَ بِهِ عَلَى الشَّارِحِ مِنْ دَعْوَى التَّنَاقُضِ فِي كَلَامِهِ، نَعَمْ تَأْخِيرُهُ قَوْلَةَ وَمَعْلُومٌ إلَى آخِرِهِ عَمَّا نَقَلَهُ عَنْ الرُّويَانِيِّ يُوهِمُ جَرَيَانَهُ فِيهِ، وَهُوَ غَيْرُ مُرَادٍ (قَوْلُهُ: كَلَوْنِ الْعَصِيرِ) أَيْ الْأَسْوَدِ أَوْ الْأَحْمَرِ مَثَلًا لَا الْأَبْيَضِ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّا نَفْرِضُهُ مُخَالِفًا لِلْمَاءِ فِي اللَّوْنِ خِلَافًا لِمَا فِي حَاشِيَةِ شَيْخِنَا (قَوْلُهُ: كَذَا قَالَهُ ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ إلَخْ) الَّذِي فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ لِشَيْخِ الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا بَعْدَ مَا مَرَّ نَقْلُهُ عَنْ ابْنِ أَبِي عَصْرُونٍ

ص: 64

الْأَوْصَافِ عَلَى الْمَاءِ، فَإِنْ لَمْ يُغَيِّرْهُ حُكِمَ بِطَهُورِيَّتِهِ فَإِنْ كَانَ الْخَلِيطُ نَجِسًا فِي مَاءٍ كَثِيرٍ اُعْتُبِرَ بِأَشَدِّ الصِّفَاتِ كَلَوْنِ الْحِبْرِ وَطَعْمِ الْخَلِّ وَرِيحِ الْمِسْكِ لِغِلَظِهِ، وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ بِغَيْرِهِ لِكَوْنِهِ لِمُوَافَقَتِهِ لَا يُغَيِّرُ، فَكَانَ كَالْحُكُومَةِ لِمَا لَمْ يُمْكِنْ اعْتِبَارُهَا فِي الْحَدِّ بِنَفْسِهِ قَدَّرْنَاهُ رَقِيقًا لِنَعْلَمَ قَدْرَ الْوَاجِبِ.

فَإِنْ لَمْ يُؤْثِرْ فَهُوَ طَهُورٌ وَلَهُ اسْتِعْمَالُ كُلِّهِ، وَيَلْزَمُهُ تَكْمِيلُ الْمَاءِ النَّاقِصِ عَنْ طَهَارَتِهِ الْوَاجِبَةِ بِهِ إنْ تَعَيَّنَ، لَكِنْ لَوْ انْغَمَسَ فِيهِ جُنُبٌ نَاوِيًا وَهُوَ قَلِيلٌ صَارَ مُسْتَعْمَلًا كَمَا لَا يَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهِ النَّجَاسَةَ، وَحِينَئِذٍ فَقَدْ جَعَلْنَا الْمُسْتَهْلَكَ كَالْمَاءِ فِي إبَاحَةِ التَّطْهِيرِ بِهِ، وَلَمْ نَجْعَلْهُ كَذَلِكَ فِي دَفْعِ النَّجَاسَةِ عَنْ نَفْسِهِ إذَا وَقَعَتْ فِيهِ وَعَدَمِ صَيْرُورَتِهِ مُسْتَعْمَلًا بِالِانْغِمَاسِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ دَفْعَ النَّجَاسَةِ مَنُوطٌ بِبُلُوغِ الْمَاءِ قُلَّتَيْنِ، وَمَعْرِفَةُ بُلُوغِ الْمَاءِ لَهُمَا مُمْكِنَةٌ مَعَ الِاخْتِلَاطِ وَالِاسْتِهْلَاكِ، وَرَفْعُ الْحَدَثِ وَالْخَبَثِ مَنُوطٌ بِاسْتِعْمَالِ مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْمَاءِ، وَمَعَ الِاسْتِهْلَاكِ الْإِطْلَاقُ ثَابِتٌ، وَاسْتِعْمَالُ الْخَالِصِ غَيْرُ مُمْكِنٍ فَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ تَكْلِيفٌ، وَاكْتُفِيَ بِالْإِطْلَاقِ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مَاءً فَشَرِبَ الْمُتَغَيِّرَ الْمَذْكُورَ أَوْ نَحْوَهُ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

يُعْتَبَرُ أَوْسَطَ الصِّفَاتِ وَإِنْ لَمْ يُشْبِهْ صِفَةَ الْوَاقِعِ، فَمَاءُ الْوَرْدِ الْمُنْقَطِعِ الرَّائِحَةِ يُفْرَضُ عَلَى كَلَامِهِ مِنْ اللَّاذَنِ، وَعَلَى كَلَامِ الرُّويَانِيِّ يُعْتَبَرُ بِمَاءِ وَرْدٍ لَهُ رَائِحَةٌ؛ لِأَنَّهُ أَشْبَهُ بِالْمُخَالِطِ، وَقَوْلُهُ لَا بُدَّ مِنْ عَرَضٍ إلَخْ قَدْ يُخَالِفُ مَا اقْتَضَاهُ قَوْلُهُ فَرْضُ وَصْفِ الْخَلِيطِ الْمَفْقُودِ إلَّا أَنْ يَخُصَّ مَا هُنَا بِمَا لَوْ كَانَ الْوَاقِعُ فِي الْأَصْلِ لَهُ الصِّفَاتُ الثَّلَاثَةُ وَفُقِدَتْ، أَوْ لَيْسَ لَهُ صِفَةٌ كَالْمُسْتَعْمَلِ فَتَأَمَّلْ فَإِنَّهُ بَعِيدٌ (قَوْلُهُ: حُكِمَ بِطَهُورِيَّتِهِ) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِطَهُورِيَّتِهِ إلَّا بَعْدَ فَرْضِ الْأَوْصَافِ لَكِنْ فِي حَاشِيَةِ ابْنِ قَاسِمٍ عَلَى ابْنِ حَجَرٍ مَا نَصُّهُ يَنْبَغِي أَنَّ الْمُرَادَ إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ (قَوْلُهُ: كَلَوْنِ الْحِبْرِ) وَسَكَتَ عَنْ حِكَايَةِ الْخِلَافِ بَيْنَ ابْنِ أَبِي عَصْرُونٍ وَالرُّويَانِيِّ وَلَا مَانِعَ مِنْ مَجِيئِهِ ثُمَّ ذَكَرَ هَذِهِ هُنَا لِلِاسْتِطْرَادِ وَإِلَّا فَمَحَلُّهَا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ بَعْدُ فَإِنَّ غَيْرَهُ إلَخْ.

(قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ بِغَيْرِهِ) أَيْ الْخَلِيطُ (قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ يُؤَثِّرْ) أَيْ الْخَلِيطُ (قَوْلُهُ: عَنْ طَهَارَتِهِ الْوَاجِبَةِ بِهِ) أَيْ الطَّاهِرُ الَّذِي لَمْ يُؤَثِّرْ فِي الْمَاءِ بِاخْتِلَاطِهِ بِهِ لَا حِسًّا وَلَا تَقْدِيرًا (قَوْلُهُ: إنْ تَعَيَّنَ) أَيْ مَا لَمْ تَزِدْ مُؤْنَتُهُ عَلَى ثَمَنِ الْمَاءِ الْمَفْقُودِ كَمَا يُصَرَّحُ بِهِ فِيمَا يَأْتِي عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ أَوْ وَمَاءِ وَرْدٍ تَوَضَّأَ بِكُلٍّ مَرَّةً (قَوْلُهُ: صَارَ مُسْتَعْمَلًا) أَيْ وَارْتَفَعَ حَدَثُهُ (قَوْلُهُ: وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مَاءً) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْحَلِفِ بِاَللَّهِ وَالطَّلَاقِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ مَاءً مَا لَوْ قَالَ هَذَا فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِهِ وَإِنْ مُزِجَ بِغَيْرِهِ وَتَغَيَّرَ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ هَذَا الْمَاءُ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَحْنَثُ بِهِ إذَا شَرِبَهُ عَلَى حَالَتِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ مُزِجَ بِسُكَّرٍ أَوْ نَحْوِهِ بِحَيْثُ تَغَيَّرَ كَثِيرًا وَهَذَا التَّفْصِيلُ يُؤْخَذُ مِمَّا لَوْ حَلَفَ مُشِيرًا إلَى حِنْطَةٍ حَيْثُ فَرَّقُوا فِيهِ بَيْنَ مَا لَوْ قَالَ: لَا آكُلُ مِنْ هَذِهِ فَيَحْنَثُ بِالْأَكْلِ مِنْهَا وَإِنْ خَرَجَتْ عَنْ صُورَتِهَا فَصَارَتْ دَقِيقًا أَوْ خُبْزًا وَمَا لَوْ قَالَ: لَا آكُلُ مِنْ هَذِهِ الْحِنْطَةِ فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِأَكْلِهِ مِنْهَا إذَا صَارَتْ دَقِيقًا أَوْ خُبْزًا وَهَذَا كُلُّهُ إذَا أَشَارَ إلَيْهِ قَبْلَ الْمَزْجِ فَإِنْ أَشَارَ إلَيْهِ بَعْدَهُ فَهَلْ يَحْنَثُ بِشُرْبِهِ مِنْهُ أَوْ لَا فِيهِ نَظَرٌ وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي؛ لِأَنَّ الْمُسَمَّى لَمْ يُوجَدْ فَلَا نَظَرَ لِلْإِشَارَةِ بِالصُّورَةِ الْحَاضِرَةِ وَإِلَّا فَيَحْنَثُ كَمَا لَوْ قَالَ نَوَيْت الِاقْتِدَاءَ بِزَيْدٍ هَذَا وَبَانَ غَيْرُهُ فَإِنَّهُ يَصِحُّ حَيْثُ عَلَّقَ الْإِشَارَةَ بِالصُّورَةِ الْحَاضِرَةِ (قَوْلُهُ: الْمُتَغَيِّرَ الْمَذْكُورَ) أَيْ وَلَوْ تَقْدِيرِيًّا وَمِنْهُ الْمَمْزُوجُ بِالسُّكَّرِ (قَوْلُهُ: أَوْ نَحْوَهُ)

ــ

[حاشية الرشيدي]

اُعْتُبِرَ وَصْفُ الْخَلِيطِ الْمَفْقُودِ.

وَعِبَارَةُ الشَّرْحِ الْمَذْكُورِ كَلَوْنِ الْعَصِيرِ وَطَعْمِ الرُّمَّانِ وَرِيحِ اللَّاذَنِ فَلَا يُقَدَّرُ بِالْأَشَدِّ إلَى أَنْ قَالَ وَاعْتَبَرَ الرُّويَانِيُّ الْأَشْبَهَ بِالْخَلِيطِ وَابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ صِفَةَ الْخَلِيطِ الْمَفْقُودَةَ وَهَذَا لَا يُمْكِنُ فِي الْمُسْتَعْمَلِ انْتَهَى (قَوْلُهُ: وَلَهُ اسْتِعْمَالٌ كُلُّهُ إلَخْ) فِيهِ تَشْتِيتُ الضَّمَائِرِ فَالضَّمِيرُ فِي كُلِّهِ لِمَجْمُوعِ الْمَاءِ، وَالْمُخَالِطِ وَفِي بِهِ لِخُصُوصِ الْمُخَالِطِ وَفِي فِيهِ وَمَا بَعْدَهُ لِخُصُوصِ الْمَاءِ (قَوْلُهُ: إنْ تَعَيَّنَ) أَيْ بِأَنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا أَنْ لَا تَزِيدَ قِيمَةُ الْمَائِعِ عَلَى ثَمَنِ مَاءِ الطَّهَارَةِ هُنَاكَ فَهَذَا الِاشْتِرَاطُ قَيْدٌ زَائِدٌ عَلَى التَّعْيِينِ الْمَذْكُورِ لَا تَفْسِيرَ لَهُ خِلَافًا لِمَا وَقَعَ فِي حَاشِيَةِ شَيْخِنَا (قَوْلُهُ: وَهُوَ قَلِيلٌ)

ص: 65

لَمْ يَحْنَثْ وَلَوْ وَكَّلَ مَنْ يَشْتَرِي لَهُ مَاءً فَاشْتَرَاهُ لَهُ لَمْ يَقَعْ لِلْمُوَكِّلِ

وَقَدْ يَشْمَلُ إطْلَاقُهُ مَسْأَلَةَ ابْنِ أَبِي الصَّيْفِ وَهِيَ مَا لَوْ طُرِحَ مُتَغَيِّرٌ بِمَا فِي مَقَرِّهِ وَمَمَرِّهِ عَلَى مَاءِ غَيْرِهِ مُتَغَيِّرٍ فَتَغَيَّرَ بِهِ سَلَبَهُ الطَّهُورِيَّةَ لِاسْتِغْنَاءِ كُلٍّ مِنْهُمَا عَنْ خَلْطِهِ بِالْآخَرِ وَقَدْ أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَيُلْغَزُ بِهِ فَيُقَالُ لَنَا مَاءَانِ يَصِحُّ التَّطْهِيرُ بِهِمَا انْفِرَادًا لَا اجْتِمَاعًا وَمُرَادُهُ بِمَا يُسْتَغْنَى عَنْهُ الْمَاءُ مَا يُمْكِنُ صَوْنُهُ عَنْهُ فَلَا يَضُرُّ التَّغَيُّرُ بِأَوْرَاقِ الْأَشْجَارِ الْمُتَنَاثِرَةِ وَلَوْ رَبِيعِيَّةً وَإِنْ تَفَتَّتَتْ وَاخْتَلَطَتْ وَلَا بِالْمِلْحِ الْمَائِيِّ وَإِنْ كَثُرَ التَّغَيُّرُ بِهِ وَطُرِحَ، بِخِلَافِ الْجَبَلِيِّ فَإِنَّهُ خَلِيطٌ مُسْتَغْنًى عَنْهُ غَيْرَ مُنْعَقِدٍ مِنْ الْمَاءِ، وَبِخِلَافِ طَرْحِ الْوَرِقِ الْمُتَفَتِّتِ فَإِنَّهُ يَضُرُّ، وَالْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ كَمَائِعٍ فَنَفْرِضُهُ مُخَالِفًا لِلْمَاءِ وَسَطًا فِي صِفَاتِهِ لَا فِي تَكْثِيرِ الْمَاءِ فَلَوْ ضُمَّ إلَى مَاءٍ قَلِيلٍ فَبَلَغَ بِهِ قُلَّتَيْنِ صَارَ طَهُورًا، وَإِنْ أَثَّرَ فِي الْمَاءِ بِفَرْضِهِ مُخَالِفًا

(وَلَا يَضُرُّ) فِي الطَّهَارَةِ (تَغَيُّرٌ لَا يَمْنَعُ الِاسْمَ) لِتَعَذُّرِ صَوْنِ الْمَاءِ عَنْهُ وَلِبَقَاءِ إطْلَاقِ اسْمِ الْمَاءِ؛ «لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم اغْتَسَلَ هُوَ وَمَيْمُونَةُ مِنْ قَصْعَةٍ فِيهَا أَثَرُ الْعَجِينِ» ، وَكَذَا لَا يَضُرُّ مَشْكُوكٌ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

كَالْمُسْتَعْمَلِ (قَوْلُهُ: لَمْ يَحْنَثْ) يُقَيَّدُ عَدَمُ الْحِنْثِ بِشُرْبِ الْمُتَغَيِّرِ تَقْدِيرًا وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَأَفْتَى بِهِ شَيْخُنَا الطَّبَلَاوِيُّ انْتَهَى ابْنُ قَاسِمٍ عَلَى الْمَنْهَجِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ وَكَّلَ مَنْ يَشْتَرِي لَهُ مَاءً) ظَاهِرُ هَذَا السِّيَاقِ أَنَّهُ فِي مَسْأَلَةِ التَّوْكِيلِ لَوْ اشْتَرَى لَهُ وَكِيلُهُ مَاءً مُتَغَيِّرًا بِمَا لَا يُؤَثِّر، وَلَوْ تَغَيَّرَ كَثِيرًا وَقَعَ الشِّرَاءُ لَهُ: أَيْ لِلْمُوَكِّلِ وَهَلْ يَتَخَيَّرُ فِيهِ نَظَرٌ، وَلَا يَبْعُدُ الْخِيَارُ حَيْثُ اخْتَلَفَ الْغَرَضُ م ر انْتَهَى سم عَلَى شَرْحِ الْبَهْجَةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (قَوْلُهُ: فَاشْتَرَاهُ) أَيْ الْمُتَغَيِّرَ وَقَوْلُهُ لَمْ يَقَعْ ظَاهِرُهُ وَإِنْ جَهِلَ الْوَكِيلُ، وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ الْإِذْنَ لَمْ يَشْمَلْهُ لِعَدَمِ صِدْقِ اسْمِ الْمَاءِ عَلَيْهِ، فَلَا يُنَافِي مَا يَأْتِي فِي الْوَكَالَةِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مِنْ أَنَّ الْوَكِيلَ لَوْ اشْتَرَى مَعِيبًا لَا يَعْلَمُ عَيْبَهُ وَقَعَ لِلْمُوَكِّلِ سَوَاءٌ سَاوَى الثَّمَنَ الَّذِي اُشْتُرِيَ بِهِ أَوْ نَقَصَ عَنْهُ (قَوْلُهُ: لَمْ يَقَعْ لِلْمُوَكِّلِ) أَيْ وَلَا لِلْوَكِيلِ إنْ اُشْتُرِيَ بِعَيْنِ الثَّمَنِ، فَإِنْ اُشْتُرِيَ فِي الذِّمَّةِ وَقَعَ لَهُ وَإِنْ سَمَّى الْمُوَكِّلُ

(قَوْلُهُ: وَقَدْ أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) قَالَ ابْنُ قَاسِمٍ فِي حَاشِيَةِ شَرْحِ الْبَهْجَةِ بَعْدَ مَا ذُكِرَ: وَقَدْ يَشْكُلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ صَبَّ مَاءً وَقَعَ فِيهِ مَا لَا نَفْسَ لَهُ سَائِلَةٌ حَيْثُ لَمْ يُنَجِّسْ عَلَى غَيْرِهِ لَمْ يُنَجِّسْ مَعَ أَنَّهُ إلْقَاءُ مَيْتَةٍ تُنَجِّسُ، إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بِأَنَّ إلْقَاءَ الْمَيْتَةِ الْمَذْكُورَةِ إنَّمَا يُنَجِّسُ إذْ كَانَ قَصْدًا وَهُوَ هُنَا تَبَعٌ لِإِلْقَاءِ الْمَاءِ بِخِلَافِ الْخَلِيطِ فَإِنَّهُ يُؤَثِّرُ وَإِنْ وَقَعَ بِنَفْسِهِ وَقَدْ وُجِدَ ذَلِكَ فَلْيُتَأَمَّلْ انْتَهَى، وَقَدْ فَرَّقَ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى ابْنِ حَجَرٍ بِفَرْقٍ آخَرَ فَقَالَ: وَقَدْ فَرَّقَ شَيْخُنَا فِي مَسْأَلَةِ الذُّبَابِ بِأَنَّ مِنْ شَأْنِ الذُّبَابِ الِابْتِلَاءَ بِوُقُوعِهِ فَكَانَ حُكْمُهُ أَخَفَّ (قَوْلُهُ: الْمُتَنَاثِرَةُ) أَيْ أَمَّا الْمَنْثُورَةُ فَإِنْ تَفَتَّتَتْ وَاخْتَلَطَتْ بِالْمَاءِ ضُرَّ وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّ التَّغَيُّرَ بِهَا تَغَيُّرٌ بِمُجَاوِرٍ (قَوْلُهُ: غَيْرَ مُنْعَقِدٍ) أَيْ بِخِلَافِ الْمِلْحِ الْمَائِيِّ فَلَا يَضُرُّ التَّغَيُّرُ بِهِ لِطَهُورِيَّةِ أَصْلِهِ، وَأُخِذَ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ انْعَقَدَ الْمِلْحُ مِنْ الْمُسْتَعْمَلِ وَغُيِّرَ تَغْيِيرًا كَثِيرًا ضَرَّ، وَعَلَيْهِ فَهَلْ الْعِبْرَةُ بِالتَّغَيُّرِ بِصِفَةِ كَوْنِهِ مِلْحًا نَظَرًا لِصُورَتِهِ الْآنَ حَتَّى لَوْ غُيِّرَ بِهَا وَلَمْ يُغَيَّرْ لَوْ فَرَضَ عَصِيرًا مَثَلًا سَلَبَ الطَّهُورِيَّةَ، أَوْ بِفَرْضٍ مُخَالِفًا وَسَطًا نَظَرًا لِأَصْلِهِ فَلَا يُسْلَبُ؟ فِيهِ نَظَرٌ وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ فَتَأَمَّلْهُ فَإِنَّهُ دَقِيقٌ جِدًّا (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يَضُرُّ) قَضِيَّتُهُ أَنَّ

ــ

[حاشية الرشيدي]

أَيْ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْمُخَالِطِ

(قَوْلُهُ: مَا يُمْكِنُ صَوْنُ الْمَاءِ عَنْهُ) أَيْ وَلَيْسَ مُنْعَقِدًا مِنْ الْمَاءِ بِقَرِينَةِ مَا يَأْتِي فِي الْمِلْحِ الْمَائِيِّ

(قَوْلُهُ: لِتَعَذُّرِ صَوْنِ الْمَاءِ عَنْهُ إلَخْ) عَلَّلَ الْمُحَقِّقُ الْجَلَالُ بَدَّلَ هَذَا هُنَا بِقَوْلِهِ لِقِلَّتِهِ وَعَلَّلَ مَا سَيَأْتِي مِنْ الْمُتَعَاطِفَاتِ الثَّلَاثَةِ بِقَوْلِهِ لِتَعَذُّرِ صَوْنِ الْمَاءِ عَمَّا ذُكِرَ فَأَشَارَ إلَى أَنَّ مَا هُنَا مُحْتَرَزُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ تَغَيُّرًا يَمْنَعُ إطْلَاقَ اسْمِ الْمَاءِ أَيْ لِكَثْرَتِهِ وَأَنَّ الْمُتَعَاطِفَاتِ الثَّلَاثَةَ الْآتِيَةَ مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ بِمُسْتَغْنٍ عَنْهُ وَأَنَّ الْجَمِيعَ مِنْ الطَّهُورِ الْمُسَاوِي لِلْمُطْلَقِ مَاصَدَقًا وَأَمَّا مَا صَنَعَهُ الشَّارِحُ هُنَا، فَإِنَّهُ يُوهِمُ أَنَّ مَا سَيَأْتِي فِي الْمُتَعَاطِفَاتِ الثَّلَاثَةِ غَيْرُ طَهُورٍ وَلَا مُطْلَقٍ وَإِنَّمَا أُلْحِقَ بِهِمَا فِي الْحُكْمِ، وَيَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنَّ الْمُصَنِّفَ أَهْمَلَ مُحْتَرَزَ بَعْضِ الْقُيُودِ وَيُنَاقِضُ قَوْلَهُ نَفْسَهُ فِيمَا مَرَّ عَقِبَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ مَاءٍ بِلَا قَيْدٍ فَشَمِلَ الْمُتَغَيِّرَ كَثِيرًا بِمَا لَا يَضُرُّ كَطِينٍ وَطُحْلُبٍ وَبِمُجَاوِرٍ، إذْ أَهْلُ اللِّسَانِ لَا يَمْنَعُونَ مِنْ إيقَاعِ اسْمِ الْمَاءِ الْمُطْلَقِ عَلَيْهِ فَعُلِمَ إلَخْ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم) كَانَ يَنْبَغِي الْعَطْفُ فِي هَذَا

ص: 66

فِي كَثْرَتِهِ، فَلَوْ زَالَ بَعْضُ التَّغَيُّرِ الْفَاحِشِ بِنَفْسِهِ أَوْ بِمَاءٍ مُطْلَقٍ وَشَكَّ فِي قِلَّةِ الْبَاقِي عَنْ التَّغَيُّرِ فَطَهُورٌ أَيْضًا خِلَافًا لِلْأَذْرَعِيِّ وَقَوْلِي فِي الطَّهَارَةِ تَبَعًا لِلشَّارِحِ لِلرَّدِّ عَلَى دَعْوَى الْأَذْرَعِيِّ أَنَّ الْأَوْلَى حَذْفُ الْمِيمِ مِنْ قَوْلِهِ وَلَا مُتَغَيِّرٍ بِمُكْثٍ، وَمِنْ قَوْلِهِ وَلَا مُتَغَيِّرٍ بِمُجَاوِرٍ؛ لِأَنَّ الْمُتَغَيِّرَ هُوَ الْمَاءُ وَهُوَ لَا يَضُرُّ نَفْسَهُ بَلْ الْمُضِرُّ التَّغَيُّرُ (وَلَا مُتَغَيِّرٌ بِمُكْثٍ) بِتَثْلِيثِ مِيمِهِ مَعَ إسْكَانِ كَافِهِ وَإِنْ فَحُشَ لِلْإِجْمَاعِ.

قَالَ الْعُمْرَانِيُّ: وَلَا تُكْرَهُ الطَّهَارَةُ بِهِ (وَطِينٌ وَطُحْلُبٌ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ مَعَ ضَمِّ ثَالِثِهِ أَوْ فَتْحِهِ شَيْءٌ أَخْضَرُ يَعْلُو الْمَاءَ مِنْ طُولِ الْمُكْثِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ بِمُقِرِّ الْمَاءِ وَمَمَرِّهِ أَوْ لَا، نَعَمْ إنْ أَخَذَ وَدَقَّ ثُمَّ طُرِحَ ضَرَّ لِكَوْنِهِ مُخَالِطًا مُسْتَغْنًى عَنْهُ (وَمَا فِي مَقَرِّهِ وَمَمَرِّهِ) أَيْ مَوْضِعِ قَرَارِهِ وَمُرُورِهِ لِعَدَمِ اسْتِغْنَائِهِ عَنْهُ، وَيُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْمُرَادَ بِمَا فِي الْمَقَرِّ وَالْمَمَرِّ مَا كَانَ خَلْقِيَّا فِي الْأَرْضِ أَوْ مَصْنُوعًا فِيهَا بِحَيْثُ صَارَ يُشْبِهُ الْخَلْقِيَّ، بِخِلَافِ الْمَوْضُوعِ فِيهَا لَا بِتِلْكَ الْحَيْثِيَّةِ، فَإِنَّ الْمَاءَ يُسْتَغْنَى عَنْهُ

وَيَضُرُّ التَّغَيُّرُ بِالثِّمَارِ السَّاقِطَةِ بِسَبَبِ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

غَيْرَ الْمُتَفَتِّتِ إذَا طُرِحَ ثُمَّ تَفَتَّتَ لَا يَضُرُّ، وَعِبَارَةُ ابْنِ حَجَرٍ فِيمَا يَضُرُّ وَوَرَقٌ طُرِحَ ثُمَّ تَفَتَّتَ

(قَوْلُهُ: فِي كَثْرَتِهِ) أَيْ كَثْرَةِ تَغَيُّرِهِ (قَوْلُهُ خِلَافًا لِلْأَذْرَعِيِّ) اعْتَمَدَ الطَّبَلَاوِيُّ وَالْبِرْمَاوِيُّ مَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ انْتَهَى ابْنُ قَاسِمٍ عَلَى الْمَنْهَجِ (قَوْلُهُ: وَقَوْلِي فِي الطَّهَارَةِ) وَالْمُرَادُ فِي صِحَّتِهَا فَلَا يَحْتَاجُ إلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ: أَيْ تَغَيَّرَ الْمُتَغَيِّرُ (قَوْلُهُ: وَلَا تُكْرَهُ الطَّهَارَةُ بِهِ) وَمِثْلُهُ مَا تَغَيَّرَ بِمَا لَا يَضُرُّ حَيْثُ لَمْ يَجْرِ خِلَافٌ فِي سَلْبِهِ الطَّهُورِيَّةَ، أَمَّا مَا جَرَى فِي سَلْبِ الطَّهُورِيَّةِ بِهِ خِلَافٌ كَالْمُجَاوِرِ وَالتُّرَابُ إذَا طُرِحَ فَيَنْبَغِي كَرَاهَتُهُ خُرُوجًا مِنْ خِلَافٍ مِنْ مَنْعٍ (قَوْلُهُ: أَوْ فَتْحِهِ شَيْءٌ أَخْضَرُ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ: وَكَزِبْرِجِ خَضِرَةٍ تَعْلُو الْمَاءَ الْمُزْمِنَ إلَخْ (قَوْلُهُ: نَعَمْ إنْ أَخَذَ وَدَقَّ) مَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ أَخَذَ ثُمَّ طُرِحَ فِيمَا أُخِذَ مِنْهُ أَوْ فِي غَيْرِهِ ثُمَّ تَفَتَّتَ بِنَفْسِهِ بَعْدُ لَمْ يَضُرَّ، وَقِيَاسُ مَا تَقَدَّمَ فِي الْأَوْرَاقِ الْمَطْرُوحَةِ عَنْ ابْنِ حَجَرٍ الضَّرَرُ.

وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ الطُّحْلُبَ لَمَّا كَانَ أَصْلُهُ مِنْ الْمَاءِ لَمْ يَضُرَّ بِخِلَافِ الْأَوْرَاقِ، أَوْ أَنَّ الطُّحْلُبَ أَبْعَدُ تَفَتُّتًا مِنْهَا (قَوْلُهُ: صَارَ يُشْبِهُ) . وَمِنْهُ مَا تُصْنَعُ بِهِ الْفَسَاقِي وَالصَّهَارِيجُ وَنَحْوُهُمَا مِنْ الْجِيرِ وَنَحْوِهِ، وَمِنْهُ مَا يَقَعُ كَثِيرًا مِنْ وَضْعِ الْمَاءِ فِي جَرَّةٍ وُضِعَ أَوَّلًا فِيهَا لَبَنٌ أَوْ نَحْوُهُ ثُمَّ اُسْتُعْمِلَتْ فِي الْمَاءِ فَتَغَيَّرَ طَعْمُهُ أَوْ لَوْنُهُ أَوْ رِيحُهُ (قَوْلُهُ لَا بِتِلْكَ الْحَيْثِيَّةِ) وَيَنْبَغِي أَنَّ مِنْ ذَلِكَ مَا يَحْصُلُ فِي الْفَسَاقِي الْمَعْرُوفَةِ مِمَّا يَتَحَلَّلُ مِنْ الْأَوْسَاخِ الَّتِي عَلَى أَرْجُلِ النَّاسِ، فَإِنَّ الْمُتَغَيِّرَ بِهَا غَيْرُ طَهُورٍ، وَإِنْ كَانَ الْآنَ فِي مَقَرِّ الْمَاءِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ خِلْقِيًّا وَلَا كَالْخِلْقِيِّ، فَتَنَبَّهْ لَهُ فَإِنَّهُ وَاقِعٌ بِمِصْرَ كَثِيرًا.

وَقَدْ يُقَالُ إنَّ هَذَا مِمَّا تَعُمُّ الْبَلْوَى بِهِ فَيُعْفَى عَنْهُ وَفِيهِ شَيْءٌ، بَلْ الظَّاهِرُ الْأَوَّلُ. وَفِي فَتَاوَى الرَّمْلِيِّ: سُئِلَ عَمَّا إذَا تَغَيَّرَ أَحَدُ أَوْصَافِ الْمَاءِ بِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ تَغَيُّرًا كَثِيرًا وَهُوَ الْغَالِبُ فِي مَغَاطِسِ حَمَّامَاتِ الرِّيفِ، هَلْ يُحَالُ عَلَى ذَلِكَ عَلَى مَا يَتَحَمَّلُ مِنْ الْأَوْسَاخِ فَتُسْلَبُ طَهُورِيَّتُهُ فَلَا يَرْفَعُ حَدَثًا وَلَا يُزِيلُ نَجَسًا، أَمْ يُحَالُ عَلَى طُولِ الْمُكْثِ فَيَكُونُ طَهُورًا اعْتِمَادًا عَلَى الْأَصْلِ فِيهِ أَمْ لَا؟ فَأَجَابَ بِأَنَّ الْمَاءَ بَاقٍ عَلَى طَهُورِيَّتِهِ، إذْ الْأَصْلُ بَقَاؤُهَا لِاحْتِمَالِ أَنَّ تَغَيُّرَهُ بِسَبَبِ طُولِ مُكْثِهِ، عَلَى أَنَّهُ لَوْ فَرَضَ أَنَّ سَبَبَهُ الْأَوْسَاخُ الْمُنْفَصِلَةُ مِنْ أَبْدَانِ الْمُنْغَمِسِينَ فِيهِ لَمْ يُؤَثِّرْ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْمَاءَ الْمَذْكُورَ لَا يُسْتَغْنَى عَنْهُ، فَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي الْأُمِّ: وَأَصْلُ الْمَاءِ عَلَى طَهُورِيَّتِهِ حَتَّى يَتَغَيَّرَ طَعْمُهُ أَوْ لَوْنُهُ أَوْ رِيحُهُ بِمُخَالَطَةِ مَا يَخْتَلِطُ بِهِ وَلَا يَتَمَيَّزُ مِنْهُ مِمَّا هُوَ مُسْتَغْنًى عَنْهُ انْتَهَى

(قَوْلُهُ: بِالثِّمَارِ السَّاقِطَةِ) زَادَ فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ الْكَبِيرِ مَا نَصُّهُ: لِإِمْكَانِ التَّحَرُّزِ عَنْهَا غَالِبًا.

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلُهُ: فِي الْأَرْضِ أَوْ مَصْنُوعًا فِيهَا) يَخْرُجُ مَا كَانَ خِلْقِيًّا فِي غَيْرِ الْأَرْضِ وَمَا كَانَ مَصْنُوعًا فِيهِ مُطْلَقًا فَعُلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ مِمَّا فِي الْمَقَرِّ أَوْ الْمَمَرِّ تَغَيُّرُ الْمَاءِ الَّذِي يُوضَعُ فِي الْجِرَارِ الَّتِي كَانَ فِيهَا نَحْوُ عَسَلٍ أَوْ لَبَنٍ وَأَنَّ مَا ذَكَرَهُ هُنَا لَا يُنَاقِضُ مَا سَيَأْتِي لَهُ فِي التَّغَيُّرِ بِالْقَطِرَانِ الَّذِي تُدْهَنُ بِهِ الْقِرَبُ بَلْ هُوَ جَارٍ فِيهِ عَلَى قَاعِدَتِهِ خِلَافًا لِمَا وَقَعَ فِي حَاشِيَةِ شَيْخِنَا فِيهِمَا (قَوْلُهُ: لَا بِتِلْكَ الْحَيْثِيَّةِ) لَيْسَ مِنْ هَذَا الْبَابِ مَا يَقَعُ مِنْ الْأَوْسَاخِ الْمُنْفَصِلَةِ مِنْ أَرْجُلِ النَّاسِ مِنْ غَسْلِهَا فِي الْفَسَاقِيِ خِلَافًا لِمَا وَقَعَ

ص: 67

مَا انْحَلَّ مِنْهَا، سَوَاءٌ أُوقِعَ بِنَفْسِهِ أَمْ بِإِيقَاعٍ كَانَ عَلَى صُورَةِ الْوَرِقِ كَالْوَرْدِ أَمْ لَا (وَكَذَا مُتَغَيِّرٌ بِمُجَاوِرٍ) تَغَيُّرًا كَثِيرًا (كَعُودٍ وَدُهْنٍ) مُطَيَّبَيْنِ أَوْ غَيْرِ مُطَيَّبَيْنِ؛ لِأَنَّ تَغَيُّرَهُ بِذَلِكَ تَرَوُّحٌ لَا يَمْنَعُ إطْلَاقَ اسْمِ الْمَاءِ.

وَالْكَافُورُ نَوْعَانِ صُلْبٌ وَغَيْرُهُ، فَالْأَوَّلُ مُجَاوِرٌ وَالثَّانِي مُخَالِطٌ، وَمِثْلُهُ الْقَطْرَانِ؛ لِأَنَّ فِيهِ نَوْعًا فِيهِ دُهْنِيَّةٌ فَلَا يَمْتَزِجُ بِالْمَاءِ فَيَكُونُ مُجَاوِرًا وَنَوْعًا لَا دُهْنِيَّةَ فِيهِ فَيَكُونُ مُخَالِطًا، وَيُحْمَلُ كَلَامُ مَنْ أَطْلَقَ عَلَى ذَلِكَ وَيُعْلَمُ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّ الْمَاءَ الْمُتَغَيِّرَ كَثِيرًا بِالْقَطِرَانِ الَّذِي تُدْهَنُ بِهِ الْقِرَبُ إنْ تَحَقَّقْنَا تَغَيُّرَهُ بِهِ وَأَنَّهُ مُخَالِطٌ فَغَيْرُ طَهُورٍ، وَإِنْ شَكَكْنَا أَوْ كَانَ مِنْ مُجَاوِرٍ فَطَهُورٌ، سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الرِّيحُ وَغَيْرُهُ خِلَافًا لِلزَّرْكَشِيِّ، وَيَظْهَرُ فِي الْمَاءِ الْمُبَخَّرِ الَّذِي غَيَّرَ الْبَخُورُ طَعْمَهُ أَوْ لَوْنَهُ أَوْ رِيحَهُ عَدَمُ سَلْبِهِ الطَّهُورِيَّةَ؛ لِأَنَّا لَمْ نَتَحَقَّقْ انْحِلَالَ الْأَجْزَاءِ وَالْمُخَالَفَةِ وَإِنْ بَنَاهُ بَعْضُهُمْ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي دُخَانِ النَّجَاسَةِ (أَوْ بِتُرَابٍ طُرِحَ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

أَقُولُ: حَتَّى لَوْ تَعَذَّرَ الِاحْتِرَازُ عَنْهَا ضَرَّ نَظَرًا لِلْغَالِبِ (قَوْلُهُ: وَكَذَا مُتَغَيِّرٌ بِمُجَاوِرٍ) زَادَ الْمَحَلِّيُّ طَاهِرٌ انْتَهَى وَكَتَبَ عَلَيْهِ الْبَكْرِيُّ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ الْمُرَادُ وَعُلِمَ مِنْ التَّمْثِيلِ وَإِلَّا لَوَرَدَ النَّجَسُ انْتَهَى (قَوْلُهُ كَعُودٍ) أَيْ وَكَالْعُودِ مَا لَوْ صَبَّ عَلَى بَدَنِهِ أَوْ ثَوْبِهِ مَاءً وَرَدَّ ثُمَّ جَفَّ وَبَقِيَتْ رَائِحَتُهُ فِي الْمَحَلِّ، فَإِذَا أَصَابَهُ مَاءٌ وَتَغَيَّرَتْ رَائِحَتُهُ مِنْهُ تَغَيُّرًا كَثِيرًا لَمْ يُسْلَبْ الطَّهُورِيَّةَ؛ لِأَنَّ التَّغَيُّرَ وَالْحَالَةَ مَا ذُكِرَ تَغَيُّرٌ بِمُجَاوِرٍ، أَمَّا لَوْ صُبَّ عَلَى الْمَحَلِّ وَفِيهِ مَا يَنْفَصِلُ وَاخْتَلَطَ بِمَا صَبَّهُ عَلَيْهِ فَيُقَدِّرُ مُخَالِفًا وَسَطًا (قَوْلُهُ: وَدُهْنٍ) أَيْ وَكَحَبٍّ وَكَتَّانٍ وَإِنْ أَغْلَيَا مَا لَمْ يُعْلَمْ انْفِصَالُ عَيْنٍ فِيهِ مُخَالِطَةٌ تَسْلُبُ الِاسْمَ، وَبِهَذَا التَّفْصِيلِ يُجْمَعُ بَيْنَ إطْلَاقَاتٍ مُتَبَايِنَةٍ فِي مَاءِ مُبِلَّاتِ الْكَتَّانِ؛ لِأَنَّ لَهُ حَالَاتٍ مُتَفَاوِتَةً فِي التَّغَيُّرِ أَوَّلًا وَآخِرًا كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ، نَعَمْ الَّذِي يَنْبَغِي فِيمَا شَكَّ فِي انْفِصَالِ عَيْنٍ فِيهِ أَنَّهُ لَوْ تَجَدَّدَ لَهُ اسْمٌ آخَرُ بِحَيْثُ تَرَكَ مَعَهُ اسْمُهُ الْأَوَّلُ السَّلْبَ؛ لِأَنَّ هَذَا التَّجَدُّدَ قَرِينَةٌ ظَاهِرَةٌ جِدًّا عَلَى انْفِصَالِ تِلْكَ الْعَيْنِ فِيهِ انْتَهَى ابْنُ حَجَرٍ رحمه الله. وَكَتَبَ عَلَيْهِ ابْنُ قَاسِمٍ قَوْلُهُ مَا لَمْ يَعْلَمْ انْفِصَالَ عَيْنٍ فِيهِ مُخَالِطَةٍ. فَإِنْ قُلْت: هَلْ يَدُلُّ نَقْصُهُ عَلَى انْفِصَالِ الْعَيْنِ الْمُخَالِطَةِ كَمَا لَوْ وُزِنَ بَعْدَ تَغْيِيرِهِ الْمَاءَ فَوَجَدْنَاهُ نَاقِصًا؟ قُلْت: لَا لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ نَقَصَ: بِانْفِصَالِ أَجْزَاءٍ مُجَاوِرَةٍ، وَلَوْ لَمْ تُشَاهَدْ فِي الْمَاءِ لِاحْتِمَالِ خُرُوجِهَا مِنْ الْمَاءِ أَوْ الْتِصَاقِهَا بِبَعْضِ جَوَانِبِ الْمَحَلِّ.

(قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ تَغَيُّرَهُ بِذَلِكَ تَرَوُّحٌ) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ تَغَيَّرَ لَوْنُهُ أَوْ طَعْمُهُ بِالْمُجَاوِرِ ضَرَّ وَلَيْسَ مُرَادًا، نَعَمْ إنْ تَحَلَّلَ مِنْهُ شَيْءٌ كَمَا لَوْ نَقَعَ التَّمْرَ فِي الْمَاءِ فَاكْتَسَبَ الْحَلَاوَةَ مِنْهُ سَلَبَهُ الطَّهُورِيَّةَ (قَوْلُهُ: فَغَيْرُ طَهُورٍ) فِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ التَّغَيُّرَ بِهِ تَغَيُّرٌ بِمَا فِي الْمَقَرِّ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ وَلَوْ مَصْنُوعًا حَيْثُ صَارَ كَالْخِلْقِيِّ وَهَذَا مِنْهُ، ثُمَّ رَأَيْت ابْنَ حَجَرٍ قَالَ بَعْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَمَا فِي مَقَرِّهِ مَا نَصُّهُ: وَمِنْهُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ الْقِرَبُ الَّتِي يُدْهَنُ بَاطِنُهَا بِالْقَطِرَانِ وَهِيَ جَدِيدَةٌ لِإِصْلَاحِ مَا يُوضَعُ فِيهَا بَعْدُ مِنْ الْمَاءِ وَإِنْ كَانَ مِنْ الْقَطِرَانِ الْمُخَالِطِ اهـ (قَوْلُهُ: فِي دُخَانِ النَّجَاسَةِ) أَيْ فَإِنْ قُلْنَا: دُخَانُ النَّجَاسَةِ يُنَجِّسُ الْمَاءَ. قُلْنَا هُنَا بِسَلْبِ الطَّهُورِيَّةِ وَإِنْ قُلْنَا بِعَدَمِ التَّنْجِيسِ ثُمَّ قُلْنَا بِعَدَمِ سَلْبِهَا هُنَا، لَكِنَّ الْمُعْتَمَدَ عَدَمُ سَلْبِ الطَّهُورِيَّةِ هُنَا مُطْلَقًا، وَالْفَرْقُ أَنَّ الدُّخَانَ أَجْزَاءٌ تَفْصِلُهَا النَّارُ وَقَدْ اتَّصَلَتْ بِالْمَاءِ فَتُنَجِّسُهُ وَلَوْ مُجَاوِرَةً، إذْ لَا فَرْقَ فِي تَأْثِيرِ مُلَاقَاةِ النَّجَسِ بَيْنَ الْمُجَاوِرِ وَالْمُخَالِطِ، بِخِلَافِ الْبَخُورِ فَإِنَّهُ طَاهِرٌ وَهُوَ

ــ

[حاشية الرشيدي]

فِي حَاشِيَةِ شَيْخِنَا، وَإِنَّمَا ذَاكَ مِنْ بَابِ مَا لَا يُسْتَغْنَى الْمَاءُ عَنْهُ غَيْرِ الْمَمَرِّيَّةِ، وَالْمَقَرِّيَّةِ كَمَا أَفْتَى بِهِ وَالِدُ الشَّارِحِ فِي نَظِيرِهِ مِنْ الْأَوْسَاخِ الَّتِي تَنْفَصِلُ مِنْ أَبْدَانِ الْمُنْغَمِسِينَ فِي الْمَغَاطِسِ

(قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ تَغَيُّرَهُ بِذَلِكَ تَرَوُّحٌ) قَضِيَّتُهُ أَنَّ التَّغَيُّرَ بِالْمُجَاوِرِ لَا يَكُونُ إلَّا تَرَوُّحًا، وَهُوَ قَوْلٌ مَرْجُوحٌ مَعَ أَنَّهُ يُنَاقِضُ مَا سَيَأْتِي لَهُ قَرِيبًا فِي مَسْأَلَةِ الْبُخُورِ، فَالْوَجْهُ أَنَّهُ جَرَى فِي هَذَا التَّعْلِيلِ عَلَى الْغَالِبِ (قَوْلُهُ: أَنَّ الْمَاءَ الْمُتَغَيِّرَ كَثِيرًا بِالْقَطِرَانِ الَّذِي تُدْهَنُ بِهِ الْقِرَبُ إلَخْ) تَقَدَّمَ أَنَّهُ جَارٍ فِي هَذَا عَلَى

ص: 68

فِي الْأَظْهَرِ) لِمُوَافَقَتِهِ لِلْمَاءِ فِي الطَّهُورِيَّةِ، وَلِأَنَّ تَغَيُّرَهُ بِهِ مُجَرَّدٌ كَدَوْرَةٍ، وَهِيَ لَا تَسْلُبُهُ الطَّهُورِيَّةَ، وَلِأَنَّ الْأَمْرَ بِمَزْجِ الْمَاءِ بِهِ فِي النَّجَاسَةِ الْمُغَلَّظَةِ يُنَافِي سَلْبَ الطَّهُورِيَّةِ بِهِ، وَالسِّدْرُ أُمِرَ بِهِ فِي تَطْهِيرِ الْمَيِّتِ لِلتَّنْظِيفِ لَا لِلتَّطْهِيرِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ الْعِلَّةِ الثَّانِيَةِ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ التُّرَابُ الْمُسْتَعْمَلُ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا أَفَادَهُ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِنَاءً عَلَى أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا عِلَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ التَّرْكِيبِ، وَالْحُكْمُ يَبْقَى مَا بَقِيَتْ عِلَّتُهُ وَإِنْ انْتَفَى غَيْرُهَا خِلَافًا لِمَا بَحَثَهُ الشَّيْخُ فِي ذَلِكَ، نَعَمْ إنْ كَثُرَ تَغَيُّرُهُ بِهِ بِحَيْثُ صَارَ يُسَمَّى طِينًا سَلَبَهُ الطَّهُورِيَّةَ، وَمُقَابِلُ الْأَظْهَرِ أَنَّهُ يَضُرُّ تَغَيُّرُهُ بِمَا يُسْتَغْنَى عَنْهُ، وَقَطَعَ الْمُصَنِّفُ التُّرَابَ عَنْ أَمْثِلَةِ الْمُجَاوِرِ، وَأَعَادَ الْبَاءَ مَعَ التُّرَابِ وَعَطَفَ بِأَوْ لِيُفِيدَ أَنَّهُ مُخَالِطٌ، وَالْمُجَاوِرُ مَا يَتَمَيَّزُ فِي رَأْيِ الْعَيْنِ، وَالْمُخَالِطُ مَا لَا يَتَمَيَّزُ.

وَقِيلَ إنَّ الْأَوَّلَ مَا يُمْكِنُ فَصْلُهُ وَالثَّانِي مَا لَا يُمْكِنُ، وَقِيلَ الْمُتَّبَعُ الْعُرْفُ.

وَاعْلَمْ أَنَّ التُّرَابَ يَكُونُ مُخَالِطًا عَلَى الْأَصَحِّ لِكَوْنِهِ لَا يَتَمَيَّزُ فِي رَأْي الْعَيْنِ مَادَامَ التَّغَيُّرُ بِهِ مَوْجُودًا مَعَ كُدُورَتِهِ، وَمُجَاوِرًا عَلَى مُقَابِلِهِ وَهُوَ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ فَصْلُهُ بَعْدَ رُسُوبِهِ، وَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ مَنْ أَطْلَقَ كَوْنَهُ مُخَالِطًا أَوْ مُجَاوِرًا عَلَى هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ، وَشَمِلَ كَلَامُهُ مَا لَوْ طَرَحَ بِالْقَصْدِ وَمَا لَوْ طَرَحَهُ صَبِيٌّ أَوْ مَجْنُونٌ وَاحْتُرِزَ بِهِ عَنْ التُّرَابِ الَّذِي مَعَ الْمَاءِ فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ جَزْمًا، وَكَذَا مَا أَلْقَتْهُ الرِّيحُ بِهُبُوبِهَا لِعَدَمِ إمْكَانِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ

(وَيُكْرَهُ) تَنْزِيهًا (الْمُشَمَّسُ) أَيْ مَا سَخَّنَتْهُ الشَّمْسُ كَمَا قَالَهُ الشَّارِحُ رَدًّا عَلَى مَا قَالَ: إنَّ حَقَّهُ أَنْ يُعَبِّرَ بِمُتَشَمِّسٍ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ قَلِيلًا أَمْ كَثِيرًا وَلَوْ مَائِعًا دُهْنًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ لِاطِّرَادِ الْعِلَّةِ فِي الْجَمِيعِ، بَلْ الدُّهْنُ أَوْلَى لِشِدَّةِ سَرَيَانِهِ فِي الْبَدَنِ سَوَاءٌ الْمُشَمَّسُ بِنَفْسِهِ أَمْ لَا، لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَسْتَعْمِلَهُ فِي الْبَدَنِ فِي طَهَارَةٍ أَوْ غَيْرِهَا كَأَكْلٍ وَشُرْبٍ، سَوَاءٌ أَكَانَ اسْتِعْمَالُهُ لِحَيٍّ أَمْ مَيِّتٍ، وَإِنْ أُمِنَ مِنْهُ عَلَى غَاسِلِهِ أَوْ مِنْ إرْخَاءِ بَدَنِهِ أَوْ مِنْ إسْرَاعِ فَسَادِهِ، إذْ فِي اسْتِعْمَالِ ذَلِكَ فِيهِ إهَانَةٌ لَهُ وَهُوَ مُحْتَرَمٌ كَمَا فِي الْحَيَاةِ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْأَبْرَصِ وَغَيْرِهِ، وَمَنْ عَمَّهُ الْبَرَصُ وَغَيْرُهُ لِخَوْفِ زِيَادَتِهِ أَوْ شِدَّةِ تَمَكُّنِهِ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها سَخَّنَتْ مَاءً فِي الشَّمْسِ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: لَا تَفْعَلِي يَا حُمَيْرَاءُ فَإِنَّهُ يُورِثُ الْبَرَصَ» .

وَهَذَا وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا لَكِنَّهُ يَتَأَيَّدُ بِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ الِاغْتِسَالَ بِهِ وَقَالَ: إنَّهُ يُورِثُ الْبَرَصَ كَمَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ، وَدَعْوَى مَنْ قَالَ: إنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ عَنْ الْأَطِبَّاءِ شَيْءٌ وَتُرَدُّ بِأَنَّهَا شَهَادَةُ نَفْيٍ لَا يَحْسُنُ بِهَا رَدٌّ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

لَا يَسْلُبُ الطَّهُورِيَّةَ إلَّا إنْ كَانَ مُخَالِطًا وَلَمْ تَتَحَقَّقْ الْمُخَالَطَةُ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ تَغَيُّرَهُ بِهِ مُجَرَّدُ كُدُورَةٍ) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ غَيَّرَ طَعْمَ الْمَاءِ أَوْ رِيحَهُ ضَرَّ وَلَيْسَ مُرَادًا (قَوْلُهُ: مِنْ الْعِلَّةِ الثَّانِيَةِ) هِيَ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ تَغَيُّرَهُ بِهِ إلَخْ، وَالْأُولَى قَوْلُهُ لِمُوَافَقَتِهِ لِلْمَاءِ (قَوْلُهُ: وَمُقَابِلُ الْأَظْهَرِ أَنَّهُ يَضُرُّ) أَيْ فَيُكْرَهُ اسْتِعْمَالُهُ عَلَى الْأَوَّلِ رِعَايَةً لِهَذَا الثَّانِي (قَوْلُهُ: مَا يُمْكِنُ فَصْلُهُ) اقْتَصَرَ الْمَحَلِّيُّ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ جَازِمًا بِهِ (قَوْلُهُ: مَا لَوْ طُرِحَ بِالْقَصْدِ) أَيْ مِنْ بَالِغٍ عَاقِلٍ (قَوْلُهُ: وَمَا لَوْ طَرَحَهُ صَبِيٌّ أَوْ مَجْنُونٌ) أَيْ أَوْ بَهِيمَةٌ كَمَا شَمِلَهُ كَلَامُهُ (قَوْلُهُ: بِهُبُوبِهَا) أَيْ فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ جَزْمًا وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْكَلَامَ فِي التُّرَابِ الطَّاهِرِ وَأَمَّا النَّجَسُ فَسَيَأْتِي

(قَوْلُهُ: وَسَوَاءٌ أَكَانَ قَلِيلًا) أَنَّ الْمُشَمَّسَ (قَوْلُهُ كَمَا فِي الْحَيَاةِ) أَيْ وَهُوَ فِي حَقِّ الْحَيِّ مَكْرُوهٌ فَكَذَا فِي الْمَيِّتِ، وَلَوْ قِيلَ يَحْرُمُ فِي الْمَيِّتِ إنْ عُدَّ إزْرَاءً بِهِ لَمْ يَبْعُدْ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَيِّ بِأَنَّ الْحَيَّ هُوَ الْمَدْخَلُ لِلضَّرَرِ بِتَقْدِيرِهِ عَلَى نَفْسِهِ، وَلَا كَذَلِكَ الْمَيِّتُ فَإِنَّ الِاسْتِعْمَالَ مِنْ غَيْرِهِ، وَيُؤَيِّدُ الْفَرْقَ مَا قَالُوهُ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ إزَالَةِ دَمِ الشَّهِيدِ وَخُلُوفِ فَمِ الصَّائِمِ مِنْ أَنَّ الْمُزِيلَ لِلْخُلُوفِ هُوَ الصَّائِمُ نَفْسُهُ، بِخِلَافِ دَمِ الشَّهِيدِ فَإِنَّ الْمُزِيلَ غَيْرُهُ، وَبَنَوْا عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ سَوَّكَهُ غَيْرُهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ حَرُمَ، وَأَنَّ الشَّهِيدَ لَوْ أَزَالَ دَمَهُ بِنَفْسِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ لَمْ يَحْرُمْ وَإِنْ قَطَعَ بِمَوْتِهِ (قَوْلُهُ: أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها سَخَّنَتْ مَاءً) لَمْ يُقَيِّدْهُ بِكَوْنِهِ فِي إنَاءٍ مُنْطَبِعٍ فَالْأَخْذُ بِهِ يَقْتَضِي الْكَرَاهَةَ، وَإِنْ كَانَ مُسَخَّنًا فِي خَزَفٍ أَوْ خَشَبٍ أَوْ غَيْرِهِمَا إلَّا أَنْ يُقَالَ يُسْتَنْبَطُ مِنْ النَّصِّ مَعْنًى يُخَصِّصُهُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ حَيْثُ قَالَ صلى الله عليه وسلم «فَإِنَّهُ يُورِثُ الْبَرَصَ» أَشْعُرُ أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْمُنْطَبِعِ (قَوْلُهُ: يَا حُمَيْرَاءُ) هُوَ بِالْمَدِّ وَالتَّصْغِيرِ (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا) قِيلَ وَكَذَا

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَاعِدَتِهِ الْمَارَّةِ فِي حَدِّ مَا فِي الْمَقَرِّ، وَالْمَمَرِّ لَا مُنَاقِضَ لَهَا

(قَوْلُهُ: مَا سَخَّنَتْهُ الشَّمْسُ) أَيْ مِنْ الْمَائِعِ كَمَا يَأْتِي

ص: 69

قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَيَكْفِي فِي إثْبَاتِهِ خَبَرُ مِنْ الَّذِي هُوَ أَعْرَفُ بِالطِّبِّ مِنْ غَيْرِهِ. وَضَابِطُ الْمُشَمَّسِ أَنْ تُؤَثِّرَ فِيهِ السُّخُونَةُ بِحَيْثُ تَفْصِلُ مِنْ الْإِنَاءِ أَجْزَاءً سُمِّيَّةً تُؤَثِّرُ فِي الْبَدَنِ، لَا مُجَرَّدَ انْتِقَالِهِ مِنْ حَالَةٍ لِأُخْرَى بِسَبَبِهَا، وَإِنْ نُقِلَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْأَصْحَابِ الِاكْتِفَاءُ بِذَلِكَ، وَشَمِلَ ذَلِكَ مَا لَوْ كَانَ الْمَاءُ مُغَطًّى حَيْثُ أَثَّرَتْ الشَّمْسُ فِيهِ التَّأْثِيرَ الْمَارَّ وَإِنْ كَانَ الْمَكْشُوفُ أَشَدَّ كَرَاهَةً لِشِدَّةِ تَأْثِيرِهَا فِيهِ، وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ فِي مُنْطَبِعٍ كَحَدِيدٍ وَنُحَاسٍ لِيَخْرُجَ بِهِ غَيْرُهُ كَالْخَزَفِ وَالْخَشَبِ وَالْجُلُودِ وَالْحِيَاضِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُنْطَبِعُ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ لِصَفَاءِ جَوْهَرِهِمَا فَلَا يَنْفَصِلُ مِنْهُمَا شَيْءٌ وَلَا فَرْقَ فِيهِمَا، وَفِي الْمُنْطَبِعِ مِنْ غَيْرِهِمَا بَيْنَ أَنْ يَصْدَأَ أَوْ لَا، وَأَمَّا الْمُمَوَّهُ بِأَحَدِهِمَا فَالْأَوْجَهُ فِيهِ أَنْ يُقَالَ: إنْ كَثُرَ التَّمْوِيهُ بِهِ بِحَيْثُ يَمْنَعُ انْفِصَالَ شَيْءٍ مِنْ أَصْلِ الْإِنَاءِ لَمْ يُكْرَهْ، وَإِلَّا كُرِهَ حَيْثُ انْفَصَلَ مِنْهُ شَيْءٌ يُؤَثِّرُ، وَيَجْرِي ذَلِكَ فِي الْإِنَاءِ الْمَغْشُوشِ، وَأَنْ يَكُونَ بِقُطْرٍ حَارٍّ لِيَخْرُجَ الْبَارِدُ كَالشَّامِ وَالْمُعْتَدِلُ كَمِصْرِ؛ لِأَنَّ تَأْثِيرَ الشَّمْسِ فِيهِمَا ضَعِيفٌ فَلَا يُتَوَقَّعُ الْمَحْذُورُ، وَأَنْ يَكُونَ وَقْتُهَا لِيَخْرُجَ بِذَلِكَ غَيْرُهُ وَأَنْ يَبْقَى عَلَى حَرَارَتِهِ، فَلَوْ بَرِدَ زَالَتْ الْكَرَاهَةُ، وَهِيَ شَرْعِيَّةٌ لَا إرْشَادِيَّةٌ.

وَفَائِدَةُ ذَلِكَ الثَّوَابُ وَلِهَذَا قَالَ السُّبْكِيُّ: التَّحْقِيقُ أَنَّ فَاعِلَ الْإِرْشَادِ لِمُجَرَّدِ غَرَضِهِ لَا يُثَابُ، وَلِمُجَرَّدِ الِامْتِثَالِ يُثَابُ وَلَهُمَا يُثَابُ ثَوَابًا أَنْقَصُ مِنْ ثَوَابٍ مِنْ مَحْضِ قَصْدِ الِامْتِثَالِ، وَلَا يُكْرَهُ اسْتِعْمَالُهُ فِي أَرْضٍ أَوْ آنِيَةٍ أَوْ ثَوْبٍ أَوْ طَعَامٍ جَامِدٍ كَخُبْزٍ عُجِنَ بِهِ؛ لِأَنَّ الْأَجْزَاءَ السُّمِّيَّةَ تُسْتَهْلَكُ فِي الْجَامِدِ فَلَا يُخْشَى مِنْهَا ضَرَرٌ بِخِلَافِهَا فِي الْمَائِعِ، وَإِنْ طَبَخَ بِالنَّارِ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ، وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْمَاءَ الْمُشَمَّسَ إذَا سَخُنَ بِالنَّارِ لَا تَزُولُ الْكَرَاهَةُ، وَهُوَ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

كُلُّ حَدِيثٍ فِيهِ يَا حُمَيْرَاءُ (قَوْلُهُ: لَا مُجَرَّدَ انْتِقَالِهِ مِنْ حَالَةٍ لِأُخْرَى) خِلَافًا لِلْخَطِيبِ عَلَى أَبِي شُجَاعٍ (قَوْلُهُ: الِاكْتِفَاءُ بِذَلِكَ) اسْمُ الْإِشَارَةِ رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ مُجَرَّدَ انْتِقَالِهِ (قَوْلُهُ: لِشِدَّةِ تَأْثِيرِهَا فِيهِ) وَلَمْ يَنْظُرُوا إلَى أَنَّ الْمُغَطَّى تَنْحَبِسُ فِيهِ الْأَجْزَاءُ السِّمِّيَّةُ، فَكَانَ أَوْلَى بِالْكَرَاهَةِ كَمَا قِيلَ بِكَرَاهَةِ الْمَكْمُورِ مِنْ اللَّحْمِ وَنَحْوِهِ، بَلْ قِيلَ بِحُرْمَتِهِ كَأَنَّهُ؛ لِأَنَّ زِيَادَةَ التَّأْثِيرِ لِلشَّمْسِ يُتَوَهَّمُ الضَّرَرُ مَعَهَا أَكْثَرَ (قَوْلُهُ: فِي مُنْطَبِعٍ) أَيْ مُطْرَقٍ: أَيْ مِنْ شَأْنِهِ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يُطْرَقْ بِالْفِعْلِ (قَوْلُهُ: بَيْنَ أَنْ يَصْدَأَ أَوْ لَا) أَيْ فَلَا يُكْرَهُ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَإِنْ صَدِئًا وَيُكْرَهُ فِي غَيْرِهِمَا، وَلَا يُقَالُ إنَّ الصَّدَأَ فِي غَيْرِهِمَا مَانِعٌ مِنْ وُصُولِ الزُّهُومَةِ إلَى الْمَاءِ (قَوْلُهُ: وَأَنْ يَكُونَ بِقُطْرٍ) وَلَوْ خَالَفَ الْبَلَدَ قُطْرَهُ فَالْعِبْرَةُ بِالْبَلَدِ، فَيُكْرَهُ الْمُشَمَّسُ بِحُورَانَ دُونَ الطَّائِفِ.

(قَوْلُهُ: وَأَنْ يَكُونَ وَقْتُهَا) أَيْ فِي الصَّيْفِ (قَوْلُهُ فَلَوْ بَرُدَ) مِنْ بَابِ سَهُلَ اهـ مُخْتَارٌ، وَعِبَارَةُ الْمِصْبَاحِ بَرُدَ الشَّيْءُ بُرُودَةً مِثْلُ سَهُلَ سُهُولَةً إذَا سَكَنَتْ حَرَارَتُهُ، وَأَمَّا بَرَدَ بَرْدًا مِنْ بَابِ قَتَلَ فَيُسْتَعْمَلُ لَازِمًا وَمُتَعَدِّيًا، يُقَالُ بَرَدَ الْمَاءُ وَبَرَدْته فَهُوَ بَارِدٌ وَمَبْرُودٌ، ثُمَّ قَالَ وَبَرَّدْته بِالتَّثْقِيلِ مُبَالَغَةٌ (قَوْلُهُ: زَالَتْ الْكَرَاهَةُ) أَيْ وَلَوْ سُخِّنَ بِالنَّارِ بَعْدُ، قَالَ ابْنُ قَاسِمٍ عَلَى ابْنِ حَجَرٍ: وَبَقِيَ مَا لَوْ بَرَّدَ ثُمَّ شَمَّسَ أَيْضًا فِي إنَاءٍ غَيْرِ مُنْطَبِعٍ فَهَلْ تَعُودُ الْكَرَاهَةُ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا زَالَتْ لِفَقْدِ الْحَرَارَةِ وَقَدْ وَجَدْت، أَوْ لَا تَعُودُ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ؟ فِيهِ نَظَرٌ وَقَدْ يُوَجِّهُ إطْلَاقُهُمْ بِاحْتِمَالِ أَنَّ التَّبْرِيدَ أَزَالَ الزُّهُومَةَ أَوْ أَزَالَ تَأْثِيرَهَا أَوْ أَضْعَفَهُ وَإِنْ وُجِدَتْ الْحَرَارَةُ، وَبِأَنَّ الْكَرَاهَةَ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِسَبَبِهَا وَقَدْ زَالَتْ بِالتَّبْرِيدِ، وَلَمْ يُوجَدْ بَعْدُ سَبَبُهَا وَهُوَ التَّشْمِيسُ بِشُرُوطِهِ، وَبِاحْتِمَالِ أَنَّ الْحَرَارَةَ الْمُؤَثِّرَةَ مَشْرُوطَةٌ بِحُصُولِهَا بِوَاسِطَةِ الْإِنَاءِ الْمُنْطَبِعِ لِخُصُوصِيَّةٍ فِيهِ فَلْيُتَأَمَّلْ انْتَهَى.

أَقُولُ: وَالْأَقْرَبُ عَدَمُ زَوَالِ الْكَرَاهَةِ؛ لِأَنَّ الزُّهُومَةَ بَاقِيَةٌ فِيهِ، وَإِنَّمَا خَمَدَتْ بِالتَّبْرِيدِ فَإِذَا سَخُنَ أَثَّرَتْ تِلْكَ الزُّهُومَةُ الْخَامِدَةُ (قَوْلُهُ: إذَا سَخُنَ بِالنَّارِ) أَيْ حَالَ حَرَارَتِهِ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ إذَا بَرَدَ زَالَتْ الْكَرَاهَةُ

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلُهُ: وَلِهَذَا قَالَ السُّبْكِيُّ إلَخْ) فِي تَرْتِيبِ هَذَا عَلَى مَا قَبْلَهُ وَقْفَةٌ ظَاهِرَةٌ وَعِبَارَةُ الشِّهَابِ ابْنِ حَجَرٍ عَقِبَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَيُكْرَهُ مَا نَصُّهُ شَرْعًا لَا طِبًّا فَحَسْبُ انْتَهَتْ، فَأَشْعَرَ كَلَامُهُ أَنَّ الْقَائِلَ بِأَنَّ الْكَرَاهَةَ شَرْعِيَّةٌ يَقُولُ إنَّ فِيهَا شَائِبَةَ رَشَادٍ مِنْ حَيْثُ الطِّبُّ، فَلَعَلَّ قَوْلَ الشَّارِحِ وَقَوْلَ إلَخْ بِالنَّظَرِ إلَى ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ فِي سِيَاقِهِ قَلَاقَةٌ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِهَا فِي الْمَائِعِ) صُورَتُهُ أَنَّ الْمَائِعَ الْمُشَمَّسَ جُعِلَ حَالَ حَرَارَتِهِ فِي الطَّعَامِ الْمَائِعِ وَطُبِخَ بِقَرِينَةِ مَا مَرَّ، وَيَأْتِي (قَوْلُهُ: إذَا سُخِّنَ بِالنَّارِ) أَيْ مَعَ بَقَاءِ

ص: 70

كَذَلِكَ كَمَا اعْتَمَدَهُ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، إذْ لَا يَخْفَى أَنَّ نَارَ الطَّبْخِ أَشَدُّ مِنْ نَارِ التَّسْخِينِ، فَإِذَا لَمْ تُزِلْ نَارُ الطَّبْخِ الْكَرَاهَةَ فَلَأَنْ لَا تُزِيلَهَا نَارُ التَّسْخِينِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، وَيُحْمَلُ قَوْلُهُمْ إنَّهُ لَا يُكْرَهُ الْمُسَخَّنُ بِالنَّارِ عَلَى الِابْتِدَاءِ. وَعُلِمَ مِنْ ذَلِكَ عَدَمُ كَرَاهَةِ مَا سَخُنَ بِالنَّارِ وَلَوْ بِنَجَاسَةٍ مُغَلَّظَةٍ، وَإِنْ قَالَ بَعْضُهُمْ فِيهِ وَقْفَةٌ لِعَدَمِ ثُبُوتِ نَهْيٍ عَنْهُ وَلِذَهَابِ الزُّهُومَةِ لِقُوَّةِ تَأْثِيرِهَا.

لَا يُقَالُ إنَّ اخْتِلَاطَ ذَلِكَ فِي الطَّعَامِ الْمَائِعِ تَفَرَّقَتْ بِهِ أَجْزَاءُ السُّمِّيَّةِ بِأَجْزَائِهِ فَلَا تَقْدِرُ النَّارُ حِينَئِذٍ عَلَى دَفْعِهَا بِخِلَافِ مُجَرَّدِ الْمَاءِ؛ لِأَنَّا نَمْنَعُ ذَلِكَ، إذْ شِدَّةُ غَلَيَانِهِ تَقْتَضِي إخْرَاجَهَا وَلَمْ يُرَاعَ ذَلِكَ فِيهِ، وَلَا يُكْرَهُ إنْ عُدِمَ غَيْرُهُ فَيَجِبُ شِرَاؤُهُ حِينَئِذٍ إنْ ضَاقَ الْوَقْتُ وَهُوَ مُحْتَاجٌ لِلطَّهَارَةِ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ مَعَ وُجُودِهِ لِقُدْرَتِهِ عَلَى طَاهِرٍ بِيَقِينٍ، وَتَرَتُّبُ الضَّرَرِ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ غَيْرُ مُتَحَقِّقٍ وَلَا مَظْنُونٍ إلَّا فِي جِنْسِهِ عَلَى نُدُورٍ، بِخِلَافِ السُّمِّ فَإِنَّ ضَرَرَهُ مُحَقَّقٌ، نَعَمْ لَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ هَذَا الْمُشَمَّسُ يَضُرُّهُ بِقَوْلِ طَبِيبٍ عَدْلِ الرِّوَايَةِ أَوْ بِمَعْرِفَةِ نَفْسِهِ، فَقِيَاسُ مَا ذَكَرُوهُ فِي التَّيَمُّمِ لِخَوْفِ مَرَضٍ أَوْ بَرْدٍ أَنَّهُ يَحْرُمُ اسْتِعْمَالُهُ، وَيَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ.

وَالْأَفْضَلُ تَرْكُ التَّطَهُّرِ بِالْمَاءِ الْمُشَمَّسِ إنْ تَيَقَّنَ غَيْرَهُ آخِرَ الْوَقْتِ، وَلَوْ اسْتَعْمَلَهُ فِي حَيَوَانٍ غَيْرِ آدَمِيٍّ فَإِنْ لَحِقَ الْآدَمِيُّ مِنْهُ ضَرَرٌ أَوْ كَانَ مِمَّا يُدْرِكُهُ الْبَرَصُ كُرِهَ وَإِلَّا فَلَا، وَيُكْرَهُ شَدِيدُ الْحَرَارَةِ وَالْبُرُودَةِ لِمَنْعِهِمَا الْإِسْبَاغَ، وَكُلُّ مَاءٍ غَضَبٌ عَلَى أَهْلِهِ، وَالْأَوْجَهُ كَرَاهَةُ تُرَابِهَا أَيْضًا، وَحِينَئِذٍ فَالْمِيَاهُ الْمَكْرُوهَةُ ثَمَانِيَةٌ: الْمُشَمَّسُ، وَشَدِيدُ الْحَرَارَةِ، وَشَدِيدُ الْبُرُودَةِ، وَمَاءُ دِيَارِ ثَمُودَ إلَّا بِئْرَ النَّاقَةِ، وَمَاءُ دِيَارِ قَوْمِ لُوطٍ، وَمَاءُ بِئْرِ بَرَهُوتَ،

ــ

[حاشية الشبراملسي]

قَوْلُهُ: وَإِنْ قَالَ بَعْضُهُمْ) مُرَادُهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَقَوْلُهُ لِعَدَمِ عِلَّةٍ لِقَوْلِهِ عَدَمُ كَرَاهَةِ مَا سَخُنَ إلَخْ وَقَوْلُهُ فِيهِ وَقْفَةٌ: أَيْ لِفُحْشِ أَمْرِ النَّجَاسَةِ الْمُغَلَّظَةِ (قَوْلُهُ: فَيَجِبُ شِرَاؤُهُ) فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ وَلَمْ يَضِقْ لَا يَجِبُ شِرَاؤُهُ، وَسَيَأْتِي أَنَّ الْأَفْضَلَ عَدَمُ اسْتِعْمَالِهِ إلَّا إنْ تَيَقَّنَ إلَخْ (قَوْلُهُ: أَوْ بِمَعْرِفَةِ نَفْسِهِ) أَيْ بِسَبَبِ الطِّبِّ لَا بِالتَّجَارِبِ (قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ) أَيْ بَلْ يَجِبُ انْتَهَى ابْنُ قَاسِمٍ، وَلَا يُنَافِيه تَعْبِيرُ الشَّارِحِ بِالْجَوَازِ لِكَوْنِهِ جَوَازًا بَعْدَ مَنْعٍ فَيَصْدُقُ بِالْوُجُوبِ (قَوْلُهُ: أَوْ كَانَ مِمَّا يُدْرِكُهُ الْبَرَصُ) أَيْ كَالْخَيْلِ الْبُلْقِ (قَوْلُهُ: لِمَنْعِهِمَا الْإِسْبَاغَ) أَيْ كَمَالَهُ فَإِنَّ مَا يَمْنَعُ أَصْلَ الْإِسْبَاغِ لَا تَصِحُّ الطَّهَارَةُ بِهِ لِعَدَمِ تَعْمِيمِ الْعُضْوِ بِالْمَاءِ، ثُمَّ قَضِيَّةُ تَعْلِيلِهِ بِمَنْعِهِ الْإِسْبَاغَ اخْتِصَاصُ الْكَرَاهَةِ بِالْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ يُكْرَهُ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْبَدَنِ مُطْلَقًا لِخَوْفِ الضَّرَرِ انْتَهَى.

كَذَا نُقِلَ عَنْ ابْنِ قَاسِمٍ عَلَى الْمَنْهَجِ، ثُمَّ رَأَيْت عِبَارَتَهُ نَصُّهَا قَوْلُهُ لِمَنْعِهِ الْإِسْبَاغَ قَضِيَّتُهُ اخْتِصَاصُ الْكَرَاهَةِ بِالطَّهَارَةِ، لَكِنْ عَلَّلَهَا فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ بِخَوْفِ الضَّرَرِ وَقَضِيَّتُهُ الْكَرَاهَةُ فِي الْبَدَنِ مُطْلَقًا فَلْيُنْظَرْ انْتَهَى (قَوْلُهُ وَالْأَوْجَهُ كَرَاهَةُ تُرَابِهَا) أَيْ تُرَابِ الْأَرْضِ الْمَغْضُوبِ عَلَى أَهْلِهَا، وَيَنْبَغِي أَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ مَا يَحْصُلُ فِيهَا مِنْ الثِّمَارِ وَنَحْوِهَا (قَوْلُهُ وَمَاءُ بِئْرِ بَرَهُوتَ) مُحَرَّكَةٌ وَبِالضَّمِّ: أَيْ لِلْبَاءِ انْتَهَى قَامُوسٌ. وَعِبَارَةُ مَرَاصِدِ الِاطِّلَاعِ بِضَمِّ الْهَاءِ وَسُكُونِ الْوَاوِ وَتَاءٍ فَوْقَهَا نُقْطَتَانِ: وَادٍ بِالْيَمَنِ، قِيلَ هُوَ بِقُرْبِ

ــ

[حاشية الرشيدي]

حَرَارَتِهِ بِدَلَالَةِ مَا يَأْتِي (قَوْلُهُ: عَلَى الِابْتِدَاءِ) أَيْ أَوْ بَعْدَ التَّبْرِيدِ (قَوْلُهُ: لَا يُقَالُ إلَخْ) هَذَا سُؤَالٌ نَشَأَ مِنْ أَخْذِهِ بَقَاءَ كَرَاهَةِ الْمَاءِ الْمُشَمَّسِ وَإِنْ سُخِّنَ بِالنَّارِ مِنْ بَقَائِهَا فِي الْمَائِعِ الَّذِي فِيهِ مَاءٌ مُشَمَّسٌ وَإِنْ طُبِخَ بِهَا حَاصِلُهُ وُضُوحُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ، وَهُوَ أَنَّ اخْتِلَاطَ الْمَاءِ الْمُشَمَّسِ بِالطَّعَامِ تَفَرَّقَتْ بِهِ الْأَجْزَاءُ السُّمِّيَّةُ بِأَجْزَائِهِ فَلَمْ تَقْدِرْ النَّارُ عَلَى دَفْعِهَا، بِخِلَافِ الْمَاءِ الْمُجَرَّدِ: أَيْ فَالْأَخْذُ الْمَذْكُورُ غَيْرُ صَحِيحٍ.

وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّ شِدَّةَ غَلَيَانِ الطَّعَامِ بِالنَّارِ يُوجِبُ إخْرَاجَ تِلْكَ الْأَجْزَاءِ السُّمِّيَّةِ فَقَوْلُ الْمُعْتَرِضِ فَلَا تَقْدِرُ النَّارُ عَلَى دَفْعِهَا مَمْنُوعٌ: أَيْ وَمَعَ اقْتِضَاءِ النَّارِ إخْرَاجَ ذَلِكَ لَمْ نُرَاعِهِ وَنَنْفِي الْكَرَاهَةَ بَلْ أَثْبَتْنَاهَا، فَإِثْبَاتُهَا فِي مَسْأَلَةِ الْمَاءِ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ إلَّا مُجَرَّدُ التَّسْخِينِ أَوْلَى لِمَا مَرَّ فَصَحَّ الْأَخْذُ الْمَذْكُورُ، وَالتَّفْرِقَةُ الَّتِي هِيَ حَاصِلُ السُّؤَالِ لِلشِّهَابِ ابْنِ حَجَرٍ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ، فَإِنَّهُ أَثْبَتَ الْكَرَاهَةَ فِي مَسْأَلَةِ الطَّعَامِ تَبَعًا لِلْمَجْمُوعِ وَنَفَاهَا فِي مَسْأَلَةِ الْمَاءِ فَارِقًا بِمَا ذُكِرَ، وَالْإِشَارَةُ فِي قَوْلِ الشَّارِحِ أَنَّ اخْتِلَاطَ ذَلِكَ لِلْمَاءِ الْمُشَمَّسِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ (قَوْلُهُ: أَوْ بِمَعْرِفَةِ نَفْسِهِ) أَيْ طِبًّا لَا تَجْرِبَةً (قَوْلُهُ: أَوْ بَرْدٍ) الْأَوْلَى بَلْ الصَّوَابُ إسْقَاطُهُ

ص: 71

وَمَاءُ أَرْضِ بَابِلَ، وَمَاءُ بِئْرِ ذَرْوَانَ

(وَالْمُسْتَعْمَلُ فِي فَرْضِ الطَّهَارَةِ) عَنْ الْحَدَثِ كَالْغَسْلَةِ الْأُولَى وَلَوْ مِنْ طُهْرِ صَاحِبِ ضَرُورَةٍ طَاهِرٍ غَيْرِ مُطَهِّرٍ كَمَا سَيَأْتِي؛ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ رضي الله عنهم احْتَاجُوا فِي مَوَاطِنَ مِنْ أَسْفَارِهِمْ الْكَثِيرَةِ إلَى الْمَاءِ وَلَمْ يَجْمَعُوا الْمُسْتَعْمَلَ لِاسْتِعْمَالِهِ مَرَّةً أُخْرَى. فَإِنْ قِيلَ: وَلَمْ يَجْمَعُوا الْمُسْتَعْمَلَ فِي النَّفْلِ فَلِمَ قُلْتُمْ بِطَهُورِيَّتِهِ؟ قُلْنَا: الظَّاهِرُ أَنَّهُمْ فِي مِثْلِ تِلْكَ الْحَالَةِ يَقْتَصِرُونَ عَلَى فَرْضِ الطَّهَارَةِ بِالْمَاءِ.

فَإِنْ قُلْت: طَهُورٌ فِي الْآيَةِ السَّابِقَةِ بِوَزْنِ فَعُولٍ فَيَقْتَضِي تَكَرُّرَ الطَّهَارَةِ بِالْمَاءِ.

قُلْنَا: فَعُولٌ يَأْتِي اسْمًا لِلْآلَةِ كَسَحُورٍ لِمَا يُتَسَحَّرُ بِهِ، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ طَهُورًا كَذَلِكَ، وَلَوْ سُلِّمَ اقْتِضَاؤُهُ التَّكَرُّرَ فَالْمُرَادُ بِهِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ ثُبُوتُ ذَلِكَ لِجِنْسِ الْمَاءِ أَوْ فِي الْمَحَلِّ الَّذِي مَرَّ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَطْهُرُ كُلُّ جُزْءٍ مِنْهُ، وَلِأَنَّهُ لَمَّا أَزَالَ الْمَنْعَ مِنْ نَحْوِ الصَّلَاةِ انْتَقَلَ ذَلِكَ الْمَنْعُ إلَيْهِ كَمَا أَنَّ الْغَسَّالَةَ لَمَّا أَثَّرَتْ فِي الْمَحَلِّ تَأَثَّرَتْ، فَسُقُوطُ طَهُورِيَّتِهِ مُعَلَّلٌ بِإِزَالَتِهِ الْمَنْعَ لَا بِتَأَدِّي مُطْلَقِ الْعِبَادَةِ، وَمُرَادُهُ بِالْفَرْضِ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ أَتَمَّ تَارِكُهُ أَمْ لَا، فَشَمِلَ وُضُوءَ الصَّبِيِّ وَلَوْ غَيْرَ مُمَيِّزٍ بِأَنْ وَضَّأَهُ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

حَضْرَمَوْتَ جَاءَ أَنَّ فِيهِ أَرْوَاحَ الْكُفَّارِ، وَقِيلَ بِئْرٌ بِحَضْرَمَوْتَ، وَقِيلَ هُوَ اسْمُ الْبَلَدِ الَّذِي فِيهِ الْبِئْرُ رَائِحَتُهَا مُنْتِنَةٌ فَظِيعَةٌ جِدًّا انْتَهَى (قَوْلُهُ: وَمَاءُ أَرْضِ بَابِلَ) اسْمُ مَوْضِعٍ بِالْعِرَاقِ يُنْسَبُ إلَيْهِ السِّحْرُ وَالْخَمْرُ. قَالَ الْأَخْفَشُ: لَا يَنْصَرِفُ لِتَأْنِيثِهِ وَتَعْرِيفِهِ وَكَوْنِهِ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْرُفٍ انْتَهَى. مُخْتَارٌ.

(قَوْلُهُ: وَمَاءُ بِئْرِ ذَرْوَانَ) بِفَتْحِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ، وَيُقَالُ فِيهَا أَيْضًا أَرْوَانَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ انْتَهَى مَرَاصِدُ الِاطِّلَاعِ فِي أَسْمَاءِ الْأَمْكِنَةِ وَالْبِقَاعِ. ثُمَّ رَأَيْت فِي الْقَامُوسِ مَا نَصُّهُ: بِئْرُ ذَرْوَانَ بِالْمَدِينَةِ أَوْ هُوَ ذُو أَرْوَانَ بِسُكُونِ الرَّاءِ، وَقِيلَ بِتَحْرِيكِهِ أَصَحُّ انْتَهَى

(قَوْلُهُ: فِي مَوَاطِنَ مِنْ أَسْفَارِهِمْ) أَيْ الْقَلِيلَةِ الْمَاءِ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ. لَا يُقَالُ: إنَّمَا لَمْ يَجْمَعُوهُ لِغَرَضٍ آخَرَ لِعَدَمِ تَكْلِيفِهِمْ تَحْصِيلَ الْمَاءِ قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: مُحَافَظَةُ الصَّحَابَةِ عَلَى فِعْلِ الْعِبَادَةِ عَلَى الْوَجْهِ الْأَكْمَلِ يُوجِبُ فِي الْعَادَةِ أَنَّهُمْ يُحَصِّلُونَهُ مَتَى قَدَرُوا عَلَيْهِ وَيَدَّخِرُونَهُ إلَى وَقْتِ الْحَاجَةِ (قَوْلُهُ: يَقْتَصِرُونَ عَلَى فَرْضِ الطَّهَارَةِ) عِبَارَةُ ابْنِ قَاسِمٍ عَلَى الْمَنْهَجِ، نَعَمْ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: كَمَا لَمْ يَجْمَعُوا مَاءَ الْمَرَّةِ الْأُولَى لَمْ يَجْمَعُوا مَا بَعْدَهَا مِنْ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ، فَإِنْ دَلَّ عَدَمُ الْجَمْعِ عَلَى عَدَمِ طَهُورِيَّتِهِ فِي الْأُولَى فَلْيُدَلِّس عَلَيْهِ أَيْضًا فِيمَا بَعْدَهَا وَإِلَّا لَمْ يَثْبُتْ الْمَطْلُوبُ أَيْضًا، وَهِيَ وَاقِعَةٌ حَالَ فِعْلِيَّةٍ.

وَيُجَابُ بِأَنَّ عَدَمَ الْجَمْعِ دَالٌّ عَلَى مَا ذُكِرَ، لَكِنَّهُمْ اسْتَنْبَطُوا مَعْنَى خَصَّصَ الْحُكْمَ بِالْأُولَى وَهُوَ انْتِقَالُ الْمَنْعِ إلَيْهَا، وَإِنَّمَا لَمْ يَجْمَعُوا مَا بَعْدَهَا لِاخْتِلَاطِهِ غَالِبًا بِمَاءِ الْأُولَى، فَكَانَ الْجَمْعُ مَظِنَّةَ الْمَحْذُورِ مِنْ اخْتِلَاطِ طَهُورِهِ بِغَيْرِهِ الَّذِي قَدْ يُؤَثِّرُ فِيهِ، وَبِأَنَّ الِاحْتِمَالَ الَّذِي فِي غَايَةِ الْبُعْدِ لَا يُؤَثِّرُ فِي وَقَائِعِ الْأَحْوَالِ (قَوْلُهُ: لَمَّا أَثَّرَتْ فِي الْمَحَلِّ إلَخْ) هَذَا

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلُهُ: بِئْرِ ذَرْوَانَ) بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ، كَمَرْوَانَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ، وَلِمُسْلِمٍ بِئْرُ ذِي أَرْوَانَ، وَأَسْقَطَ الْأَصِيلِيُّ الرَّاءَ وَغَلِطَ، وَكَانَ الْأَصْلُ ذِي أَرْوَانَ فَسُهِّلَتْ الْهَمْزَةُ لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ فَصَارَ ذَرْوَانَ، وَرُوِيَ بِئْرُ أَرْوَانَ بِإِسْقَاطِ ذِي وَهِيَ بِئْرُ بَنِي زُرَيْقٍ وَضَعَ لَبِيدُ بْنُ الْأَعْصَمِ وَكَانَ مُنَافِقًا حَلِيفًا فِي بَنِي زُرَيْقٍ سِحْرَهُ فِيهَا لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم تَحْتَ رَاعُوفَتِهَا، وَكَانَ مَاؤُهَا كَنُقَاعَةِ الْحِنَّاءِ وَنَخْلُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ، فَأَمَرَ بِهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَدُفِنَتْ بَعْدَ إخْرَاجِ السِّحْرِ مِنْهَا لَكِنَّهُ لَمْ يُخْرِجْهُ لِلنَّاسِ، هَكَذَا فِي [خُلَاصَةِ الْوَفَا فِي أَخْبَارِ دِيَارِ الْمُصْطَفَى] لِلسَّيِّدِ السَّمْهُودِيِّ

(قَوْلُهُ: كَمَا سَيَأْتِي) أَيْ أَنَّهُ غَيْرُ طَهُورٍ، فَهُوَ رَاجِعٌ إلَى الثَّانِي فَقَطْ، أَوْ أَنَّ قَوْلَهُ فِيمَا يَأْتِي غَيْرُ طَهُورٍ يُشْعِرُ بِأَنَّهُ طَاهِرٌ وَإِلَّا كَانَ يَقُولُ غَيْرَ طَاهِرٍ (قَوْلُهُ: قُلْنَا فَعُولٌ يَأْتِي اسْمُ آلَةٍ كَسَحُورٍ إلَخْ) فِيهِ تَسْلِيمُ أَنَّ طَهُورَ يَقْتَضِي تَكَرُّرَ الطَّهَارَةِ بِالْمَاءِ، وَهُوَ إنَّمَا يَصِحُّ لَوْ كَانَ صِيغَةَ مُبَالَغَةٍ مِنْ مُطَهِّرٍ، وَالْوَاقِعُ أَنَّهُ صِيغَةُ مُبَالَغَةٍ مِنْ طَاهِرٍ لَا مِنْ مُطَهِّرٍ، فَمَعْنَاهُ تَكَرُّرُ الطَّاهِرِيَّةِ، لَكِنْ لَمَّا لَمْ يَكُنْ لِتَكَرُّرِهَا مَعْنًى حَمَلَ الْمُبَالَغَةَ عَلَى أَنَّهُ يُطَهِّرُ غَيْرَهُ (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّهُ لَمَّا أَزَالَ الْمَنْعَ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابَهُ إلَى آخِرِهِ، وَكَانَ يَنْبَغِي تَقْدِيمُهُ

ص: 72

وَلِيُّهُ لِلطَّوَافِ كَمَا سَيَأْتِي، وَوُضُوءُ الْحَنَفِيِّ الَّذِي لَا يَعْتَقِدُ وُجُوبَ النِّيَّةِ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ رَفَعَ الِاعْتِرَاضَ عَلَيْهِ مِنْ الْمُخَالِفِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَصِحَّ اقْتِدَاؤُهُ بِهِ إذَا مَسَّ فَرْجَهُ اعْتِبَارًا بِاعْتِقَادِ الْمَأْمُومِ لِاشْتِرَاطِ الرَّابِطَةِ فِي الِاقْتِدَاءِ لَا فِي الطَّهَارَاتِ وَاحْتِيَاطًا فِي الْبَابَيْنِ، وَمَا اُسْتُعْمِلَ فِي غَسْلِ بَدَلِ مَسْحٍ مِنْ رَأْسٍ أَوْ خُفٍّ أَوْ فِي غُسْلِ مَيِّتٍ أَوْ كِتَابِيَّةٍ أَوْ مَجْنُونَةٍ أَوْ مُمْتَنِعَةٍ عَنْ حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ لِيَحِلَّ وَطْؤُهَا (قِيلَ وَنَفْلُهَا) كَالْغَسْلَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ وَالْوُضُوءُ الْمُجَدَّدُ وَالْغُسْلُ الْمَسْنُونُ (غَيْرُ طَهُورٍ فِي الْجَدِيدِ) لِأَنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ فِي طَهَارَةٍ فَكَانَ كَالْمُسْتَعْمَلِ فِي رَفْعِ الْحَدَثِ، وَالْقَدِيمُ أَنَّهُ طَهُورٌ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْمُسْتَعْمَلَ فِي نَقْلِ الطَّهَارَةِ عَلَى الْجَدِيدِ طَهُورٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسْتَعْمَلْ فِيمَا لَا بُدَّ مِنْهُ، وَسَيَأْتِي الْمُسْتَعْمَلُ فِي النَّجَاسَةِ فِي بَابِهَا.

(فَإِنْ جَمَعَ قُلَّتَيْنِ فَطَهُورٌ فِي الْأَصَحِّ) لِخَبَرِ الْقُلَّتَيْنِ الْآتِي كَالْمُتَنَجِّسِ إذَا جُمِعَ فَبَلَغَهُمَا وَلَا تَغَيُّرَ بِهِ بَلْ أَوْلَى، وَكَمَا لَوْ كَانَ ذَلِكَ فِي الِابْتِدَاءِ، وَلَا بُدَّ فِي انْتِفَاءِ الِاسْتِعْمَالِ عَنْهُ بِبُلُوغِهِ قُلَّتَيْنِ أَنْ يَكُونَا مِنْ مَحْضِ الْمَاءِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَالثَّانِي لَا وَفَرَّقَ بِأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ بِالْجَمْعِ عَنْ وَصْفِهِ بِالِاسْتِعْمَالِ بِخِلَافِ النَّجَسِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمَاءَ مَادَامَ مُتَرَدِّدًا عَلَى الْعُضْوِ لَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِالِاسْتِعْمَالِ مَادَامَتْ الْحَاجَةُ بَاقِيَةً، فَلَوْ انْغَمَسَ جُنُبٌ أَوْ مُحْدِثٌ فِي مَاءٍ قَلِيلٍ ثُمَّ نَوَى ارْتَفَعَ حَدَثُهُ عَنْ جَمِيعِ أَعْضَائِهِ فِي الْأُولَى، وَفِي الثَّانِيَةِ عَنْ أَعْضَاءِ وُضُوئِهِ، وَصَارَ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِهِ لَا إلَيْهِ، فَيَرْتَفِعُ بِهِ حَدَثٌ يَطْرَأُ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ مِنْهُ رَأْسُهُ فِيمَا يَظْهَرُ أَوْ جُنُبٌ فِي مَاءٍ قَلِيلٍ وَنَوَى قَبْلَ تَمَامِ الِانْغِمَاسِ طُهْرَ الْجُزْءِ الْمُلَاقِي لِلْمَاءِ، وَلَهُ إتْمَامُ غَسْلِهِ بِالِانْغِمَاسِ دُونَ الِاغْتِرَافِ، وَلَوْ انْغَمَسَ فِيهِ جُنُبَانِ ثُمَّ نَوَيَا مَعًا ارْتَفَعَتْ جَنَابَتُهُمَا، أَوْ مُرَتَّبًا فَالْأَوَّلُ وَصَارَ مُسْتَعْمَلًا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْآخَرِ، أَوْ انْغَمَسَ بَعْضُهُمَا ثُمَّ نَوَيَا مَعًا ارْتَفَعَتْ عَنْ جُزْأَيْهِمَا وَصَارَ مُسْتَعْمَلًا بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِمَا أَوْ مُرَتَّبًا، فَعَنْ جُزْءِ الْأَوَّلِ دُونَ الْآخَرِ وَحُكْمُ إتْمَامِ بَاقِي الْأَوَّلِ مَا مَرَّ، وَلَوْ غَرَفَ الْمُحْدِثُ مِنْ مَاءٍ قَلِيلٍ بِأَحَدِ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

مِنْ تَشْبِيهِ الْمَعْقُولِ بِالْمَحْسُوسِ: أَيْ كَمَا أَنَّ الْغَسَّالَةَ الْمُسْتَعْمَلَةَ فِي غَسْلِ الْمُسْتَقْذَرَاتِ الْحِسِّيَّةِ الطَّاهِرَةِ تَتَغَيَّرُ عَادَةً، كَذَلِكَ الْمُسْتَعْمَلَةُ فِي إزَالَةِ الْمَنْعِ الَّذِي هُوَ مُسْتَقْذَرٌ مَعْنَوِيٌّ، فَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْغَسَّالَةِ فِي هَذَا التَّشْبِيهِ الْغَسَّالَةُ الْمُسْتَعْمَلَةُ فِي إزَالَةِ الْخَبَثِ أَوْ الْحَدَثِ حَتَّى يَلْزَمُ قِيَاسَ الشَّيْءِ عَلَى نَفْسِهِ، فَسَقَطَ مَا لِلشَّيْخِ عَمِيرَةَ رحمه الله (قَوْلُهُ: مُطْلَقُ الْعِبَادَةِ) أَيْ حَتَّى يَكُونَ الْمُسْتَعْمَلُ فِي نَقْلِ الطَّهَارَةِ غَيْرَ طَهُورٍ (قَوْلُهُ: فَشَمِلَ وُضُوءَ الصَّبِيِّ) إذَا وَضَّأَهُ وَلِيُّهُ، وَهَلْ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِهَذَا الْوُضُوءِ إذَا بَلَغَ أَمْ لَا فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا اعْتَدَّ بِوُضُوءِ وَلِيِّهِ لِلضَّرُورَةِ وَقَدْ زَالَتْ، وَنَظِيرُ ذَلِكَ مَا قِيلَ فِي زَوْجِ الْمَجْنُونَةِ إذَا غَسَلَهَا بَعْدَ انْقِطَاعِ دَمِ الْحَيْضِ مِنْ أَنَّهَا إذَا أَفَاقَتْ لَيْسَ لَهَا أَنْ تُصَلِّيَ بِذَلِكَ الطُّهْرِ، أَمَّا الْمُمَيِّزُ إذَا تَوَضَّأَ بِنَفْسِهِ ثُمَّ بَلَغَ فَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ (قَوْلُهُ: لَا يَعْتَقِدُ وُجُوبَ النِّيَّةِ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ كَمَا صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ انْتَهَى شَرْحُ الْبَهْجَةِ الْكَبِيرِ (قَوْلُهُ: أَوْ كِتَابِيَّةٌ) لَيْسَ بِقَيْدٍ فَنَحْوُ الْمَجُوسِيَّةِ مِثْلُهَا، وَشَمِلَ التَّعْبِيرُ بِالْكِتَابِيَّةِ الذِّمِّيَّةَ وَالْحَرْبِيَّةَ.

(قَوْلُهُ: لِيَحِلَّ وَطْؤُهَا) وَلَوْ كَانَ الْوَطْءُ زِنًا أَوْ الْحَلِيلُ كَافِرًا (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ) تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ قِيلَ وَنَفْلُهَا (قَوْلُهُ: طَهُورٌ؛ لِأَنَّهُ إلَخْ) وَالْحَاصِلُ أَنَّ فِي الْفَرْضِ قَوْلَيْنِ قَدِيمًا وَجَدِيدًا، وَفِي النَّفْلِ بِنَاءً عَلَى الْجَدِيدِ فِي الْفَرْضِ وَجْهَيْنِ أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ طَهُورٌ (قَوْلُهُ: كَمَا قَدَّمْنَاهُ) أَيْ فِي قَوْلِهِ وَيَلْزَمُهُ تَكْمِيلُ الْمَاءِ النَّاقِصِ إلَخْ (قَوْلُهُ: مَا دَامَتْ الْحَاجَةُ) أَيْ وَدَوَامُهَا بِأَنْ لَا يَنْفَصِلَ الْمَاءُ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ إلَى مَا لَا يَغْلِبُ فِيهِ التَّقَاذُفُ لَا مُجَرَّدَ ارْتِفَاعِ حَدَثِهِ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ التَّفْرِيعِ (قَوْلُهُ: قَبْلَ أَنْ يُخْرِجَ مِنْهُ رَأْسَهُ) أَيْ أَوْ بَعْضَ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَاءِ وُضُوئِهِ (قَوْلُهُ: وَحُكْمُ إتْمَامِ بَاقِي الْأَوَّلِ مَا مَرَّ) أَيْ فَلَهُ ذَلِكَ، وَقَوْلُهُ مَا مَرَّ: أَيْ مِنْ قَوْلِهِ بِالِانْغِمَاسِ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَلَوْ غَرَفَ الْمُحْدِثُ مِنْ مَاءٍ قَلِيلٍ إلَخْ) .

[فَائِدَةٌ]

لَوْ اغْتَرَفَ بِإِنَاءٍ فِي يَدِهِ فَاتَّصَلَتْ: أَيْ يَدُهُ بِالْمَاءِ الَّذِي اغْتَرَفَ مِنْهُ، فَإِنْ قَصَدَ الِاغْتِرَافَ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ كَمِلْءِ هَذَا الْإِنَاءُ مِنْ الْمَاءِ فَلَا اسْتِعْمَالَ، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا مُطْلَقًا فَهَلْ يَنْدَفِعُ الِاسْتِعْمَالُ؛ لِأَنَّ الْإِنَاءَ قَرِينَةٌ عَلَى

ــ

[حاشية الرشيدي]

عَلَى قَوْلِهِ فَإِنْ قُلْت طَهُورٌ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا لَمْ يَصِحَّ اقْتِدَاؤُهُ بِهِ إذَا مَسَّ فَرْجَهُ) أَيْ أَوْ إذَا تَوَضَّأَ بِلَا نِيَّةٍ الَّذِي هُوَ

ص: 73

كَفَّيْهِ قَبْلَ تَمَامِ غَسْلِ وَجْهِهِ لَمْ يَصِرْ مُسْتَعْمَلًا، وَكَذَا قَبْلَ تَمَامِ الْغَسَلَاتِ الثَّلَاثِ لَهُ إنْ قَصَدَهَا، أَوْ بَعْدَ الْأُولَى إنْ نَوَى الِاقْتِصَارَ عَلَيْهَا وَكَانَ نَاوِيًا الِاغْتِرَافَ، وَإِلَّا صَارَ مُسْتَعْمَلًا، وَلَوْ غَسَلَ بِمَا فِي كَفِّهِ بَاقِيَ يَدِهِ لَا غَيْرَهُ أَجْزَأَهُ، وَلَا يُشْتَرَطُ لِنِيَّةِ الِاغْتِرَافِ نَفْيُ رَفْعِ الْحَدَثِ

(وَلَا تُنَجَّسُ قُلَّتَا الْمَاءِ بِمُلَاقَاةِ نَجَسٍ) لِحَدِيثِ «إذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلْ الْخَبَثَ» أَيْ يَدْفَعُ النَّجَاسَةَ كَمَا يُقَالُ: فُلَانٌ لَا يَحْمِلُ الظُّلْمَ: أَيْ يَدْفَعُهُ عَنْ نَفْسِهِ، وَشَمِلَ ذَلِكَ مَا لَوْ شَكَّ فِي كَثْرَتِهِ عَمَلًا بِأَصْلِ الطَّهَارَةِ وَلِأَنَّا شَكَكْنَا فِي نَجَاسَةٍ مُنَجِّسَةٍ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ حُصُولِ النَّجَاسَةِ التَّنْجِيسُ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ ابْتِدَاءً أَوْ جَمَعَ شَيْئًا فَشَيْئًا وَشَكَّ فِي وُصُولِهِ لَهُمَا، كَمَا لَوْ شَكَّ الْمَأْمُومُ هَلْ تَقَدَّمَ عَلَى إمَامِهِ أَمْ لَا، فَإِنَّهُ لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ وَلَوْ جَاءَ مِنْ قُدَّامِهِ عَمَلًا بِالْأَصْلِ أَيْضًا، وَيُعْتَبَرُ فِي الْقُلَّتَيْنِ قُوَّةُ التَّرَادِّ، فَلَوْ كَانَ الْمَاءُ فِي حُفْرَتَيْنِ فِي كُلِّ حُفْرَةٍ قُلَّةٌ وَبَيْنَهُمَا اتِّصَالٌ مِنْ نَهْرٍ صَغِيرٍ غَيْرِ عَمِيقٍ فَوَقَعَ فِي إحْدَى الْحُفْرَتَيْنِ نَجَاسَةٌ قَالَ الْإِمَامُ: فَلَسْت أَرَى أَنَّ مَا فِي

ــ

[حاشية الشبراملسي]

الِاغْتِرَافِ دُونَ رَفْعِ الْحَدَثِ كَمَا لَوْ أَدْخَلَ يَدَهُ بَعْدَ غَسْلَةِ الْوَجْهِ الْأُولَى مَنْ اعْتَادَ التَّثْلِيثَ حَيْثُ لَا يَصِيرُ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا لِقَرِينَةِ اعْتِيَادِ التَّثْلِيثِ أَوْ يَصِيرُ، وَيُفَرَّقُ بِأَنَّ الْعَادَةَ تُوجِبُ عَدَمَ دُخُولِ وَقْتِ غَسْلِ الْيَدِ بِخِلَافِهِ هُنَاكَ فَإِنَّ الْيَدَ دَخَلَتْ فِي وَقْتِ غَسْلِهَا فِيهِ نَظَرٌ، وَيَتَّجِهُ الثَّانِي انْتَهَى مَرَّ.

وَلَوْ اخْتَلَفَتْ عَادَتُهُ فِي التَّثْلِيثِ بِأَنْ كَانَ تَارَةً يُثَلِّثُ وَأُخْرَى لَا يُثَلِّثُ وَاسْتَوَيَا فَهَلْ يَحْتَاجُ النِّيَّةَ لِاغْتِرَافٍ بَعْدَ غَسْلَةِ الْوَجْهِ الْأُولَى فِيهِ نَظَرٌ، وَيَحْتَمِلُ عَدَمَ الِاحْتِيَاجِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ فَلْيُتَأَمَّلْ.

وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ نِيَّةُ الِاغْتِرَافِ عِنْدَ أَوَّلِ مُمَاسَّةِ الْمَاءِ، فَإِنْ تَأَخَّرَتْ فَلَا أَثَرَ لَهَا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، وَلَا تَغْتَرَّ بِمَنْ ذَكَرَ خِلَافَ ذَلِكَ انْتَهَى ابْنُ قَاسِمٍ عَلَى الْبَهْجَةِ. قُلْت: وَكَذَا لَوْ تَقَدَّمَتْ وَلَمْ يَسْتَحْضِرْهَا عِنْدَ الِاغْتِرَافِ (قَوْلُهُ: إنْ قَصَدَهَا) أَيْ أَوْ أَطْلَقَ عَلَى مَا يُفِيدُهُ كَلَامُ شَيْخِنَا الزِّيَادِيِّ (قَوْلُهُ: لَا غَيْرَهُ أَجْزَأَهُ) أَيْ فَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ أَدْخَلَ إحْدَى يَدَيْهِ كَمَا هُوَ الْفَرْضُ، أَمَّا لَوْ أَدْخَلَهُمَا مَعًا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَغْسِلَ بِمَا فِيهِمَا بَاقِيَ إحْدَاهُمَا وَلَا بَاقِيَهُمَا وَذَلِكَ لِرَفْعِ الْمَاءِ حَدَثَ الْكَفَّيْنِ، فَمَتَى غَسَلَ بَاقِيَ إحْدَاهُمَا فَقَدْ انْفَصَلَ مَا غَسَلَ بِهِ عَنْ الْأُخْرَى وَذَلِكَ يُصَيِّرُهُ مُسْتَعْمَلًا، وَمِنْهُ يُعْلَمُ وُضُوحُ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ قَاسِمٍ فِي شَرْحِهِ عَلَى أَبِي شُجَاعٍ مِنْ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْوُضُوءِ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ الْمَعْرُوفَةِ نِيَّةُ الِاغْتِرَافِ بَعْدَ غَسْلِ الْوَجْهِ بِأَنْ يَقْصِدَ أَنَّ الْيَدَ الْيُسْرَى مُعِينَةٌ لِلْيُمْنَى فِي أَخْذِ الْمَاءِ.

فَإِنْ لَمْ يَنْوِ ذَلِكَ ارْتَفَعَ حَدَثُ الْكَفَّيْنِ مَعًا، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَغْسِلَ بِهِ سَاعِدَ إحْدَاهُمَا ثُمَّ يَصُبَّهُ ثُمَّ يَأْخُذَ غَيْرَهُ لِغَسْلِ السَّاعِدِ، لَكِنْ نُقِلَ عَنْ إفْتَاءِ الرَّمْلِيِّ مَا يُخَالِفُهُ، وَأَنَّ الْيَدَيْنِ كَالْعُضْوِ الْوَاحِدِ، فَمَا فِي الْكَفَّيْنِ إذَا غَسَلَ بِهِ السَّاعِدَ لَا يُعَدُّ مُنْفَصِلًا عَنْ الْعُضْوِ وَفِيهِ نَظَرٌ لَا يَخْفَى، وَمِثْلُ الْحَنَفِيَّةِ الْوُضُوءُ بِالصَّبِّ مِنْ إبْرِيقٍ أَوْ نَحْوِهِ (قَوْلُهُ: وَلَا يُشْتَرَطُ لِنِيَّةِ الِاغْتِرَافِ نَفْيُ رَفْعِ الْحَدَثِ) يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ نَوَى الِاغْتِرَافَ وَرَفْعَ الْحَدَثِ ضَرَّ، وَبِهِ صَرَّحَ ابْنُ قَاسِمٍ عَلَى شَرْحِ الْبَهْجَةِ (قَوْلُهُ: نَفْيُ رَفْعِ الْحَدَثِ) أَيْ بِأَنْ يَقُولَ: نَوَيْت الِاغْتِرَافَ دُونَ رَفْعِ الْحَدَثِ، بَلْ يَكْفِي مُجَرَّدُ نِيَّتِهِ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهَا قَصْدُ إخْرَاجِ الْمَاءِ مِنْ الْإِنَاءِ لِيُرْفَعَ بِهِ الْحَدَثُ خَارِجَهُ.

(قَوْلُهُ: وَلَا تُنَجَّسُ قَلَّتَا الْمَاءِ إلَخْ) أَيْ الْخَالِصِ، أَمَّا مَا دُونَهُمَا وَكَمُلَ بِطَاهِرٍ كَمَاءِ وَرْدٍ وَفُرِضَ غَيْرَ مُغَيَّرٍ فَيَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ فِي الطَّهَارَةِ، وَلَكِنَّهُ يَنْجُسُ بِمُجَرَّدِ وُصُولِ النَّجَاسَةِ إلَيْهِ، فَحُكْمُهُ فِي التَّنَجُّسِ حُكْمُ الْقَلِيلِ (قَوْلُهُ: لَمْ يَحْمِلْ الْخَبَثَ) عِبَارَةُ الْمَنْهَجِ خَبَثًا بِدُونِ (الـ) انْتَهَى. وَفِي الْمَحَلِّيِّ أَيْضًا الْخَبَثُ انْتَهَى (قَوْلُهُ وَشَمِلَ ذَلِكَ) لَعَلَّ وَجْهَ الشُّمُولِ أَنَّ الْمُرَادَ وَلَا تَنْجُسُ قُلَّتَا الْمَاءِ وَلَوْ احْتِمَالًا (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّا شَكَكْنَا فِي نَجَاسَةٍ مُنَجِّسَةٍ) أَيْ فِي كَوْنِ النَّجَاسَةِ مُنَجِّسَةً، فَالنَّجَاسَةُ مُحَقَّقَةٌ وَكَوْنُهَا مُنَجَّسَةً مَشْكُوكٌ فِيهِ (قَوْلُهُ: مِنْ نَهْرٍ صَغِيرٍ غَيْرِ عَمِيقٍ) وَضَابِطُ

ــ

[حاشية الرشيدي]

مَسْأَلَتُنَا وَكَانَ التَّمْثِيلُ بِهِ أَوْلَى

(قَوْلُهُ: وَشَمِلَ ذَلِكَ إلَخْ) فِي الشُّمُولِ الْمَذْكُورِ نَظَرٌ، وَإِنَّمَا كَانَ يَتَّضِحُ لَوْ قَالَ عَقِبَ قَوْلِ الْمُصَنِّفُ قُلَّتَا الْمَاءِ نَحْوَ قَوْلِهِ وَلَوْ احْتِمَالًا كَمَا قَالَ الشِّهَابُ ابْنُ حَجَرٍ (قَوْلُهُ: وَبَيْنَهُمَا نَهْرٌ صَغِيرٌ) بِخِلَافِ مَا إذَا

ص: 74

الْحُفْرَةِ الْأُخْرَى دَافِعٌ لِلنَّجَاسَةِ، وَاقْتَضَى إطْلَاقَ الْمُصَنِّفِ النَّجَاسَةَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهَا جَامِدَةً أَوْ مَائِعَةً وَهُوَ كَذَلِكَ، وَلَا يَجِبُ التَّبَاعُدُ عَنْهَا حَالَ الِاغْتِرَافِ مِنْ الْمَاءِ بِقَدْرِ قُلَّتَيْنِ عَلَى الصَّحِيحِ، بَلْ لَهُ أَنْ يَغْتَرِفَ مِنْ حَيْثُ شَاءَ حَتَّى مِنْ أَقْرَبِ مَوْضِعٍ إلَى النَّجَاسَةِ (فَإِنَّ غَيْرَهُ) أَيْ النَّجَسَ الْمُلَاقِيَ (فَنَجَسٌ) بِالْإِجْمَاعِ سَوَاءٌ أَكَانَ التَّغَيُّرُ قَلِيلًا أَمْ كَثِيرًا، وَسَوَاءٌ الْمُخَالِطُ وَالْمُجَاوِرُ.

وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْحِسِّيِّ وَالتَّقْدِيرِيِّ كَمَا مَرَّ، غَيْرَ أَنَّهُ هُنَا يَكْتَفِي بِأَدْنَى تَغَيُّرٍ، وَهُنَاكَ لَا بُدَّ مِنْ فُحْشِهِ، وَلَوْ تَغَيَّرَ بَعْضُهُ فَقَطْ فَالْمُتَغَيِّرُ نَجَسٌ، وَأَمَّا الْبَاقِي فَإِنْ كَانَ كَثِيرًا لَمْ يَنْجُسْ وَإِلَّا تَنَجَّسَ، وَلَوْ بَالَ فِي الْبَحْرِ مَثَلًا فَارْتَفَعَتْ مِنْهُ رَغْوَةٌ فَهِيَ طَاهِرَةٌ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -؛ لِأَنَّهَا بَعْضُ الْمَاءِ الْكَثِيرِ خِلَافًا لِمَا فِي الْعُبَابِ، وَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ الْقَائِلِ بِنَجَاسَتِهَا عَلَى تَحَقُّقِ كَوْنِهَا مِنْ الْبَوْلِ، وَإِنْ طَرَحَتْ فِي الْبَحْرِ بَعْرَةً مَثَلًا فَوَقَعَتْ مِنْهُ قَطْرَةٌ بِسَبَبِ سُقُوطِهَا عَلَى شَيْءٍ لَمْ تُنَجِّسْهُ (فَإِنْ زَالَ تَغَيُّرُهُ) الْحِسِّيُّ أَوْ التَّقْدِيرِيُّ (بِنَفْسِهِ) لَا بِعَيْنٍ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

غَيْرِ الْعَمِيقِ أَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ لَوْ حُرِّكَ مَا فِي إحْدَى الْحُفْرَتَيْنِ لَا يَتَحَرَّكُ مَا فِي الْأُخْرَى، وَمِنْهُ يُعْلَمُ حُكْمُ حِيَاضِ الْأَخْلِيَةِ إذَا وَقَعَ فِي وَاحِدٍ مِنْهَا نَجَاسَةٌ، فَإِنَّهُ إنْ كَانَ لَوْ حُرِّكَ وَاحِدٌ مِنْهَا تَحَرَّكَ مُجَاوِرُهُ، وَهَكَذَا إلَى الْآخِرِ لَا يُحْكَمُ بِالتَّنْجِيسِ عَلَى مَا وَقَعَتْ فِيهِ النَّجَاسَةُ وَلَا عَلَى غَيْرِهِ، وَإِلَّا حُكِمَ بِنَجَاسَةِ الْجَمِيعِ، وَيُصَرِّحُ بِذَلِكَ قَوْلُ ابْنِ قَاسِمٍ عَلَى ابْنِ حَجَرٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: الْوَجْهُ أَنْ يُقَالَ بِالِاكْتِفَاءِ بِتَحَرُّكِ كُلِّ مُلَاصِقٍ بِتَحْرِيكِ مُلَاصِقِهِ، وَإِنْ لَمْ يَتَحَرَّكْ بِتَحْرِيكِ غَيْرِهِ إذَا بَلَغَ الْمَجْمُوعُ قُلَّتَيْنِ انْتَهَى.

أَقُولُ: وَيَنْبَغِي الِاكْتِفَاءُ بِالتَّحَرُّكِ وَلَوْ كَانَ غَيْرَ عَنِيفٍ، وَإِنْ خَالَفَ عَمِيرَةُ فِي حَوَاشِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ فَرَاجِعْهُ، وَعِبَارَتُهُ قَوْلُهُ: بِحَيْثُ يَتَحَرَّكُ مَا فِي كُلٍّ بِتَحَرُّكِ الْآخَرِ تَحَرُّكًا عَنِيفًا إلَخْ، هَلْ يَتَعَلَّقُ قَوْلُهُ عَنِيفًا بِقَوْلِهِ يَتَحَرَّكُ، أَوْ بِقَوْلِهِ يَتَحَرَّكُ الْآخَرُ، وَيَتَّجِهُ اعْتِبَارُهُ فِيهِمَا انْتَهَى (قَوْلُهُ: دَافِعٌ لِلنَّجَاسَةِ) أَيْ لِنَجَاسَةِ مَا وَقَعَتْ فِيهِ، وَقُوَّةُ هَذَا الْكَلَامِ تَقْتَضِي بَقَاءَ الْحُفْرَةِ الثَّانِيَةِ عَلَى طَهَارَتِهَا، وَقَدْ يَشْكُلُ بِأَنَّ مَا فِي الْأَنْهَارِ الَّذِي بَيْنَهُمَا مُتَّصِلٌ بِحُفْرَةِ النَّجَسِ فَيُنَجَّسُ مِنْهُ لِقِلَّتِهِ وَبِمَا فِي الْحُفْرَةِ الْأُخْرَى فَيُنَجِّسُهُ لِقِلَّتِهِ فَرَاجِعْهُ، ثُمَّ رَأَيْت ابْنَ حَجَرٍ صَرَّحَ بِنَجَاسَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا انْتَهَى (قَوْلُهُ مِنْ أَقْرَبِ مَوْضِعٍ إلَى النَّجَاسَةِ) قَالَ الشَّيْخُ عَمِيرَةُ: وَعَلَيْهِ فَلَوْ فُرِضَ أَنَّ الْمَاءَ قُلَّتَانِ فَقَطْ فَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يَجُوزُ الِاغْتِرَافُ مِنْهُ، وَعَلَى الثَّانِي يَجُوزُ وَإِنْ كَانَ الْبَاقِي يَنْجُسُ بِالِانْفِصَالِ، وَقِيلَ لَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ انْتَهَى.

(قَوْلُهُ: وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْحِسِّيِّ وَالتَّقْدِيرِيِّ) زَادَ ابْنُ حَجَرٍ: ثُمَّ إنْ وَافَقَهُ فِي الصِّفَاتِ الثَّلَاثِ قَدَّرْنَاهُ مُخَالِفًا أَشَدَّ فِيهَا كَلَوْنِ الْحِبْرِ وَرِيحِ الْمِسْكِ وَطَعْمِ الْخَلِّ، أَوْ فِي صِفَةٍ قَدَّرْنَاهُ مُخَالِفًا فِيهَا فَقَطْ انْتَهَى. وَبِهِ جَزَمَ الزِّيَادِيُّ نَقْلًا عَنْهُ، وَبَقِيَ مَا لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ صِفَةٌ أَصْلًا كَبَوْلٍ لَا لَوْنَ لَهُ وَلَا طَعْمَ وَلَا رِيحَ، فَهَلْ تَعْرِضُ الصِّفَاتُ الثَّلَاثُ كَمَا فِي الطَّاهِرِ، أَوْ تَعْرِضُ صِفَةٌ وَاحِدَةٌ وَيُكْتَفَى بِهَا فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ وَقَوْلُهُ كَمَا مَرَّ: أَيْ فِي قَوْلِهِ بَعْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فَالْمُتَغَيِّرُ بِمُسْتَغْنًى إلَخْ، فَلَوْ كَانَ الْخَلِيطُ نَجِسًا فِي مَاءٍ كَثِيرٍ اُعْتُبِرَ بِأَشَدِّ الصِّفَاتِ إلَخْ (قَوْلُهُ غَيْرَ أَنَّهُ هُنَا يُكْتَفَى بِأَدْنَى إلَخْ) أَيْ فِي التَّغَيُّرِ بِالنَّجِسِ وَهُنَاكَ: أَيْ فِي الْمُتَغَيِّرِ بِالطَّاهِرِ (قَوْلُهُ: عَلَى تَحَقُّقِ كَوْنِهَا مِنْ الْبَوْلِ) أَيْ

ــ

[حاشية الرشيدي]

كَانَ وَاسِعًا، وَضَابِطُهُ أَنْ يَتَحَرَّكَ مَا فِي إحْدَى الْحُفْرَتَيْنِ بِتَحَرُّكِ الْأُخْرَى تَحَرُّكًا عَنِيفًا.

قَالَ الشِّهَابُ ابْنُ حَجَرٍ: وَيَنْبَغِي فِي أَحْوَاضٍ تَلَاصَقَتْ الِاكْتِفَاءُ بِتَحَرُّكِ الْمُلَاصِقِ الَّذِي يَبْلُغُ بِهِ الْقُلَّتَيْنِ، لَكِنْ قَالَ الشِّهَابُ ابْنُ قَاسِمٍ فِيمَا كَتَبَهُ عَلَيْهِ: الْوَجْهُ أَنْ يُقَالَ بِالِاكْتِفَاءِ بِتَحَرُّكِ كُلِّ مُلَاصِقٍ بِتَحَرُّكِ مُلَاصِقِهِ وَإِنْ لَمْ يَتَحَرَّكْ بِتَحْرِيكِ غَيْرِهِ إذَا بَلَغَ الْمَجْمُوعُ قُلَّتَيْنِ (قَوْلُهُ: كَمَا مَرَّ) أَيْ فِي الْمُخْتَلَطِ الطَّاهِرِ بِقَرِينَةِ مَا عَقَّبَهُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ الْكَلَامُ عَنْ النَّجِسِ مَرَّ أَيْضًا لَكِنَّهُ اسْتِطْرَادٌ عَلَى أَنَّ مَا ذُكِرَ فِي النَّجِسِ ثُمَّ إنَّهُ إذَا قُدِّرَ يُقَدَّرُ بِالْأَشَدِّ أَمَّا حُكْمُ أَصْلِ التَّقْدِيرِ، فَإِنَّمَا يُسْتَفَادُ مِمَّا هُنَا بِالْأَصَالَةِ وَإِنْ عُلِمَ مِمَّا هُنَاكَ بِاللَّازِمِ (قَوْلُهُ: وَهُنَاكَ) أَيْ فِي الْمُخَالِطِ الطَّاهِرِ (قَوْلُهُ: أَوْ التَّقْدِيرِيِّ) بِأَنْ يَمْضِيَ عَلَيْهِ مُدَّةٌ لَوْ كَانَ ذَلِكَ فِي الْحِسِّيِّ لَزَالَ، أَوْ أَنْ يُصَبَّ عَلَيْهِ مِنْ الْمَاءِ قَدْرٌ لَوْ صُبَّ عَلَى مَاءٍ مُتَغَيِّرٍ حِسًّا لَزَالَ تَغَيُّرُهُ (قَوْلُهُ: لَا بِعَيْنٍ)

ص: 75

كَطُولِ مُكْثٍ وَهُبُوبِ رِيحٍ (أَوْ بِمَاءٍ) وَلَوْ نَجِسًا زِيدَ عَلَيْهِ أَوْ نَبَعَ مِنْهُ أَوْ نَقَصَ مِنْهُ وَالْبَاقِي بَعْدَهُ كَثِيرٌ (طَهُرَ) لِزَوَالِ سَبَبِ النَّجَاسَةِ فَعَادَ كَمَا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلُ وَافْهَمْ كَلَامَهُ، وَالْعِلَّةُ أَنَّ الْقَلِيلَ لَا يَطْهُرُ بِانْتِفَاءِ تَغَيُّرِهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَطْهُرَ بِذَلِكَ فِيمَا إذَا كَانَ تَغَيُّرُهُ بِمَيِّتٍ لَا يَسِيلُ دَمُهُ أَوْ نَحْوُهُ مِمَّا يُعْفَى عَنْهُ، وَمَا تَقَرَّرَ مِنْ طَهَارَتِهِ بِزَوَالِ التَّغَيُّرِ بِنَفْسِهِ هُوَ نَظِيرُ الْمُرَجَّحِ فِي الْجَلَالَةِ إذَا زَالَ تَغَيُّرُهَا بِمُرُورِ الزَّمَانِ كَمَا سَيَأْتِي فَلَا حَاجَةَ إلَى الْفَرْقِ؛ وَلَوْ زَالَ التَّغَيُّرُ ثُمَّ عَادَ فَإِنْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ جَامِدَةً وَهِيَ فِيهِ فَنَجَسٌ، وَإِنْ كَانَتْ مَائِعَةً أَوْ جَامِدَةً وَقَدْ أُزِيلَتْ قَبْلَ التَّغَيُّرِ الثَّانِي لَمْ يَنْجُسْ.

وَطَهُرَ بِفَتْحِ الْهَاءِ وَضَمِّهَا وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ (أَوْ) زَالَ: أَيْ ظَاهِرًا، فَلَا يُنَافِي التَّعْلِيلَ بِالشَّكِّ. الْآتِي فَلَا اعْتِرَاضَ عَلَى الْمُصَنِّفِ فِي الْعَطْفِ الْمُقْتَضِي لِتَقْدِيرِ الزَّوَالِ الَّذِي ذَكَرْته تَغَيُّرُ رِيحِهِ (بِمِسْكٍ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

كَأَنْ كَانَتْ بِرَائِحَةِ الْبَوْلِ أَوْ طَعْمِهِ أَوْ لَوْنِهِ (قَوْلُهُ وَهُبُوبِ رِيحٍ) أَيْ أَوْ شَمْسٍ (قَوْلُهُ: وَالْعِلَّةُ أَنَّ الْقَلِيلَ لَا يَطْهُرُ) هِيَ قَوْلُهُ لِزَوَالِ سَبَبِ النَّجَاسَةِ (قَوْلُهُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَطْهُرَ بِذَلِكَ) سَيَأْتِي فِي كَلَامِهِ بَعْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فَلَا تُنَجِّسُ مَائِعًا الْجَزْمُ بِبَقَاءِ النَّجَاسَةِ (قَوْلُهُ: فَلَا حَاجَةَ إلَى الْفَرْقِ) مُرَادُهُ الرَّدُّ عَلَى ابْنِ حَجَرٍ حَيْثُ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَهُوَ مُسَلَّمٌ كَمَا ذُكِرَ مِنْ حَيْثُ الرَّاجِحُ، وَابْنُ حَجَرٍ إنَّمَا قَصَدَ الْفَرْقَ عَلَى الضَّعِيفِ الْقَائِلِ بِعَدَمِ عَوْدِ الطَّهَارَةِ بِزَوَالِ التَّغَيُّرِ بِنَفْسِهِ عَلَى الْقَوْلِ بِالنَّجَاسَةِ كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ قَوْلُهُ عِنْدَ الْقَائِلِ بِهِ فَلَمْ يَتَوَارَدَا عَلَى مَحَلٍّ وَاحِدٍ.

(قَوْلُهُ: فَنَجِسٌ) أَيْ مِنْ الْآنَ، وَعَلَيْهِ فَلَوْ زَالَ تَغَيُّرُهُ فَتَطْهُرُ مِنْهُ جُمِعَ ثُمَّ عَادَ تَغَيُّرُهُ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِمْ إعَادَةُ الصَّلَاةِ الَّتِي فَعَلُوهَا وَلَمْ يُحْكَمْ بِنَجَاسَةِ أَبْدَانِهِمْ وَلَا ثِيَابِهِمْ؛ لِأَنَّهُ بِزَوَالِ التَّغَيُّرِ حُكِمَ بِطَهُورِيَّتِهِ وَالتَّغَيُّرُ الثَّانِي يَجُوزُ أَنَّهُ بِنَجَاسَةٍ تَحَلَّلَتْ مِنْهُ بَعْدُ وَهِيَ لَا تَضُرُّ فِيمَا مَضَى ثُمَّ رَأَيْت فِي شَرْحِ الْعُبَابِ لِلشَّارِحِ مَا نَصُّهُ وَلَوْ زَالَ التَّغَيُّرُ بِالنَّجَاسَةِ مِنْ الْمَاءِ الْكَثِيرِ ثُمَّ عَادَ إلَيْهِ وَالنَّجَاسَةُ أَيْ وَالْحَالُ أَنَّ تِلْكَ النَّجَاسَةَ جَامِدَةٌ بَاقِيَةٌ فِيهِ حَتَّى عَادَ التَّغَيُّرُ فَهُوَ نَجَسٌ: أَيْ بَاقٍ عَلَى نَجَاسَتِهِ؛ لِأَنَّ بَقَاءَهَا فِيهِ مَعَ جُمُودِهَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ التَّغَيُّرَ الثَّانِيَ مِنْهَا انْتَهَى.

وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا نَظَرَ إلَى طُولِ زَمَانِ انْتِفَاءِ التَّغَيُّرِ بَعْدَ زَوَالِهِ وَقِصَرِهِ، وَقَدْ يَتَوَقَّفُ فِيهِ بِأَنَّهُ بِزَوَالِ التَّغَيُّرِ حُكِمَ بِطَهُورِيَّةِ الْمَاءِ، فَأَشْبَهَ ذَلِكَ مَا لَوْ مَاتَ حَيَوَانٌ فِي الْمَاءِ وَمَضَتْ مُدَّةٌ لَمْ يَتَغَيَّرْ فِيهَا الْمَاءُ بَعْدَ مَوْتِ الْحَيَوَانِ فِيهِ ثُمَّ تَغَيَّرَ بَعْدُ فَهُوَ بَاقٍ عَلَى طَهُورِيَّتِهِ إلَى التَّغَيُّرِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ، فَبَقَاءُ الْجَامِدِ فِي الْمَاءِ بَعْدَ زَوَالِ تَغَيُّرِهِ لَا يَزِيدُ عَلَى بَقَاءِ الْمَيْتَةِ فِيهِ مُدَّةً بِلَا تَغَيُّرٍ. وَفِي شَرْحِ الشَّيْخِ حَمْدَانَ: وَلَوْ زَالَ تَغَيُّرُ الْمَاءِ الْكَثِيرِ بِالنَّجَاسَةِ وَعَادَ عَادَ تَنَجُّسُهُ بِعَوْدِ تَغَيُّرِهِ، وَالْحَالَةُ أَنَّ النَّجَسَ الْجَامِدَ بَاقٍ فِيهِ إحَالَةً لِلتَّغَيُّرِ الثَّانِي عَلَيْهِ انْتَهَى. وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ التَّغَيُّرَ الْعَائِدَ غَيْرُ التَّغَيُّرِ الْأَوَّلِ، وَإِنَّمَا نَشَأَ مِنْ تَحَلُّلٍ حَصَلَ فِي النَّجَاسَةِ بَعْدَ طَهَارَةِ الْمَاءِ فَلَا أَثَرَ لِبَقَاءِ النَّجَاسَةِ فِي الطَّهَارَةِ مَا دَامَ الْمَاءُ صَافِيًا مِنْ التَّغَيُّرِ (قَوْلُهُ: لَمْ يَنْجُسْ) وَمِنْهُ يُعْلَمُ أَنَّهُ لَوْ تَحَقَّقَ التَّغَيُّرُ وَشُكَّ فِي سَبَبِهِ لَمْ يَضُرَّ كَمَا يَقَعُ فِي الْفَسَاقِيِّ. وَفِي ابْنِ حَجَرٍ مَا حَاصِلُهُ التَّرَدُّدُ فِيمَا لَوْ زَالَ نَحْوَ رِيحٍ مُتَنَجِّسٍ بِالْغَسْلِ ثُمَّ عَادَ.

أَقُولُ: وَمَحَلُّهُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ حَيْثُ أَمْكَنَ وُجُودُ سَبَبٍ آخَرَ يُحَالُ عَلَيْهِ عَوْدُ الصِّفَةِ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ حُكْمٌ بِبَقَاءِ نَجَاسَتِهِ حَيْثُ تَتَغَيَّرُ وَلَمْ يُعْلَمْ سَبَبُ تَغَيُّرِهَا، وَظَاهِرُهُ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ سَبَبٌ يُحَالُ عَلَيْهِ التَّغَيُّرُ الثَّانِي، وَيُصَرِّحُ بِهِ قَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ وَلَوْ عَادَ التَّغَيُّرُ لَمْ يَضُرَّ: أَيْ وَإِنْ لَمْ يَحْتَمِلْ أَنَّهُ بِتَرَوُّحٍ نَجَسٍ آخَرَ كَمَا شَمِلَهُ إطْلَاقُهُمْ انْتَهَى (قَوْلُهُ: وَطَهَرَ بِفَتْحِ الْهَاءِ وَضَمِّهَا) ظَاهِرُهُ اسْتِوَاءُ اللُّغَتَيْنِ فِي كُلِّ مَا قَامَتْ بِهِ الطَّهَارَةُ بَدَنًا كَانَ أَوْ ثَوْبًا.

وَفِي الْمِصْبَاحِ: طَهَرَ الشَّيْءُ مِنْ بَابَيْ قَتَلَ وَقَرُبَ طَهَارَةً، وَالِاسْمُ الطُّهْرُ وَهُوَ النَّقَاءُ مِنْ الدَّنَسِ وَالنَّجَسِ، ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ طَهُرَتْ مِنْ الْحَيْضِ مِنْ بَابِ قَتَلَ، وَفِي لُغَةٍ قَلِيلَةٍ مِنْ بَابِ قَرُبَ وَتَطَهَّرَتْ اغْتَسَلَتْ اهـ.

فَيُحْمَلُ مَا هُنَا عَلَى مَا لَوْ أَسْنَدَ الْفِعْلَ إلَى الثَّوْبِ وَنَحْوِهِ، فَقِيلَ طَهُرَ الثَّوْبُ أَوْ الْمَكَانُ لِيَكُونَا مُتَسَاوِيَيْنِ (قَوْلُهُ: بِالشَّكِّ الْآتِي) أَيْ فِي قَوْلِهِ لِلشَّكِّ فِي أَنَّ التَّغَيُّرَ زَالَ إلَخْ (قَوْلُهُ: تَغَيَّرَ رِيحُهُ) هُوَ بِالرَّفْعِ فَاعِلُ زَالَ

ــ

[حاشية الرشيدي]

أَيْ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْمَتْنِ (قَوْلُهُ: وَيُحْتَمَلُ إلَخْ) سَيَأْتِي لَهُ اعْتِمَادُ خِلَافِهِ (قَوْلُهُ: فَإِنْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ جَامِدَةً إلَخْ) .

ص: 76

وَ) لَوْنِهِ بِسَبَبِ (زَعْفَرَانٍ) أَوْ طَعْمِهِ بِخَلٍّ مَثَلًا (فَلَا) يَطْهُرُ حَالَ كُدُورَتِهِ فَلَا تَعُودُ طَهُورِيَّتُهُ بَلْ هُوَ بَاقٍ عَلَى نَجَاسَتِهِ لِلشَّكِّ فِي أَنَّ التَّغَيُّرَ زَالَ، أَوْ اسْتَتَرَ بَلْ الظَّاهِرُ الِاسْتِتَارُ وَكَذَا تُرَابٌ، وَجَصٌّ فِي الْأَظْهَرِ لِمَا تَقَدَّمَ فَإِنْ صَفَّى وَلَمْ يَبْقَ بِهِ تَغَيُّرٌ طَهُرَ وَيُحْكَمُ بِطَهُورِيَّةِ التُّرَابِ أَيْضًا. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا صَفَّى الْمَاءَ وَلَمْ يَبْقَ فِيهِ تَكَدُّرٌ يَحْصُلُ بِهِ شَكٌّ فِي زَوَالِ التَّغَيُّرِ طَهُرَ كُلٌّ مِنْ الْمَاءِ وَالتُّرَابِ سَوَاءٌ أَكَانَ الْبَاقِي عَمَّا رَسَبَ فِيهِ التُّرَابُ قُلَّتَيْنِ أَمْ لَا، نَعَمْ إنْ كَانَ عَيْنُ التُّرَابِ نَجِسَةً لَا يُمْكِنُ تَطْهِيرُهَا كَتُرَابِ الْمَقَابِرِ الْمَنْبُوشَةِ، إذْ نَجَاسَتُهُ مُسْتَحْكِمَةٌ فَلَا يَطْهُرُ أَبَدًا؛ لِأَنَّ التُّرَابَ حِينَئِذٍ كَنَجَاسَةٍ جَامِدَةٍ، فَإِنْ بَقِيَتْ كَثْرَةُ الْمَاءِ لَمْ يَتَنَجَّسْ وَإِلَّا تَنَجَّسَ، وَغَيْرُ التُّرَابِ مِثْلُهُ فِي ذَلِكَ، وَمَحَلُّ مَا تَقَرَّرَ إذَا احْتَمَلَ سَتْرُ التَّغَيُّرِ بِمَا طَرَأَ كَأَنْ زَالَتْ الرَّائِحَةُ بِطَرْحِ الْمِسْكِ أَوْ الطَّعْمِ بِطَرْحِ الْخَلِّ أَوْ اللَّوْنِ بِطَرْحِ الزَّعْفَرَانِ.

فَلَوْ تَغَيَّرَ رِيحُ مَاءٍ وَطَعْمُهُ بِنَجَسٍ فَأُلْقِيَ زَعْفَرَانٌ أَوْ لَوْنُهُ وَطَعْمُهُ فَأُلْقِيَ مِسْكٌ فَزَالَ تَغَيُّرُهُ طَهُرَ، وَقِسْ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الزَّعْفَرَانَ لَا يَسْتُرُ الرِّيحَ وَالْمِسْكَ لَا يَسْتُرُ اللَّوْنَ، فَعُلِمَ أَنَّ الْكَلَامَ إذَا فَرَضَ انْتِفَاءَ الرِّيحِ وَالطَّعْمِ عَنْ شَيْءٍ قَطْعًا كَعُودٍ مَثَلًا أَوْ لَمْ يَظْهَرْ فِيهِ رِيحُ الزَّعْفَرَانِ وَلَا طَعْمُهُ، وَمِنْهُ يُؤْخَذُ أَنَّهُ لَوْ وُضِعَ مِسْكٌ فِي مُتَغَيِّرِ الرِّيحِ فَزَالَ رِيحُهُ وَلَمْ تَظْهَرْ فِيهِ رَائِحَةُ الْمِسْكِ أَنَّهُ يَطْهُرُ وَلَا بُعْدَ فِيهِ لِعَدَمِ الِاسْتِتَارِ. وَحَاصِلُ ذَلِكَ أَنَّ شَرْطَ إنَاطَةِ الْحُكْمِ بِالشَّكِّ فِي زَوَالِ التَّغَيُّرِ أَوْ اسْتِتَارِهِ حَتَّى يُحْكَمَ بِبَقَاءِ النَّجَاسَةِ تَغْلِيبًا لِاحْتِمَالِ الِاسْتِتَارِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ احْتِمَالِ إحَالَةِ زَوَالِ التَّغَيُّرِ عَلَى الْوَاقِعِ فِي الْمَاءِ مِنْ مُخَالِطٍ أَوْ مُجَاوِرٍ، فَحَيْثُ احْتِمَالُ إحَالَتِهِ عَلَى اسْتِتَارِهِ بِالْوَاقِعِ فَالنَّجَاسَةُ بَاقِيَةٌ لِكَوْنِنَا لَمْ نَتَحَقَّقْ زَوَالَ التَّغَيُّرِ الْمُقْتَضِي

ــ

[حاشية الشبراملسي]

قَوْلُهُ: وَلَوْنُهُ) الْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ وَاسْتِعْمَالُهَا فِي هَذَا الْمَعْنَى مَجَازٌ (قَوْلُهُ حَالَ كُدُورَتِهِ) كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ حَالَ ظُهُورِ رِيحِ الْمِسْكِ أَوْ لَوْنِ الزَّعْفَرَانِ أَوْ طَعْمِ الْخَلِّ؛ لِأَنَّ الْكُدُورَةَ لَا تَشْمَلَ غَيْرَ اللَّوْنِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ أَرَادَ بِالْكُدُورَةِ مُطْلَقَ التَّغَيُّرِ (قَوْلُهُ: لَمَّا تَقَدَّمَ) أَيْ فِي قَوْلِهِ لِلشَّكِّ فِي أَنَّ التَّغَيُّرَ إلَخْ (قَوْلُهُ كَتُرَابِ الْمَقَابِرِ) وَمِثْلُهُ رَغِيفٌ أَصَابَهُ رَطْبًا نَحْوَ زِبْلٍ.

وَعِبَارَةُ ابْنِ حَجَرٍ: وَبَحَثَ الْقَمُولِيُّ نَجَاسَةَ جَمِيعِ رَغِيفٍ أَصَابَهُ كَثِيرُهُ: أَيْ كَثِيرُ دُخَانِ النَّجَاسَةِ لِرُطُوبَتِهِ مَرْدُودٌ بِأَنَّهُ جَامِدٌ، فَلَا يَتَنَجَّسُ إلَّا مُمَاسَّةً فَقَطْ وَلَا يُطَهِّرُهُ الْمَاءُ انْتَهَى رحمه الله: أَيْ؛ لِأَنَّ الدُّخَانَ أَجْزَاءٌ تَفْصِلُهَا النَّارُ وَإِذَا اتَّصَلَتْ بِالرَّغِيفِ صَارَ ظَاهِرُهُ كَتُرَابِ الْمَقَابِرِ الْمَنْبُوشَةِ، وَهُوَ لَا يَطْهُرُ بِالْغَسْلِ لِاخْتِلَاطِهِ بِعَيْنِ النَّجَاسَةِ، وَخَرَجَ بِالتُّرَابِ غَيْرُهُ كَالْكَفَنِ وَالْقُطْنِ فَإِنَّهُ يَطْهُرُ بِالْغَسْلِ، وَلَا يُنَافِي هَذَا قَوْلَ الشَّارِحِ بَعْدُ، وَغَيْرُ التُّرَابِ مِثْلُهُ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِغَيْرِ التُّرَابِ مَا يَسْتُرُ النَّجَاسَةَ مِنْ الْمِسْكِ وَالْخَلِّ وَنَحْوِهِمَا (قَوْلُهُ: فَزَالَ تَغَيُّرُهُ طَهُرَ) أَيْ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ لِلزَّعْفَرَانِ طَعْمٌ وَلَا لِلْمِسْكِ لَوْنٌ يَسْتُرُ النَّجَاسَةَ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ حَجَرٍ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ زَوَالَ الرِّيحِ وَالطَّعْمِ بِنَحْوِ زَعْفَرَانٍ لَا طَعْمَ لَهُ وَلَا رِيحَ، وَالطَّعْمُ وَاللَّوْنُ بِنَحْوِ مِسْكٍ، وَاللَّوْنُ وَالرِّيحُ بِنَحْوِ خَلٍّ لَا لَوْنَ لَهُ وَلَا رِيحَ يَقْتَضِي عَوْدَ الطَّهَارَةِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ وِفَاقًا لِجَمْعٍ مِنْ الشُّرَّاحِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُشَكُّ فِي الِاسْتِتَارِ حِينَئِذٍ وَلَا يَشْكُلُ، هَذَا بِإِيجَابٍ نَحْوَ صَابُونٍ تَوَقَّفَتْ عَلَيْهِ إزَالَةُ النَّجَسِ مَعَ احْتِمَالِ سَتْرِهِ لِرِيحِهِ بِرِيحِهِ؛ لِأَنَّ مِنْ شَأْنِ ذَاكَ أَنَّهُ مُزِيلٌ لَا سَاتِرَ، بِخِلَافِ هَذَا انْتَهَى بِحُرُوفِهِ رحمه الله.

(قَوْلُهُ: فَعُلِمَ أَنَّ الْكَلَامَ إلَخْ) يُؤْخَذُ مِنْهُ رَدُّ كَلَامِ مَنْ قَالَ كَالْقَفَّالِ: إنَّ الْمُجَاوِرَ لَا يَضُرُّ فِي عَوْدِ الطَّهُورِيَّةِ حَيْثُ أَطْلَقَ فِيهِ (قَوْلُهُ أَوْ مُجَاوِرٌ) قَدْ يُخَالِفُهُ مَا نَقَلَهُ شَيْخُنَا الزِّيَادِيُّ عَنْ فَتَاوَى الْقَفَّالِ حَيْثُ قَالَ: لَوْ زَالَ التَّغَيُّرُ

ــ

[حاشية الرشيدي]

الظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُ بِالْجَامِدَةِ الْمُجَاوِرَةُ وَلَوْ مَائِعَةً كَالدُّهْنِ، وَبِالْمَائِعَةِ الْمُسْتَهْلَكَةُ (قَوْلُهُ: فَعُلِمَ أَنَّ الْكَلَامَ إلَخْ) لَعَلَّ مُرَادُهُ بِهِ أَنَّ مَحَلَّ مَا ذُكِرَ مِنْ الْحُكْمِ بِالطَّاهِرِيَّةِ فِيمَا إذَا تَغَيَّرَ رِيحُ مَاءٍ وَطَعْمُهُ بِنَجِسٍ فَأُلْقِيَ عَلَيْهِ زَعْفَرَانٌ، أَوْ لَوْنُهُ وَطَعْمُهُ فَأُلْقِيَ عَلَيْهِ مِسْكٌ فَزَالَ تَغَيُّرُهُ إذَا كَانَ الْمُلْقَى لَا وَصْفَ لَهُ إلَّا الْوَصْفُ الْمُخَالِفُ لِوَصْفَيْ النَّجَاسَةِ بِأَنْ كَانَ الزَّعْفَرَانُ فِي مِثَالِهِ لَيْسَ لَهُ إلَّا اللَّوْنُ، وَالْمِسْكُ فِي مِثَالِهِ لَيْسَ إلَّا الرِّيحُ: أَيْ وَسَوَاءٌ كَانَ انْتِفَاءُ مَا عَدَا ذَلِكَ الْوَصْفِ هُوَ الْوَاقِعُ فِي جِنْسِهِ دَائِمًا كَالْعُودِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ طَعْمٌ وَلَا لَوْنٌ فِي الْوَاقِعِ يُؤَثِّرُ، أَوْ كَانَ انْتِفَاءُ مَا عَدَا ذَلِكَ الْوَصْفِ لِعَارِضٍ

ص: 77

لِلنَّجَاسَةِ بَلْ يُحْتَمَلُ زَوَالُهُ وَاسْتِتَارُهُ وَالْأَصْلُ بَقَاؤُهَا، وَحَيْثُ لَمْ يُحْتَمَلْ ذَلِكَ فَهِيَ زَائِلَةٌ فَيُحْكَمُ بِطَهَارَتِهِ، وَعُلِمَ أَنَّ رَائِحَةَ الْمِسْكِ لَوْ ظَهَرَتْ ثُمَّ زَالَتْ وَزَالَ التَّغَيُّرُ حَكَمْنَا بِالطَّهَارَةِ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا زَالَتْ وَلَمْ يَظْهَرْ التَّغَيُّرُ عَلِمْنَا أَنَّهُ زَالَ بِنَفْسِهِ، وَمُقَابِلُ الْأَظْهَرِ أَنَّهُ يَطْهُرُ؛ لِأَنَّ التُّرَابَ وَنَحْوَهُ لَا يَغْلِبُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ الْأَوْصَافِ الثَّلَاثَةِ حَتَّى يُفْرَضَ سِتْرُهُ إيَّاهَا، فَإِذَا لَمْ يُصَادِفْ تَغَيُّرًا أَشْعَرَ ذَلِكَ بِالزَّوَالِ.

وَالْجَصُّ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَكَسْرِهَا عَجَمِيٌّ مُعَرَّبٌ، وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالْجِبْسِ مِنْ لَحْنِ الْعَامَّةِ

(وَدُونَهُمَا) أَيْ وَالْمَاءُ دُونَ الْقُلَّتَيْنِ بِأَنْ نَقَصَ عَنْهُمَا أَكْثَرُ مِنْ رَطْلَيْنِ، وَتَقْدِيرِي الْمَاءَ فِي كَلَامِهِ تَبَعًا لِلشَّارِحِ لِيُوَافِقَ مَذْهَبَ سِيبَوَيْهِ وَجُمْهُورِ الْبَصْرِيِّينَ؛ لِأَنَّ دُونَ عِنْدَهُمْ ظَرْفٌ لَا يَتَصَرَّفُ فَلَا يَصِحُّ كَوْنُهُ مُبْتَدَأً، وَجَوَّزَهُ الْأَخْفَشُ وَالْكُوفِيُّونَ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا أُضِيفَ إلَى مَبْنًى كَالْوَاقِعِ فِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ، فَجَوَّزَ الْأَخْفَشُ بِنَاءَهُ عَلَى الْفَتْحِ لِإِضَافَتِهِ إلَى مَبْنًى، وَأَوْجَبَ غَيْرُهُ رَفْعَهُ عَلَى الِابْتِدَاءِ (يَنْجُسُ بِالْمُلَاقَاةِ) بِنَجَاسَةِ مُؤَثِّرَةٍ بِخِلَافِ الْمَعْفُوِّ عَنْهَا مِمَّا يَأْتِي وَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ الْمَاءُ أَوْ كَانَ الْوَاقِعُ مُجَاوِرًا أَوْ عُفِيَ عَنْهَا فِي الصَّلَاةِ فَقَطْ كَثَوْبٍ فِيهِ قَلِيلُ دَمِ أَجْنَبِيٍّ غَيْرِ مُغَلَّظٍ أَوْ كَثِيرٍ مِنْ نَحْوِ بَرَاغِيثَ، وَمِثْلُ الْمَاءِ الْقَلِيلِ كُلُّ مَائِعٍ وَإِنْ كَثُرَ وَجَامِدٍ لَاقَى رَطْبًا، أَمَّا تَنَجُّسُ الْمَاءِ الْقَلِيلِ الْمُتَغَيِّرِ فَبِالْإِجْمَاعِ، وَأَمَّا غَيْرُ الْمُتَغَيِّرِ فَلِخَبَرِ مُسْلِمٍ «إذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فَلَا يَغْمِسْ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلَاثًا فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ» نَهَاهُ عَنْ الْغَمْسِ خَشْيَةَ التَّنْجِيسِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهَا إذَا خَفِيَتْ لَا تُغَيِّرُ الْمَاءَ، فَلَوْلَا أَنَّهَا تُنَجِّسُهُ بِوُصُولِهَا لَمْ يَنْهَهُ وَلِمَفْهُومِ خَبَرِ الْقُلَّتَيْنِ.

قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَيَلْتَحِقُ بِالْمَائِعَاتِ الْمَاءُ الْكَثِيرُ الْمُتَغَيِّرُ كَثِيرًا بِطَاهِرٍ، وَفَارَقَ كَثِيرُ الْمَاءِ كَثِيرَ غَيْرِهِ بِأَنَّ كَثِيرَهُ قَوِيٌّ، وَيَشُقُّ حِفْظُهُ مِنْ النَّجَسِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ وَإِنْ كَثُرَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

بِمُجَاوِرٍ عَادَ طَهُورًا كَمَا فِي فَتَاوَى الْقَفَّالِ، وَيَدُلُّ لَهُ التَّمْثِيلُ بِالْمُخَالِطِ انْتَهَى بِحُرُوفِهِ. لَا يُقَالُ يُمْكِنُ حَمْلُ مَا فِي فَتَاوَى الْقَفَّالِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَظْهَرْ لِلْمُجَاوِرِ رِيحٌ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: الْمُخَالِطُ حُكْمُهُ كَذَلِكَ، فَلَوْ وَقَعَ فِيهِ مِسْكٌ لَمْ تَظْهَرْ لَهُ رَائِحَةٌ قُلْنَا بِعُودِ الطَّهَارَةِ فَلْيُتَأَمَّلْ.

وَقَضِيَّةُ قَوْلِهِ عَلَى الْوَاقِعِ فِي الْمَاءِ إلَخْ أَنَّهُ لَوْ تَرَوَّحَ الْمَاءُ بِنَحْوِ مِسْكٍ عَلَى الشَّطِّ لَمْ يَمْنَعْ مِنْ زَوَالِ النَّجَاسَةِ، وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ مُرَادًا؛ لِأَنَّ ظُهُورَ الرَّائِحَةِ فِي الْمَاءِ يَسْتُرُ رَائِحَةَ النَّجَاسَةِ، وَلَا فَرْقَ مَعَ وُجُودِ السَّاتِرِ بَيْنَ كَوْنِهِ فِي الْمَاءِ وَكَوْنِهِ خَارِجًا عَنْهُ هَذَا. وَفِي ابْنِ عَبْدِ الْحَقِّ أَنَّهُ إذَا زَالَتْ رَائِحَةُ النَّجَاسَةِ بِرَائِحَةِ مَا عَلَى الشَّطِّ لَمْ يُحْكَمْ بِبَقَاءِ النَّجَاسَةِ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْمُعْتَمَدَ خِلَافًا فِي الْمُجَاوِرِ، فَيَلْحَقُ بِهِ عِنْدَ الشَّارِحِ الزَّوَالُ بِرَائِحَةِ مَا عَلَى الشَّطِّ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا (قَوْلُهُ: وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالْجِبْسِ) وَفَسَّرَهُ الْمَحَلِّيُّ هُنَا بِمَا ذُكِرَ، وَفِي الْجَنَائِزِ بِالْجِيرِ فَيُؤْخَذُ مِنْ مَجْمُوعِ ذَلِكَ إطْلَاقُهُ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا

(قَوْلُهُ: وَجَوَّزَهُ الْأَخْفَشُ) أَيْ تَصَرُّفَهُ وَقَوْلُهُ وَالْكُوفِيُّونَ وَعَلَيْهِ فَهُوَ مُبْتَدَأٌ بِلَا تَقْدِيرٍ (قَوْلُهُ: يَنْجُسُ بِالْمُلَاقَاةِ) اخْتَارَ كَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِنَا مَذْهَبَ مَالِكٍ أَنَّ الْمَاءَ لَا يَنْجُسُ مُطْلَقًا إلَّا بِالتَّغَيُّرِ وَكَأَنَّهُمْ نَظَرُوا لِلتَّسْهِيلِ عَلَى النَّاسِ، وَإِلَّا فَالدَّلِيلُ صَرِيحٌ فِي التَّفْصِيلِ كَمَا تَرَى انْتَهَى ابْنُ حَجَرٍ (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ الْمَاءُ) رَاجِعٌ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ بِالْمُلَاقَاةِ (قَوْلُهُ: أَوْ كَانَ الْوَاقِعُ مُجَاوِرًا إلَخْ) عَطْفٌ عَلَى مُؤَثِّرَةٍ، وَكَانَ التَّقْدِيرُ لِنَجَاسَةٍ مُخَالَطَةٍ مُؤَثِّرَةٍ غَيْرِ مَعْفُوٍّ عَنْهَا، أَوْ كَانَ الْوَاقِعُ مُجَاوِرًا، أَوْ عُفِيَ عَنْهَا فِي الصَّلَاةِ إلَخْ، وَالْأَقْرَبُ عَطْفُهُ عَلَى يَتَغَيَّرُ (قَوْلُهُ: أَوْ عُفِيَ عَنْهَا فِي الصَّلَاةِ) قُيِّدَ بِهِ لِئَلَّا يُنَافِيَ مَا قَدَّمَهُ مِنْ أَنَّ الْمَعْفُوَّ عَنْهَا لَا تَنْجُسُ بِمُلَاقَاتِهَا. وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَا عُفِيَ عَنْهُ هُنَا كَاَلَّذِي لَا يُدْرِكُهُ الطَّرَفُ غَيْرَ مَا عُفِيَ عَنْهُ فِي الصَّلَاةِ (قَوْلُهُ: كُلُّ مَائِعٍ وَإِنْ كَثُرَ) أَيْ لَوْ جَارِيًا (قَوْلُهُ: وَيَلْتَحِقُ بِالْمَائِعَاتِ) قَالَ عَمِيرَةُ: فَلَوْ زَالَ التَّغَيُّرُ بَعْدَ ذَلِكَ فَالْوَجْهُ عَدَمُ الطَّهُورِيَّةِ انْتَهَى.

وَعَلَيْهِ فَلْيُنْظَرْ بِمَ تَحْصُلُ طَهَارَتُهُ، ثُمَّ رَأَيْت فِي نُسْخَةٍ مِنْ عَمِيرَةٍ بَدَلَ لَفْظِ عَدَمِ عَوْدِ الطَّهُورِيَّةِ وَهِيَ وَاضِحَةٌ انْتَهَى (قَوْلُهُ: الْمُتَغَيِّرُ كَثِيرًا بِطَاهِرٍ) أَيْ لِلْمَاءِ عَنْهُ غِنًى، بِخِلَافِ الْمُتَغَيِّرِ بِمَا فِي مَقَرِّهِ وَمَمَرِّهِ فَلَا يَنْجُسُ بِالْمُلَاقَاةِ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: بَلْ يُقَدَّرُ زَوَالُهُ، فَإِنْ غَيَّرَ

ــ

[حاشية الرشيدي]

كَالزَّعْفَرَانِ الَّذِي فُقِدَ طَعْمُهُ وَرِيحُهُ لِعَارِضٍ مَعَ أَنَّ مِنْ شَأْنِهِمَا الْوُجُودَ، وَمَا قَرَّرْنَا بِهِ كَلَامَهُ هُوَ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ

ص: 78

نَعَمْ لَوْ تَنَجَّسَتْ يَدُهُ الْيُسْرَى مَثَلًا ثُمَّ غَسَلَ إحْدَى يَدَيْهِ وَشَكَّ فِي الْمَغْسُولِ أَهُوَ يَدُهُ الْيُمْنَى أَمْ الْيُسْرَى ثُمَّ أَدْخَلَ الْيُسْرَى فِي مَائِعٍ لَمْ يَنْجُسْ بِغَمْسِهَا فِيهِ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ طَهَارَتُهُ وَقَدْ اُعْتُضِدَ احْتِمَالُ طَهَارَةِ الْيُسْرَى وَالْمُرَادُ بِالْمُلَاقَاةِ وُرُودُ النَّجَاسَةِ عَلَى الْمَاءِ، أَمَّا وُرُودُهُ عَلَيْهَا فَسَيَأْتِي فِي بَابِ النَّجَاسَةِ (فَإِنْ بَلَغَهُمَا بِمَاءٍ) وَلَوْ نَجِسًا وَمُسْتَعْمَلًا وَمُتَغَيِّرًا بِمُسْتَغْنًى عَنْهُ كَمَا شَمِلَهُ تَنْكِيرُهُ الْمَاءَ، وَلَا يُنَافِيه حَدُّهُمْ الْمُطْلَقُ بِأَنَّهُ مَا يُسَمَّى مَاءً؛ لِأَنَّ هَذَا حَدٌّ بِالنَّظَرِ لِلْعُرْفِ الشَّرْعِيِّ، وَمَا فِي كَلَامِهِ تَعْبِيرٌ بِالنَّظَرِ لِلْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ وَهُوَ شَامِلٌ لِلْمُطْلَقِ وَغَيْرِهِ (وَلَا تَغَيُّرَ) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّهُ لَا تَغَيُّرَ بِهِ (فَطَهُورٌ) لِزَوَالِ الْعِلَّةِ حَتَّى لَوْ فَرَّقَ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَضُرَّ، وَالْعِبْرَةُ بِالِاتِّصَالِ لَا بِالْخَلْطِ حَتَّى لَوْ رُفِعَ حَاجِزٌ بَيْنَ صَافٍ وَكَدِرٍ كَفَى، وَعُلِمَ مِنْ تَعْبِيرِهِ بِمَاءٍ أَنَّهُ لَا يَكْفِي بُلُوغُهُمَا بِمَائِعٍ مُسْتَهْلَكٍ وَبِهِ صَرَّحَ الرَّافِعِيُّ كَمَا مَرَّ (فَلَوْ)(كُوثِرَ)

ــ

[حاشية الشبراملسي]

حِينَئِذٍ ضَرَّ وَإِلَّا فَلَا انْتَهَى (قَوْلُهُ: لَوْ تَنَجَّسَتْ يَدُهُ الْيُسْرَى إلَخْ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى قَوْلِهِ لِنَجَاسَةٍ مُؤَثِّرَةٍ؛ لِأَنَّ نَجَاسَةَ الْيَدِ مَحْكُومٌ بِبَقَائِهَا حَتَّى لَا تَصِحَّ صَلَاتُهُ قَبْلَ غَسْلِهَا، لَكِنَّهَا لَا تُنَجِّسُ مَا أَصَابَتْهُ لِلشَّكِّ فِي تَنْجِيسِهَا لِلْمَاءِ، وَقَدْ مَرَّ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ النَّجَاسَةِ التَّنْجِيسُ، وَهَذَا نَظِيرُ مَا لَوْ تَنَجَّسَ فَمُ هِرَّةٍ ثُمَّ غَابَتْ غَيْبَةً يُمْكِنُ وُلُوغُهَا فِي مَاءٍ كَثِيرٍ فَإِنَّا نَحْكُمُ بِبَقَاءِ فَمِهَا عَلَى النَّجَاسَةِ وَعَدَمِ تَنْجِيسِ مَا أَصَابَتْهُ بَعْدُ لِلشَّكِّ، وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: أَمَّا لَوْ تَنَجَّسَتْ يَدُهُ إلَخْ (قَوْلُهُ: فَسَيَأْتِي فِي بَابِ النَّجَاسَةِ) قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَمِنْهُ أَيْ مِنْ الْوَارِدِ فَلَا يَنْجُسُ مَا فِي بَاطِنِ الْفَوَّارَةِ، وَالظَّرْفُ فَوَّارٌ أَصَابَ النَّجَسَ أَعْلَاهُ وَمَوْضُوعٌ عَلَى نَجَسٍ يَتَرَشَّحُ مِنْهُ مَاءٌ فَلَا يَنْجُسُ مَا فِيهِ إلَّا أَنَّ فَرْضَ عَوْدِ التَّرَشُّحِ إلَيْهِ انْتَهَى.

وَكَتَبَ عَلَيْهِ ابْنُ قَاسِمٍ قَوْلَهُ: عَوْدُ التَّرَشُّحِ إلَخْ يَنْبَغِي أَوْ وُقِفَ عَنْ التَّرَشُّحِ وَاتَّصَلَ الْخَارِجُ بِمَا فِيهِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ مَاءٌ قَلِيلٌ مُتَّصِلٌ بِنَجَاسَةٍ انْتَهَى بِحُرُوفِهِ. أَقُولُ: وَلَعَلَّ وَجْهَ عَدَمِ تَنَجُّسِ مَا فِي الْبَاطِنِ مَا دَامَ التَّرَشُّحُ مَوْجُودًا أَنَّ تَرَشُّحَهُ صَيَّرَهُ كَالْمَاءِ الْجَارِي، وَهُوَ لَا يَنْجُسُ مِنْهُ إلَّا مَا لَاقَتْهُ النَّجَاسَةُ دُونَ غَيْرِهِ مَا لَمْ يَتَرَاجَعْ وَهُوَ قَلِيلٌ، وَانْقِطَاعُ رَشْحِ الْمَاءِ يُصَيِّرُهُ مُتَّصِلًا كَالْمُتَرَادِّ الْقَلِيلِ، وَعِبَارَةُ شَرْحِ الرَّوْضِ: وَلَوْ وُضِعَ كُوزٌ عَلَى نَجَاسَةٍ وَمَاؤُهُ خَارِجٌ مِنْ أَسْفَلِهِ لَمْ يَنْجُسْ مَا فِيهِ مَا دَامَ يَخْرُجُ، فَإِنْ تَرَاجَعَ تَنَجَّسَ كَمَا لَوْ سُدَّ بِنَجَسٍ انْتَهَى بِحُرُوفِهِ (قَوْلُهُ: لِلْعُرْفِ الشَّرْعِيِّ) قَدْ يُنَافِيه أَنَّهُمْ جَعَلُوا قَوْلَهُمْ فِيمَا سَبَقَ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ مَاءٍ بِلَا قَيْدٍ أَنَّ الْمَعْنَى أَنَّهُ يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الْمَاءِ عِنْدَ أَهْلِ الْعُرْفِ وَاللِّسَانِ، وَالْمُرَادُ بِالْعُرْفِ ثَمَّ عُرْفُ الشَّارِعِ، وَبِاللِّسَانِ اللُّغَةُ عَلَى مَا قِيلَ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُمْنَعَ أَنَّ الْمُرَادَ مَا ذُكِرَ، وَيُجْعَلَ ذِكْرُ اللِّسَانِ بَعْدَ الْعُرْفِ مِنْ الْعَطْفِ التَّفْسِيرِيِّ، وَيُرَادُ بِاللِّسَانِ الشَّرْعِيِّ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَيُؤَيِّدُ هَذَا اقْتِصَارُ ابْنِ حَجَرٍ ثَمَّ عَلَى اللِّسَانِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْعُرْفَ، وَصَرَّحَ بِهِ هُنَا حَيْثُ قَالَ مِثْلَ مَا قَالَهُ الشَّارِحُ، فَأَفَادَ أَنَّ الْعُرْفَ وَاللِّسَانَ مَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ وَهُوَ الشَّرْعِيُّ.

(قَوْلُهُ: حَتَّى لَوْ رُفِعَ حَاجِزٌ) وَاتَّسَعَ بِحَيْثُ يَتَحَرَّكُ مَا فِي كُلٍّ بِتَحَرُّكِ الْآخَرِ تَحَرُّكَا عَنِيفًا وَإِنْ لَمْ تَزُلْ كُدُورَةُ أَحَدِهِمَا وَمَضَى زَمَنٌ يَزُولُ فِيهِ تَغَيُّرُهُ لَوْ كَانَ، أَوْ بِنَحْوِ كُوزٍ وَاسِعِ الرَّأْسِ بِحَيْثُ يَتَحَرَّكُ كَمَا ذُكِرَ مُمْتَلِئٌ غُمِسَ بِمَاءٍ وَقَدْ مَكَثَ فِيهِ بِحَيْثُ لَوْ كَانَ مَا فِيهِ مُتَغَيِّرًا زَالَ تَغَيُّرُهُ لِتَقَوِّيهِ بِهِ حِينَئِذٍ، بِخِلَافِ مَا لَوْ فُقِدَ شَرْطٌ مِنْ ذَلِكَ انْتَهَى ابْنُ حَجَرٍ (قَوْلُهُ: بِمَائِعٍ مُسْتَهْلَكٍ) أَيْ كَمَاءِ الْوَرْدِ وَبَقِيَ مَا لَوْ خَلَطَ قُلَّةً مِنْ الْمَائِعِ بِقُلَّتَيْنِ مِنْ الْمَاءِ وَلَمْ تُغَيِّرْهُمَا حِسًّا وَلَا تَقْدِيرًا، ثُمَّ أَخَذَ قُلَّةً مِنْ الْمُجْتَمَعِ ثُمَّ وَقَعَ فِي الْبَاقِي نَجَاسَةٌ وَلَمْ تُغَيِّرْهُ فَهَلْ يُحْكَمُ بِطَهَارَتِهِ لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْبَاقِيَ مَحْضُ الْمَاءِ وَأَنَّ الْمَأْخُوذَ هُوَ الْمَائِعُ وَالْأَصْلُ طَهَارَةُ الْمَاءِ، أَوْ بِنَجَاسَتِهِ؛ لِأَنَّ كَوْنَ الْقُلَّةِ الْمَأْخُوذَةِ هِيَ مَحْضُ الْمَائِعِ حَتَّى يَكُونَ الْبَاقِي مَحْضَ الْمَاءِ إنْ لَمْ يَكُنْ مُحَالًا عَادَةً، كَانَ فِي حُكْمِهِ فِيهِ نَظَرٌ انْتَهَى ابْنُ قَاسِمٍ عَلَى ابْنِ حَجَرٍ. أَقُولُ: قِيَاسُ

ــ

[حاشية الرشيدي]

مَا بَعْدَهُ فِي كَلَامِهِ وَإِنْ كَانَتْ عِبَارَتُهُ لَا تَفِي بِهِ، وَمَا فِي حَاشِيَةِ شَيْخِنَا لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ

(قَوْلُهُ: وَمُتَغَيِّرًا بِمُسْتَغْنٍ عَنْهُ) أَيْ وَخَالِصُ الْمَاءِ قُلَّتَانِ كَمَا يَأْتِي وَمَرَّ أَيْضًا (قَوْلُهُ: بَيْنَ صَافٍ وَكَدِرٍ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَخْتَلِطَا

ص: 79

الْمُتَنَجِّسُ الْقَلِيلُ (بِإِيرَادِ طَهُورٍ) عَلَيْهِ (فَلَمْ يَبْلُغْهُمَا لَمْ يَطْهُرْ) ؛ لِأَنَّهُ مَاءٌ قَلِيلٌ فِيهِ نَجَاسَةٌ، وَالْمَعْهُودُ مِنْ الْمَاءِ أَنْ يَكُونَ غَاسِلًا لَا مَغْسُولًا (وَقِيلَ طَاهِرٌ لَا طَهُورٌ) ؛ لِأَنَّهُ مَغْسُولٌ كَالثَّوْبِ، وَقِيلَ هُوَ طَهُورٌ رَدًّا بِغُسْلِهِ إلَى أَصْلِهِ، وَمَحَلُّ ذَلِكَ فِيمَا لَيْسَ فِيهِ نَجَاسَةٌ جَامِدَةٌ، وَلَوْ انْتَفَى الْإِيرَادُ أَوْ الطَّهُورِيَّةُ أَوْ الْأَكْثَرِيَّةُ فَهُوَ عَلَى نَجَاسَتِهِ بِلَا خِلَافٍ، وَلَا هُنَا اسْمٌ بِمَعْنَى غَيْرَ ظَهَرَ إعْرَابُهَا فِيمَا بَعْدَهَا لِكَوْنِهَا عَلَى صُورَةِ الْحَرْفِ، وَهِيَ مَعَهُ صِفَةٌ لِمَا قَبْلهَا، وَلَا يَصِحُّ كَوْنُهَا عَاطِفَةً؛ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِهَا أَنْ يَتَعَانَدَ مَعْطُوفَاتُهَا نَحْوَ جَاءَنِي رَجُلٌ لَا امْرَأَةٌ، وَلِأَنَّ لَا إذَا دَخَلَتْ عَلَى مُفْرَدٍ وَهُوَ صِفَةٌ لِسَابِقٍ وَجَبَ تَكْرَارُهَا نَحْوَ {إِنَّهَا بَقَرَةٌ لا فَارِضٌ وَلا بِكْرٌ} [البقرة: 68] {زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ} [النور: 35]

(وَيُسْتَثْنَى) مِنْ النَّجَسِ (مَيْتَةٌ لَا دَمَ لَهَا سَائِلٌ) عَنْ مَوْضِعِ جُرْحِهَا إمَّا بِأَنْ لَا يَكُونَ لَهَا دَمٌ أَصْلًا أَوْ لَهَا دَمٌ لَا يَجْرِي كَالْوَزَغِ وَالزُّنْبُورِ وَالْخُنْفُسَاءِ وَالذُّبَابِ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

مَا فِي الرَّضَاعِ فِيمَا لَوْ خَلَطَ اللَّبَنَ بِمَائِعٍ وَشَرِبَ مِنْهُ الطِّفْلُ عَدَمُ النَّجَاسَةِ حَيْثُ قَالُوا: إنْ بَقِيَ مِنْ الْمُخْتَلِطِ قَدْرَ اللَّبَنِ لَمْ يَحْرُمْ لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْبَاقِيَ مَحْضُ اللَّبَنِ، لَكِنْ يُعَارِضُهُ مَا فِي الْأَيْمَانِ فِيمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ طَعَامٍ اشْتَرَاهُ زَيْدٌ فَأَكَلَ مِمَّا اشْتَرَاهُ زَيْدٌ وَعَمْرٌو حَيْثُ قَالُوا: إنْ أَكَلَ مِنْهُ نَحْوَ حَبَّتَيْنِ لَمْ يَحْنَثْ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُمَا مِنْ مَحْضِ مَا اشْتَرَاهُ عَمْرٌو أَوْ أَكْثَرُ نَحْوَ حَفْنَةٍ حَنِثَ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ مَا أَكَلَهُ مُخْتَلِطٌ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا فَتَأَمَّلْ.

وَنُقِلَ عَنْ الْحَلَبِيِّ فِي الدَّرْسِ أَنَّهُ اعْتَمَدَ قِيَاسَ مَا فِي الْأَيْمَانِ، وَيَحْتَاجُ لِلْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرَّضَاعِ فَلْيُرَاجَعْ، وَمَعَ ذَلِكَ فَالظَّاهِرُ إلْحَاقُهُ بِمَا فِي الْأَيْمَانِ؛ لِأَنَّ مَسْأَلَةَ الرَّضَاعِ خَارِجَةٌ عَنْ نَظَائِرِهَا مِنْ كُلِّ مَا كَانَ مُحَالًا عَادِيًا أَوْ كَالْمُحَالِ، وَمَا كَانَ كَذَلِكَ لَا يُعْتَدُّ بِهِ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهَا (قَوْلُهُ: فِيمَا بَعْدَهَا) وَأَمَّا هُوَ فَلَا إعْرَابَ لَهُ غَيْرُ هَذَا الْإِعْرَابِ (قَوْلُهُ: وَهِيَ مَعَهُ) أَيْ مَا بَعْدَهَا (قَوْلُهُ أَنْ يَتَعَانَدَ) أَيْ بِأَنْ لَا يُصَدَّقَ أَحَدُ مَعْطُوفَيْهَا عَلَى الْآخَرِ (قَوْلُهُ: وَجَبَ تَكْرَارُهَا) كَأَنْ يُقَالَ هُنَا لَا طَهُورَ وَلَا نَجَسَ، فَلَمَّا امْتَنَعَ كَوْنُهَا عَاطِفَةً وَكَوْنُ مَا بَعْدَهَا صِفَةً جُعِلَتْ الصِّفَةُ هِيَ مَعَ مَا بَعْدَهَا

(قَوْلُهُ: وَيُسْتَثْنَى مِنْ النَّجَسِ) أَيْ مِنْ قَوْلِهِ وَدُونَهُمَا يَنْجُسُ بِالْمُلَاقَاةِ (قَوْلُهُ: لَا دَمَ لَهَا سَائِلٌ) .

[تَنْبِيهٌ]

جَوَّزَ فِي الْمَجْمُوعِ فِي سَائِلِ الرَّفْعِ وَالنَّصْبِ وَوَجْهُهُمَا ظَاهِرٌ وَالْفَتْحُ، وَاعْتَرَضَ لِلْفَاصِلِ بِمَا بَسَطْت رَدَّهُ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ فَرَاجِعْهُ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ انْتَهَى ابْنُ حَجَرٍ. وَعِبَارَةُ ابْنِ عَبْدِ الْحَقِّ قَوْلُهُ لَا دَمَ لَهَا سَائِلٌ، قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ بِالْفَتْحِ وَالنَّصْبِ وَالرَّفْعِ فِيهِمَا، وَاعْتُرِضَ الْفَتْحُ بِانْتِفَاءِ الِاتِّصَالِ الْمُشْتَرَطِ فِي الْفَتْحِ.

وَأَقُولُ: الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّ اشْتِرَاطَ الِاتِّصَالِ فِي الْفَتْحِ إنَّمَا هُوَ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ فَتَحْتَهُ فَتْحَةُ بِنَاءٍ، أَمَّا إذَا قُلْنَا بِأَنَّهَا فَتْحَةُ إعْرَابٍ وَأَنَّ تَرْكَ التَّنْوِينِ لِلْمُشَاكَلَةِ فَلَا لِانْتِفَاءِ عِلَّةِ الْبِنَاءِ بِالْفَصْلِ عَلَى الْأَوَّلِ مِنْ تَرْكِيبِهِ مَعَ اسْمِ لَا قَبْلَ دُخُولِهَا، بِخِلَافِهِ عَلَى الثَّانِي فَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ كَلَامُ الشَّيْخِ مَبْنِيًّا عَلَيْهِ فَلْيُتَأَمَّلْ. وَلِبَعْضِهِمْ هُنَا أَجْوِبَةٌ لَا تَخْلُو عَنْ تَكَلُّفٍ وَقَوْلُهُ لَهَا: أَيْ لِجِنْسِهَا، فَخَرَجَ مَا لَوْ كَانَتْ مِمَّا يَسِيلُ دَمُهُ لَكِنْ لَا دَمَ فِيهَا أَوْ فِيهَا دَمٌ لَا يَسِيلُ لِصِغَرِهَا فَلَهَا حُكْمُ مَا يَسِيلُ دَمُهُ كَمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ (قَوْلُهُ: كَالْوَزَغِ) هُوَ بِالْفَتْحِ جَمْعُ وَزَغَةٍ كَذَا قِيلَ،

وَفِي الْمِصْبَاحِ: الْوَزَغُ مَعْرُوفٌ وَالْأُنْثَى وَزَغَةٌ، وَقِيلَ الْوَزَغُ جَمْعُ وَزَغَةٍ مِثْلُ قَصَبٍ وَقَصَبَةٍ فَتَقَعُ الْوَزَغَةُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَالْجَمْعُ أَوْزَاغٌ وَوِزْغَانُ بِالْكَسْرِ وَالضَّمِّ، حَكَاهُ الْأَزْهَرِيُّ وَقَالَ: الْوَزَغُ سَامُّ أَبْرَصَ.

(قَوْلُهُ: وَالْخُنْفُسَاءُ وَالذُّبَابُ) وَمِثْلُهُ الْبَقُّ الْمَعْرُوفُ بِمِصْرَ وَالْقَمْلُ وَالْبَرَاغِيثُ، وَفِي نُسْخَةٍ بَعْدَ قَوْلِهِ وَالذُّبَابُ وَمِنْهُ الْحِرْبَاءُ وَالسَّحَالِي وَهِيَ نَوْعٌ مِنْ الْوَزَغِ، ذَكَرَهُ ابْنُ الْعِمَادِ وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَمِنْهُ سَامُّ أَبْرَصَ انْتَهَى. قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: وَهُوَ كِبَارُ الْوَزَغِ،

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلُهُ: أَوْ الْأَكْثَرِيَّةُ) أَيْ الَّتِي أَفْهَمَهَا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ كَوْثَرٍ لَكِنْ بِالنِّسْبَةِ لِلضَّعِيفِ الْمُشْتَرَطِ لِكَوْنِهِ أَكْثَرَ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ فِي {وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ} [المدثر: 6] كَذَا فِي التُّحْفَةِ وَفِيهِ تَأَمُّلٌ.

ص: 80

(فَلَا تُنَجِّسُ مَائِعًا) كَزَيْتٍ وَخَلٍّ، وَكُلِّ رَطْبٍ بِمَوْتِهَا فِيهِ (عَلَى الْمَشْهُورِ) لِمَشَقَّةِ الِاحْتِرَازِ عَنْهَا، وَلِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ «إذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي شَرَابِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْمِسْهُ كُلَّهُ ثُمَّ لِيَنْزِعْهُ، فَإِنَّ فِي أَحَدِ جَنَاحَيْهِ دَاءً وَفِي الْآخِرِ شِفَاءً زَادَ أَبُو دَاوُد وَأَنَّهُ يَتَّقِي بِجَنَاحِهِ الَّذِي فِيهِ الدَّاءُ» أَمَرَ بِغَمْسِهِ وَغَمْسُهُ يُفْضِي إلَى مَوْتِهِ، فَلَوْ نَجَّسَ لَمَا أَمَرَ بِهِ، وَقِيسَ بِالذُّبَابِ مَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ كُلِّ مَيْتَةٍ لَا يَسِيلُ دَمُهَا، وَخَرَجَ مَا لَهَا دَمٌ سَائِلٌ كَحَيَّةٍ وَضُفْدَعٍ، وَلَوْ شَكَكْنَا فِي كَوْنِهَا مِمَّا يَسِيلُ دَمُهَا اُمْتُحِنَ بِجُرْحِ شَيْءٍ مِنْ جِنْسِهَا لِلْحَاجَةِ كَمَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ فِي فَتَاوِيه، وَالثَّانِي تَنَجُّسُهُ كَغَيْرِهَا، فَإِنْ غَيَّرَتْهُ الْمَيْتَةُ لِكَثْرَتِهَا وَإِنْ زَالَ تَغَيُّرُهُ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ الْمَائِعِ أَوْ الْمَاءِ الْقَلِيلِ مَعَ بَقَائِهِ عَلَى قِلَّتِهِ أَوْ طُرِحَتْ فِيهِ بَعْدَ مَوْتِهَا نَجَّسَتْهُ وَإِنْ كَانَتْ مِمَّا نَشْؤُهُ مِنْهُ، أَمَّا طَرْحُهَا فِيهِ حَيَّةً وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مِمَّا نَشْؤُهُ مِنْهُ فَغَيْرُ ضَارٍ كَمَا لَوْ وَقَعَتْ بِنَفْسِهَا حَيْثُ لَا تَغَيُّرَ مِنْهَا.

وَحَاصِلُ الْمُعْتَمَدِ فِي ذَلِكَ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْبَهْجَةِ مَنْطُوقًا وَمَفْهُومًا، وَاعْتَمَدَهُ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَأَفْتَى بِهِ أَنَّهَا إنْ طُرِحَتْ حَيَّةً لَمْ يَضُرَّ سَوَاءٌ أَكَانَ نَشْؤُهَا مِنْهُ أَمْ لَا وَسَوَاءٌ أَمَاتَتْ فِيهِ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْ لَا إنْ لَمْ تُغَيِّرْهُ وَإِنْ طُرِحَتْ مَيْتَةً

ــ

[حاشية الشبراملسي]

وَهُمَا اسْمَانِ جُعِلَا اسْمًا وَاحِدًا انْتَهَى. وَجُوِّزَ فِيهِ: أَيْ سَامُّ أَبْرَصَ أَنْ يُعْرَبَ إعْرَابَ الْمُتَضَايِفَيْنِ وَأَنْ يُعْرَبَ إعْرَابَ الْمُرَكَّبِ الْمَزْجِيِّ (قَوْلُهُ: لِمَشَقَّةِ الِاحْتِرَازِ عَنْهَا) .

[فَائِدَةٌ] لَا يَجِبُ غَسْلُ الْبَيْضَةِ وَالْوَلَدِ إذَا خَرَجَا مِنْ الْفَرْجِ، وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحَلَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُمَا رُطُوبَةٌ نَجِسَةٌ انْتَهَى رَوْضٌ وَشَرْحُهُ (قَوْلُهُ: فَإِنَّ فِي أَحَدِ جَنَاحَيْهِ دَاءً) أَيْ وَهُوَ الْيَسَارُ خَطِيبٌ، وَعَلَيْهِ فَلَوْ قُطِعَ جَنَاحُهَا الْأَيْسَرُ لَا يُنْدَبُ غَمْسُهَا لِانْتِفَاءِ الْعِلَّةِ، بَلْ قِيَاسُ مَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ مِنْ حُرْمَةِ غَمْسِ غَيْرِ الذُّبَابِ حُرْمَةُ غَمْسِ هَذِهِ الْآنَ لِفَوَاتِ الْعِلَّةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلْغَمْسِ.

(قَوْلُهُ: وَلَوْ شَكَكْنَا فِي كَوْنِهَا إلَخْ) قَالَ ابْنُ قَاسِمٍ عَلَى مَنْهَجٍ: وَانْظُرْ لَوْ شَكَّ هَلْ هُوَ مِمَّا يُدْرِكُهُ الطَّرَفُ، أَوْ أَنَّ الْمَيْتَةَ مِمَّا يَسِيلُ دَمُهَا وَيَتَّجِهُ الْعَفْوُ فِيهِمَا كَمَا وَافَقَ عَلَيْهِ م ر؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الطَّهَارَةُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ النَّجَاسَةِ التَّنْجِيسُ انْتَهَى بِحُرُوفِهِ. أَقُولُ: وَقَدْ يُتَوَقَّفُ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي النَّجَاسَةِ التَّنْجِيسُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَازِمًا، وَسُقُوطُهُ رُخْصَةٌ لَا يُصَارُ إلَيْهَا إلَّا بِيَقِينٍ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الشَّارِحِ الْآتِي: فَلَوْ شَكَّ هَلْ وَقَعَ فِي حَالِ الْحَلْبِ أَوْ لَا؟ فَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ يُنَجِّسُ إذْ شَرْطُ الْعَفْوِ لَمْ نَتَحَقَّقُهُ.

[فَائِدَةٌ] لَوْ تَوَلَّدَ حَيَوَانٌ بَيْنَ مَا لَا نَفْسَ لَهُ سَائِلَةٌ وَبَيْنَ مَا لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ فَالْقِيَاسُ إلْحَاقُهُ بِمَا لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ كَمَا هُوَ قِيَاسُ نَظِيرِهِ فِيمَا لَوْ تَوَلَّدَ بَيْنَ طَاهِرٍ وَنَجِسٍ (قَوْلُهُ: اُمْتُحِنَ بِجَرْحِ شَيْءٍ مِنْ جِنْسِهَا) وَيَكْفِي فِي ذَلِكَ جَرْحُ وَاحِدَةٍ فَقَطْ. وَعِبَارَةُ ابْنِ قَاسِمٍ فِي حَاشِيَةِ الْبَهْجَةِ قَوْلُهُ فَيَجْرَحُ لِلْحَاجَةِ فِيهِ أَنَّ جَرْحَ بَعْضِ الْأَفْرَادِ لَا يُفِيدُ لِجَوَازِ مُخَالَفَتِهِ لِجِنْسِهِ لِعَارِضٍ وَجَرْحُ الْكُلِّ لَا يُمْكِنُ إلَّا أَنْ يُقَالَ جَرْحُ الْبَعْضِ إذَا كَثُرَ يَحْصُلُ بِهِ الظَّنُّ، وَفِيهِ أَنَّهُ يَلْزَمُ التَّنْجِيسُ بِالشَّكِّ إلَّا أَنْ يُقَالَ الظَّاهِرُ مِنْ وُجُودِ الدَّمِ فِي بَعْضِ الْأَفْرَادِ أَنَّ الْجِنْسَ كَذَلِكَ، وَمُخَالَفَةُ بَعْضِ الْأَفْرَادِ لِلْجِنْسِ خِلَافَ الظَّاهِرِ وَالْغَالِبِ، وَكُتِبَ أَيْضًا قَوْلُهُ فَيَخْرُجُ لِلْحَاجَةِ يَتَّجِهُ أَنَّ لَهُ الْإِعْرَاضَ عَنْ ذَلِكَ وَالْعَمَلُ بِالطَّهَارَةِ حَيْثُ احْتَمَلَ أَنَّهُ مِمَّا لَا يَسِيلُ دَمُهُ؛ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ هِيَ الْأَصْلُ وَلَا تَنْجُسُ بِالشَّكِّ انْتَهَى.

(قَوْلُهُ: نَشْؤُهَا مِنْهُ أَمْ لَا) أَيْ بِفَتْحِ النُّونِ وَبِالْهَمْزِ بِرّ انْتَهَى ابْنُ قَاسِمٍ عَلَى شَرْحِ الْبَهْجَةِ الْكَبِيرِ (قَوْلُهُ: وَسَوَاءٌ أَمَاتَتْ فِيهِ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْ لَا) أَيْ أَوْ مَاتَتْ قَبْلَ وُصُولِهَا إلَيْهِ، وَعِبَارَةُ ابْنِ قَاسِمٍ عَلَى الْمَنْهَجِ قَوْلُهُ وَلَمْ تُطْرَحْ إلَخْ لَوْ طَرَحَ طَارِحٌ حَيَّةً فَمَاتَتْ قَبْلَ وُصُولِهَا الْمَائِعَ أَوْ مَيْتَةً فَحَيِيَتْ قَبْلَ وُصُولِهَا لَمْ تَضُرَّ فِي الْحَالَيْنِ، أَفَادَهُ شَيْخُنَا طب وَاعْتَمَدَهُ رحمه الله انْتَهَى (قَوْلُهُ: وَإِنْ طُرِحَتْ مَيْتَةٌ) أَيْ إنْ لَمْ تَحْيَا قَبْلَ وُصُولِهَا إلَيْهِ وَإِلَّا لَمْ تُنَجِّسْهُ اعْتِبَارًا بِحَالَةِ الْوُصُولِ دُونَ الْإِلْقَاءِ وَبَقِيَ مَا لَوْ طُرِحَتْ مَيْتَةٌ ثُمَّ أُحْيِيَتْ ثُمَّ مَاتَتْ هَلْ تُنَجِّسُ أَوْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ، وَيَحْتَمِلُ الثَّانِي لِكَوْنِهَا مَا سَقَطَتْ إلَّا بَعْدَ إحْيَائِهَا

ــ

[حاشية الرشيدي]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ص: 81

ضَرَّ سَوَاءٌ أَكَانَ نَشْؤُهَا مِنْهُ أَمْ لَا، وَأَنَّ وُقُوعَهَا بِنَفْسِهَا لَا يَضُرُّ مُطْلَقًا فَيُعْفَى عَنْهُ كَمَا يُعْفَى عَمَّا يَقَعُ بِالرِّيحِ، وَإِنْ كَانَ مَيْتًا وَلَمْ يَكُنْ نَشْؤُهُ مِنْهُ إنْ لَمْ تُغَيِّرْ، وَلَيْسَ الصَّبِيُّ وَلَوْ غَيْرَ مُمَيِّزٍ وَالْبَهِيمَةُ كَالرِّيحِ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَيْضًا؛ لِأَنَّ لَهُمَا اخْتِيَارًا فِي الْجُمْلَةِ، وَلَوْ تَعَدَّدَ الْوَاقِعُ مِنْ ذَلِكَ فَأُخْرِجَ أَحَدُهَا عَلَى رَأْسِ عُودٍ مَثَلًا فَسَقَطَ مِنْهُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ لَمْ تَنْجُسْ وَهَلْ لَهُ إخْرَاجُ الْبَاقِي بِهِ؟ الْأَوْجَهُ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، نَعَمْ؛ لِأَنَّ مَا عَلَى رَأْسِ الْعُودِ مَحْكُومٌ بِطَهَارَتِهِ؛ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ الْمَائِعِ انْفَصِلْ مِنْهُ ثُمَّ عَادَ إلَيْهِ، وَلَوْ وَضَعَ خِرْقَةً عَلَى إنَاءٍ وَصَفَّى بِهَا هَذَا الْمَائِعَ الَّذِي وَقَعَتْ فِيهِ الْمَيْتَةُ بِأَنْ صَبَّهُ عَلَيْهَا لَمْ يَضُرَّ؛ لِأَنَّهُ يَضَعُ الْمَائِعَ وَفِيهِ الْمَيْتَةُ مُتَّصِلَةٌ بِهِ ثُمَّ يَتَصَفَّى مِنْهَا الْمَائِعُ وَتَبْقَى هِيَ مُنْفَرِدَةٌ، لَا أَنَّهُ طَرَحَ الْمَيْتَةَ فِي الْمَائِعِ، كَمَا أَفْتَى بِذَلِكَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ صَالِحُ الْبُلْقِينِيُّ.

وَهَا هُنَا تَنْبِيهٌ لَا بَأْسَ بِالِاعْتِنَاءِ بِمَعْرِفَتِهِ، وَهُوَ أَنَّ مَا لَا نَفْسَ لَهُ سَائِلَةٌ إذَا اُغْتُذِيَ بِالدَّمِ كَالْحَلَمِ الْكِبَارِ الَّتِي تُوجَدُ فِي الْإِبِلِ ثُمَّ وَقَعَ فِي الْمَاءِ لَا يُنَجِّسُهُ بِمُجَرَّدِ الْوُقُوعِ، فَإِنْ مَكَثَ فِي الْمَاءِ حَتَّى انْشَقَّ جَوْفُهُ وَخَرَجَ مِنْهُ الدَّمُ احْتَمَلَ أَنْ يُنَجِّسَ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا عَفَا عَنْ الْحَيَوَانِ دُونَ الدَّمِ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ يُعْفَى عَنْهُ مُطْلَقًا وَهُوَ الْأَوْجَهُ كَمَا يُعْفَى عَمَّا فِي بَطْنِهِ مِنْ الرَّوْثِ إذَا ذَابَ وَاخْتَلَطَ بِالْمَاءِ وَلَمْ يُغَيِّرْ، وَكَذَلِكَ مَا عَلَى مَنْفَذِهِ مِنْ النَّجَاسَةِ، وَأَفَادَ فِي الْخَادِمِ أَنَّ غَيْرَ الذُّبَابِ لَا يَلْحَقُ بِهِ فِي نَدْبِ الْغَمْسِ لِانْتِفَاءِ الْمَعْنَى الَّذِي لِأَجْلِهِ طَلَبَ غَمْسَ الذُّبَابِ وَهُوَ مُقَاوَمَةُ الدَّوَاءِ الدَّاءَ، بَلْ يَحْرُمُ غَمْسُ النَّحْلِ، وَمَحَلُّ جَوَازِ الْغَمْسِ أَوْ الِاسْتِحْبَابِ إذَا لَمْ يَغْلِبْ عَلَى الظَّنِّ التَّغَيُّرُ بِهِ وَإِلَّا حَرُمَ لَمَّا فِيهِ مِنْ إضَاعَةِ الْمَالِ وَالْمَيْتَةُ يَجُوزُ فِيهَا التَّخْفِيفُ وَالتَّشْدِيدُ (وَكَذَا فِي قَوْلٍ)(نَجَسٌ لَا يُدْرِكُهُ طَرَفٌ) أَيْ بَصَرٌ لِقِلَّتِهِ كَنُقْطَةِ بَوْلٍ وَمَا يَعْلَقُ بِرِجْلِ الذُّبَابِ فَيُعْفِي عَنْ ذَلِكَ فِي الْمَاءِ وَغَيْرِهِ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

فَأَشْبَهَتْ مَا لَوْ أَلْقَاهَا حَيَّةً وَمَاتَتْ قَبْلَ وُصُولِهَا إلَى الْمَائِعِ، بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الْإِحْيَاءَ تَبَيَّنَ بِهِ عَدَمُ مَوْتِهَا أَوَّلًا، وَأَنَّ ذَلِكَ كَانَ لِعَارِضٍ قَامَ بِهَا فَتَخَيَّلَ مَوْتَهَا وَظَاهِرُهُ وَلَوْ بِلَا قَصْدٍ. وَعِبَارَةُ ابْنِ قَاسِمٍ عَلَى ابْنِ حَجَرٍ: ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ الطَّرْحُ سَهْوًا انْتَهَى.

وَفِي ابْنِ حَجَرٍ بَعْدَ كَلَامٍ ذَكَرَهُ عَنْ الزَّرْكَشِيّ: وَيُؤْخَذُ مِنْهُ رَدُّ مَا تُوُهِّمَ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ الطَّرْحُ بِلَا قَصْدٍ مُطْلَقًا إلَخْ انْتَهَى. وَهُوَ صَرِيحٌ فِيمَا ذَكَرَهُ ابْنُ قَاسِمٍ رحمه الله (قَوْلُهُ وَأَنَّ وُقُوعَهَا بِنَفْسِهَا لَا يَضُرُّ مُطْلَقًا) أَيْ حَيَّةً أَوْ مَيِّتَةً (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ الصَّبِيُّ وَالْبَهِيمَةُ كَالرِّيحِ) قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَإِنْ كَانَ الطَّارِحُ غَيْرَ مُكَلَّفٍ لَكِنْ مِنْ جِنْسِهِ انْتَهَى. وَهِيَ تُخْرِجُ الْبَهِيمَةَ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ الصَّبِيِّ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ، فَإِنَّ الْجِنْسَ عِنْدَهُمْ مَا يَشْمَلُ أَصْنَافًا كَالْآدَمِيِّ وَإِنْ كَانَ نَوْعًا عِنْدَ الْمَنَاطِقَةِ. وَقَالَ ابْنُ قَاسِمٍ عَلَى مَنْهَجٍ فِي إلْحَاقِ الْبَهِيمَةِ بِالْآدَمِيِّ تَأَمَّلْ انْتَهَى (قَوْلُهُ: بِأَنْ صَبَّهُ عَلَيْهَا لَمْ يَضُرَّ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَتَوَاصَلْ الصَّبُّ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْعِبَارَةِ.

وَفِي ابْنِ قَاسِمٍ عَلَى ابْنِ حَجَرٍ: لَكِنَّ هَذَا ظَاهِرٌ مَعَ تَوَاصُلِ الصَّبِّ وَكَذَا مَعَ تَفَاصُلِهِ عَادَةً، فَلَوْ فُصِلَ بِنَحْوِ يَوْمٍ مَثَلًا ثُمَّ صُبَّ فِي الْخِرْقَةِ مَعَ بَقَاءِ الْمَيْتَاتِ الْمُجْتَمِعَةِ مِنْ التَّصْفِيَةِ السَّابِقَةِ فِيهَا فَلَا يَبْعُدُ الضَّرَرُ، إذْ لَا يَشُقُّ تَنْظِيفُ الْخِرْقَةِ مِنْهَا قَبْلَ الصَّبِّ وَالْحَالُ مَا ذُكِرَ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْعَفْوِ، وَمِنْ هُنَا يُعْلَمُ أَنَّهُ كَمَا يَضُرُّ طَرْحُهَا عَلَى الْمَائِعِ يَضُرُّ طَرْحُ الْمَائِعِ عَلَيْهَا فِي غَيْرِ مَا ذُكِرَ مِنْ نَحْوِ التَّصْفِيَةِ وَظَاهِرُهُ وَإِنْ جَهِلَهَا انْتَهَى بِحُرُوفِهِ (قَوْلُهُ: بَلْ يَحْرُمُ غَمْسُ النَّحْلِ) عِبَارَةُ ابْنِ حَجَرٍ: تَنْبِيهٌ آخَرُ: يَظْهَرُ مِنْ الْخَبَرِ السَّابِقِ نَدْبُ غَمْسِ الذُّبَابِ لِدَفْعِ ضَرَرِهِ، وَظَاهِرٌ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَأْتِي فِي غَيْرِهِ، بَلْ لَوْ قِيلَ بِمَنْعِهِ بِأَنَّ فِيهِ تَعْذِيبًا بِلَا حَاجَةٍ لَمْ يَبْعُدْ، ثُمَّ رَأَيْت الدَّمِيرِيّ صَرَّحَ بِالنَّدْبِ وَبِتَعْمِيمِهِ قَالَ: لِأَنَّ الْكُلَّ يُسَمَّى ذُبَابًا لُغَةً إلَّا النَّحْلَ لِحُرْمَةِ قَتْلِهِ انْتَهَى. وَمِنْهُ يُعْلَمُ أَنَّ قَوْلَ الشَّارِحِ غَمْسُ النَّحْلِ إنَّمَا هُوَ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى حُرْمَتِهِ، وَعِبَارَةُ الزِّيَادِيِّ الْغَمْسُ خَاصٌّ بِالذُّبَابِ أَمَّا غَيْرُهُ فَيَحْرُمُ غَمْسُهُ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى إهْلَاكِهِ انْتَهَى (قَوْلُهُ: وَإِلَّا حَرُمَ) أَيْ ثُمَّ إنَّ غَيْرَهُ بَعْدَ الْغَمْسِ نَجَّسَهُ وَإِلَّا فَلَا (قَوْلُهُ: وَمَا يَعْلَقُ)

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلُهُ: لِقِلَّتِهِ) عِلَّةٌ لِعَدَمِ إدْرَاكِ الطَّرَفِ لَا لِعَدَمِ التَّنْجِيسِ؛ لِأَنَّ عِلَّتَهُ سَتَأْتِي، فَهُوَ قَيْدٌ فِي الْحَقِيقَةِ لِإِخْرَاجِ مَا لَوْ كَانَ عَدَمُ الْإِدْرَاكِ لِنَحْوِ مُمَاثَلَتِهِ لِلَوْنِ الْمَحَلِّ (قَوْلُهُ: فَيُعْفَى عَنْ ذَلِكَ فِي الْمَاءِ وَغَيْرِهِ) شَمِلَ

ص: 82

لِمَشَقَّةِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ بِاعْتِبَارِ جِنْسِهِ، وَمَا مِنْ شَأْنِهِ لَا بِالنَّظَرِ لِكُلِّ فَرْدٍ فَرْدٍ مِنْهُ، وَمُقْتَضَى كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ وُقُوعِهِ فِي مَحَلٍّ وَوُقُوعِهِ فِي مَحَالٍّ وَهُوَ قَوِيٌّ، لَكِنْ قَالَ الْجِيلِيُّ: صُورَتُهُ أَنْ يَقَعَ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ، وَإِلَّا فَلَهُ حُكْمُ مَا يُدْرِكُهُ الطَّرَفُ عَلَى الْأَصَحِّ.

قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَفِي كَلَامِ الْإِمَامِ إشَارَةٌ إلَيْهِ، كَذَا نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَأَقَرَّهُ وَهُوَ غَرِيبٌ.

قَالَ الشَّيْخُ: وَالْأَوْجَهُ تَصْوِيرُهُ بِالْيَسِيرِ عُرْفًا لَا بِوُقُوعِهِ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ، وَكَلَامُ الْأَصْحَابِ جَارٍ عَلَى الْغَالِبِ بِقَرِينَةِ تَعْلِيلِهِمْ السَّابِقِ، وَلَوْ رَأَى ذُبَابَةً عَلَى نَجَاسَةٍ فَأَمْسَكَهَا حَتَّى أَلْصَقَهَا بِبَدَنِهِ أَوْ ثَوْبِهِ أَوْ طَرَحَهَا فِي نَحْوِ مَاءٍ قَلِيلٍ اتَّجَهَ التَّنْجِيسُ قِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ أَلْقَى مَا لَا نَفْسَ لَهُ سَائِلَةً مَيِّتًا فِي ذَلِكَ، وَلَوْ وَقَعَ الذُّبَابُ عَلَى دَمٍ ثُمَّ طَارَ وَوَقَعَ عَلَى نَحْوِ ثَوْبٍ اتَّجَهَ الْعَفْوُ جَزْمًا؛ لِأَنَّا إذَا قُلْنَا بِهِ فِي الدَّمِ الْمُشَاهَدِ فَلَأَنْ نَقُولَ بِهِ فِيمَا لَمْ يُشَاهَدْ مِنْهُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، وَقَيَّدَ بَعْضُهُمْ الْعَفْوَ عَمَّا لَا يُدْرِكُهُ الطَّرَفُ بِمَا إذَا لَمْ يَكْثُرْ بِحَيْثُ لَمْ يَجْتَمِعْ مِنْهُ فِي دَفَعَاتِ مَا يُحَسَّ وَهُوَ كَمَا قَالَ؛ وَعُلِمَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الذُّبَابِ وَغَيْرِهِ كَنَحْلٍ وَزُنْبُورٍ وَفَرَاشٍ، عَلَى أَنَّ بَعْضَهُمْ أَطْلَقَ الذُّبَابَ عَلَى جَمِيعِ ذَلِكَ،

ــ

[حاشية الشبراملسي]

بَابُهُ طَرِبَ انْتَهَى مُخْتَارٌ، وَقَضِيَّةُ مَا ذُكِرَ تَخْصِيصُ الْعَفْوِ عَمَّا يَعْلَقُ بِرَجُلِ الذُّبَابِ بِمَا إذَا لَمْ يُدْرِكْهُ الطَّرَفُ وَهُوَ مَا نَقَلَهُ ابْنُ قَاسِمٍ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الْمَنْهَجِ عَنْ الشَّارِحِ. وَنُقِلَ عَنْ ابْنِ حَجَرٍ الْعَفْوَ مُطْلَقًا، وَصَرَّحَ بِهِ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِهِ رحمه الله (قَوْلُهُ وَهُوَ قَوِيٌّ) أَيْ حَيْثُ كَانَ يَسِيرًا عُرْفًا كَمَا يَأْتِي عَنْ الشَّيْخِ فَلَا تَنَافِيَ (قَوْلُهُ: جَارٍ عَلَى الْغَالِبِ) هَذَا قَدْ يُخَالِفُ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ مِنْ أَنَّهُ كَانَ لَوْنُ دَمِ الْأَجْنَبِيِّ الْقَلِيلِ مُتَفَرِّقًا، وَلَوْ جُمِعَ لِكُثْرٍ عُفِيَ عَنْهُ عَلَى الرَّاجِحِ اهـ.

وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِحَمْلِ مَا هُنَا عَلَى غَيْرِ الدَّمِ، وَيُفَرَّقُ بِأَنَّ جِنْسَ الدَّمِ يُعْفَى عَنْ الْقَلِيلِ مِنْهُ فِي الْجُمْلَةِ وَلَا كَذَلِكَ نَحْوَ الْبَوْلِ (قَوْلُهُ: بِقَرِينَةِ تَعْلِيلِهِمْ) وَهُوَ قَوْلُهُ لِمَشَقَّةِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ (قَوْلُهُ: وَلَوْ رَأَى ذُبَابَةً عَلَى نَجَاسَةٍ إلَخْ) أَيْ رَطْبَةً يَعْلَقُ شَيْءٌ مِنْهَا بِالذُّبَابَةِ (قَوْلُهُ: إذَا قُلْنَا بِهِ) أَيْ بِالْعَفْوِ وَقَيَّدَ بَعْضُهُمْ الْعَفْوَ، بِمَا لَا يُدْرِكُهُ الطَّرَفُ.

1 -

[فَرْعٌ] لَوْ اغْتَرَفَ مِنْ دَنَّيْنِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا مَاءٌ قَلِيلٌ أَوْ مَاءٌ فِي إنَاءٍ وَاحِدٍ فَوُجِدَتْ فَأْرَةٌ مَيِّتَةٌ لَا يَدْرِي مِنْ أَيِّهِمَا هِيَ اجْتَهَدَ، فَإِنْ ظَنَّهَا مِنْ الْأَوَّلِ وَاتَّحَدَتْ الْمِغْرَفَةُ وَلَمْ تُغْسَلْ بَيْنَ الِاغْتِرَافَيْنِ حُكِمَ بِنَجَاسَتِهِمَا، وَإِنْ ظَنَّهَا مِنْ الثَّانِي أَوْ مِنْ الْأَوَّلِ وَاخْتَلَفَتْ الْمِغْرَفَةُ أَوْ اتَّحَدَتْ وَغُسِلَتْ بَيْنَ الِاغْتِرَافَيْنِ حُكِمَ بِنَجَاسَةِ مَا ظَنَّهَا فِيهِ اهـ خَطِيبٌ رحمه الله (قَوْلُهُ: وَهُوَ كَمَا قَالَ) أَيْ حَيْثُ كَثُرَ عُرْفًا كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا مَرَّ فِي قَوْلِهِ قَالَ الشَّيْخُ

وَالْأَوْجَهُ تَصْوِيرُهُ (قَوْلُهُ: وَزُنْبُورٌ)

ــ

[حاشية الرشيدي]

الْغَيْرُ نَحْوَ الثَّوْبِ كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ كَلَامُهُ، وَبِهِ صَرَّحَ الْجَلَالُ الْمَحَلِّيُّ كَغَيْرِهِ، لَكِنَّ الْجَلَالَ كَغَيْرِهِ اقْتَصَرَ عَلَى الْأَحْكَامِ الْعَامَّةِ لِجَمِيعِ ذَلِكَ، وَالشَّارِحُ لَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى ذَلِكَ بَلْ سَيَأْتِي لَهُ كَثِيرٌ مِمَّا هُوَ خَاصٌّ بِالْمَائِعِ كَمَا عَلَى مَنْفَذِ الْحَيَوَانِ، فَتَرْتِيبُهُ عَلَى هَذَا مُشْكِلٌ (قَوْلُهُ، وَهُوَ قَوِيٌّ) سَيَأْتِي تَقْيِيدُهُ فِي قَوْلِهِ وَقَيَّدَ بَعْضُهُمْ الْعَفْوَ إلَخْ (قَوْلُهُ: قَالَ الشَّيْخُ) أَيْ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ، فَإِنَّ مَا ذُكِرَ فِي أَوَّلِ السِّوَادَةِ إلَّا قَوْلَهُ كَنُقْطَةِ بَوْلٍ، وَقَوْلُهُ قَالَ الشَّيْخُ: عِبَارَةُ شَرْحِ الرَّوْضِ بِحُرُوفِهِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَهُ قَالَ الشَّيْخُ، وَالْأَوْجَهُ إلَخْ إنَّمَا هُوَ مُجَرَّدُ حِكَايَةِ اسْتِيجَاهِ الشَّيْخِ لِمَا يَأْتِي، وَلَيْسَ فِيهِ اعْتِمَادٌ لَهُ وَإِلَّا كَانَ يَقُولُ:، وَالْأَوْجَهُ كَمَا قَالَ الشَّيْخُ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ، فَلَا يُنَافِيهِ اعْتِمَادُهُ لِتَقْيِيدِ الْبَعْضِ الْآتِي فِي قَوْلِهِ وَقَيَّدَ بَعْضُهُمْ الْعَفْوَ إلَخْ، وَإِنْ أَشَارَ الشِّهَابُ ابْنُ قَاسِمٍ إلَى التَّنَافِي، وَقَوْلُ الشَّيْخِ، وَالْأَوْجَهُ تَصْوِيرُهُ: أَيْ تَصْوِيرُ أَصْلِ الْحُكْمِ الَّذِي قَالَ فِيهِ الْجِيلِيُّ صُورَتُهُ أَنْ يَقَعَ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ، فَهَذَا الِاسْتِيجَاهُ فِي مُقَابَلَةِ كَلَامِ الْجِيلِيِّ، وَقَوْلُهُ وَكَلَامُ الْأَصْحَابِ: أَيْ فِي أَصْلِ الْحُكْمِ بِنَاءً عَلَى مَا فَهِمَهُ عَنْهُمْ الْجِيلِيُّ مِنْ تَصْوِيرِهِ بِوُقُوعِ مَا ذُكِرَ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ، وَقَوْلُهُ بِقَرِينَةِ تَعْلِيلِهِمْ السَّابِقِ: أَيْ بِمَشَقَّةِ الِاحْتِرَازِ هَكَذَا أَفْهَمَ هَذَا الْمَقَامُ وَلَا تَغْتَرَّ بِمَا وَقَعَ فِيهِ مِمَّا يُخَالِفُ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: بِحَيْثُ لَمْ يَجْتَمِعْ مِنْهُ فِي دَفَعَاتِ مَا يُحَسُّ) لَفْظُ يُحَسُّ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ: أَيْ يُدْرَكُ بِالْحِسِّ وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْإِرْشَادِ

ص: 83

وَضَبَطَ فِي الْمَجْمُوعِ ذَلِكَ بِمَا يَكُونُ بِحَيْثُ لَوْ خَالَفَ لَوْنُهُ لَوْنَ الثَّوْبِ لَمْ يُرَ لِقِلَّتِهِ وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنْ يَسِيرَ الدَّمِ وَنَحْوِهِ مِمَّا لَا يُعْفَى عَنْ قَلِيلِهِ إذَا وَقَعَ عَلَى ثَوْبٍ أَحْمَرَ وَكَانَ بِحَيْثُ لَوْ قُدِّرَ أَنَّهُ أَبْيَضُ رُئِيَ لَمْ يُعْفَ عَنْهُ وَإِنْ لَمْ يُرَ عَلَى الْأَحْمَرِ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ رُؤْيَتِهِ اتِّحَادُ لَوْنِهِمَا، وَالْعِبْرَةُ بِكَوْنِهِ لَا يُرَى لِلْبَصَرِ الْمُعْتَدِلِ مَعَ عَدَمِ مَانِعٍ، فَلَوْ رَأَى قَوِيُّ النَّظَرِ مَا لَا يَرَاهُ غَيْرُهُ.

قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: فَالظَّاهِرُ الْعَفْوُ عَمَّا فِي سَمَاعِ نِدَاءِ الْجُمُعَةِ، نَعَمْ يَظْهَرُ فِيمَا لَا يُدْرِكُهُ الْبَصَرُ الْمُعْتَدِلُ فِي الظِّلِّ وَيُدْرِكُهُ بِوَاسِطَةِ الشَّمْسِ أَنَّهُ لَا أَثَرَ لِإِدْرَاكِهِ لَهُ بِوَاسِطَتِهَا لِكَوْنِهَا تَزِيدُ فِي التَّجَلِّي فَأَشْبَهَتْ رُؤْيَتُهُ حِينَئِذٍ رُؤْيَةَ حَدِيدِ الْبَصَرِ، وَشَمِلَ إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ مَا لَوْ كَانَ مِنْ مُغَلَّظَةٍ وَهُوَ كَذَلِكَ (قُلْت: ذَا الْقَوْلُ أَظْهَرُ) مِنْ مُقَابِلِهِ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) وَيَلْحَقُ بِمَا تَقَدَّمَ مَا فِي مَعْنَاهُ مِمَّا عَلَى مَنْفَذِ حَيَوَانٍ طَاهِرٍ غَيْرِ آدَمِيٍّ كَطَيْرٍ وَهِرَّةٍ وَمَا تُلْقِيهِ الْفِئْرَانُ فِي بُيُوتِ الْأَخْلِيَةِ مِنْ النَّجَاسَاتِ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَمَا يَقَعُ مِنْ بَعْرِ الشَّاةِ فِي اللَّبَنِ فِي حَالِ الْحَلْبِ مَعَ مَشَقَّةِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ الْعِمَادِ، فَلَوْ شَكَّ أَوَقَعَ فِي حَالِ الْحَلْبِ أَوْ لَا، فَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ يُنَجِّسُ إذَا شَرَطَ الْعَفْوَ لَمْ نَتَحَقَّقْهُ، وَكَوْنُ الْأَصْلِ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

هُوَ الْمَعْرُوفُ بِالدَّبُّورِ، وَفِي الْمُخْتَارِ الزُّنْبُورُ بِضَمِّ الزَّايِ الدَّبُّورُ تُؤَنَّثُ وَالْجَمْعُ الزَّنَابِيرُ اهـ م ر (قَوْلُهُ: وَضَبَطَ فِي الْمَجْمُوعِ ذَلِكَ) أَيْ النَّجَسَ الَّذِي لَا يُدْرِكُهُ الطَّرَفُ (قَوْلُهُ: بِحَيْثُ لَوْ خَالَفَ لَوْنَهُ) وَالْكَلَامُ فِيمَا فُرِضَ بِالْفِعْلِ وَخَالَفَ، أَمَّا لَوْ اتَّفَقَ أَنَّهُ لَمْ يُفْرَضْ أَصْلًا وَشَكَّ فِي كَوْنِهِ يُدْرِكُهُ الطَّرَفُ أَوْ لَا لَمْ يَضُرَّ لِلشَّكِّ فِي النَّجَاسَةِ بِهِ وَنَحْنُ لَا نُنَجِّسُ مَعَ الشَّكِّ (قَوْلُهُ مِمَّا لَا يُعْفَى عَنْ قَلِيلِهِ) أَيْ كَدَمِ الْمَنَافِذِ أَوْ دَمٍ اخْتَلَطَ بِغَيْرِهِ، فَلَا يُقَالُ يَسِيرُ الدَّمِ يُعْفَى عَنْهُ (قَوْلُهُ: مَا لَوْ كَانَ مِنْ مُغَلَّظَةٍ) خِلَافًا لِابْنِ حَجَرٍ (قَوْلُهُ: وَمَا تُلْقِيهِ الْفِئْرَانُ) هُوَ بِالْهَمْزِ كَمَا فِي الْقَامُوسِ (قَوْلُهُ: كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ حَيْثُ قِيلَ بِالْعَفْوِ عَنْهَا بَيْنَ الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا، لَكِنْ فِي ابْنِ قَاسِمٍ مَا نَصُّهُ: قِيلَ وَالتَّحْقِيقُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ الْحُكْمُ بِالتَّنْجِيسِ، وَلَكِنْ يُعْفَى عَنْهُ بِالنِّسْبَةِ لِلْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ اهـ.

وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ جَزْمٌ بِاعْتِمَادِهِ حَتَّى يُجْعَلَ مُخَالِفًا لِمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّارِحِ. وَعِبَارَةُ ابْنِ حَجَرٍ بَعْدَ ذِكْرِ مَسَائِلِ الْعَفْوِ وَشَرْطُ ذَلِكَ كُلِّهِ أَنْ لَا يُغَيِّرَ، وَأَنْ يَكُونَ مِنْ غَيْرِ مُغَلَّظٍ، وَأَنْ لَا يَكُونَ كَفِعْلِهِ فِيمَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ ذَلِكَ اهـ.

لَكِنْ تَقَدَّمَ لِلشَّارِحِ فِيمَا لَا يُدْرِكُهُ الطَّرَفُ التَّصْرِيحُ بِالْعَفْوِ عَنْهُ وَلَوْ مِنْ مُغَلَّظٍ، وَلْيُنْظَرْ حُكْمُ بَاقِي ذَلِكَ عِنْدَ الشَّارِحِ. وَنَقَلَ ابْنُ قَاسِمٍ عَنْهُ عَلَى مَنْهَجٍ فِي الدَّمِ وَالشَّعْرِ الْقَلِيلِ وَدُخَانِ النَّجَاسَةِ اشْتِرَاطَ كَوْنِهَا مِنْ غَيْرِ مُغَلَّظٍ (قَوْلُهُ: فِي حَالِ الْحَلْبِ) يُؤْخَذُ مِنْ جَعْلِ سَبَبِ الْعَفْوِ الْمَشَقَّةَ أَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ مَا لَوْ أَصَابَ الْحَالِبَ شَيْءٌ مِنْ بَوْلِهَا أَوْ رَوْثِهَا حَالَ حَلْبِهَا حَيْثُ شَقَّ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ وَقْتَ الْحَلْبِ، وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهِ جَرَتْ عَادَتُهُ بِالْحَلْبِ أَمْ لَا. وَقَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّهُ إنَّمَا عُفِيَ عَنْهُ فِي اللَّبَنِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ نَقُلْ بِهِ لَأَدَّى إلَى فَسَادِ اللَّبَنِ، وَقَدْ يَتَكَرَّرُ ذَلِكَ فِي الْمَحْلُوبَةِ فَيَفُوتُ الِانْتِفَاعُ بِلَبَنِهَا، بِخِلَافِ الْحَالِبِ فَإِنَّهُ يُمْكِنُهُ غَسْلُ مَا أَصَابَهُ مِنْ النَّجَاسَةِ، وَمِثْلُ ذَلِكَ فِي الْعَفْوِ أَيْضًا تَلْوِيثُ ضَرْعِ الدَّابَّةِ بِنَجَاسَةٍ تَتَمَرَّغُ فِيهَا أَوْ تُوضَعُ عَلَيْهِ لِمَنْعِ وَلَدِهَا مِنْ شُرْبِهَا؛ لِأَنَّ مَحَلَّ مَنْعِ التَّضَمُّخِ بِالنَّجَاسَةِ مَا لَمْ يَكُنْ لِحَاجَةٍ وَمَا هُنَا مِنْ ذَلِكَ، وَمِثْلُهُ فِي الْعَفْوِ مَا لَوْ وَضَعَ اللَّبَنَ فِي إنَاءٍ وَوَضَعَ الْإِنَاءَ فِي الرَّمَادِ أَوْ التَّنُّورِ لِتَسْخِينِهِ فَتَطَايَرَ مِنْهُ رَمَادٌ وَوَصَلَ لِمَا فِي الْإِنَاءِ لِمَشَقَّةِ الِاحْتِرَازِ

ــ

[حاشية الرشيدي]

لِلشِّهَابِ ابْنِ حَجَرٍ وَلَوْ كَانَ بِمَوَاضِعَ مُتَفَرِّقَةٍ وَلَوْ اجْتَمَعَ لَرُئِيَ لَمْ يُعْفَ عَنْهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُ انْتَهَتْ.

فَاسْتُفِيدَ مِنْهَا أَنْ يُحَسُّ بِالضَّبْطِ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ، وَأَنَّ الْبَعْضَ الْمُبْهَمَ فِي عِبَارَةِ الشَّارِحِ مِنْهُمْ الْغَزَالِيُّ، وَأَنَّ قَوْلَ الشَّارِحِ بِحَيْثُ يَجْتَمِعُ مِنْهُ فِي دَفَعَاتٍ فِيهِ مُسَاهَلَةٌ فِي التَّعْبِيرِ، وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الشَّارِحِ بَدَلُ يُحَسُّ يَنْجُسُ، وَهُوَ غَيْرُ صَوَابٍ كَمَا عُلِمَ، وَقَدْ يَتَوَقَّفُ فِي تَصْوِيرِ مَا ذُكِرَ عَلَى النُّسْخَةِ الْأُولَى مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ إذَا جَمَعَ مَا يُحَسُّ إلَى مَا لَا يُحَسُّ لَا بُدَّ وَأَنْ يُحَسَّ، فَيَرْجِعُ حَاصِلُ الْقَيْدِ إلَى عَدَمِ الْعَفْوِ عِنْدَ التَّعَدُّدِ مُطْلَقًا (قَوْلُهُ: مِمَّا لَا يُعْفَى عَنْهُ) تَقْيِيدٌ لِلدَّمِ وَنَحْوِهِ: أَيْ يَسِيرِ الدَّمِ وَنَحْوِهِ الْكَائِنِ

ص: 84

طَهَارَةُ مَا وَقَعَ فِيهِ يُعَارِضُهُ كَوْنُ الْأَصْلِ فِي الْوَاقِعِ أَنَّهُ يَنْجُسُ فَتَسَاقَطَا وَبَقِيَ الْعَمَلُ بِأَصْلِ عَدَمِ الْعَفْوِ، وَيُعْفَى عَمَّا يُمَاسُّهُ الْعَسَلُ مِنْ الْكِوَارَةِ الَّتِي تُجْعَلُ مِنْ رَوْثِ نَحْوِ الْبَقَرِ، وَعَنْ رَوْثِ نَحْوِ سَمَكٍ لَمْ يَضَعْهُ فِي الْمَاءِ عَبَثًا، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ كَلَامُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ وُقُوعِهِ فِي الْمَاءِ بِنَفْسِهِ وَبَيْنَ جَعْلِهِ فِيهِ، وَأَلْحَقَ الْأَذْرَعِيُّ بِمَا نَشْؤُهُ مِنْ الْمَاءِ، وَالزَّرْكَشِيُّ مَا لَوْ نَزَلَ طَائِرٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ طُيُورِ الْمَاءِ فِي مَاءٍ وَذَرَقَ فِيهِ أَوْ شَرِبَ مِنْهُ وَعَلَى فَمِهِ نَجَاسَةٌ وَلَمْ تَتَحَلَّلْ عَنْهُ لِتَعَذُّرِ الِاحْتِرَازِ عَنْ ذَلِكَ، وَيُعْفَى عَنْ قَلِيلِ دُخَانِ النَّجَاسَةِ فِي الْمَاءِ وَغَيْرِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْإِسْنَوِيُّ، وَنَقَلَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ عَنْ ابْنِ الصَّبَّاغِ وَاعْتَمَدَهُ أَنَّهُ يُعْفَى عَنْ جَرَّةِ الْبَعِيرِ فَلَا تُنَجِّسُ مَا شُرِبَ مِنْهُ، وَيُعْفَى عَمَّا تَطَايَرَ مِنْ رِيقِهِ الْمُتَنَجِّسِ وَيَلْحَقُ بِهِ فَمُ مَا يَجْتَرُّ إذَا الْتَقَمَ غَيْرَ ثَدْيِ أُمِّهِ وَفَمُ صَبِيٍّ تَنَجَّسَ لِمَشَقَّةِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ، لَا سِيَّمَا فِي حَقِّ الْمُخَالِطِ لَهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الصَّلَاحِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الْمَجْمُوعِ أَنَّهُ يُعْفَى عَمَّا تَحَقَّقَ إصَابَةُ بَوْلِ ثَوْرِ الدِّيَاسَةِ لَهُ بَلْ مَا نَحْنُ فِيهِ أَوْلَى.

وَأَلْحَقَ بَعْضُهُمْ بِذَلِكَ أَفْوَاهَ الْمَجَانِينِ وَجَزَمَ بِهِ الزَّرْكَشِيُّ، وَأَفْتَى جَمْعٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ بِالْعَفْوِ عَمَّا يَبْقَى فِي نَحْوِ الْكَرِشِ مِمَّا يَشُقُّ غَسْلُهُ وَتَنْقِيَتُهُ مِنْهُ. وَالضَّابِطُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ أَنَّ الْعَفْوَ مَنُوطٌ بِمَا يَشُقُّ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ غَالِبًا

(وَالْجَارِي كَرَاكِدٍ) فِي تَنَجُّسِهِ بِالْمُلَاقَاةِ وَفِيمَا يُسْتَثْنَى، لَكِنَّ الْعِبْرَةَ فِي الْجَارِي بِالْجَرْيَةِ نَفْسِهَا لَا مَجْمُوعِ الْمَاءِ، فَإِنَّ الْجَرْيَاتِ مُتَفَاصِلَةٌ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

عَنْ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: بِأَصْلِ عَدَمِ الْعَفْوِ) عِبَارَةُ ابْنِ قَاسِمٍ: وَانْظُرْ لَوْ شَكَّ هَلْ يُدْرِكُهُ الطَّرَفُ أَوْ أَنَّ الْمَيْتَةَ مِمَّا يَسِيلُ دَمُهُ وَيَتَّجِهُ الْعَفْوُ فِيهِمَا كَمَا وَافَقَ عَلَيْهِ م ر؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الطَّهَارَةُ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ النَّجَاسَةِ التَّنْجِيسُ. وَقَدْ قَالُوا فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ لَوْ شَكَكْنَا فِي كَثْرَةِ الدَّمِ لَمْ يَضُرَّ تَأَمَّلْ اهـ. اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بِأَنَّ الْبَعْرَةَ تَحَقَّقْنَا أَنَّهَا مِنْ الْمُنَجِّسِ، وَأَمَّا غَيْرُهَا فَلَمْ نَتَحَقَّقْ فِيهِ ذَلِكَ فَحَكَمْنَا فِي غَيْرِ الْعِبْرَةِ بِأَصْلِ الطَّهَارَةِ (قَوْلُهُ مِنْ الْكِوَارَةِ) قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: الْكِوَارُ وَالْكِوَارَةُ أَيْ بِكَسْرِ الْكَافِ وَالتَّخْفِيفُ فِيهِمَا شَيْءٌ كَالْقِرْطَالَةِ تُتَّخَذُ مِنْ قُضْبَانٍ ضَيِّقِ الرَّأْسِ لِلنَّحْلِ.

وَفِي الْمُغْرِبِ: الْكُوَّارَةُ بِالضَّمِّ وَالتَّشْدِيدِ مُعَسَّلُ النَّحْلِ إذَا سُوِيَ مِنْ الطِّينِ اهـ مُخْتَارٌ صِحَاحٌ (قَوْلُهُ: فِي الْمَاءِ عَبَثًا) وَمِنْ الْعَبَثِ مَا لَوْ وُضِعَ فِيهِ لِمُجَرَّدِ التَّفَرُّجِ عَلَيْهِ فِيمَا يَظْهَرُ، وَلَيْسَ مِنْ الْعَبَثِ مَا يَقَعُ كَثِيرًا مِنْ وَضْعِ السَّمَكِ فِي الْآبَارِ وَنَحْوِهَا، لَا كُلُّ مَا يَحْصُلُ فِيهَا مِنْ الْعَلَقِ وَنَحْوِهِ حِفْظًا لِمَائِهَا عَنْ الِاسْتِقْذَارِ (قَوْلُهُ: وَلَمْ تَتَحَلَّلْ عَنْهُ) مَفْهُومُهُ أَنَّهَا إذَا تَحَلَّلَتْ ضَرَّ، وَقِيَاسُ مَا تَقَدَّمَ فِيمَا تُلْقِيه الْفِئْرَانُ وَفِيمَا لَوْ وَقَعَتْ بَعْرَةٌ فِي اللَّبَنِ الْعَفْوِ لِلْمَشَقَّةِ (قَوْلُهُ دُخَانُ النَّجَاسَةِ) أَيْ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ وُصُولُهُ لِلْمَاءِ وَنَحْوُهُ بِفِعْلِهِ وَإِلَّا نَجُسَ، وَمِنْهُ الْبَخُورُ بِالنَّجَسِ أَوْ الْمُتَنَجِّسِ كَمَا يَأْتِي فَلَا يُعْفَى عَنْهُ وَإِنْ قَلَّ؛ لِأَنَّهُ بِفِعْلِهِ أَخْذًا مِمَّا مَرَّ فِيمَا لَوْ رَأَى ذُبَابَةً عَلَى نَجَاسَةٍ فَأَمْسَكَهَا حَتَّى أَلْصَقَهَا بِبَدَنِهِ أَوْ ثَوْبِهِ إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بِأَنَّ الْبَخُورَ مِمَّا تَمَسُّ الْحَاجَةُ إلَيْهِ فَيُغْتَفَرُ الْقَلِيلُ مِنْهُ وَلَا كَذَلِكَ الذُّبَابَةُ، وَمِنْ الْبَخُورِ أَيْضًا مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ مِنْ تَبْخِيرِ الْحَمَّامَاتِ (قَوْلُهُ: عَنْ جِرَّةِ الْبَعِيرِ) وَكَذَا غَيْرُهُ مِنْ كُلِّ مَا يُجْتَرُّ مِنْ الْحَيَوَانَاتِ اهـ ابْنُ حَجَرٍ بِالْمَعْنَى.

وَفِي الْمِصْبَاحِ: الْجِرَّةُ بِالْكَسْرِ لِذِي الْخُفِّ وَالظِّلْفُ كَالْمَعِدَةِ لِلْإِنْسَانِ. قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: الْجِرَّةِ بِالْكَسْرِ مَا تُخْرِجُهُ الْإِبِلُ مِنْ كُرُوشِهَا فَتَجْتَرُّهُ، وَالْجِرَّةُ فِي الْأَصْلِ الْمَعِدَةُ ثُمَّ تَوَسَّعُوا فِيهَا حَتَّى أَطْلَقُوهَا عَلَى مَا فِي الْمَعِدَةِ (قَوْلُهُ وَيُعْفَى عَمَّا تَطَايَرَ) أَيْ وَوَصَلَ لِثَوْبٍ أَوْ بَدَنٍ أَوْ غَيْرِهِمَا (قَوْلُهُ: غَيْرُ ثَدْيِ أُمِّهِ) وَكَذَا مَا تَطَايَرَ مِنْ رِيقِهِ (قَوْلُهُ: وَفَمُ صَبِيٍّ) أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِثَدْيِ أُمِّهِ وَغَيْرِهَا كَتَقْبِيلِهِ فِي فَمِهِ عَلَى وَجْهِ الشَّفَقَةِ مَعَ الرُّطُوبَةِ فَلَا يَلْزَمُ تَطْهِيرُ الْفَمِ كَذَا قَرَّرَهُ م ر ابْنُ قَاسِمٍ عَلَى ابْنِ حَجَرٍ (قَوْلُهُ عَمَّا تَحَقَّقَ) أَيْ وَإِنْ سَهُلَ غَسْلُهُ كَأَنْ شَاهَدَ أَثَرَ النَّجَاسَةِ عَلَى قَدْرٍ مُعَيَّنٍ كَكَفٍّ، وَمِثْلُ الْبَوْلِ الرَّوْثُ (قَوْلُهُ: بِمَا يَشُقُّ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ غَالِبًا) وَمِنْ ذَلِكَ مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ مِنْ وُقُوعِ نَجَاسَةٍ مِنْ الْفِئْرَانِ وَنَحْوِهَا فِي الْأَوَانِي الْمُعَدَّةِ لِلِاسْتِعْمَالِ فِي الْبُيُوتِ كَالْجِرَارِ وَالْأَبَارِيقِ

ــ

[حاشية الرشيدي]

ذَلِكَ مِمَّا لَا يُعْفَى عَنْهُ كَالْمُغَلَّظِ وَلَيْسَ بَيَانًا لَهُ؛ لِأَنَّ مِنْ شَأْنِ الدَّمِ الْعَفْوَ عَنْ يَسِيرِهِ (قَوْلُهُ: لَمْ يَضَعْهُ فِي الْمَاءِ عَبَثًا) أَيْ

ص: 85

حُكْمًا وَإِنَّ اتَّصَلَتْ فِي الْحِسِّ؛ لِأَنَّ كُلَّ جَرْيَةٍ طَالِبَةٌ لِمَا قَبْلَهَا هَارِبَةٌ عَمَّا بَعْدَهَا، فَإِذَا كَانَتْ الْجَرْيَةُ وَهِيَ الدَّفْعَةُ الَّتِي بَيْنَ حَافَّتَيْ النَّهْرِ فِي الْعَرْضِ دُونَ قُلَّتَيْنِ تَنَجَّسَتْ بِمُلَاقَاةِ النَّجَاسَةِ سَوَاءٌ أَتَغَيَّرَ أَمْ لَا لِمَفْهُومِ حَدِيثِ الْقُلَّتَيْنِ الْمَارِّ فَإِنَّهُ لَمْ يَفْصِلْ فِيهِ بَيْنَ الْجَارِي وَالرَّاكِدِ، وَيَكُونُ مَحَلُّ تِلْكَ الْجَرْيَةِ مِنْ النَّهْرِ نَجَسًا، وَيَطْهُرُ بِالْجَرْيَةِ بَعْدَهَا وَتَكُونُ فِي حُكْمِ غَسَّالَةِ النَّجَاسَةِ حَتَّى لَوْ كَانَتْ مُغَلَّظَةً فَلَا بُدَّ مِنْ سَبْعِ جِرْيَاتٍ عَلَيْهَا.

هَذَا فِي نَجَاسَةٍ تَجْرِي بِجَرْيِ الْمَاءِ، فَإِنْ كَانَتْ جَامِدَةً وَاقِفَةً فَذَلِكَ الْمَحَلُّ نَجَسٌ، وَكُلُّ جَرْيَةٍ تَمُرُّ بِهَا نَجِسَةٌ إلَى أَنْ يَجْتَمِعَ قُلَّتَانِ مِنْهُ فِي حَوْضٍ أَوْ مَوْضِعٍ مُتَرَادٍّ، وَيُلْغَزُ بِهِ فَيُقَالُ مَاءٌ أَلْفِ قُلَّةٍ غَيْرُ مُتَغَيِّرٍ وَهُوَ نَجَسٌ (وَفِي الْقَدِيمِ لَا يَنْجُسُ بِلَا تَغَيُّرٍ) لِقُوَّتِهِ بِوُرُودِهِ عَلَى النَّجَاسَةِ فَأَشْبَهَ الْمَاءَ الَّذِي يُطَهِّرُهَا بِهِ، وَعَلَيْهِ فَمُقْتَضَاهُ أَنْ يَكُونَ طَاهِرًا لَا طَهُورًا

(وَالْقُلَّتَانِ خَمْسُمِائَةِ رِطْلٍ بَغْدَادِيٍّ) نِسْبَةً إلَى

ــ

[حاشية الشبراملسي]

وَنَحْوِهِمَا، إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بِأَنَّ الْجِرَارَ وَنَحْوَهَا يُمْكِنُ حِفْظُ مَا فِيهَا بِتَغْطِيَتِهَا، وَلَا كَذَلِكَ حِيَاضُ الْأَخْلِيَةِ، وَمَعَ ذَلِكَ فَالْأَقْرَبُ عَدَمُ الْفَرْقِ لِلْمَشَقَّةِ، وَمِنْهُ أَيْضًا مَا يَقَعُ لِإِخْوَانِنَا الْمُجَاوِرِينَ مِنْ أَنَّ الْوَاحِدَ مِنْهُمْ يُرِيدُ الِاحْتِيَاطَ فَيَتَّخِذُ لَهُ إبْرِيقًا لِيَسْتَنْجِيَ مِنْهُ ثُمَّ يَجِدَ فِيهِ بَعْدَ فَرَاغِ الِاسْتِنْجَاءِ زِبْلَ فِئْرَانٍ لِلْمَشَقَّةِ أَيْضًا، وَمِنْهُ أَيْضًا زَرَقُ الطُّيُورِ فِي الطَّعَامِ لِلْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ

(قَوْلُهُ: وَهِيَ الدُّفْعَةُ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ: الدَّفْعَةُ أَيْ بِالْفَتْحِ الْمَرَّةُ، وَبِالضَّمِّ الدُّفْعَةُ مِنْ الْمَطَرِ اهـ بِحُرُوفِهِ، وَالْمُنَاسِبُ هُنَا الضَّمُّ (قَوْلُهُ: فَلَا بُدَّ مِنْ سَبْعِ جَرْيَاتٍ عَلَيْهَا) أَيْ وَمِنْ التَّتْرِيبِ أَيْضًا فِي غَيْرِ الْأَرْضِ التُّرَابِيَّةِ (قَوْلُهُ: فَإِنْ كَانَتْ جَامِدَةً وَاقِفَةً) هَلْ الْجَارِي مِنْ الْمَائِعِ كَالْمَاءِ حَتَّى لَا يَتَعَدَّى حُكْمَ كُلِّ جَرْيَةٍ لِغَيْرِهَا كَذَا بِخَطِّ شَيْخِنَا بِرّ، وَاعْتَمَدَ شَيْخُنَا طب أَنَّهُ مِثْلُهُ، وَإِلَّا لَزِمَ فِيمَا لَوْ نَزَلَ خَيْطٌ مَائِعٌ مِنْ عُلُوٍّ عَلَى أَرْضٍ نَجِسَةٍ نَجَاسَةَ جَمِيعِ مَا فِي الْعُلُوِّ مِنْ الْمَائِعِ الَّذِي نَزَلَ مِنْهُ الْخَيْطُ وَلَا يَجُوزُ الْقَوْلُ بِذَلِكَ، وَمَا قَالَهُ: أَيْ مِنْ أَنَّ الْمَائِعَ كَالْمَاءِ لَا مَحِيصَ عَنْهُ اهـ ابْنُ قَاسِمٍ عَلَى الْمَنْهَجِ رحمه الله.

ثُمَّ رَأَيْت فِي ابْنِ حَجَرٍ التَّصْرِيحَ بِأَنَّ الْجَارِيَ مَعَ الْمَائِعِ كَالرَّاكِدِ فَيَنْجُسُ جَمِيعُهُ بِمُلَاقَاةِ النَّجَاسَةِ لَا خُصُوصَ الْجِرْيَةِ الَّتِي بِهَا النَّجَاسَةُ، وَتَقَدَّمَ فِي الشَّارِحِ مَا يُوَافِقُهُ فِي قَوْلِهِ: وَمِثْلُ الْمَاءِ الْقَلِيلِ كُلُّ مَائِعٍ وَتَرَدَّدَ فِي مَسْأَلَةِ الْإِبْرِيقِ وَاسْتَقْرَبَ أَنَّ مَا فِي بَطْنِهِ لَا يَنْجُسُ، بَلْ وَمَا لَمْ يَتَّصِلْ بِالنَّجَاسَةِ مِنْ الْخَيْطِ النَّازِلِ، قَالَ: لِأَنَّ الْجَارِيَ مِنْ الْمَائِعِ كَالْجَارِي مِنْ الْمَاءِ، بَلْ؛ لِأَنَّ الِانْصِبَابَ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ يَمْنَعُ مِنْ الِاتِّصَالِ عُرْفًا، فَاقْتَضَى قَصْرَ النَّجَاسَةِ عَلَى الْمُلَاقِي لَهَا دُونَ غَيْرِهِ، وَاسْتُشْهِدَ لِذَلِكَ بِمَا نَقْلَهُ الْإِمَامُ عَنْ الْأَصْحَابِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ صَبَّ زَيْتًا مِنْ إنَاءٍ فِي آخَرَ بِهِ فَأْرَةٌ حَيْثُ قَالُوا لَا يَنْجُسُ مَا فِي هَذَا الثَّانِي مِمَّا لَمْ يُلَاقِ الْفَأْرَةَ وَبِكَلَامٍ نَقَلَهُ عَنْ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ فِيمَا لَوْ جُرِحَ فِي صَلَاتِهِ وَخَرَجَ مِنْهُ دَمٌ لَوَّثَ الْبَشَرَةَ تَلْوِيثًا قَلِيلًا حَيْثُ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ بِسَبَبِ الدَّمِ الْبَعِيدِ عَنْ الْبَشَرَةِ، وَأَطَالَ فِي بَيَانِ ذَلِكَ فَرَاجِعْهُ

(قَوْلُهُ: وَالْقُلَّتَانِ خَمْسُمِائَةِ رِطْلٍ بَغْدَادِيٍّ) وَمِقْدَارُهُمَا بِالْأَرْطَالِ الْمِصْرِيَّةِ أَرْبَعُمِائَةٍ وَسِتَّةٌ وَأَرْبَعُونَ رِطْلًا وَرُبْعُ رِطْلٍ وَسُدُسُ دِرْهَمٍ وَخَمْسَةُ أَسْبَاعِ دِرْهَمٍ، قَالَهُ ابْنُ الْمُلَقِّنِ فِي شَرْحِ الْحَاوِي رحمه الله. قَالَ ابْنُ عَلَّانَ: هُمَا بِالْوَزْنِ الْمِصْرِيِّ أَرْبَعُمِائَةِ رِطْلٍ وَسِتَّةٌ وَأَرْبَعُونَ رِطْلًا وَثَلَاثَةُ أَسْبَاعِ رِطْلٍ، وَبِالدِّمَشْقِيِّ مِائَةُ رِطْلٍ وَسَبْعَةُ أَرْطَالٍ وَسُبْعِ رِطْلٍ، وَبِالْمَقْدِسِيِّ ثَمَانُونَ رِطْلًا وَثُلُثُ رِطْلٍ وَرُبْعُ أُوقِيَّةٍ وَدِرْهَمَانِ وَثُلُثُ دِرْهَمٍ وَثُلُثُ سُبْعِ دِرْهَمٍ، وَبِالْأَمْنَانِ

ــ

[حاشية الرشيدي]

وَلَمْ يُغَيِّرْهُ كَمَا سَيَأْتِي لَهُ فِي بَابِ النَّجَاسَةِ

(قَوْلُهُ: وَيَطْهُرُ بِالْجَرْيَةِ بَعْدَهَا وَتَكُونُ فِي حُكْمِ غُسَالَةِ النَّجَاسَةِ) أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِ مَا تَجْرِي عَلَيْهِ مِنْ أَجْزَاءِ النَّهْرِ فَلَا يَصِحُّ بِهَا رَفْعُ حَدَثٍ وَلَا إزَالَةُ خَبَثٍ آخَرَ، أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِمَا تَجْرِي عَلَيْهِ مِنْ أَجْزَاءِ النَّهْرِ فَلَا مَا دَامَتْ وَارِدَةً كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، وَإِلَّا فَلَوْ حَكَمْنَا عَلَيْهَا بِالِاسْتِعْمَالِ مُطْلَقًا بِمُجَرَّدِ مُرُورِهَا عَلَى مَحَلِّ جَرْيَةِ النَّجَاسَةِ كُنَّا نَحْكُمُ عَلَيْهَا بِالنَّجَاسَةِ إذَا مَرَّتْ عَلَى مَحَلٍّ ثَانٍ مَرَّتْ عَلَيْهِ النَّجَاسَةُ، إذْ الْمُسْتَعْمَلُ لَا يَدْفَعُ النَّجَاسَةَ عَنْ نَفْسِهِ

ص: 86

بَغْدَادَ بِدَالَيْنِ مُهْمَلَتَيْنِ وَبِإِعْجَامِ الثَّانِيَةِ وَبِنُونٍ بَدَلَهَا وَبِمِيمٍ أَوَّلُهُ بَدَلَ الْبَاءِ مَدِينَةٌ مَشْهُورَةٌ، وَالرِّطْلُ بِكَسْرِ الرَّاءِ أَفْصَحُ مِنْ فَتْحِهَا لِخَبَرِ «إذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلْ خَبَثًا» وَفِي رِوَايَةٍ «فَإِنَّهُ لَا يَنْجُسُ» وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ لَمْ يَحْمِلْ خَبَثًا: أَيْ يَدْفَعُ النَّجَسَ وَلَا يَقْبَلُهُ، وَفِي رِوَايَةٍ «إذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ مِنْ قِلَالِ هَجَرَ» وَالْوَاحِدَةُ قَدَّرَهَا إمَامُنَا الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بِقِرْبَتَيْنِ وَنِصْفٍ أَخْذًا مِنْ ابْنِ جُرَيْجٍ الْقَائِلِ بِأَنَّهَا تَسَعُ قِرْبَتَيْنِ وَشَيْئًا: أَيْ مِنْ قِرَبِ الْحِجَازِ، وَوَاحِدَتُهَا لَا تَزِيدُ غَالِبًا عَلَى مِائَةِ رِطْلٍ بَغْدَادِيٍّ، وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي زَكَاةِ النَّابِتِ، فَاحْتَاطَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه فَحَسَبَ الشَّيْءَ نِصْفًا، إذْ لَوْ كَانَ فَوْقَهُ لَقَالَ تَسَعُ ثَلَاثَ قِرَبٍ إلَّا شَيْئًا عَلَى عَادَةِ الْعَرَبِ، فَتَكُونُ الْقُلَّتَانِ خَمْسَ قِرَبٍ وَالْمَجْمُوعُ خَمْسُمِائَةِ رِطْلٍ.

وَهَجَرُ بِفَتْحِ الْهَاءِ وَالْجِيمِ: قَرْيَةٌ بِقُرْبِ الْمَدِينَةِ الشَّرِيفَةِ، وَهُمَا ذِرَاعٌ وَرُبْعٌ طُولًا وَعَرْضًا وَعُمْقًا فِي الْمَوْضِعِ الْمُرَبَّعِ الْمُسْتَوِي الْأَبْعَادِ الثَّلَاثَةِ طُولًا وَعَرْضًا وَعُمْقًا بِذِرَاعِ الْآدَمِيِّ وَهُوَ شِبْرَانِ (تَقْرِيبًا فِي الْأَصَحِّ) قَدَّمَ تَقْرِيبًا لِيَشْمَلَهُ وَمَا قَبْلَهُ التَّصْحِيحُ فَلَا يَضُرُّ نَقْصُ رِطْلٍ أَوْ رِطْلَيْنِ، وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِ الرَّافِعِيِّ: إنَّهُ لَا يَضُرُّ نَقْصُ قَدْرٍ لَا يَظْهَرُ بِنَقْصِهِ تَفَاوُتٌ فِي التَّغْيِيرِ بِقَدْرٍ مُعَيَّنٍ مِنْ الْأَشْيَاءِ الْمُغَيَّرَةِ، كَأَنْ تَأْخُذَ إنَاءَيْنِ فِي وَاحِدٍ قُلَّتَانِ وَفِي الْآخَرِ دُونَهُمَا، ثُمَّ تَضَعُ فِي أَحَدِهِمَا قَدْرًا مِنْ الْمُغَيَّرِ وَتَضَعُ فِي الْآخَرِ قَدْرَهُ، فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ بَيْنَهُمَا تَفَاوُتٌ فِي التَّغْيِيرِ لَمْ يَضُرَّ ذَلِكَ وَإِلَّا ضُرَّ وَمُقَابِلُ مَا مَرَّ مَا قِيلَ إنَّهَا أَلْفُ رِطْلٍ، وَقِيلَ هُمَا سِتُّمِائَةِ رِطْلٍ، وَقِيلَ إنَّهُمَا تَحْدِيدٌ فَيَضُرُّ أَيُّ شَيْءٍ نَقَصَ (وَالتَّغَيُّرُ) الْمُؤَثِّرُ حِسًّا أَوْ تَقْدِيرًا (بِطَاهِرٍ أَوْ نَجَسٍ طَعْمٌ أَوْ لَوْنٌ أَوْ رِيحٌ) فَتَغَيُّرُ أَحَدِ الْأَوْصَافِ كَافٍ. أَمَّا فِي النَّجَسِ فَبِالْإِجْمَاعِ، وَأَمَّا فِي الطَّاهِرِ فَعَلَى الْمَذْهَبِ، وَاحْتُرِزَ بِالْمُؤَثِّرِ عَنْ التَّغَيُّرِ بِجِيفَةٍ عَلَى الشَّطِّ.

وَلَمَّا كَانَ قَدْ يَعْرِضُ اشْتِبَاهٌ بَيْنَ الْمَاءِ الطَّهُورِ وَغَيْرِهِ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ كَغَيْرِهِ حُكْمَ الِاجْتِهَادِ فَقَالَ (وَلَوْ)(اشْتَبَهَ) عَلَى

ــ

[حاشية الشبراملسي]

مِائَتَا مَنٍّ وَخَمْسُونَ مَنًّا؛ لِأَنَّ الْمَنَّ رِطْلَانِ (قَوْلُهُ: وَبِمِيمٍ أَوَّلُهُ) أَيْ مَعَ النُّونِ فَقَطْ كَمَا فِي الْقَامُوسِ، وَعِبَارَتُهُ بَغْدَادَ بِمُهْمَلَتَيْنِ وَمُعْجَمَتَيْنِ وَتَقْدِيمُ كُلٍّ مِنْهُمَا، وَبَغْدَانُ وَبَغْدَيْنُ وَمَغْدَانُ مَدِينَةُ السَّلَامِ، وَتَبَغْدَدَ إذَا انْتَسَبَ إلَيْهَا أَوْ تَشَبَّهَ بِأَهْلِهَا اهـ (قَوْلُهُ: عَلَى مِائَةِ رِطْلٍ بَغْدَادِيٍّ) قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَحِينَئِذٍ فَانْتِصَارُ ابْنِ دَقِيقِ الْعِيدِ لِمَنْ لَمْ يَعْمَلْ بِخَبَرِ الْقُلَّتَيْنِ مُحْتَجًّا بِأَنَّهُ مُبْهَمٌ لَمْ يُبَيَّنْ عَجِيبٌ، إذْ لَا وَجْهَ لِلْمُنَازَعَةِ فِي شَيْءٍ مِمَّا ذُكِرَ وَإِنْ سُلِّمَ ضَعْفُ زِيَادَةٍ مِنْ قِلَالِ هَجْرٍ؛ لِأَنَّهُ إذَا اُكْتُفِيَ بِالضَّعِيفِ فِي الْفَضَائِلِ وَالْمَنَاقِبِ فَالْبَيَانُ كَذَلِكَ، بَلْ أَبُو حَنِيفَةَ يَحْتَجُّ بِهِ مُطْلَقًا.

وَأَمَّا اعْتِمَادُ الشَّافِعِيِّ لَهُمَا فَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إمَّا لِهَذَا أَوْ لِثُبُوتِهَا عِنْدَهُ اهـ (قَوْلُهُ فِي الْمَوْضِعِ الْمُرَبَّعِ) أَمَّا فِي الْمُدَوَّرِ فَذِرَاعٌ عَرْضًا وَذِرَاعَانِ عُمْقًا بِذِرَاعِ النَّجَّارِ فِي الْعُمْقِ وَذِرَاعِ الْآدَمِيِّ فِي الْعَرْضِ (قَوْلُهُ: أَوْ رِطْلَيْنِ) لَا يُقَالُ هَذَا يَرْجِعُ إلَى التَّحْدِيدِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: هُوَ تَحْدِيدٌ غَيْرُ التَّحْدِيدِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ اهـ ابْنُ قَاسِمٍ عَلَى مَنْهَجٍ رحمه الله

(قَوْلُهُ: حُكْمَ الِاجْتِهَادِ) لَمْ يَقُلْ بَيْنَ الْمَاءَيْنِ مَعَ أَنَّهُ الْوَاقِعُ هُنَا إشَارَةً إلَى أَنَّ الِاجْتِهَادَ لَا يَخْتَصُّ بِالْمَاءَيْنِ بَلْ كَمَا يَكُونُ فِيهِمَا يَكُونُ فِي غَيْرِهِمَا كَالثِّيَابِ وَالْأَوَانِي وَالتُّرَابِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ اشْتَبَهَ إلَخْ) فِي شَرْحِ الْعُبَابِ لَوْ حَصَلَ لَهُ رَشَاشٌ مِنْ أَحَدِ الْإِنَاءَيْنِ لَمْ يَنْجُسْ ثَوْبُهُ لِلشَّكِّ، كَمَا لَوْ أَصَابَهُ بَعْضُ ثَوْبٍ تَنَجَّسَ بَعْضُهُ وَاشْتَبَهَ وَفَارَقَ بُطْلَانَ الصَّلَاةِ بِلَمْسِ بَعْضِهِ بِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِيهَا ظَنُّ الطَّهَارَةِ وَهُوَ مُنْتَفٍ هُنَا، وَلَوْ اجْتَهَدَ وَظَنَّ نَجَاسَةَ مَا أَصَابَهُ الرَّشَاشُ مِنْهُ فَكَذَلِكَ: أَيْ لَمْ يَنْجُسْ عَلَى الْأَوْجَهِ؛ لِأَنَّ النَّجَاسَةَ لَا تَثْبُتُ بِغَلَبَةِ الظَّنِّ، وَإِنَّمَا امْتَنَعَ اسْتِعْمَالُ مَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ نَجَاسَتَهُ؛ لِأَنَّهُ إنْ اسْتَعْمَلَهُ فِي حَدَثٍ لَمْ يُمْكِنْ الْجَزْمُ بِالنِّيَّةِ أَوْ فِي خَبَثٍ فَهُوَ مُحَقَّقٌ فَلَا يَزُولُ بِمَشْكُوكٍ فِيهِ إلَخْ اهـ ابْنُ قَاسِمٍ عَلَى ابْنِ حَجَرٍ، ثُمَّ تَعَقَّبَ قَوْلَهُ وَهُوَ مُنْتَفٍ وَأَطَالَ فِيهِ

ــ

[حاشية الرشيدي]

وَكَانَ مَا بَعْدَهَا يُطَهِّرُ مَحَلَّهَا، وَيَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا، فَإِذَا انْتَقَلَ إلَى مَحَلٍّ آخَرَ تَنَجَّسَ وَهَكَذَا فَتَدَبَّرْ

(قَوْلُهُ: وَبِمِيمٍ أَوَّلِهِ) أَيْ مَعَ النُّونِ فَقَطْ كَمَا فِي الْقَامُوسِ (قَوْلُهُ: بِأَنَّهَا تَسَع) فِي الْعِبَارَةِ تَسَاهُلٌ وَإِلَّا فَلَيْسَ فِي الْكَلَامِ مُتَعَلِّقٌ لِهَذَا الظَّرْفِ

ص: 87

شَخْصٍ أَهْلٍ لِلِاجْتِهَادِ وَلَوْ صَبِيًّا مُمَيِّزًا فِيمَا يَظْهَرُ (مَاءٌ طَاهِرٌ) أَيْ طَهُورٌ (بِنَجَسٍ) أَيْ بِمَاءٍ نَجَسٍ، أَوْ تُرَابٌ طَاهِرُ بِضِدِّهِ، أَوْ مَاءٌ أَوْ تُرَابٌ مُسْتَعْمَلٌ بِطَهُورٍ، أَوْ شَاتُه بِشَاةِ غَيْرِهِ أَوْ ثَوْبُهُ بِثَوْبِ غَيْرِهِ أَوْ طَعَامُهُ بِطَعَامِ غَيْرِهِ، وَاقْتَصَرَ عَلَى الْمَاءِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيهِ، وَسَكَتَ عَنْ الثِّيَابِ وَنَحْوِهَا اكْتِفَاءً بِمَا سَيَذْكُرُهُ فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ (اجْتَهَدَ) أَيْ بَذَلَ جُهْدَهُ فِي ذَلِكَ وَإِنَّ قَلَّ عَدَدُ الطَّاهِرِ كَإِنَاءٍ مِنْ مِائَةٍ؛ لِأَنَّ التَّطَهُّرَ شَرْطٌ مِنْ شُرُوطِ الصَّلَاةِ يُمْكِنُ التَّوَصُّلُ إلَيْهِ بِالِاجْتِهَادِ فَوَجَبَ عِنْدَ الِاشْتِبَاهِ كَالْقِبْلَةِ لِكُلِّ صَلَاةٍ أَرَادَهَا بَعْدَ حَدَثِهِ وُجُوبًا إنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى طَهُورٍ بِيَقِينٍ مُوَسَّعًا إنْ اتَّسَعَ الْوَقْتُ وَمُضَيَّقًا إنْ ضَاقَ وَجَوَازًا إنْ قَدَرَ عَلَى طَهُورٍ بِيَقِينٍ، كَأَنْ كَانَ عَلَى شَطِّ نَهْرٍ أَوْ بَلَغَ الْمَاءَانِ الْمُشْتَبَهَانِ قُلَّتَيْنِ بِخَلْطِهِمَا بِلَا تَغَيُّرٍ، إذْ الْعُدُولُ إلَى الْمَظْنُونِ مَعَ وُجُودِ الْمُتَيَقَّنِ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ بَعْضَ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم كَانَ يَسْمَعُ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

فَرَاجِعْهُ، وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ حَجَرٍ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ الْمَيْلُ إلَى تَبَيُّنِ النَّجَاسَةِ بَعْدَ الِاجْتِهَادِ. وَنَقَلَ ابْنُ قَاسِمٍ عَلَى مَنْهَجٍ عَنْ م ر اعْتِمَادَ عَدَمِ وُجُوبِ الْغَسْلِ اهـ، وَقَدْ يُتَوَقَّفُ فِيهِ؛ لِأَنَّ الظَّنَّ النَّاشِئَ عَنْ الِاجْتِهَادِ يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الْيَقِينِ، فَالْقِيَاسُ وُجُوبُ الْغَسْلِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ صَبِيًّا مُمَيِّزًا) قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَا يُعْتَدُّ فِيهَا بِالنِّسْبَةِ لِنَحْوِ الْمِلْكِ بِاجْتِهَادٍ غَيْرِ الْمُكَلَّفِ اهـ.

وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الرُّشْدُ فَيَصِحُّ الِاجْتِهَادُ فِيهِ مِنْ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ، وَقَدْ يُمْنَعُ؛ لِأَنَّ السَّفِيهَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ التَّمَلُّكِ فَهُوَ كَالصَّبِيِّ، وَعَلَيْهِ فَلَوْ اجْتَهَدَ مُكَلِّفَانِ فِي ثَوْبَيْنِ وَاتَّفَقَا فِي اجْتِهَادِهِمَا عَلَى وَاحِدٍ فَيَنْبَغِي أَنَّهُ إذَا كَانَ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا صُدِّقَ صَاحِبُ الْيَدِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي يَدِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وُقِفَ الْأَمْرُ إلَى اصْطِلَاحِهِمَا عَلَى شَيْءٍ، وَإِنْ كَانَ فِي أَيْدِيهِمَا جُعِلَ مُشْتَرَكًا، ثُمَّ إذَا صَدَّقْنَا صَاحِبَ الْيَدِ سَلِمَتْ الثَّوْبُ لَهُ وَتَبْقَى الْأُخْرَى تَحْتَ يَدِهِ إلَى أَنْ يَرْجِعَ الْآخَرُ وَيُصَدِّقُهُ فِي أَنَّهَا لَهُ كَمَنْ أَقَرَّ بِشَيْءٍ لِمَنْ يُنْكِرُهُ. وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْبَهْجَةِ: فَإِنْ تَنَازَعَ ذُو الْيَدِ مَعَ غَيْرِهِ قُدِّمَ ذُو الْيَدِ اهـ.

وَكَتَبَ عَلَيْهِ سم وَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَوْ ظَنَّ أَنَّ مِلْكَهُ هُوَ مَا فِي يَدِ غَيْرِهِ وَجَبَ اجْتِنَابُ مَا عَدَاهُ إلَّا بِمُسَوِّغِهِ، وَهَلْ لَهُ حِينَئِذٍ أَخْذُ مَا فِي يَدِ غَيْرِهِ أَوْ مَا فِي يَدِهِ عَلَى وَجْهِ الظَّفَرِ بِهِ فِيهِ نَظَرٌ اهـ.

أَقُولُ: الْأَقْرَبُ أَنَّهُ يَأْخُذُ مَا فِي يَدِهِ وَيَتَصَرَّفُ فِيهِ عَلَى وَجْهِ الظَّفَرِ لِمَنْعِهِ مِنْ وُصُولِهِ إلَى حَقِّهِ بِظَنِّهِ بِسَبَبِ مَنْعِ الثَّانِي مِنْهُ، وَقَوْلُهُ أَيْضًا وَلَوْ صَبِيًّا: أَيْ أَوْ مَجْنُونًا أَفَاقَ وَمَيَّزَ تَمْيِيزًا قَوِيًّا بِحَيْثُ لَمْ يَبْقَ فِيهِ حِدَةُ تُغَيِّرُ أَخْلَاقَهُ وَتَمْنَعُ مِنْ حُسْنِ تَصَرُّفِهِ (قَوْلُهُ: أَيْ طَهُورٌ) إنَّمَا فَسَّرَ بِذَلِكَ لِقَوْلِهِ وَتَطْهُرُ بِمَا ظَنَّ طَهَارَتَهُ، وَيَأْتِي مِثْلُهُ فِي قَوْلِهِ: أَيْ بِمَاءِ نَجَسٍ (قَوْلُهُ: أَوْ تُرَابٍ طَاهِرٍ) أَيْ طَهُورٍ (قَوْلُهُ: بِضِدِّهِ) أَيْ وَهُوَ النَّجَسُ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ أَوْ تُرَابٍ مُسْتَعْمَلٍ بِطَهُورٍ (قَوْلُهُ وَإِنْ قَلَّ عَدَدُ الطَّاهِرِ) أَيْ حَيْثُ كَانَ الِاشْتِبَاهُ فِي مَحْصُورٍ (قَوْلُهُ: وُجُوبًا) مَعْمُولٌ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ اجْتَهَدَ (قَوْلُهُ: إذْ الْعُدُولُ إلَى الْمَظْنُونِ) عِلَّةٌ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ اجْتَهَدَ،

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلُهُ: أَيْ طَهُورٌ) أَيْ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ الْآتِي وَتَطْهُرُ بِمَا ظَنَّ طَهَارَتَهُ (قَوْلُهُ: أَيْ بِمَاءٍ نَجِسٍ) أَيْ لِيَخْرُجَ نَحْوُ الْبَوْلِ الَّذِي يَشْمَلُهُ تَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ (قَوْلُهُ: وَتُرَابٌ طَاهِرٌ) إنْ أَرَادَ الطَّاهِرَ بِالْمَعْنَى الشَّامِلِ لِلْمُسْتَعْمَلِ فَلَكَ أَنْ تَقُولَ: مَا فَائِدَةُ الِاجْتِهَادِ بَيْنَ الْمُسْتَعْمَلِ وَالنَّجِسِ مِنْ التُّرَابِ، وَإِنْ أَرَادَ بِهِ الطَّهُورَ فَلَا حَاجَةَ إلَى قَوْلِهِ بَعْدُ أَوْ تُرَابٌ مُسْتَعْمَلٌ بِطَهُورٍ،؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْمُسْتَعْمَلِ وَالنَّجِسِ ضِدٌّ لِلطَّهُورِ (قَوْلُهُ: وَاقْتَصَرَ عَلَى الْمَاءِ) أَيْ وَلَمْ يَذْكُرْ مَعَهُ التُّرَابَ مَعَ اشْتِرَاكِهِ مَعَهُ فِي الطَّهُورِيَّةِ فَلَيْسَ مُكَرَّرًا مَعَ قَوْلِهِ وَسَكَتَ عَنْ الثِّيَابِ إلَخْ (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ التَّطْهِيرَ شَرْطٌ إلَخْ) تَعْلِيلٌ لِخُصُوصِ مَا فِي الْمَتْنِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي زَادَهَا هُوَ (قَوْلُهُ: فَوَجَبَ عِنْدَ الِاشْتِبَاهِ) إطْلَاقُ الْوُجُوبِ هُنَا يُنَافِيهِ مَا يَأْتِي عَقِبَهُ مِنْ الْجَوَازِ (قَوْلُهُ: وُجُوبًا) إنْ كَانَ مَعْمُولًا لِوَجَبَ لَزِمَ عَلَيْهِ تَقْسِيمُ الشَّيْءِ إلَى نَفْسِهِ وَإِلَى غَيْرِهِ،؛ لِأَنَّهُ قَسَّمَ الْوُجُوبَ إلَى وُجُوبٍ وَجَوَازٍ كَمَا سَيَأْتِي، وَأَوْهَمَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ وَلَا يَجُوزُ الِاجْتِهَادُ إلَّا فِي الْوَقْتِ، وَإِنْ كَانَ مَعْمُولًا لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ اجْتَهَدَ لَزِمَ عَلَيْهِ الثَّانِي.

وَعِبَارَةُ الْعُبَابِ: الِاجْتِهَادُ فِي الْمَاءِ وَاجِبٌ إنْ اشْتَبَهَ مُطْلَقٌ بِمُسْتَعْمَلٍ أَوْ بِمُتَنَجِّسٍ

ص: 88

مِنْ بَعْضٍ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى الْمُتَيَقِّنِ، وَهُوَ سَمَاعُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَفَارَقَ الْقَادِرُ عَلَى الْيَقِينِ فِي الْقِبْلَةِ مِنْ وُجُوهٍ أَحْسَنُهَا كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ أَنَّ الْقِبْلَةَ فِي جِهَةٍ وَاحِدَةٍ فَإِذَا قَدَرَ عَلَيْهَا كَانَ طَلَبُهُ لَهَا فِي غَيْرِهِ عَبَثًا بِخِلَافِ الْمَاءِ الطَّهُورِ فَإِنَّهُ فِي جِهَاتٍ كَثِيرَةٍ، وَمَا تَقَرَّرَ مِنْ وُجُوبِ الِاجْتِهَادِ تَارَةً وَجَوَازُهُ أُخْرَى هُوَ مَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ.

وَأَمَّا قَوْلُ الْعَلَّامَةِ الْعِرَاقِيِّ: إنَّهُ وَاجِبٌ مُطْلَقًا وَوُجُودُ مُتَيَقَّنٍ لَا يَمْنَعُ وُجُوبَهُ: أَيْ الِاجْتِهَادِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ خِصَالِ الْمُخَيَّرِ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ وَاجِبٌ، فَيُرَدُّ بِأَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ مَا هُنَا وَخِصَالِ الْوَاجِبِ الْمُخَيَّرِ وَاضِحٌ، وَهُوَ أَنَّهُ خُوطِبَ لِكُلٍّ مِنْهَا لُزُومًا لَكِنْ عَلَى وَجْهِ الْبَدَلِ، فَصَدَقَ عَلَى كُلٍّ أَنَّهُ وَاجِبٌ.

وَأَمَّا هُنَا فَلَمْ يُخَاطِبْهُ بِتَحْصِيلِ الطَّهُورِ أَوْ الطَّاهِرِ إلَّا عِنْدَ فَقْدِهِ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ.

وَأَمَّا قَبْلَهُ أَوْ مَعَ وُجُودِ ذَلِكَ فَلَيْسَ بِمُخَاطَبٍ بِالتَّحْصِيلِ، إذْ لَا مَعْنَى لِوُجُوبِهِ قَبْلَ الْوَقْتِ، وَيُمْكِنُ تَوْجِيهُ كَلَامِهِ بِأَنَّهُ وَاجِبٌ عِنْدَ إرَادَةِ اسْتِعْمَالِ أَحَدِ الْمُشْتَبِهَيْنِ، إذْ اسْتِعْمَالُ أَحَدِهِمَا

ــ

[حاشية الشبراملسي]

وَأَوْلَى مِنْهُ كَوْنُهُ عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ وَجَوَازًا إلَخْ (قَوْلُهُ: وَهُوَ سَمَاعُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم) قَالَ ابْنُ حَجَرٍ بَعْدَ مَا ذُكِرَ: وَمَعَ هَذَا الْمُقْتَضِي لِشُذُوذِ هَذَا الْوَجْهِ لَا يَبْعُدُ نَدْبُ رِعَايَتِهِ، ثُمَّ رَأَيْته مُصَرَّحًا بِهِ انْتَهَى بِحُرُوفِهِ. لَكِنَّهُ إنَّمَا ذَكَرَهُ بَعْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَقِيلَ إنْ قَدَرَ عَلَى طَاهِرٍ إلَخْ، وَشَمِلَ هَذَا مَا إذَا بَلَغَ الْمَاءَانِ الْمُشْتَبِهَانِ قُلَّتَيْنِ بِخَلْطِهِمَا بِلَا تَغَيُّرٍ، إلَّا أَنَّهُ تَقَدَّمَ فِي الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ إذَا بَلَغَ قُلَّتَيْنِ وَجْهٌ بِعَدَمِ عَوْدِ الطَّهُورِيَّةِ نَظَرًا إلَى أَنَّ صِفَةَ الِاسْتِعْمَالِ بَاقِيَةٌ وَلَمْ تَنْدَفِعْ بِالْكَثْرَةِ وَحِينَئِذٍ لَمْ يُنْفَ الْخِلَافُ بِالْخَلْطِ، فَهَلْ الْأَوْلَى مُرَاعَاةُ هَذَا فَيُتْرَكُ الْخَلْطُ وَيُصَارُ إلَى الِاجْتِهَادِ أَوْ لَا؟ كُلٌّ مُحْتَمَلٌ، وَالْأَقْرَبُ اسْتِحْبَابُ الْخَلْطِ لِزِيَادَةِ ضَعْفِ الْقَوْلِ، بِعَدَمِ عَوْدِ الطَّهُورِيَّةِ بَعْدَ بُلُوغِ الْمُسْتَعْمَلِ قُلَّتَيْنِ.

(قَوْلُهُ: عَبَثًا) قَدْ يُقَالُ لَمْ يَطْلُبْ غَيْرَ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ الِاشْتِبَاهُ، وَهُوَ إنَّمَا طَلَبَ الْقِبْلَةَ لَا غَيْرَهَا، إلَّا أَنْ يُقَالَ اجْتِهَادُهُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْيَقِينِ فِي حُكْمِ طَلَبِ غَيْرِهَا، فَإِنَّ عُدُولَهُ عَنْ الْمُتَيَقَّنِ إلَى الِاجْتِهَادِ قَدْ يُؤَدِّي إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ فَكَأَنَّهُ طَلَبَهُ (قَوْلُهُ: إنَّهُ وَاجِبٌ مُطْلَقًا) أَيْ قَدَرَ عَلَى طَاهِرٍ أَمْ لَا (قَوْلُهُ: فَيَرِدُ بِأَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ مَا هُنَا) عِبَارَةُ ابْنِ حَجَرٍ لَيْسَ فِي مَحَلِّهِ؛ لِأَنَّ مَا هُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ، إذْ خِصَالُ الْمُخَيَّرِ انْحَصَرَتْ بِالنَّصِّ وَهِيَ مَقْصُودَةٌ لِذَاتِهَا، وَالِاجْتِهَادُ وَسِيلَةٌ لِلْعِلْمِ بِالطَّاهِرِ إلَخْ اهـ رحمه الله. وَكَتَبَ عَلَيْهِ سم قَوْلُهُ لَيْسَ إلَخْ بَلْ هُوَ وَاَللَّهِ فِي مَحَلِّهِ اهـ.

أَقُولُ: وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ الِانْحِصَارَ بِالنَّصِّ وَكَوْنَهُ مَقْصُودًا مِمَّا لَا دَخْلَ لَهُ فِي الْوُجُوبِ، بَلْ سَبَبُ الْوُجُوبِ أَنَّ كُلًّا مِنْ خِصَالِ الْكَفَّارَةِ يُوجَدُ فِيهِ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ وَهُوَ أَحَدُهَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ أَحَدُهَا وَالْخُرُوجُ مِنْ الْعُهْدَةِ بِوَاحِدٍ مِنْهَا بِعَيْنِهِ، وَكَوْنُهُ وَاجِبًا لَا مِنْ حَيْثُ خُصُوصُهُ بَلْ مِنْ حَيْثُ وُجُودُ الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ فِيهِ، فَأَيُّ دَخْلٍ لِلِانْحِصَارِ وَالْقَصْدِ فِي الْوُجُوبِ حَتَّى يَنْتَفِيَ الْوُجُوبُ بِانْتِفَائِهِمَا؟ (قَوْلُهُ وَهُوَ أَنَّهُ خُوطِبَ) أَيْ فِي خِصَالِ الْوَاجِبِ الْمُخَيَّرِ (قَوْلُهُ: بِكُلٍّ مِنْهَا لُزُومًا) أَيْ فِي ضِمْنِ الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ، حَتَّى إنَّهُ إذَا فَعَلَ وَاحِدًا مِنْهَا كَانَ وَاجِبًا مِنْ حَيْثُ وُجُودُ الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ فِي ضِمْنِهِ لَا مِنْ حَيْثُ خُصُوصُهُ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا قَبْلَهُ) أَيْ دُخُولِ الْوَقْتِ (قَوْلُهُ أَوْ مَعَ وُجُودِ ذَلِكَ) أَيْ الْعَقْدِ (قَوْلُهُ: إذْ لَا مَعْنَى لِوُجُوبِهِ) أَيْ وَلَا لِتَحْصِيلِ مَا هُوَ حَاصِلٌ مَعَهُ (قَوْلُهُ: وَيُمْكِنُ تَوْجِيهُ كَلَامِهِ إلَخْ) تَصْوِيرُهُ بِمَا ذُكِرَ يُنَافِي مَا أَرَادَهُ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ مِنْ أَنَّهُ وَاجِبٌ مُخَيَّرٌ،

ــ

[حاشية الرشيدي]

إذَا دَخَلَ الْوَقْتُ وَلَمْ يَجِدْ غَيْرَهُمَا، وَتَضَيَّقَ إنْ ضَاقَ وَإِلَّا فَجَائِزٌ انْتَهَتْ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا قَوْلُ الْعَلَّامَةِ الْعِرَاقِيِّ إنَّهُ وَاجِبٌ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ أَوُجِدَ مُتَيَقِّنُ الطَّهَارَةِ أَوْ لَا بِدَلِيلِ قَوْلِهِ وَوُجُودُ مُتَيَقِّنٍ لَا يَمْنَعُ وُجُوبَهُ: أَيْ وَالصُّورَةُ أَنَّهُ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ، وَإِلَّا فَالْعِرَاقِيُّ لَا يَسَعُهُ الْقَوْلُ بِالْوُجُوبِ قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ، وَإِنْ فُهِمَ عَنْ الشَّارِحِ أَنَّهُ أَرَادَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ مُطْلَقًا حَتَّى رَتَّبَ عَلَيْهِ مَا يَأْتِي.

إذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَلَا مَحِيدَ عَمَّا قَالَهُ الْعِرَاقِيُّ، وَمَا قَالَهُ الشَّارِحُ لَا يُلَاقِيهِ عَلَى مَا فِيهِ مِنْ الْمُؤَاخَذَاتِ الْمَعْلُومَةِ لِمَنْ تَأَمَّلَهُ فَلَا نُطِيلُ بِبَيَانِهَا (قَوْلُهُ: مُخَاطَبٌ بِكُلٍّ مِنْهَا لُزُومًا) فِيهِ أَنَّ الْمُخَاطَبَ بِهِ فِي الْكَفَّارَةِ الْمُخَيِّرَةِ إنَّمَا هُوَ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ الْحَاصِلُ فِي فَرْدٍ مَا لَا كُلِّ فَرْدٍ وَفِي حَاشِيَةِ شَيْخِنَا الْجَوَابُ عَنْهُ بِمَا لَا يَشْفِي (قَوْلُهُ: وَأَمَّا هُنَا)

ص: 89

قَبْلَهُ غَيْرُ جَائِزٍ لِبُطْلَانِ طَهَارَتِهِ فَيَكُونُ مُتَلَبِّسًا بِعِبَادَةٍ فَاسِدَةٍ، وَحِينَئِذٍ فَلَا تَنَافِيَ بَيْنَ مَنْ عَبَّرَ بِالْجَوَازِ وَالْوُجُوبِ؛ لِأَنَّ الْجَوَازَ مِنْ حَيْثُ إنَّ لَهُ الْإِعْرَاضَ عَنْهُمَا، وَالْوُجُوبُ مِنْ حَيْثُ قَصْدُهُ إرَادَةَ اسْتِعْمَالِ أَحَدِهِمَا. لَا يُقَالُ لَابِسُ الْخُفِّ الْأَفْضَلُ فِي حَقِّهِ الْغَسْلُ مَعَ أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ فَلِمَ لَمْ يَقُلْ بِهِ هُنَا؟ لِأَنَّا نَقُولُ: لَمْ يَخْتَلِفْ هُنَاكَ فِي جَوَازِ الْمَسْحِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْغَسْلِ بِخِلَافِهِ هُنَا. وَالِاجْتِهَادُ وَالتَّحَرِّي وَالتَّأَخِّي: بَذْلُ الْمَجْهُودِ فِي طَلَبِ الْمَقْصُودِ (وَتَطْهُرُ بِمَا ظُنَّ طَهَارَتُهُ) بِأَمَارَةٍ تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ كَاضْطِرَابٍ أَوْ رَشَّاشٍ أَوْ تَغَيُّرٍ أَوْ قُرْبِ كَلْبٍ.

وَلِلِاجْتِهَادِ شُرُوطٌ: أَحَدُهَا بَقَاءُ الْمُشْتَبَهَيْنِ إلَى تَمَامِ الِاجْتِهَادِ، فَلَوْ انْصَبَّ أَحَدُهُمَا أَوْ تَلِفَ امْتَنَعَ الِاجْتِهَادُ وَيَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي مِنْ غَيْرِ إعَادَةٍ وَإِنْ لَمْ يَرِقَّ مَا بَقِيَ.

ثَانِيهَا أَنْ يَتَأَيَّدَ الِاجْتِهَادُ بِأَصْلِ الْحِلِّ فَلَا يَجْتَهِدُ فِي مَاءٍ اشْتَبَهَ بِبَوْلٍ وَإِنْ كَانَ يَتَوَقَّعُ ظُهُورَ الْعَلَامَةِ، إذْ لَا أَصْلَ لِلْبَوْلِ فِي حِلِّ الْمَطْلُوبِ وَهُوَ التَّطْهِيرُ هُنَا.

ثَالِثًا أَنْ يَكُونَ لِلْعَلَامَةِ فِيهِ مَجَالٌ: أَيْ مَدْخَلٌ كَالْأَوَانِي وَالثِّيَابِ، بِخِلَافِ اخْتِلَاطِ الْمَحْرَمِ بِنِسْوَةٍ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ فِي النِّكَاحِ، وَزَادَ بَعْضُهُمْ سَعَةَ الْوَقْتِ، فَلَوْ ضَاقَ عَنْ الِاجْتِهَادِ تَيَمَّمَ وَصَلَّى وَالْأَوْجَهُ خِلَافُهُ.

وَاشْتَرَطَ بَعْضُهُمْ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ الْإِنَاءَانِ لِوَاحِدٍ، فَإِنْ كَانَا

ــ

[حاشية الشبراملسي]

إذْ الْمُخَيَّرُ هُوَ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ، وَالشَّارِحُ جَعَلَ الْوَاجِبَ هُنَا الِاجْتِهَادَ عَبَثًا، إلَّا أَنْ يُقَالَ مُرَادُهُ أَنَّ الْوَاجِبَ عِنْدَ إرَادَةِ الِاسْتِعْمَالِ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ مِنْ الِاجْتِهَادِ وَالْعُدُولِ إلَى الطَّاهِرِ الْمُتَيَقَّنِ، لَكِنَّ هَذَا خِلَافُ الظَّاهِرِ، وَيَلْزَمُهُ أَنْ يَكُونَ الْعُدُولُ إلَى الطَّاهِرِ مِنْ الْوَاجِبِ أَيْضًا، وَلَا مَانِعَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ مُخَاطَبٌ بِتَحْصِيلِ سَبَبِ الطَّهَارَةِ وَهَذَا مِنْهَا (قَوْلُهُ: مِنْ حَيْثُ إنَّ لَهُ الْإِعْرَاضَ عَنْهُمَا) أَيْ فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ اسْتِعْمَالِ الْمُتَيَقَّنِ وَالْعُدُولِ إلَى غَيْرِهِ عَلَى السَّوَاءِ، وَبِهَذَا يَظْهَرُ قَوْلُهُ الْآتِي لَا يُقَالُ لَابِسُ الْخُفِّ إلَخْ (قَوْلُهُ مَعَ أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ) أَيْ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ الْعُدُولُ عَنْهُمَا لَا أَنَّهُمَا مِنْ قَبِيلِ الْوَاجِبِ الْمُخَيَّرِ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْوَاجِبِ الْمُخَيَّرِ: أَنْ لَا يَكُونَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ، أَحَدُهُمَا رُخْصَةٌ وَمَسْحُ الْخُفِّ هُنَا رُخْصَةٌ، فَلَيْسَ التَّخْيِيرُ بَيْنَ الْغَسْلِ وَالْمَسْحِ مِنْ الْوَاجِبِ الْمُخَيَّرِ، وَلَا التَّخْيِيرُ بَيْنَ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْمَاءِ وَالْحَجْرِ مِنْ الْوَاجِبِ الْمُخَيَّرِ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِهِ هُنَا) يَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّ الْخِلَافَ الَّذِي هُنَا إنَّمَا هُوَ فِي جَوَازِ الِاجْتِهَادِ حَيْثُ قَدَرَ عَلَى طَاهِرٍ بِيَقِينٍ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي قَوْلِهِ: وَقِيلَ إنْ قَدَرَ إلَخْ، أَمَّا بِالنَّظَرِ لِأَفْضَلِيَّةِ اسْتِعْمَالِ مُتَيَقَّنِ الطَّهَارَةِ فَلَا خِلَافَ فِيهِ كَمَا يُفِيدُهُ قَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ، وَهُوَ مَعَ شُذُوذِ هَذَا الْوَجْهِ لَا يَبْعُدُ رِعَايَتُهُ اهـ.

وَحِينَئِذٍ لَا يَتِمُّ لِلشَّارِحِ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْفَرْقِ (قَوْلُهُ فِي طَلَبِ الْمَقْصُودِ) هَذَا تَعْرِيفٌ لَهُ لُغَةً. وَأَمَّا اصْطِلَاحًا فَهُوَ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ بَذْلُ الْوُسْعِ فِي طَلَبِ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ (قَوْلُهُ: وَتَطْهُرُ بِمَا ظُنَّ طَهَارَتُهُ) بِاجْتِهَادِهِ، وَسَيَأْتِي أَنَّهُمْ أَعْرَضُوا فِي هَذَا الْبَابِ عَنْ أَصْلِ طَهَارَةِ الْمَاءِ، فَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ مَا ظَنَّ طَهَارَتَهُ بِاجْتِهَادِهِ لَا يَجُوزُ لِغَيْرِهِ اسْتِعْمَالُهُ إلَّا إنْ اجْتَهَدَ فِيهِ بِشَرْطِهِ وَظَنَّ ذَلِكَ أَيْضًا، وَظَاهِرٌ أَنَّ لِلْمُجْتَهِدِ تَطْهِيرَ نَحْوِ حَلِيلَتِهِ الْمَجْنُونَةِ أَوْ غَيْرِ الْمُمَيِّزَةِ لِلطَّوَافِ بِهِ أَيْضًا اهـ ابْنُ حَجَرٍ رحمه الله (قَوْلُهُ: فَلَوْ انْصَبَّ أَحَدُهُمَا) أَيْ بِتَمَامِهِ (قَوْلُهُ: بِأَصْلِ الْحِلِّ) عَبَّرَ بِهِ وَلَمْ يَقُلْ لَهُ أَصْلٌ فِي التَّطْهِيرِ؛ لِأَنَّ الِاجْتِهَادَ لَيْسَ وَسِيلَةً لِلطَّهَارَةِ فَقَطْ، بَلْ هُوَ كَمَا يَكُونُ وَسِيلَةً لِمَا يَكُونُ وَسِيلَةً لِغَيْرِهَا كَالْمِلْكِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ التَّطْهِيرُ هُنَا) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ أَرَادَ الِاجْتِهَادَ فِيهِمَا لِيَشْرَبَ الْمَاءَ جَازَ لَهُ وَلَيْسَ مُرَادًا، وَعِبَارَةُ ابْنِ حَجَرٍ: قِيلَ لَهُ الِاجْتِهَادُ هُنَا لِشُرْبِ مَاءٍ يَظُنُّ طَهَارَتَهُ، وَهُوَ غَفْلَةٌ عَمَّا يَأْتِي فِي نَحْوِ خَلٍّ وَخَمْرٍ وَلَبَنِ أَتَانٍ وَمَأْكُولٍ (قَوْلُهُ وَالْأَوْجَهُ خِلَافُهُ) أَيْ فَيَجْتَهِدُ وَإِنْ أَدَّى اجْتِهَادُهُ إلَى خُرُوجِ الْوَقْتِ

ــ

[حاشية الرشيدي]

أَيْ فِي بَابِ الِاجْتِهَادِ لَا بِالنَّظَرِ لِخُصُوصِ مَسْأَلَةِ الْمَتْنِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ بَعْدُ أَوْ الطَّاهِرُ (قَوْلُهُ: وَيَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي مِنْ غَيْرِ إعَادَةٍ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ الْكَلَامَ هُنَا أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ طَاهِرٌ بِيَقِينٍ أَوْ لَا، وَمِنْ أَنْ يَكُونَ بِمَحَلٍّ يَغْلِبُ فِيهِ وُجُودُ الْمَاءِ أَوْ لَا، فَلَا يَصِحُّ إطْلَاقُ عَدَمِ وُجُوبِ الْإِعَادَةِ هُنَا وَفِيمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ: وَزَادَ بَعْضُهُمْ سِعَةَ الْوَقْتِ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا شَرْطٌ لِجَوَازِ الِاجْتِهَادِ لَا لِصِحَّتِهِ (قَوْلُهُ:، وَالْأَوْجَهُ خِلَافُهُ) قَدْ يُشْكِلُ فِيمَا إذَا خَرَجَ الْوَقْتُ وَلَمْ يَظْهَرْ لَهُ

ص: 90

لِاثْنَيْنِ لِكُلِّ وَاحِدٍ تَوَضَّأَ كُلٌّ بِإِنَائِهِ كَمَا لَوْ عَلَّقَ كُلٌّ مِنْ اثْنَيْنِ طَلَاقَ زَوْجَتِهِ بِكَوْنِ ذَا الطَّائِرِ غُرَابًا وَغَيْرَ غُرَابٍ فَإِنَّهُ لَا حِنْثَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا. وَالْأَوْجَهُ كَمَا فِي الْإِحْيَاءِ خِلَافُهُ عَمَلًا بِإِطْلَاقِهِمْ كَمَا أَوْضَحْته فِي شَرْحِ الْعُبَابِ، وَاشْتِرَاطُ صَاحِبِ الْمُعَيَّنِ أَنْ يَكُونَ الْمُتَيَقَّنُ طَهَارَتُهُ مِمَّا لَا يُخْشَى مِنْهُ ضَرَرٌ كَالْمُشْمِسِ مَبْنِيٌّ عَلَى مَرْجُوجٍ وَهُوَ جَوَازُ التَّيَمُّمِ بِحَضْرَةِ الْمُشَمَّسِ فَيَكُونُ وُجُودُهُ كَالْعَدَمِ، وَشَرْطُ الْعَمَلِ بِالِاجْتِهَادِ ظُهُورُ الْعَلَامَةِ فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ شَيْءٌ أَرَاقَ الْمَاءَيْنِ أَوْ أَحَدَهُمَا فِي الْآخَرِ ثُمَّ تَيَمَّمَ (وَقِيلَ إنْ قَدَرَ عَلَى طَاهِرٍ بِيَقِينٍ) أَيْ طَهُورٍ آخَرَ (فَلَا) أَيْ فَلَا يَجُوزُ لَهُ الِاجْتِهَادُ بَلْ يَسْتَعْمِلُ الْمُتَيَقَّنَ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «دَعْ مَا يَرِيبُك إلَى مَا لَا يَرِيبُك» كَمَنْ كَانَ بِمَكَّةَ وَلَا حَائِلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَعْبَةِ وَلَكِنْ كَانَ فِي ظُلْمَةٍ، أَوْ كَانَ أَعْمَى أَوْ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا حَائِلٌ حَادِثٌ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ، وَكَمَا لَوْ وَجَدَ الْحَاكِمُ النَّصَّ، وَالْأَصَحُّ الْجَوَازُ وَحَمَلَ قَائِلُهُ الْحَدِيثَ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ (وَالْأَعْمَى كَبَصِيرٍ فِي الْأَظْهَرِ) لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الْوُقُوفِ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

قَوْلُهُ: وَالْأَوْجَهُ كَمَا فِي الْإِحْيَاءِ خِلَافُهُ) أَيْ فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَتَوَضَّأَ مِنْ إنَائِهِ إلَّا بَعْدَ الِاجْتِهَادِ (قَوْلُهُ: فَيَكُونُ وُجُودُهُ) أَيْ وُجُودُ الْمُشَمَّسِ كَالْعَدَمِ. وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ مُذَكَّاةٌ بِمَسْمُومَةٍ لَمْ يَجْتَهِدْ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْعُدُولُ عَنْهُمَا إلَى غَيْرِهِمَا لِتَحَقُّقِ الضَّرَرِ، لَكِنْ فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ لِشَيْخِ الْإِسْلَامِ جَوَازُ الِاجْتِهَادِ فِيمَا ذُكِرَ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ: ظُهُورُ الْعَلَامَةِ) أَيْ فَهُوَ شَرْطٌ لِلْعَمَلِ لَا لِأَصْلِ الِاجْتِهَادِ خِلَافًا لِمَنْ عَدَّهُ مِنْ شُرُوطِهِ (قَوْلُهُ: أَوْ أَحَدِهِمَا فِي الْآخَرِ) أَيْ أَوْ بَعْضِهِ (قَوْلُهُ: دَعْ مَا يَرِيبُك) بِفَتْحِ الْيَاءِ وَيَجُوزُ ضَمُّهَا فِيهِمَا اهـ نَوَوِيٌّ فِي شَرْحِ الْأَرْبَعِينَ.

وَقَضِيَّتُهُ تَسَاوِي الصِّيغَتَيْنِ فِي الْمَعْنَى، وَلَكِنَّ عِبَارَةَ الْمِصْبَاحِ الرَّيْبُ الظَّنُّ وَالشَّكُّ، وَرَابَنِي الشَّيْءُ يَرِيبُنِي: إذَا جَعَلَك شَاكًّا قَالَ أَبُو زَيْدٍ: رَابَنِي مِنْ فُلَانٍ أَمْرٌ يَرِيبُنِي رَيْبًا: إذَا اسْتَيْقَنْت مِنْهُ الرِّيبَةَ، فَإِذَا أَسَأْت بِهِ الظَّنَّ وَلَمْ تَسْتَيْقِنْ مِنْهُ الرِّيبَةَ قُلْت: أَرَابَنِي مِنْهُ أَمْرٌ هُوَ فِيهِ إرَابَةٌ، وَأَرَابَ فُلَانٌ إرَابَةً فَهُوَ مُرِيبٌ: إذَا بَلَغَك عَنْهُ شَيْءٌ أَوْ تَوَهَّمْته، وَفِي لُغَةِ هُذَيْلٍ: أَرَابَنِي بِالْأَلِفِ فَرُبْت أَنَا وَارْتَبْت: إذَا شَكَكْت فَأَنَا مُرْتَابٌ وَزَيْدٌ مُرْتَابٌ مِنْهُ، فَالصِّلَةُ فَارِقَةٌ بَيْنَ الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ، وَالِاسْمُ الرِّيبَةُ وَجَمْعُهَا رِيَبٌ مِثْلُ سِدْرَةٍ وَسِدَرٍ اهـ.

وَمِنْهُ يُعْلَمُ أَنَّهُمَا لَيْسَا مُتَرَادِفَيْنِ وَإِنَّمَا اشْتَرَكَا فِي أَصْلِ الْمَعْنَى لَا فِي حَقِيقَتِهِ (قَوْلُهُ: وَالْأَعْمَى كَبَصِيرٍ) لَوْ اُجْتُهِدَ فَأَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ إلَى طَهَارَةِ أَحَدِ الْإِنَاءَيْنِ لِظُهُورِ عَلَامَةٍ لَهُ فَأَخْبَرَهُ بَصِيرٌ بِخِلَافِهِ، فَهَلْ يُقَلِّدُهُ؛ لِأَنَّهُ أَقْوَى إدْرَاكًا مِنْهُ لِتَمْيِيزِهِ بِالْبَصَرِ الَّذِي هُوَ الْعُمْدَةُ فِي الِاجْتِهَادِ أَوْ لَا أَخْذًا بِإِطْلَاقِ قَوْلِهِمْ الْمُجْتَهِدُ لَا يُقَلِّدُ مُجْتَهِدًا فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ كَمَا لَوْ أَخْبَرَهُ اثْنَانِ مُخْتَلِفَانِ فِي إنَاءَيْنِ وَعَيْنُ كُلٍّ مِنْهُمَا نَجَاسَةُ وَاحِدٍ، فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ بِخَبَرِ الْأَوْثَقِ كَمَا يَأْتِي " فَإِنْ اسْتَوَيَا فَالْأَكْثَرُ عَدَدًا، لَكِنْ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ الثَّانِي، وَيُوَجَّهُ بِأَنَّ الشَّخْصَ لَا يَرْجِعُ إلَى قَوْلِ غَيْرِهِ إذَا خَالَفَ ظَنَّهُ، فَأَوْلَى أَنْ لَا يَرْجِعَ إلَى مَا يُخْبِرُ عَنْهُ مُسْتَنِدًا لِلْأَمَارَةِ

ــ

[حاشية الرشيدي]

الطَّاهِرُ (قَوْلُهُ: أَنْ يَكُونَ الْمُتَيَقَّنُ طَهَارَتُهُ) لَعَلَّ مُرَادَهُ بِالْمُتَيَقَّنِ طَهَارَتُهُ مَا تَظْهَرُ لَهُ طَهَارَتُهُ بِالِاجْتِهَادِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْ الْمَاءَيْنِ مُتَشَمِّسًا، فَإِنَّ مَا يَظْهَرُ لَهُ طَهَارَتُهُ مِنْهُمَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ اسْتِعْمَالُهُ مِنْ جِهَةِ التَّشْمِيسِ عَلَى رَأْيِهِ فَلَا فَائِدَةَ لِلِاجْتِهَادِ، وَلَا يَصِحُّ تَصَوُّرُهُ بِغَيْرِ ذَلِكَ كَمَا يَظْهَرُ بِالتَّأَمُّلِ؛ لِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ بِالْمُتَيَقَّنِ الطَّهَارَةِ مَاءً ثَالِثًا مُتَيَقَّنَ الطَّهَارَةِ فَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَا دَخْلَ لِتَشْمِيسِهِ أَوْ عَدَمِهِ فِي صِحَّةِ الِاجْتِهَادِ فِي الْمَاءَيْنِ الْمُشْتَبَهَيْنِ، وَإِنْ أَرَادَ بِالْمُتَيَقَّنِ الطَّهَارَةِ أَحَدَ الْمَاءَيْنِ الْمُشْتَبَهَيْنِ فَإِنْ أَرَادَ قَبْلَ الِاجْتِهَادِ فَلَا مُتَيَقَّنَ طَهَارَةٍ مِنْهُمَا حِينَئِذٍ، وَإِنْ أَرَادَ بَعْدَ الِاجْتِهَادِ وَأَرَادَ بِالتَّيَقُّنِ الظَّنَّ أَيْ الْمَظْنُونَ الطَّهَارَةَ بِالِاجْتِهَادِ يُنَافِيهِ أَنَّهُ جَعَلَ ذَلِكَ شَرْطًا فِي صِحَّةِ الِاجْتِهَادِ وَالشَّرْطُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمَشْرُوطِ، وَلَيْسَ مِنْ اللَّازِمِ أَنْ تَظْهَرَ طَهَارَةُ الْمُشَمَّسِ.

وَيُمْكِنُ أَنْ يَلْتَزِمَ هَذَا الْأَخِيرَ بِتَقْدِيرٍ فِي كَلَامِهِ كَأَنْ يُقَالَ: وَشَرَطَ الْعَمَلَ بِالِاجْتِهَادِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: مَبْنِيٌّ عَلَى مَرْجُوحٍ) رَاجِعٌ لِلتَّمْثِيلِ فَقَطْ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ مِنْ كَلَامِهِ.

ص: 91

عَلَى الْمَقْصُودِ بِالشَّمِّ وَالذَّوْقِ وَالسَّمْعِ وَاللَّمْسِ، وَيُفَارِقُ مَا سَيَأْتِي فِي الْقُبْلَةِ بِأَنَّ أَدِلَّتَهَا بَصَرِيَّةٌ بِخِلَافِ الْأَدِلَّةِ هُنَا. نَعَمْ لَوْ فَقَدَ الْأَعْمَى تِلْكَ الْحَوَاسِّ امْتَنَعَ عَلَيْهِ الِاجْتِهَادُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: إنَّهُ يَجِبُ الْجَزْمُ بِهِ وَهُوَ حَسَنٌ، وَالثَّانِي لَا يَجْتَهِدُ لِفَقْدِ الْبَصَرِ الَّذِي هُوَ عُمْدَةُ الِاجْتِهَادِ بَلْ يُقَلِّدُ، وَمَا تَقَرَّرَ مِنْ جَوَازِ الذَّوْقِ هُوَ مَا قَالَهُ الْجُمْهُورُ، مِنْهُمْ الْقَاضِي وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَالْخُوَارِزْمِيّ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَمَا نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ صَاحِبِ الْبَيَانِ مَنْ مَنَعَ الذَّوْقَ لِاحْتِمَالِ النَّجَاسَةِ مَمْنُوعٌ، إذْ مَحَلُّ حُرْمَةِ ذَوْقِهَا عِنْدَ تَحَقُّقِهَا وَيَحْصُلُ بِذَوْقِهِمَا وَهُنَا لَمْ نَتَحَقَّقْهَا، فَإِنْ تَحَيَّرَ الْأَعْمَى قَلَّدَ بَصِيرًا أَوْ أَعْمَى أَقْوَى إدْرَاكًا مِنْهُ فِيمَا يَظْهَرُ، وَلَا يُرَدُّ ذَلِكَ عَلَى الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُ أَنَّهُ كَالْبَصِيرِ فِيمَا مَرَّ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَنْ يُقَلِّدُهُ أَوْ وَجَدَهُ فَتَحَيَّرَ تَيَمَّمَ

(أَوْ) اشْتَبَهَ عَلَيْهِ (مَاءٌ وَبَوْلٌ) أَوْ نَحْوُهُ انْقَطَعَتْ رَائِحَتُهُ (لَمْ يَجْتَهِدْ) فِيهِمَا (عَلَى الصَّحِيحِ) ؛ لِأَنَّ الِاجْتِهَادَ يُقَوِّي مَا فِي النَّفْسِ مِنْ الطَّهَارَةِ الْأَصْلِيَّةِ، وَالْبَوْلُ لَا أَصْلَ لَهُ فِي الطَّهَارَةِ فَامْتَنَعَ الْعَمَلُ بِهِ،

ــ

[حاشية الشبراملسي]

بِمُجَرَّدِهَا، وَمَعَ ذَلِكَ فَالْأَقْرَبُ مَعْنَى الْأَوَّلِ، لَكِنَّ مُجَرَّدَ ظُهُورِ الْمَعْنَى لَا يَقْتَضِي الْعُدُولَ عَمَّا اقْتَضَاهُ إطْلَاقُهُمْ فَالْوَاجِبُ اعْتِمَادُهُ، وَكَمْ مِنْ مُوَضِّحٍ رَجَّحَ فِيهِ مَا غَيْرُهُ أَوْجَهُ مِنْهُ مَعْنًى فَيَكُونُ الرَّاجِحُ الثَّانِي (قَوْلُهُ: وَالْخُوَارِزْمِيّ) فِي مُعْجَمِ الْبَكْرِيِّ: خُوَارِزْمُ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَبِالرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ الْمَكْسُورَةِ وَالزَّاي الْمُعْجَمَةِ بَعْدَهَا مِيمٌ، قَالَ الْجُرْجَانِيُّ: مَعْنَى خُوَارِزْمَ هَيِّنٌ حَرْبُهَا؛ لِأَنَّهَا فِي سَهْلَةٍ لَا جَبَلَ بِهَا اهـ بِحُرُوفِهِ رحمه الله (قَوْلُهُ: وَيَحْصُلُ بِذَوْقِهِمَا) أَيْ التَّحَقُّقُ: أَيْ وَلَمْ نَأْمُرْهُ بِهِ فَإِنَّهُ إذَا ذَاقَ أَحَدَهُمَا لَا يَجُوزُ لَهُ ذَوْقُ الْآخِرِ، وَيُصَرِّحُ بِذَلِكَ قَوْلُ سم فِي حَاشِيَةِ شَرْحِ الْمَنْهَجِ فَلَوْ ذَاقَ أَحَدُهُمَا فَهَلْ لَهُ ذَوْقُ الْآخَرِ، اعْتَمَدَ الطَّبَلَاوِيُّ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ عِنْدَ ذَوْقِ كُلٍّ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ الطَّاهِرُ وَاعْتَمَدَ م ر الْمَنْعَ اهـ.

أَقُولُ: فَلَوْ خَالَفَ وَذَاقَ الثَّانِيَ وَظَهَرَ لَهُ أَنَّهُ الطَّاهِرُ عَمِلَ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ فَهُوَ مُتَحَيِّرٌ فَيَتَيَمَّمُ بَعْدَ تَلَفٍ لَهُمَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا، وَيَجِبُ غَسْلُ فَمِهِ لِتَحَقُّقِ نَجَاسَتِهِ، إمَّا مِنْ الْأَوَّلِ أَوْ مِنْ الثَّانِي، لَكِنْ بِتَقْدِيرِ كَوْنِ النَّجَاسَةِ مِنْ الْأَوَّلِ يَطْهُرُ بِمَا اسْتَعْمَلَهُ مِنْ الثَّانِي إنْ وَرَدَ مَوَارِدَ الْأَوَّلِ، وَبِتَقْدِيرِ كَوْنِهَا مِنْ الثَّانِي فَهُوَ بَاقٍ عَلَى نَجَاسَتِهِ فَقَدْ تَحَقَّقْنَا نَجَاسَةَ فَمِهِ وَشَكَكْنَا فِي مُزِيلِهَا وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ، فَلَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ قَبْلَ غَسْلِ فَمِهِ، وَلَوْ تَطَايَرَ مِنْهُ شَيْءٌ عَلَى ثَوْبٍ لَمْ يُحْكَمْ بِنَجَاسَتِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ عَلَى الطَّهَارَةِ وَنَحْنُ لَا نُنَجِّسُ بِالشَّكِّ، وَهَذَا نَظِيرُ مَا لَوْ عَلِمْنَا نَجَاسَةَ فَمِ الْهِرَّةِ ثُمَّ غَابَتْ زَمَنًا يُمْكِنُ طُهْرُ فَمِهَا فِيهِ بِوُلُوغِهَا فِي مَاءٍ كَثِيرٍ ثُمَّ وَضَعَتْ فَمَهَا فِي مَاءٍ قَلِيلٍ أَوْ مَائِعٍ فَلَا يُحْكَمُ بِنَجَاسَتِهِ مَعَ الْحُكْمِ بِبَقَاءِ فَمِهَا عَلَى النَّجَاسَةِ، فَلَوْ اجْتَهَدَ بَعْدَ ذَلِكَ وَأَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ إلَى نَجَاسَتِهِ حُكِمَ بِذَلِكَ (قَوْلُهُ: فِيمَا يَظْهَرُ) أَيْ فَلَوْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ وَأَتْلَفَ الْمَاءَيْنِ وَتَيَمَّمَ فَهَلْ تَجِبُ الْإِعَادَةُ لِتَقْصِيرِهِ بِإِتْلَافِهِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى التَّقْلِيدِ أَوْ لَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ مَاءٌ حَالَ التَّيَمُّمِ فِيهِ نَظَرٌ وَقِيَاسُ مَا فِي التَّيَمُّمِ الثَّانِي.

(قَوْلُهُ: وَلَا يَرِدُ ذَلِكَ) أَيْ تَقْلِيدُ الْأَعْمَى لِغَيْرِهِ، وَقَوْلُهُ عَلَى الْمُصَنِّفِ فِي قَوْلِهِ وَالْأَعْمَى كَبَصِيرٍ إلَخْ، وَقَوْلُهُ فِيمَا مَرَّ: أَيْ مِنْ أَنَّهُ إذَا اشْتَبَهَ عَلَيْهِ الطَّاهِرُ بِغَيْرِهِ اجْتَهَدَ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنَّهُ إذَا تَحَيَّرَ لَا يُقَلِّدُ غَيْرَهُ (قَوْلُهُ: فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَنْ يُقَلِّدُهُ) أَيْ فِي مَوْضِعٍ يَجِبُ عَلَيْهِ السَّعْيُ لِلْجُمُعَةِ لَوْ أُقِيمَتْ فِيهِ، وَعِبَارَةُ حَجّ: وَيَظْهَرُ ضَبْطُ فَقْدِ الْمُقَلِّدِ بِأَنْ يَجِدَ مَشَقَّةً فِي الذَّهَابِ إلَيْهِ كَمَشَقَّةِ الذَّهَابِ إلَى الْجُمُعَةِ، فَإِنْ كَانَ بِمَحَلٍّ يَلْزَمُهُ قَصْدُهُ لَهَا لَوْ أُقِيمَتْ فِيهِ لَزِمَهُ قَصْدُهُ لِسُؤَالِهِ هُنَا وَإِلَّا فَلَا اهـ بِحُرُوفِهِ رحمه الله (قَوْلُهُ: فَتَحَيَّرَ تَيَمَّمَ) أَيْ بَعْدَ تَلَفِ الْمَاءِ، وَحِينَئِذٍ فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي، وَهَلْ لَهُ إتْلَافُ الْمَاءِ قَبْلَ اجْتِهَادٍ مَنْ وَجَدَهُ أَمْ لَا فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي؛ لِأَنَّ مَنْ وَجَدَهُ بِسَبِيلٍ مِنْ أَنْ يَظْهَرَ لَهُ الطَّاهِرُ، وَمَعَ ذَلِكَ لَوْ خَالَفَ وَفَعَلَ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ وَإِنْ أَثِمَ بِذَلِكَ

(قَوْلُهُ: أَوْ مَاءٌ وَبَوْلٌ لَمْ يَجْتَهِدْ فِيهِمَا عَلَى الصَّحِيحِ) أَيْ لِلطَّهَارَةِ، فَلَوْ اجْتَهَدَ لِلشُّرْبِ جَازَ

ــ

[حاشية الرشيدي]

(قَوْلُهُ: وَيَحْصُلُ بِذَوْقِهِمَا) الضَّمِيرُ فِي يَحْصُلُ لِلتَّحَقُّقِ وَكَانَ حَقُّ الْعِبَارَةِ، وَهُوَ إنَّمَا يَحْصُلُ بِذَوْقِهِمَا.

ص: 92

وَسَوَاءٌ أَكَانَ أَعْمَى أَمْ بَصِيرًا، وَالثَّانِي يَجْتَهِدُ كَالْمَاءَيْنِ وَفُرِّقَ الْأَوَّلُ بِمَا تَقَدَّمَ، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِمْ لَهُ أَصْلٌ فِي التَّطْهِيرِ عَدَمُ اسْتِحَالَتِهِ عَنْ خِلْقَتِهِ الْأَصْلِيَّةِ كَالْمُتَنَجِّسِ وَالْمُسْتَعْمَلِ فَإِنَّهُمَا لَمْ يَسْتَحِيلَا عَنْ أَصْلِ خِلْقَتِهِمَا إلَى حَقِيقَةٍ أُخْرَى بِخِلَافِ نَحْوِ الْبَوْلِ وَمَاءِ الْوَرْدِ فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا قَدْ اسْتَحَالَ إلَى حَقِيقَةٍ أُخْرَى (بَلْ يُخْلَطَانِ) أَوْ يُرَاقَانِ أَوْ يُرَاقُ مِنْ أَحَدِهِمَا فِي الْآخَرِ، وَنَبَّهَ بِالْخَلْطِ عَلَى بَقِيَّةِ أَنْوَاعِ التَّلَفِ فَلَا اعْتِرَاضَ عَلَيْهِ (ثُمَّ يَتَيَمَّمُ) وَيُصَلِّي بِلَا إعَادَةٍ، وَعُلِمَ مِنْ تَعْبِيرِهِ بِثُمَّ أَنَّ الْإِرَاقَةَ وَنَحْوَهَا مُتَقَدِّمَةٌ عَلَى التَّيَمُّمِ فَهِيَ شَرْطٌ لِصِحَّتِهِ لَا لِعَدَمِ وُجُوبِ الْإِعَادَةِ كَمَا وَقَعَ لِبَعْضِهِمْ، وَعِبَارَةُ الشَّارِحِ تُوهِمُهُ؛ لِأَنَّ مَعَهُ مَاءً طَاهِرًا بِيَقِينٍ لَهُ طَرِيقٌ إلَى إعْدَامِهِ، وَبِهَذَا فَرَّقَ الْمُصَنِّفُ بَيْنَ بُطْلَانِ التَّيَمُّمِ هُنَا وَصِحَّتِهِ بِحَضْرَةِ مَاءٍ مَنَعَ مِنْهُ نَحْوُ سَبُعٍ، وَقَوْلُهُ بَلْ يُخْلَطَانِ بِنُونِ الرَّفْعِ كَمَا وُجِدَ بِخَطِّهِ اسْتِئْنَافًا أَوْ عَطْفًا عَلَى لَمْ يَجْتَهِدْ بِنَاءً

ــ

[حاشية الشبراملسي]

لَهُ الطَّهَارَةُ بَعْدَ ذَلِكَ بِمَا ظَنَّهُ مَاءً، قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَاعْتَمَدَهُ طب وَرم وَرَدَّهُ حَجّ اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ. وَسَيَأْتِي فِي قَوْلِ الشَّارِحِ: وَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ إلَخْ مَا يُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّ جَوَازَ الِاجْتِهَادِ فِي الْمَاءِ وَالْبَوْلِ لِلشُّرْبِ لَمْ يَقُلْهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَإِنَّمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ أَخْذًا مِنْ كَلَامِهِ فِي الْمَاءِ وَمَاءِ الْوَرْدِ، وَأَنَّ الشَّارِحَ مُوَافِقٌ فِيهِ لحج فِي مَنْعِ الِاجْتِهَادِ وَهَذَا مَحَلُّهُ عِنْدَ الِاخْتِيَارِ، فَلَوْ اضْطَرَّ لِلشُّرْبِ كَانَ لَهُ الْهُجُومُ وَالشُّرْبُ مِنْ أَحَدِهِمَا؛ لِأَنَّهُ عِنْدَ الِاضْطِرَارِ يَجُوزُ لَهُ تَنَاوُلُ مُحَقَّقِ النَّجَاسَةِ، وَالِاجْتِهَادُ إنَّمَا يَمْتَنِعُ مَعَ فَقْدِ شُرُوطِهِ إذَا كَانَ وَسِيلَةً لِحُكْمٍ مَمْنُوعٍ مِنْهُ لَوْلَا الِاجْتِهَادُ، وَهَذَا لَيْسَ مَمْنُوعًا مِنْ الشُّرْبِ بِدُونِ الِاجْتِهَادِ، فَوُجُودُهُ لَا يَضُرُّ، وَلَيْسَ الِاجْتِهَادُ هُنَا عِبَادَةً حَتَّى يُتَوَهَّمُ امْتِنَاعُهُ بِتَقْدِيرِ فَسَادِهِ، وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا لَوْ اخْتَلَطَ إنَاءٌ بِأَوَانِي بَلَدٍ وَاشْتَبَهَ فَيَأْخُذُ مَا يَشَاءُ مِنْ غَيْرِ اجْتِهَادٍ إلَى أَنْ يَبْقَى وَاحِدٌ، وَلَهُ الِاجْتِهَادُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ إذْ لَا مَانِعَ مِنْهُ.

وَبَقِيَ مَا لَوْ أَرَادَ الِاجْتِهَادَ لِيُرَتِّبَ عَلَيْهِ فِعْلَ مَا هُوَ جَائِزٌ بِالنَّجَسِ كَطَفِّي النَّارِ بِالْبَوْلِ أَوْ رَشِّهِ، هَلْ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ أَمْ لَا فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ لَا أَصْلَ لَهُ فِي الطَّهَارَةِ، ثُمَّ رَأَيْت فِي فَتَاوَى الشَّارِحِ مَا يُخَالِفُهُ وَعِبَارَتُهُ سُئِلَ عَنْ قَوْلِ الْمَاوَرْدِيِّ يَجُوزُ أَنْ يَجْتَهِدَ بَيْنَ الْمَاءِ وَمَاءِ الْوَرْدِ لِأَجْلِ الشُّرْبِ، فَإِذَا ظَهَرَ لَهُ تَوَضَّأَ هَلْ يَأْتِي فِي الْبَوْلِ أَيْضًا إذَا وَصَفَ لَهُ التَّدَاوِي بِهِ؟ فَأَجَابَ بِأَنَّ كَلَامَ الْمَاوَرْدِيِّ لَا يَجْرِي فِي الْبَوْلِ بِحَالٍ اهـ.

وَرَاجَعْت مَا كَتَبَهُ سم عَلَى مَنْهَجٍ فَوَجَدْته مَفْرُوضًا فِي اشْتِبَاهِ الْمَاءِ وَمَاءِ الْوَرْدِ، وَعَلَيْهِ فَلَا يُرَدُّ مَا عَارَضْنَاهُ بِهِ، نَعَمْ فِيمَا كَتَبَهُ سم عَلَى حَجّ أَنَّ الْأَذْرَعِيَّ بَحَثَ أَنَّ مَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْمَاءِ وَمَاءِ الْوَرْدِ مِنْ جَوَازِ الِاجْتِهَادِ فِيهِمَا لِلشُّرْبِ يَجِيءُ مِثْلُهُ فِي الْمَاءِ وَالْبَوْلِ وَنَظَرَ فِيهِ، وَعِبَارَتُهُ: وَقَدْ نَظَرَ الشَّارِحُ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ فِي بَحْثِ الْأَذْرَعِيِّ مَجِيءَ كَلَامِ الْمَاوَرْدِيِّ فِي الْمَاءِ وَالْبَوْلِ، ثُمَّ قَالَ: فَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ لَا اجْتِهَادَ فِي ذَلِكَ اهـ (قَوْلُهُ وَفَرَّقَ الْأَوَّلَ بِمَا تَقَدَّمَ) أَيْ مِنْ قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ الِاجْتِهَادَ إلَخْ (قَوْلُهُ: فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا إلَخْ) عَلَى أَنَّهُ قَدْ يَمْنَعُ أَنَّ الْبَوْلَ نَاشِئٌ عَنْ الْمَاءِ الطَّهُورِ بَلْ يَجُوزُ تَوَلُّدُهُ مِنْ الرُّطُوبَاتِ الَّتِي يَتَنَاوَلُهَا كَمَا فِي الطِّفْلِ الَّذِي لَمْ يَتَنَاوَلْ مَاءً وَمَا تَوَلَّدَ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ أَصْلُهُ طَاهِرًا لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ فِي التَّطْهِيرِ كَغَيْرِهِ الَّذِي عَبَّرُوا بِهِ.

(قَوْلُهُ: أَوْ يُرَاقُ مِنْ أَحَدِهِمَا فِي الْآخَرِ) أَيْ وَإِنْ كَانَ الْمُرَاقُ قَدْرًا لَا يُدْرِكُهُ الطَّرَفُ، وَمَحَلُّ الْعَفْوِ عَنْ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ بِفِعْلِهِ كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ لَوْ رَأَى ذُبَابَةً عَلَى نَجَاسَةٍ فَأَمْسَكَهَا إلَخْ (قَوْلُهُ وَيُصَلِّي بِلَا إعَادَةٍ) أَيْ إنْ كَانَ بِمَحَلٍّ يَغْلِبُ فِيهِ فَقْدُ الْمَاءِ أَوْ يَسْتَوِي الْأَمْرَانِ (قَوْلُهُ: لَا لِعَدَمِ وُجُوبِ الْإِعَادَةِ) أَيْ وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ تَيَمَّمَ قَبْلَ الْخَلْطِ حَرُمَتْ الْقِرَاءَةُ عَلَيْهِ إنْ كَانَ جُنُبًا، وَحَرُمَ عَلَيْهِ مَسُّ الْمُصْحَفِ وَحَمْلُهُ مُطْلَقًا دُونَ الثَّانِي (قَوْلُهُ وَبِهَذَا فَرَّقَ الْمُصَنِّفُ) أَيْ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ مَعَهُ مَاءً طَاهِرًا إلَخْ (قَوْلُهُ: نَحْوَ سَبْعٍ) وَفِي نُسْخَةٍ بَعْدَ سَبْعٍ، وَيُجْرَى مَا تَقَرَّرَ فِيمَا لَوْ

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلُهُ: وَسَوَاءٌ أَكَانَ أَعْمَى أَمْ بَصِيرًا) مُرَادُهُ بِهِ دَفْعُ مَا أَوْهَمَهُ الْمَتْنُ مِنْ كَوْنِ هَذَا خَاصًّا بِالْأَعْمَى الْمَذْكُورِ قَبْلَهُ (قَوْلُهُ: وَبِهَذَا) أَيْ يَكُونُ لَهُ طَرِيقٌ إلَى إعْدَامِهِ بِالْخُصُوصِ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ تَكُونَ الْإِشَارَةُ إلَى قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ مَعَهُ مَاءً

ص: 93

عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ مَالِكٍ إنَّ بَلْ تَعْطِفُ الْجُمَلَ، وَهِيَ هُنَا وَفِيمَا بَعْدُ لِلِانْتِقَالِ مِنْ غَرَضٍ إلَى آخَرَ كَمَا أَفَادَهُ الشَّارِحُ لَا لِلْإِضْرَابِ، فَانْدَفَعَ مَا قِيلَ إنَّ الصَّوَابَ حَذْفُ النُّونِ؛ لِأَنَّهُ مَجْزُومٌ بِحَذْفِهَا عَطْفًا عَلَى يَجْتَهِدُ، لَكِنَّ الْأَصَحَّ خِلَافُ مَا قَالَهُ ابْنُ مَالِكٍ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْعَطْفِ بِبَلْ إفْرَادُ مَعْطُوفِهَا بِمَعْنَى كَوْنِهِ مُفْرَدًا، فَإِنْ تَلَاهَا جُمْلَةٌ لَمْ تَكُنْ عَاطِفَةً بَلْ حَرْفَ ابْتِدَاءٍ لِمُجَرَّدِ الْإِضْرَابِ

(أَوْ) اشْتَبَهَ عَلَيْهِ مَاءٌ (وَمَاءُ وَرْدٍ) انْقَطَعَتْ رَائِحَتُهُ (تَوَضَّأَ بِكُلٍّ) مِنْهُمَا (مَرَّةً) وَلَا يَجْتَهِدُ فِيهِمَا وَإِنَّمَا جَازَ لَهُ التَّوَضُّؤُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا لِتَيَقُّنِ اسْتِعْمَالِ الطَّهُورِ، وَيُعْذَرُ فِي تَرَدُّدِهِ فِي النِّيَّةِ لِلضَّرُورَةِ كَمَنْ نَسِيَ صَلَاةً مِنْ الْخَمْسِ، وَمُقْتَضَى الْعِلَّةِ أَنَّهُ يَمْتَنِعُ ذَلِكَ عِنْدَ الْقُدْرَةِ عَلَى مَاءٍ طَاهِرٍ بِيَقِينٍ لِفَقْدِ الضَّرُورَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمْ لَمَّا لَمْ يُوجِبُوا عَلَيْهِ سُلُوكَ الطَّرِيقِ الْمُحَصِّلَةِ لِلْجَزْمِ فَكَذَلِكَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ اسْتِعْمَالُ الطَّهُورِ بِيَقِينٍ إذَا قَدَرَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

اجْتَهَدَ فِي الْمَاءَيْنِ وَلَمْ يَظْهَرْ لَهُ الطَّاهِرُ اهـ. وَهِيَ مَضْرُوبٌ عَلَيْهَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ، وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ مَعْنَاهَا مَعْلُومٌ مِنْ قَوْلِهِ السَّابِقِ وَشَرْطُ الْعَمَلِ بِالِاجْتِهَادِ ظُهُورُ الْعَلَامَةِ إلَخْ

(قَوْلُهُ: وَمَاءُ وَرْدٍ) بَقِيَ مَا لَوْ وَقَعَ الِاشْتِبَاهُ بَيْنَ ثَلَاثَةِ أَوَانٍ: مَاءٌ طَهُورٌ، وَمَاءٌ مُتَنَجِّسٌ، وَمَاءُ وَرْدٍ، فَهَلْ يَجُوزُ الِاجْتِهَادُ نَظَرًا لِلْمَاءِ الطَّهُورِ وَالْمَاءِ الْمُتَنَجِّسِ وَلَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ انْضِمَامُ مَاءِ الْوَرْدِ إلَيْهِمَا، وَلَا احْتِمَالَ أَنْ يُصَادِفَ مَاءَ الْوَرْدِ كَمَا لَا يَضُرُّ احْتِمَالُ مُصَادَفَةِ الْمَاءِ الْمُتَنَجِّسِ، أَوْ لَا يَجُوزُ الِاجْتِهَادُ؛ لِأَنَّ مَاءَ الْوَرْدِ لَا مَدْخَلَ لِلِاجْتِهَادِ فِيهِ وَلِاحْتِمَالِ مُصَادَفَتِهِ، وَلَيْسَ كَمُصَادَفَتِهِ الْمَاءَ الْمُتَنَجِّسَ؛ لِأَنَّ لَهُ أَصْلًا فِي الطَّهُورِيَّةِ، بِخِلَافِ مَاءِ الْوَرْدِ فِيهِ نَظَرٌ اهـ سم عَلَى حَجّ. أَقُولُ: وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي وَنُقِلَ عَنْ شَيْخِنَا الْعَلَامَةِ الشَّوْبَرِيِّ أَنَّ الْأَقْرَبَ الْأَوَّلَ. وَبَقِيَ أَيْضًا مَا لَوْ وَقَعَ مِثْلُ ذَلِكَ فِي مَاءٍ طَهُورٍ وَمُتَنَجِّسٍ وَبَوْلٍ، وَالظَّاهِرُ الِامْتِنَاعُ لِغِلَظِ أَمْرِ النَّجَاسَةِ فِي الْبَوْلِ. وَبَقِيَ مَا لَوْ تَلِفَ أَحَدُهُمَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى هَلْ يَجُوزُ لَهُ الِاجْتِهَادُ لِاحْتِمَالِ أَنَّ التَّالِفَ الْمُتَنَجِّسَ أَمْ لَا فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي (قَوْلُهُ: وَلَا يَجْتَهِدُ فِيهِمَا) أَيْ لِلطَّهَارَةِ كَمَا يَأْتِي بِخِلَافِهِ لِلشُّرْبِ فَيَجُوزُ ثُمَّ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ فَظَهَرَ لَهُ الْمَاءُ مِنْهُمَا تَطَهَّرَ بِهِ كَمَا يَأْتِي أَيْضًا.

[فَرْعٌ] إذَا اشْتَبَهَ الْمُسْتَعْمَلُ بِالطَّهُورِ يَجُوزُ لَهُ الِاجْتِهَادُ، قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: وَيَجُوزُ أَنْ يَتَوَضَّأَ بِكُلٍّ مِنْهُمَا مَرَّةً وَيُغْتَفَرُ التَّرَدُّدُ فِي النِّيَّةِ لِلضَّرُورَةِ اهـ. فَقَدْ انْكَشَفَ لَك أَنَّهُ لَيْسَ مَعْنَى الضَّرُورَةِ تَعَذُّرَ الِاجْتِهَادِ اهـ عَمِيرَةُ رحمه الله. وَقَوْلُهُ وَيَجُوزُ أَنْ يَتَوَضَّأَ إلَخْ نَقَلَ ابْنُ حَجَرٍ عَنْ الشَّرْحِ الْمَذْكُورِ خِلَافَ هَذَا. أَقُولُ: وَالْأَقْرَبُ مَا قَالَهُ عَمِيرَةُ، ثُمَّ رَأَيْت ابْنَ قَاسِمٍ عَلَى ابْنِ حَجَرٍ صَرَّحَ بِمَا قُلْته فَقَالَ: قَوْلُهُ لَا يَتَوَضَّأُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا هَذَا مَمْنُوعٌ مَنْعًا وَاضِحًا، بَلْ كَلَامُ الْمَجْمُوعِ كَالْمُهَذَّبِ مُصَرَّحٌ بِالْجَوَازِ إلَى آخَرِ مَا أَطَالَ بِهِ فَلْيُرَاجَعْ رحمه الله (قَوْلُهُ: وَمُقْتَضَى الْعِلَّةِ) أَيْ قَوْلُهُ لِلضَّرُورَةِ (قَوْلُهُ: الْمُحَصِّلَةُ لِلْجَزْمِ) أَيْ فِيمَا لَوْ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ طَاهِرٌ بِنَجَسٍ وَقَدَرَ عَلَى طَاهِرٍ بِيَقِينٍ، فَلِذَلِكَ لَمْ يُوجِبُوا عَلَيْهِ الْجَزْمَ

ــ

[حاشية الرشيدي]

طَاهِرًا بِيَقِينٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ مَا هُنَا وَمَا هُنَاكَ خِلَافًا لِمَا فِي حَاشِيَةِ الشَّيْخِ (قَوْلُهُ: لَا لِلْإِضْرَابِ) صَوَابُهُ لَا لِلْإِبْطَالِ إذْ الْإِضْرَابُ جِنْسٌ يَشْمَلُ الِانْتِقَالَ، وَالْإِبْطَالَ، فَهُوَ قِسْمٌ مِنْهُ لَا قَسِيمُهُ كَمَا فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ (قَوْلُهُ: عَطْفًا عَلَى يَجْتَهِدُ) اُنْظُرْ مَا مَعْنَى الْكَلَامِ إذَا جُعِلَ عَطْفًا عَلَى يَجْتَهِدُ

(قَوْلُهُ: سُلُوكُ الطَّرِيقِ الْمُحَصِّلَةِ لِلْجَزْمِ) أَيْ الْآتِيَةِ فِي قَوْلِهِ عَلَى أَنَّهُ يُمْكِنُ إلَخْ كَمَا هُوَ صَرِيحُ كَلَامِ شَرْحِ الْإِرْشَادِ لِلشِّهَابِ ابْنِ حَجَرٍ خِلَافًا لِمَا فِي حَاشِيَةِ شَيْخِنَا مِمَّا لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّهُ يُنَافِيهِ صَرِيحُ مُغَايَرَةِ الشَّارِحِ بَيْنَ

ص: 94

مُحَصِّلًا لِلْجَزْمِ، عَلَى أَنَّهُ يُمْكِنُ الْجَزْمُ بِالنِّيَّةِ كَأَنْ يَأْخُذَ بِكَفِّهِ مِنْ أَحَدِهِمَا وَبِالْأُخْرَى مِنْ الْآخَرِ وَيَغْسِلَ بِهِمَا خَدَّيْهِ مَعًا نَاوِيًا ثُمَّ يَعْكِسَ ثُمَّ يُتِمَّ وُضُوءَهُ بِأَحَدِهِمَا ثُمَّ بِالْآخَرِ، وَيَلْزَمُهُ حَيْثُ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى طَهُورٍ بِيَقِينٍ التَّطَهُّرُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا، وَلَوْ زَادَتْ قِيمَةُ مَاءِ الْوَرْدِ عَلَى قِيمَةِ مَاءِ الطَّهَارَةِ خِلَافًا لِابْنِ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ لُزُومِ تَكْمِيلِ النَّاقِصِ إنْ لَمْ تَزِدْ قِيمَتُهُ عَلَى ثَمَنِ مَاءِ الطَّهَارَةِ بِأَنَّ الْخَلْطَ ثَمَّ يُذْهِبُ مَالِيَّتَهُ بِالْكُلِّيَّةِ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ مَاءَ وَرْدٍ، وَهُنَا اسْتِعْمَالُهُ مُنْفَرِدًا لَا يُذْهِبُهَا بِالْكُلِّيَّةِ لِإِمْكَانِ تَحْصِيلِ غَسَّالَتِهِ، وَهَذَا أَوْلَى الْفُرُوقِ كَمَا أَوْضَحْته فِي شَرْحِ الْعُبَابِ.

ثُمَّ مَا تَقَدَّمَ مِنْ مَنْعِ الِاجْتِهَادِ فِي مَاءِ الْوَرْدِ مَحَلَّهُ بِالنِّسْبَةِ لِلتَّطْهِيرِ، أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلشُّرْبِ فَيَجُوزُ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَلَهُ التَّطْهِيرُ بِالْآخَرِ لِلْحُكْمِ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ مَاءٌ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الطُّهْرِ أَنَّهُ يَسْتَدْعِي الطَّهُورِيَّةَ وَهُمَا مُخْتَلِفَانِ، وَالشُّرْبُ يَسْتَدْعِي الطَّاهِرِيَّةَ وَهُمَا طَاهِرَانِ، وَإِفْسَادُ الشَّاشِيِّ رُدَّ بِأَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يُحْتَجْ إلَيْهِ فِيهِ لَكِنْ شَرِبَ مَاءَ الْوَرْدِ فِي ظَنِّهِ يَحْتَاجُ إلَيْهِ، وَحِينَئِذٍ فَاسْتِنْتَاجُ الْمَاوَرْدِيِّ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ اسْتِعْمَالَ الْآخَرِ لِلطُّهْرِ وَقَعَ تَبَعًا، وَقَدْ عُهِدَ امْتِنَاعُ الِاجْتِهَادِ لِلشَّيْءِ مَقْصُودًا وَيَسْتَفِيدُهُ تَبَعًا، كَمَا فِي امْتِنَاعِ الِاجْتِهَادِ لِلْوَطْءِ وَيَمْلِكُهُ تَبَعًا فِيهَا لَوْ اشْتَبَهَتْ أَمَتُهُ بِأَمَةِ غَيْرِهِ وَاجْتَهَدَ فِيهِمَا لِلْمِلْكِ فَإِنَّهُ يَطَؤُهَا بَعْدَهُ لِحِلِّ تَصَرُّفِهِ فِيهَا، وَلِكَوْنِهِ يُغْتَفَرُ فِي التَّابِعِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الْمَتْبُوعِ، وَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ مِنْ مَجِيءِ كَلَامِ الْمَاوَرْدِيِّ فِي الْمَاءِ وَالْبَوْلِ بَعِيدٌ، إذْ كَلَامُهُ يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ إنَّمَا أَبَاحَ لَهُ الِاجْتِهَادَ لِيَشْرَبَ مَاءَ الْوَرْدِ ثُمَّ يَتَطَهَّرُ بِالْآخَرِ وَهَذَا غَيْرُ مُمْكِنٍ هُنَا، وَأَيْضًا فَكُلٌّ مِنْ الْمَاءَيْنِ لَهُ أَصْلٌ فِي أَصْلٍ فِي الْمَطْلُوبِ وَهُوَ الشُّرْبُ، فَجَازَ الِاجْتِهَادُ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

فِيمَا لَوْ وَجَدَ مَاءً وَمَاءَ وَرْدٍ فَلَا يُقَالُ هَذَا تَعْلِيلٌ بِصُورَةِ الْمَسْأَلَةِ (قَوْلُهُ: ثُمَّ يَعْكِسُ) لَا يَتَوَقَّفُ انْدِفَاعُ الضَّرُورَةِ عَلَى الْعَكْسِ، بَلْ لَوْ غَسَلَ وَجْهَهُ بِكَمَالِهِ بَعْدَ الْغَسْلَةِ الْمَذْكُورَةِ مِنْ كُلِّ إنَاءٍ مِنْهُمَا مَرَّةً صَحَّ مَعَ تَقَدُّمِ الْجَزْمِ بِالنِّيَّةِ غَايَتُهُ أَنَّ فِيهِ تَكْرَارًا لِمَا غَسَلَهُ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى وَهُوَ لَا يُنَافِي الْجَزْمَ بِالنِّيَّةِ.

(قَوْلُهُ: وَلَوْ زَادَتْ قِيمَةُ مَاءِ الْوَرْدِ) قَدْ يَشْكُلُ عَلَى مَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ إذَا زَادَتْ أُجْرَةُ إذَابَةِ ثَلْجٍ تَعَيَّنَ اسْتِعْمَالُهُ، أَوْ مِلْحٍ مَائِيٍّ عَلَى ثَمَنِ الْمَاءِ لَمْ تَجِبْ إذَابَتُهُ، وَيَعْدِلُ لِلتَّيَمُّمِ إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ مَا يَسْتَعْمِلُهُ هُنَا حَاصِلٌ بِصُورَتِهِ فَلَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ تَفْوِيتُ مَا لَيْسَ بِحَاصِلٍ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ ارْتَفَعَتْ قِيمَةُ الْمَاءِ وَهُوَ فِي يَدِهِ فَإِنَّهُ يَسْتَعْمِلُهُ وَلَا نَظَرَ إلَى ارْتِفَاعِ سِعْرِهِ، بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْمِلْحِ فَإِنَّهُ يَحْتَاجُ فِيهَا إلَى بَذْلِ مَالٍ زَائِدٍ عَلَى مَا يُرِيدُ اسْتِعْمَالَهُ وَذَلِكَ يُعَدُّ غَبْنًا (قَوْلُهُ: وَإِفْسَادُ الشَّاشِيِّ) أَيْ بِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ لِلِاجْتِهَادِ لِلشُّرْبِ لِجَوَازِ شُرْبِ مَاءِ الْوَرْدِ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ الطَّهُورِ، فَلَهُ الْإِقْدَامُ عَلَى أَحَدِهِمَا بِلَا اجْتِهَادِهِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَحْتَجْ إلَيْهِ) أَيْ الِاجْتِهَادِ (قَوْلُهُ: فِي ظَنِّهِ) أَيْ مُرِيدِ الشُّرْبِ (قَوْلُهُ وَحِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ إذْ جَوَّزْنَا لَهُ الِاجْتِهَادَ (قَوْلُهُ فِي الْمَاءِ وَالْبَوْلِ) أَيْ مِنْ أَنَّهُ يَجْتَهِدُ فِيهِمَا لِلشُّرْبِ ثُمَّ يَتَطَهَّرُ مِنْهُمَا بِمَا ظُنَّ طَهَارَتُهُ تَبَعًا (قَوْلُهُ وَهَذَا غَيْرُ مُمْكِنٍ هُنَا) فِيهِ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ الِاجْتِهَادُ

ــ

[حاشية الرشيدي]

تَحْصِيلِ الطَّرِيقِ الْمَذْكُورَةِ وَاسْتِعْمَالِ الطَّهُورِ بِيَقِينٍ (قَوْلُهُ: أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلشُّرْبِ) أَيْ لِشُرْبِ مَاءِ الْوَرْدِ كَمَا هُوَ الْوَاقِعُ فِي كَلَامِ الْمَاوَرْدِيِّ وَأَلْحَقَ بِهِ الشِّهَابُ ابْنُ حَجَرٍ الْمَاءَ (قَوْلُهُ: وَهُمَا مُخْتَلِفَانِ) قَضِيَّتُهُ أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي الطَّهُورِيَّةِ يَمْنَعُ الِاجْتِهَادَ مَعَ أَنَّهُ صُورَةُ مَا فِيهِ الِاجْتِهَادُ كَمَا تَقَدَّمَ أَوَّلَ الْكَلَامِ عَلَى الِاجْتِهَادِ، وَأَيُّ فَائِدَةٍ لِلِاجْتِهَادِ بَيْنَ طَهُورَيْنِ (قَوْلُهُ: وَإِفْسَادُ الشَّاشِيِّ) أَيْ بِأَنَّ الشُّرْبَ لَا يَحْتَاجُ إلَى التَّحَرِّي كَمَا عُلِمَ مِنْ رَدِّهِ (قَوْلُهُ: إذْ كَلَامُهُ يُشِيرُ إلَخْ) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الِاجْتِهَادُ لِيَشْرَبَ الْمَاءَ، وَصَرَّحَ الشِّهَابُ ابْنُ حَجَرٍ بِخِلَافِهِ، وَانْظُرْ مَا الْمَانِعُ مِنْهُ مَعَ أَنَّهُ نَظِيرُ مَسْأَلَةِ الْأَمَةِ الَّتِي قَاسَ عَلَيْهَا (قَوْلُهُ: لَهُ أَصْلٌ فِي الْحَلِّ الْمَطْلُوبِ) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ اجْتَهَدَ فِي مَسْأَلَةِ الْبَوْلِ لِيَتَدَاوَى بِالْبَوْلِ جَازَ

ص: 95

لِذَلِكَ بِخِلَافِ الْمَاءِ وَالْبَوْلِ، فَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ لَا اجْتِهَادَ فِي ذَلِكَ وَنَحْوِهِ كَمَيْتَةٍ وَمُذَكَّاةٍ مُطْلَقًا، بَلْ إنْ وُجِدَ اضْطِرَارٌ جَازَ لَهُ التَّنَاوُلُ هَجْمًا، وَإِلَّا امْتَنَعَ وَلَوْ بِاجْتِهَادٍ وَبِذَلِكَ يَنْدَفِعُ مَا فِي التَّوَسُّطِ وَغَيْرِهِ (وَقِيلَ لَهُ الِاجْتِهَادُ) فِيهِمَا كَالْمَاءَيْنِ وَفَرَّقَ الْأَوَّلَ بِمِثْلِ مَا تَقَدَّمَ فِي الْبَوْلِ

(وَإِذَا اسْتَعْمَلَ) أَيْ أَرَادَ أَنْ يَسْتَعْمِلَ (مَا ظَنَّهُ) الطَّهُورَ مِنْ الْمَاءَيْنِ بِالِاجْتِهَادِ (أَرَاقَ الْآخَرَ) اسْتِحْبَابًا لِئَلَّا يَتَشَوَّشَ بِتَغَيُّرِ ظَنِّهِ فِيهِ مَا لَمْ يَحْتَجْ إلَيْهِ لِنَحْوِ عَطَشٍ، وَعَلِمَ أَنَّ الْإِرَاقَةَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الِاسْتِعْمَالِ (فَإِنْ تَرَكَهُ) مِنْ غَيْرِ إرَاقَةٍ (وَتَغَيَّرَ ظَنُّهُ) فِيهِ مِنْ النَّجَاسَةِ إلَى الطَّهَارَةِ بِسَبَبِ ظُهُورِ أَمَارَةٍ لَهُ وَاحْتَاجَ إلَى الطَّهَارَةِ (لَمْ يَعْمَلْ بِالثَّانِي) مِنْ ظَنَّيْهِ فِيهِ (عَلَى النَّصِّ) لِئَلَّا يُنْقَضَ ظَنٌّ بِظَنٍّ (بَلْ يَتَيَمَّمُ) وَيُصَلِّي (بِلَا إعَادَةٍ فِي الْأَصَحِّ) لِعَدَمِ حُصُولِ طَاهِرٍ بِيَقِينٍ مَعَهُ، وَالثَّانِي يُعِيدُ؛ لِأَنَّ مَعَهُ طَاهِرًا بِالظَّنِّ، فَإِنْ أَرَاقَهُ قَبْلَ الصَّلَاةِ لَمْ يَعُدْ جَزْمًا، وَعَبَّرَ بِقَوْلِهِ تَغَيَّرَ ظَنُّهُ دُونَ اجْتِهَادِهِ تَنْبِيهًا عَلَى عَدَمِ تَسْمِيَتِهِ اجْتِهَادًا لِفَقْدِ شَرْطِهِ عَلَى رَأْيِ الْمُصَنِّفِ.

وَيَجُوزُ أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُهُ أَيْضًا لِيَأْتِيَ عَلَى طَرِيقَتِهِ عَلَى مَا إذَا بَقِيَ بَعْضُ الْأَوَّلِ ثُمَّ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ ثُمَّ تَلِفَ الْبَاقِي دُونَ الْآخَرِ ثُمَّ تَيَمَّمَ، إذْ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمَجْمُوعِ تَرْجِيحُ عَدَمِ الْإِعَادَةِ فِي ذَلِكَ أَيْضًا، وَيَجُوزُ حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا بَقِيَ مِنْ الْأَوَّلِ بَقِيَّةٌ، وَيُقَيَّدُ كَلَامُهُ بِمَا إذَا خَلَطَهُمَا مَثَلًا قَبْلَ التَّيَمُّمِ لِيَصِحَّ عَلَى رَأْيِهِ، وَيُقَيَّدُ عَدَمُ الْإِعَادَةِ بِمَا إذَا كَانَ بِمَحَلٍّ لَمْ يَغْلِبْ وُجُودُ الْمَاءِ فِيهِ، وَيَكُونُ ذَلِكَ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ قَوْلِهِ فِي الْأَصَحِّ فَمَعَهُ يَتَعَيَّنُ تَخْرِيجُهُ، عَلَى رَأْيِ الرَّافِعِيِّ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ طَاهِرٌ بِالظَّنِّ، وَدَعْوَى بَعْضِهِمْ تَخَالُفَهُمَا فِي الْإِعَادَةِ، وَإِنَّمَا عَلَى طَرِيقَةِ الرَّافِعِيِّ لَا تَجِبُ، وَعَلَى طَرِيقَةِ النَّوَوِيِّ تَجِبُ؛ لِأَنَّ مَعَهُ طَهُورًا

ــ

[حاشية الشبراملسي]

فِي الْبَوْلِ وَغَيْرِهِ لِيُسْتَعْمَلَ الْبَوْلُ فِيمَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ فِيهِ كَإِطْفَاءِ نَارٍ وَعَجْنِ طِينٍ (قَوْلُهُ وَمُذَكَّاةٌ مُطْلَقًا) أَيْ لِلْأَكْلِ وَغَيْرِهِ كَإِطْعَامِ الْجَوَارِحِ (قَوْلُهُ: بَلْ إنْ وُجِدَ اضْطِرَارٌ) هَلْ يَجْزِي ذَلِكَ فِي الْمَسْمُومَةِ إذَا مَنَعَ مِنْ الِاجْتِهَادِ أَوْ اجْتَهَدَ وَلَمْ يَظْهَرْ لَهُ فِيهِ نَظَرٌ، وَقَدْ يُقَالُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْهَجْمُ فِي الْمَسْمُومَةِ؛ لِأَنَّ هَجْمَهُ قَدْ يُؤَدِّي إلَى تَنَاوُلِ مَا يَحْصُلُ الضَّرَرُ، وَلَا بُدَّ بِخِلَافِهِ فِي الْمَاءِ وَالْبَوْلِ، فَإِنَّ غَايَةَ مَا يُؤَدِّي إلَيْهِ الْهَجْمُ تَنَاوُلُ النَّجَسِ وَأَمْرُهُ سَهْلٌ لِزَوَالِهِ بِغَسْلِ الْفَمِ فَلْيُرَاجَعْ

(قَوْلُهُ: لِنَحْوِ عَطَشٍ) لَعَلَّ الْمُرَادَ لِعَطَشِ دَابَّةٍ، وَكَذَا آدَمِيٌّ خَافَ مِنْ الْعَطَشِ تَلَفَ نَفْسٍ أَوْ عُضْوٍ أَوْ مَنْفَعَتِهِ، وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ لَهُ شُرْبُهُ؛ لِأَنَّ لَهُ حُكْمَ النَّجَسِ اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ (قَوْلُهُ: وَعَلِمَ أَنَّ الْإِرَاقَةَ إلَخْ) أَيْ مِنْ قَوْلِهِ: أَيْ أَرَادَ أَنْ يَسْتَعْمِلَ لَكِنْ قَالَ سم عَلَى مَنْهَجٍ عِنْدَ قَوْلِهِ قَبْلَ اسْتِعْمَالِهِ: هَذَا الْقَيْدُ مُسْتَفَادٌ مِنْ عِبَارَةِ الْأَصْلِ إنْ حَمَلَ اسْتَعْمَلَ مَا ظَنَّهُ عَلَى إرَادَةِ اسْتِعْمَالِهِ تَأَمَّلْ اهـ بِحُرُوفِهِ.

قَالَ حَجّ: وَيُمْكِنُ بَقَاءُ اسْتَعْمَلَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَعِبَارَتِهِ وَقُيِّدَ بِالِاسْتِعْمَالِ بِفَرْضِ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِاسْتَعْمَلَ، أَرَادَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ الْإِعْرَاضُ عَنْ الْآخَرِ إلَّا بِهِ غَالِبًا، فَلَا يُنَافِي أَنَّ الْمُعْتَمَدَ نَدَبَ الْإِرَاقَةَ قَبْلَهُ لِئَلَّا يَغْلَطَ وَيَتَشَوَّشَ ظَنُّهُ (قَوْلُهُ: لَمْ يَعْمَلْ بِالثَّانِي مِنْ ظَنَّيْهِ فِيهِ) أَيْ بَلْ وَلَا بِالْأَوَّلِ أَيْضًا لِاعْتِقَادِهِ بُطْلَانَ اجْتِهَادِهِ السَّابِقِ، وَمِنْ فَوَائِدِ جَوَازِ الِاجْتِهَادِ الثَّانِي مَعَ امْتِنَاعِ الْعَمَلِ بِهِ أَنَّهُ إذَا ظَنَّ بِهِ طَهَارَةَ الثَّانِي شَرِبَهُ أَوْ بَاعَهُ أَوْ غَسَلَ بِهِ نَجَاسَةً أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ، وَأَنَّهُ لَوْ غَسَلَ أَعْضَاءَهُ بَيْنَهُمَا وَمَا أَصَابَهُ الْمَاءُ الْأَوَّلُ مِنْ ثِيَابِهِ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَطَهَّرَ بِالثَّانِي (قَوْلُهُ: قَبْلَ الصَّلَاةِ) الْمُنَاسِبُ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْخَلْطَ شَرْطٌ لِصِحَّةِ التَّيَمُّمِ أَنْ يَقُولَ فَإِنْ أَرَاقَهُ قَبْلَ التَّيَمُّمِ (قَوْلُهُ: لِفَقْدِ شَرْطِهِ) أَيْ وَهُوَ تَعَدُّدُ الْمُشْتَبَهِ (قَوْلُهُ: مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ قَوْلِهِ فِي الْأَصَحِّ) كَيْفَ يَتَأَتَّى قَطْعُ النَّظَرِ عَنْهُ مَعَ التَّعْبِيرِ بِهِ فِي كَلَامِهِ

ــ

[حاشية الرشيدي]

وَيَتَطَهَّرُ بِالْمَاءِ وَانْظُرْ هَلْ هُوَ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ: كَمَيْتَةٍ وَمُذَكَّاةٍ مُطْلَقًا) الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الْإِطْلَاقَ فِي مُقَابَلَةِ التَّفْصِيلِ بَعْدَهُ، وَأَنَّ ذَلِكَ التَّفْصِيلَ قَالَ بِهِ الْأَذْرَعِيُّ وَمَا فِي حَاشِيَةِ شَيْخِنَا لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ

(قَوْلُهُ: قَبْلَ الصَّلَاةِ) أَيْ وَقَبْلَ التَّيَمُّمِ كَمَا عُلِمَ مِنْ كَلَامِهِ فِيمَا مَرَّ (قَوْلُهُ: وَيُقَيَّدُ عَدَمُ الْإِعَادَةِ) هَذَا لَا خُصُوصِيَّةَ لَهُ بِهَذَا الْحَمْلِ وَإِنْ أَوْهَمَهُ كَلَامُهُ (قَوْلُهُ: يَتَعَيَّنُ تَخْرِيجُهُ عَلَى رَأْيِ الرَّافِعِيِّ فَقَطْ) يُنَاقِضُهُ مَا قَدَّمَهُ مِنْ جَرَيَانِ ذَلِكَ فِي الْحَمْلِ الثَّانِي أَيْضًا كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمَجْمُوعِ (قَوْلُهُ: تَخَالُفُهُمَا) أَيْ الشَّيْخَيْنِ: أَيْ فِي هَذَا الْحَمْلِ الْأَخِيرِ، وَقَوْلُهُ غَفْلَةً عَنْ وُجُوبِ تَقْيِيدِ مَا أَطْلَقَهُ هُنَا بِمَا قَدَّمَهُ:

ص: 96

بِيَقِينِ غَفْلَةٍ عَنْ وُجُوبِ تَقْيِيدِ مَا أَطْلَقَهُ هُنَا بِمَا قَدَّمَهُ مِنْ أَنَّ الْخَلْطَ: أَيْ أَوْ نَحْوَهُ شَرْطٌ لِصِحَّةِ التَّيَمُّمِ، وَهَذَا الْمَسْلَكُ فِي تَقْرِيرِ عِبَارَتِهِ أَوْلَى مِنْ إطْلَاقِ بَعْضِهِمْ تَخْرِيجَ كَلَامِهِ عَلَى الرَّأْيَيْنِ، وَبَعْضُهُمْ حَصَرَهُ عَلَى رَأْيِ الرَّافِعِيِّ، أَمَّا إذَا بَقِيَ مِنْ الْأَوَّلِ بَقِيَّةٌ وَإِنْ لَمْ تَكْفِهِ لِطَهَارَتِهِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ إعَادَةُ الِاجْتِهَادِ إنْ احْتَاجَ إلَيْهَا؛ لِأَنَّ مَعَهُ مَاءً مُتَيَقَّنَ الطَّهَارَةِ، فَإِنْ كَانَ عَلَى طَهَارَتِهِ لَمْ تَجِبْ إعَادَتُهُ إلَّا أَنْ يَتَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ قَبْلَ الْحَدَثِ فَلَا يُصَلِّي بِتِلْكَ الطَّهَارَةِ لِاعْتِقَادِهِ الْآنَ بُطْلَانَهَا فَهُوَ كَمَا لَوْ أَحْدَثَ وَاجْتَهَدَ وَتَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ، قَالَهُ ابْنُ الْعِمَادِ وَهُوَ ظَاهِرٌ.

ثُمَّ إذَا أَعَادَهُ فَإِنْ اتَّفَقَ الِاجْتِهَادَانِ فَذَاكَ، وَإِنْ اخْتَلَفَا بِأَنْ ظَنَّ طَهَارَةَ مَا ظَنَّ نَجَاسَتَهُ أَوَّلًا فَفِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ، وَالْأَرْجَحُ مِنْهُ عَدَمُ الْعَمَلِ بِالثَّانِي وَإِنْ كَانَ أَوْضَحَ مِنْ الْأَوَّلِ لِمَا فِيهِ مِنْ نَقْصِ الِاجْتِهَادِ بِالِاجْتِهَادِ إنَّ غَسْلَ مَا أَصَابَهُ الْأَوَّلُ، وَمِنْ الصَّلَاةِ بِنَجَاسَةٍ إنْ لَمْ يَغْسِلْهُ وَبِهَذَا فَارَقَ جَوَازَ الْعَمَلِ بِالثَّانِي فِي نَظِيرِهِ مِنْ الثَّوْبِ وَالْقِبْلَةِ، وَاسْتَنْبَطَ الْبُلْقِينِيُّ مِنْ التَّعْلِيلِ السَّابِقِ أَنَّ مَحَلَّ عَدَمِ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

قَوْلُهُ: عَلَى الرَّأْيَيْنِ) أَيْ رَأْيِ النَّوَوِيِّ وَالرَّافِعِيِّ (قَوْلُهُ: إنْ احْتَاجَ إلَيْهَا) أَيْ بِأَنْ أَحْدَثَ وَحَضَرَتْ صَلَاةٌ أُخْرَى وَلَمْ يَكُنْ ذَاكِرًا لِلدَّلِيلِ الْأَوَّلِ أَوْ عَارَضَهُ مُعَارِضٌ (قَوْلُهُ: فَلَا يُصَلِّي بِتِلْكَ الطَّهَارَةِ) وَلَا يَصِحُّ تَيَمُّمُهُ قَبْلَ غَسْلِ أَعْضَائِهِ لِظَنِّهِ نَجَاسَتَهَا وَهِيَ مَانِعَةٌ مِنْ صِحَّةِ التَّيَمُّمِ كَذَا بِبَعْضِ الْهَوَامِشِ. وَيَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَامْتَنَعَ التَّيَمُّمُ فِي مَسْأَلَةِ الْمَتْنِ، وَهِيَ مَا لَوْ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ بَعْدَ طَهَارَتِهِ مِنْ الْأَوَّلِ وَحَدَثِهِ، فَإِنَّهُ لَا يَعْمَلُ بِالثَّانِي وَيَتَيَمَّمُ بَعْدَ تَلَفِ مَا بَقِيَ مِنْ الْأَوَّلِ إنْ بَقِيَ مِنْهُ شَيْءٌ بِلَا إعَادَةٍ مَعَ أَنَّهُ يَظُنُّ نَجَاسَةَ أَعْضَائِهِ مِنْ أَثَرِ الْوُضُوءِ الْأَوَّلِ، فَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الظَّنَّ لَا اعْتِبَارَ بِهِ فَيَصِحُّ تَيَمُّمُهُ وَإِنْ لَمْ يُطَهِّرْ أَعْضَاءَهُ.

لَا يُقَالُ: يُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ الْمَتْنِ عَلَى مَا لَوْ غَسَلَ أَعْضَاءَهُ قَبْلَ التَّيَمُّمِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: هَذِهِ لَوْ وُجِدَتْ جَازَ لَهُ بَلْ وَجَبَ عَلَيْهِ عِنْدَ الْفَقْدِ اسْتِعْمَالُ الثَّانِي حَيْثُ ظَنَّ طَهَارَتَهُ كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ كَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ ظَاهِرٌ) خِلَافًا لحج (قَوْلُهُ ثُمَّ إذَا أَعَادَهُ) أَيْ أَعَادَ الِاجْتِهَادَ (قَوْلُهُ وَبِهَذَا فَارَقَ جَوَازَ إلَخْ) أَيْ بِقَوْلِهِ

ــ

[حاشية الرشيدي]

أَيْ الَّذِي قَدَّمَهُ هُوَ قَرِيبًا بِقَوْلِهِ، وَيُقَيَّدُ كَلَامُهُ بِمَا إذَا خَلَطَهُمَا مَثَلًا (قَوْلُهُ: وَهَذَا الْمَسْلَكُ) أَيْ الْأَخِيرُ، فَإِنَّ الشِّهَابَ ابْنَ حَجَرٍ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي شَرْحِهِ ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا الْمَسْلَكُ إلَى آخِرِ مَا سَيَأْتِي فِي الشَّرْحِ وَالشَّارِحُ تَبِعَهُ، لَكِنْ بَعْد أَنْ قَدَّمَ الْمَسْلَكَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ فِي كَلَامِهِ اللَّذَيْنِ أَحَدُهُمَا حَمْلُهُ الْمَتْنَ عَلَى طَرِيقَةِ الرَّافِعِيِّ، وَهُوَ الَّذِي حَلَّ بِهِ الْمَتْنَ فَلَمْ يَتَأَتَّ قَوْلُهُ: وَبَعْضُهُمْ حَصَرَهُ عَلَى رَأْيِ الرَّافِعِيِّ.

وَاعْلَمْ أَنَّ الشِّهَابَ ابْنَ قَاسِمٍ كَتَبَ عَلَى هَذَا الْمَسْلَكِ فِي كَلَامِ الشِّهَابِ ابْنِ حَجَرٍ مَا نَصُّهُ: اعْلَمْ أَنَّ الْجَلَالَ الْمَحَلِّيَّ بَيَّنَ أَنَّ فِي وُجُوبِ الْإِعَادَةِ عَلَى كُلٍّ مِنْ طَرِيقِ الرَّافِعِيِّ وَطَرِيقِ الْمُصَنِّفِ خِلَافًا إلَّا أَنَّ الْأَصَحَّ مِنْهُ عَلَى طَرِيقِ الرَّافِعِيِّ: أَيْ بِأَنْ لَمْ يَبْقَ مِنْ الْأَوَّلِ بَقِيَّةُ عَدَمِ الْوُجُوبِ، وَعَلَى طَرِيقِ الْمُصَنِّفِ بِأَنْ بَقِيَ الْوُجُوبُ، وَبَيَّنَ أَيْضًا أَنَّ مَحَلَّ خِلَافِ الْإِعَادَةِ فِيهِمَا إذَا لَمْ يُرِقْ الْبَاقِيَ فِي الْأَوَّلِ وَلَمْ يُرِقْهُمَا فِي الثَّانِي قَبْلَ الصَّلَاةِ فِيهِمَا، فَإِنْ أَرَاقَ مَا ذُكِرَ قَبْلَهَا فَلَا إعَادَةَ جَزْمًا، لَكِنْ اعْتِبَارُهُ كَوْنَ الْإِرَاقَةِ قَبْلَ الصَّلَاةِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ضَعِيفًا أَوْ فِيهِ تَجَوُّزٌ، وَإِلَّا فَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ كَوْنُ الْإِرَاقَةِ قَبْلَ التَّيَمُّمِ.

إذَا عَلِمْت ذَلِكَ عَلِمْت أَنَّ حِكَايَةَ الْخِلَافِ فِي الْإِعَادَةِ تَقْتَضِي التَّصْوِيرَ بِمَا إذَا انْتَفَتْ الْإِرَاقَةُ: أَيْ وَنَحْوُهَا، إذْ لَوْ لَمْ تَنْتَفِ كَانَ عَدَمُ الْإِعَادَةِ مَجْزُومًا بِهِ، وَحِينَئِذٍ فَالْمَسْأَلَةُ مُصَوَّرَةٌ بِمَا إذَا انْتَفَتْ الْإِرَاقَةُ وَنَحْوُهَا، وَإِذَا كَانَتْ مُصَوَّرَةً بِذَلِكَ تَعَيَّنَ مَا قَالَهُ الْبَعْضُ الْمَذْكُورُ مِنْ التَّخَالُفِ فِي الْإِعَادَةِ وَإِجْرَاءُ الْكَلَامِ هُنَا عَلَى إطْلَاقِهِ إذْ تَقْيِيدُهُ يُنَافِي ذِكْرَ الْخِلَافِ، فَقَوْلُهُ إنْ زَعَمَ الْبَعْضُ الْمَذْكُورُ غَفْلَةً لَعَلَّهُ غَفْلَةً وَمِنْ هُنَا يَظْهَرُ مَا فِي قَوْلِهِمْ؛ لِأَنَّهُ لَا يُظْهِرُهُ مَقَالُ الْأَصَحِّ إلَخْ،؛ لِأَنَّهُ يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ مُقَابِلَ الْأَصَحِّ لَا يَأْتِي أَيْضًا عَلَى طَرِيقِ الرَّافِعِيِّ إذَا حَصَلَتْ الْإِرَاقَةُ الَّتِي هِيَ مِنْ نَحْوِ الْخَلْطِ، بَلْ الْوَجْهُ أَنْ يُقَالَ فِي تَوْجِيهِ تَعَيُّنِ التَّخْرِيجِ عَلَى رَأْيِ الرَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَأْتِي تَصْحِيحُ عَدَمِ الْإِعَادَةِ عَلَى طَرِيقِ الْمُصَنِّفِ، بَلْ الصَّحِيحُ حِينَئِذٍ هُوَ الْإِعَادَةُ، فَأَحْسِنْ التَّأَمُّلَ بِالْإِنْصَافِ انْتَهَى (قَوْلُهُ: أَمَّا إذَا بَقِيَ مِنْ الْأَوَّلِ بَقِيَّةٌ) يُتَأَمَّلُ هَذَا السِّيَاقُ (قَوْلُهُ: قَبْلَ الْحَدَثِ) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ بَلْ الْأَوْلَى حَذْفُهُ (قَوْلُهُ: وَمِنْ الصَّلَاةِ بِنَجَاسَةٍ إلَخْ) هَذَا لَا يَأْتِي إذَا كَانَ الِاجْتِهَادُ بَيْنَ طَهُورٍ وَمُسْتَعْمَلٍ، قَالَ الشِّهَابُ ابْنُ قَاسِمٍ:

ص: 97

الْعَمَلِ بِالثَّانِي إذَا لَمْ يَسْتَعْمِلْ بَعْدَ الْأَوَّلِ مَاءً طَهُورًا بِيَقِينٍ أَوْ بِاجْتِهَادٍ غَيْرِ ذَلِكَ الِاجْتِهَادِ لِانْتِفَاءِ التَّعْلِيلِ حِينَئِذٍ الَّذِي ذَكَرُوهُ فِي هَذَا التَّصْوِيرِ، قَالَ: وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ. قُلْت: وَهُوَ وَاضِحٌ وَقَدْ أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. وَعُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ وُجُوبُ إعَادَةِ الِاجْتِهَادِ لِكُلِّ صَلَاةٍ يُرِيدُ فِعْلَهَا، نَعَمْ إنْ كَانَ ذَاكِرًا لِدَلِيلِهِ الْأَوَّلِ لَمْ يَعُدَّهُ، بِخِلَافِ الثَّوْبِ الْمَظْنُونِ طَهَارَتَهُ بِالِاجْتِهَادِ فَإِنَّ بَقَاءَهُ بِحَالِهِ بِمَنْزِلَةِ بَقَاءِ الشَّخْصِ مُتَطَهِّرًا فَيُصَلِّي فِيهِ مَا شَاءَ حَيْثُ لَمْ يَتَغَيَّرْ ظَنُّهُ، سَوَاءٌ أَكَانَ يَسْتَتِرُ بِجَمِيعِهِ أَمْ يُمْكِنُهُ الِاسْتِتَارُ بِبَعْضِهِ لِكِبَرِهِ، فَقَطَعَ مِنْهُ قِطْعَةً وَاسْتَتَرَ بِهَا وَصَلَّى ثُمَّ احْتَاجَ إلَى السَّتْرِ لَتَلِفَ مَا اسْتَتَرَ بِهِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى إعَادَةِ الِاجْتِهَادِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمَجْمُوعِ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ خِلَافًا لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ.

وَخَرَّجَ ابْنُ سُرَيْجٍ مِنْ النَّصِّ فِي تَغَيُّرِ الِاجْتِهَادِ فِي الْقِبْلَةِ الْعَمَلَ بِالثَّانِي وَفَرَّقَ بِمَا تَقَدَّمَ

(وَلَوْ)(أَخْبَرَهُ بِتَنَجُّسِهِ) أَيْ الْمَاءِ أَوْ غَيْرِهِ، أَوْ بِاسْتِعْمَالِهِ وَلَوْ عَلَى الْإِبْهَامِ، أَوْ بِطَهَارَتِهِ عَلَى التَّعْيِينِ قَبْلَ اسْتِعْمَالِ ذَلِكَ أَوْ بَعْدَهُ وَفَارَقَ الْإِبْهَامَ، ثُمَّ التَّعْيِينُ هُنَا بِأَنَّ التَّنَجُّسَ عَلَى الْإِبْهَامِ يُوجِبُ اجْتِنَابُهُمَا، وَالطَّهَارَةُ عَلَى الْإِبْهَامِ لَا تُجَوِّزُ اسْتِعْمَالَ وَاحِدٍ مِنْهُمَا

ــ

[حاشية الشبراملسي]

لِمَا فِيهِ مِنْ نَقْضٍ إلَخْ (قَوْلُهُ: لِانْتِفَاءِ التَّعْلِيلِ) هُوَ قَوْلُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ نَقْصِ الِاجْتِهَادِ بِالِاجْتِهَادِ إلَخْ (قَوْلُهُ يُرِيدُ فِعْلَهَا) أَيْ مَا لَمْ يَكُنْ بَاقِيًا عَلَى طَهَارَتِهِ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الثَّوْبِ) لَوْ اجْتَهَدَ فِي ثَوْبَيْنِ طَاهِرٌ وَنَجَسٌ وَلَمْ يَظْهَرْ لَهُ الطَّاهِرُ فَهَلْ يُصَلِّي عَارِيًّا وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ الْوُصُولِ إلَى الطَّاهِرِ فَكَانَ كَالْمَعْدُومِ، أَوْ يُصَلِّي عَارِيًّا وَعَلَيْهِ الْإِعَادَةُ لِوُجُودِ ثَوْبٍ طَاهِرٍ مَعَهُ فِي الْجُمْلَةِ، أَوْ يُصَلِّي فِي كُلِّ مَرَّةٍ كَالْمَاءِ وَمَاءِ الْوَرْدِ كُلٌّ مُحْتَمَلٌ، وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي، وَيُفَرَّقُ بَيْنَ مَنْعِ صَلَاتِهِ بِكُلٍّ مِنْهُمَا مَرَّةً وَبَيْنَ وُضُوئِهِ بِكُلٍّ مِنْ الْمَاءِ وَمَاءُ الْوَرْدِ بِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَى هَذَا الصَّلَاةُ بِيَقِينِ النَّجَاسَةِ فَيَكُونُ مُرْتَكِبًا لِعِبَادَةٍ فَاسِدَةٍ دُونَ الْمَاءِ وَمَاءِ وَرْدٍ فَتَأَمَّلْ، ثُمَّ رَأَيْت فِي بَابِ شُرُوطِ الصَّلَاةِ بَعْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَلَوْ اشْتَبَهَ طَاهِرٌ وَنَجَسٌ اجْتَهَدَ مَا نَصُّهُ: وَلَوْ اجْتَهَدَ فِي الثَّوْبَيْنِ وَنَحْوِهِمَا فَلَمْ يَظْهَرْ لَهُ شَيْءٌ صَلَّى عَارِيًّا، وَفِي أَحَدِ الْبَيْتَيْنِ لِحُرْمَةِ الْوَقْتِ وَلَزِمَتْهُ الْإِعَادَةُ لِكَوْنِهِ مُقَصِّرًا بِعَدَمِ إدْرَاكِ الْعَلَامَةِ، وَلِأَنَّ مَعَهُ ثَوْبًا أَوْ مَكَانًا طَاهِرًا بِيَقِينٍ اهـ بِحُرُوفِهِ رحمه الله.

وَقَوْلُهُ لِكَوْنِهِ مُقَصِّرًا يُؤْخَذُ مِنْهُ وُجُوبُ الْقَضَاءِ فَوْرًا، وَبِهِ صَرَّحَ الشَّارِحُ فِي الصَّوْمِ وَابْنُ حَجَرٍ أَيْضًا فِيمَا لَوْ لَمْ يَرَوْا الْهِلَالَ فَأَفْطَرُوا ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ وَعَلَّلُوهُ بِتَقْصِيرِهِمْ بِعَدَمِ الرُّؤْيَةِ (قَوْلُهُ: وَفَرَّقَ بِمَا تَقَدَّمَ) أَيْ مِنْ قَوْلِهِ لَمَّا فِيهِ إلَخْ

(قَوْلُهُ: وَلَوْ عَلَى الْإِبْهَامِ) وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا لَوْ تَوَضَّأَ مِنْ أَحَدِ إنَاءَيْنِ بِلَا اشْتِبَاهٍ فَأَخْبَرَ بِنَجَاسَةِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْإِبْهَامِ فَاجْتَهَدَ وَأَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ إلَى نَجَاسَةِ مَا تَطَهَّرَ مِنْهُ فَيَجِبُ إعَادَةُ مَا صَلَّاهُ بِتِلْكَ الطَّهَارَةِ.

وَعِبَارَةُ سم عَلَى مَنْهَجٍ قَوْلُهُ وَلَوْ أَخْبَرَ إلَخْ لَوْ تَوَضَّأَ شَخْصٌ مِنْ أَحَدِ إنَاءَيْنِ وَلَمْ يَعْلَمْ فِيهِمَا نَجَاسَةً وَصَلَّى ثُمَّ أَخْبَرَهُ عَدْلٌ بِنَجَاسَةِ أَحَدِهِمَا لَا عَلَى التَّعْيِينِ، فَالْوَجْهُ كَمَا نَقَلَهُ شَيْخُنَا طب عَنْ بَعْضِهِمْ وَارْتَضَاهُ وُجُوبُ إعَادَةِ الصَّلَاةِ لِتَبَيُّنِ نَجَاسَةِ أَحَدِهِمَا، وَأَنَّهُ كَانَ الْوَاجِبُ الِاجْتِهَادَ اَ هـ بِحُرُوفِهِ (قَوْلُهُ: قَبْلَ اسْتِعْمَالِ ذَلِكَ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ وَلَوْ أُخْبِرَ إلَخْ

ــ

[حاشية الرشيدي]

فَيُتَّجَهُ فِيهِ الْعَمَلُ بِالثَّانِي مُطْلَقًا (قَوْلُهُ: أَوْ بِاجْتِهَادٍ غَيْرِ ذَلِكَ الِاجْتِهَادِ) أَيْ فِي مَاءٍ غَيْرِ هَذَيْنِ الْمَاءَيْنِ (قَوْلُهُ: لِكُلِّ صَلَاةٍ) أَيْ إنْ أَحْدَثَ أَوْ تَغَيَّرَ ظَنُّهُ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ

(قَوْلُهُ: أَوْ بَعْدَهُ) قَدْ يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ الطَّهَارَةِ بِمَاءٍ لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ إذَا أَخْبَرَ بَعْدَهَا بِطَهَارَتِهِ، وَفِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ قَالَهُ الشِّهَابُ ابْنُ قَاسِمٍ، وَوَجْهُ النَّظَرِ أَنَّ طَهَارَتَهُ قَبْلَ التَّعْيِينِ بَاطِلَةٌ لِفَقْدِ شَرْطِهَا الَّذِي هُوَ ظَنُّ طَهَارَةِ الْمَاءِ فَلَا تَنْقَلِبُ صَحِيحَةً بِالتَّعْيِينِ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ فِي الْعِبَادَاتِ بِمَا فِي ظَنِّ الْمُكَلَّفِ لَا بِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ.

وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ الصُّورَةَ أَنَّهُ كَانَ يَعْلَمُ نَجَاسَةَ أَحَدِ الْمَاءَيْنِ مُبْهَمًا (قَوْلُهُ: وَفَارَقَ الْإِبْهَامَ ثَمَّ) أَيْ الِاكْتِفَاءُ بِهِ، وَقَوْلُهُ التَّعْيِينُ هُنَا: أَيْ اشْتِرَاطُهُ وَعَدَمُ الِاكْتِفَاءِ بِالْإِبْهَامِ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الشِّهَابُ ابْنُ قَاسِمٍ فِي حَوَاشِي التُّحْفَةِ عَلَى هَذَا الْفَرْقِ مَا نَصُّهُ: إذَا تَأَمَّلْت الْفَرْقَ الَّذِي أَبْدَاهُ وَجَدْته إنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ الْإِبْهَامِ ثَمَّ وَعَدَمُ اعْتِبَارِهِ هُنَا فَتَأَمَّلْهُ انْتَهَى (قَوْلُهُ: وَالطَّهَارَةُ عَلَى الْإِبْهَامِ) لَعَلَّ صُورَتَهُ أَنَّهُ رَأَى كَلْبًا مَثَلًا بِقُرْبٍ لِإِنَاءَيْنِ وَشَكَّ هَلْ وَلَغَ فِيهِمَا أَوْ فِي أَحَدِهِمَا،

ص: 98

وَإِنْ اسْتَوَيَا فِي إفَادَةِ الْإِبْهَامِ جَوَازَ الِاجْتِهَادِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا (مَقْبُولُ الرِّوَايَةِ) رَجُلًا كَانَ أَوْ امْرَأَةً عَبْدًا كَانَ أَوْ حُرًّا بَصِيرًا كَانَ أَوْ أَعْمَى، عَنْ نَفْسِهِ أَوْ عَنْ عَدْلٍ آخَرَ، بِخِلَافِ الْكَافِرِ وَالْفَاسِقِ وَالْمَجْهُولِ وَالْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ وَلَوْ مُمَيِّزًا، وَفِيمَا يَعْتَمِدُ الْمُشَاهَدَةَ فَإِنَّ رِوَايَتَهُمْ لَا تُقِيلُ، نَعَمْ لَوْ قَالَ مَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ التَّعْدِيلِ أَخْبَرَنِي بِذَلِكَ عَدْلٌ فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ بِهِ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي شَرْحِ الْمُسْنَدِ؛ وَلَوْ أَخْبَرَ الصَّبِيُّ بَعْدَ بُلُوغِهِ عَمَّا شَاهَدَهُ فِي صِبَاهُ مِنْ تَنَجُّسِ إنَاءٍ وَنَحْوِهِ قُبِلَ وَوَجَبَ الْعَمَلُ بِمُقْتَضَاهُ فِي الزَّمَنِ الْمَاضِي أَيْضًا. وَمَحَلُّ مَا تَقَرَّرَ مِنْ عَدَمِ قَبُولِ مَنْ تَقَدَّمَ بِالنِّسْبَةِ لِإِخْبَارِهِمْ عَنْ فِعْلِ غَيْرِهِمْ، فَمَنْ أَخْبَرَ مِنْهُمْ عَنْ فِعْلِ نَفْسِهِ فِي غَيْرِ الْمَجْنُونِ كَقَوْلِهِ بُلْت فِي هَذَا الْإِنَاءِ قُبِلَ كَمَا قَالَهُ جَمْعٌ قِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

قَوْلُهُ: وَإِنْ اسْتَوَيَا) الْإِبْهَامَانِ وَهُمَا إبْهَامُ الطَّهَارَةِ وَإِبْهَامُ النَّجَاسَةِ فِي جَوَازِ إلَخْ. وَعِبَارَةُ حَجّ وَإِنْ اسْتَوَيَا فِي إفَادَةِ الْإِبْهَامِ فِي كُلٍّ جَوَازُ الِاجْتِهَادِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا وَهِيَ أَوْضَحُ لِصَرَاحَتِهَا فِي أَنَّ جَوَازَ مَفْعُولِ الْإِفَادَةِ (قَوْلُهُ: أَوْ عَنْ عَدْلٍ) أَيْ عَيْنُهُ كَزَيْدٍ وَعَرَفَ الْمُخَبِّرُ عَنْهُ عَدَالَتَهُ وَكَذَا لَوْ قَالَ أَخْبَرَنِي عَدْلٌ وَكَانَ مِنْ أَهْلِ التَّعْدِيلِ عَلَى مَا يَأْتِي عَنْ شَرْحِ الْمُسْنَدِ (قَوْلُهُ وَالْفَاسِقُ) اقْتِصَارٌ فِي الْمُحْتَرَزِ عَلَى مَا ذَكَرَ يُفِيدُ أَنَّ مَنْ لَمْ يُحَافِظْ عَلَى مُرُوءَةِ أَمْثَالِهِ تُقْبَلُ رِوَايَتُهُ أَيْ وَهَلْ هُوَ كَذَلِكَ أَوْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ فَلْيُرَاجَعْ، وَقِيَاسُ مَا قَالُوهُ فِي الصَّوْمِ وَفِي دُخُولِ الْوَقْتِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ اعْتَقَدَ صِدْقَ الْفَاسِقِ عُمِلَ بِهِ مَجِيئُهُ هُنَا (قَوْلُهُ: وَالْمَجْهُولُ) أَيْ مَجْهُولُ الْعَدَالَةِ، أَمَّا مَجْهُولُ الْإِسْلَامِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ أَخْذًا مِمَّا يَأْتِي فِيمَا لَوْ وَجَدَ قِطْعَةَ لَحْمٍ فِي إنَاءٍ أَوْ خِرْقَةٍ إنْ كَانَ بِبَلَدٍ لَا مَجُوسَ فِيهِ أَوْ كَانَ الْمُسْلِمُونَ أَكْثَرَ حُكْمٍ بِإِسْلَامِهِ وَإِلَّا فَلَا، لَكِنْ هَذَا وَإِنْ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ لَا تُعْلَمُ عَدَالَتُهُ إلَّا إذَا اكْتَفَى قَبُولَ الْخَبَرِ بِظَاهِرِ الْعَدَالَةِ، وَقُلْنَا: الْمُرَادُ بِظَاهِرِهَا أَنْ لَا يُعْرَفَ لَهُ مُفَسِّقٌ، وَهُوَ مَا جَرَى عَلَيْهِ الشَّارِحُ فِي وَلِيِّ النِّكَاحِ وَشَاهِدَيْهِ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِمَجْهُولِ الْعَدَالَةِ مَنْ عُرِفَ لَهُ مُفَسِّقٌ ثُمَّ شَكَّ فِي تَوْبَتِهِ مِنْهُ، وَإِلَّا فَمَنْ لَمْ يُعْرَفْ لَهُ مُفَسِّقٌ مَسْتُورُ الْعَدَالَةِ لَا مَجْهُولُهَا عَلَى مَا جَرَى عَلَيْهِ الشَّارِحُ، نَعَمْ عَلَى مَا جَرَى عَلَيْهِ الْمَحَلِّيُّ ثُمَّ مِنْ أَنَّ مَسْتُورَ الْعَدَالَةِ مَنْ عُرِفَ بِهَا ظَاهِرًا.

نَقُولُ: هُوَ مَنْ لَمْ يُعْرَفْ حَالُهُ اهـ (قَوْلُهُ: وَفِيمَا يَعْتَمِدُ الْمُشَاهَدَةَ) أَيْ وَلَوْ كَانَ إخْبَارُهُمْ فِيمَا يَعْتَمِدُ الْمُشَاهَدَةَ (قَوْلُهُ: نَعَمْ لَوْ قَالَ) كَأَنَّهُ اسْتِدْرَاكٌ عَلَى عَدَمِ قَبُولِ خَبَرِ الْمَجْهُولِ (قَوْلُهُ وَنَحْوِهِ) أَيْ وَتَنَجَّسَ نَحْوُ الْإِنَاءِ وَمِثْلُهُ كُلُّ مَا أَخْبَرَ بِهِ بَعْدَ الْبُلُوغِ مُسْتَنِدًا لِمُعَايَنَتِهِ قَبْلَهُ وَاقْتِصَارُهُ عَلَى إخْبَارِ الصَّبِيِّ بَعْدَ بُلُوغِهِ قَدْ يُفْهَمُ أَنَّ الْكَافِرَ وَالْفَاسِقَ إذَا أَخْبَرَ بِهِ بَعْدَ إسْلَامِ الْأَوَّلِ وَتَوْبَةِ الثَّانِي لَا يُقْبَلُ خَبَرُهُمَا، وَيَنْبَغِي أَنْ يَأْتِيَ فِي خَبَرِهِمَا مَا ذَكَرُوهُ فِي شَهَادَتِهِمَا الْمُعَادَةِ (قَوْلُهُ: فِي غَيْرِ الْمَجْنُونِ) وَمِثْلُهُ الصَّبِيُّ الْغَيْرُ الْمُمَيَّزِ (قَوْلُهُ: فِي هَذَا الْإِنَاءِ قَبْلُ) أَيْ وَلَوْ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ كَذَّبَهُ احْتِيَاطًا لِلْعِبَادَةِ، وَمَحَلُّهُ أَيْضًا إذَا لَمْ تَقْطَعْ الْعَادَةُ بِكَذِبِهِ وَإِلَّا فَلَا يُقْبَلُ خَبَرُهُ، لَكِنَّ التَّوْجِيهَ

ــ

[حاشية الرشيدي]

أَمَّا إذَا كَانَ عَالِمًا بِطَهَارَتِهِمَا فَلَا فَائِدَةَ فِي الْإِخْبَارِ الْمَذْكُورِ حِينَئِذٍ فَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مَا سَيَأْتِي مِنْ قَوْلِهِ وَإِنْ اسْتَوَيَا فِي إفَادَةِ الْإِبْهَامِ، وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ عَالِمًا بِنَجَاسَتِهِمَا فَعُلِمَ أَنَّ الصُّورَةَ هُنَا غَيْرُهَا فِيمَا مَرَّ (قَوْلُهُ: فِي إفَادَةِ الْإِبْهَامِ) مَصْدَرٌ مُضَافٌ لِفَاعِلِهِ وَمَفْعُولُهُ جَوَازُ الْآتِي، وَسَقَطَ فِي النُّسْخَةِ الَّتِي كَتَبَ عَلَيْهَا الشَّيْخُ لَفْظُ كُلٍّ الْمُنَوَّنُ قَبْلَ قَوْلِهِ جَوَازُ، وَلَا خَفَاءَ أَنَّهُ يَفْسُدُ الْمَعْنَى حِينَئِذٍ (قَوْلُهُ: أَوْ عَنْ عَدْلٍ آخَرَ) أَيْ بِأَنْ يَقُولَ أَخْبَرَنِي زَيْدٌ، وَهُوَ يَعْرِفُ عَدَالَتَهُ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي (قَوْلُهُ: وَفِيمَا يَعْتَمِدُ الْمُشَاهَدَةَ) أَشَارَ بِهَذِهِ الْغَايَةِ إلَى خِلَافٍ وَقَعَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ فِي بَابِ الْأَذَانِ فِي قَبُولِ إخْبَارِ الْمُمَيِّزِ فِيمَا طَرِيقُهُ الْمُشَاهَدَةُ فَعُلِمَ أَنَّهُ غَايَةٌ فِي الْمُمَيِّزِ خَاصَّةً كَمَا هُوَ صَرِيحُ عِبَارَةِ الشَّارِحِ خِلَافًا لِمَا وَقَعَ فِي حَاشِيَةِ الشَّيْخِ.

(قَوْلُهُ: نَعَمْ لَوْ قَالَ مَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ التَّعْدِيلِ إلَخْ) هَذَا اسْتِدْرَاكٌ عَلَى مَفْهُومِ قَوْلِهِ السَّابِقِ أَوْ عَنْ عَدْلٍ آخَرَ بِالنَّظَرِ لِمَا صَوَّرْنَاهُ بِهِ كَأَنَّهُ قَالَ: عَنْ عَدْلٍ مَعْرُوفِ الْعَدَالَةِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مُبْهَمًا كَأَنْ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَدْلٌ، فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ نَعَمْ إلَى آخِرِهِ (قَوْلُهُ: بُلْت فِي هَذَا الْإِنَاءِ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِهِ السَّبَبَ، وَهُوَ

ص: 99

قَالَ أَنَا مُتَطَهِّرٌ أَوْ مُحْدِثٌ، وَكَمَا يُقْبَلُ خَبَرُ الذِّمِّيِّ عَنْ شَاتِه بِأَنَّهُ ذَكَّاهَا، وَكَإِخْبَارِهِ عَنْ فِعْلِ نَفْسِهِ إخْبَارَهُ الْمُتَوَاتِرَ بِأَنْ كَانَ جَمْعًا يُؤْمَنُ تَوَاطُؤُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ، عَلَى أَنَّ الْقَبُولَ إنَّمَا هُوَ مِنْ حَيْثُ الْعِلْمُ لَا مِنْ حَيْثُ الْإِخْبَارُ. وَعُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّ قَوْلَ نَحْوِ الْفَاسِقِ مِمَّنْ ذُكِرَ طَهَّرْت الثَّوْبَ مَقْبُولٌ لِإِخْبَارِهِ عَنْ فِعْلِ نَفْسِهِ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ طَهُرَ هَذَا الثَّوْبُ أَوْ غُسِلَ الْمَيِّتُ وَإِنْ جَرَى بَعْضُهُمْ عَلَى قَبُولِهِ فِي الشِّقَّيْنِ (وَبَيَّنَ السَّبَبَ) فِي تَنَجُّسِهِ أَوْ اسْتِعْمَالِهِ أَوْ طُهْرِهِ كَوُلُوغِ كَلْبٍ سَوَاءٌ أَكَانَ عَامِّيًّا أَمْ فَقِيهًا مُوَافِقًا لِلْمُخْبَرِ أَمْ مُخَالِفًا (أَوْ كَانَ فَقِيهًا) فِي بَابِ تَنَجُّسِ الْمِيَاهِ (مُوَافِقًا) لِلْخَبَرِ فِي مَذْهَبِهِ فِي ذَلِكَ (اعْتَمَدَهُ) حَتْمًا بِخِلَافِ غَيْرِ الْفَقِيهِ أَوْ الْفَقِيهِ الْمُخَالِفِ أَوْ الْمَجْهُولِ مَذْهَبُهُ فَلَا يَعْتَمِدُهُ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ لِذَلِكَ لِاحْتِمَالِ أَنْ يُخْبِرَ بِتَنَجُّسِ مَا لَمْ يَتَنَجَّسْ عَنْ الْمُخْبِرِ.

وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا لَوْ كَانَ الْحُكْمُ الَّذِي يُخْبِرُ بِهِ قَدْ وَقَعَ فِيهِ نِزَاعٌ وَاخْتِلَافُ تَرْجِيحٍ، فَيَكُونُ الْأَرْجَحُ فِيهِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ السَّبَبِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَعْتَقِدُ تَرْجِيحَ مَا لَا يَعْتَقِدُ الْمُخْبَرُ تَرْجِيحُهُ، وَحِينَئِذٍ فَيُعْلَمُ مِنْ قَوْلِهِمْ فَقِيهًا مُوَافِقًا أَنَّهُ يَعْلَمُ الرَّاجِحَ فِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ، وَيَظْهَرُ أَنَّ مَحَلَّ مَا تَقَرَّرَ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُقَلِّدِ، إذْ هُوَ الَّذِي يُعْلَمُ اعْتِقَادُهُ فَيُنْظَرُ هَلْ الْمُخْبِرُ يُوَافِقُهُ أَمْ لَا؟ أَمَّا الْمُجْتَهِدُ فَيُبَيِّنُ لَهُ السَّبَبَ مُطْلَقًا وَإِنْ عَرَفَ اعْتِقَادَهُ فِي الْمِيَاهِ لِاحْتِمَالِ تَغَيُّرِ اجْتِهَادِهِ، وَقَدْ ذَكَرْت الْفَرْقَ بَيْنَ مَا هُنَا مِنْ وُجُوبِ التَّفْصِيلِ وَعَدَمِ وُجُوبِهِ فِي نَحْوِ الرِّدَّة فِي شَرْحِ الْعُبَابِ.

وَلَوْ اخْتَلَفَ عَلَيْهِ خَبَرُ عَدْلَيْنِ فَصَاعِدًا كَأَنْ قَالَ أَحَدُهُمَا: وَلَغَ الْكَلْبُ فِي هَذَا الْإِنَاءِ دُونَ ذَاكَ وَعَكَسَهُ الْآخَرُ وَأَمْكَنَ صِدْقُهُمَا صِدْقًا وَحُكِمَ بِنَجَاسَةِ الْمَاءَيْنِ لِاحْتِمَالِ الْوُلُوغِ فِي وَقْتَيْنِ،

ــ

[حاشية الشبراملسي]

بِالِاحْتِيَاطِ لِلْعِبَادَةِ لَا يَأْتِي فِي قَبُولِ خَبَرِهِمْ عِنْدَ قَوْلِ أَحَدِهِمْ طَهُرَتْ الثَّوْبُ (قَوْلُهُ: وَكَإِخْبَارِهِ عَنْ فِعْلِ نَفْسِهِ) أَيْ إخْبَارُ مَنْ تَقَدَّمَ مِنْ غَيْرِ الْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ الَّذِي لَمْ يُمَيِّزْ (قَوْلُهُ: مِنْ حَيْثُ الْعِلْمُ) أَيْ فَإِنَّ الْخَبَرَ الْمُتَوَاتِرَ يُفِيدُ الْعِلْمَ لَا الظَّنَّ (قَوْلُهُ مُوَافِقًا) كَتَبَ شَيْخُنَا بِهَامِشِ الْمَحَلِّيِّ لَوْ شَكَّ فِي مُوَافَقَتِهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَالْمُخَالِفِ، وَكَذَا الشَّكُّ فِي الْفِقْهِ الْأَصْلُ عَدَمُهُ فِيمَا يَظْهَرُ اهـ. وَأَقُولُ: هَذَا مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِ الشَّارِحِ وَالْمَجْهُولُ مُوَافَقَتُهُ فَتَأَمَّلْ اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ رحمه الله (قَوْلُهُ لِلْمُخْبَرِ فِي مَذْهَبِهِ فِي ذَلِكَ) زَادَ حَجّ أَوْ عَارِفًا بِهِ وَإِنْ لَمْ يَعْتَقِدْهُ فِيمَا يَظْهَرُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ إنَّمَا يُخْبِرُهُ بِاعْتِقَادِهِ لَا بِاعْتِقَادِ نَفْسِهِ لِعِلْمِهِ أَنَّهُ لَا يَقْبَلُهُ، فَالتَّعْبِيرُ بِالْمُوَافِقِ لِلْغَالِبِ.

فَإِنْ قُلْت: يَحْتَمِلُ أَنَّهُ يُخْبِرُهُ بِاعْتِقَادِ نَفْسِهِ لِيَخْرُجَ مِنْ الْخِلَافِ. قُلْت: هَذَا احْتِمَالٌ بَعِيدٌ مِمَّنْ يَعْرِفُ الْمَذْهَبَيْنِ فَلَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ مُطَّرِدٍ اهـ.

(قَوْلُهُ: اعْتَمَدَهُ) لَا يَبْعُدُ أَنْ يَدْخُلَ فِي اعْتِمَادِهِ وُجُوبُ تَطْهِيرِ مَا أَصَابَهُ مِنْ الْمَاءِ الْمُخْبَرِ بِتَنَجُّسِهِ وَإِنْ لَمْ يَتَنَجَّسْ بِالظَّنِّ؛ لِأَنَّ خَبَرَ الْعَدْلِ بِمَنْزِلَةِ الْيَقِينِ شَرْعًا فَلْيُرَاجَعْ اهـ سم عَلَى حَجّ (قَوْلُهُ وَاخْتِلَافُ تَرْجِيحٍ) وَمِنْ ذَلِكَ مَا يَقَعُ مِنْ الِاخْتِلَافِ بَيْنَ الشِّهَابِ ابْنِ حَجَرٍ وَالشَّارِحِ (قَوْلُهُ: فَيَبِينُ لَهُ) أَيْ الْمُخْبِرُ (قَوْلُهُ: فِي شَرْحِ الْعُبَابِ) عِبَارَتُهُ فِيهِ وَهُوَ أَنَّا فِي الرِّدَّةِ قَبِلْنَا الشَّهَادَةَ بِهَا مُطْلَقًا مِنْ الْمُوَافِقِ وَغَيْرِهِ مَعَ الِاخْتِلَافِ فِي أَسْبَابِهَا؛ لِأَنَّ الْمُرْتَدَّ مُتَمَكِّنٌ مِنْ أَنْ يُبَرْهِنَ عَنْ نَفْسِهِ وَأَنْ يَأْتِيَ بِالشَّهَادَتَيْنِ، فَعَدَمُ الْإِتْيَانِ بِهِمَا مَعَ سُكُوتِهِ تَقْصِيرٌ بَلْ ذَلِكَ قَرِينَةٌ دَالَّةٌ عَلَى صِدْقِ الشَّاهِدِ وَلَا كَذَلِكَ الْمَاءُ.

وَعِبَارَةُ ابْنِ حَجَرٍ هُنَا: وَإِنَّمَا قُبِلَتْ الشَّهَادَةُ عَلَى الرِّدَّةِ مَعَ الْإِطْلَاقِ عَلَى مَا يَأْتِي تَغْلِيظًا عَلَى الْمُرْتَدِّ لِإِمْكَانِ أَنْ يُبَرْهِنَ عَنْ نَفْسِهِ اهـ بِحُرُوفِهِ (قَوْلُهُ: وَلَغَ الْكَلْبُ إلَخْ) عِبَارَةُ الْمِصْبَاحِ: وَلَغَ الْكَلْبُ وَغَيْرُهُ مِنْ السِّبَاعِ يَلَغُ وَلْغًا وَمِنْ بَابِ نَفَعَ وَوُلُوغًا شَرِبَ بِلِسَانِهِ وَسُقُوطُ الْوَاوِ كَمَا فِي يَقَعُ، وَوَلَغَ يَلِغُ مِنْ بَابَيْ وَعَدَ وَوَرِثَ لُغَةٌ، وَيَوْلَغُ مِثْلُ وَجِلَ يَوْجَلُ لُغَةٌ أَيْضًا، وَيَتَعَدَّى بِالْهَمْزَةِ فَيُقَالُ أَوْلَغْتُهُ: إذَا سَقَيْتُهُ اهـ بِحُرُوفِهِ رحمه الله.

(قَوْلُهُ: وَأَمْكَنَ صِدْقُهُمَا) أَيْ بِأَنْ لَمْ يُضَيِّفَاهُ لِوَقْتٍ بِعَيْنِهِ

ــ

[حاشية الرشيدي]

مُوَافِقٌ لِمَا بَحَثَهُ الشِّهَابُ ابْنُ قَاسِمٍ (قَوْلُهُ: وَعُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّ قَوْلَ نَحْوِ الْفَاسِقِ مِمَّنْ ذَكَرَ طَهَّرْت الثَّوْبَ مَقْبُولٌ) أَيْ بِشَرْطِ بَيَانِ كَيْفِيَّةِ الطَّهَارَةِ إذَا كَانَ غَيْرَ عَارِفٍ بِهَا كَمَا فِي بَعْضِ الْهَوَامِشِ عَنْ الشَّيْخِ، وَالْمُرَادُ بِكَوْنِهِ غَيْرَ عَارِفٍ بِهَا

ص: 100

فَلَوْ تَعَارَضَا فِي الْوَقْتِ أَيْضًا بِأَنْ عَيَّنَاهُ عَمِلَ بِقَوْلِ أَوْثَقِهِمَا، فَإِنْ اسْتَوَيَا فَبِالْأَكْثَرِ عَدَدًا فَإِنْ اسْتَوَيَا سَقَطَ خَبَرُهُمَا لِعَدَمِ الْمُرَجِّحِ وَحُكِمَ بِطَهَارَةِ الْإِنَاءَيْنِ كَمَا لَوْ عَيَّنَ أَحَدُهُمَا كَلْبًا كَأَنْ قَالَ: وَلَغَ هَذَا الْكَلْبُ وَقْتَ كَذَا فِي هَذَا الْإِنَاءِ وَقَالَ الْآخَرُ: كَانَ ذَلِكَ الْوَقْتُ بِبَلَدٍ آخَرَ مَثَلًا؛ وَلَوْ رَفَعَ نَحْوُ كَلْبٍ رَأْسَهُ مِنْ إنَاءٍ فِيهِ مَائِعٌ أَوْ مَاءٌ قَلِيلٌ وَفَمُهُ رَطْبٌ لَمْ يُنَجِّسْ إنْ احْتَمَلَ تَرَطُّبَهُ مِنْ غَيْرِهِ عَمَلًا بِالْأَصْلِ وَإِلَّا تَنَجَّسَ وَلَوْ غَلَبَتْ النَّجَاسَةُ فِي شَيْءٍ وَالْأَصْلُ فِيهِ طَاهِرٌ كَثِيَابِ مُدْمِنِي الْخَمْرِ وَمُتَدَيِّنِينَ بِالنَّجَاسَةِ وَمَجَانِينَ وَصِبْيَانٍ وَجَزَّارِينَ حُكِمَ بِالطَّهَارَةِ عَمَلًا بِالْأَصْلِ وَإِنْ كَانَ مِمَّا اضْطَرَبَتْ الْعَادَةُ بِخِلَافِهِ كَاسْتِعْمَالِ السِّرْجِينِ فِي أَوَانِي الْفَخَّارِ خِلَافًا لِلْمَاوَرْدِيِّ، وَيُحْكَمُ أَيْضًا بِطَهَارَةِ مَا عَمَّتْ بِهِ الْبَلْوَى كَعَرَقِ الدَّوَابِّ وَلُعَابِهَا وَلُعَابِ الصِّغَارِ وَالْجُوخِ، وَقَدْ اشْتَهَرَ اسْتِعْمَالُهُ بِشَحْمِ الْخِنْزِيرِ وَنَحْوُ ذَلِكَ.

وَمِنْ الْبِدَعِ الْمَذْمُومَةِ غَسْلُ ثَوْبٍ جَدِيدٍ وَقَمْحٍ وَفَمٍ مِنْ نَحْوِ أَكْلِ خُبْزٍ. وَالْبَقْلُ النَّابِتُ فِي نَجَاسَةِ مُتَنَجِّسٍ، نَعَمْ مَا ارْتَفَعَ عَنْ مَنْبَتِهِ طَاهِرٌ، وَلَوْ وَجَدَ قِطْعَةَ لَحْمٍ فِي إنَاءٍ أَوْ خِرْقَةٍ بِبَلَدٍ لَا مَجُوسَ فِيهِ فَهِيَ طَاهِرَةٌ أَوْ مَرْمِيَّةٌ مَكْشُوفَةٌ فَنَجِسَةٌ أَوْ فِي إنَاءٍ أَوْ خِرْقَةٍ وَالْمَجُوسُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَلَيْسَ الْمُسْلِمُونَ أَغْلَبُ فَكَذَلِكَ، فَإِنْ غَلَبَ الْمُسْلِمُونَ فَظَاهِرَةٌ.

وَلَمَّا ذَكَرَ الِاجْتِهَادَ فِي نَحْوِ الْمَاءِ وَهُوَ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

قَوْلُهُ: فَلَوْ تَعَارَضَا فِي الْوَقْتِ) عِبَارَةُ حَجّ وَإِلَّا كَأَنْ اسْتَوَيَا ثِقَةً أَوْ كَثْرَةً أَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَوْثَقُ وَالْآخَرُ أَكْثَرُ سَقَطَا وَبَقِيَ أَصْلُ طَهَارَتِهِ اهـ. وَهُوَ مُخَالِفٌ لِظَاهِرِ قَوْلِ الشَّارِحِ عَمِلَ بِقَوْلِ أَوْثَقِهِمَا، فَإِنَّ الْمُتَبَادِرَ مِنْهُ تَقْدِيمُ الْأَوْثَقِ وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ أَكْثَرَ عَدَدًا، بَلْ يَكَادُ يُصَرِّحُ بِهِ قَوْلُهُ: فَإِنْ اسْتَوَيَا إلَخْ (قَوْلُهُ: فَبِالْأَكْثَرِ عَدَدًا) ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ مِنْ النِّسَاءِ أَوْ الْعَبِيدِ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ: عَمَلًا بِالْأَصْلِ) أَيْ مَعَ غَلَبَةِ النَّجَاسَةِ عَلَى أَبْدَانِهِمْ، وَمِنْ ذَلِكَ الْخُبْزُ الْمَخْبُوزُ بِمِصْرَ وَنَوَاحِيهَا، فَإِنَّ الْغَالِبَ فِيهَا النَّجَاسَةُ لِكَوْنِهِ يُخْبَزُ بِالسِّرْجِينِ وَالْأَصْلُ فِيهِ الطَّهَارَةُ.

(قَوْلُهُ: فِي أَوَانِي الْفَخَّارِ) وَكَعَدِمِ الِاسْتِنْجَاءِ فِي فَرْجِ الصَّغِيرِ وَنَجَاسَةِ مَنْفَذِ الطَّائِرِ وَالْبَهِيمَةِ، فَلَوْ جَلَسَ صَغِيرٌ فِي حِجْرِ مُصَلٍّ مَثَلًا أَوْ وَقَعَ طَائِرٌ عَلَيْهِ فَنَحْكُمُ بِصِحَّةِ صَلَاتِهِ اسْتِصْحَابًا لِأَصْلِ الطَّهَارَةِ فِي فَرْجِ الصَّغِيرِ وَمَا ذُكِرَ مَعَهُ وَإِنْ اطَّرَدَتْ الْعَادَةُ بِنَجَاسَتِهِ (قَوْلُهُ: كَعَرَقِ الدَّوَابِّ) أَيْ وَإِنْ كَثُرَ (قَوْلُهُ: وَلُعَابُ الصِّغَارِ) لِلْأُمِّ أَيْ وَغَيْرِهِمَا (قَوْلُهُ غَسْلُ ثَوْبٍ جَدِيدٍ) أَيْ مَا لَمْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنِّهِ نَجَاسَتَهُ، وَمِمَّا يَغْلِبُ كَذَلِكَ مَا اُعْتِيدَ مِنْ التَّسَاهُلِ فِي عَدَمِ التَّحَرُّزِ عَنْ النَّجَاسَةِ مِمَّنْ يَتَعَاطَى حِيَاكَتَهُ أَوْ خِيَاطَتَهُ وَنَحْوَهُمَا (قَوْلُهُ: فَإِنْ غَلَبَ الْمُسْلِمُونَ) قَالَ سم فِي حَوَاشِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ الْكَبِيرِ بَعْدَ نَقْلِهِ مِثْلَ مَا ذُكِرَ عَنْ الرَّوْضِ وَشَرْحِهِ: وَقَضِيَّةُ قَوْلِهِ فَنَجِسَةٌ أَنَّهَا تَنْجُسُ مَا أَصَابَتْهُ، وَهُوَ مَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الطَّهَارَةُ، وَقَدْ صَرَّحَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهَا لَا تُنَجِّسُهُ حَيْثُ قَالَ: وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ لِلْأَكْلِ كَمَا فَرَضَهُ فِي الْمَجْمُوعِ، أَمَّا لَوْ أَصَابَتْ شَيْئًا فَلَا تُنَجِّسُهُ اهـ. وَسَبَقَهُ الْإِسْنَوِيُّ إلَى ذَلِكَ حَيْثُ اعْتَرَضَ صَنِيعَ الرَّوْضَةِ وَاسْتُحْسِنَ صَنِيعَ الْقَمُولِيُّ الْمُوَافِقَ لِلْمَجْمُوعِ لِفَرْضِهِ الْكَلَامَ فِي حَالِ الْأَكْلِ وَعَدَمِهِ ثُمَّ قَالَ: وَهِيَ طَاهِرَةٌ بِكُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الطَّهَارَةُ اهـ.

بَقِيَ أَنَّهُ هَلْ تَصِحُّ الصَّلَاةُ مَعَ حَمْلِهَا فِيهِ نَظَرٌ، وَقَضِيَّةُ قَوْلِهِ وَهِيَ طَاهِرَةٌ بِكُلٍّ حَالَ الصِّحَّةِ، نَعَمْ حَمْلُهَا حَالَ النِّيَّةِ رُبَّمَا يَمْنَعُ انْعِقَادَهَا لِلشَّكِّ، إلَّا أَنْ يُقَالَ لَا أَثَرَ لِلشَّكِّ مَعَ الْعَمَلِ بِالْأَصْلِ، كَمَا لَوْ شَكَّ فِي الْحَدَثِ فَإِنَّ نِيَّتَهُ صَحِيحَةٌ اهـ. أَقُولُ: وَقَدْ يَمْنَعُ قَوْلَهُ مَعَ الْعَمَلِ بِالْأَصْلِ بِأَنَّا لَمْ نَعْمَلْ بِالْأَصْلِ بِدَلِيلِ حُرْمَةِ الْأَكْلِ، إذْ لَوْلَا الْحُكْمُ بِنَجَاسَتِهِ مَا حَرُمَ أَكْلُهُ، وَالصَّلَاةُ بِمَا حُكِمَ بِنَجَاسَتِهِ بَاطِلَةٌ، وَإِنَّمَا لَمْ تَنْجُسْ مَا أَصَابَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ النَّجَاسَةِ التَّنْجِيسُ، وَنَظِيرُهُ مَا لَوْ اشْتَبَهَ طَاهِرٌ بِنَجَسٍ ثُمَّ أَصَابَهُ مِنْ أَحَدِ الْإِنَاءَيْنِ رَشَاشٌ

ــ

[حاشية الرشيدي]

أَنَّهُ غَيْرُ فَقِيهٍ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ حَاشِيَةِ الشِّهَابِ ابْنِ قَاسِمٍ عَلَى الْمَنْهَجِ (قَوْلُهُ: مَا عَمَّتْ بِهِ الْبَلْوَى كَعَرَقٍ إلَخْ) يُوهِمُ أَنَّ السَّبَبَ فِي الْحُكْمِ بِطَهَارَتِهِ عُمُومُ الْبَلْوَى بِهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذْ عُمُومُ الْبَلْوَى إنَّمَا يَقْتَضِي الْعَفْوَ لَا الطَّهَارَةَ، وَإِنَّمَا السَّبَبُ فِي ذَلِكَ النَّظَرُ لِلْأَصْلِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ وَجَدَ قِطْعَةَ لَحْمٍ) لَيْسَ هَذَا مِنْ قَاعِدَةِ مَا الْأَصْلُ فِيهِ الطَّهَارَةُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ هُنَا الْحُرْمَةُ الْمُسْتَصْحَبَةُ مِنْ حَالِ الْحَيَاةِ حَتَّى تُعْلَمَ ذَكَاةٌ مُبِيحَةٌ: أَيْ أَوْ تُظَنَّ بِقَرِينَةٍ كَكَوْنِ اللَّحْمِ فِي إنَاءٍ غَيْرِ مَا ذُكِرَ (قَوْلُهُ: أَوْ مَرْمِيَّةً مَكْشُوفَةً فَنَجِسَةٌ) أَيْ إلَّا أَنَّهَا لَا تُنَجِّسُ مَا أَصَابَتْهُ؛ لِأَنَّا لَا نُنَجِّسُ بِالشَّكِّ كَمَا بَيَّنَهُ الشِّهَابُ ابْنُ قَاسِمٍ

ص: 101