المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

لَا الْمُجَوِّزِ لَهَا، وَالْمُمْتَنِعُ إنَّمَا هُوَ كَوْنُ سَبَبِهَا الْمُجَوِّزِ لَهَا - نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج - جـ ١

[الرملي، شمس الدين]

فهرس الكتاب

- ‌[خُطْبَةُ الْكِتَاب]

- ‌كِتَابُ الطَّهَارَةِ

- ‌[تَنْقَسِمُ الطَّهَارَةُ إلَى عَيْنِيَّةٍ وَحُكْمِيَّةٍ]

- ‌[اسْتِعْمَالُ وَاقْتِنَاءُ كُلِّ إنَاءٍ طَاهِرٍ]

- ‌بَابُ أَسْبَابِ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ

- ‌[السَّبَبُ الْأَوَّل خُرُوجُ شَيْءٍ مِنْ قُبُلِهِ أَوْ دُبُرِهِ]

- ‌[الثَّانِي مِنْ أَسْبَاب الْحَدَث زَوَالُ الْعَقْلِ]

- ‌(الثَّالِثُ: الْتِقَاءُ بَشَرَتَيْ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ)

- ‌(الرَّابِعُ مَسُّ قُبُلِ الْآدَمِيِّ)

- ‌[مَا يَحْرُمُ بِالْحَدَثِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي أَحْكَامِ الِاسْتِنْجَاءِ وَآدَابِهِ]

- ‌بَابُ الْوُضُوءِ

- ‌[شُرُوطُ الْوُضُوء]

- ‌[فَرَائِضُ الْوُضُوء]

- ‌[سُنَنُ الْوُضُوءِ]

- ‌بَابُ مَسْحِ الْخُفِّ

- ‌[شُرُوطُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَكَيْفِيَّتِهِ وَحُكْمِهِ]

- ‌[مَتَى تَبْدَاءُ مُدَّةِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ]

- ‌[شُرُوطُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ] [

- ‌الْأَوَّل أَنْ يَلْبَسَهُمَا بَعْدَ كَمَالِ الطَّهَارَة]

- ‌[الثَّانِي أَنْ يَكُونَ الْخُفُّ صَالِحًا سَاتِرٌ مَحِلَّ فَرْضِهِ]

- ‌[يُشْتَرَطُ فِي الْخُفِّ كَوْنُهُ قَوِيًّا يُمْكِنُ تَتَابُعُ الْمَشْيِ فِيهِ]

- ‌بَابُ الْغُسْلِ

- ‌[مُوجِبَاتُ الْغُسْل]

- ‌[وَاجِبَاتُ الْغُسْل]

- ‌بَابُ النَّجَاسَةِ

- ‌[أَنْوَاعِ النَّجَاسَات]

- ‌ النَّجَاسَةَ الْمُغَلَّظَةَ

- ‌[النَّجَاسَةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ] [

- ‌[النَّجَاسَةَ الْمُخَفَّفَةَ]

- ‌[النَّجَاسَةُ الْمُتَوَسِّطَةُ]

- ‌بَابُ التَّيَمُّمِ

- ‌[أَسْبَابُ التَّيَمُّمِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ أَرْكَانِ التَّيَمُّمِ وَكَيْفِيَّتِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ]

- ‌[بَيَانِ مَا يُبَاحُ لَهُ التَّيَمُّمِ]

- ‌[سُنَنُ التَّيَمُّمِ]

- ‌ أَحَدُهَا مَا يُبْطِلُهُ غَيْرُ الْحَدَثِ الْمُبْطِلِ لَهُ

- ‌[أَحْكَامُ التَّيَمُّمِ]

- ‌[الْحُكْمِ الثَّانِي مَا يَسْتَبِيحُهُ بِالتَّيَمُّمِ]

- ‌[الْحُكْمِ الثَّالِثِ وُجُوبُ الْقَضَاءِ لِمَنْ لَمْ يَجِدْ مَاءً وَلَا تُرَابًا]

- ‌بَابُ الْحَيْضِ وَمَا يُذْكَرُ مَعَهُ مِنْ الِاسْتِحَاضَةِ وَالنِّفَاسِ

- ‌[أَقَلُّ الْحَيْضِ زَمَنِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ]

- ‌ أَحْكَامِ الْحَيْضِ

- ‌[الِاسْتِحَاضَةُ وَأَحْكَامِهَا]

- ‌[فَصْلٌ إذَا رَأَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ الدَّمِ لِسِنِّ الْحَيْضِ أَقَلَّهُ فَأَكْثَرَ وَلَمْ يَعْبُرْ أَكْثَرَهُ]

- ‌[إذَا جَاوَزَ دَمُ الْمَرْأَةِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا يُسَمَّى بِالْمُسْتَحَاضَةِ]

- ‌[الْمُسْتَحَاضَةِ الثَّانِيَةِ وَهِيَ الْمُبْتَدَأَةُ غَيْرُ الْمُمَيِّزَةِ]

- ‌ الْمُسْتَحَاضَةِ الثَّالِثَةِ وَهِيَ الْمُعْتَادَةُ غَيْرُ الْمُمَيِّزَةِ

- ‌ الْمُسْتَحَاضَةِ الْخَامِسَةِ: وَهِيَ الْمُتَحَيِّرَةُ

- ‌[الْمُسْتَحَاضَةِ الرَّابِعَةِ وَهِيَ الْمُعْتَادَةُ الْمُمَيِّزَةُ]

- ‌[الْمُسْتَحَاضَة غَيْر الْمُمَيَّزَة]

- ‌[أَقَلُّ النِّفَاسِ وَأَكْثَرُهُ وَغَالِبُهُ]

- ‌كِتَابُ الصَّلَاةِ

- ‌[حُكْمُ النِّفَاسِ هُوَ حُكْمُ الْحَيْضِ]

- ‌[وَقْتُ الظُّهْرِ]

- ‌«وَقْتُ الْمَغْرِبِ

- ‌[وَقْتُ الْعَصْرِ]

- ‌ وَقْتُ الْعِشَاءِ

- ‌(وَقْتُ الصُّبْحِ

- ‌ وَقَعَ بَعْضُ صَلَاتِهِ فِي الْوَقْتِ) وَبَعْضُهَا خَارِجَهُ

- ‌[الْإِبْرَادُ بِالظُّهْرِ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ]

- ‌[جَهِلَ الْوَقْتَ لِغَيْمٍ أَوْ حَبْسٍ]

- ‌[صَلَّى بِاجْتِهَادٍ ثُمَّ تَيَقَّنَ أَنَّ صَلَاتَهُ وَقَعَتْ قَبْلَ الْوَقْتِ أَوْ بَعْضُهَا]

- ‌[تَرْتِيبُ الْفَائِتِ مِنْ الصَّلَاة]

- ‌[إيقَاظُ النَّائِمِينَ لِلصَّلَاةِ]

- ‌[الصَّلَاةُ عِنْدَ الِاسْتِوَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَمَنْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ]

- ‌[وَقْتُ زَوَالِ مَوَانِعِ وُجُوبِ الصَّلَاة]

- ‌فَصْلٌ فِي بَيَانِ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ

- ‌ الْأَذَانِ (لِلْمُنْفَرِدِ) بِالصَّلَاةِ

- ‌[التَّثْوِيبُ فِي أَذَانَيْ الصُّبْحِ]

- ‌[تَرْتِيبُ الْأَذَانِ]

- ‌[مِنْ شُرُوطُ الْمُؤَذِّنِ وَالْمُقِيمِ الْإِسْلَامُ]

- ‌[كَرَاهَةُ الْأَذَانِ لِلْمُحْدِثِ]

- ‌[الْإِمَامَةُ أَفْضَلُ مِنْ الْأَذَانِ]

- ‌[شُرُوطُ الْأَذَانِ]

- ‌ الدُّعَاءُ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ

- ‌فَصْلٌ فِي بَيَانِ الْقِبْلَةِ وَمَا يَتْبَعُهَا

- ‌ الْفَرْضَ فِي حَقِّ الْقَرِيبِ مِنْ الْكَعْبَةِ إصَابَةُ عَيْنِهَا

- ‌[أَرْكَانُ الصَّلَاةُ]

- ‌[الْأَوَّلُ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ النِّيَّةُ]

- ‌[الثَّانِي مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةُ تَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ]

- ‌[الثَّالِثُ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةُ الْقِيَامُ]

- ‌[الرَّابِعُ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ]

- ‌[الْخَامِسُ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاة الرُّكُوعُ]

- ‌[السَّادِسُ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاة الِاعْتِدَالُ]

- ‌[السَّابِعُ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاة السُّجُودُ مَرَّتَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ]

- ‌[الثَّامِنُ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاة الْجُلُوسُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ]

- ‌[التَّاسِعُ وَالْعَاشِرُ وَالْحَادِي عَشَرَ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاة التَّشَهُّدُ وَقُعُودُهُ وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ]

- ‌[الثَّانِيَ عَشَرَ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ السَّلَامُ]

- ‌[الثَّالِثَ عَشَرَ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاة تَرْتِيبُ الْأَرْكَانِ]

الفصل: لَا الْمُجَوِّزِ لَهَا، وَالْمُمْتَنِعُ إنَّمَا هُوَ كَوْنُ سَبَبِهَا الْمُجَوِّزِ لَهَا

لَا الْمُجَوِّزِ لَهَا، وَالْمُمْتَنِعُ إنَّمَا هُوَ كَوْنُ سَبَبِهَا الْمُجَوِّزِ لَهَا مَعْصِيَةً.

وَفُرِضَ سَنَةَ أَرْبَعٍ، وَقِيلَ سَنَةَ سِتٍّ، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ مُخْتَصٌّ بِالْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ وَإِنْ كَانَ حَدَثُهُ أَكْبَرَ.

وَالْأَصْلُ فِيهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ} [المائدة: 6] الْآيَةُ، وَخَبَرُ مُسْلِمٍ «جُعِلَتْ لَنَا الْأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدًا وَتُرْبَتُهَا طَهُورًا» وَبَقِيَّةُ مَا يَأْتِي مِنْ الْأَخْبَارِ الْآتِيَةِ فِي الْبَابِ.

(يَتَيَمَّمُ الْمُحْدِثُ وَالْجُنُبُ) بِالْإِجْمَاعِ، وَمِثْلُهُ الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ وَمَنْ وَلَدَتْ وَلَدًا جَافًّا وَالْقِيَاسُ أَنَّ الْمَأْمُورَ بِغُسْلٍ مَسْنُونٍ كَجُمُعَةٍ أَوْ وُضُوءٍ كَذَلِكَ يَتَيَمَّمُ أَيْضًا، وَسَيَأْتِي أَنَّ الْمَيِّتَ يُيَمَّمُ، وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى الْمُحْدِثِ وَالْجُنُبِ لِأَنَّهُمَا الْأَصْلُ وَمَحَلُّ النَّصِّ.

وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ خَبَرُ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ «بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَاجَةٍ فَأَجْنَبْت، فَتَمَرَّغْت فِي الصَّعِيدِ كَمَا تَمَرَّغُ الدَّابَّةُ، ثُمَّ أَتَيْت النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرْت ذَلِكَ فَقَالَ: إنَّمَا كَانَ يَكْفِيَك أَنْ تَضْرِبَ بِيَدَيْك هَكَذَا، ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدَيْهِ الْأَرْضَ ضَرْبَةً وَاحِدَةً ثُمَّ مَسَحَ الشِّمَالِ عَلَى الْيَمِينِ وَظَاهِرَ كَفَّيْهِ وَوَجْهَهُ» وَخَبَرُ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم صَلَّى ثَمَّ رَأَى رَجُلًا مُعْتَزِلًا لَمْ يُصَلِّ مَعَ الْقَوْمِ فَقَالَ: يَا فُلَانُ مَا مَنَعَك أَنْ تُصَلِّيَ مَعَ الْقَوْمِ؟ فَقَالَ: أَصَابَتْنِي جَنَابَةٌ وَلَا مَاءَ، فَقَالَ: عَلَيْك بِالصَّعِيدِ فَإِنَّهُ يَكْفِيَك» وَاحْتَرَزَ بِالْمُحْدِثِ وَالْجُنُبِ عَنْ الْمُتَنَجِّسِ فَلَا يَتَيَمَّمُ مَعَ الْعَجْزِ لِعَدَمِ وُرُودِهِ، وَيَجُوزُ جَعْلُ قَوْلِهِ: الْجُنُبُ بَعْدَ الْمُحْدِثِ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ (لِأَسْبَابٍ) جَمْعُ سَبَبٍ وَقَدْ مَرَّ تَعْرِيفُهُ: يَعْنِي لِوَاحِدٍ مِنْهَا، وَفِي الْحَقِيقَةِ الْمُبِيحُ لِلتَّيَمُّمِ شَيْءٌ وَاحِدٌ وَهُوَ الْعَجْزُ عَنْ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ.

ــ

[حاشية الشبراملسي]

جَوَابُ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ تَقْدِيرُهُ: قُلْتُمْ إنَّ التَّيَمُّمَ رُخْصَةٌ وَالرُّخَصُ لَا تُنَاطُ بِالْمَعَاصِي فَكَيْفَ يَصِحُّ بِالتُّرَابِ الْمَغْصُوبِ؟ فَأَجَابَ بِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِمْ الرُّخَصُ لَا تُنَاطُ بِالْمَعَاصِي أَنْ لَا يَكُونَ سَبَبُهَا مَعْصِيَةً، وَالتُّرَابُ لَيْسَ سَبَبَ التَّيَمُّمِ بَلْ فَقْدُ الْمَاءِ وَإِنَّمَا التُّرَابُ آلَةٌ تُجَوِّزُهُ، لَكِنْ يَرِدُ عَلَيْهِ الْعَاصِي بِسَفَرِهِ، فَإِنَّ الْأَصَحَّ صِحَّةُ تَيَمُّمِهِ مَعَ أَنَّ سَبَبَ التَّيَمُّمِ فِيهِ وَهُوَ السَّفَرُ الَّذِي هُوَ مَظِنَّةُ الْفَقْدِ الْمُجَوِّزِ لَهُ مَعْصِيَةٌ (قَوْلُهُ: وَفُرِضَ) أَيْ شُرِعَ.

(قَوْلُهُ: وَمَنْ وَلَدَتْ وَلَدًا جَافًّا) إنَّمَا لَمْ يَكْتَفِ بِذِكْرِ الْجَنَابَةِ عَنْهُ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْوِلَادَةَ سَبَبٌ مُسْتَقِلٌّ، وَأَمَّا إلْقَاءُ بَعْضِ الْوَلَدِ فَهُوَ نَاقِضٌ لِلْوُضُوءِ فَدَخَلَ فِي الْمُحْدِثِ (قَوْلُهُ: وَالْقِيَاسُ إلَخْ) سَيَأْتِي فِي بَابِ الْجُمُعَةِ أَنَّ مَنْ عَجَزَ عَنْ غُسْلِهَا تَيَمَّمَ، وَعَلَيْهِ فَكَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ: وَسَيَأْتِي فِي بَابِ الْجُمُعَةِ أَنَّ مَنْ عَجَزَ عَنْ غُسْلِهَا تَيَمَّمَ، وَلَعَلَّهُ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ التَّصْرِيحُ بِكُلِّ مَا شَمِلَهُ قَوْلُهُ وَالْقِيَاسُ أَنَّ إلَخْ (قَوْلُهُ أَوْ ضَوْءٌ كَذَلِكَ) أَيْ مَسْنُونٌ وَقَوْلُهُ يَتَيَمَّمُ أَيْضًا ظَاهِرُهُ وَإِنْ تَعَدَّدَ ذَلِكَ مِنْهُ مِرَارًا كَأَنْ بَقِيَ وُضُوءُهُ وَحَضَرَتْهُ صَلَوَاتٌ، وَنَقَلَ سم عَلَى مَنْهَجٍ عَنْ الشَّارِحِ مَا يُوَافِقُهُ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ تَيَمُّمُهُ عَنْ حَدَثٍ فَلَا يُطْلَبُ مِنْهُ تَجْدِيدُ التَّيَمُّمِ كَمَا قَدَّمَهُ حَجّ فِي الْغُسْلِ، وَلَعَلَّ الْفَرْقَ بَيْنَ بَقَائِهِ عَلَى وُضُوئِهِ وَبَقَائِهِ عَلَى تَيَمُّمِهِ حَيْثُ طُلِبَ مِنْهُ تَجْدِيدُ التَّيَمُّمِ مَعَ بَقَاءِ الْوُضُوءِ وَلَمْ يُطْلَبْ مَعَ بَقَاءِ التَّيَمُّمِ عَنْ الْحَدَثِ أَنَّهُ هُنَا بَدَلٌ عَنْ الْوُضُوءِ الْمَطْلُوبِ، فَأُعْطِيَ حُكْمَهُ مَنْ فَعَلَهُ لِكُلِّ صَلَاةٍ مَعَ بَقَاءِ الطَّهَارَةِ، وَأَمَّا التَّيَمُّمُ عَنْ الْحَدَثِ فَهُوَ تَكْرَارٌ لِمَا فَعَلَهُ مُسْتَقِلًّا وَهُوَ رُخْصَةٌ طُلِبَ تَخْفِيفُهَا فَلَا يُسَنُّ تَكْرَارُهَا (قَوْلُهُ: ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدِهِ الْأَرْضَ) أَيْ بِكُلِّ يَدٍ لَهُ وَهُوَ مُشْكِلٌ عَلَى مُرَجَّحِ النَّوَوِيِّ الْآتِي مِنْ عَدَمِ الِاكْتِفَاءِ بِضَرْبِهِ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ فِي الْفَصْلِ الْآتِي (قَوْلُهُ: فَلَا يُتَيَمَّمُ مَعَ الْعَجْزِ) أَيْ بَدَلًا عَنْ غَسْلِ النَّجَاسَةِ لَا عَنْ الْحَدَثِ، فَإِنَّهُ يَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ بَعْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَيَكُونُ قَبْلَ التَّيَمُّمِ (قَوْلُهُ: مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ إلَخْ) أَيْ بِأَنْ يُرِيدَ بِالْمُحْدِثِ الْأَعَمَّ، وَعَلَيْهِ فَتَدْخُلُ الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ فِي الْمُحْدِثِ، وَجَعَلَ هَذَا جَائِزًا فِي الْمَقَامِ لِمَا مَرَّ

ــ

[حاشية الرشيدي]

تَيَمُّمِ الْعَاصِي عِنْدَ فَقْدِ الْمَاءِ كَمَا يَأْتِي، وَهُوَ مَرْدُودٌ بِأَنَّ الْمَعْصِيَةَ لَيْسَتْ سَبَبَ الرُّخْصَةِ، وَإِنَّمَا السَّبَبُ فَقْدُ الْمَاءِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَسْتَوِي فِيهِ الْمُسَافِرُ وَالْمُقِيمُ

[أَسْبَابُ التَّيَمُّمِ]

(قَوْلُهُ: وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ) أَيْ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُ، فَهُوَ مُسْتَنِدُ الْإِجْمَاعِ بِالنِّسْبَةِ لِلْجُنُبِ (قَوْلُهُ: مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ) أَيْ وَنُكْتَتُهُ وُرُودُهُ فِي الْقُرْآنِ

ص: 264

وَلِلْعَجْزِ أَسْبَابٌ (أَحَدُهَا: فَقْدُ الْمَاءِ) لِلْآيَةِ السَّابِقَةِ، وَالْفَقْدُ الشَّرْعِيُّ كَالْحِسِّيِّ بِدَلِيلِ مَا لَوْ مَرَّ مُسَافِرٌ عَلَى مَاءٍ مُسْبَلٍ عَلَى الطَّرِيقِ فَيَتَيَمَّمُ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ التَّوَضُّؤُ مِنْهُ، وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ لِقَصْرِ الْوَاقِفِ لَهُ عَلَى الشُّرْبِ، نَقَلَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ عَنْ الْأَصْحَابِ.

وَأَمَّا الصَّهَارِيجُ الْمُسْبَلَةُ لِلشُّرْبِ فَلَا يُتَوَضَّأُ مِنْهَا، أَوْ لِلِانْتِفَاعِ فَيَجُوزُ الْوُضُوءُ وَغَيْرُهُ وَإِنْ شَكَّ اجْتَنَبَ الْوُضُوءَ، قَالَهُ الْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ.

وَقَالَ غَيْرُهُ: يَجُوزُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ الْخَابِيَةِ وَالصِّهْرِيجِ بِأَنَّ ظَاهِرَ الْحَالِ فِيهَا الِاقْتِصَارُ عَلَى الشُّرْبِ.

وَالْأَوْجَهُ تَحْكِيمُ الْعُرْفِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ وَيَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمَحَالِّ.

(فَإِنْ تَيَقَّنَ الْمُسَافِرُ) هُوَ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ فَالْمُقِيمُ مِثْلُهُ (فَقْدَهُ) وَعَوْدُ الضَّمِيرِ فِي كَلَامِهِ لِلْمُضَافِ إلَيْهِ سَائِغٌ بَلْ مُتَعَيَّنٌ هُنَا بِقَرِينَةِ السِّيَاقِ (تَيَمَّمَ بِلَا طَلَبٍ) بِفَتْحِ اللَّامِ وَيَجُوزُ إسْكَانُهَا، إذْ طَلَبُ مَا يُعْلَمْ فَقْدِهِ عَبَثٌ لَا فَائِدَةَ لَهُ كَكَوْنِهِ فِي بَعْضِ رِمَالِ الْبَوَادِي.

وَمِنْ صُوَرِ تَيَقُّنِ فَقْدِهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ مَا لَوْ أَخْبَرَهُ عُدُولٌ بِفَقْدِهِ، بَلْ الْأَوْجَهُ إلْحَاقُ الْعَدْلِ فِي ذَلِكَ بِالْجَمْعِ إذَا أَفَادَ الظَّنَّ أَخْذًا مِمَّا يَأْتِي فِيمَا لَوْ بَعَثَ النَّازِلُونَ ثِقَةً يَطْلُبُ لَهُمْ (وَإِنْ تَوَهَّمَهُ) أَيْ وَقَعَ فِي وَهْمِهِ: أَيْ ذِهْنِهِ بِأَنْ جَوَّزَ وُجُودَ ذَلِكَ كَمَا قَالَهُ الشَّارِحُ: يَعْنِي تَجْوِيزًا رَاجِحًا وَهُوَ الظَّنُّ، أَوْ مَرْجُوحًا وَهُوَ الْوَهْمُ، أَوْ مُسْتَوِيًا وَهُوَ الشَّكُّ، فَلَيْسَ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

أَنَّ الْحَدَثَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ يَنْصَرِفُ لِلْأَصْغَرِ (قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فَقَدَ الْمَاءَ) أَيْ حِسًّا أَخْذًا مِنْ قَوْلِ الشَّارِحِ: وَالْفَقْدُ الشَّرْعِيُّ كَالْحِسِّيِّ (قَوْلُهُ: عَلَى الطَّرِيقِ) لَيْسَ بِقَيْدٍ، وَإِنَّمَا عَبَّرُوا بِهِ لِأَنَّ تَسْبِيلَهُ عَلَى الطَّرِيقِ قَرِينَةٌ عَلَى أَنَّهُ يُسْبَلُ لِلشُّرْبِ لَا لِغَيْرِهِ (قَوْلُهُ: الصَّهَارِيجُ) جَمْعُ صِهْرِيجٍ كَقِنْدِيلٍ وَعُلَابِطٍ حَوْضٌ يَجْتَمِعُ فِيهِ الْمَاءُ اهـ قَامُوسٌ (قَوْلُهُ فَلَا يُتَوَضَّأُ مِنْهَا) أَيْ لَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ، وَمَعَ ذَلِكَ لَوْ خَالَفَ وَتَوَضَّأَ صَحَّ وُضُوءُهُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْمَاءِ الْمَغْصُوبِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ شَكَّ) أَيْ تَرَدَّدَ فَيَشْمَلُ الظَّنَّ، وَمِنْهُ غَالِبُ الصَّهَارِيجِ الْمَوْجُودَةِ بِمِصْرِنَا فَإِنَّا لَمْ نَعْلَمْ فِيهَا حَالَ الْوَاقِفِ، وَالْغَالِبُ قَصْرُهَا عَلَى الشُّرْبِ، ثُمَّ قَدْ تَقُومُ قَرِينَةٌ عَلَى أَنَّ الشُّرْبَ مِنْهَا خَاصٌّ بِمَوَاضِعِهَا فَيَمْتَنِعُ نَقْلُهَا: أَيْ نَقْلُ الْمَاءِ لِلشُّرْبِ مِنْهُ فِي الْبُيُوتِ وَقَدْ تَقُومُ قَرِينَةٌ عَلَى أَنَّ الشُّرْبَ مِنْهَا غَيْرُ خَاصٍّ بِمَوَاضِعِهَا فَيُنْقَلُ مَاؤُهَا لِلشُّرْبِ مِنْهُ فِي الْبُيُوتِ وَيَخْتَصُّ بِهِ مَنْ أَخَذَهَا بِمُجَرَّدِ حِيَازَتِهِ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَنْقُلْهُ (قَوْلُهُ: اجْتَنِبْ الْوُضُوءَ) أَيْ وُجُوبًا.

(قَوْلُهُ لِلْمُضَافِ إلَيْهِ) أَيْ كَالْمَاءِ فِي قَوْلِهِ هُنَا فَقَدَ الْمَاءَ انْتَهَى سم عَلَى حَجّ (قَوْلُهُ: سَائِغٌ) أَيْ عَلَى حَدِّ قَوْلِهِ فَإِنَّهُ: أَيْ الْخِنْزِيرَ رِجْسٌ كَمَا هُوَ التَّحْقِيقُ فِي الْآيَةِ انْتَهَى حَجّ (قَوْلُهُ: إلْحَاقُ الْعَدْلِ) أَيْ وَلَوْ عَدْلَ رِوَايَةٍ (قَوْلُهُ: إذَا أَفَادَ الظَّنَّ) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ بَقِيَ مَعَهُ تَرَدُّدٌ لَا يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْيَقِينِ، وَالظَّاهِرُ خِلَافُهُ لِمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي مَوَاضِعَ مِنْ أَنَّ خَبَرَ الْعَدْلِ بِمُجَرَّدِهِ مُنَزَّلٌ مَنْزِلَةَ الْيَقِينِ (قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَإِنْ تَوَهَّمَهُ) يَنْبَغِي أَنَّ إخْبَارَ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ الَّذِي لَمْ يُعْهَدْ عَلَيْهِ كَذِبٌ مِمَّا يُورِثُ الْوَهْمَ فَيَجِبُ الطَّلَبُ، وَأَمَّا إذَا أُخْبِرَ بِعَدَمِ

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلُهُ:، وَالْفَقْدُ الشَّرْعِيُّ كَالْحِسِّيِّ) مُرَادُهُ بِالشَّرْعِيِّ مَا ذَكَرَهُ فِي قَوْلِهِ لِدَلِيلِ مَا لَوْ سَافَرَ إلَخْ، وَلَيْسَ مُرَادُهُ بِهِ مَا يَشْمَلُ احْتِيَاجَهُ إلَيْهِ لِعَطَشٍ مُحْتَرَمٍ وَخَوْفِ اسْتِعْمَالِهِ مِمَّا يَأْتِي؛ لِأَنَّهُ سَيَأْتِي عَطْفُهُمَا فِي الْمَتْنِ عَلَى فَقْدِ الْمَاءِ بِهَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ

(قَوْلُهُ: هُوَ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ) فَالْمُقِيمُ مِثْلَهُ. قَالَ الشَّيْخُ عَمِيرَةُ: لَك أَنْ تَقُولَ قَدْ جَعَلَ أَحْوَالَ الْمُسَافِرِ ثَلَاثَةً: تَيَقُّنَ الْفَقْدِ وَتَوَهُّمَ الْوُجُودِ، وَتَيَقُّنَ الْوُجُودِ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ كَلَامِهِ. وَحِينَئِذٍ فَالْحَالُ الثَّالِثُ لَك أَنْ تَتَوَقَّفَ فِي كَوْنِ الْمُقِيمِ فِيهَا كَالْمُسَافِرِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، بِدَلِيلِ أَنَّ الْمُقِيمَ يَقْصِدُ الْمَاءَ الْمُتَيَقَّنَ وَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ بِخِلَافِ الْمُسَافِرِ انْتَهَى.

(قَوْلُهُ: وَهُوَ الظَّنُّ) الظَّنُّ تَارَةً يَسْتَنِدُ إلَى إخْبَارِ عَدْلٍ فَيُلْحَقُ بِالْيَقِينِ وَتَارَةً لَا، فَهُوَ كَالْوَهْمِ فَلَا يُنَافِي مَا هُنَا مَا يَأْتِي قَرِيبًا

ص: 265

الْمُرَادُ بِالْوَهْمِ هُنَا الثَّانِيَ وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا (طَلَبَهُ) مِمَّا تَوَهَّمَهُ حَتْمًا وَإِنْ ظَنَّ عَدَمَهُ كَمَا مَرَّ، إذْ التَّيَمُّمُ طَهَارَةُ ضَرُورَةٍ وَلَا ضَرُورَةَ مَعَ إمْكَانِ الطُّهْرِ بِالْمَاءِ، وَلَا بُدَّ مِنْ وُقُوعِ الطَّلَبِ فِي الْوَقْتِ لِانْتِفَاءِ الضَّرُورَةِ قَبْلَهُ، وَلَهُ اسْتِنَابَةُ مَوْثُوقٍ بِهِ فِيهِ بِخِلَافِ الْقِبْلَةِ لِكَوْنِهَا مُجْتَهَدًا فِيهَا وَمَا هُنَا مَحْسُوسٌ، وَلَا يَكْفِي بِلَا إذْنٍ أَوْ بِإِذْنٍ لِيَطْلُبَ لَهُ قَبْلَ الْوَقْتِ، أَوْ أُذِنَ لَهُ قَبْلَهُ وَأَطْلَقَ فَطَلَبَ لَهُ قَبْلَهُ أَوْ شَاكًّا فِيهِ.

نَعَمْ الْأَقْرَبُ الِاكْتِفَاءُ فِي حَالَةِ الْإِطْلَاقِ بِطَلَبِهِ فِي الْوَقْتِ كَمَا لَوْ وَكَّلَ مُحْرِمٌ حَالًّا لِيَعْقِدَ لَهُ النِّكَاحَ، وَلَوْ أَذِنَ لَهُ قَبْلَ الْوَقْتِ لِيَطْلُبَهُ لَهُ فِيهِ كَفَى وَلَا أَثَرَ لِإِخْبَارِ فَاسِقٍ بِمَاءٍ وُجُودًا وَلَا عَدَمًا خِلَافًا لِلْمَاوَرْدِيِّ، وَلَوْ طَلَبَ قَبْلَ الْوَقْتِ لِفَائِتَةٍ أَوْ نَافِلَةٍ فَدَخَلَ الْوَقْتُ عَقِبَ طَلَبِهِ تَيَمَّمَ لِصَاحِبَةِ الْوَقْتَ بِذَلِكَ الطَّلَبِ كَمَا قَالَهُ الْقَفَّالُ فِي فَتَاوِيهِ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ طَلَبَهُ لِعَطَشِ نَفْسِهِ أَوْ حَيَوَانٍ مُحْتَرَمٍ كَذَلِكَ، وَقَدْ يَجِبُ طَلَبُهُ قَبْلَ الْوَقْتِ كَمَا فِي الْخَادِمِ أَوْ فِي أَوَّلِهِ لِكَوْنِ الْقَافِلَةِ عَظِيمَةً لَا يُمْكِنُ اسْتِيعَابُهَا إلَّا بِمُبَادَرَتِهِ أَوَّلَ الْوَقْتِ، فَيَجِبُ عَلَيْهِ تَعْجِيلُ الطَّلَبِ فِي أَظْهَرِ احْتِمَالَيْ ابْنِ الْأُسْتَاذِ، وَلَوْ طَلَبَ قَبْلَهُ وَدَامَ نَظَرُهُ إلَى الْمَوَاضِعِ الَّتِي يَجِبُ نَظَرُهَا حَتَّى دَخَلَ الْوَقْتُ كَفَى، قَالَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُ، وَلَا يُجْزِئُهُ مَعَ الشَّكِّ فِي دُخُولِ الْوَقْتِ وَإِنْ صَادَفَهُ (مِنْ رَحْلِهِ) هُوَ مَسْكَنُ الشَّخْصِ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

وُجُودِ الْمَاءِ فَلَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ لِأَنَّ قَوْلَهُ غَيْرُ مَقْبُولٍ (قَوْلُهُ: الثَّانِي) هُوَ قَوْلُهُ أَيْ مَرْجُوحًا (قَوْلُهُ: وَلَا بُدَّ مِنْ وُقُوعِ الطَّلَبِ فِي الْوَقْتِ) أَيْ يَقِينًا لِمَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ وَلَا يُجْزِئُهُ مَعَ الشَّكِّ إلَخْ (قَوْلُهُ: مَوْثُوقٌ بِهِ فِيهِ) أَيْ الطَّلَبِ (قَوْلُهُ: قَبْلَ الْوَقْتِ) أَيْ قَبْلَ دُخُولِهِ (قَوْلُهُ: لِيَطْلُبهُ لَهُ فِيهِ) بَقِيَ مَا لَوْ قَالَ لَهُ اُطْلُبْ لِي قَبْلَ الْوَقْتِ أَوْ بَعْدَهُ، وَيَنْبَغِي عَدَمُ الِاكْتِفَاءِ بِذَلِكَ لِتَرْدِيدِهِ بَيْنَ مَا يَكْفِي وَمَا لَا يَكْفِي فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ: وَلَا أَثَرَ لِإِخْبَارِ فَاسِقٍ) وَمِنْهُ الْكَافِرُ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا أَثَرَ لَهُ وَإِنْ اعْتَقَدَ صِدْقَهُ، لَكِنَّ قِيَاسَ مَا ذَكَرَهُ فِي الصَّوْمِ الِاكْتِفَاءُ، وَبِهِ صَرَّحَ حَجّ وَبِخَطِّ الشَّارِحِ عِنْدَ قَوْلِهِ: وَلَا أَثَرَ لِإِخْبَارِ فَاسِقٍ مَا لَمْ يَحْصُلْ بِهِ تَوَهُّمٌ، وَمَحَلُّ عَدَمِ الِاكْتِفَاءِ بِخَبَرِ الْفَاسِقِ مَا لَمْ يَبْلُغُوا عَدَدَ التَّوَاتُرِ (قَوْلُهُ: خِلَافًا لِلْمَاوَرْدِيِّ) ظَاهِرُهُ رُجُوعُهُ لِقَوْلِهِ وُجُودًا وَعَدَمًا.

وَفِي الدَّمِيرِيِّ مَا نَصُّهُ: فَلَوْ أَخْبَرَهُ فَاسِقٌ أَنَّ الْمَاءَ فِي مَكَان مُعَيَّنٍ لَمْ يَعْتَمِدْهُ.

وَإِنْ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مَاءٌ اعْتَمَدَهُ لِأَنَّ الْعَدَمَ هُوَ الْأَصْلُ بِخِلَافِ الْوِجْدَانِ، قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ انْتَهَى.

وَعَلَيْهِ فَيُخَصُّ قَوْلُهُ خِلَافًا لِلْمَاوَرْدِيِّ بِمَا لَوْ أَخْبَرَهُ بِعَدَمِهِ (قَوْلُهُ: تَيَمَّمَ لِصَاحِبَةِ الْوَقْتِ) أَيْ جَازَ لَهُ التَّيَمُّمُ بِذَلِكَ الطَّلَبِ وَلَا يُكَلَّفُ طَلَبًا آخَرَ (قَوْلُهُ: تَعْجِيلُ الطَّلَبِ) أَيْ أَوْ الطَّلَبِ قَبْلَ الْوَقْتِ عَلَى مَا أَفْهَمَهُ قَوْلُهُ قَبْلُ وَقَدْ يَجِبُ طَلَبُهُ قَبْلَ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَلَا يُجْزِئُهُ) أَيْ الطَّلَبُ (قَوْلُهُ: فِي دُخُولِ الْوَقْتِ) وَمِثْلُهُ مَا لَوْ شَكَّ فِي مَأْذُونِهِ هَلْ طَلَبَ قَبْلَ الْوَقْتِ أَمْ لَا (قَوْلُهُ: مَا لَمْ يَتَيَقَّنْ الْعَدَمَ إلَخْ) ، وَمِثْلُهُ مَا لَوْ طَلَبَ مَعَ الْعِلْمِ بِعَدَمِ الْوَقْتِ وَتَيَقَّنَ بِهِ الْفَقْدَ فَيَكْفِي (قَوْلُهُ مِنْ رَحْلِهِ) بِأَنْ يُفَتِّشَ فِيهِ، ثُمَّ إطْلَاقُ الطَّلَبِ عَلَى مُجَرَّدِ التَّفْتِيشِ هَلْ هُوَ حَقِيقَةٌ أَوْ مَجَازٌ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْمُتَبَادَرُ مِنْ كَلَامِهِمْ

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلُهُ: مَوْثُوقٍ بِهِ) أَيْ بِأَنْ يَكُونَ ثِقَةً لَا فَاسِقًا بِدَلِيلِ قَوْلِهِ الْآتِي: وَلَا أَثَرَ لِإِخْبَارِ فَاسِقٍ إلَخْ، وَبِدَلِيلِ قَوْلِهِ فِيمَا مَرَّ فِيمَا لَوْ بَعَثَ النَّازِلُونَ ثِقَةً فَلْيُحَرَّرْ (قَوْلُهُ: وَلَا أَثَرَ لِإِخْبَارِ فَاسِقٍ إلَخْ) هَذَا لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالطَّلَبِ الَّذِي الْكَلَامُ فِيهِ بَلْ هُوَ أَمْرٌ سَابِقٌ عَلَى الطَّلَبِ فَكَانَ يَنْبَغِي ذِكْرُهُ عِنْدَ قَوْلِهِ الْمَارِّ، وَمِنْ صُوَرِ تَيَقُّنِ فَقْدِهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ مَا لَوْ أَخْبَرَهُ عُدُولٌ إلَخْ وَعَنْ خَطِّ الشَّيْخِ أَنَّ مَحَلَّ عَدَمِ الْأَخْذِ بِقَوْلِ الْفَاسِقِ: أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِلْوُجُودِ مَا إذَا لَمْ يُوقِعْ إخْبَارَهُ فِي الْوَهْمِ وُجُودُ الْمَاءِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ.

وَقَدْ تَلَخَّصَ أَنَّ طَرِيقَةَ الشَّيْخِ عَدَمُ صِحَّةِ تَوْكِيلِ الْفَاسِقِ فِي طَلَبِ الْمَاءِ مُخَالِفًا فِي ذَلِكَ لِلشِّهَابِ ابْنِ حَجَرٍ (قَوْلُهُ: وَقَدْ يَجِبُ طَلَبُهُ قَبْلَ الْوَقْتِ) نَظَرَ فِيهِ الشِّهَابُ ابْنُ قَاسِمٍ بِمَا يَأْتِي مِنْ جَوَازِ إتْلَافِ الْمَاءِ الَّذِي مَعَهُ قَبْلَ الْوَقْتِ انْتَهَى. وَقَدْ يُنْظَرُ فِيهِ أَيْضًا

ص: 266

مِنْ حَجَرٍ أَوْ مَدَرٍ أَوْ شَعْرٍ أَوْ وَبَرٍ، وَيُجْمَعُ فِي الْكَثْرَةِ عَلَى رِحَالٍ وَفِي الْقِلَّةِ عَلَى أَرْحُلٍ، وَيُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى مَا يَسْتَصْحِبُهُ مِنْ الْأَثَاثِ (وَرُفْقَتِهِ) بِتَثْلِيثِ الرَّاءِ: أَيْ إلَى أَنْ يَسْتَوْعِبَهُمْ أَوْ يَضِيقَ الْوَقْتُ فَلَا يَبْقَى إلَّا مَا يَسَعُ تِلْكَ الصَّلَاةَ، وَلَا يَجِبُ الطَّلَبُ مِنْ كُلٍّ بِعَيْنِهِ بَلْ يَكْفِي نِدَاءٌ يَعُمُّ جَمِيعَهُمْ بِأَنْ يَقُولَ مَنْ مَعَهُ مَاءٌ مَنْ يَجُودُ بِهِ مَنْ يَبِيعُهُ، فَيَجْمَعُ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ قَدْ يَبْذُلُهُ وَلَا يَهَبُهُ وَلَا يَبِيعُهُ، وَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى مَنْ يَجُودُ بِهِ سَكَتَ مَنْ لَا يَبْذُلُهُ مَجَّانًا، أَوْ عَلَى إطْلَاقِ النِّدَاءِ سَكَتَ مَنْ يَظُنُّ اتِّهَابَهُ وَلَا يَسْمَحُ إلَّا بِبَيْعِهِ وَلَوْ بَعَثَ النَّازِلُونَ ثِقَةً يَطْلُبُهُ لَهُمْ كَفَى (وَنَظَرَ حَوَالَيْهِ) مِنْ جِهَاتِهِ الْأَرْبَعِ (إنْ كَانَ بِمُسْتَوٍ) مِنْ الْأَرْضِ وَيَخُصُّ مَوَاضِعَ الْخُضْرَةِ وَالطَّيْرِ بِمَزِيدِ احْتِيَاطٍ وَهُوَ وَاجِبٌ إنْ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ تَوَقُّفُ غَلَبَةِ ظَنِّ الْفَقْدِ عَلَيْهِ (فَإِنْ احْتَاجَ إلَى تَرَدُّدٍ) بِأَنْ كَانَ ثَمَّ شَجَرٌ أَوْ جَبَلٌ أَوْ وَهْدَةٌ أَوْ نَحْوُهَا (تَرَدَّدَ قَدَرَ نَظَرِهِ) أَيْ قَدَرَ مَا يَنْظُرُ إلَيْهِ فِي الْمُسْتَوَى، وَالْمُرَادُ نَظَرُ الْمُعْتَدِلِ، وَضَبَطَهُ الْإِمَامُ بِحَدِّ الْغَوْثِ وَهُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي لَوْ اسْتَغَاثَ بِرُفْقَتِهِ لَأَغَاثُوهُ مَعَ مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ تَشَاغُلِهِمْ بِأَحْوَالِهِمْ وَتَفَاوُضِهِمْ فِي أَقْوَالِهِمْ.

وَقَوْلُ الشَّارِحِ قِيلَ وَمَا هُنَا كَالْمُحَرَّرِ أَزْيَدُ مِنْ ذَلِكَ بِكَثِيرٍ وَاضِحٍ، وَإِنَّمَا عَبَّرَ عَنْهُ بِقِيلٍ لِعَدَمِ كَوْنِهِ فِي كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ وَإِنَّمَا هُوَ فِي كَلَامِ الشُّرَّاحِ، وَعَبَّرَ عَنْهُ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

أَنَّهُ حَقِيقَةٌ وَأَنَّ الطَّلَبَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ التَّفْتِيشِ وَالسُّؤَالِ وَنَحْوِهِمَا مِمَّا يَسْعَى بِهِ فِي تَحْصِيلِ مُرَادِهِ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا نَقَلَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الْبَيْضَاوِيِّ عَنْ الطِّيبِيِّ عِنْدَ قَوْله تَعَالَى فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ {قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ} [المائدة: 102] مِنْ أَنَّ الطَّلَبَ وَالسُّؤَالَ وَالِاسْتِخْبَارَ وَالِاسْتِفْهَامَ وَالِاسْتِعْلَامَ أَلْفَاظٌ مُتَقَارِبَةٌ وَأَنَّهَا مُتَرَتِّبَةٌ فَالطَّلَبُ أَعُمُّهَا، قَالَ: لِأَنَّهُ يَشْمَلُ الطَّلَبَ مِنْ نَفْسِهِ وَمِنْ غَيْرِهِ، وَالسُّؤَالُ خَاصٌّ بِالطَّلَبِ مِنْ الْغَيْرِ إلَى آخِرِ مَا بَيَّنَ بِهِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الطَّلَبَ مِنْ النَّفْسِ لَيْسَ عِبَارَةً إلَّا عَنْ التَّأَمُّلِ فِي الشَّيْءِ لِيَظْهَرَ الْمُرَادُ مِنْهُ، فَهُوَ كَالْبَحْثِ وَالتَّفْتِيشِ فِي الرَّحْلِ عَنْ الْمَاءِ (قَوْلُهُ: وَيُطْلَقُ أَيْضًا) أَيْ مَجَازًا.

(قَوْلُهُ: أَوْ يَضِيقَ الْوَقْتُ) ظَاهِرُهُ وَإِنْ أَخَّرَ الطَّلَبَ إلَى وَقْتٍ لَا يُمْكِنُهُ اسْتِيعَابُ الرُّفْقَةِ فِيهِ، وَلَا يُنَافِيه مَا مَرَّ عَنْ الْخَادِمِ مِنْ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الطَّلَبُ فِي وَقْتٍ يَسْتَوْعِبُهُمْ فِيهِ وَلَوْ قَبْلَ الْوَقْتِ لِأَنَّ الْكَلَامَ ثَمَّ فِي وُجُوبِ الطَّلَبِ وَمَا هُنَا فِي وُجُوبِ الصَّلَاةِ وَإِنْ أَثِمَ بِتَأْخِيرِ الطَّلَبِ (قَوْلُهُ تِلْكَ الصَّلَاةُ) أَيْ كَامِلَةٌ حَتَّى لَوْ عَلِمَ أَنَّهُ لَوْ طَلَبَ لَا يَبْقَى مَا يَسَعُهَا كَامِلَةً امْتَنَعَ الطَّلَبُ وَوَجَبَ الْإِحْرَامُ بِهَا وَقِيَاسُ مَا يَأْتِي مِنْ أَنَّهُ إذَا أَضَلَّ رَحْلَهُ فِي رِحَالٍ مِنْ الْفَضَاءِ أَنَّهُ يَقْضِي هُنَا، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَا يَقْضِي وَهُوَ الْأَقْرَبُ لِأَنَّهُ حِينَ الطَّلَبِ صَدَقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ تَيَمَّمَ وَلَيْسَ مَعَهُ مَاءٌ كَمَا لَوْ أَتْلَفَ الْمَاءَ عَبَثًا بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ (قَوْلُهُ: فَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا) أَيْ وُجُوبًا (قَوْلُهُ: أَوْ عَلَى إطْلَاقِ النِّدَاءِ سَكَتَ إلَخْ) أَيْ وَعَلَى ذَلِكَ فَيَكْفِي مَنْ مَعَهُ مَاءٌ يَجُودُ بِهِ مَنْ مَعَهُ مَاءٌ يَبِيعُهُ أَوْ مَنْ مَعَهُ مَاءٌ وَلَوْ بِثَمَنِهِ (قَوْلُهُ وَلَوْ بَعَثَ النَّازِلُونَ) أَيْ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْبَعْثِ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَإِنْ كَانَ تَابِعًا لِغَيْرِهِ كَالزَّوْجَةِ وَالْعَبْدِ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ قَبْلُ وَلَا يَكْفِي بِلَا إذْنٍ (قَوْلُهُ: وَنَظَرَ حَوَالَيْهِ) قَالَ الشَّيْخُ عَمِيرَةُ: يُقَالُ حَوَالَيْهِ وَحَوْلَيْهِ وَحَوْلَهُ وَحَوْلَهُ انْتَهَى سم عَلَى مَنْهَجِ.

وَفِي الصَّحَاحِ: يُقَالُ قَعَدَ حَوْلَهُ وَحِوَالَهُ وَحَوْلَيْهِ وَحَوَالَيْهِ وَلَا تَقُلْ حَوَالِيِهِ بِكَسْرِ اللَّامِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ وَاجِبٌ) أَيْ تَخْصِيصُ مَوَاضِعِ الْخُضْرَةِ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ نَظَرُ الْمُعْتَدِلِ) هَذَا الْوَصْفُ خَرَجَ مَخْرَجَ الْقَيْدِ: أَيْ تَرَدَّدَ قَدْرَ نَظَرِهِ إنْ كَانَ مُعْتَدِلًا.

وَبِهَذَا يُجَابُ عَمَّا نَظَرَ بِهِ سم عَلَى حَجّ مِنْ أَنَّ هَذَا الْوَصْفَ إنَّمَا يَتَأَتَّى لَوْ كَانَ الْمُرَادُ جِنْسَ النَّظَرِ، أَمَّا بَعْدَ تَقْيِيدِهِ بِكَوْنِهِ نَظَرَ مُرِيدُ التَّيَمُّمِ فَنَظَرُهُ لَا يَكُونُ تَارَةً قَوِيًّا وَتَارَةً ضَعِيفًا بَلْ عَلَى حَالَةٍ وَاحِدَةٍ.

وَأَجَابَ عَنْهُ بِمَا لَعَلَّ مَا ذَكَرْنَاهُ أَقْرَبُ مِنْهُ (قَوْلُهُ الَّذِي لَوْ اسْتَغَاثَ) يَنْبَغِي أَنْ يُعْتَبَرَ ابْتِدَاءُ هَذَا الْحَدِّ مِنْ آخِرِ الرُّفْقَةِ الَّذِينَ يَلْزَمُهُ سُؤَالُهُمْ وَهُمْ الْمَنْسُوبُونَ إلَيْهِ

ــ

[حاشية الرشيدي]

بِأَنَّ الَّذِينَ يَجِبُ عَلَيْهِ اسْتِيعَابُهُمْ هُمْ رُفْقَتُهُ الْمَنْسُوبُونَ إلَيْهِ لَا جَمِيعُ الْقَافِلَةِ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ: وَلَا يَهَبُهُ) لَا مَحَلَّ لَهُ هُنَا (قَوْلُهُ: وَضَبَطَهُ) يَحْتَمِلُ رُجُوعَ الضَّمِيرِ إلَى مَا يَجِبُ التَّرَدُّدُ إلَيْهِ فَيَكُونُ قَدْ أَثْبَتَ الْمُخَالَفَةَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا فِي الْمَتْنِ أَوَّلَ وَهْلَةٍ، وَيُوَافِقُهُ قَوْلُهُ: الْآتِي وَقَوْلُ الشَّيْخِ قِيلَ إلَخْ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ مُؤَاخَذَاتٌ تَأْتِي، وَيُحْتَمَلُ رُجُوعُهُ لِمَا فِي الْمَتْنِ، فَيَكُونُ قَدْ أَشَارَ إلَى مَا صَرَّحَ بِهِ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ مِنْ نَفْيِ الْمُخَالَفَةِ بَيْنَ هَذِهِ الْعِبَارَاتِ؛ لِأَنَّ مُؤَدَّاهَا وَاحِدٌ (قَوْلُهُ: وَاضِحٌ) خَبَرُ

ص: 267

فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ بِغَلْوَةِ سَهْمٍ: أَيْ غَايَةِ رَمْيِهِ، وَيَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِاسْتِوَاءِ الْأَرْضِ وَاخْتِلَافِهَا صُعُودًا وَهُبُوطًا، وَقَوْلُهُمْ إنْ كَانَ بِمُسْتَوٍ مِنْ الْأَرْضِ نَظَرَ حَوَالَيْهِ.

وَلَا يَلْزَمُهُ مَشْيٌ أَصْلًا وَإِنْ كَانَ بِقُرْبِهِ جَبَلٌ صَعَدَهُ وَنَظَرَ حَوَالَيْهِ إنْ أَمِنَ.

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله فِي الْبُوَيْطِيِّ: وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَدُورَ لِطَلَبِ الْمَاءِ لِأَنَّ ذَلِكَ أَضَرُّ عَلَيْهِ مِنْ إتْيَانِهِ الْمَاءَ فِي الْمَوَاضِعِ الْبَعِيدَةِ مِنْ طَرِيقِهِ وَلَيْسَ ذَلِكَ عَلَيْهِ عِنْدَ أَحَدٍ اهـ.

قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: فَقَدْ أَشَارَ إلَى نَقْلِ الْإِجْمَاعِ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ التَّرَدُّدِ اهـ يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى تَرَدُّدٍ غَيْرِ مُتَعَيِّنٍ بِأَنْ كَانَ لَوْ صَعَدَ أَحَاطَ بِحَدِّ الْغَوْثِ مِنْ الْجِهَاتِ الْأَرْبَعِ، إذْ لَا فَائِدَةَ مَعَ ذَلِكَ لِوُجُوبِ التَّرَدُّدِ وَحُمِلَ الْأَوَّلُ عَلَى مَا إذَا كَانَ نَحْوُ الصُّعُودِ لَا يُفِيدُهُ النَّظَرُ فَتَعَيَّنَ التَّرَدُّدُ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَأْمَنَ عَلَى نَفْسِهِ وَمَالِهِ وَعُضْوِهِ وَاخْتِصَاصِهِ الْمُحْتَرَمِ وَانْقِطَاعًا عَنْ رُفْقَتِهِ وَإِنْ لَمْ يَسْتَوْحِشْ بِخِلَافِ الْجُمُعَةِ لِتَكَرُّرِهِ كُلَّ يَوْمٍ، بِخِلَافِهَا وَفَوْتِ وَقْتِ تِلْكَ الصَّلَاةِ بِأَنْ لَمْ يَبْقَ مِنْ ذَلِكَ إلَّا مَا يَسَعُهَا، وَبِفَارِقِ وَاجِدِ الْمَاءِ بِحَيْثُ لَوْ تَوَضَّأَ خَرَجَ الْوَقْتُ وَلَوْ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

لَا مِنْ آخِرِ الْقَافِلَةِ مُطْلَقًا وَإِلَّا فَقَدْ تَتَّسِعُ الْقَافِلَةُ جِدًّا بِحَيْثُ تَأْخُذُ قَدْرَ فَرْسَخٍ وَأَكْثَرَ، فَلَوْ اُعْتُبِرَ الْحَدُّ مِنْ آخِرِهَا لَزِمَ مَشَقَّةٌ شَدِيدَةٌ وَرُبَّمَا يَزِيدُ عَلَى حَدِّ الْقُرْبِ فَلْيُتَأَمَّلْ سم عَلَى مَنْهَجِ، لَكِنْ يُشْكِلُ بِمَا مَرَّ عَنْ الزَّرْكَشِيّ مِنْ وُجُوبِ الطَّلَبِ قَبْلَ الْوَقْتِ إذَا عَظُمَتْ الْقَافِلَةُ، لَكِنْ قَدْ يُقَالُ مَا ذَكَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ يُخَالِفُهُ تَقْيِيدُ حَجّ الرُّفْقَةِ بِالْمَنْسُوبِينَ لِمَنْزِلِهِ عَادَةً لَا كُلُّ الْقَافِلَةِ إنْ تَفَاحَشَ كِبَرُهَا انْتَهَى، إلَّا أَنْ يُقَالَ مُرَادُ الزَّرْكَشِيّ بِالْعِظَمِ كَثْرَتُهُمْ مَعَ نِسْبَتِهِمْ إلَى مَنْزِلِهِ عَادَةً (قَوْلُهُ: أَيْ غَايَةَ رَمْيِهِ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: الْغَلْوَةُ الْغَايَةُ وَهِيَ رَمْيَةُ سَهْمٍ أَبْعَدَ مَا يَقْدِرُ، وَيُقَالُ هِيَ قَدْرُ ثَلَاثِمِائَةِ ذِرَاعٍ إلَى أَرْبَعِمِائَةٍ وَالْجَمْعُ غَلَوَاتٍ مِثْلُ شَهْوَةٍ وَشَهَوَاتٍ (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ ذَلِكَ عَلَيْهِ) أَيْ وَاجِبًا عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: يُمْكِنُ حَمْلُهُ) جَوَابٌ لِقَوْلِهِ وَقَوْلِهِمْ إنْ كَانَ بِمُسْتَوٍ إلَخْ (قَوْلُهُ: غَيْرُ مُتَعَيَّنٍ) أَيْ فِي أَدَاءِ الْمَقْصُودِ مِنْ الْإِحَاطَةِ بِجَوَانِبِ مَا يَنْتَهِي نَظَرُهُ إلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَحُمِلَ الْأَوَّلُ) هُوَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ تَرَدَّدَ قَدَرَ نَظَرِهِ، لَكِنْ يَرُدُّ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ أَضَرَّ عَلَيْهِ مِنْ إتْيَانِهِ الْمَاءَ فِي الْمَوَاضِعِ الْبَعِيدَةِ (قَوْلُهُ: لَا يُفِيدُهُ النَّظَرُ) أَيْ إلَى الْجِهَاتِ الَّتِي يُحْتَمَلُ وُجُودُ الْمَاءِ فِيهَا فَهُوَ بِالنَّصْبِ عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ (قَوْلُهُ: الْمُحْتَرَمُ) لَعَلَّ تَقْيِيدَ الِاخْتِصَاصِ بِالْمُحْتَرَمِ لِبَيَانِ الْوَاقِعِ فَإِنَّ غَيْرَ الْمُحْتَرَمِ كَالْكَلْبِ الْعَقُورِ لَا تَثْبُتُ عَلَيْهِ يَدٌ فَلَا يَكُونُ اخْتِصَاصًا، وَأَمَّا غَيْرُهُ فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الِاحْتِرَامِ فَلَا عِبْرَةَ بِخَوْفِهِ عَلَى زَانٍ مُحْصَنٍ أَوْ مُرْتَدٍّ أَوْ نَحْوِهِمَا.

وَعِبَارَةُ حَجّ حَيْثُ أَمَّنَ بِضْعًا وَمُحْتَرَمًا نَفْسًا وَعُضْوًا وَمَالًا وَإِنْ قَلَّ وَاخْتِصَاصًا اهـ.

وَعِبَارَةُ شَرْحِ الرَّوْضِ بَعْدَ مِثْلِ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مُحْتَرَمَاتٌ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْجُمُعَةِ) أَيْ فَإِنَّ الِانْقِطَاعَ عَنْ الرُّفْقَةِ لَا يَجُوزُ السَّفَرُ مَعَهُمْ بَعْدَ الْفَجْرِ حَيْثُ أَدَّى إلَى تَفْوِيتِهَا بَلْ لَا بُدَّ مِنْ ضَرُورَةٍ تَدْعُو إلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَفَوْتُ وَقْتٍ) عُطِفَ عَلَى قَوْلِهِ أَنْ يَأْمَنَ (قَوْلُهُ: إلَّا مَا يَسَعُهَا) أَيْ

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَفِي الْحَقِيقَةِ الْوُضُوحُ إنَّمَا هُوَ لِلْقِيلِ الَّذِي حَكَاهُ الشَّيْخُ لَا نَفْسَ حِكَايَتِهِ، وَقَوْلُهُ وَإِنَّمَا عَبَّرَ عَنْهُ بِقِيلِ لَا يَخْفَى أَنَّ الضَّمِيرَ فِي عَنْهُ لِلْمُخَالَفَةِ الَّتِي أَثْبَتَهَا الْقِيلُ بَيْنَ مَا هُنَا وَبَيْنَ ضَبْطِ الْإِمَامِ، وَلَيْسَ فِيهِ إثْبَاتُ حُكْمٍ حَتَّى يُقَالَ: وَإِنَّمَا عَبَّرَ عَنْهُ بِقِيلِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ، عَلَى أَنَّ كَوْنَهُ لَيْسَ فِي كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ لَا يَقْتَضِي التَّعْبِيرَ عَنْهُ بِقِيلَ. وَبِالْجُمْلَةِ فَفِي سِيَاقِهِ غَايَةُ الْقَلَاقَةِ مَعَ أَنَّهُ لَا يُعْلَمُ مِنْهُ مَا رَجَّحَهُ فِي ضَبْطِ مَا يَجِبُ التَّرَدُّدُ إلَيْهِ. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الشَّيْخَ الْجَلَالَ إنَّمَا مُرَادُهُ بِمَا ذَكَرَهُ عَنْ الشَّيْخِ نَفْيُ الْمُخَالَفَةِ بَيْنَ مَا هُنَا، وَضَبْطُ الْإِمَامِ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ عَنْ شَرْحِ الْمَنْهَجِ فَحِكَايَتُهُ لِلْمُخَالَفَةِ بِقِيلَ إنَّمَا هُوَ لِلْإِشَارَةِ لِضَعْفِهَا لَا كَمَا فَهِمَهُ عَنْ الشَّيْخِ (قَوْلُهُ: وَقَوْلُهُمْ إنْ كَانَ بِمُسْتَوٍ إلَخْ) مُرَادُهُ بِهِ الْجَوَابُ عَمَّا اُعْتُرِضَ بِهِ عَلَى الْمَتْنِ فِي إيجَابِ التَّرَدُّدِ مِنْ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِكَلَامِ الشَّافِعِيِّ، وَالْأَصْحَابِ مِنْ عَدَمِ إيجَابِ التَّرَدُّدِ مُطْلَقًا

ص: 268

جُمُعَةً فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ وَلَا يَتَيَمَّمُ بِأَنَّهُ لَيْسَ بِفَاقِدٍ لِلْمَاءِ (فَإِنْ لَمْ يَجِدْ) بَعْدَ الْبَحْثِ الْمَذْكُورِ مَاءً (تَيَمَّمَ) لِأَنَّ الْفَقْدَ حَاصِلٌ وَتَأْخِيرُ التَّيَمُّمِ عَنْ الطَّلَبِ فِي الْوَقْتِ جَائِزٌ إنْ لَمْ يَحْدُثْ سَبَبٌ يُحْتَمَلُ مَعَهُ وُجُودُ الْمَاءِ (فَلَوْ) طَلَبَ كَمَا مَرَّ وَتَيَمَّمَ، وَ (مَكَثَ) بِضَمِّ الْكَافِ وَفَتْحِهَا (مَوْضِعَهُ) وَلَمْ يَتَيَقَّنْ عَدَمَهُ بِالطَّلَبِ الْأَوَّلِ وَلَمْ يُوجَدْ مَا يُحَالُ عَلَيْهِ وُجُودُهُ (فَالْأَصَحُّ وُجُوبُ الطَّلَبِ) ثَانِيًا (لِمَا يَطْرَأُ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ طَرَيَانُهُ لِلْحَدَثِ أَمْ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ أَمْ قَضَاءِ صَلَوَاتٍ مُتَوَالِيَةٍ أَمْ غَيْرِ مُتَوَالِيَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ لِاحْتِمَالِ اطِّلَاعِهِ عَلَى بِئْرٍ خَفِيَتْ عَلَيْهِ أَوْ وُجُودِ مَنْ يَدُلُّهُ عَلَى الْمَاءِ لَكِنَّ الطَّلَبَ الثَّانِيَ أَخَفُّ مِنْ الْأَوَّلِ.

وَالثَّانِي لَا يَجِبُ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ هُنَاكَ مَاءٌ لَظَفِرَ بِهِ بِالطَّلَبِ الْأَوَّلِ، وَقَوْلُهُ مَكَثَ مَوْضِعَهُ مِنْ زِيَادَاتِهِ عَلَى الْمُحَرَّرِ مِنْ غَيْرِ تَمْيِيزٍ.

(فَلَوْ)(عَلِمَ) الْمُسَافِرُ بِمَحِلِّ (مَاءٌ يَصِلُهُ الْمُسَافِرُ لِحَاجَتِهِ) كَاحْتِطَابٍ وَاحْتِشَاشٍ (وَجَبَ قَصْدُهُ) أَيْ طَلَبُهُ مِنْهُ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ يَسْعَى إلَى هَذَا الْحَدِّ لِأَشْغَالِهِ الدُّنْيَوِيَّةِ فَلِلْعِبَادَةِ أَوْلَى، وَهَذَا الْمِقْدَارُ هُوَ الْمُسَمَّى بِحَدِّ الْقُرْبِ وَهُوَ أَزْيَدُ مِنْ حَدِّ الْغَوْثِ الَّذِي يَسْعَى إلَيْهِ فِي حَالِ تَوَهُّمِ الْمَاءِ كَمَا مَرَّ.

قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى: وَلَعَلَّهُ يَقْرُبُ مِنْ نِصْفِ فَرْسَخٍ، هَذَا (إنْ لَمْ يَخَفْ ضَرَرَ نَفْسِ) أَوْ عُضْوٍ أَوْ بُضْعٍ (أَوْ مَالٍ) لَا يَجِبُ عَلَيْهِ بَذْلُهُ فِي تَحْصِيلِ الْمَاءِ ثَمَنًا أَوْ أُجْرَةً، وَلَا بُدَّ أَنْ يَأْمَنَ انْقِطَاعَهُ عَنْ رُفْقَتِهِ وَإِنْ لَمْ يَتَضَرَّرْ بِتَخَلُّفِهِ عَنْهُمْ كَمَا مَرَّ وَخُرُوجَ الْوَقْتِ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

كَامِلَةً (قَوْلُهُ: إنْ لَمْ يَحْدُثْ سَبَبٌ) قَيْدٌ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ تَيَمُّمٌ لَا لِقَوْلِهِ جَائِزٌ.

فَإِنَّهُ يَصِيرُ الْمَعْنَى عَلَيْهِ أَنَّهُ يَجُوزُ التَّأْخِيرُ إنْ لَمْ يَحْدُثْ سَبَبٌ، فَإِنْ حَدَثَ وَجَبَ تَعْجِيلُ التَّيَمُّمِ وَهُوَ غَيْرُ مُرَادٍ قَطْعًا (قَوْلُهُ: وَنَحْوُ ذَلِكَ) كَالنَّذْرِ وَالطَّوَافِ الْمَفْرُوضِ، أَمَّا النَّافِلَةُ فَلَا يَجِبُ التَّجْدِيدُ لَهَا بَلْ يُصَلِّي مِنْهَا مَا شَاءَ مَا لَمْ يُحْدِثْ، وَيَدُلُّ لَهُ قَوْلُ حَجّ مِنْ نَحْوِ حَدَثٍ أَوْ إرَادَةِ فَرْضٍ آخَرَ.

(قَوْلُهُ: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى) قَالَ الْإِسْنَوِيُّ فِي الطَّبَقَاتِ: أَبُو سَعْدٍ بِسُكُونِ الْعَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى النَّيْسَابُورِيُّ، تَفَقَّهَ عَلَى الْغَزَالِيِّ وَصَارَ أَكْبَرَ تَلَامِذَتِهِ، وَشَرَحَ الْوَسِيطَ وَسَمَّاهُ الْمُحِيطَ، وَعَلَّقَ فِي الْخِلَافِ تَعْلِيقَةً مَشْهُورَةً، ثُمَّ قَالَ: تُوُفِّيَ فِي رَمَضَانَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ، وَكَانَ مَوْلِدُهُ كَمَا قَالَ ابْنُ خِلِّكَانَ سَنَةَ سِتٍّ وَسَبْعِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ (قَوْلُهُ: مِنْ نِصْفِ فَرْسَخٍ) وَقَدَّرَهُ بِسَيْرِ الْأَثْقَالِ الْمُعْتَدِلَةِ إحْدَى عَشْرَ دَرَجَةً وَرُبْعَ دَرَجَةٍ، وَذَلِكَ لِأَنَّ مَسَافَةَ الْقَصْرِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ وَقَدْرُهَا ثَلَثُمِائَةٍ وَسِتُّونَ دَرَجَةً، وَمَسَافَةُ الْقَصْرِ سِتَّةَ عَشَرَ فَرْسَخًا، فَإِذَا قُسِمَتْ عَلَيْهَا بِاعْتِبَارِ الدَّرَجِ كَانَ مَا يَخُصُّ كُلُّ فَرْسَخٍ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً وَنِصْفَ دَرَجَةٍ وَنِصْفُ الْفَرْسَخِ مَا ذُكِرَ (قَوْلُهُ: أَوْ بِضْعَ) لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ اهـ حَجّ، وَمِثْلُهُ يُقَالُ فِيمَا قَبْلَهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ عَمِيرَةُ حَيْثُ قَالَ: وَتَنْكِيرُ النَّفْسِ وَالْمَالِ لِإِفَادَةِ عَدَمِ الِاخْتِصَاصِ بِهِ اهـ (قَوْلُهُ: وَخُرُوجُ الْوَقْتِ) عِبَارَةُ سم عَلَى حَجّ: يُحْتَمَلُ الِاكْتِفَاءُ بِإِدْرَاكِ رَكْعَةٍ اهـ.

وَلَا يُنَافِي هَذَا مَا مَرَّ لِأَنَّ مَا هُنَا فِي الْعِلْمِ وَمَا هُنَاكَ فِي التَّوَهُّمِ وَفَرَّقَ مَا بَيْنَهُمَا، فَإِنَّ صُورَةَ التَّوَهُّمِ يُحْتَمَلُ فِيهَا عَدَمُ وِجْدَانِ الْمَاءِ فَطَلَبُ الْمَاءِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ يُفَوِّتُ الْوَقْتَ الْمُحَقَّقُ بِلَا فَائِدَةٍ فَاشْتَرَطَ فِيهِ إدْرَاكَ جَمِيعِ الصَّلَاةِ فِي الْوَقْتِ، وَمَا هُنَا مُتَحَقَّقٌ فِيهِ

ــ

[حاشية الرشيدي]

وَالْجَوَابُ لِلشِّهَابِ ابْنِ حَجَرٍ تَصَرُّفُ الشَّيْخِ فِي إيرَادِهِ بِمَا فِيهِ قَلَاقَةٌ (قَوْلُهُ: وَتَأْخِيرُ التَّيَمُّمِ عَنْ الطَّلَبِ فِي الْوَقْتِ جَائِزٌ) أَيْ فَلَا يَمْنَعُ صِحَّةَ التَّيَمُّمِ؛ لِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لِلْجَوَازِ هُنَا إلَّا ذَلِكَ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، وَبِهَذَا اتَّضَحَ بِمَعْنَى تَقْيِيدِهِ بِقَوْلِهِ إنْ لَمْ يَحْدُثْ إلَخْ، وَهَذَا أَوْلَى مِنْ جَعْلِ شَيْخِنَا لَهُ قَيْدًا لِلْمَتْنِ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ مِنْ السِّيَاقِ

(قَوْلُهُ: بِمَحَلٍّ) الْأَوْلَى تَأْخِيرُهُ عَنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ مَاءً كَمَا صَنَعَ فِي التُّحْفَةِ

ص: 269

أَيْضًا (فَإِنْ) خَافَ مَا ذُكِرَ أَوْ (كَانَ) الْمَاءُ بِمَحَلٍّ (فَوْقَ ذَلِكَ) الْمَحَلِّ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُ وَهَذَا يُسَمَّى حَدَّ الْبُعْدِ (تَيَمَّمَ) وَلَا يُكَلَّفُ طَلَبُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْحَرَجِ، وَلَوْ انْتَهَى إلَى الْمَنْزِلِ فِي آخِرِ الْوَقْتِ وَالْمَاءُ فِي حَدِّ الْقُرْبِ وَلَوْ قَصَدَهُ خَرَجَ الْوَقْتُ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَجَبَ قَصْدُهُ، وَالْمُصَنِّفُ لَا.

قَالَ الشَّارِحُ: وَكُلٌّ مِنْهُمَا نَقَلَ مَا قَالَهُ عَنْ مُقْتَضَى كَلَامِ الْأَصْحَابِ بِحَسَبِ مَا فَهِمَهُ.

وَيُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ الْأَوَّلُ عَلَى مَا إذَا كَانَ فِي مَحَلٍّ لَا يَسْقُطُ فِعْلُ الصَّلَاةِ فِيهِ بِالتَّيَمُّمِ، وَالثَّانِي عَلَى خِلَافِهِ بِدَلِيلِ قَوْلِ الرَّوْضَةِ أَمَّا الْمُقِيمُ فَلَا يَتَيَمَّمُ وَعَلَيْهِ أَنْ يَسْعَى وَلَوْ خَرَجَ الْوَقْتُ، وَالتَّعْبِيرُ بِالْمُقِيمِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ، وَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ الْمَحَلُّ كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا قَرَّرْنَاهُ.

وَلَوْ كَانَ فِي سَفِينَةٍ وَخَافَ غَرَقًا لَوْ أَخَذَ مِنْ الْبَحْرِ تَيَمَّمَ وَلَا يُعِيدُ، وَخَرَجَ بِالْمَالِ الِاخْتِصَاصَاتُ، وَالْمَالُ الَّذِي يَجِبُ بَذْلُهُ فِي تَحْصِيلِ الْمَاءِ ثَمَنًا أَوْ أُجْرَةً فَلَا أَثَرَ لِلْخَوْفِ عَلَيْهِ هُنَا وَإِنْ اعْتَبَرْنَاهُ ثَمَّ فِي حَالَةٍ التَّوَهُّمِ كَمَا مَرَّ، وَلِأَنَّ دَانَقًا مِنْ الْمَالِ خَيْرٌ مِنْهَا وَإِنْ كَثُرَتْ، وَمَا زَعَمَهُ بَعْضُهُمْ مِنْ أَنَّ هَذَا لَا يَأْتِي فِي الْكَلْبِ إلَّا إنْ حَلَّ قَتْلُهُ وَإِلَّا فَلَا طَلَبَ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ سَقْيُهُ وَالتَّيَمُّمُ، فَكَيْفَ يُؤْمَرُ بِتَحْصِيلِ مَا لَيْسَ بِحَاصِلٍ، وَتَضْيِيعُهُ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

وُجُودُ الْمَاءِ فَاكْتَفَى بِإِدْرَاكِ رَكْعَةٍ مَعَ الْوُضُوءِ لَوُقُوعِهَا أَدَاءً (قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فَوْقَ ذَلِكَ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ فَوْقَ ذَلِكَ بِيَسِيرٍ كَقَدَمٍ مَثَلًا وَفِيهِ نَظَرٌ فَلْيُرَاجَعْ، بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّ مِثْلَ هَذَا لَا يُعَدُّ فَوْقَ حَدِّ الْقُرْبِ، فَإِنَّ الْمُسَافِرَ إذَا عَلِمَ بِمِثْلِ ذَلِكَ لَا يَمْتَنِعُ مِنْ الذَّهَابِ إلَيْهِ، وَإِنَّمَا يَمْتَنِعُ إذَا بَعُدَتْ الْمَسَافَةُ عُرْفًا.

وَفِي بَعْضِ الْهَوَامِشِ أَنَّهُ إنْ عَلِمَ بِالْمَاءِ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَهُوَ فِي مَنْزِلِهِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ طَلَبُهُ، وَإِنْ اتَّفَقَ أَنَّهُ طَلَبَ الْمَاءَ فَوَصَلَ إلَى غَايَةِ حَدِّ الْقُرْبِ ثُمَّ عَلِمَ بِهِ فَوْقَهُ بِذَلِكَ الْقَدْرِ وَجَبَ طَلَبُهُ اهـ.

وَهُوَ بَعِيدٌ مِنْ كَلَامِهِمْ لِمَا مَرَّ أَنَّ ذَلِكَ الْقَدْرَ لَا يُعَدُّ زِيَادَةً عَلَى حَدِّ الْقُرْبِ فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ (قَوْلُهُ لَا يَسْقُطُ فِعْلُ الصَّلَاةِ فِيهِ بِالتَّيَمُّمِ) أَيْ بِأَنْ كَانَ بِمَحَلٍّ يَغْلِبُ فِيهِ وُجُودُ الْمَاءِ، وَقَوْلُهُ عَلَى خِلَافِهِ: أَيْ بِأَنْ كَانَ بِمَحَلٍّ يَغْلِبُ فِيهِ الْفَقْدُ أَوْ يَسْتَوِي الْأَمْرَانِ (قَوْلُهُ: مِمَّا قَرَّرْنَاهُ) أَيْ فِي قَوْلِهِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَخَافَ غَرَقًا إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ بَعْدَ مَا ذَكَرَ مَا نَصُّهُ: وَنَحْوُهُ كَالْتِقَامِ حُوتٍ وَسُقُوطِ مُتَمَوَّلٍ مَعَهُ أَوْ سَرِقَتِهِ اهـ.

وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا قَضَاءَ فِي مَسْأَلَتِنَا بَلْ قَضِيَّتُهُ عَدَمُ الْقَضَاءِ فِي مُقِيمٍ تَيَمَّمَ لِلْخَوْفِ عَلَى نَفْسٍ أَوْ مَالٍ فَلْيُنْظَرْ سم عَلَى حَجّ.

وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا لَوْ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَاءِ سَبُعٌ أَوْ عَدُوٌّ فَيَتَيَمَّمُ وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ كَمَا سَيَأْتِي لَهُ بَعْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ قَضَى فِي الْأَظْهَرِ.

وَحِينَئِذٍ يَصِحُّ أَنْ يُلْغَزَ بِذَلِكَ وَيُقَالُ لَنَا رَجُلٌ سَلِيمٌ الْأَعْضَاءِ غَيْرُ فَاقِدٍ لِلْمَاءِ تَيَمَّمَ وَصَلَّى وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَصُورَتُهُ لَوْ كَانَ فِي سَفِينَةٍ إلَخْ وَقَدْ نَظَمَ ذَلِكَ بَعْضُ إخْوَانِنَا فَقَالَ:

وَمَا رَجُلٌ لِلْمَاءِ لَيْسَ بِفَاقِدٍ

سَلِيمُ الْعُضْوِ مِنْ مُبِيحِ تَيَمُّمٍ

تَيَمَّمَ لَا يَقْضِي صَلَاةً وَهَذِهِ

لَعَمْرِي خَفَاءٌ فِي حِجَابٍ مُكَتَّمٍ

(قَوْلُهُ: وَلَا يُعِيدُ) أَيْ وَإِنْ قَصَرَ السَّفَرَ.

قَالَ سم عَلَى مَنْهَجٍ: وَمَحَلُّ عَدَمِ الْإِعَادَةِ إذَا كَانَ الْمَوْضِعُ الَّذِي صَلَّى فِيهِ بِذَلِكَ التَّيَمُّمِ مِمَّا لَا يَغْلِبُ فِيهِ وُجُودُ الْمَاءِ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَمَّا فِيهِ السَّفِينَةُ، أَمَّا لَوْ غَلَبَ وُجُودُ الْمَاءِ فِيهِ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَمَّا ذُكِرَ وَجَبَ الْقَضَاءُ اهـ بِالْمَعْنَى.

وَقَوْلُهُ بِقَطْعِ النَّظَرِ إلَخْ يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ بِهِ عَمَّا لَوْ كَانَ الْغَالِبُ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ وُجُودَ الْمَاءِ فِي جَمِيعِ السَّنَةِ وَاتَّفَقَ احْتِيَاجُهُ إلَى النُّزُولِ فِي السَّفِينَةِ فِي وَقْتٍ مُنِعَ فِيهِ مِنْ الطَّهَارَةِ بِالْمَاءِ لِمَا سَبَقَ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ الْمَحَلُّ يَغْلِبُ فِيهِ الْفَقْدُ فِي غَالِبِ السَّنَةِ لَكِنْ اتَّفَقَ وُجُودُهُ مِنْ سَيْلٍ مَثَلًا فِي بَعْضِ أَيَّامِ السَّنَةِ فَإِنَّهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ إذَا تَعَذَّرَ عَلَيْهِ اسْتِعْمَالُ الْمَاءِ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: فَلَا أَثَرَ لِلْخَوْفِ عَلَيْهِ هُنَا إلَخْ) أَيْ إذَا كَانَ

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ أَنْ يَسْعَى) أَيْ وَلَوْ لِمَا فَوْقَ حَدِّ الْقُرْبِ مَا لَمْ يَعُدْ مُسَافِرًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشِّهَابُ ابْنُ قَاسِمٍ فِي حَوَاشِي التُّحْفَةِ.

(قَوْلُهُ: فَلَا أَثَرَ لِلْخَوْفِ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْمَذْكُورِ (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ دَانِقًا) الصَّوَابُ حَذْفُ الْوَاوِ (قَوْلُهُ: خَيْرٌ مِنْهَا) يَعْنِي

ص: 270

غَيْرُ صَحِيحٍ، لِأَنَّ الْخَشْيَةَ عَلَى الِاخْتِصَاصِ هُنَا إنَّمَا هِيَ خَشْيَةُ أَخْذِ الْغَيْرِ لَوْ قَصَدَ الْمَاءَ وَتَرَكَهُ لَا خَشْيَةَ ذَهَابِ رُوحِهِ بِالْعَطَشِ، وَبِذَلِكَ يُجْمَعُ بَيْنَ كَلَامَيْ الْمَجْمُوعِ.

(وَلَوْ)(تَيَقَّنَهُ) أَيْ وُجُودَ الْمَاءِ (آخِرَ الْوَقْتِ) مَعَ كَوْنِ التَّيَمُّمِ جَائِزًا لَهُ فِي أَثْنَائِهِ وَفِي الْوَقْتِ مَا يَسَعُهَا كُلَّهَا وَطُهْرُهَا فِيهِ (فَانْتِظَارُهُ أَفْضَلُ) مِنْ تَعْجِيلِ التَّيَمُّمِ لِأَنَّ التَّقْدِيمَ مُسْتَحَبٌّ وَالْوُضُوءَ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ فَرْضٌ فَثَوَابُهُ أَكْثَرُ.

وَلِهَذَا يَجُوزُ التَّأْخِيرُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّقْدِيمِ بِخِلَافِ التَّيَمُّمِ عِنْدَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْوُضُوءِ، وَالْمُرَادُ بِالْيَقِينِ هُنَا الْوُثُوقُ بِحُصُولِ الْمَاءِ بِحَيْثُ لَا يَتَخَلَّفُ عَادَةً لَا مَا يَنْتَفِي مَعَهُ احْتِمَالُ عَدَمِ الْحُصُولِ عَقْلًا، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ تَيَقُّنِ وُجُودِهِ فِي مَنْزِلِهِ أَوْ غَيْرِهِ خِلَافًا لِلْمَاوَرْدِيِّ كَمَا أَطْلَقَ ذَلِكَ أَصْحَابُنَا، لِأَنَّ الْعِبْرَةَ فِي الطَّلَبِ بِالْحَالَةِ الرَّاهِنَةِ وَهُوَ فِيهَا فَاقِدٌ لِلْمَاءِ حِسًّا وَشَرْعًا.

وَقَدْ تُعْرَضُ عَوَارِضُ يَكُونُ التَّيَمُّمُ فِيهَا أَوَّلَ الْوَقْتِ أَفْضَلَ كَأَنْ كَانَ يُصَلِّي أَوَّلَ الْوَقْتِ بِسُتْرَةٍ وَلَوْ أَخَّرَ لَمْ يُصَلِّ بِهَا، أَوْ كَانَ قَادِرًا عَلَى الْقِيَامِ أَوَّلَ الْوَقْتِ وَيَعْجَزُ عَنْهُ لَوْ أَخَّرَ

وَلَوْ شَكَّ فِي وُجُودِهِ آخِرَ الْوَقْتِ (أَوْ ظَنَّهُ) بِأَنْ كَانَ وُجُودُهُ مُتَرَجِّحًا عِنْدَهُ آخَرَّهُ (فَتَعْجِيلُ التَّيَمُّمِ أَفْضَلُ فِي الْأَظْهَرِ) لِأَنَّ فَضِيلَةَ أَوَّلِ الْوَقْتِ مُحَقَّقَةٌ بِخِلَافِ فَضِيلَةِ الْوُضُوءِ وَالثَّانِي التَّأْخِيرُ أَفْضَلُ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا أَرَادَ الِاقْتِصَارَ عَلَى صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ، فَإِنْ صَلَّاهَا بِالتَّيَمُّمِ أَوَّلَ الْوَقْتِ ثُمَّ أَعَادَهَا آخِرَهُ مَعَ الْكَمَالِ فَهُوَ الْغَايَةُ فِي إحْرَازِ الْفَضِيلَةِ.

وَيُجَابُ عَنْ اسْتِشْكَالِ ابْنِ الرِّفْعَةِ لَهُ بِأَنَّ الْفَرْضَ الْأُولَى وَلَمْ تَشْمَلْهَا فَضِيلَةُ الْوُضُوءِ بِأَنَّ الثَّانِيَةَ لَمَّا كَانَتْ عَيْنَ الْأُولَى كَانَتْ جَابِرَةً لِنَقْصِهَا.

لَا يُقَالُ: الصَّلَاةُ بِالتَّيَمُّمِ لَا يُسْتَحَبُّ إعَادَتُهَا بِالْوُضُوءِ.

لِأَنَّا نَقُولُ: مَحَلُّهُ فِيمَنْ لَا يَرْجُو الْمَاءَ بَعْدُ بِقَرِينَةِ سِيَاقِ كَلَامِهِمْ، وَمَحَلُّ مَا ذُكِرَ فِي الْأُولَى إذَا كَانَ يُصَلِّيهَا فِي الْحَالَيْنِ مُنْفَرِدًا أَوْ فِي جَمَاعَةٍ.

أَمَّا لَوْ كَانَ إذَا قَدَّمَهَا صَلَّاهَا بِالتَّيَمُّمِ فِي جَمَاعَةٍ وَإِذَا أَخَّرَهَا لِلْوُضُوءِ انْفَرَدَ فَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَخْذًا مِنْ كَلَامِ الْأَذْرَعِيِّ أَنَّ التَّقْدِيمَ أَفْضَلُ.

أَمَّا إذَا تَرَجَّحَ عِنْدَهُ فَقْدُهُ أَوْ تَيَقَّنَهُ آخِرَ الْوَقْتِ فَالتَّعْجِيلُ أَفْضَلُ جَزْمًا، وَيَجْرِي هَذَا التَّفْصِيلُ فِيمَا لَوْ صَلَّى الْوَقْتَ مُنْفَرِدًا وَأَخَّرَهُ فِي جَمَاعَةٍ.

قَالَ الْمُصَنِّفُ: يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إنْ فَحَشَ التَّأْخِيرُ فَالتَّقْدِيمُ أَفْضَلُ وَإِنْ خَفَّ فَالتَّأْخِيرُ أَفْضَلُ اهـ وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ.

وَإِدْرَاكُ الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ أَوْلَى مِنْ إدْرَاكِ الصَّفِّ الْأَوَّلِ وَهُوَ أَوْلَى مِنْ إدْرَاكِ غَيْرِ الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ، وَمَحَلُّ ذَلِكَ فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ، أَمَّا فِيهَا عِنْدَ خَوْفِ فَوْتِ رُكُوعِ الثَّانِيَةِ وَهُوَ مِمَّنْ تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ فَالْأَوْجَهُ وُجُوبُ الْوُقُوفِ عَلَيْهِ مُتَأَخِّرًا أَوْ مُنْفَرِدًا لِإِدْرَاكِهَا، وَإِنْ خَافَ فَوْتَ قِيَامِ الثَّانِيَةِ وَقِرَاءَتِهَا فَالْأَوْلَى لَهُ أَنْ لَا يَتَقَدَّمَ وَيَقِفَ فِي الصَّفِّ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

يُحَصِّلُ الْمَاءَ بِلَا مَالٍ، وَقَوْلُهُ وَإِنْ اعْتَبَرْنَاهُ: أَيْ الْخَوْفَ (قَوْلُهُ: لَوْ قَصَدَ) أَيْ الْمَاءَ.

(قَوْلُهُ خِلَافًا لِلْمَاوَرْدِيِّ) وَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِهِ عَلَى مَا إذَا كَانَ بِمَحَلٍّ يَغْلِبُ فِيهِ وُجُودُ الْمَاءِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ التَّأْخِيرُ حِينَئِذٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ شَيْخُنَا الزِّيَادِيُّ، وَيُفِيدُهُ مَا جَمَعَ بِهِ بَيْنَ كَلَامَيْ الرَّافِعِيِّ وَالنَّوَوِيِّ الْمَارِّ (قَوْلُهُ: أَوَّلُ الْوَقْتِ أَفْضَلُ) أَيْ مِنْ الْوُضُوءِ مَعَ التَّأْخِيرِ.

(قَوْلُهُ: وَلَوْ شَكَّ فِي وُجُودِهِ) هَذِهِ الصُّورَةُ تُعْلَمُ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ أَوْ ظَنَّهُ بِالطَّرِيقِ الْأُولَى (قَوْلُهُ: عِنْدَهُ آخِرُهُ) الْمُرَادُ بِالْآخِرِ مَا قَابَلَ الْأَوَّلَ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ آخِرِ الْوَقْتِ وَوَسَطِهِ، وَلَا بَيْنَ فُحْشِ التَّأْخِيرِ وَوُجُودِ الْمَاءِ وَعَدَمِهِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ (قَوْلُهُ: مَعَ الْكَمَالِ) أَيْ مَعَ الْوُضُوءِ وَلَوْ مُنْفَرِدًا (قَوْلُهُ: فِي الْأُولَى) هِيَ قَوْلُهُ وَلَوْ تَيَقَّنَّهُ آخِرَ الْوَقْتِ إلَخْ.

(قَوْلُهُ: وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ) هُوَ قَوْلُهُ وَيَجْرِي هَذَا التَّفْصِيلُ فِيمَا لَوْ صَلَّى إلَخْ (قَوْلُهُ وَإِدْرَاكُ الرَّكْعَةِ إلَخْ) ظَاهِرُهُ وَإِنْ أَدْرَكَهَا عَلَى وَجْهٍ لَا تَحْصُلُ مَعَهُ الْفَضِيلَةُ كَأَنْ أَدْرَكَهَا فِي صَفٍّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّفِّ الَّذِي أَمَامَهُ أَكْثَرُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ، أَوْ فِي صَفٍّ أَحْدَثُوهُ مَعَ نُقْصَانِ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ مِنْ الصُّفُوفِ وَهُوَ مُحْتَمَلٌ وَيُحْتَمَلُ، وَلَعَلَّهُ أَقْرَبُ، تَقْيِيدُ ذَلِكَ بِمَا إذَا كَانَ الِاقْتِدَاءُ عَلَى وَجْهٍ تَحْصُلُ مَعَهُ فَضِيلَةُ الْجَمَاعَةِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ أَوْلَى) أَيْ الصَّفُّ الْأَوَّلُ (قَوْلُهُ: وَقِرَاءَتُهَا) أَيْ مَعَ إدْرَاكِ رُكُوعِهَا

ــ

[حاشية الرشيدي]

الِاخْتِصَاصَاتِ

(قَوْلُهُ: مَعَ كَوْنِ التَّيَمُّمِ جَائِزًا لَهُ فِي أَثْنَائِهِ) أَيْ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ التَّيَمُّمُ جَائِزًا لَهُ فِي أَثْنَائِهِ بِأَنْ كَانَ فِي مَحَلٍّ يَغْلِبُ فِيهِ وُجُودُ الْمَاءِ، فَإِنَّ الِانْتِظَارَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ وَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ كَمَا عُلِمَ مِنْ نَظِيرِهِ الْمَارِّ وَبِهِ صَرَّحَ الزِّيَادِيُّ

(قَوْلُهُ: أَوْ تَيَقَّنَهُ) أَيْ الْفَقْدَ (قَوْلُهُ: وَهُوَ مَنْ تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ) قَيْدٌ فِي الْوُجُوبِ، وَانْظُرْ لَوْ كَانَ غَيْرَ مَنْ تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ هَلْ الْأَفْضَلُ

ص: 271

الْمُتَأَخِّرِ لِتَصِحَّ جُمُعَتُهُ إجْمَاعًا، وَإِدْرَاكُ الْجَمَاعَةِ أَوْلَى مِنْ تَثْلِيثِ الْوُضُوءِ وَسَائِرِ آدَابِهِ، فَإِذَا خَافَ فَوْتَ الْجَمَاعَةِ بِسَلَامِ الْإِمَامِ لَوْ أَكْمَلَ الْوُضُوءَ بِآدَابِهِ فَإِدْرَاكُهَا أَوْلَى مِنْ إكْمَالِهِ.

وَلَوْ ضَاقَ وَقْتُهَا أَوْ الْمَاءُ عَنْ سُنَنِ الْوُضُوءِ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى فَرَائِضِهِ.

وَلَا يَلْزَمُ الْبَدْوِيَّ الِانْتِقَالُ لِيَتَطَهَّرَ بِالْمَاءِ عَنْ التَّيَمُّمِ، وَلَوْ ازْدَحَمَ مُسَافِرُونَ عَلَى بِئْرٍ أَوْ ثَوْبٍ أَوْ مَقَامٍ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَلِيَهُ إلَّا وَاحِدٌ وَاحِدٌ، فَمَنْ عَلِمَ تَأَخُّرَ نَوْبَتِهِ عَنْ الْوَقْتِ لَمْ يَنْتَظِرْهَا بَلْ يُصَلِّي مُتَيَمِّمًا وَعَارِيًّا وَقَاعِدًا مِنْ غَيْرِ إعَادَةٍ، وَإِنْ تَوَقَّعَهَا فِي الْوَقْتِ لَزِمَهُ الِانْتِظَارُ.

(وَلَوْ)(وَجَدَ مَاءً) يَصْلُحُ لِلْغُسْلِ وَ (لَا يَكْفِيه)(فَالْأَظْهَرُ وُجُوبُ اسْتِعْمَالِهِ) مُحْدِثًا كَانَ أَوْ جُنُبَا، وَيُرَاعَى التَّرْتِيبُ إنْ كَانَ حَدَثُهُ أَصْغَرَ وَإِلَّا فَلَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [المائدة: 6] فَشَرَطَ التَّيَمُّمَ بِعَدَمِ الْمَاءِ، وَنُكِّرَ الْمَاءُ فِي سِيَاقِ النَّفْي فَاقْتَضَى أَنْ لَا يَجِدَ مَا يُسَمَّى مَاءً وَلِخَبَرٍ «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» وَلِأَنَّهُ قَدَرَ عَلَى غَسْلِ بَعْضِ أَعْضَائِهِ فَلَمْ يَسْقُطْ الْوُجُوبُ بِعَجْزِهِ عَنْ الْبَاقِي.

وَالثَّانِي لَا يَجِبُ بَلْ يَتَيَمَّمُ كَمَا لَوْ وَجَدَ بَعْضَ الرَّقَبَةِ فِي الْكَفَّارَةِ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ إعْتَاقُهُ بَلْ يَعْدِلُ إلَى الصَّوْمِ، وَفَرَّقَ الْأَوَّلُ بِعَدَمِ تَسْمِيَةِ بَعْضِهَا رَقَبَةً وَبَعْضِ الْمَاءِ مَاءً وَلِأَنَّا لَوْ أَوْجَبْنَا بَعْضَ الرَّقَبَةِ مَعَ الشَّهْرَيْنِ لَجَمَعْنَا بَيْنَ الْبَدَلِ وَالْمُبْدَلِ.

بِخِلَافِ التَّيَمُّمِ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

قَوْلُهُ: فَإِذَا خَافَ فَوْتَ الْجَمَاعَةِ) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَخَفْ فَوْتَهَا بِذَلِكَ بَلْ خَافَ فَوْتَ بَعْضٍ مِنْهَا كَمَا لَوْ كَانَ لَوْ ثَلَّثَ أَدْرَكَهُ فِي التَّشَهُّدِ مَثَلًا كَانَ تَثْلِيثُ الْوُضُوءِ أَوْلَى.

وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ فَرْضٌ فَثَوَابُهَا يَزِيدُ عَلَى ثَوَابِ السُّنَنِ فَيَنْبَغِي الْمُحَافَظَةُ عَلَيْهَا وَإِنْ فَاتَ سُنَنُ الْوُضُوءِ.

وَبَقِيَ مَا لَوْ كَانَ لَوْ ثَلَّثَ فَاتَتْهُ الْجَمَاعَةُ مَعَ إمَامٍ عَدْلٍ وَأَدْرَكَهَا مَعَ غَيْرِهِ.

وَيَنْبَغِي أَنَّ تَرْكَ التَّثْلِيثِ فِيهِ أَفْضَلُ أَيْضًا (قَوْلُهُ وَلَا يَلْزَمُ الْبَدْوِيَّ الِانْتِقَالُ) أَيْ وَلَوْ لَمْ تَكُنْ فِيهِ مَشَقَّةٌ عَلَيْهِ لِعُسْرِ مُفَارَقَةِ مَا أَلِفَهُ فِي الْجُمْلَةِ (قَوْلُهُ: بَلْ يُصَلِّي مُتَيَمِّمًا) ظَاهِرُهُ وَإِنْ كَانَ فِي مَحَلٍّ لَا تَسْقُطُ الصَّلَاةُ فِيهِ بِالتَّيَمُّمِ، وَعَلَيْهِ فَلَوْ دَخَلَ الْحَمَّامَ وَتَعَذَّرَ غُسْلُهُ فِي غَيْرِهِ وَعَلِمَ أَنَّ النَّوْبَةَ لَا تَنْتَهِي إلَيْهِ إلَّا بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ تَيَمَّمَ وَصَلَّى فِي الْوَقْتِ ثُمَّ أَعَادَهُ، لَكِنَّ فِي سم عَلَى مَنْهَجٍ مَا نَصُّهُ فَرْعٌ: لَوْ خَافَ بَرْدَ الْمَاءِ وَعَجَزَ عَنْ تَسْخِينِهِ فِي الْحَالِ لَكِنَّهُ يَعْلَمُ وُجُودَ حَطَبٍ فِي مَكَان إذَا ذَهَبَ إلَيْهِ لَا يَرْجِعُ إلَّا وَقَدْ خَرَجَ الْوَقْتُ أَوْ لَمْ يَخْرُجْ لَكِنْ لَا يَفْرُغُ مِنْ تَسْخِينِهِ إلَّا وَقَدْ خَرَجَ الْوَقْتُ فَيَظْهَرُ، وَأَقَرَّ عَلَيْهِ م ر أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ قَصْدُ الْحَطَبِ فِي الْأُولَى أَوْ التَّسْخِينُ فِي الثَّانِيَةِ وَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ: إنَّ الْمُقِيمَ يَجِبُ عَلَيْهِ قَصْدُ الْمَاءِ الَّذِي فِي حَدِّ الْقُرْبِ بَلْ وَفِي حَدِّ الْبُعْدِ وَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ بِأَنَّ الْإِتْيَانَ بِالْحَطَبِ وَالتَّسْخِينِ لَا يَنْقُصُ عَنْ الذَّهَابِ لِلْمَاءِ فِي حَدِّ الْقُرْبِ لَكِنْ لَا يَبْعُدُ أَنَّهُ هَا هُنَا لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُقِيمِ وَالْمُسَافِرِ لِوُجُوبِ الْقَضَاءِ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ.

وَقِيَاسُهُ أَنَّ فِي مَسْأَلَةِ الْحَمَّامِ يَنْتَظِرُ النَّوْبَةَ وَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ وَلَا يَتَيَمَّمُ لِوُجُوبِ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ.

هَذَا وَلَوْ أَمْكَنَهُ الدُّخُولُ مَعَ غَيْرِهِ فِي حَوْضِ الْحَمَّامِ فَقِيَاسُ مَا مَرَّ مِنْ وُجُوبِ الِاسْتِنْجَاءِ بِحَضْرَةِ النَّاسِ إذَا ضَاقَ الْوَقْتُ أَنَّهُ يَجِبُ هُنَا كَذَلِكَ، وَيَجِبُ عَلَى مَنْ اجْتَمَعَ مَعَهُ غَضُّ الْبَصَرِ.

ثُمَّ رَأَيْت فِي سم عَلَى حَجّ فِي آخِرِ بَابِ التَّيَمُّمِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَمَنْ تَيَمَّمَ لِبَرْدٍ إلَخْ مَا نَصُّهُ: وَلَوْ تَنَاوَبَ جَمْعٌ الِاغْتِسَالَ مِنْ مُغْتَسَلِ الْحَمَّامِ لِلْخَوْفِ مِنْ الْبَرْدِ، فَإِنْ عَلِمَ أَنَّ نَوْبَتَهُ تَأْتِي فِي الْوَقْتِ وَجَبَ انْتِظَارُهَا وَامْتَنَعَ التَّيَمُّمُ سَوَاءٌ كَانَ تَأَخُّرُهُ عَنْ غَيْرِهِ بِنَحْوِ تَقْدِيمِ صَاحِبِ الْحَمَّامِ السَّابِقَ عَلَى غَيْرِهِ أَوْ بِتَعَدِّي غَيْرِهِ عَلَيْهِ وَمَنْعِهِ مِنْ التَّقْدِيمِ.

وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهَا لَا تَأْتِي إلَّا خَارِجَ الْوَقْتِ صَلَّى بِالتَّيَمُّمِ فِي الْوَقْتِ ثُمَّ يَجِبُ الْقَضَاءُ إنْ كَانَ ثَمَّ مَاءٌ آخَرُ غَيْرُ مَا تَنَاوَبُوا فِيهِ لَكِنْ امْتَنَعَ اسْتِعْمَالُهُ لِنَحْوِ بَرْدٍ وَإِلَّا فَلَا م ر اهـ.

(قَوْلُهُ وَنَكَّرَ الْمَاءَ) أَيْ فِي قَوْله تَعَالَى {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً} [المائدة: 6](قَوْلُهُ: وَلِأَنَّا لَوْ أَوْجَبْنَا إلَخْ) قَدْ يُقَالُ قِيَاسُ مَا هُنَا أَنَّهُ إذَا وَجَدَ بَعْضَ

ــ

[حاشية الرشيدي]

لَهُ تَحْصِيلُ فَضِيلَةِ الصَّفِّ وَإِنْ أَتَمَّهَا ظُهْرًا أَوْ تَحْصِيلُهَا جُمُعَةٍ بِإِحْرَامِهِ مُنْفَرِدًا عَنْ الصَّفِّ؟ الظَّاهِرُ الثَّانِي (قَوْلُهُ: عَلَى بِئْرٍ) أَيْ، وَالْمَحَلُّ يَغْلِبُ فِيهِ فَقْدُ الْمَاءِ وَإِلَّا وَجَبَ الِانْتِظَارُ وَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ كَمَا قَيَّدَهُ النُّورُ الزِّيَادِيُّ كَالشِّهَابِ ابْنِ حَجَرٍ

ص: 272

فَإِنَّهُ يَقَعُ عَنْ الْبَعْضِ الَّذِي لَمْ يُغْسَلْ لَا عَنْ الْمَغْسُولِ، وَيَجِبُ أَيْضًا اسْتِعْمَالُ تُرَابٍ نَاقِصٍ (وَيَكُونُ) اسْتِعْمَالُهُ (قَبْلَ التَّيَمُّمِ) عَنْ الْبَاقِي لِئَلَّا يَكُونَ مُتَيَمِّمًا وَمَعَهُ مَاءٌ.

أَمَّا غَيْرُ الصَّالِحِ لِلْغُسْلِ كَثَلْجٍ أَوْ بَرَدٍ لَا يَذُوبُ فَلَا يَجِبُ مَسْحُ الرَّأْسِ بِهِ إذْ لَا يُمْكِنُ هُنَا تَقْدِيمُ مَسْحِ الرَّأْسِ، فَمَا فِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ مَهْمُوزَةٌ مُنَوَّنَةٌ لَا مَوْصُولَةٌ لِئَلَّا يُرَدَّ عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَلَوْ وَجَدَ مُحْدِثٌ تَنَجَّسَ بَدَنُهُ بِمَا لَا يُعْفَى عَنْهُ مَاءً لَا يَكْفِي إلَّا أَحَدَهُمَا تَعَيَّنَ لِلْخَبَثِ لِأَنَّهُ لَا بَدَلَ لِإِزَالَتِهِ، بِخِلَافِ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ، وَظَاهِرٌ أَنَّ تَنَجُّسَ الثَّوْبِ إذَا لَمْ يُمْكِنُهُ نَزْعُهُ كَتَنَجُّسِ الْبَدَنِ فِيمَا ذُكِرَ.

وَظَاهِرُ إطْلَاقِهِمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الْمُقِيمِ وَالْمُسَافِرِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الرَّوْضَةِ، وَبِهِ أَفْتَى الْبَغَوِيّ وَهُوَ الْأَوْجَهُ، وَإِنْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ: إنَّ مَحَلَّ تَعَيُّنِهِ لَهَا فِي الْمُسَافِرِ.

أَمَّا الْمُقِيمُ فَلَا لِوُجُوبِ الْإِعَادَةِ عَلَيْهِ بِكُلِّ حَالٍ وَإِنْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ أَوْلَى، وَجَرَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي مَجْمُوعِهِ وَتَحْقِيقِهِ.

وَشَرْطُ صِحَّةِ التَّيَمُّمِ تَقْدِيمُ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ قَبْلَهُ، فَلَوْ تَيَمَّمَ قَبْلَ إزَالَتِهَا لَمْ يَصِحَّ تَيَمُّمُهُ كَمَا رَجَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي رَوْضَتِهِ وَتَحْقِيقِهِ فِي بَابِ الِاسْتِنْجَاءِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ مُبِيحٌ وَلَا إبَاحَةَ مَعَ الْمَانِعِ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ تَيَمَّمَ قَبْلَ الْوَقْتِ وَإِنْ رَجَّحَا فِي هَذَا الْبَابِ الْجَوَازَ.

(وَيَجِبُ) فِي الْوَقْتِ (شِرَاؤُهُ) أَيْ الْمَاءِ وَإِنْ لَمْ يَكْفِهِ، وَكَذَا التُّرَابِ وَلَوْ بِمَحَلٍّ يَلْزَمُهُ فِيهِ الْقَضَاءُ فِيمَا يَظْهَرُ (بِثَمَنِ مِثْلِهِ) إنْ قَدَرَ عَلَيْهِ بِنَقْدٍ أَوْ عَرَضٍ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ، فَإِنْ بِيعَ بِغَبْنٍ لَمْ يُكَلَّفْ شِرَاؤُهُ لِلضَّرُورَةِ وَإِنْ قَلَّتْ الزِّيَادَةُ، وَإِنْ بِيعَ نَسِيئَةً لَزِمَهُ شِرَاؤُهُ إنْ كَانَ مُوسِرًا وَمَالُهُ حَاضِرٌ أَوْ غَائِبٌ وَالْأَجَلُ مُمْتَدٌّ إلَى وُصُولِهِ لَهُ، وَلَوْ زِيدَ فِي ثَمَنِهِ بِسَبَبِ التَّأْجِيلِ زِيَادَةً لَائِقَةً بِالْأَجَلِ لَمْ يَخْرُجْ بِهَا عَنْ كَوْنِهِ ثَمَنَ مِثْلِهِ.

وَالْمُرَادُ بِهِ الْقَدْرُ اللَّائِقُ بِهِ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ، وَلَا تُعْتَبَرُ حَالَةُ الِاضْطِرَارِ فَقَدْ تَصِلُ الشَّرْبَةُ دَنَانِيرَ وَيَبْعُدُ فِي الرُّخَصِ إيجَابُ مِثْلِ ذَلِكَ.

نَعَمْ يُسَنُّ لَهُ شِرَاؤُهُ إذَا زَادَ عَلَى ثَمَنِ مِثْلِهِ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى ذَلِكَ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ تَحْصِيلُ آلَاتِ الِاسْتِقَاءِ كَدَلْوٍ وَرِشَاءٍ عِنْدَ حَاجَتِهِ إلَيْهَا إذَا وَجَدَهَا تُبَاعُ بِثَمَنِ مِثْلِهَا أَوْ تُؤَجَّرُ بِأُجْرَةِ مِثْلِهَا (إلَّا أَنْ يَحْتَاجَ إلَيْهِ) أَيْ الثَّمَنَ (لِدَيْنٍ) وَلَوْ مُؤَجَّلًا.

نَعَمْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ حُلُولُهُ قَبْلَ وُصُولِهِ إلَى وَطَنِهِ أَوْ بَعْدَهُ، وَلَا مَالَ لَهُ فِيهِ وَإِلَّا وَجَبَ شِرَاؤُهُ فِيمَا يَظْهَرُ أَخْذًا مِنْ مَسْأَلَةِ النَّسِيئَةِ السَّابِقَةِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ لِلَّهِ تَعَالَى أَوْ لِآدَمِيٍّ، وَلَا بَيْنَ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِذِمَّتِهِ أَوْ بِعَيْنٍ مِنْ مَالِهِ كَعَيْنٍ أَعَارَهَا فَرَهْنَهَا الْمُسْتَعِيرُ بِإِذْنِهِ (مُسْتَغْرِقٍ) هُوَ مُسْتَغْنًى عَنْهُ غَيْرَ أَنَّهُ أَتَى

ــ

[حاشية الشبراملسي]

الرَّقَبَةِ يَصُومُ أَيَّامًا تَعْدِلُ الْمَعْجُوزَ عَنْهُ مِنْ الرَّقَبَةِ، وَعَلَيْهِ فَلَا جَمْعَ بَيْنَ الرَّقَبَةِ وَبَدَلِهَا لَكِنْ مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْمُجْزِئَ فِي الْكَفَّارَةِ الشَّهْرَانِ بِكَمَالِهِمَا وَمَا دُونَهُمَا لَا يُعْتَدُّ بِهِ (قَوْلُهُ: وَيَجِبُ أَيْضًا إلَخْ) أَيْ قَطْعًا وَقِيلَ فِيهِ الْقَوْلَانِ اهـ مَحَلِّيٌّ (قَوْلُهُ: أَمَّا غَيْرُ الصَّالِحِ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ يَصْلُحُ لِلْغُسْلِ (قَوْلُهُ: لَا بَدَلَ لَهُ) أَيْ الْخَبَثَ، وَقَوْلُهُ لِإِزَالَتِهَا صِلَةُ تَعَيَّنَ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: تَعَيَّنَ لِلْخَبَثِ لِأَنَّهُ لَا بَدَلَ لِإِزَالَتِهِ وَهُوَ وَاضِحٌ (قَوْلُهُ: إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ نَزْعُهُ) أَيْ كَأَنْ خَافَ الْهَلَاكَ لَوْ نَزَعَهُ، فَإِنْ أَمْكَنَ بِأَنْ لَمْ يَخْشَ مِنْ نَزْعِهِ مَحْذُورَ تَيَمُّمٍ تَوَضَّأَ وَنَزَعَ الثَّوْبَ وَصَلَّى عَارِيًّا وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ لِأَنَّ فَقَدْ السُّتْرَةِ مِمَّا يَكْثُرُ (قَوْلُهُ كَتَنَجُّسِ الْبَدَنِ) أَيْ فَيَغْسِلُهُ وَيَتَيَمَّمُ (قَوْلُهُ وَإِنْ رَجَحَا إلَخْ) مَشَى عَلَيْهِ حَجّ.

(قَوْلُهُ أَوْ غَائِبٌ إلَخْ) أَيْ وَإِنَّمَا وَجَبَ ذَلِكَ مَعَ احْتِمَالِ تَلَفِ الْمَالِ قَبْلَ وُصُولِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ السَّلَامَةُ (قَوْلُهُ وَرِشَاءٌ) أَيْ حَبْلٌ.

قَالَ فِي الْمُخْتَارِ: وَالرِّشَاءُ حَبْلٌ جَمْعُهُ أَرْشِيَةٌ.

وَفِي الْمِصْبَاحِ: وَالرِّشَاءُ الْحَبْلُ وَالْجَمْعُ أَرْشِيَةٌ مِثْلُ كِسَاءٍ وَأَكْسِيَةٍ (قَوْلُهُ: أَخْذًا مِنْ مَسْأَلَةٍ إلَخْ) بَلْ قَدْ يُقَالُ فِي هَذِهِ: إنَّهُ لَيْسَ مُحْتَاجًا إلَيْهِ لِدَيْنِهِ لِوُجُودِ مَا بَقِيَ بِهِ الدَّيْنُ (قَوْلُهُ: لِلَّهِ) كَالزَّكَاةِ

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلُهُ: كَعَيْنٍ أَعَارَهَا) لَعَلَّ الصُّورَةَ أَنَّ الدَّيْنَ الَّذِي عَلَى الْمُسْتَعِيرِ تَعَذَّرَ، وَأَرَادَ الْمُعِيرُ فَكَّ عَيْنِهِ بِمَالٍ مِنْ عِنْدِهِ وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ؛ لِأَنَّ إعَارَةَ الْعَيْنِ لِرَهْنِهَا ضَمَانٌ لِلدَّيْنِ فِيهَا، وَلَا يَصِحُّ بِاحْتِيَاجِهِ لِبَيْعِ تِلْكَ الْعَيْنِ لِلْمَاءِ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ مُسْتَغْنًى عَنْهُ غَيْرُهَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ تَصَرُّفٌ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا مَرْهُونَةٌ، وَلَا يُشْكِلُ عَلَى مَا صَوَّرْنَا بِهِ قَوْلُ الشَّيْخِ

ص: 273

بِهِ لِزِيَادَةِ الْإِيضَاحِ، وَحِينَئِذٍ فَهُوَ فِي كَلَامِهِ صِفَةٌ كَاشِفَةٌ إذْ مِنْ لَازِمِ الِاحْتِيَاجِ إلَيْهِ لِأَجْلِ اسْتِغْرَاقِهِ (أَوْ مُؤْنَةِ سَفَرِهِ) مُبَاحًا كَانَ أَوْ طَاعَةً كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ لِلسَّفَرِ، وَلَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ أَنْ يُرِيدَهُ فِي الْحَالِ أَوْ بَعْدَ ذَلِكَ، وَلَا بَيْنَ نَفْسِهِ وَغَيْرِهِ مِنْ مَمْلُوكٍ وَزَوْجَةٍ وَرَفِيقٍ وَنَحْوِهِمْ مِمَّنْ يَخَافُ انْقِطَاعَهُمْ وَهُوَ ظَاهِرٌ عَلَى التَّفْصِيلِ الْآتِي فِي الْحَجِّ، وَيَظْهَرُ فِي الْمُقِيمِ اعْتِبَارُ الْفَضْلِ عَنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ كَالْفِطْرَةِ، بِخِلَافِ الدَّيْنِ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ وَأَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ يَحْتَاجُ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَدَاءُ دَيْنِ الْغَيْرِ بِخِلَافِ حَمْلِهِ عِنْدَ الِانْقِطَاعِ (أَوْ نَفَقَةِ حَيَوَانٍ مُحْتَرَمٍ) وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ وَالشَّارِحُ تَبِعَ فِي قَوْلِهِ مَعَهُ الرَّوْضَةَ، وَهُوَ مِثَالٌ لَا قَيْدٌ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ آدَمِيًّا أَمْ غَيْرَهُ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ احْتِيَاجِهِ لِذَلِكَ حَالًا أَوْ مَآلًا، وَلَا بَيْنَ نَفْسِهِ وَغَيْرِهِ مِنْ رَفِيقِهِ وَرُفْقَتِهِ وَزَوْجَتِهِ سَوَاءٌ فِيهِ الْكُفَّارُ وَالْمُسْلِمُونَ وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فَاضِلًا أَيْضًا عَنْ مَسْكَنِهِ وَخَادِمِهِ، فَالْمُرَادُ بِالنَّفَقَةِ فِي كَلَامِهِ الْمُؤْنَةُ، وَخَرَجَ بِالْمُحْتَرَمِ الْحَرْبِيُّ وَالْمُرْتَدُّ وَالزَّانِي الْمُحْصَنُ وَتَارِكُ الصَّلَاةِ وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ.

وَأَمَّا غَيْرُ الْعَقُورِ فَمُحْتَرَمٌ لَا يَجُوزُ قَتْلُهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَإِنْ وَقَعَ لِلْمُصَنِّفِ فِي مَوْضِعِ جَوَازِهِ، وَلَوْ كَانَ مَعَهُ مَاءٌ لَا يَحْتَاجُهُ لِلْعَطَشِ لَكِنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى ثَمَنِهِ فِي شَيْءٍ مِمَّا سَبَقَ جَازَ لَهُ التَّيَمُّمُ كَمَا ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ، وَلَوْ وَجَدَ ثَوْبًا وَقَدَرَ عَلَى شَدِّهِ فِي الدَّلْوِ أَوْ عَلَى إدْلَائِهِ فِي الْبِئْرِ وَعَصْرِهِ أَوْ عَلَى شَقِّهِ وَإِيصَالِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ لِيَصِلَ وَجَبَ إنْ لَمْ يَزِدْ نُقْصَانُهُ عَلَى أَكْثَرِ الْأَمْرَيْنِ مِنْ ثَمَنِ مِثْلِ الْمَاءِ وَأُجْرَةِ مِثْلِ الْحَبْلِ، وَلَوْ وَجَدَ ثَمَنَ الْمَاءِ وَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَى سُتْرَةِ صَلَاةٍ قَدَّمَهَا لِدَوَامِ النَّفْعِ بِهَا، وَلَوْ فَقَدَ الْمَاءَ وَعَلِمَ أَنَّهُ لَوْ حَفَرَ مَحَلَّهُ وَصَلَ إلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ يَحْصُلُ بِحَفْرٍ يَسِيرٍ مِنْ غَيْرِ مَشَقَّةٍ لَزِمَهُ وَإِلَّا فَلَا، ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْمَاوَرْدِيِّ وَهَلْ تُذْبَحُ شَاةُ الْغَيْرِ الَّتِي لَمْ يَحْتَجْ إلَيْهَا لِكَلْبِهِ الْمُحْتَرَمِ الْمُحْتَاجِ إلَى طَعَامٍ وَجْهَانِ فِي الْمَجْمُوعِ: أَحَدُهُمَا نَعَمْ كَالْمَاءِ فَيَلْزَمُ مَالِكَهَا بَذْلُهَا لَهُ وَعَلَى نَقْلِهِ عَنْ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

قَوْلُهُ: صِفَةٌ كَاشِفَةٌ) الصَّوَابُ لَازِمَةٌ اهـ سم عَلَى حَجّ: أَيْ لِأَنَّ الصِّفَةَ الْكَاشِفَةَ هِيَ الْمُبَيِّنَةُ لِحَقِيقَةِ مَتْبُوعِهَا كَقَوْلِهِمْ الْجِسْمُ الطَّوِيلُ الْعَرِيضُ الْعَمِيقُ يَحْتَاجُ إلَى فَرَاغٍ يَشْغَلُهُ، وَاللَّازِمَةُ هِيَ الَّتِي لَا تَنْفُك عَنْ مَتْبُوعِهَا وَلَيْسَتْ مُبَيِّنَةً لِمَفْهُومِهِ كَالضَّاحِكِ بِالْقُوَّةِ بِالنِّسْبَةِ لِلْإِنْسَانِ (قَوْلُهُ: بَيْنَ أَنْ يُرِيدَهُ) أَيْ السَّفَرَ، وَالْمُرَادُ بِالْإِرَادَةِ هُنَا الِاحْتِيَاجُ وَلَوْ عَبَّرَ بِهِ كَانَ أَوْلَى (قَوْلُهُ: وَرَفِيقٌ) هُوَ بِالْفَاءِ (قَوْلُهُ: مِمَّنْ يَخَافُ انْقِطَاعُهُمْ) أَيْ فَيَجِبُ حَمْلُهُمْ مُقَدَّمًا عَلَى طَهَارَتِهِ (قَوْلُهُ: كَالْفِطْرَةِ) يُؤْخَذُ مِنْ تَشْبِيهِهِ بِهَا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فَضْلُهُ عَنْ مَسْكَنِهِ وَخَادِمِهِ الَّذِي يَحْتَاجُهُ وَسَيَأْتِي التَّصْرِيحُ بِهِ فِي كَلَامِهِ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الدَّيْنِ) مُقَابِلُ قَوْلِهِ: وَلَا بَيْنَ نَفْسِهِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ: الْغَيْرُ) أَيْ وَلَوْ كَانَ أَصْلًا لَهُ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ حَمْلِهِ) أَيْ حَمْلِ غَيْرِهِ عِنْدَ انْقِطَاعِهِ عَنْ الرُّفْقَةِ فَإِنَّهُ وَاجِبٌ (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ) أَيْ بِأَنْ كَانَ لَهُ وَهُوَ تَحْتَ يَدِ غَيْرِهِ أَوْ كَانَ لِبَعْضِ رُفْقَتِهِ (قَوْلُهُ: فَالْمُرَادُ بِالنَّفَقَةِ الْمُؤْنَةُ) وَعَلَيْهِ فَقَوْلُهُ هُنَا: وَلَا بَيْنَ نَفْسِهِ وَغَيْرِهِ إلَخْ مُسْتَفَادٌ مِنْ قَوْلِهِ السَّابِقِ: وَلَا بَيْنَ نَفْسِهِ وَغَيْرِهِ مِنْ مَمْلُوكٍ وَزَوْجَةٍ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَتَارِكُ الصَّلَاةِ) أَيْ بَعْدَ أَمْرِهِ بِهَا وَامْتِنَاعِهِ مِنْهَا.

وَعِبَارَةُ حَجّ: وَمِنْهُ أَنْ يُؤْمَرَ بِهَا فِي الْوَقْتِ وَأَنْ يُسْتَتَابَ بَعْدَهُ فَلَا يَتُوبَ بِنَاءً عَلَى وُجُوبِ اسْتِتَابَتِهِ وَمِثْلُهُ فِي هَذَا كُلُّ مَنْ وَجَبَتْ اسْتِتَابَتُهُ، وَزَانٍ مُحْصَنٌ (قَوْلُهُ: وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ) أَيْ فَلَا يَكُونُ احْتِيَاجُهُ عُذْرًا لِأَنَّهُ يَجُوزُ قَتْلُهُ.

بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يُسَنَّ مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ عَدُوٌّ فَيَجِبُ، كَذَا قَالَهُ الشَّارِحُ فِي السِّيَرِ قُبَيْلَ فَصْلِ نِسَاءِ الْكُفَّارِ وَصِبْيَانِهِمْ إلَخْ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الْخِنْزِيرَ إذَا كَانَ فِيهِ عَدُوٌّ يَجِبُ قَتْلُهُ، وَيُمْكِنُ حَمْلُ مَا فِي الْعُبَابِ فِي الْبَيْعِ مِنْ وُجُوبِ قَتْلِهِ عَلَى مَا فِيهِ عَدُوٌّ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا غَيْرُ الْعَقُورِ إلَخْ) مِنْهُ مَا لَا نَفْعَ فِيهِ وَلَا ضَرَرَ (قَوْلُهُ: قَدَّمَهَا) أَيْ السُّتْرَةَ (قَوْلُهُ: لَزِمَهُ) يَنْبَغِي أَنَّ الْمُرَادَ بِنَفْسِهِ إنْ لَاقَ بِهِ أَوْ بِمَنْ يَسْتَأْجِرُهُ إنْ لَمْ تَزِدْهُ أُجْرَةُ مِثْلِهِ عَلَى ثَمَنِ الْمَاءِ (قَوْلُهُ: نَعَمْ كَالْمَاءِ) وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ يَجِبُ لِمَالِكِهَا قِيمَتُهَا وَإِنْ امْتَنَعَ الْمَالِكُ مِنْ بَذْلِهَا جَازَ

ــ

[حاشية الرشيدي]

الْآتِي، بِخِلَافِ الدَّيْنِ، فَإِنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ لَهُ غَرَضًا فِي فَكِّ عَيْنِهِ هُنَا فَلَيْسَ مَحْضَ أَدَاءِ دَيْنِ الْغَيْرِ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ: صِفَةٌ كَاشِفَةٌ) الصَّوَابُ لَازِمَةٌ (قَوْلُهُ: أَنْ يُرِيدَهُ) ظَاهِرُ السِّيَاقِ أَنَّ الضَّمِيرَ لِلسَّفَرِ، وَرَجَعَهُ شَيْخُنَا لِلْمُؤْنَةِ بِتَضْمِينٍ يُرِيدُهُ مَعْنَى يَحْتَاجُهُ (قَوْلُهُ: بِحَفْرٍ يَسِيرٍ مِنْ غَيْرِ مَشَقَّةٍ) لَعَلَّ الْمُرَادَ مَشَقَّةٌ لَهَا وَقْعٌ فَلْيُرَاجَعْ

ص: 274

الْقَاضِي اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ فِي الرَّوْضَةِ فِي الْأَطْعِمَةِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَثَانِيهِمَا لَا لِكَوْنِ الشَّاةِ ذَاتَ حُرْمَةٍ أَيْضًا.

(وَلَوْ)(وُهِبَ لَهُ مَاءٌ) أَوْ أُقْرِضَهُ فِي الْوَقْتِ (أَوْ أُعِيرُ دَلْوًا) أَوْ نَحْوَهُ مِنْ آلَاتِ الِاسْتِقَاءِ فِيهِ (وَجَبَ) عَلَيْهِ (الْقَبُولُ فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّ الْمُسَامَحَةَ بِهِ غَالِبَةٌ فَلَا تَعْظُمُ فِيهِ الْمِنَّةُ، فَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ ذَلِكَ وَتَيَمَّمَ بَعْدَ فَقْدِهِ أَوْ امْتِنَاعِ مَالِكِهِ عَنْ هِبَتِهِ أَثِمَ وَلَا إعَادَةَ وَإِلَّا فَعَلَيْهِ الْإِعَادَةُ، وَالثَّانِي لَا يَجِبُ قَبُولُ الْمَاءِ لِلْمِنَّةِ كَالثَّمَنِ وَلَا قَبُولُ الْعَارِيَّةِ إذَا زَادَتْ قِيمَةُ الْمُسْتَعَارِ عَلَى ثَمَنِ الْمَاءِ لِأَنَّهُ قَدْ يَتْلَفُ فَيَضْمَنُ زِيَادَةً عَلَى ثَمَنِ الْمَاءِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يَلْزَمُهُ اتِّهَابُ الْمَاءِ وَاقْتِرَاضُهُ وَاسْتِعَارَةُ آلَةِ الِاسْتِقَاءِ إنْ تَعَيَّنَ طَرِيقًا وَلَمْ يَحْتَجْ لَهُ الْمَالِكُ وَقَدْ ضَاقَ الْوَقْتُ: أَيْ وَقَدْ جَوَّزَ بَذْلَهُ فِيمَا يَظْهَرُ، وَلَوْ أُقْرِضَ ثَمَنَ الْمَاءِ لَمْ يَلْزَمْهُ الْقَبُولُ وَلَوْ مِنْ فَرْعِهِ أَوْ أَصْلَهُ، أَوْ كَانَ مُوسِرًا بِمَالِ غَائِبٍ لِمَا فِيهِ مِنْ الْحَرَجِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ وَعَدِمَ أَمْنَ مُطَالَبَتِهِ قَبْلَ وُصُولِهِ إلَى مَالِهِ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ إذْ لَا يَدْخُلْهُ أَجَلٌ، بِخِلَافِ الشِّرَاءِ وَالِاسْتِئْجَارِ كَمَا مَرَّ، وَلَوْ أَتْلَفَ الْمَاءَ قَبْلَ الْوَقْتِ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ مُطْلَقًا وَإِنْ أَتْلَفَهُ بَعْدَهُ لِغَرَضٍ كَتَبَرُّدٍ وَتَنْظِيفِ ثَوْبٍ فَلَا قَضَاءَ أَيْضًا، وَكَذَا لِغَيْرِ غَرَضٍ فِي الْأَظْهَرِ لِأَنَّهُ فَاقِدٌ لِلْمَاءِ حَالَ التَّيَمُّمِ لَكِنَّهُ آثِمٌ فِي الشِّقِّ الْأَخِيرِ، وَيُقَاسُ بِهِ مَا لَوْ أَحْدَثَ فِي الْوَقْتِ عَبَثًا وَلَا مَاءَ ثَمَّ وَلَا يَلْزَمُ مَنْ مَعَهُ مَاءٌ بَذْلُهُ لِمُحْتَاجِ طَهَارَةٍ بِهِ (وَلَوْ وَهَبَ ثَمَنَهُ فَلَا) لِمَا فِيهِ مِنْ الْمِنَّةِ وَلَوْ مِنْ فَرْعٍ أَوْ أَصْلٍ وَكَذَا الْحُكْمُ فِي هِبَةِ آلَاتِ الِاسْتِقَاءِ.

(وَلَوْ)(نَسِيَهُ) أَيْ الْمَاءَ (فِي رَحْلِهِ أَوْ أَضَلَّهُ فِيهِ فَلَمْ يَجِدْهُ بَعْدَ الطَّلَبِ) وَإِنْ أَمْعَنَ فِيهِ وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ فَقْدُهُ (فَتَيَمَّمَ)(قَضَى فِي الْأَظْهَرِ) لِقُدْرَتِهِ عَلَى الْمَاءِ وَلِنِسْبَتِهِ فِي إهْمَالِ ذَلِكَ حَتَّى نَسِيَهُ أَوْ أَضَلَّهُ إلَى تَقْصِيرٍ، وَلِأَنَّ الْوُضُوءَ شَرْطٌ لِلصَّلَاةِ فَلَا يَسْقُطُ بِالنِّسْيَانِ كَسَتْرِ الْعَوْرَةِ.

قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَأَمَّا خَبَرُ ابْنِ مَاجَهْ «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» فَقَدْ خُصُّ مِنْهُ غَرَامَاتُ الْمُتْلَفَاتِ وَصَلَاةُ الْمُحْدِثِ نَاسِيًا وَغَيْرُ ذَلِكَ فَيُخَصُّ مِنْهُ نِسْيَانُ الْمَاءِ فِي رَحْلِهِ قِيَاسًا، وَمِثْلُ ذَلِكَ إضْلَالُ ثَمَنِ الْمَاءِ كَمَا ذَكَرَهُ الْقُونَوِيُّ وَغَيْرُهُ، وَنِسْيَانُ آلَةِ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

قَهْرُهُ عَلَى تَسْلِيمِهَا كَمَا فِي الْمَاءِ إذَا طَلَبَهُ لِدَفْعِ الْعَطَشِ وَامْتَنَعَ مَالِكُهُ مِنْ تَسْلِيمِهِ.

(قَوْلُهُ: أَوْ أَقْرَضَهُ فِي الْوَقْتِ) لَمْ يُبَيِّنْ مَفْهُومَ هَذَا الْقَيْدِ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَوْ وَهَبَ لَهُ قَبْلَ الْوَقْتِ أَوْ أَقْرَضَهُ لَمْ يَجِبْ قَبُولُهُ وَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ عَدَمُ وُجُودِهِ فِي الْوَقْتِ، وَقَدْ يُشْكِلُ بِمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْخَادِمِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ تَوَقَّفَ اسْتِيعَابُ الرُّفْقَةِ عَلَى الطَّلَبِ قَبْلَ الْوَقْتِ وَجَبَ مَعَ أَنَّ حُصُولَهُ مِنْ جِهَتِهِمْ مُتَوَهَّمٌ وَهُوَ هُنَا مُحَقَّقٌ (قَوْلُهُ: عَنْ هِبَتِهِ) أَيْ أَوْ وُصُولُهُ بَعْدَ مُفَارَقَةِ مَالِكِهِ إلَى حَدِّ الْبُعْدِ عَمِيرَةَ (قَوْلُهُ اتِّهَابُ الْمَاءِ إلَخْ) أَيْ طَلَبَ ذَلِكَ مِنْ مَالِكِهِ (قَوْلُهُ وَعَدَمُ أَمْنِ مُطَالَبَتِهِ إلَخْ) يُؤْخَذُ مِنْ التَّعْلِيلِ أَنَّهُ لَوْ نَذَرَ أَنْ لَا يُطَالِبَهُ قَبْلَ وُصُولِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ قَبُولُهُ، وَقَدْ يُقَالُ بِعَدَمِهِ لِأَنَّ النَّذْرَ لَا يُصَيِّرُهُ مُؤَجَّلًا وَيُمْكِنُهُ الطَّلَبُ بِوَكِيلِهِ أَوْ الْحَوَالَةِ عَلَيْهِ، فَلَوْ نَذَرَ أَنْ لَا يُطَالِبَهُ بِنَفْسِهِ وَلَا بِوَكِيلِهِ وَلَا يُحِيلَ عَلَيْهِ وَلَا يَتَسَبَّبَ فِي أَخْذِهِ مِنْهُ بِحِيلَةٍ احْتَمَلَ الْوُجُوبَ (قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) أَيْ لِغَرَضٍ أَوْ لَا (قَوْلُهُ: فِي الشِّقِّ الْأَخِيرِ) هُوَ قَوْلُهُ: وَكَذَا لِغَيْرِ غَرَضٍ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَيُقَاسُ بِهِ) أَيْ فِي الْإِثْمِ (قَوْلُهُ وَلَا يَلْزَمُ مَنْ مَعَهُ مَاءٌ إلَخْ) وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا لَوْ كَانَ مَعَهُ تُرَابٌ لَا يَلْزَمُهُ بَذْلُهُ لِطَهَارَةِ غَيْرِهِ، إذْ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُصَحِّحَ عِبَادَةَ غَيْرِهِ، وَحِينَئِذٍ فَهُوَ فَاقِدٌ لِلطَّهُورَيْنِ فَيُصَلِّي وَيُعِيدُ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْمُؤَلِّفُ.

(قَوْلُهُ: وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ فَقْدُهُ) قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: أَفْهَمَ أَنَّهُ لَوْ تَحَقَّقَ بَقَاءَهُ لَا يَتَيَمَّمُ وَيَسْتَمِرُّ وُجُوبُ الطَّلَبِ، وَنَازَعَهُ عُبَابٌ بِأَنَّهُ لَوْ عِلْمَ أَنَّ النَّوْبَةَ لَا تَنْتَهِي إلَيْهِ فِي الْبِئْرِ إلَّا بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ تَيَمَّمَ اهـ.

وَقَدْ يُدْفَعُ تَوَقُّفُهُ بِمَا مَرَّ مِنْ تَصْوِيرِ مَسْأَلَةِ الْبِئْرِ بِالْمُسَافِرِ لِعَدَمِ وُجُوبِ الْقَضَاءِ

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلُهُ: فِي الْوَقْتِ) مَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ وَهَبَهُ أَوْ أَقْرَضَهُ قَبْلَ الْوَقْتِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَبُولُ، وَهُوَ كَذَلِكَ إذْ لَمْ يُخَاطَبْ، وَمَرَّ أَنَّ لَهُ إعْدَامَ الْمَاءِ قَبْلَ الْوَقْتِ فَمَا هُنَا أَوْلَى، وَلَيْسَ هَذَا نَظِيرَ وُجُوبِ طَلَبِ الْمَاءِ قَبْلَ الْوَقْتِ إذَا اتَّسَعَتْ الْقَافِلَةُ كَمَا لَا يَخْفَى خِلَافًا لِمَا فِي حَاشِيَةِ الشَّيْخِ

(قَوْلُهُ: وَإِنْ أَمْعَنَ فِيهِ) يَجِبُ حَذْفُ الْوَاوِ إذْ مَحَلُّ الْخِلَافِ مَا إذَا أَمْعَنَ فِي الطَّلَبِ

ص: 275

الِاسْتِقَاءِ وَإِضْلَالُهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِمَا الْأَذْرَعِيِّ بَحْثًا، وَيُؤْخَذُ مِنْ التَّعْلِيلِ بِالتَّقْصِيرِ أَنَّهُ لَوْ وَرِثَ مَاءً وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ أَنَّهُ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَمُقَابِلُ الْأَظْهَرِ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ فِي الْحَالَيْنِ لِأَنَّ النِّسْيَانَ فِي الْأُولَى عُذْرٌ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَاءِ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ حَالَ بَيْنَهُمَا سَبُعٌ وَلِأَنَّهُ لَمْ يُفَرِّطْ فِي الثَّانِيَةِ فِي الطَّلَبِ.

(وَلَوْ)(أَضَلَّ رَحْلَهُ فِي رِحَالٍ) لِظُلْمَةٍ وَنَحْوِهَا وَأَمْعَنَ فِي الطَّلَبِ أَوْ ضَلَّ عَنْ الرُّفْقَةِ أَوْ أَدْرَجَ مَاءً أَوْ ثَمَنَهُ أَوْ آلَةَ الِاسْتِقَاءِ فِي رَحْلِهِ بَعْدَ طَلَبِهِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ وَلَا بِبِئْرٍ خَفِيَّةٍ وَتَيَمَّمَ وَصَلَّى (فَلَا) قَضَاءَ وَإِنْ وَجَدَ ذَلِكَ لِعَدَمِ تَقْصِيرِهِ بِخِلَافِهِ فِي النِّسْيَانِ لِتَقَدُّمِ عِلْمِهِ بِذَلِكَ وَفِي الْإِضْلَالِ فِي رَحْلِهِ إذْ مُخَيَّمُ الرُّفْقَةِ أَوْسَعُ مِنْ مُخَيَّمِهِ فَكَانَ أَبْعَدَ عَنْ التَّقْصِيرِ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَنَّهُ لَوْ اتَّسَعَ مُخَيَّمُهُ كَمَا فِي مُخَيَّمِ بَعْضِ الْأُمَرَاءِ كَانَ كَمُخَيَّمِ الرُّفْقَةِ، أَمَّا لَوْ كَانَتْ ظَاهِرَةً فَإِنَّهُ يَجِبُ الْقَضَاءُ، أَوْ لَمْ يَطْلُبْهُ مِنْ رَحْلِهِ لِعِلْمِهِ أَنْ لَا مَاءَ فِيهِ وَأَدْرَجَ فِيهِ فَكَذَلِكَ أَيْضًا لِتَقْصِيرِهِ، وَلَوْ تَيَمَّمَ لِإِضْلَالِهِ عَنْ الْقَافِلَةِ أَوْ عَنْ الْمَاءِ أَوْ لِغَصْبِ مَائِهِ فَلَا إعَادَةَ قَطْعًا، وَخَتَمَ السَّبَبَ الْأَوَّلَ بِهَاتَيْنِ مَعَ أَنَّهُمَا بِآخِرِ الْبَابِ الْمَبْحُوثِ فِيهِ عَنْ الْقَضَاءِ أَنْسَبُ كَمَا يَظْهَرُ بِبَادِي الرَّأْيِ تَذْيِيلًا لِهَذَا الْمَبْحَثِ لِمُنَاسِبَتِهِمَا لَهُ وَإِفَادَتُهُمَا مَسَائِلَ حَسَنَةٍ فِي الطَّلَبِ، وَهِيَ أَنَّهُ يُعِيدُ مَعَ وُجُودِ التَّقْصِيرِ، وَأَنَّ النِّسْيَانَ لَيْسَ عُذْرًا مُقْتَضِيًا لِسُقُوطِهِ، وَأَنَّ الْإِضْلَالَ يُغْتَفَرُ تَارَةً وَلَا يُغْتَفَرُ أُخْرَى، فَانْدَفَعَ اعْتِرَاضُ الشُّرَّاحِ عَلَيْهِ فِي ذِكْرِ هَاتَيْنِ هُنَا وَوَضَحَ أَنَّهُمَا هُنَا أَنْسَبُ، وَلَوْ بَاعَ الْمَاءَ فِي الْوَقْتِ أَوْ وَهَبَهُ فِيهِ بِلَا حَاجَةٍ لَهُ وَلَا لِلْمُشْتَرِي أَوْ الْمُتَّهَبِ لَمْ يَصِحَّ بَيْعُهُ وَلَا هِبَتُهُ لِلْعَجْزِ عَنْهُ شَرْعًا لِتَعَيُّنِهِ لِلطُّهْرِ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ صِحَّةِ هِبَةِ مَنْ لَزِمَتْهُ كَفَّارَةٌ أَوْ دُيُونٌ فَوَهَبَ مَا يَمْلِكُهُ بِأَنَّ رَبَّ الدَّيْنِ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

قَوْلُهُ: لَوْ وَرِثَ مَاءً) أَيْ أَوْ ثَمَنَهُ أَوْ آلَةَ الِاسْتِقَاءِ (قَوْلُهُ: فِي الْحَالَيْنِ) وَهُمَا النِّسْيَانُ وَالْإِضْلَالُ.

(قَوْلُهُ: كَانَ كَمُخَيَّمِ الرُّفْقَةِ) وَبَقِيَ عَكْسُهُ وَهُوَ مَا لَوْ اتَّسَعَ مُخَيَّمُ بَعْضِ الْفُقَرَاءِ وَضَاقَ مُخَيَّمُ بَعْضِ الْأُمَرَاءِ هَلْ يَجِبُ الْقَضَاءُ أَوْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَاَلَّذِي يَنْبَغِي أَنَّ الْمَدَارَ عَلَى الِاتِّسَاعِ وَعَدَمِهِ فَمُخَيَّمُ بَعْضِ الْأُمَرَاءِ إذَا ضَاقَ بِحَيْثُ تَسْهُلُ مَعْرِفَةُ مَا فِيهِ وَجَبَ الْقَضَاءُ لِتَقْصِيرِهِ وَعَكْسِهِ بِعَكْسِهِ، لَكِنْ عَلَّلَ حَجّ بِذَلِكَ بِأَنَّ شَأْنَ مُخَيَّمِ الرُّفْقَةِ أَوْ الْغَالِبَ فِيهِ أَنَّهُ أَوْسَعُ مِنْ مُخَيَّمِهِ فَلَمْ يُنْسَبْ هُنَا لِتَقْصِيرٍ أَلْبَتَّةَ اهـ.

وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ مَا يَعْرِضُ مِنْ ضِيقِ مُخَيَّمِ الرُّفْقَةِ وَلَا مِنْ اتِّسَاعِ مُخَيَّمِهِ، فَقِيَاسُ ذَلِكَ جَرَيَانُهُ فِي مُخَيَّمِ بَعْضِ الْأُمَرَاءِ وَبَعْضِ الْفُقَرَاءِ، وَأَنَّ الْحُكْمَ لَيْسَ دَائِرًا مَعَ الِاتِّسَاعِ وَعَدَمِهِ بَلْ هُوَ دَائِرٌ مَعَ الشَّأْنِ (قَوْلُهُ: أَمَّا لَوْ كَانَتْ إلَخْ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ وَلَا بِبِئْرٍ خَفِيَّةٍ (قَوْلُهُ: أَوْ لَمْ يَطْلُبْهُ مِنْ رَحْلِهِ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ قَبْلُ بَعْدَ طَلَبِهِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ (قَوْلُهُ: وَوَضَحَ أَنَّهُمَا هُنَا أَنْسَبُ) وَذَلِكَ لِأَنَّهُمَا لَمَّا كَانَا مُنَاسِبَيْنِ لِهَذَا السَّبَبِ وَهُوَ مُتَقَدِّمٌ سِيَّمَا وَقَدْ اشْتَمَلَ ذِكْرُهُمَا فِيهِ عَلَى فَوَائِدَ تَتَعَلَّقُ بِهِ كَانَ ذِكْرُهُمَا فِيهِ أَنْسَبَ (قَوْلُهُ أَوْ وَهَبَهُ فِيهِ) مَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ بَاعَهُ أَوْ وَهَبَهُ قَبْلَ الْوَقْتِ صَحَّ، وَسَيَأْتِي فِي قَوْلِهِ وَلَوْ قَدَرَ عَلَى تَحْصِيلِ الْمَاءِ إلَخْ مَا يُصَرِّحُ بِهِ، وَفِيهِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ إشْكَالِهِ لِوُجُوبِ الطَّلَبِ قَبْلَ الْوَقْتِ لَوْ عَطِلَتْ الْقَافِلَةُ (قَوْلُهُ: لَمْ يَصِحَّ بَيْعُهُ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَبْطُلُ فِي الْجَمِيعِ وَإِنْ كَانَ زَائِدًا عَلَى الْقَدْرِ الْمُحْتَاجِ إلَيْهِ، وَلَعَلَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ بَلْ الظَّاهِرُ الصِّحَّةُ فِيمَا زَادَ إذَا كَانَ مِقْدَارُهُ مَعْلُومًا أَخْذًا مِمَّا قَالُوهُ فِي تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ.

لَا يُقَالُ: مِقْدَارُ مَا يَسْتَعْمِلُهُ فِي الْوُضُوءِ غَيْرُ مَعْلُومٍ، لِأَنَّهُ لَيْسَ مَحْصُورًا فِي قَدْرٍ مُعَيَّنٍ مِنْ الْمَاءِ لَا يَزِيدُ وَلَا يَنْقُصُ، لِأَنَّا نَقُولُ: مَمْنُوعٌ فَإِنَّهُ قَدْ يَعْلَمُ مِقْدَارَ مَا يَكْفِيه بِوَاسِطَةِ اسْتِعْمَالِهِ لِمِثْلِهِ سَابِقًا.

وَيُؤَيِّدُهُ مَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ وَلَزِمَ الْبَائِعَ فَسْخُ الْبَيْعِ فِي الْقَدْرِ الْمُحْتَاجِ إلَيْهِ.

وَوَجْهُ التَّأْيِيدِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مِقْدَارُ مَا يَسْتَعْمِلُهُ مَجْهُولًا لَمَا تَأَتَّى الْفَسْخُ فِيهِ دُونَ مَا زَادَ عَلَى حَاجَتِهِ (قَوْلُهُ: بِأَنَّ رَبَّ الدَّيْنِ إلَخْ) لَمْ يُبَيِّنْ الْفَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَفَّارَةِ، وَبَيَّنَّهُ الْعِرَاقِيُّ فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ حَيْثُ قَالَ: وَيُمْكِنُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَفَّارَةِ بِأَنَّهَا

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلُهُ: كَمَا فِي مُخَيَّمِ بَعْضِ الْأُمَرَاءِ) ذِكْرُ الْأُمَرَاءِ لَيْسَ بِقَيْدٍ وَإِنَّمَا هُوَ لِمُجَرَّدِ التَّصْوِيرِ لِأَنَّهُ الْغَالِبُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَإِنْ فَهِمَ مِنْهُ شَيْخُنَا التَّقْيِيدَ وَرَتَّبَ عَلَيْهِ فِي حَاشِيَتِهِ

ص: 276

رَضِيَ بِتَعَلُّقِ حَقِّهِ بِالذِّمَّةِ فَلَا حَجَرَ لَهُ فِي الْعَيْنِ وَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ حِيلَةً مِنْ تَعَلُّقِ غُرَمَائِهِ بِعَيْنِ مَالِهِ وَيَلْزَمُهُ اسْتِرْدَادُ ذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَعَ تَمَكُّنِهِ لَمْ يَصِحَّ تَيَمُّمُهُ لِبَقَائِهِ عَلَى مِلْكِهِ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الِاسْتِرْدَادِ تَيَمَّمَ وَصَلَّى وَقَضَى تِلْكَ الصَّلَاةَ الَّتِي وَقَعَ تَفْوِيتُ الْمَاءِ فِي وَقْتِهَا لِتَقْصِيرِهِ فِيهَا دُونَ غَيْرِهَا، وَلَوْ تَلَف الْمَاءُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي أَوْ الْمُتَّهَبِ ثُمَّ تَيَمَّمَ وَصَلَّى لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ إعَادَةٌ، وَيَضْمَنُ الْمُشْتَرِي الْمَاءَ لَا الْمُتَّهَبُ إذْ فَاسِدُ كُلِّ عَقْدٍ كَصَحِيحِهِ فِي الضَّمَانِ وَعَدَمِهِ، وَلَوْ قَدَرَ عَلَى تَحْصِيلِ الْمَاءِ الَّذِي تَصَرَّفَ فِيهِ قَبْلَ الْوَقْتِ بِبَيْعٍ جَائِزٍ وَهِبَةٍ لِفَرْعٍ لَزِمَ الْأَصْلُ الرُّجُوعُ فِيهِ عِنْدَ احْتِيَاجِهِ لَهُ لِطَهَارَتِهِ وَلَزِمَ الْبَائِعَ فَسْخُ الْبَيْعِ فِي الْقَدْرِ الْمُحْتَاجِ إلَيْهِ فِيمَا إذَا كَانَ لَهُ خِيَارٌ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -.

وَلَوْ مَاتَ مَالِكُ مَاءٍ وَثَمَّ ظَامِئُونَ شَرِبُوهُ وَيُيَمَّمُ وَضَمِنَ لِلْوَارِثِ بِقِيمَتِهِ لَا مِثْلِهِ حَيْثُ كَانُوا بِبَرِّيَّةٍ لَهُ بِهَا قِيمَةٌ وَرَجَعُوا إلَى مَحَلٍّ لَا قِيمَةَ لِلْمَاءِ بِهِ أَوْ كَانَ لِنَقْلِهِ مُؤْنَةٌ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْمُقْرِي، وَإِنْ نُوزِعَ فِيهِ وَأَرَادَ الْوَارِثُ تَغْرِيمَهُمْ مِثْلَهُ إذْ لَوْ رَدُّوا الْمَاءَ لَكَانَ إسْقَاطًا لِلضَّمَانِ بِالْكُلِّيَّةِ، فَإِنْ فُرِضَ الْغُرْمُ بِمَحِلِّ الشُّرْبِ أَوْ مَحِلٍّ آخَرَ لِلْمَاءِ فِيهِ قِيمَةٌ وَلَوْ دُونَ قِيمَتِهِ بِمَحَلِّ الْإِتْلَافِ غَرِمَ مِثْلَهُ كَبَقِيَّةِ الْمِثْلِيَّاتِ، وَلَوْ أَوْصَى بِصَرْفِ مَاءٍ لِأَوْلَى النَّاسِ بِهِ قُدِّمَ حَتْمًا ظَامِئٌ مُحْتَرَمٌ وَلَوْ غَيْرَ آدَمِيٍّ حِفْظًا لِمُهْجَتِهِ ثُمَّ مَيِّتٌ، وَإِنْ احْتَاجَهُ الْحَيُّ لِطُهْرِهِ لِلصَّلَاةِ عَلَيْهِ إمَامًا أَوْ تَعَيَّنَتْ صَلَاتُهُ عَلَيْهِ بِأَنْ لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهُ كَمَا أَفَادَهُ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - خِلَافًا لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ، إذْ غُسْلُ الْمَيِّتِ مُتَأَكِّدٌ لِعَدَمِ إمْكَانِ تَدَارُكِهِ مَعَ كَوْنِهِ خَاتِمَةَ أَمْرِهِ، بِخِلَافِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ لِإِمْكَانِ تَدَارُكِهَا عَلَى قَبْرِهِ، فَلَوْ مَاتَ اثْنَانِ مُرَتَّبًا وَوُجِدَ الْمَاءُ قَبْلَ مَوْتِهِمَا قُدِّمَ الْأَوَّلُ لِسَبْقِهِ، فَإِنْ مَاتَا مَعًا أَوْ جُهِلَ أَسْبَقُهُمَا أَوْ وُجِدَ الْمَاءُ بَعْدَهُمَا قُدِّمَ أَفْضَلُهُمَا بِغَلَبَةِ الظَّنِّ بِقُرْبِهِ لِلرَّحْمَةِ لَا بَحَرِيَّةٍ وَذُكُورَةٍ وَنَحْوِهِمَا، فَإِنْ اسْتَوَيَا أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا وَلَا يُشْتَرَطُ قَبُولُ الْوَارِثِ ذَلِكَ ثُمَّ الْمُتَنَجِّسُ، إذْ لَا بَدَلَ لِطُهْرِهِ سَوَاءٌ ذُو النَّجَاسَةِ الْمُغَلَّظَةِ وَغَيْرِهَا خِلَافًا لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ، إذْ مَانِعُ النَّجَاسَةِ شَيْءٌ وَاحِدٌ بِخِلَافِ تَقْدِيمِ نَحْوِ حَائِضٍ عَلَى جُنُبٍ، لِأَنَّ مَانِعَ الْحَيْضِ زَائِدٌ عَلَى مَانِعِ الْجَنَابَةِ ثُمَّ الْحَائِضُ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا مَرَّ وَالنُّفَسَاءُ لِغِلَظِ حَدَثِهِمَا وَعَدَمِ خُلُوِّهِمَا عَنْ النَّجَاسَةِ غَالِبًا، وَلَوْ اجْتَمَعَتَا قُدِّمَ أَفْضَلُهُمَا

ــ

[حاشية الشبراملسي]

لَيْسَتْ عَلَى الْفَوْرِ، بِخِلَافِ الصَّلَاةِ فَإِنَّ وَقْتَهَا مَحْدُودُ الْأَوَّلِ وَالْآخِرِ (قَوْلُهُ: لِتَقْصِيرِهِ إلَخْ) وَبِهَذَا فَارَقَ مَا لَوْ غُصِبَ مَاؤُهُ حَيْثُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ كَمَا مَرَّ مَعَ أَنَّ الْمَقْبُوضَ بِالشِّرَاءِ الْفَاسِدِ فِي حُكْمِ الْمَغْصُوبِ (قَوْلُهُ: بِبَيْعٍ جَائِزٍ) أَيْ شُرِطَ فِيهِ الْخِيَارُ لِغَيْرِ الْمُشْتَرِي وَحْدَهُ (قَوْلُهُ: أَوْ كَانَ لِنَقْلِهِ مُؤْنَةٌ) أَيْ لَهَا وَقَعَ وَإِلَّا فَالنَّقْلُ مِنْ حَيْثُ هُوَ لَا يَكَادُ يَخْلُو عَنْ مُؤْنَةٍ، وَعَلَيْهِ فَلَوْ غُصِبَ مِنْهُ مَاءٌ بِأَرْضِ الْحِجَازِ ثُمَّ وَجَدَهُ بِمِصْرَ غَرَّمَهُ قِيمَةَ الْمَاءِ لَا مِثْلَهُ وَإِنْ كَانَ لَا قِيمَةَ لَهُ (قَوْلُهُ: وَإِنْ نُوزِعَ فِيهِ) غَايَةٌ لِمَا قَبْلُهُ (قَوْلُهُ: وَأَرَادَ الْوَارِثُ) عُطِفَ عَلَى كَانُوا وَلَوْ ذَكَرَهُ عَقِبَهُ وَأَبْدَلَ قَوْلَهُ تَغْرِيمُهُمْ مِثْلَهُ بِقَوْلِهِ: وَأَرَادَ الْوَارِثُ تَغْرِيمَهُمْ بَدَلَهُ لَكَانَ أَوْلَى (قَوْلُهُ وَلَوْ دُونَ قِيمَتِهِ) أَيْ حَيْثُ لَا مُؤْنَةَ لِنَقْلِهِ إلَى ذَلِكَ الْمَحَلِّ (قَوْلُهُ: لِسَبْقِهِ) أَيْ وَإِنْ كَانَ مَفْضُولًا (قَوْلُهُ: وَلَا يُشْتَرَطُ قَبُولُ إلَخْ) أَيْ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَبُولُ (قَوْلُهُ: ثُمَّ الْمُتَنَجِّسُ) أَيْ الشَّخْصُ الْمُتَنَجِّسُ إلَخْ بَدَنًا أَوْ ثَوْبًا عَلَى مَا اقْتَضَاهُ قَوْلُهُ: إذْ لَا بَدَلَ لِطُهْرِهِ (قَوْلُهُ: قَدَّمَ أَفْضَلَهُمَا) قَضِيَّتُهُ تَقْدِيمُ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ عَلَى الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ سَوَاءٌ وَجَبَ عَلَيْهِمَا الْقَضَاءُ أَمْ لَا، وَبِهِ صَرَّحَ حَجّ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ حَيْثُ قَالَ: ثُمَّ مُتَنَجِّسٌ لِأَنَّ طُهْرَهُ لَا بَدَلَ لَهُ وَإِنْ كَانَ حَاضِرًا كَمَا بَيَّنْته فِي شَرْحِ الْأَصْلِ اهـ.

لَكِنْ قَالَ حَجّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ فِيمَا لَوْ وَجَدَ مَاءً لَا يَكْفِيه مَا حَاصِلُهُ: أَنَّهُ إذَا اجْتَمَعَ عَلَيْهِ حَدَثَانِ سُنَّ تَقْدِيمُ أَعْضَاءِ وُضُوئِهِ لِيَرْتَفِعَ الْحَدَثَانِ عَنْهَا، ثُمَّ

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلُهُ: فِي الْقَدْرِ الْمُحْتَاجِ إلَيْهِ) إنَّمَا لَمْ يُقَيَّدْ بِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا؛ لِأَنَّهُ صَوَّرَهَا بِاحْتِيَاجِهِ لِجَمِيعِ الْمَاءِ، فَلَوْ فُرِضَ احْتِيَاجُهُ لِلْبَعْضِ فَقَطْ فُسِخَ فِيهِ فَقَطْ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ فَالْمَسْأَلَتَانِ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ (قَوْلُهُ: وَأَرَادَ الْوَارِثُ تَغْرِيمَهُمْ مِثْلَهُ) كَذَا فِي النُّسَخِ، وَيَجِبُ حَذْفُ لَفْظَةِ مِثْلِهِ لِإِفْسَادِهَا الْمَعْنَى، وَلَيْسَتْ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ الَّذِي هَذِهِ عِبَارَتُهُ.

ص: 277

ثُمَّ يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا مَعَ تَسَاوِيهِمَا، ثُمَّ الْجُنُبُ لِأَنَّ مَانِعَهُ أَغْلَظُ مِنْ مَانِعِ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ، فَإِنْ كَفَى الْأَصْغَرُ فَقَدْ قُدِّمَ لِارْتِفَاعِ كَامِلِ حَدَثِهِ.

(الثَّانِي) مِنْ الْأَسْبَابِ (أَنْ يُحْتَاجَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (إلَيْهِ) أَيْ الْمَاءِ (لِعَطَشِ) حَيَوَانٍ (مُحْتَرَمٍ) وَلَوْ غَيْرَ آدَمِيٍّ (وَلَوْ) كَانَتْ حَاجَتُهُ لَهُ (مَآلًا) أَيْ فِي الْمُسْتَقْبَلِ صِيَانَةً لِلرُّوحِ وَنَحْوِهَا عَنْ التَّلَفِ لِأَنَّهُ لَا بَدَلَ لَهُ، بِخِلَافِ طَهَارَةِ الْحَدَثِ وَسَوَاءٌ أَظَنَّ وُجُودَهُ فِي غَدِهِ أَمْ لَا فَلَهُ التَّيَمُّمُ، وَيَحْرُمُ تَطَهُّرُهُ بِهِ وَإِنْ قَلَّ حَيْثُ ظَنَّ وُجُودَ مُحْتَرَمٍ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ فِي الْقَافِلَةِ وَإِنْ كَبِرَتْ وَخَرَجَتْ عَنْ الضَّبْطِ وَكَثِيرٌ يَجْهَلُونَ فَيَتَوَهَّمُونَ أَنَّ التَّطَهُّرَ بِالْمَاءِ قُرْبَةٌ حِينَئِذٍ، وَهُوَ خَطَأٌ قَبِيحٌ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي مَنَاسِكِهِ وَلَا يَلْزَمُهُ اسْتِعْمَالُهُ فِي الطَّهَارَةِ ثُمَّ جَمْعُهُ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

إذَا أَحْدَثَ وَحَضَرَتْ صَلَاةٌ أُخْرَى وَمَعَهُ مَاءٌ لَا يَكْفِيه لِلْوُضُوءِ وَرَفْعِ جَنَابَةِ بَقِيَّةِ الْبَدَنِ غَسَلَ بَقِيَّةَ الْبَدَنِ عَنْ الْجَنَابَةِ وَتَيَمَّمَ عَنْ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ ثُمَّ قَالَ: نَعَمْ يَنْبَغِي أَخْذًا مِمَّا قَالُوهُ فِي النَّجَسِ أَنَّ مَحَلَّ مَا ذَكَرَهُ فِيمَنْ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ فَمَنْ يَقْضِي يَتَخَيَّرُ اهـ.

وَأَرَادَ بِمَا قَالُوهُ فِي النَّجَسِ مَا ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ بِقَوْلِهِ: وَلَوْ وَجَدَ مُحْدِثٌ بِهِ أَوْ بِثَوْبِهِ الَّذِي لَا يُمْكِنُ نَزْعُهُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ نَجَسٌ لَا يُعْفَى عَنْهُ مَاءً يَكْفِي أَحَدُهُمَا، فَقَدْ تَعَيَّنَ الْخَبَثُ إنْ كَانَ مُسَافِرًا لَا حَاضِرًا لِوُجُوبِ الْإِعَادَةِ عَلَيْهِ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ اهـ.

ثُمَّ قَالَ فِيهِ: وَإِنَّمَا قَدَّمَ فِي الْإِيصَاءِ الْآتِي لِأَنَّهُ أَوْلَى بِالْإِزَالَةِ لِفُحْشِهِ وَجَبَ قَضَاءٌ أَمْ لَا اهـ.

لَكِنْ تَقَدَّمَ لِلشَّارِحِ فِيمَنْ وَجَدَ مَاءً لَا يَكْفِيه أَنَّ الْمُعْتَمَدَ تَقْدِيمُ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ عَلَى الْحَدَثِ سَوَاءٌ وَجَبَ الْقَضَاءُ أَمْ لَا، وَعَلَيْهِ فَتُقَدَّمُ الْجَنَابَةُ عَلَى الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ وَجَبَ الْقَضَاءُ أَمْ لَا خِلَافًا لِمَا بَحَثَهُ حَجّ (قَوْلُهُ: مَعَ تَسَاوِيهِمَا) الْأَوْلَى لِتُسَاوِيهِمَا (قَوْلُهُ: فَإِنْ كَفَى الْأَصْغَرَ) أَيْ الْحَدَثَ الْأَصْغَرَ.

(قَوْلُهُ: بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ) أَيْ لِيَشْمَلَ غَيْرَ مَالِكِهِ (قَوْلُهُ: لِعَطَشِ حَيَوَانٍ مُحْتَرَمٍ إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ: وَخَرَجَ بِالْمُحْتَرَمِ غَيْرُهُ فَلَا يَكُونُ عَطَشُهُ مُجَوِّزًا لِبَذْلِ الْمَاءِ لَهُ، وَهَلْ يُعْتَبَرُ الِاحْتِرَامُ فِي مَالِكِ الْمَاءِ أَيْضًا أَوَّلًا فَيَكُونُ أَحَقَّ بِمَائِهِ وَإِنْ كَانَ مُهْدَرًا لِزِنَاهُ مَعَ إحْصَانِهِ أَوْ غَيْرِهِ لِلنَّظَرِ فِيهِ مَجَالٌ، وَلَعَلَّ الثَّانِيَ أَقْرَبُ لِأَنَّا مَعَ ذَلِكَ لَا نَأْمُرُهُ بِقَتْلِ نَفْسِهِ وَهُوَ لَا يَحِلُّ لَهُ قَتْلُهَا وَيُفَارِقُ مَا يَأْتِي فِي الْعَاصِي بِسَفَرِهِ بِقُدْرَةِ ذَاكَ عَلَى التَّوْبَةِ وَهِيَ تُجَوِّزُ تَرَخُّصَهُ وَتَوْبَةُ هَذَا لَا تَمْنَعُ إهْدَارَهُ.

نَعَمْ إنْ كَانَ إهْدَارُهُ يَزُولُ بِالتَّوْبَةِ كَتَرْكِهِ الصَّلَاةَ بِشَرْطِهِ لَمْ يَبْعُدْ أَنْ يَكُونَ كَالْعَاصِي بِسَفَرِهِ فَلَا يَكُونُ أَحَقَّ بِمَائِهِ إلَّا إنْ تَابَ، عَلَى أَنَّ الزَّرْكَشِيَّ اسْتَشْكَلَ عَدَمَ حَلِّ بَذْلِ الْمَاءِ لِغَيْرِ الْمُحْتَرَمِ بِأَنَّ عَدَمَ احْتِرَامِهِ لَا يُجَوِّزُ عَدَمَ سَقْيِهِ وَإِنْ قُتِلَ شَرْعًا.

لِأَنَّا مَأْمُورُونَ بِإِحْسَانِ الْقَتْلَةِ بِأَنْ نَسْلُكَ أَسْهَلَ طُرُقِ الْقَتْلِ وَلَيْسَ الْعَطَشُ وَالْجُوعُ مِنْ ذَلِكَ.

وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يَجِبُ أَنْ لَوْ مَنَعْنَاهُ الْمَاءَ مَعَ عَدَمِ الِاحْتِيَاجِ إلَيْهِ.

وَأَمَّا مَعَ الِاحْتِيَاجِ إلَيْهِ لِلطُّهْرِ فَلَا مَحْذُورَ لِمَنْعِهِ إلَى آخِرِ مَا أَطَالَ بِهِ فِي الْجَوَابِ سم عَلَى حَجّ.

(فَرْعٌ) ظَاهِرُ قَوْلِهِمْ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ كَوْنُ نَحْوِ ثَمَنِ الْمَاءِ فَاضِلًا عَنْ مُؤْنَةِ حَيَوَانِهِ الْمُحْتَرَمِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهِ مُحْتَاجًا إلَى ذَلِكَ الْحَيَوَانِ أَوْ لَا، وَقَدْ قَيَّدُوا الْمَسْكَنَ وَالْخَادِمَ بِالْمُحْتَاجِ إلَيْهِمَا فَلْيُحَرَّرْ سم عَلَى مَنْهَجٍ.

أَقُولُ: قَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْمَانِعَ هُنَا خَوْفُ هَلَاكِهِ وَهُوَ مَوْجُودٌ اتَّحَدَ الْحَيَوَانُ أَوْ تَعَدَّدَ، وَالْكَلَامُ ثَمَّ فِيمَا لَوْ احْتَاجَ لِبَيْعِ الْخَادِمِ وَالْمَسْكَنِ لِطَهَارَتِهِ فَلَا جَامِعَ بَيْنَهُمَا، إلَّا أَنْ يُقَالَ: مُرَادُ سم أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَعَهُ حَيَوَانَاتٌ زَائِدَةٌ عَلَى حَاجَتِهِ وَأَمْكَنَ بَيْعُهَا لِمَنْ يَسْقِيهَا لَا يُكَلَّفُ بَيْعَهَا بَلْ يَسْقِيهَا مَا يَحْتَاجُ إلَى طَهَارَتِهِ بِهِ وَيَتَيَمَّمُ فَيَأْتِي الْإِشْكَالُ.

وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّهُ إنْ فُرِضَ ذَلِكَ كُلِّفَ بَيْعَهُ وَيُسْتَعْمَلُ الْمَاءُ فِي الطَّهَارَةِ، وَحِينَئِذٍ تَكُونُ هَذِهِ مِنْ أَفْرَادِ مَا سَبَقَ مِنْ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْمَاءِ فَاضِلًا عَمَّا يُحْتَاجُ إلَيْهِ وَهَذَا مِنْهُ (قَوْلُهُ: وَسَوَاءٌ أَظَنَّ إلَخْ) فِيهِ رَدٌّ عَلَى مَا قَالَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ لُقِيُّ الْمَاءِ عِنْدَ الِاحْتِيَاجِ إلَيْهِ لِلْعَطَشِ لَوْ اسْتَعْمَلَ مَا مَعَهُ لَزِمَهُ اسْتِعْمَالُهُ اهـ.

وَمَا قَالَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ لَا بُعْدَ فِيهِ، بَلْ قَدْ يُقَالُ إنَّهُ حَيْثُ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ وُجُودُهُ لَا يَكُونُ مُحْتَاجًا إلَيْهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ خَطَأٌ قَبِيحٌ) أَيْ وَيَكُونُ كَبِيرَةً فِيمَا يَظْهَرُ لِأَنَّ

ــ

[حاشية الرشيدي]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ص: 278

لِلشُّرْبِ لِأَنَّ النَّفْسَ تَعَافُهُ، وَيَلْحَقُ بِالْمُسْتَعْمَلِ كُلُّ مُسْتَقْذَرٍ عُرْفًا، بِخِلَافِ مُتَغَيِّرٍ بِنَحْوِ مَاءِ وَرْدٍ، نَعَمْ لَوْ احْتَاجَهُ لِعَطَشِ بَهِيمَةٍ فَالْأَوْجَهُ كَمَا اقْتَضَاهُ تَعْلِيلُهُمْ لُزُومُ ذَلِكَ لِانْتِفَاءِ الْعِيَافَةِ، وَلَا يَتَيَمَّمُ لِعَطَشٍ أَوْ مَرَضٍ عَاصٍ بِسَفَرِهِ حَتَّى يَتُوبَ، فَإِنْ شَرِبَ الْمَاءَ ثُمَّ تَيَمَّمَ لَمْ يُعِدْ، وَلَا يَتَيَمَّمُ لِاحْتِيَاجِهِ لَهُ لِغَيْرِ الْعَطَشِ مَآلًا كَبَلِّ كَعْكٍ وَفَتِيتٍ وَطَبْخِ لَحْمٍ، بِخِلَافِ حَاجَتِهِ لِذَلِكَ حَالًا فَلَهُ التَّيَمُّمُ مِنْ أَجْلِهَا، وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ كَلَامُ مَنْ أَطْلَقَ أَنَّهُ كَالْعَطَشِ وَالْقَائِلُ بِعَدَمِ جَوَازِ التَّيَمُّمِ مَعَ حُضُورِهِ عَلَى الْحَاجَةِ الْمَآلِيَّةِ، وَلِلظَّامِئِ غَصْبُ الْمَاءِ مِنْ مَالِكٍ غَيْرِ ظَامِئٍ وَمُقَاتَلَتُهُ عَلَيْهِ، فَإِنْ قُتِلَ هَدَرٌ أَوْ الظَّامِئُ ضَمِنَهُ، وَلَوْ احْتَاجَ مَالِكُ مَاءٍ إلَيْهِ مَآلًا وَثَمَّ مَنْ يَحْتَاجُهُ حَالًا لَزِمَهُ بَذْلُهُ لَهُ لِتَحَقُّقِ حَاجَتِهِ، وَمَنْ عَلِمَ أَوْ ظَنَّ حَاجَةَ غَيْرِهِ لَهُ مَآلًا لَزِمَهُ التَّزَوُّدُ لَهُ إنْ قَدَرَ، وَإِذَا تَزَوَّدَ لِلْمَآلِ فَفَضَلَتْ فَضْلَةٌ فَإِنْ سَارُوا عَلَى الْعَادَةِ وَلَمْ يَمُتْ مِنْهُمْ أَحَدٌ فَالْقَضَاءُ وَإِلَّا فَلَا، وَمَنْ مَعَهُ فِي الْوَقْتِ مَاءَانِ طَاهِرٌ وَنَجَسٌ وَبِهِ ظَمَأٌ أَوْ يَتَوَقَّعُهُ تَيَمَّمَ وَشَرِبَ الطَّاهِرَ وَلَا يَجُوزُ لَهُ شُرْبُ النَّجَسِ وَخَرَجَ بِالْمُحْتَرَمِ غَيْرُهُ كَمَا مَرَّ، وَضَابِطُ الْعَطَشِ الْمُبِيحِ لِلتَّيَمُّمِ مَا يَأْتِي فِي خَوْفِ الْمَرَضِ وَنَحْوِهِ.

ــ

[حاشية الشبراملسي]

فِي بَذْلِهِ إنْقَاذًا مِنْ الْهَلَاكِ، وَتَرْكُهُ فِيهِ تَسَبُّبٌ لِإِهْلَاكِ مَنْ عَلِمَ احْتِيَاجَهُ إلَيْهِ (قَوْلُهُ: كُلُّ مُسْتَقْذَرٍ عُرْفًا) أَيْ فَلَا يُكَلَّفُ اسْتِعْمَالَهُ فِيهِ: أَيْ فِي الْأَمْرِ الْمُسْتَقْذَرِ مِنْهُ ثُمَّ جَمَعَهُ: أَيْ لِلشُّرْبِ مِنْهُ لِأَنَّ النَّفْسَ تَعَافُهُ، وَكَذَا لَوْ كَانَ مَعَهُ مُسْتَقْذَرٌ وَطَهُورٌ لَا يُكَلَّفُ شُرْبَ الْمُسْتَقْذَرِ وَاسْتِعْمَالَ الطُّهُورِ.

وَقَوْلُهُ بِخِلَافِ مُتَغَيِّرٍ بِنَحْوِ إلَخْ: أَيْ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ شُرْبُهُ وَيَتَوَضَّأُ بِالطَّهُورِ (قَوْلُهُ: لِانْتِفَاءِ الْعِيَافَةِ) وَمِثْلُ الدَّابَّةِ غَيْرُ الْمُمَيِّزِ: أَيْ مِنْ صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ فِي الْمُسْتَقْذَرِ الطَّاهِرِ لَا فِي النَّجَسِ اهـ حَجّ.

وَبَقِيَ مَا لَوْ لَمْ يَكُنْ الْمُحْتَاجُ لِلْمَاءِ حَاضِرًا هَلْ يَلْزَمُ مَنْ مَعَهُ الْمَاءُ اسْتِعْمَالُهُ وَجَمْعُهُ وَدَفْعُهُ لَهُ لِانْتِفَاءِ الْعِلَّةِ أَمْ لَا؟ لِأَنَّ مَنْ شَأْنُهُ أَنَّهُ مُسْتَقْذَرٌ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَظَاهِرُ إطْلَاقِهِمْ الثَّانِي، وَلَوْ قِيلَ بِالْأَوَّلِ مَعَ غُرْمِ التَّفَاوُتِ بَيْنَ قِيمَتِهِ مُسْتَعْمَلًا وَغَيْرَ مُسْتَعْمَلٍ لَمْ يَكُنْ بَعِيدًا فَلْيُرَاجَعْ إلَّا أَنْ يُقَالَ الْمَالِكُ مَعَ حُضُورِهِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ بَذْلُ الْمَاءِ لِطَهَارَةِ غَيْرِهِ وَإِنْ لَمْ يَحْتَجْ إلَيْهِ (قَوْلُهُ: كَبَلِّ كَعْكٍ) ظَاهِرُهُ وَإِنْ لَمْ يَسْهُلْ اسْتِعْمَالُهُ إلَّا بِالْبَلِّ، وَصَرَّحَ حَجّ بِخِلَافِهِ فَقَيَّدَهُ بِمَا لَمْ يَعْسَرْ اسْتِعْمَالُهُ اهـ وَأَخَذَ سم عَلَيْهِ بِمُقْتَضَاهُ فَقَالَ لَوْ عَسِرَ اسْتِعْمَالُهُ بِدُونِ الْبَلِّ كَانَ كَالْعَطَشِ اهـ (قَوْلُهُ: مِنْ مَالِكٍ غَيْرِ ظَامِئٍ) أَيْ بِقَرِينَةٍ: دَالَّةٍ عَلَى ذَلِكَ (قَوْلُهُ: لَزِمَهُ بَذْلُهُ لَهُ إلَخْ) أَيْ وَيُقَدَّمُ الْآدَمِيُّ عَلَى الدَّابَّةِ فِيمَا يَظْهَرُ أَخْذًا مِمَّا قَالُوهُ فِيمَا لَوْ أَشْرَفَتْ سَفِينَةٌ عَلَى الْغَرَقِ مِنْ إلْقَاءِ الدَّوَابِّ لِنَجَاةِ الْآدَمِيِّينَ، وَهَلْ يُقَدَّمُ الْآدَمِيُّ عَلَى الدَّابَّةِ وَلَوْ عَلِمَ هَلَاكُهَا وَانْقِطَاعُهُ عَنْ الرُّفْقَةِ وَتَوَلَّدَ الضَّرَرُ لَهُ أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ خَشْيَةَ الضَّرَرِ مُسْتَقْبَلَةٌ وَقَدْ لَا تَحْصُلُ فَقُدِّمَتْ الْحَاجَةُ الْحَالِيَّةُ عَلَيْهَا، وَظَاهِرُ إطْلَاقِ الشَّارِحِ أَنَّهُ يُؤْثَرُ الْمُحْتَاجُ إلَيْهِ حَالًا وَإِنْ أَخْبَرَهُ مَعْصُومٌ بِأَنَّهُ لَا يَجِدُ الْمَاءَ فِي الْمَآلِ وَهُوَ ظَاهِرٌ لِلْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ (قَوْلُهُ: فَالْقَضَاءُ) أَيْ لَمَّا كَانَتْ تَكْفِيه تِلْكَ الْفَضْلَةُ بِاعْتِبَارِ عَادَتِهِ الْغَالِبَةِ فِيمَا يَظْهَرُ حَجّ وَرَدَّهُ ابْنُ عَبْدِ الْحَقِّ فَقَالَ: يَجِبُ الْقَضَاءُ: أَيْ لِجَمِيعِ الصَّلَوَاتِ السَّابِقَةِ لَا لِمَا تَكْفِيه تِلْكَ الْفَضْلَةُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَإِنْ تَوَهَّمَهُ بَعْضُهُمْ اهـ.

أَقُولُ: وَيُوَجَّهُ بِأَنَّ كُلَّ صَلَاةٍ صَلَّاهَا يَصْدُقُ عَلَيْهَا أَنَّهَا فُعِلَتْ وَمَعَهُمْ مَاءٌ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ، فَوُجُوبُ قَضَاءِ الْأُولَى أَوْ الْأَخِيرَةِ وَهُوَ مَا اسْتَقَرَّ بِهِ سم مِنْ احْتِمَالَيْنِ أَبْدَاهُمَا فِي كَلَامِ حَجّ تَحْكُمُ (قَوْلُهُ: مَا يَأْتِي فِي خَوْفِ الْمَرَضِ)

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلُهُ: وَيُلْحَقُ بِالْمُسْتَعْمَلِ كُلُّ مُسْتَقْذَرٍ عُرْفًا إلَخْ) لَعَلَّ الصُّورَةَ أَنَّ مَعَهُ مَاءَيْنِ أَحَدُهُمَا مُسْتَقْذَرٌ عُرْفًا: أَيْ لَا يَصِحُّ الطُّهْرُ بِهِ لِتَغَيُّرِهِ بِمَا يَضُرُّ، وَالْآخَرُ لَيْسَ كَذَلِكَ فَلَا يَلْزَمُهُ شُرْبُ الْمُسْتَقْذَرِ وَالتَّطَهُّرُ بِالْآخَرِ، بِخِلَافِ مَاءِ الْوَرْدِ فَيَلْزَمُهُ شُرْبُهُ عِنْدَ الْحَاجَةِ وَالطُّهْرُ بِالْآخَرِ، وَيَدُلُّ لَهُ مَا ذَكَرَهُ بَعْدُ، وَفِي التُّحْفَةِ مِثْلُهُ وَكَتَبَ عَلَيْهِ الشِّهَابُ ابْنُ قَاسِمٍ مَا يَدُلُّ لِذَلِكَ أَيْضًا (قَوْلُهُ: أَوْ مَرِضَ) أَيْ عَصَى بِهِ فَلَا تَعَلُّقَ لَهُ بِمَسْأَلَةِ السَّفَرِ (قَوْلُهُ: عَاصٍ بِسَفَرِهِ) أَيْ أَوْ مَرَضِهِ (قَوْلُهُ: وَعَلَى هَذَا) أَيْ الشِّقِّ الثَّانِي مِنْ التَّفْصِيلِ، وَهُوَ احْتِيَاجُهُ إلَيْهِ لِذَلِكَ حَالًا، فَقَوْلُهُ، وَالْقَائِلُ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ مَنْ أَطْلَقَ، وَالتَّقْدِيرُ:

ص: 279

(الثَّالِثُ) مِنْ الْأَسْبَابِ (مَرَضٌ يُخَافُ مَعَهُ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ) أَيْ الْمَاءِ (عَلَى مَنْفَعَةِ عُضْوٍ) أَيْ كَعَمًى وَصَمَمٍ وَخَرَسٍ وَشَلَلٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى} [المائدة: 6] الْآيَةُ، وَلِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَجُلًا أَصَابَهُ جُرْحٌ عَلَى عَهْدِهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ أَصَابَهُ احْتِلَامٌ، فَأُمِرَ بِالِاغْتِسَالِ فَاغْتَسَلَ فَمَاتَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ فَقَالَ: قَتَلُوهُ قَاتَلَهُمْ اللَّهُ، أَوَلَمْ يَكُنْ شِفَاءُ الْعِيِّ السُّؤَالَ؟» وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْمَرَضُ الْمَذْكُورُ حَاصِلًا عِنْدَهُ، وَلَكِنْ خَافَ مِنْ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ الْإِفْضَاءَ إلَيْهِ تَيَمَّمَ أَيْضًا قِيَاسًا عَلَى الْحَاصِلِ وَتَعْبِيرُهُ بِمَنْفَعَةِ عُضْوٍ يُؤْخَذُ مِنْهُ عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَ زَوَالِهَا بِالْكُلِّيَّةِ كَمَا سَبَقَ وَنَقْصِهَا وَهُوَ كَذَلِكَ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَيْضًا الْجَوَازُ عِنْدَ الْخَوْفِ عَلَى نَفْسٍ أَوْ سُقُوطِ عُضْوٍ بِالْأَوْلَى، فَلِذَلِكَ لَمْ يُصَرِّحْ بِهِمَا كَمَا صَرَّحَ بِهِمَا فِي الْمُحَرَّرِ.

نَعَمْ مَتَى عَصَى بِسَبَبِ الْمَرَضِ تَوَقَّفَتْ صِحَّةُ تَيَمُّمِهِ عَلَى تَوْبَتِهِ لِتَعَدِّيهِ وَالْعُضْوُ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَكَسْرِهَا (وَكَذَا بُطْءُ الْبُرْءِ) وَهُوَ طُولُ مُدَّةِ الْمَرَضِ وَإِنْ لَمْ يَزِدْ الْأَلَمُ وَكَذَا زِيَادَةُ الْعِلَّةِ وَهُوَ إفْرَاطُ الْأَلَمِ وَكَثْرَةُ الْمِقْدَارِ وَإِنْ لَمْ تَطُلْ الْمُدَّةُ (أَوْ الشَّيْنُ الْفَاحِشُ) مِنْ نَحْوِ تَغَيُّرِ لَوْنٍ وَنُحُولٍ وَاسْتِحْشَافٍ وَثُغْرَةٍ تَبْقَى وَلَحْمَةٍ تَزِيدُ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

وَمِنْهُ أَنَّهُ لَا يَشْرَبُهُ إلَّا بَعْدَ إخْبَارِ طَبِيبٍ عَدْلٍ بِأَنَّ عَدَمَ الشُّرْبِ يَتَوَلَّدُ مِنْهُ مَحْذُورٌ تَيَمَّمَ.

(قَوْلُهُ: يَخَافُ مَعَهُ) شَمِلَ تَعْبِيرُهُ بِالْخَوْفِ مَا لَوْ كَانَ ذَلِكَ بِمُجَرَّدِ التَّوَهُّمِ أَوْ عَلَى سَبِيلِ النُّدْرَةِ كَأَنْ قَالَ لَهُ: الْعَدْلُ قَدْ يَخْشَى مِنْهُ التَّلَفَ (قَوْلُهُ عَلَى مَنْفَعَةِ عُضْوٍ) أَيْ كُلًّا أَوْ بَعْضًا عَمِيرَةُ وَسَيَأْتِي فِي قَوْلِهِ: وَتَعْبِيرُهُ بِمَنْفَعَةِ عُضْوٍ إلَخْ (قَوْلُهُ: فَأَمَرَ بِالِاغْتِسَالِ) أَيْ مِنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ لِظَنِّهِ أَنَّ التَّيَمُّمَ لَا يَكْفِي وَأَنَّ الْغُسْلَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: «قَاتَلَهُمْ اللَّهُ» ) فِي حَجّ «قَتَلَهُمْ اللَّهُ» اهـ.

وَلَا يُشْكِلُ هَذَا الدُّعَاءُ وَأَمْثَالُهُ فَإِنَّهُ لَا يُقْصَدُ بِهَا حَقِيقَتُهَا بَلْ يُقْصَدُ بِهَا التَّنْفِيرُ (قَوْلُهُ: «أَوْ لَمْ يَكُنْ شِفَاءُ الْعَيِّ» ) أَيْ أَوْ لَمْ يَكُنْ اهْتِدَاءُ الْجَاهِلِ السُّؤَالَ، وَالْمَعْنَى: أَوْ لَمْ يَكُنْ سَبَبُ اهْتِدَاءِ الْجَاهِلِ السُّؤَالَ، وَعِبَارَةُ الْمُخْتَارِ الْعَيُّ ضِدُّ الْبَيَانِ، وَقَدْ عَيَّ فِي مَنْطِقِهِ فَهُوَ عَيٌّ عَلَى فَعْلٌ إلَى أَنْ قَالَ: وَعَيَّ بِأَمْرِهِ عَيًّا إذَا لَمْ يَهْتَدْ لِوَجْهِهِ (قَوْلُهُ: وَنَقَصَهَا) أَيْ نَقْصًا يَظْهَرُ بِهِ خَلَلٌ عَادَةً (قَوْلُهُ: نَعَمْ مَتَى عَصَى إلَخْ) هَذِهِ عُلِمَتْ بِالْأُولَى مِنْ قَوْلِهِ قُبَيْلَ الثَّالِثِ وَلَا يَتَيَمَّمُ لِعَطَشٍ أَوْ مَرَضٍ عَاصٍ بِسَفَرِهِ حَتَّى يَتُوبَ (قَوْلُهُ: بُطْءُ الْبُرْءِ) بِضَمِّ الْبَاءِ وَفَتْحِهَا فِيهِمَا حَجّ (قَوْلُهُ: وَهُوَ طُولُ مُدَّةِ الْمَرَضِ) أَيْ مُدَّةً يَحْصُلُ فِيهَا نَوْعُ مَشَقَّةٍ وَإِنْ لَمْ يَسْتَغْرِقْ وَقْتَ صَلَاةٍ أَخَذَا مِنْ إطْلَاقِهِمْ وَهُوَ الظَّاهِرُ الْمُتَعَيَّنُ (قَوْلُهُ: مُدَّةُ الْمَرَضِ) فَسَّرَهُ الْمَحَلِّيُّ بِقَوْلِهِ: أَيْ طُولَ مُدَّتِهِ.

أَقُولُ: وَعِبَارَةُ م ر أَوْلَى مِنْ عِبَارَةِ الشَّارِحِ لِأَنَّ طُولَ مُدَّةِ الْبُرْءِ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُحَشِّينَ مَعْنَاهُ اسْتِمْرَارُ السَّلَامَةِ زَمَانًا طَوِيلًا، وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا الْمَعْنَى لَيْسَ مُرَادًا، وَقَدْ يُجَابُ عَنْ الْمَحَلِّيِّ بِأَنَّ الْمُرَادَ طُولُ الْمُدَّةِ الَّتِي يَعْقُبُهَا الْبُرْءُ، وَالْإِضَافَةُ يَكْفِي فِيهَا أَدْنَى مُلَابَسَةٍ (قَوْلُهُ: إفْرَاطُ الْأَلَمِ) أَيْ زِيَادَتُهُ عَلَى وَجْهٍ لَا يُحْتَمَلَ عَادَةً، بِخِلَافِ أَلَمٍ يَسِيرٍ فَلَا أَثَرَ لَهُ اهـ حَجّ.

وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي كَوْنِ الْأَلَمِ أَوْ زِيَادَتِهِ مُبِيحًا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ حُصُولُهُ حَالَةَ الِاسْتِعْمَالِ بِسَبَبِ الْجُرْحِ وَبَيْنَ كَوْنِ الْأَلَمِ يَنْشَأُ مِنْ الِاسْتِعْمَالِ وَلَمْ يَكُنْ حَاصِلًا قَبْلُ، لَكِنْ فِي سم عَلَى مَنْهَجٍ مَا نَصُّهُ: قَوْلُهُ وَزِيَادَةُ الْأَلَمِ كَذَا فِي الرَّوْضِ وَشَرْحِهِ، ثُمَّ قَالَ: وَلَا يُبِيحُهُ التَّأَلُّمُ بِاسْتِعْمَالِ الْمَاءِ لِجُرْحٍ أَوْ بَرْدٍ لَا يَخَافُ مِنْ الِاسْتِعْمَالِ مَعَهُ مَحْذُورًا فِي الْعَاقِبَةِ اهـ.

وَالتَّأَلُّمُ بِالِاسْتِعْمَالِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْشَأَ أَلَمٌ مِنْهُ لَا عِبْرَةَ بِهِ، بِخِلَافِ التَّأَلُّمِ النَّاشِئِ مِنْ الِاسْتِعْمَالِ فَتَدَبَّرْ، وَعِبَارَةُ الْعُبَابِ: أَوْ زِيَادَةُ الْعِلَّةِ وَهِيَ إفْرَاطُ الْأَلَمِ (قَوْلُهُ وَكَثْرَةُ الْمِقْدَارِ) أَيْ بِأَنْ انْتَشَرَ الْأَلَمُ مِنْ مَوْضِعِهِ لِمَوْضِعٍ آخَرَ (قَوْلُهُ: وَثُغْرَةٌ تَبْقَى وَلُحْمَةٌ تَزِيدُ) ظَاهِرُهُ وَإِنْ صِغَرَ كُلٌّ مِنْ اللُّحْمَةِ وَالثُّغْرَةِ، وَلَا مَانِعَ مِنْهُ لِأَنَّ مُجَرَّدَ وُجُودِهِمَا فِي الْعُضْوِ يُورِثُ شَيْنًا، وَلَعَلَّ هَذَا الظَّاهِرَ غَيْرُ مُرَادٍ لِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ بَيَانٌ لِلشَّيْنِ وَهُوَ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ بِمُجَرَّدِهِ التَّيَمُّمُ

ــ

[حاشية الرشيدي]

وَيُحْمَلُ كَلَامُ الْقَائِلِ بِعَدَمِ جَوَازِ إلَخْ

(قَوْلُهُ: وَتَعْبِيرُهُ بِمَنْفَعَةِ عُضْوٍ يُؤْخَذُ مِنْهُ إلَخْ) هَذَا إنَّمَا يُؤْخَذُ مِنْ إطْلَاقِ الْخَوْفِ لَا مِنْ التَّعْبِيرِ بِالْعُضْوِ. (قَوْلُهُ: وَكَثْرَةُ الْمِقْدَارِ) الْوَاوُ لِلتَّقْسِيمِ

ص: 280

(فِي عُضْوٍ ظَاهِرٍ فِي الْأَظْهَرِ) لِإِطْلَاقِ الْمَرَضِ فِي الْآيَةِ، وَلِأَنَّ مَشَقَّةَ الزِّيَادَةِ وَالْبُطْءِ فَوْقَ مَشَقَّةِ طَلَبِ الْمَاءِ مِنْ فَرْسَخٍ، وَضَرَرُ الشَّيْنِ الْمَذْكُورِ فَوْقَ ضَرَرِ الزِّيَادَةِ الْيَسِيرَةِ عَلَى ثَمَنِ مِثْلِ الْمَاءِ.

وَاحْتَرَزَ عَنْ الْيَسِيرِ وَلَوْ عَلَى عُضْوٍ ظَاهِرٍ كَأَثَرِ جُدَرِيٍّ وَسَوَادٍ قَلِيلٍ، وَعَنْ الْفَاحِشِ بِعُضْوٍ بَاطِنٍ وَهُوَ مَا يُعَدُّ كَشْفُهُ هَتْكًا لِلْمُرُوءَةِ بِأَنْ لَا يَبْدُوَ فِي الْمِهْنَةِ غَالِبًا، وَالظَّاهِرُ بِخِلَافِهِ فَلَا أَثَرَ لِخَوْفِ ذَلِكَ فِيهِمَا إذْ لَيْسَ فِيهِمَا كَبِيرُ ضَرَرٍ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ.

وَلَا نَظَرَ لِكَوْنِ الْمُتَطَهِّرِ قَدْ يَكُونُ رَقِيقًا وَلَوْ أَمَةً حَسْنَاءَ فَتَنْقُصُ قِيمَتُهُ بِذَلِكَ نَقْصًا فَاحِشًا، وَيُفَارِقُ عَدَمَ وُجُوبِ بَذْلِ فَلْسٍ زَائِدٍ عَلَى ثَمَنِ مِثْلِ الْمَاءِ كَمَا مَرَّ بِأَنَّ الْخُسْرَانَ ثَمَّ مُحَقَّقٌ بِخِلَافِهِ هُنَا، وَقَضِيَّتُهُ جَوَازُ التَّيَمُّمِ عِنْدَ تَحَقُّقِ النَّقْصِ.

وَرُدَّ بِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ فِي الظَّاهِرِ أَيْضًا وَلَمْ يَقُولُوا بِهِ وَلَيْسَ فِي مَحَلِّهِ لِأَنَّ الِاسْتِشْكَالَ فِيهِ أَيْضًا، وَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا أَيْضًا بِأَنَّهُ إنَّمَا أَمَرْنَاهُ هُنَا بِالِاسْتِعْمَالِ وَإِنْ تَحَقَّقَ نَقْصٌ لِتَعَلُّقِ حَقِّهِ تَعَالَى بِالطَّهَارَةِ بِالْمَاءِ فَلَمْ نَعْتَبِرْ حَقَّ السَّيِّدِ لِدَلِيلِ مَا لَوْ تَرَكَ الصَّلَاةَ فَإِنَّا نَقْتُلُهُ بِهِ وَإِنْ فَاتَ حَقُّهُ بِالْكُلِّيَّةِ، بِخِلَافِ بَذْلِ الزِّيَادَةِ، وَيُمْكِنُ تَوْجِيهُ مَا أَطْلَقُوهُ بِأَنَّ الْغَالِبَ عَدَمُ تَأْثِيرِ الْقَلِيلِ فِي الظَّاهِرِ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

بَلْ إنْ كَانَ فَاحِشًا تَيَمَّمَ أَوْ يَسِيرًا فَلَا، وَالْوَاوُ فِيهِ وَفِيمَا قَبْلَهُ بِمَعْنَى أَوْ وَبِهَا عَبَّرَ حَجّ (قَوْلُهُ: فِي عُضْوٍ ظَاهِرٍ) يَنْبَغِي أَنْ يَأْتِيَ فِيهِ التَّفْصِيلُ السَّابِقُ عَنْ شَرْحِ الْعُبَابِ فِي احْتِيَاجِهِ لِعَطَشِ الْمُحْتَرَمِ مِنْ أَنَّهُ تَارَةً يَكُونُ الْمَاءُ مَعَهُ وَتَارَةً يَكُونُ مَعَ غَيْرِهِ فَيُسَوَّى بَيْنَ النَّفْسِ وَالْعُضْوِ.

وَقَالَ حَجّ: وَظَاهِرُ تَقْيِيدِ نَحْوِ الْعُضْوِ هُنَا بِالْمُحْتَرَمِ لَيَخْرُجَ نَحْوُ يَدٍ تَحَتَّمَ قَطْعُهَا لِسَرِقَةٍ، أَوْ مُحَارَبَةٍ بِخِلَافِ وَاجِبَةِ الْقَطْعِ لِقَوَدٍ لِاحْتِمَالِ الْعَفْوِ اهـ.

وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمَالِكَ لَيْسَ مُحْتَرَمًا فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَقَدْ مَرَّ عَنْ سم أَنَّ الْأَقْرَبَ خِلَافُهُ (قَوْلُهُ: وَاحْتَرَزَ) أَيْ بِمَا ذَكَرَهُ مِنْ تَقْيِيدِ الشَّيْنِ بِالْفَاحِشِ وَكَوْنِهِ فِي عُضْوٍ ظَاهِرٍ (قَوْلُهُ: جُدَرِيٌّ) الْجُدَرِيُّ بِضَمِّ الْجِيمِ وَفَتْحِ الدَّالِ وَالْجُدَرِيُّ بِفَتْحِهِمَا لُغَتَانِ اهـ مُخْتَارُ (قَوْلُهُ: هَتْكًا لِلْمُرُوءَةِ) بِضَمِّ الْمِيمِ كَمَا فِي الْمُخْتَارِ بِضَبْطِ الْقَلَمِ.

وَقَالَ التِّلْمِسَانِيُّ عَلَى السُّنَنِ: الْمُرُوءَةِ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِهَا وَبِالْهَمْزِ وَتَرْكِهِ مَعَ إبْدَالِهَا وَاوًا مَلَكَةٌ نَفْسَانِيَّةٌ.

وَعِبَارَةُ الشِّهَابِ فِي شَرْحِ الشِّفَاءِ: الْمُرُوءَةُ فُعُولَةٌ بِالضَّمِّ مَهْمُوزٌ قَدْ تُبْدَلُ هَمْزَتُهُ وَاوًا وَتُدْغَمُ وَتُسَهَّلُ بِمَعْنَى الْإِنْسَانِيَّةِ، لِأَنَّهَا مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْمَرْءِ وَهِيَ تَعَاطِي الْمَرْءِ مَا يَسْتَحْسِنُ وَتَجَنُّبُ مَا يُسْتَرْذَلُ كَالْحِرَفِ الدَّنِيئَةِ وَالْمَلَابِسِ الْخَسِيسَةِ وَالْجُلُوسِ فِي الْأَسْوَاقِ اهـ.

وَفِي تَقْرِيبِ التَّقْرِيبِ لِابْنِ صَاحِبِ الْمِصْبَاحِ نُورِ الدِّينِ خَطِيبِ الدَّهْشَةِ مَا نَصُّهُ: مَرُؤَ الرَّجُلُ بِالضَّمِّ مُرُوءَةً كَسُهُولَةٍ وَقَدْ يُسَهَّلُ وَتُشَدَّدُ وَاوُهُ، أَيْ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْوَاوَ وَالْيَاءَ إذَا زِيدَتَا وَوَقَعَ بَعْدَهُمَا هَمْزَةٌ أُبْدِلَتْ مِنْ جِنْسِ مَا قَبْلَهَا وَاوًا أَوْ يَاءً إلَخْ، ثُمَّ تُدْغَمُ فِيهَا الْوَاوُ وَالْيَاءُ حَسُنَتْ هَيْئَتُهُ وَعَفَافُهُ عَمَّا لَا يَحِلُّ لَهُ (قَوْلُهُ: الْمِهْنَةُ) عِبَارَةُ الْمُخْتَارِ الْمَهْنَةُ بِالْفَتْحِ الْخِدْمَةُ، وَحَكَى أَبُو زَيْدٍ وَالْكِسَائِيُّ الْمِهْنَةُ بِالْكَسْرِ، وَأَنْكَرَهُ الْأَصْمَعِيُّ وَفِي الْخَطِيبِ وَحُكِيَ ضَمُّهَا أَيْضًا اهـ.

وَفِي الْقَامُوسِ: الْمِهْنَةُ بِالْكَسْرِ وَالْفَتْحِ وَالتَّحْرِيكِ وَكَكَلِمَةِ الْحِذْقِ بِالْخِدْمَةِ وَالْعَمَلِ، يُقَالُ مَهَنَهُ كَمَنَعَهُ وَنَصَرَهُ مِهَنًا وَمِهْنَةً وَبِكَسْرٍ: خَدَمَهُ وَضَرَبَهُ، ثُمَّ قَالَ: وَامْتَهَنَهُ اسْتَعْمَلَهُ لِلْمِهْنَةِ، فَامْتَهَنَ لَازِمٌ مُتَعَدٍّ: أَيْ فِي مُطَاوِعِهِ بِكَسْرِ الْوَاوِ لَازِمٌ، وَقَوْلُهُ مُتَعَدٍّ: أَيْ فِي مُطَاوَعِهِ بِفَتْحِ الْوَاوِ كَمَا تَقُولُ كَسْرَتُهُ فَانْكَسَرَ وَجَذَبْته فَانْجَذَبَ، وَلَيْسَ اللُّزُومُ وَالتَّعَدِّي فِي الْفِعْلِ حَالَةَ كَوْنِهِ بِصِفَةٍ وَاحِدَةٍ (قَوْلُهُ: وَلَا نَظَرَ لِكَوْنِ الْمُتَطَهِّرِ إلَخْ) غَرَضُهُ مِنْهُ الرَّدُّ عَلَى ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِهِ هُنَا) وَقَدْ يُفَرَّقُ أَيْضًا بِأَنَّ الْخُسْرَانَ فِي مَسْأَلَةِ الشِّرَاءِ رَاجِعٌ إلَى الْمُسْتَعْمِلِ وَهُوَ مَالِكُ الْمَاءِ وَلَا كَذَلِكَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ اهـ كَذَا بِخَطِّ شَيْخِ الْإِسْلَامِ بِهَامِشِ الدَّمِيرِيِّ (قَوْلُهُ: وَقَضِيَّتُهُ) أَيْ قَضِيَّةُ قَوْلِهِ: بِأَنَّ الْخُسْرَانَ ثَمَّ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَرُدَّ إلَخْ) أَيْ مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُ مِنْ جَوَازِ التَّيَمُّمِ عِنْدَ تَحَقُّقِ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ فِي مَحَلِّهِ) أَيْ الرَّدُّ بِتَأَتِّي مِثْلِهِ فِي الظَّاهِرِ (قَوْلُهُ: تَوْجِيهُ مَا أَطْلَقُوهُ) أَيْ مِنْ أَنَّهُ لَا أَثَرَ لِلْخَوْفِ

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلُهُ: فَلَا أَثَرَ لِخَوْفِ ذَلِكَ فِيهِمَا) يَعْنِي فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ، وَالْإِشَارَةُ بِذَلِكَ لِلْمُحْتَرَزَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ، وَالضَّمِيرُ فِيهِمَا الثَّانِي لِذَيْنِك الْمُحْتَرَزَيْنِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: بِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ فِي الظَّاهِرِ) أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِلشَّيْنِ الْيَسِيرِ (قَوْلُهُ: لِتَعَلُّقِ حَقِّهِ تَعَالَى بِالطَّهَارَةِ)

ص: 281

وَالْكَثِيرِ فِي الْبَاطِنِ، بِخِلَافِ الْكَثِيرِ فِي الظَّاهِرِ، فَأَنَاطُوا الْأَمْرَ بِالْغَالِبِ فِيهِمَا وَلَمْ يُعَوِّلُوا عَلَى خِلَافِهِ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ بَذْلٍ زَائِدٍ عَلَى الثَّمَنِ بِأَنَّ هَذَا يُعَدُّ غَبْنًا فِي الْمُعَامَلَةِ وَلَا يَسْمَحُ بِهَا أَهْلُ الْعَقْلِ، كَمَا جَاءَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّهُ كَانَ يَشِحُّ فِيهَا بِالتَّافِهِ وَيَتَصَدَّقُ بِالْكَثِيرِ، فَقِيلَ لَهُ فَقَالَ: ذَاكَ عَقْلِي وَهَذَا جُودِي.

وَالثَّانِي لَا يَتَيَمَّمُ لِذَلِكَ لِانْتِفَاءِ التَّلَفِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ إنَّمَا يَتَيَمَّمُ إنْ أَخْبَرَهُ بِكَوْنِهِ يَحْصُلُ مِنْهُ ذَلِكَ وَبِكَوْنِهِ مَخُوفًا طَبِيبٌ مَقْبُولُ الرِّوَايَةِ وَلَوْ عَبْدًا أَوْ امْرَأَةً أَوْ عَرَفَ هُوَ ذَلِكَ مِنْ نَفْسِهِ، وَإِلَّا فَلَيْسَ لَهُ التَّيَمُّمُ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي التَّحْقِيقِ وَنَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ السِّنْجِيِّ وَأَقَرَّهُ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَإِنْ جَزَمَ الْبَغَوِيّ بِأَنَّهُ يَتَيَمَّمُ.

وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ: إنَّهُ يَدُلُّ لَهُ مَا فِي الْمَجْمُوعِ فِي الْأَطْعِمَةِ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ رحمه الله أَنَّ الْمُضْطَرَّ إذَا خَافَ مِنْ الطَّعَامِ الْمُحْضَرِ إلَيْهِ أَنَّهُ مَسْمُومٌ جَازَ لَهُ تَرْكُهُ وَالِانْتِقَالُ إلَى الْمَيْتَةِ اهـ.

فَقَدْ فَرَّقَ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بَيْنَهُمَا بِأَنَّ ذِمَّتَهُ هُنَا اشْتَغَلَتْ بِالطَّهَارَةِ بِالْمَاءِ فَلَا تَبْرَأُ مِنْ ذَلِكَ إلَّا بِدَلِيلٍ وَلَا كَذَلِكَ أَكْلُ الْمَيْتَةِ، وَفِي كَلَامِ ابْنِ الْعِمَادِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ (وَشِدَّةُ الْبَرْدِ كَمَرَضٍ) أَيْ فِي أَنَّهُ يَتَيَمَّمُ إنْ خَافَ شَيْئًا مِمَّا مَرَّ وَلَمْ يَجِدْ مَا يُسَخِّنُ بِهِ الْمَاءَ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

فِي الْيَسِيرِ وَلَا فِي الْفَاحِشِ بِالْبَاطِلِ الْمَذْكُورِ فِي قَوْلِهِ فِيمَا مَرَّ فَلَا أَثَرَ لِخَوْفِ ذَلِكَ فِيهِمَا.

(قَوْلُهُ: أَهْلُ الْعَقْلِ) أَيْ حَيْثُ فَعَلُوا ذَلِكَ جَهْلًا بِالْقِيمَةِ، أَمَّا لَوْ فَعَلُوا ذَلِكَ مَعَ فَقِيرٍ مُحَابَاةً فَهُوَ مِنْ الصَّدَقَةِ الْخَفِيَّةِ وَفَاعِلُهَا مَحْمُودٌ لَا مَذْمُومٌ (قَوْلُهُ: يَشِحُّ فِيهَا) أَيْ الْمُعَامَلَةَ (قَوْلُهُ: لِانْتِفَاءِ التَّلَفِ) أَيْ لِشَيْءٍ مِنْ مَنْفَعَةِ الْوُضُوءِ فَلَا يُنَافِي مَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ يَتَيَمَّمُ لِنُقْصَانِ الْمَنْفَعَةِ قَطْعًا (قَوْلُهُ: طَبِيبٌ) فَلَوْ امْتَنَعَ مِنْ الْإِخْبَارِ إلَّا بِأُجْرَةٍ وَجَبَ دَفْعُهَا لَهُ إنْ كَانَ فِي الْإِخْبَارِ كُلْفَةٌ كَأَنْ احْتَاجَ فِي إخْبَارِهِ إلَى سَعْيٍ حَتَّى يَصِلَ لِلْمَرِيضِ، أَوْ لِتَفْتِيشِ كُتُبٍ لِيُخْبِرَهُ بِمَا يَلِيقُ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ كُلْفَةٌ كَأَنْ حَصَلَ مِنْهُ الْجَوَابُ بِكَلِمَةٍ لَا تُتْعِبُ لَمْ تَجِبْ لِعَدَمِ اسْتِحْقَاقِ الْأُجْرَةِ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنْ دَفَعَ إلَيْهِ شَيْئًا بِلَا عَقْدٍ تَبَرُّعًا جَازَ، وَقَوْلُهُ مَقْبُولُ الرِّوَايَةِ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَوْ أَخْبَرَهُ فَاسِقٌ أَوْ كَافِرٌ لَا يَأْخُذُ بِخَبَرِهِ وَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ صِدْقُهُ وَيَنْبَغِي خِلَافُهُ، فَمَتَى غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ صِدْقُهُ عَمِلَ بِهِ وَبَقِيَ مَا لَوْ تَعَارَضَ عَلَيْهِ إخْبَارُ عُدُولٍ، وَيَنْبَغِي تَقْدِيمُ الْأَوْثَقِ فَالْأَكْثَرِ عَدَدًا أَخْذًا مِمَّا قَالَهُ الشَّارِحُ فِي الْمِيَاهِ، فَلَوْ اسْتَوَوْا وُثُوقًا وَعَدَالَةً وَعَدَدًا تَسَاقَطُوا وَكَانَ كَمَا لَوْ لَمْ يُوجَدْ مُخْبِرٌ فَيَأْتِي فِيهِ كَلَامُ السِّنْجِيِّ وَغَيْرِهِ، وَلَوْ قِيلَ بِتَقَدُّمِ خَبَرِ مَنْ أَخْبَرَ بِالضَّرَرِ لَمْ يَكُنْ بَعِيدًا لِأَنَّ مَعَهُ زِيَادَةً، ثُمَّ عُلِمَ إنْ كَانَ الْمَرَضُ مَضْبُوطًا لَا يَحْتَاجُ إلَى مُرَاجَعَةِ الطَّبِيبِ فِي كُلِّ صَلَاةٍ فَذَاكَ وَإِلَّا وَجَبَ عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَمِنْ التَّعَارُضِ أَيْضًا مَا لَوْ كَانَ يَعْرِفُ الطِّبَّ مِنْ نَفْسِهِ ثُمَّ أَخْبَرَهُ آخَرُ، بِخِلَافِ مَا يَعْرِفُهُ فَيَأْتِي فِيهِ مَا تَقَدَّمَ (قَوْلُهُ: أَوْ عَرَفَ هُوَ ذَلِكَ) أَيْ الْمَخُوفَ (قَوْلُهُ: مِنْ نَفْسِهِ) وَلَوْ فَاسِقًا، وَالْمُرَادُ الْمَعْرِفَةُ بِسَبَبِ الطِّبِّ.

وَفِي حَجّ: وَلَوْ بِالتَّجْرِبَةِ، وَقَدْ يَتَوَقَّفُ فِيهِ بِأَنَّ التَّجْرِبَةَ قَدْ لَا تَحْصُلُ بِهَا مَعْرِفَةٌ لِجَوَازِ أَنَّ حُصُولَ الضَّرَرِ كَانَ لِأَسْبَابٍ لَمْ تُوجَدْ فِي هَذَا الْمَرَضِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ سَلَامَتُهُ مِنْ خَارِمِ الْمُرُوءَةِ وَلَا مِنْ مُفَسِّقٍ هُنَا وَهُوَ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ وَإِلَّا) أَيْ بِأَنْ فَقَدَهُ فِي مَحَلٍّ يَجِبُ طَلَبُ الْمَاءِ مِنْهُ فِيمَا يَظْهَرُ (قَوْلُهُ: السِّنْجِيُّ) هُوَ بِالْكَسْرِ وَالسُّكُونِ وَجِيمٍ نِسْبَةً إلَى سِنْجَ قَرْيَةٍ بِمَرْوٍ وَالضَّمِّ وَمُهْمَلَةٍ آخِرُهُ إلَى السُّنْجِ مَوْضِعٌ بِالْمَدِينَةِ أَنْسَابٌ لِلسُّيُوطِيِّ مِنْ حَرْفِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ (قَوْلُهُ: يَدُلُّ لَهُ) أَيْ لِمَا جَزَمَ بِهِ الْبَغَوِيّ (قَوْلُهُ: إلَّا بِدَلِيلِ) أَيْ يَسْتَنِدُ إلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَلَا كَذَلِكَ أَكْلُ الْمَيْتَةِ) لَك أَنْ تُعَارِضَ بِأَنَّهُ ثَمَّ أَيْضًا اشْتَغَلَتْ ذِمَّتُهُ بِطَلَبِ وِقَايَةِ رُوحِهِ بِأَكْلِ الطَّاهِرِ وَضَرَرُهُ غَيْرُ مُحَقَّقٍ فَلَا يَعْدِلُ عَنْهُ إلَّا بِدَلِيلٍ (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَجِدْ مَا يُسَخِّنُ بِهِ الْمَاءَ) قَالَ سم عَلَى حَجّ فِي آخِرِ الْبَابِ مَا نَصُّهُ: أَمَّا لَوْ وَجَدَ مَا يُسَخِّنُ بِهِ الْمَاءَ لَكِنْ ضَاقَ الْوَقْتُ بِحَيْثُ لَوْ اشْتَغَلَ بِالتَّسْخِينِ خَرَجَ الْوَقْتُ وَجَبَ عَلَيْهِ الِاشْتِغَالُ بِهِ، وَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ

ــ

[حاشية الرشيدي]

هَذَا يُشْبِهُ الْمُصَادَرَةَ، فَإِنَّ الْمُسْتَشْكِلَ لَا يُسَلِّمُ تَعَلُّقَ حَقِّهِ تَعَالَى بِالطَّهَارَةِ بِالْمَاءِ حِينَئِذٍ (قَوْلُهُ: أَوْ عَرَفَ هُوَ ذَلِكَ مِنْ نَفْسِهِ) أَيْ طِبًّا لَا تَجْرِبَةً.

ص: 282

أَوْ يَدَّثِرُ أَعْضَاءَهُ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ «احْتَلَمْت فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ فِي غَزْوَةِ ذَاتِ السَّلَاسِلِ، فَأَشْفَقْت أَنْ أَغْتَسِلَ فَأَهْلَكَ، فَتَيَمَّمْت ثُمَّ صَلَّيْت بِأَصْحَابِي الصُّبْحَ فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا عَمْرُو، صَلَّيْت بِأَصْحَابِك وَأَنْتَ جُنُبٌ فَأَخْبَرْته بِاَلَّذِي مَنَعَنِي مِنْ الِاغْتِسَالِ وَقُلْت: إنِّي سَمِعْت اللَّهَ يَقُول {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء: 29] فَضَحِكَ صلى الله عليه وسلم وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا» .

(وَإِذَا امْتَنَعَ اسْتِعْمَالُهُ) أَيْ الْمَاءِ (فِي عُضْوٍ) مِنْ مَحَلِّ طَهَارَتِهِ لِجُرْحٍ أَوْ كَسْرٍ أَوْ مَرَضٍ فَلَمْ يُرِدْ بِامْتِنَاعِهِ تَحْرِيمَهُ بَلْ امْتِنَاعُ وُجُوبِ اسْتِعْمَالِهِ، وَيَصِحُّ أَنْ يُرِيدَ بِهِ تَحْرِيمَهُ أَيْضًا عِنْدَ غَلَبَةِ ظَنِّهِ حُصُولُ الْمَحْذُورِ بِالطَّرِيقِ الْمُتَقَدِّمِ، فَالِامْتِنَاعُ عَلَى بَابِهِ وَمُرَادُهُ بِالْعُضْوِ الْجِنْسُ، وَخَرَجَ بِهِ امْتِنَاعُ اسْتِعْمَالِهِ فِي جَمِيعِ أَعْضَاءِ طَهَارَتِهِ فَإِنَّهُ يَكْفِيه التَّيَمُّمُ (إنْ لَمْ يَكُنْ) عَلَيْهِ (سَاتِرٌ وَجَبَ التَّيَمُّمُ) لِئَلَّا يَبْقَى مَحَلُّ الْعِلَّةِ بِلَا طَهَارَةٍ وَيَلْزَمُهُ إمْرَارُ التُّرَابِ مَا أَمْكَنَ عَلَى مَحَلِّ الْعِلَّةِ إنْ كَانَ بِمَحَلِّ التَّيَمُّمِ وَلَمْ يَخْشَ مَحْذُورًا مِمَّا مَرَّ وَعَرَّفَ التَّيَمُّمَ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ إشَارَةً لِلرَّدِّ عَلَى مَنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّهُ يُمِرُّ التُّرَابَ عَلَى الْمَحَلِّ الْمَعْجُوزِ عَنْهُ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

وَلَيْسَ لَهُ التَّيَمُّمُ لِيُصَلِّيَ بِهِ فِي الْوَقْتِ أَفْتَى بِهِ شَيْخُنَا الشِّهَابُ الرَّمْلِيُّ وَهُوَ ظَاهِرٌ لِأَنَّهُ وَاجِدٌ لِلْمَاءِ قَادِرٌ عَلَى الطَّهَارَةِ اهـ.

وَقَوْلُهُ لِأَنَّهُ وَاجِدٌ إلَخْ: أَيْ وَبِهِ يُفَارِقُ مَسْأَلَةَ الزَّحْمَةِ الْمَارَّةِ وَخَرَجَ بِالتَّسْخِينِ التَّبْرِيدُ، فَإِذَا كَانَ الْمَاءُ سَاخِنًا بِحَيْثُ لَوْ اشْتَغَلَ بِتَبْرِيدِهِ خَرَجَ الْوَقْتُ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ التَّبْرِيدَ لَيْسَ مِنْ فِعْلِهِ وَلَا بِاخْتِيَارِهِ، بِخِلَافِ التَّسْخِينِ، وَيُحْتَمَلُ إلْحَاقُ التَّبْرِيدِ بِالتَّسْخِينِ لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِهِ بَلْ قَدْ يَكُونُ زَوَالُ الْحَرَارَةِ فِي زَمَنٍ دُونَ مَا يَصْرِفُ فِي التَّسْخِينِ (قَوْلُهُ: احْتَلَمَتْ إلَخْ) يُشْكِلُ هَذَا الدَّلِيلُ بِأَنَّ مَنْ تَيَمَّمَ لِلْبَرْدِ تَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ فَلَا تَصِحُّ إمَامَتُهُ.

وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْهُ بِأَنَّهُ أَخَّرَ الْبَيَانَ لِوَقْتِ الْحَاجَةِ، فَسُكُوتُهُ لَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ إمَامَتِهِ لِجَوَازِ أَنَّهُ أَخَّرَ الْبَيَانَ لِوَقْتِ الْحَاجَةِ وَهُوَ وَقْتُ الْقَضَاءِ، أَوْ أَنَّ الْقَوْمَ لَمْ يَعْلَمُوا تَيَمُّمَهُ (قَوْلُهُ: ذَاتُ السَّلَاسِلِ) هِيَ بِالْفَتْحِ وَالضَّمِّ، وَعِبَارَةُ الدَّمِيرِيِّ: وَذَاتُ السَّلَاسِلِ، بِسِينَيْنِ مُهْمَلَتَيْنِ الْأُولَى مَفْتُوحَةٌ وَالثَّانِيَةُ مَكْسُورَةٌ وَاللَّامُ مُخَفَّفَةٌ: مَوْضِعٌ مَعْرُوفٌ بِنَاحِيَةِ الشَّامِ فِي أَرْضِ بَنِي عُذْرَةَ كَذَا قَالَهُ الْبَكْرِيُّ فِي مُعْجَمِهِ وَالْمُصَنِّفُ فِي التَّهْذِيبِ هَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ، وَكَانَتْ فِي جُمَادَى الْآخِرَةَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَكَانَ عَمْرٌو أَمِيرَهَا.

وَوَقَعَ فِي نِهَايَةِ ابْنِ الْأَثِيرِ أَنَّهَا بِضَمِّ السِّينِ الْأُولَى وَكَسْرِ الثَّانِيَةِ وَأَنَّهَا بِأَرْضِ جُذَامَ.

وَفِي الصَّحَاحِ قَرِيبٌ مِنْهُ.

وَقَالَ السُّهَيْلِيُّ كَمَا قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ اهـ وَضَبَطَهُ ابْنُ سَيِّدَهُ فِي الْمُحْكَمِ بِالْوَجْهَيْنِ.

(قَوْلُهُ: عِنْدَ غَلَبَةِ ظَنِّهِ) أَفْهَمَ أَنَّهُ حَيْثُ لَمْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنِّهِ مَا ذُكِرَ جَازَ لَهُ التَّيَمُّمُ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا اقْتَضَاهُ تَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ بِالْخَوْفِ، وَحِينَئِذٍ فَحَيْثُ أَخْبَرَهُ الطَّبِيبُ بِأَنَّ الْغَالِبَ حُصُولُ الْمَرَضِ حَرُمَ اسْتِعْمَالُ الْمَاءِ، وَإِنْ أَخْبَرَ بِمُجَرَّدِ حُصُولِ الْخَوْفِ لَمْ يَجِبْ وَيَجُوزُ التَّيَمُّمُ (قَوْلُهُ: وَمُرَادُهُ بِالْعُضْوِ الْجِنْسُ) أَيْ فَيُصَدَّقُ بِمَا إذَا كَانَتْ الْجِرَاحَةُ فِي أَكْثَرِ مِنْ عُضْوٍ لَكِنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّ تَعَدُّدَ الْعُضْوِ يَأْتِي فِي كَلَامِهِ.

وَقَدْ يُقَالُ إتْيَانُهُ فِي كَلَامِهِ لَا يَمْنَعُ حَمْلُهُ عَلَى الْجِنْسِ لِأَنَّ الْجِنْسَ عِنْدَ الْحَمْلِ عَلَيْهِ مُجْمَلٌ فَمَا يَأْتِي بَيَانٌ لَهُ أَوْ أَنَّ مَا يَأْتِي بَيَانٌ لِتَعَدُّدِ التَّيَمُّمِ (قَوْلُهُ: مَا أَمْكَنَ عَلَى مَحَلِّ الْعِلَّةِ) إنْ أَمْكَنَ وَلَوْ عَلَى أَفْوَاهِ الْجُرْحِ إذْ لَا ضَرَرَ فِيهِ مَتْنُ الرَّوْضِ وَشَرْحُهُ (قَوْلُهُ: مِمَّا مَرَّ) أَيْ مِنْ الْخَوْفِ عَلَى مَنْفَعَةِ الْعُضْوِ إلَخْ (قَوْلُهُ: إشَارَةٌ لِلرَّدِّ إلَخْ) وَوَجْهُ الرَّدِّ أَنَّ ذَلِكَ: أَيْ مَسْحُ الْمَحَلِّ الْمَعْجُوزِ عَنْهُ وَحْدَهُ لَا يُسَمَّى تَيَمُّمًا شَرْعِيًّا، وَالْأَلْفَاظُ الْمُطْلَقَةُ تُحْمَلُ

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلُهُ: فَلَمْ يَرِدْ) لَوْ عَبَّرَ بِالْوَاوِ بَدَلَ الْفَاءِ كَمَا عَبَّرَ الدَّمِيرِيُّ لَكَانَ وَاضِحًا (قَوْلُهُ: عِنْدَ غَلَبَةِ ظَنِّهِ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الْقَيْدَ لَا بُدَّ مِنْهُ لِامْتِنَاعِ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْمَعْنَيَيْنِ خِلَافًا لِمَا يُوهِمُهُ كَلَامُهُ

ص: 283

(وَكَذَا غَسْلُ الصَّحِيحِ عَلَى الْمَذْهَبِ) وَلَوْ بِأُجْرَةٍ فَاضِلَةٍ عَمَّا مَرَّ فِي نَظِيرِهِ فِي صِفَةِ الْوُضُوءِ بِبَلِّ خِرْقَةٍ وَعَصْرِهَا لِتَنْغَسِلَ تِلْكَ الْمَحَالُّ بِالْمُتَقَاطَرِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ أَمَسَّهُ مَاءً بِلَا إفَاضَةٍ، وَيَدُلُّ لِذَلِكَ مَا رُوِيَ فِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ «أَنَّهُ غَسَلَ مَعَاطِفَهُ وَتَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ ثُمَّ صَلَّى بِهِمْ» قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: مَعْنَاهُ أَنَّهُ غَسَلَ مَا أَمْكَنَهُ وَتَيَمَّمَ لِلْبَاقِي، وَمُقَابِلُ الْمَذْهَبِ فِي وُجُوبِ غَسْلِهِ الْقَوْلَانِ فِيمَنْ وَجَدَ مِنْ الْمَاءِ مَا لَا يَكْفِيه، وَفُهِمَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ مَسْحُ مَوْضِعِ الْعِلَّةِ بِالْمَاءِ وَإِنْ لَمْ يَخَفْ مِنْهُ، وَهُوَ مَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْأَئِمَّةِ لِأَنَّ الْوَاجِبَ إنَّمَا هُوَ الْغُسْلُ.

نَعَمْ يَظْهَرُ اسْتِحْبَابُهُ وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَضَعَ سَاتِرًا عَلَى الْعَلِيلِ لِيَمْسَحَ عَلَى السَّاتِرِ إذْ الْمَسْحُ رُخْصَةٌ فَلَا يُنَاسِبُهَا وُجُوبُ ذَلِكَ (وَلَا تَرْتِيبَ بَيْنَهُمَا) أَيْ بَيْنَ التَّيَمُّمِ وَغَسْلِ الصَّحِيحِ (لِلْجُنُبِ) وَنَحْوِهِ مِنْ حَائِضٍ وَنُفَسَاءَ وَمَنْ طُلِبَ مِنْهُ غُسْلٌ مَسْنُونٌ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ بَدَلٌ عَنْ غَسْلِ الْعَلِيلِ وَالْمُبْدَلُ لَا يَجِبُ فِيهِ التَّرْتِيبُ فَكَذَلِكَ بَدَلُهُ.

وَرُدَّ الْقَوْلُ بِوُجُوبِ تَقْدِيمِ غَسْلِ الصَّحِيحِ، كَوُجُوبِ تَقْدِيمِ مَاءٍ لَا يَكْفِيه بِأَنَّ التَّيَمُّمَ هُنَا لِلْعِلَّةِ وَهِيَ مُسْتَمِرَّةٌ وَهُنَاكَ لِعَدَمِ الْمَاءِ، فَأَمَرَ بِاسْتِعْمَالِهِ أَوَّلًا لِيَصِيرَ عَادِمًا وَيُحْمَلُ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

عَلَى مَا هُوَ مَعْهُودٌ فِي الشَّرْعِ (قَوْلُهُ: وَكَذَا غَسْلُ الصَّحِيحِ عَلَى الْمَذْهَبِ) قَالَ فِي الرَّوْضِ: وَلَمَّا بَيَّنَ حَبَّاتِ الْجُدَرِيِّ حُكْمُ الْعُضْوِ الْجَرِيحِ إنْ خَافَ مِنْ غَسْلِهِ مَا مَرَّ اهـ (قَوْلُهُ: وَلَوْ بِأُجْرَةٍ فَاضِلَةٍ) أَيْ فَإِنْ تَعَذَّرَ الِاسْتِئْجَارُ قَضَى لِنُدُورِهِ اهـ حَجّ (قَوْلُهُ: عَمَّا مَرَّ) وَهُوَ مَا يُعْتَبَرُ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فَضْلُهُ عَنْ الدَّيْنِ بِنَاءً عَلَى مَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ عِنْدَ الشَّارِحِ فِي زَكَاةِ الْفِطْرَةِ.

وَيُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شِرَاءُ الْمَاءِ إذَا احْتَاجَ ثَمَنَهُ فِي الدَّيْنِ الْمُسْتَغْرِقِ، فَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ الْمُقْتَضَى غَيْرُ مُرَادٍ عِنْدَ الشَّارِحِ وَأَنَّهُ يُشْتَرَطُ فَضْلُهُ عَنْ الدَّيْنِ كَثَمَنِ الْمَاءِ (قَوْلُهُ: بِبَلِّ خِرْقَةٍ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ غَسَلَ (قَوْلُهُ: بِلَا إفَاضَةٍ إلَخْ) أَيْ وَذَلِكَ غَسْلٌ خَفِيفٌ فَلَا يُنَافِي مَا يَأْتِي مِنْ عَدَمِ وُجُوبِ الْمَسْحِ (قَوْلُهُ فَلَا يُنَاسِبُهَا وُجُوبُ ذَلِكَ) أَيْ عَلَى أَنَّ الْمَسْحَ عَلَى السَّاتِرِ إنَّمَا هُوَ بَدَلٌ عَمَّا أَخَذَهُ مِنْ الصَّحِيحِ وَهُوَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ غَسْلِهِ فَلَا مَعْنَى لِوَضْعِ السَّاتِرِ عَلَيْهِ، بَلْ الْقِيَاسُ مَنْعُهُ لِأَدَائِهِ إلَى تَفْوِيتِ الْغَسْلِ مَعَ إمْكَانِهِ.

وَعِبَارَةُ ابْنِ قَاسِمٍ فِيمَا كَتَبَهُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ حَجَرٍ: نَعَمْ يُسَنُّ سَتْرُ الْجُرْحِ حَتَّى يَمْسَحَ عَلَيْهِ خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ اهـ.

قَدْ يُقَالُ قِيَاسُ أَنَّ الْمَسْحَ عَلَيْهِ طَهَارَةُ مَا تَحْتَ السَّاتِرِ مِنْ الصَّحِيحِ أَنَّهُ إذَا أَمْكَنَهُ غَسْلُ الصَّحِيحِ لَا يُسَنُّ السَّتْرُ الْمَذْكُورُ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ، بَلْ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُخَالِفُ الْمُرَاعَى خِلَافُهُ يَرَى ذَلِكَ.

وَقَدْ يُقَالُ: كَوْنُ الْمُخَالِفِ يَرَى ذَلِكَ لَا يَقْتَضِي وَضْعَ السَّاتِرِ، لِأَنَّ رِعَايَةَ الْخِلَافِ إنَّمَا تُطْلَبُ حَيْثُ لَمْ تُفَوِّتْ مَطْلُوبًا عِنْدَنَا وَهِيَ هُنَا تُفَوِّتُ الْغَسْلَ الْوَاجِبَ لِقُدْرَتِهِ عَلَيْهِ بِدَلِيلِ وُجُوبِ نَزْعِ الْجَبِيرَةِ إذَا أَخَذَتْ مِنْ الصَّحِيحِ شَيْئًا لِيَغْسِلَ مَا تَحْتَهَا، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْكَلَامَ مَفْرُوضٌ فِيمَا إذَا تَعَذَّرَ غَسْلُ مَا حَوْلَ الْجُرْحِ مِنْ الصَّحِيحِ فَيُسَنُّ وَضْعُ السَّاتِرِ لِيَمْسَحَهُ بَدَلَ الصَّحِيحِ مُنْضَمًّا لِلتَّيَمُّمِ بَدَلَ الْجَرِيحِ (قَوْلُهُ: وَلَا تَرْتِيبَ بَيْنَهُمَا إلَخْ) قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: تَنْبِيهٌ مَا أَفَادَهُ الْمَتْنُ أَنَّ الْجُنُبَ إذَا أَحْدَثَ لَا يَلْزَمُهُ التَّرْتِيبُ وَإِنْ كَانَتْ عِلَّتُهُ فِي أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ يَشْمَلُ مَا لَوْ كَانَتْ عِلَّتُهُ فِي يَدِهِ مَثَلًا فَتَيَمَّمَ عَنْ الْجَنَابَةِ ثُمَّ أَحْدَثَ فَتَوَضَّأَ وَأَعَادَ التَّيَمُّمَ عَنْ الْأَكْبَرِ لِإِرَادَتِهِ فَرْضًا ثَانِيًا فَيَنْدَرِجُ فِيهِ تَيَمُّمُ الْأَصْغَرِ وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْوُضُوءِ، وَهُوَ مُتَّجَهٌ نَظِيرُ مَا مَرَّ فِي جُنُبٍ بَقِيَ رِجْلَاهُ فَأَحْدَثَ لَهُ غَسْلُهُمَا قَبْلَ بَقِيَّةِ أَعْضَاءِ وُضُوئِهِ، وَمَا أَوْمَأَ إلَيْهِ كَلَامُ الشَّارِحِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ التَّيَمُّمِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ عَنْ الْأَصْغَرِ وَقْتَ غَسْلِ الْعَلِيلِ فَهُوَ مُنَافٍ لِكَلَامِهِمْ أَنَّهُ حَيْثُ اجْتَمَعَ الْأَصْغَرُ وَالْأَكْبَرُ اضْمَحَلَّ النَّظَرُ إلَى الْأَصْغَرِ مُطْلَقًا اهـ (قَوْلُهُ: لِلْجُنُبِ) قَالَ الْمَحَلِّيُّ وُجُوبًا.

أَقُولُ: أَيْ مِنْ جِهَةِ الْوُجُوبِ فَهُوَ تَمْيِيزٌ وَلَا خَبَرَ لِلَا هُنَا، إذْ الْكَثِيرُ إسْقَاطُ خَبَرِهَا بَلْ قِيلَ بِوُجُوبِ إسْقَاطِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْخَبَرَ مَحْذُوفٌ: أَيْ لَا تَرْتِيبَ وَاجِبٌ وُجُوبَهُ (قَوْلُهُ: وَرُدَّ الْقَوْلُ إلَخْ) لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُ حِكَايَةُ هَذَا

ــ

[حاشية الرشيدي]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ص: 284

النَّصُّ الْقَائِلُ بِأَنَّهُ يَبْدَأُ بِالتَّيَمُّمِ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ لِيُذْهِبَ الْمَاءُ أَثَرَ التُّرَابِ (فَإِنْ كَانَ مُحْدِثًا) حَدَثًا أَصْغَرَ (فَالْأَصَحُّ اشْتِرَاطُ التَّيَمُّمِ وَقْتَ غَسْلِ الْعَلِيلِ) لِاشْتِرَاطِ التَّرْتِيبِ فِي طَهَارَتِهِ فَلَا يَنْتَقِلُ عَنْ عُضْوٍ حَتَّى يُكْمِلَهُ غَسْلًا وَتَيَمُّمًا عَمَلًا بِقَضِيَّةِ التَّرْتِيبِ، فَلَوْ كَانَتْ الْعِلَّةُ فِي الْيَدِ فَالْوَاجِبُ تَقْدِيمُ التَّيَمُّمِ عَلَى مَسْحِ الرَّأْسِ وَتَأْخِيرِهِ عَنْ غَسْلِ الْوَجْهِ، وَلَهُ تَقْدِيمُهُ عَلَى غَسْلِ الصَّحِيحِ وَهُوَ الْأَوْلَى لِيُزِيلَ الْمَاءُ أَثَرَ التُّرَابِ وَتَأْخِيرُهُ عَنْهُ وَتَوَسُّطُهُ، إذْ الْعُضْوُ الْوَاحِدُ لَا تَرْتِيبَ فِيهِ وَلَوْ كَانَتْ الْعِلَّةُ فِي وَجْهِهِ تَيَمَّمَ عَنْهُ قَبْلَ غَسْلِ الْيَدَيْنِ.

وَيُسَنُّ لِلْجُنُبِ وَنَحْوِهِ تَقْدِيمُ التَّيَمُّمِ أَيْضًا كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الشَّافِعِيِّ رحمه الله وَالْأَصْحَابِ.

قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: الْأَوْلَى تَقْدِيمُ مَا نُدِبَ تَقْدِيمُهُ فِي الْغُسْلِ، فَإِنْ كَانَتْ جِرَاحَتُهُ فِي رَأْسِهِ غَسَلَ مَا صَحَّ مِنْهُ ثُمَّ تَيَمَّمَ عَنْ جَرِيحِهِ ثُمَّ غَسَلَ بَاقِي جَسَدِهِ وَمَا بَحَثَهُ ظَاهِرٌ لَا مَعْدِلَ عَنْهُ.

وَالثَّانِي يَجِبُ تَقْدِيمُ غَسْلِ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ مِنْ الْأَعْضَاءِ كُلِّهَا لِمَا مَرَّ فِي الْجُنُبِ.

وَالثَّالِثُ يَتَخَيَّرُ إنْ شَاءَ قَدَّمَ التَّيَمُّمَ عَلَى الْمَغْسُولِ وَإِنْ شَاءَ أَخَّرَ (فَإِنْ جُرِحَ عُضْوَاهُ فَتَيَمُّمَانِ) يَجِبَانِ بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ وَهُوَ اشْتِرَاطُ التَّيَمُّمِ وَقْتَ غَسْلِ الْعَلِيلِ لِتَعَدُّدِ الْعَلِيلِ، فَلَوْ كَانَتْ الْعِلَّةُ فِي وَجْهِهِ وَيَدِهِ تَيَمَّمَ فِي الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ تَيَمُّمَيْنِ: تَيَمُّمًا عَنْ الْوَجْهِ قَبْلَ الِانْتِقَالِ إلَى الْيَدِ، وَتَيَمُّمًا عَنْ الْيَدِ قَبْلَ الِانْتِقَالِ لِمَسْحِ الرَّأْسِ، وَلَهُ الْمُوَالَاةُ بَيْنَ التَّيَمُّمَيْنِ بَعْدَ فَرَاغِ الْوَجْهِ وَلَوْ وُجِدَتْ الْعِلَّةُ فِي أَعْضَائِهِ الْأَرْبَعَةِ وَلَمْ تَعُمَّهَا فَثَلَاثُ تَيَمُّمَاتٍ وَاحِدٌ عَنْ وَجْهِهِ وَآخَرُ عَنْ يَدَيْهِ وَآخَرُ عَنْ رِجْلَيْهِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى تَيَمُّمٍ عَنْ الرَّأْسِ لِأَنَّ مَسْحَ الصَّحِيحِ مِنْهَا يَكْفِي وَإِنْ قَلَّ.

نَعَمْ لَوْ عَمَّتهَا الْجِرَاحَةُ احْتَاجَ إلَى تَيَمُّمٍ رَابِعٍ عَنْهَا وَلَوْ عَمَّتْ الْعِلَّةُ أَعْضَاءَهُ الْأَرْبَعَةِ كَفَاهُ تَيَمُّمٌ وَاحِدٌ عَنْ الْوُضُوءِ، فَإِنْ كَانَ عَلَى كُلِّ عُضْوٍ مِنْهَا سَاتِرٌ عَمَّهُ وَتَمَكَّنَ مِنْ رَفْعِ السَّاتِرِ عَنْ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

الْقَوْلِ لَكِنَّهُ يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِهِ ثُبُوتُ الْخِلَافِ وَإِنْ لَمْ يَحْكِهِ الْمُصَنِّفُ (قَوْلُهُ: لِيُزِيلَ الْمَاءُ أَثَرَ التُّرَابِ) هَذَا لَا يَأْتِي إذَا عَمَّتْ الْعِلَّةُ الْوَجْهَ وَالْيَدَيْنِ، وَنَظَرَ الزَّرْكَشِيُّ فِي مَسْحِ السَّاتِرِ هَلْ الْأَوْلَى تَأْخِيرُهُ عَنْ التَّيَمُّمِ كَالْغُسْلِ؟ وَاَلَّذِي يُتَّجَهُ أَنَّ الْأُولَى ذَلِكَ، لَكِنْ إنْ فَعَلَ السُّنَّةَ مِنْ مَسْحِهِ بِالتُّرَابِ لِيُزِيلَهُ مَاءُ الْمَسْحِ حِينَئِذٍ كَذَا فِي شَرْحِ الْعُبَابِ اهـ سم عَلَى حَجّ.

أَقُولُ: وَقَوْلُهُ هَذَا لَا يَأْتِي إلَخْ ظَاهِرٌ لَكِنَّهُ قَدْ يُوَجَّهُ تَقْدِيمُ التَّيَمُّمِ فِيهِ بِمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ مِنْ أَنَّ الْأَوْلَى أَنْ يُقَدِّمَ أَعْضَاءَ الْوُضُوءِ عَلَى غَيْرِهَا، فَتَقْدِيمُ التَّيَمُّمِ حِينَئِذٍ لِكَوْنِهِ بَدَلًا مِنْ غَسْلِ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى بَقِيَّةِ الْأَعْضَاءِ (قَوْلُهُ: وَتَوَسُّطُهُ) أَيْ بِأَنْ يَغْسِلَ بَعْضَ الْعُضْوِ الصَّحِيحِ ثُمَّ يَتَيَمَّمَ عَنْ عِلَّتِهِ ثُمَّ يَغْسِلَ بَاقِي صَحِيحِهِ (قَوْلُهُ: وَيُسَنُّ لِلْجُنُبِ إلَخْ) هَذَا مُسْتَفَادٌ مِنْ قَوْلِهِ السَّابِقِ: وَيُحْمَلُ النَّصُّ الْقَائِلُ بِأَنَّهُ إلَخْ، وَلَعَلَّ ذِكْرَهُ هُنَا لِلتَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّهُ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي كَلَامِهِمْ وَتَوْطِئَةٍ لِمَا نَقَلَهُ عَنْ الْإِسْنَوِيِّ (قَوْلُهُ: لِمَا مَرَّ فِي الْجُنُبِ إلَخْ) أَيْ مِنْ أَنَّهُ يَجِبُ تَقْدِيمُ الْغُسْلِ عَلَى قَوْلٍ تَقَدَّمَ رَدُّهُ (قَوْلُهُ بَعْدَ فَرَاغِ الْوَجْهِ) وَبِهِ عُلِمَ رَدُّ مَا قِيلَ يَكْفِيه تَيَمُّمٌ وَاحِدٌ عَنْ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ لِعَدَمِ الْفَاصِلِ بَيْنَهُمَا.

وَوَجْهُ الرَّدِّ أَنَّهُ لَمَّا وَجَبَ غَسْلُ بَعْضِ كُلٍّ مِنْ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ وَجَبَ التَّرْتِيبُ بَيْنَهُمَا وَهُوَ إنَّمَا يَحْصُلُ بِتَيَمُّمَيْنِ، وَسَيَأْتِي مَا يُؤْخَذُ مِنْهُ ذَلِكَ فِي قَوْلِ الشَّارِحِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ إلَخْ (قَوْلُهُ: لَوْ عَمَّتهَا) الْأَوْلَى عَمَّتْهُ لِأَنَّ الرَّأْسَ مُذَكَّرٌ (قَوْلُهُ: كَفَاهُ تَيَمُّمٌ) وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ احْتَاجَ لِأَرْبَعِ تَيَمُّمَاتٍ بِأَنْ كَانَ فِي كُلِّ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ الْأَرْبَعَةِ عِلَّةٌ غَيْرُ عَامَّةٍ لِغَيْرِ الرَّأْسِ وَعَامَّةٍ لِلرَّأْسِ كَفَى نِيَّةُ الِاسْتِبَاحَةِ عِنْدَ تَيَمُّمِ الْوَجْهِ فَلَا تَحْتَاجُ بَقِيَّةُ التَّيَمُّمَاتِ نِيَّةً وَإِنْ نَوَى عِنْدَ غُسْلِ صَحِيحِ الْوَجْهِ رَفْعَ الْحَدَثِ اهـ ابْنُ قَاسِمٍ عَلَى أَبِي شُجَاعٍ.

أَقُولُ: وَفِيهِ نَظَرٌ لَا يَخْفَى لِأَنَّ كُلَّ تَيَمُّمٍ طَهَارَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِهِ، وَإِذَا اكْتَفَى بِنِيَّةٍ وَاحِدَةٍ

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلُهُ: قَالَ الْإِسْنَوِيُّ إلَخْ) كَانَ الْأَوْلَى تَقْدِيمَهُ عَلَى قَوْلِ الْمَتْنِ فَإِنْ كَانَ مُحْدِثًا إلَخْ (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ مَسْحَ الصَّحِيحِ مِنْهَا) الصَّوَابُ مِنْهُ وَكَذَا يُقَالُ: فِي عَمَّتِهَا

ص: 285

وَجْهِهِ وَيَدَيْهِ وَجَبَ عَلَيْهِ لِأَجْلِ تَيَمُّمِهِ وَإِلَّا لَمْ يَجِبْ التَّيَمُّمُ وَيُصَلِّي كَفَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ ثُمَّ يَقْضِي لَكِنَّهُ يُسَنُّ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ وَالْيَدَانِ وَالرِّجْلَانِ كُلٌّ مِنْهُمَا كَعُضْوٍ.

نَعَمْ يُسَنُّ جَعْلُ كُلِّ وَاحِدَةٍ كَعُضْوِ فِي التَّيَمُّمِ مِنْ أَجْلِهَا.

وَيُؤْخَذُ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَوْ عَمَّتْ الْعِلَّةُ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ كَفَاهُ تَيَمُّمٌ وَاحِدٌ عَنْ ذَلِكَ لِسُقُوطِ التَّرْتِيبِ بَيْنَهُمَا حِينَئِذٍ، وَبِهِ أَفْتَى الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا لَوْ عَمَّتْ الرَّأْسَ وَالرِّجْلَيْنِ.

قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: فَإِنْ قِيلَ إذَا كَانَتْ الْجِرَاحَةُ فِي وَجْهِهِ وَيَدِهِ وَغَسَلَ صَحِيحَ الْوَجْهِ أَوَّلًا جَازَ تَوَالِي تَيَمُّمَيْهِمَا فَلِمَ لَا يَكْفِيه تَيَمُّمٌ وَاحِدٌ كَمَنْ عَمَّتْ الْجِرَاحَةُ أَعْضَاءَهُ؟ فَالْجَوَابُ أَنَّ التَّيَمُّمَ هُنَا فِي طُهْرٍ تَحَتَّمَ فِيهِ التَّرْتِيبُ، فَلَوْ كَفَاهُ تَيَمُّمٌ وَاحِدٌ حَصَلَ تَطْهِيرُ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ، بِخِلَافِ التَّيَمُّمِ عَنْ الْأَعْضَاءِ كُلِّهَا لِسُقُوطِ التَّرْتِيبِ بِسُقُوطِ الْغُسْلِ اهـ.

قَالَ الشَّيْخُ: وَمَا قِيلَ مِنْ أَنَّ هَذَا الْجَوَابَ لَا يُفِيدُ لِأَنَّ حُكْمَ التَّرْتِيبِ بَاقٍ فِيمَا يُمْكِنُ غَسْلُهُ سَاقِطٌ فِي غَيْرِهِ فَيَكْفِيه تَيَمُّمٌ وَاحِدٌ مَرْدُودٌ بِأَنَّ الطُّهْرَ فِي الْعُضْوِ الْوَاحِدِ لَا يَتَجَزَّأُ تَرْتِيبًا وَعَدَمَهُ.

(وَإِنْ)(كَانَ) عَلَى عُضْوِهِ الَّذِي امْتَنَعَ اسْتِعْمَالُهُ الْمَاءَ فِيهِ سَاتِرٌ (كَجَبِيرَةٍ وَلُصُوقٍ لَا يُمْكِنُ نَزْعُهَا) لِخَوْفِهِ مَحْذُورًا مِمَّا مَرَّ، وَعِبَارَةُ أَصْلِهِ وَلَا يُمْكِنُ.

قِيلَ: وَهِيَ أَوْلَى لِإِيهَامِ تِلْكَ أَنَّ مَا يُمْكِنُ نَزْعُهُ لَا يُسَمَّى سَاتِرًا اهـ.

وَيُرَدُّ بِفَرْضِ صِحَّتِهِ بِأَنَّ مِنْ الْوَاضِحِ أَنَّ هَذَا قَيْدٌ لِلْحُكْمِ لَا لِتَسْمِيَتِهَا سَاتِرًا فَلَمْ يَحْتَجْ لِلْوَاوِ.

وَالْجَبِيرَةُ بِفَتْحِ الْجِيمِ: خَشَبٌ أَوْ قَصَبٌ يُسَوَّى وَيُشَدُّ عَلَى مَحَلِّ الْكَسْرِ أَوْ الْخَلْعِ لِيَنْجَبِرَ.

وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: الْجَبِيرَةُ مَا كَانَ عَلَى كَسْرٍ وَاللُّصُوقُ مَا كَانَ عَلَى جُرْحٍ، وَمِنْهُ عِصَابَةُ الْفَصْدِ وَنَحْوُهَا، وَتَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ بِالسَّاتِرِ شَامِلٌ لِمَا تَقَدَّمَ، وَحَيْثُ عَسُرَ عَلَيْهِ نَزْعُ مَا ذُكِرَ (غَسَلَ الصَّحِيحَ) لِكَوْنِهَا طَهَارَةً ضَرُورَةً فَلَزِمَهُ أَقْصَى مَا يُمْكِنُهُ مِنْهَا (وَتَيَمَّمَ) لِحَدِيثِ جَابِرٍ فِي «الْمَشْجُوجِ الَّذِي احْتَلَمَ وَاغْتَسَلَ فَدَخَلَ الْمَاءُ شَجَّتَهُ فَمَاتَ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم إنَّمَا كَانَ يَكْفِيه أَنْ يَتَيَمَّمَ وَيَعْصِبَ عَلَى رَأْسِهِ خِرْقَةً ثُمَّ يَمْسَحَ عَلَيْهَا وَيَغْسِلَ سَائِرَ جَسَدِهِ» (كَمَا سَبَقَ) حُكْمُهُ مِنْ مُرَاعَاةِ التَّرْتِيبِ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

لَزِمَ وُقُوعُ مَا عَدَا نِيَّةَ التَّيَمُّمِ الْأَوَّلِ فِي غَيْرِ مَحَلِّهَا، إذْ مَحَلُّهَا بِالنِّسْبَةِ لِكُلِّ تَيَمُّمٍ عِنْدَ نَقْلِ التُّرَابِ وَمُقَارَنَتِهَا لِلْمَسْحِ بِهِ، فَالِاكْتِفَاءُ بِالنِّيَّةِ الْأُولَى عَنْ بَقِيَّةِ التَّيَمُّمَاتِ يُشْبِهُ مَا لَوْ نَوَى عِنْدَ غَسْلِ الْكَفَّيْنِ الْوُضُوءَ وَلَمْ يَسْتَحْضِرْ النِّيَّةَ عِنْدَ غَسْلِ الْوَجْهِ وَهُوَ بَاطِلٌ فَكَذَا هُنَا، عَلَى أَنَّ التَّيَمُّمَ الثَّانِيَ حَيْثُ خَلَا عَنْ النِّيَّةِ كَانَ الْحَاصِلُ بِهِ مُجَرَّدَ تَكْرَارِ الْمَسْحِ (قَوْلُهُ: وَجَبَ عَلَيْهِ) أَيْ رَفْعُ السِّتْرِ (قَوْلُهُ لَكِنَّهُ يُسَنُّ) أَيْ التَّيَمُّمُ فَوْقَ السَّاتِرِ (قَوْلُهُ كُلٌّ مِنْهُمَا) أَيْ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ فَالْيَدَانِ كَعُضْوٍ وَالرِّجْلَانِ كَعُضْوِ (قَوْلُهُ: وَيُؤْخَذُ مِمَّا تَقَدَّمَ) أَيْ فِي قَوْلِهِ وَلَوْ عَمَّتْ الْعِلَّةُ أَعْضَاءَهُ الْأَرْبَعَةَ كَفَاهُ تَيَمُّمٌ وَاحِدٌ إلَخْ (قَوْلُهُ: تَحَتَّمَ فِيهِ التَّرْتِيبُ) أَيْ نَظَرًا لِغَسْلِ الصَّحِيحِ مِنْ كُلٍّ مِنْ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ مُمْتَنِعٌ) أَيْ لِوُجُوبِ التَّرْتِيبِ فِيهِ (قَوْلُهُ: فِيمَا يُمْكِنُ غَسْلُهُ) وَهُوَ صَحِيحُ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ (قَوْلُهُ: سَاقِطٌ فِي غَيْرِهِ) وَهُوَ عَلِيلُهُمَا.

(قَوْلُهُ: فَلَمْ يَحْتَجْ لِلْوَاوِ) أَيْ وَمَعَ ذَلِكَ هِيَ أَوْضَحُ لِاسْتِغْنَائِهَا عَنْ الْجَوَابِ (قَوْلُهُ: مَا كَانَ عَلَى جُرْحٍ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ مِنْ خَشَبٍ (قَوْلُهُ: لِمَا تَقَدَّمَ) أَيْ مِنْ الْجَبِيرَةِ وَاللُّصُوقِ (قَوْلُهُ: وَحَيْثُ عُثِرَ عَلَيْهِ) أَيْ بِأَنْ خَافَ مِنْ نَزْعِ الْجَبِيرَةِ شَيْئًا مِمَّا تَقَدَّمَ (قَوْلُهُ: «وَيَعْصِبُ عَلَى رَأْسِهِ» ) بَابُهُ ضَرَبَ اهـ مُخْتَارٌ.

وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الرَّجُلَ: أَيْ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ بِالْمَشْجُوجِ فِي قِصَّةِ جَابِرٍ وَالْمُعَبَّرُ عَنْهُ بِلَفْظِ رَجُلٍ فِي سُؤَالِ ابْنِ عَبَّاسٍ هُوَ الْمُتَقَدِّمُ فِي قَوْلِهِ لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ رَجُلًا أَصَابَهُ جُرْحٌ عَلَى عَهْدِهِ صلى الله عليه وسلم، وَيَكُونُ قَوْلُهُ هُنَا إنَّمَا يَكْفِيه مَذْكُورًا مَعَ قَوْلِهِ السَّابِقِ «أَوَ لَمْ يَكُنْ شِفَاءُ الْعَيِّ السُّؤَالَ» لَكِنَّ جَابِرَ رَوَى كَيْفِيَّةَ تَعْلِيمِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم التَّيَمُّمَ وَابْنَ عَبَّاسٍ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِذَلِكَ وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى اعْتِرَاضِهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْآمِرِ

ــ

[حاشية الرشيدي]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ص: 286

فِي الْوُضُوءِ، وَتَعَدَّدَ التَّيَمُّمُ بِتَعَدُّدِ مَحَلِّ الْعِلَّةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا تَقَدَّمَ، وَعُلِمَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّهُ إذَا أَمْكَنَ نَزْعُهَا مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَجَبَ وَهُوَ كَذَلِكَ (وَيَجِبُ مَعَ ذَلِكَ مَسْحُ كُلِّ جَبِيرَتِهِ بِمَاءٍ) حَتَّى مَا تَحْتَ أَطْرَافِ السَّاتِرِ مِنْهُ بِالتَّلَطُّفِ السَّابِقِ حَيْثُ أَمْكَنَ فَلَا يُجْزِئُهُ الِاقْتِصَارُ عَلَى مَسْحِ بَعْضِ السَّاتِرِ لِأَنَّهُ أُبِيحَ لِضَرُورَةِ الْعَجْزِ عَنْ الْأَصْلِ فَيَجِبُ فِيهِ التَّعْمِيمُ كَالْمَسْحِ فِي التَّيَمُّمِ، وَخَرَجَ بِالْمَاءِ التُّرَابُ لِأَنَّهُ ضَعِيفٌ فَلَا يُؤَثِّرُ مِنْ وَرَاءِ حَائِلٍ، بِخِلَافِ الْمَاءِ فَإِنَّهُ يُؤَثِّرُ مِنْ وَرَائِهِ فِي نَحْوِ مَسْحِ الْخُفِّ، وَيُشْتَرَطُ فِي السَّاتِرِ أَنْ لَا يَسْتُرَ إلَّا مَا لَا بُدَّ مِنْهُ لِلِاسْتِمْسَاكِ إذْ الْمَسْحُ بَدَلٌ عَنْهُ حَتَّى لَوْ فُرِضَ أَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْ شَيْئًا مِنْ الصَّحِيحِ أَصْلًا سَقَطَ حِينَئِذٍ مَسْحُهُ، لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الْعُضْوُ جَرِيحًا وَوَاجِبُهُ التَّيَمُّمُ عَنْهُ وَغَسْلُ الْبَاقِي فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَسْتُرَ أَوَّلًا، فَإِطْلَاقُهُمْ وُجُوبَ الْمَسْحِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ مِنْ أَنَّ السَّاتِرَ يَأْخُذُ زِيَادَةً عَلَى مَحَلِّ الْعِلَّةِ، وَلَا بُدَّ أَنْ يُوضَعَ عَلَى طُهْرٍ كَالْخُفِّ وَإِلَّا وَجَبَ نَزْعُهُ وَالْوَضْعُ عَلَى طُهْرٍ إنْ أَمْكَنَ، فَإِنْ تَعَذَّرَ مَسَحَ وَقَضَى كَمَا يَأْتِي، وَأَفْهَمَ إطْلَاقُهُ أَنَّهُ لَا يَتَأَقَّتُ لِأَنَّ التَّأْقِيتَ لَمْ يَرِدْ هُنَا، بِخِلَافِهِ فِي الْخُفِّ فَلَهُ الْمَسْحُ إلَى أَنْ يَبْرَأَ، وَيَمْسَحُ عَلَيْهَا وَلَوْ أَصَابَهَا دَمٌ مِنْ الْجُرْحِ لِأَنَّهُ مَعْفُوٌّ عَنْهُ وَإِنْ اخْتَلَطَ الدَّمُ بِالْمَاءِ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - تَقْدِيمًا لِمَصْلَحَةِ الْوَاجِبِ عَلَى دَفْعِ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

لِلرَّجُلِ بِالْغُسْلِ (قَوْلُهُ: مِنْ كَلَامِهِ) أَيْ وَهُوَ قَوْلُهُ لَا يُمْكِنُ نَزْعُهَا (قَوْلُهُ: أَنْ لَا يَسْتُرَ) الْأَوْلَى وَيُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ مَسْحِ السَّاتِرِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الصَّحِيحِ شَيْئًا فَإِنَّهُ الْمُنَاسِبُ لِقَوْلِهِ حَتَّى لَوْ فُرِضَ أَنَّهُ إلَخْ نَعَمْ يُشْتَرَطُ لِعَدَمِ وُجُوبِ الْقَضَاءِ أَنْ لَا يَأْخُذَ مِنْ الصَّحِيحِ إلَّا مَا لَا بُدَّ مِنْهُ لِلِاسْتِمْسَاكِ، لَكِنْ لَيْسَ الْكَلَامُ الْآنَ فِي الْقَضَاءِ وَعَدَمِهِ (قَوْلُهُ: عَلَى طُهْرٍ) فِي نُسْخَةٍ كَامِلٍ لَا طُهْرِ ذَلِكَ الْعُضْوِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ أَصَابَهَا دَمٌ مِنْ الْجُرْحِ) غَايَةٌ لِمَا قَبْلَهُ، وَعِبَارَةُ حَجّ: وَلَوْ نَفِدَ إلَيْهَا نَحْوُ دَمِ الْجُرْحِ وَعَمَّهَا عُفِيَ عَنْ مُخَالَطَةِ مَاءٍ مَسَحَهَا لَهُ أَخْذًا مِمَّا يَأْتِي فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ أَنَّهُ يُعْفَى عَنْ اخْتِلَاطِ الْمَعْفُوِّ عَنْهُ بِأَجْنَبِيٍّ يَحْتَاجُ إلَى مُمَاسَّتِهِ لَهُ اهـ.

وَكَتَبَ سم عَلَى قَوْلِهِ وَعَمَّهَا مَا نَصُّهُ اُنْظُرْ لَوْ عَمّهَا جُرْمُ الدَّمِ بِحَيْثُ لَا يَصِلُ الْمَسْحُ لِنَفْسِهَا اهـ: أَيْ فَهَلْ يَكْفِي الْمَسْحُ عَلَيْهَا أَمْ لَا فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ أَخْذًا مِمَّا تَقَدَّمَ فِيمَا لَوْ تَجَمَّدَ الْعَرَقُ عَلَى الْبَدَنِ حَتَّى صَارَ كَالْجُزْءِ مِنْهُ فَإِنَّهُ لَا يُعَدُّ حَائِلًا بَلْ يَكْتَفِي بِجَرَيَانِ الْمَاءِ عَلَيْهِ فِي رَفْعِ الْحَدَثِ وَإِنْ لَمْ يَصِلْ إلَى الْبَدَنِ لِتَنْزِيلِهِ مَنْزِلَةَ الْجُزْءِ مِنْهُ فَكَذَلِكَ هُنَا، وَفِي حَاشِيَةِ شَيْخِنَا الْعَلَامَةِ الشَّوْبَرِيِّ عَلَى الْمَنْهَجِ عَنْ مُقْتَضَى كَلَامِ الْعُبَابِ مَا يُوَافِقُهُ، ثُمَّ رَأَيْت مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فِي آخِرِ بَابِ التَّيَمُّمِ بَعْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ إلَّا أَنْ يَكُونَ بِجُرْحِهِ دَمٌ كَثِيرٌ مِنْ قَوْلِهِ وَتَقْيِيدِهِ بِالْكَثِيرِ مِنْ زِيَادَتِهِ عَلَى الْمُحَرَّرِ إلَى أَنْ قَالَ: وَالْأَوْجَهُ حَمْلُ مَا هُنَا عَلَى كَثِيرٍ جَاوَزَ مَحَلَّهُ أَوْ حَصَلَ بِفَعْلَةٍ أَوْ عَلَى مَا إذَا كَانَ الْجُرْحُ فِي عُضْوِ التَّيَمُّمِ وَعَلَيْهِ دَمٌ كَثِيرٌ حَائِلٌ يَمْنَعُ الْمَاءَ وَإِيصَالَ التُّرَابِ عَلَى الْعُضْوِ اهـ.

وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ لَا يَمْسَحُ هُنَا لِوُجُودِ الْحَائِلِ فَرَاجِعْهُ (قَوْلُهُ: مَعْفُوٌّ عَنْهُ) زَادَ سم عَلَى مَنْهَجٍ بَعْد مَا ذَكَرَ نَقْلًا عَنْ م ر خِلَافًا لِمَا فِي فَتَاوَى شَيْخِ الْإِسْلَامِ، وَرَاجَعْت فَتَاوَى شَيْخِ الْإِسْلَامِ فَوَجَدْت الَّذِي فِيهَا عَلَى وَجْهٍ آخَرَ فَرَاجِعْهُ.

قَالَ م ر: فَلَوْ كَانَ لَوْ

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلُهُ: حَتَّى مَا تَحْتَ أَطْرَافِ السَّاتِرِ مِنْهُ) ظَاهِرُهُ بَلْ صَرِيحُهُ أَنَّهُ غَايَةٌ فِي الْمَسْحِ: أَيْ فَيَمْسَحُ حَتَّى مَا تَحْتَ أَطْرَافِ السَّاتِرِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَفِي الْعِبَارَةِ سَقْطٌ يَظْهَرُ مِنْ عِبَارَةِ شَرْحِ الْإِرْشَادِ الَّتِي هِيَ أَصْلُ هَذِهِ الْعِبَارَةِ وَنَصُّهَا بَعْدَ قَوْلِ الْمَتْنِ فَإِنْ سَتَرَ عَمَّهُ مَسْحًا بِمَاءٍ أَبَدًا وَغَسَلَ الصَّحِيحَ حَتَّى مَا تَحْتَ أَطْرَافِ السَّاتِرِ إلَخْ، فَلَعَلَّهُ سَقَطَ لَفْظُ وَغَسَلَ الصَّحِيحَ مِنْ الْكَتَبَةِ (قَوْلُهُ: وَلَا بُدَّ) أَيْ لِصِحَّةِ الْمَسْحِ إذْ هُوَ قَيْدٌ لَهُ كَمَا لَا يَخْفَى: أَيْ إلَّا عِنْدَ عَدَمِ إمْكَانِ نَزْعِهِ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ: وَإِلَّا وَجَبَ نَزْعُهُ) وَحِينَئِذٍ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَا لَوْ وَضَعَهَا عَلَى حَدَثٍ أَوْ طُهْرٍ إلَّا فِي الْقَضَاءِ وَعَدَمِهِ كَمَا سَيُصَرِّحُ بِهِ فِي آخِرِ الْبَابِ (قَوْلُهُ: فَإِنْ تَعَذَّرَ مَسَحَ وَقَضَى) هَذَا التَّفْصِيلُ فِيمَا إذَا كَانَ فِي غَيْرِ أَعْضَاءِ التَّيَمُّمِ، أَمَّا إذَا كَانَ فِيهَا فَالْقَضَاءُ لَازِمٌ بِكُلِّ حَالٍ كَمَا يَأْتِي.

ص: 287

مَفْسَدَةِ الْحَرَامِ كَوُجُوبِ تَنَحْنُحِ مُصَلِّي الْفَرْضِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْقِرَاءَةِ الْوَاجِبَةِ عَلَيْهِ.

(وَقِيلَ) يَكْفِيه مَسْحُ (بَعْضِهَا) كَالْخُفِّ وَالرَّأْسِ وَفَرَّقَ الْأَوَّلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرَّأْسِ بِأَنَّ فِي تَعْمِيمِهِ مَشَقَّةَ النَّزْعِ وَبَيْنَ الْخُفِّ بِأَنَّ فِيهِ ضَرَرًا فَإِنَّ الِاسْتِيعَابَ يُبْلِيه.

(فَإِذَا)(تَيَمَّمَ) مِنْ غَسْلِ الصَّحِيحِ وَتَيَمَّمَ عَنْ الْجَرِيحِ وَأَدَّى فَرِيضَةً (لِفَرْضٍ ثَانٍ) وَثَالِثٍ وَهَكَذَا (وَلَمْ يُحْدِثْ) وَلَمْ يَطْرَأْ عَلَى تَيَمُّمِهِ مُبْطِلٌ لَهُ (لَمْ يُعِدْ الْجُنُبُ) وَنَحْوُهُ (غُسْلًا) لِمَا غَسَلَهُ وَلَا مَسْحًا لِمَا مَسَحَهُ، إذْ التَّيَمُّمُ طَهَارَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ فِي الْجُمْلَةِ فَلَا يَلْزَمُ بِارْتِفَاعِ حُكْمِهَا انْتِقَاضُ طَهَارَةٍ أُخْرَى، كَمَا لَوْ اغْتَسَلَ الْجُنُبُ ثُمَّ أَحْدَثَ يَلْزَمُهُ الْوُضُوءُ وَلَا يَنْتَقِضُ غُسْلُهُ وَإِنْ كَانَ أَعْضَاءُ الْوُضُوءِ بَعْضَ الْمَغْسُولِ فِي الْجَنَابَةِ لِأَنَّ الْوُضُوءَ عِبَادَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ فِي الْجُمْلَةِ (وَيُعِيدُ الْمُحْدِثُ) غَسْلَ (مَا بَعُدَ عَلِيلِهِ) مُرَاعَاةً لِلتَّرْتِيبِ، فَإِذَا كَانَتْ الْجِرَاحَةُ فِي الْيَدِ تَيَمَّمَ وَأَعَادَ مَسْحَ الرَّأْسِ ثُمَّ غَسَلَ الرِّجْلَيْنِ، لِأَنَّ حُكْمَ الْحَادِثِ عَادَ إلَى الْعُضْوِ فِي حَقِّ الْفَرِيضَةِ دُونَ النَّوَافِلِ فَيَحْتَاجُ إلَى إعَادَةِ مَا بَعْدَهُ (وَقِيلَ يَسْتَأْنِفَانِ) فَيُعِيدُ الْمُحْدِثُ الْوُضُوءَ وَالْجُنُبُ الْغُسْلَ (وَقِيلَ الْمُحْدِثُ كَجُنُبٍ) فَلَا يُعِيدُ شَيْئًا عَلَى الصَّحِيحِ (قُلْت: هَذَا الثَّالِثُ أَصَحُّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ، وَنَقَلَ الْإِمَامُ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَحْتَاجُ إلَى إعَادَةِ مَا بَعْدَ عَلِيلِهِ أَنْ لَوْ بَطَلَتْ طَهَارَةُ الْعَلِيلِ وَطَهَارَةُ الْعَلِيلِ بَاقِيَةٌ بِدَلِيلِ جَوَازِ التَّنَفُّلِ.

وَإِذَا قُلْنَا بِالصَّحِيحِ وَهُوَ إعَادَةُ التَّيَمُّمِ فَقَطْ وَكَانَ مُتَعَدِّدًا فَهَلْ يُعِيدُهُ كَذَلِكَ أَوْ يُعِيدُ تَيَمُّمًا فَقَطْ؟ الْأَوْجَهُ كَمَا أَفَادَهُ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ يَتَيَمَّمُ تَيَمُّمًا وَاحِدًا، وَالْقَائِلُ بِتَعَدُّدِهِ بِنَاءً عَلَى طَرِيقَةِ الرَّافِعِيِّ لِأَجْلِ التَّرْتِيبِ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ وَلَمْ يُحْدِثْ مَا إذَا أَحْدَثَ فَإِنَّهُ يُعِيدُ جَمِيعَ مَا مَرَّ، وَلَوْ رَفَعَ الْجَبِيرَةَ عَنْ مَوْضِعِ الْكَسْرِ فَوَجَدَهُ قَدْ انْدَمَلَ أَعَادَ كُلَّ صَلَاةٍ صَلَّاهَا بَعْدَ الِانْدِمَالِ بِالْمَسْحِ عَلَيْهَا، وَلَوْ سَقَطَتْ جَبِيرَتُهُ فِي الصَّلَاةِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ سَوَاءٌ أَكَانَ بَرِيءَ أَمْ لَا كَانْقِلَاعِ الْخُفِّ، بِخِلَافِ مَا لَوْ رَفَعَ السَّاتِرَ لِتَوَهُّمِ الْبُرْءِ فَبَانَ خِلَافُهُ فَإِنَّهُ لَا يَبْطُلُ تَيَمُّمُهُ، وَلَعَلَّ صُورَةَ رَفْعِ السَّاتِرِ أَنَّهُ ظَهَرَ مِنْ الصَّحِيحِ مَا لَا يَجِبُ غَسْلُهُ عَكْسُ صُورَةِ سُقُوطِ الْجَبِيرَةِ، إذْ لَا يُمْكِنُ بَقَاؤُهَا مَعَ وُجُوبِ غَسْلِ مَا ظَهَرَ وَكَذَا مَا بَعْدَهُ فِي الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ،

ــ

[حاشية الشبراملسي]

مَسَحَهَا انْتَقَلَ الدَّمُ إلَى مَحَلٍّ آخَرَ بِحَيْثُ لَا يُعْفَى عَنْهُ مَسَحَ أَيْضًا لِأَنَّ غَايَةَ مَا فِي الْبَابِ أَنَّهُ نَجَّسَ نَفْسَهُ لِحَاجَةٍ وَهُوَ جَائِزٌ ثُمَّ يَغْسِلُ الْمَحَلَّ الْمُنْتَقَلَ إلَيْهِ الْمَذْكُورُ اهـ.

وَهَذَا لَا يُشْكِلُ عَلَى مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْخُفَّ إذَا تَنَجَّسَ بِمَعْفُوٍّ عَنْهُ يُمْسَحُ مِنْهُ مَا لَا نَجَاسَةَ عَلَيْهِ، لِأَنَّ الْخُفَّ لَا يَجِبُ اسْتِيعَابُهُ بِالْمَسْحِ بَلْ الْوَاجِبُ فِيهِ مَا يُسَمَّى مَسْحًا فَلَا ضَرُورَةَ إلَى مَسْحِ مَوْضِعِ النَّجَاسَةِ، وَأَمَّا الْجَبِيرَةُ فَيَجِبُ اسْتِيعَابُهَا، فَالدَّمُ وَإِنْ كَانَ فِي بَعْضِهَا أَشْبَهَتْ مَا لَوْ عَمَّتْ النَّجَاسَةُ الْخُفَّ وَتَقَدَّمَ جَوَازُ مَسْحِهِ حِينَئِذٍ ثَمَّ عَنْ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ: فِي تَعْمِيمِهِ) أَيْ الرَّأْسِ.

(قَوْلُهُ: وَنَحْوُهُ) مِنْ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ (قَوْلُهُ مَا إذَا أَحْدَثَ) أَيْ أَوْ أَجْنَبَ ثَانِيًا (قَوْلُهُ: بَعْدَ الِانْدِمَالِ) أَيْ مَا عَلِمَ أَنَّهَا بَعْدَ الِانْدِمَالِ فَإِنْ تَرَدَّدَ فِي وَقْتِ الِانْدِمَالِ قُدِّرَ بِأَقْرَبِ زَمَنٍ يُمْكِنُ الِانْدِمَالُ فِيهِ (قَوْلُهُ: بَطَلَتْ صَلَاتُهُ) أَيْ لِظُهُورِ مَا يَجِبُ غَسْلُهُ كَمَا أَشَارَ إلَى ذَلِكَ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ الْآتِي مَعَ وُجُوبِ غَسْلِ مَا ظَهَرَ (قَوْلُهُ: لَا يَبْطُلُ تَيَمُّمُهُ) أَيْ وَلَا صَلَاتُهُ (قَوْلُهُ: وَلَعَلَّ صُورَةَ رَفْعِ السَّاتِرِ) أَيْ الْمَذْكُورَةِ فِي قَوْلِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ رَفَعَ السَّاتِرَ إلَخْ (قَوْلُهُ مَا لَا يَجِبُ غَسْلُهُ) لَوْ قَالَ: لَمْ يَظْهَرْ مِنْ الصَّحِيحِ مَا يَجِبُ غَسْلُهُ كَانَ أَوْضَحَ لِشُمُولِهِ مَا لَوْ لَمْ يَظْهَرْ مِنْ الصَّحِيحِ شَيْءٌ أَصْلًا وَإِنْ كَانَ مُسْتَفَادًا بِالْأَوْلَى مِمَّا ذَكَرَهُ (قَوْلُهُ: إذْ لَا يُمْكِنُ بَقَاؤُهَا) أَيْ

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلُهُ: وَلَعَلَّ صُورَةَ رَفْعِ السَّاتِرِ أَنَّهُ ظَهَرَ مِنْ الصَّحِيحِ مَا لَا يَجِبُ غَسْلُهُ) عِبَارَةٌ مَقْلُوبَةٌ إذْ لَيْسَ لَنَا صُورَةٌ يَظْهَرُ فِيهَا مِنْ الصَّحِيحِ مَا لَا يَجِبُ غَسْلُهُ. وَعِبَارَةُ شَرْحِ الرَّوْضِ بَعْدَ أَنْ أَجَابَ بِالْجَوَابِ الْآتِي فِي كَلَامِ الشَّيْخِ بَعْدَ نَصِّهَا ثُمَّ رَأَيْت الزَّرْكَشِيَّ أَجَابَ بِحَمْلِ مَا هُنَا أَيْ مَسْأَلَةِ رَفْعِ السَّاتِرِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَظْهَرْ مِنْ الصَّحِيحِ مَا يَجِبُ غَسْلُهُ وَمَا هُنَاكَ فِي مَسْأَلَةِ الْجَبِيرَةِ عَلَى مَا إذَا ظَهَرَ مِنْهُ ذَلِكَ، وَهُوَ أَوْلَى انْتَهَتْ

ص: 288

أَوْ مَا إذَا تَرَدَّدَ فِي بُطْلَانِ تَيَمُّمِهِ وَطَالَ التَّرَدُّدُ أَوْ مَضَى مَعَهُ رُكْنٌ وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّ مَلْحَظَ بُطْلَانِ الصَّلَاةِ غَيْرُ مَلْحَظِ بُطْلَانِ التَّيَمُّمِ وَانْدَفَعَ قَوْلُ بَعْضِهِمْ: لَا أَثَرَ لِظُهُورِ شَيْءٍ مِنْ الصَّحِيحِ فِي بُطْلَانِ التَّيَمُّمِ لِأَنَّهُ عَنْ الْعَلِيلِ وَوَجْهُ انْدِفَاعِهِ أَنَّا لَمْ نَجْعَلْ هَذَا الظُّهُورَ سَبَبًا لِبُطْلَانِ التَّيَمُّمِ بَلْ لِبُطْلَانِ الصَّلَاةِ وَمَلْحَظُهُمَا مُخْتَلِفٌ كَمَا تَقَرَّرَ، وَإِذَا تَحَقَّقَ الْبُرْءُ وَهُوَ عَلَى طَهَارَةٍ كَانَ كَوِجْدَانِ الْمُتَيَمِّمِ الْمَاءَ فِي تَفْصِيلِهِ الْآتِي وَلَوْ كَانَتْ لُصُوقًا تُنْزَعُ وَتُغَيَّرُ كُلَّ يَوْمٍ أَوْ أَيَّامٍ فَحُكْمُهَا كَالْجَبِيرَةِ الْوَاحِدَةِ كَمَا أَفْتَى بِهِ السُّبْكِيُّ، وَفِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ بَلْ الْأَوْجَهُ خِلَافُهُ.

وَلَوْ كَانَتْ الْجَبِيرَةُ عَلَى عُضْوَيْنِ فَرَفَعَ إحْدَاهُمَا لَمْ يَلْزَمْهُ رَفْعُ الْأُخْرَى، بِخِلَافِ مَاسِحِ الْخُفِّ لَوْ نَزَعَ أَحَدَ خُفَّيْهِ لَزِمَهُ نَزْعُ الْآخَرِ لِأَنَّ الشَّرْطَ فِي الِابْتِدَاءِ أَنْ يَلْبَسَهُمَا جَمِيعًا وَهُنَا لَا يُشْتَرَطُ فِي الِابْتِدَاءِ أَنْ يَضَعَ الْجَبِيرَةَ عَلَيْهِمَا، وَلَوْ أَجْنَبَ صَاحِبُ الْجَبِيرَةِ اغْتَسَلَ وَتَيَمَّمَ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ نَزْعُهَا، بِخِلَافِ الْخُفِّ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ فِي إيجَابِ النَّزْعِ هُنَا مَشَقَّةً.

ثُمَّ الْكَلَامُ فِي التَّيَمُّمِ يَنْحَصِرُ فِي ثَلَاثَةِ أَطْرَافٍ: الْأَوَّلُ فِي أَسْبَابِهِ وَقَدْ مَرَّ الْكَلَامُ عَلَيْهَا، الثَّانِي فِي كَيْفِيَّتِهِ، الثَّالِثُ فِي أَحْكَامِهِ.

وَقَدْ شَرَعَ فِي الْكَلَامِ عَلَى الطَّرَفِ الثَّانِي فَقَالَ: فَصْلٌ فِي بَيَانِ أَرْكَانِ التَّيَمُّمِ وَكَيْفِيَّتِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا سَيَأْتِي (يَتَيَمَّمُ بِكُلِّ تُرَابٍ) فَلَا يُجْزِئُ بِغَيْرِهِ مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ أَوْ مَا اتَّصَلَ بِهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ: أَيْ تُرَابًا طَاهِرًا، وَلِخَبَرِ مُسْلِمٍ «جُعِلَتْ لَنَا الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَتُرْبَتُهَا طَهُورًا» وَالتُّرْبَةُ مِنْ أَسْمَاءِ التُّرَابِ، وَجَاءَ بِلَفْظِ التُّرَابِ فِي رِوَايَةِ الدَّارَقُطْنِيِّ وَصَحَّحَهَا أَبُو عَوَانَةَ «جُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَتُرَابُهَا طَهُورًا»

ــ

[حاشية الشبراملسي]

الصَّلَاةَ وَهُوَ تَعْلِيلٌ لِكَوْنِ سُقُوطِ الْجَبِيرَةِ عَكْسَ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: وَكَذَا مَا بَعْدَهُ) عُطِفَ عَلَى قَوْلِهِ مَعَ وُجُوبِ غَسْلِ مَا ظَهَرَ (قَوْلُهُ: أَوْ مَا إذَا تَرَدَّدَ) عُطِفَ عَلَى قَوْلِهِ أَنَّهُ ظَهَرَ مِنْ الصَّحِيحِ مَا لَا يَجِبُ غَسْلُهُ إلَخْ (قَوْلُهُ: غَيْرُ مَلْحَظِ إلَخْ) وَهُوَ أَنَّ مَلْحَظَ بُطْلَانِ التَّيَمُّمِ الْبُرْءُ مِنْ الْعِلَّةِ، وَمَلْحَظَ بُطْلَانِ الصَّلَاةِ ظُهُورُ مَا يَجِبُ غَسْلُهُ مِنْ الصَّحِيحِ (قَوْلُهُ: فِي بُطْلَانِ التَّيَمُّمِ) أَيْ فَلَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ (قَوْلُهُ: فِي تَفْصِيلِهِ الْآتِي) أَيْ فَيُقَالُ إنْ تَحَقَّقَ ذَلِكَ وَلَيْسَ فِي صَلَاةٍ امْتَنَعَ الْإِحْرَامُ بِهَا أَوْ فِيهَا، فَإِنْ وَجَبَ قَضَاؤُهَا كَكَوْنِ السَّاتِرِ أَخَذَ زِيَادَةً عَلَى قَدْرِ الِاسْتِمْسَاكِ بَطَلَتْ وَإِنْ لَمْ يَجِبْ كَكَوْنِ السَّاتِرِ لَمْ يَأْخُذْ مِنْ الصَّحِيحِ شَيْئًا أَتَمَّهَا (قَوْلُهُ: الْأَوْجَهُ خِلَافُهُ) أَيْ مِنْ أَنَّ كُلَّ مَرَّةٍ لَهَا حُكْمٌ مُسْتَقِلٌّ، فَعَلَى كَلَامِ السُّبْكِيّ تَغْيِيرُ اللُّصُوقِ لَا يُؤَثِّرُ فِي طَهَارَتِهِ السَّابِقَةِ، وَعَلَى كَلَامِ الشَّارِحِ يُؤَثِّرُ، فَيَجِبُ غَسْلُ الصَّحِيحِ مَعَ مَا بَعْدَهُ وَلَا يَبْطُلُ التَّيَمُّمُ عَلَيْهَا (قَوْلُهُ: وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ نَزْعُهَا) أَيْ ثُمَّ إنْ وُجِدَ سَبَبٌ لِلْقَضَاءِ كَكَوْنِهَا أَخَذْت زِيَادَةً عَلَى قَدْرِ الِاسْتِمْسَاكِ وَجَبَ وَإِلَّا فَلَا.

(قَوْلُهُ: عَلَى الطَّرَفِ الثَّانِي) أَيْ مُعَقِّبًا لَهُ بِالثَّالِثِ فَفِيهِ مُسَامَحَةٌ.

فَصْلٌ فِي بَيَانِ أَرْكَانِ التَّيَمُّمِ

(قَوْلُهُ: وَكَيْفِيَّتُهُ) لَا يُقَالُ: الْأَرْكَانُ دَاخِلَةٌ فِي الْكَيْفِيَّةِ فَلَا وَجْهَ لِعَطْفِ الْكَيْفِيَّةِ عَلَيْهَا.

لِأَنَّا نَقُولُ: الْمُرَادُ مِنْ كَيْفِيَّةِ الصِّفَةِ الَّتِي هُوَ عَلَيْهَا، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ بَيَانِهَا بَيَانُ الْأَرْكَانِ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ بَيَانِ الْكُلِّ بَيَانُ أَجْزَائِهِ وَإِنْ كَانَتْ دَاخِلَةً فِيهِ، وَهُنَا تَبْيِينُ الْكَيْفِيَّةِ يَحْصُلُ بِأَنْ يُقَالَ: كَيْفِيَّتُهُ نَقْلُ التُّرَابِ مَعَ النِّيَّةِ إلَى الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ، وَيُبَيِّنُ كَيْفِيَّةَ النَّقْلِ، لَكِنَّ بَعْضَ مَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ الْكَيْفِيَّةُ سُنَنٌ وَبَعْضُهَا أَرْكَانٌ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَبْيِينِهَا كَمَا سَبَقَ تَمْيِيزُ السُّنَنِ عَنْ الْأَرْكَانِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَغَيْرُ ذَلِكَ) كَالْقَضَاءِ (قَوْلُهُ: أَوْ مَا اتَّصَلَ بِهَا) كَالشَّجَرِ وَالزَّرْعِ (قَوْلُهُ: «لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا» إلَخْ)

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلُهُ: أَوْ مَا إذَا تَرَدَّدَ) هَذَا تَصْوِيرٌ آخَرُ لِلْجَبِيرَةِ فَكَأَنَّهُ قَالَ: وَصُورَةُ الْجَبِيرَةِ أَنَّهُ ظَهَرَ مِنْ الصَّحِيحِ مَا يَجِبُ غَسْلُهُ أَوْ مَا إذَا تَرَدَّدَ إلَخْ، إذْ لَيْسَ قَبْلَهُ مَا يَصِحُّ عَطْفُهُ عَلَيْهِ فِي اللَّفْظِ. وَعِبَارَةُ الشِّهَابِ ابْنِ حَجَرٍ فِي هَذَا الْمَقَامِ: وَلَوْ

ص: 289