الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ الِاسْتِوَاءُ، وَالْمُعْتَمَدُ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - تَفْصِيلُ الْعَشْرِ مِنْ قِيَامٍ عَلَيْهَا لِأَنَّهَا أَشَقُّ، فَقَدْ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِي قَوَاعِدِهِ: صَلَاةُ رَكْعَتَيْنِ مِنْ قِيَامٍ أَفْضَلُ مِنْ أَرْبَعٍ مِنْ قُعُودٍ، وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ «أَفْضَلُ الصَّلَاةِ طُولُ الْقُنُوتِ» أَيْ الْقِيَامِ، وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ مَا إذَا اسْتَوَى الزَّمَانُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ.
(الرَّابِعُ) مِنْ أَرْكَانِهَا (الْقِرَاءَةُ) لِلْفَاتِحَةِ كَمَا سَيَأْتِي (وَيُسَنُّ بَعْدَ التَّحَرُّمِ) أَيْ عَقِبَهُ وَلَوْ لِلنَّفْلِ (دُعَاءُ الِافْتِتَاحِ) لِمُنْفَرِدٍ وَإِمَامٍ وَمَأْمُومٍ تَمَكَّنَ مِنْهُ بِأَنْ أَدْرَكَ إمَامَهُ فِي الْقِيَامِ دُونَ الِاعْتِدَالِ وَأَمِنَ فَوْتَ الصَّلَاةِ أَوْ الْأَدَاءِ وَقَدْ شَرَعَ فِيهَا وَفِي وَقْتِهَا مَا يَسَعُ جَمِيعَهَا، أَوْ غَلَبَ عَلَى
ــ
[حاشية الشبراملسي]
كَمَا تَجُوزُ فِي الْهَوِيِّ إلَى الْقُعُودِ (قَوْلُهُ: مِنْ قِيَامٍ عَلَيْهَا) أَيْ عَلَى الْعِشْرِينَ مِنْ قُعُودٍ، أَمَّا لَوْ كَانَتْ الْكُلُّ مِنْ قِيَامٍ وَاسْتَوَى زَمَنُ الْعَشْرِ وَالْعِشْرِينَ فَالْعِشْرُونَ أَفْضَلُ لِمَا فِيهَا مِنْ زِيَادَةِ الرُّكُوعَاتِ وَالسُّجُودَاتِ مَعَ اشْتِرَاطِ الْكُلِّ فِي الْقِيَامِ (قَوْلُهُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ) وَالْكَلَامُ فِي النَّفْلِ الْمُطْلَقِ، أَمَّا غَيْرُهُ كَالرَّوَاتِبِ وَالْوِتْرِ فَالْمُحَافَظَةُ عَلَى الْعَدَدِ الْمَطْلُوبِ فِيهِ أَفْضَلُ، فَفِعْلُ الْوِتْرِ إحْدَى عَشْرَةَ فِي الزَّمَنِ الْقَصِيرِ أَفْضَلُ مِنْ فِعْلِ ثَلَاثَةٍ مَثَلًا فِي قِيَامٍ يَزِيدُ عَلَى زَمَنِ ذَلِكَ الْعَدَدِ، لِكَوْنِ الْعَدَدِ فِيمَا ذُكِرَ بِخُصُوصِهِ مَطْلُوبًا لِلشَّارِعِ.
(قَوْلُهُ: لِمَا سَيَأْتِي) أَيْ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَتَتَعَيَّنُ الْفَاتِحَةُ (قَوْلُهُ: وَيُسَنُّ) قَالَ حَجّ: وَقِيلَ يَجِبُ (قَوْلُهُ: بَعْدَ التَّحَرُّمِ) لَعَلَّ تَعْبِيرَهُ بِبَعْدَ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَفُوتُ بِالتَّأْخِيرِ حَيْثُ لَمْ يَشْتَغِلْ بِغَيْرِهِ، وَعَلَيْهِ فَتَفْسِيرُ الشَّارِحِ بِالْعَقِبِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ الْمُبَادَرَةُ بِهِ عَقِبَ التَّحَرُّمِ وَإِنْ لَمْ يَفُتْ بِالتَّأْخِيرِ، ثُمَّ رَأَيْت سم عَلَى مَنْهَجٍ قَالَ: قَوْلُهُ عَقِبَ التَّحَرُّمِ اُنْظُرْ التَّعْبِيرَ بِعَقِبَ فَإِنَّ مُقْتَضَاهُ الْفَوَاتُ إذَا طَالَ الْفَصْلُ، وَقَدْ يُتَّجَهُ عَدَمُ الْفَوَاتِ مُطْلَقًا فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ: تَمَكَّنَ مِنْهُ) أَيْ وَلَوْ مَعَ سَمَاعِ قِرَاءَةِ إمَامِهِ كَمَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ: بِأَنْ أَدْرَكَ إمَامَهُ فِي الْقِيَامِ) خَرَجَ بِهِ مَا لَوْ أَدْرَكَهُ فِي غَيْرِهِ، وَمِنْهُ الْجُلُوسُ فِي التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ، فَلَا يَأْتِي بِهِ بَعْدَ التَّحَرُّمِ وَلَا بَعْدَ قِيَامِهِ مِنْ التَّشَهُّدِ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ قَامَ الْإِمَامُ قَبْلَ جُلُوسِ الْمَأْمُومِ مَعَهُ، لَكِنَّ قَضِيَّةَ قَوْلِهِ الْآتِي مَا عَدَا الْجُلُوسَ مَعَهُ لِأَنَّهُ مُفَوَّتٌ إلَخْ عَدَمُ فَوَاتِهِ حَيْثُ لَا جُلُوسَ مِنْهُ، وَهُوَ ظَاهِرٌ، ثُمَّ رَأَيْت فِي سم عَلَى مَنْهَجٍ عَنْ ع التَّصْرِيحَ بِذَلِكَ (قَوْلُهُ: وَأَمِنَ فَوَاتَ الصَّلَاةِ) أَيْ بِأَنْ خَافَ أَنَّهُ لَوْ اشْتَغَلَ بِدُعَاءِ الِافْتِتَاحِ لَا يُمْكِنُهُ فِعْلُ الصَّلَاةِ أَصْلًا لِهُجُومِ الْمَوْتِ عَلَيْهِ فِيهَا أَوْ طُرُوُّ دَمِ الْحَيْضِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ.
وَعِبَارَةُ الرَّوْضِ وَشَرْحُهُ: لَا مَنْ خَافَ فَوْتَ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ أَوْ فَوْتَ الْوَقْتِ: أَيْ وَقْتُ الصَّلَاةِ أَوْ وَقْتُ الْأَدَاءِ بِأَنْ لَمْ يَبْقَ مِنْ وَقْتِهَا إلَّا مَا يَسَعُ رَكْعَةً فَلَا يُنْدَبُ لَهُ دُعَاءُ الِافْتِتَاحِ إلَخْ، وَتَرَدَّدَ سم عَلَى مَنْهَجٍ فِي الْمُرَادِ بِفَوْتِ الْوَقْتِ فَلْيُرَاجَعْ أَقُولُ: يُمْكِنُ حَمْلُ فَوَاتِ الْوَقْتِ عَلَى أَنَّهُ إنْ اشْتَغَلَ بِدُعَاءِ الِافْتِتَاحِ خَرَجَ بَعْضُ الصَّلَاةِ عَنْ وَقْتِهَا وَإِنْ قَلَّ فَيَكُونُ مَعْنَاهُ مُغَايِرٌ لِمَعْنَى خَوْفِ الْأَدَاءِ وَإِنْ كَانَ خَوْفُ الْأَدَاءِ يُغْنِي عَنْهُ (قَوْلُهُ: أَوْ الْأَدَاءُ) أَيْ بِأَنْ كَانَ
ــ
[حاشية الرشيدي]
نَظَرٌ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْحَالَةَ الَّتِي مُنِعَ الْقِرَاءَةَ فِيهَا أَكْمَلُ بِكُلِّ حَالٍ مِنْ الْقُعُودِ الَّذِي لَهُ الْقِرَاءَةُ فِيهِ فِي الْحَالِ (قَوْلُهُ: إذَا اسْتَوَى الزَّمَانُ) يَنْبَغِي أَنَّ الْمُرَادَ اسْتِوَاءُ زَمَنِ كُلِّ رَكْعَةٍ مِنْ رَكَعَاتِ الْقُعُودِ مَعَ كُلِّ رَكْعَةٍ مِنْ رَكَعَاتِ الْقِيَامِ لِتَحْصُلَ الْمُفَاضَلَةُ بَيْنَ نَفْسِ الْقِيَامِ وَنَفْسِ تَكْثِيرِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وَإِلَّا بِأَنْ كَانَ الْمُرَادُ أَنَّ الزَّمَانَ الَّذِي صَرَفَهُ لِمَجْمُوعِ الْعَشْرِ مُسَاوٍ لِلزَّمَانِ الَّذِي صَرَفَهُ لِلْعِشْرِينِ، فَيَنْبَغِي الْقَطْعُ بِتَفْضِيلِ الْعَشْرِ مِنْ قِيَامٍ، وَالتَّفْضِيلُ حِينَئِذٍ عَارِضٌ مِنْ تَطْوِيلِ الْقِيَامِ لَا مِنْ ذَاتِهِ فَتَأَمَّلْ
[الرَّابِعُ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ]
(قَوْلُهُ: أَيْ عَقِبَهُ) مُرَادُهُ بِالْعَقِبِيَّةِ أَنْ لَا يَفْصِلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّحَرُّمِ تَعَوُّذٌ أَوْ قِرَاءَةٌ لَا الْعَقِبِيَّةُ الْحَقِيقِيَّةُ (قَوْلُهُ: دُونَ الِاعْتِدَالِ) أَيْ فَمَا بَعْدَهُ، وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ مِنْ الْقِيَامِ دُونَ مَا بَعْدَهُ عَلَى أَنَّهُ سَيُعِيدُهُ قَرِيبًا بِنَحْوِ مَا ذَكَرْته (قَوْلُهُ: وَأَمِنَ فَوْتَ الصَّلَاةِ) أَيْ بِأَنْ لَا يَخَافَ الْمَوْتَ بِأَنْ لَمْ يَحْضُرْهُ مَا يَخْشَى مِنْهُ الْمَوْتَ عَاجِلًا، وَأَمَّا مَنْ صَوَّرَهُ بِخَوْفِ الْمَرْأَةِ نُزُولَ الْحَيْضِ أَوْ خَوْفِ جُنُونٍ يَعْتَادُهُ فِي هَذَا الْوَقْتِ فَيَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ الْفَائِتَ فِي ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ الْأَدَاءُ فَقَطْ. وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا، وَالْمَسْأَلَتَيْنِ بَعْدَهُ لَا يَخْتَصُّ بِالْمَأْمُومِ وَإِنْ أَوْهَمَهُ كَلَامُهُ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ، وَالْخَامِسِ (قَوْلُهُ: وَقَدْ شَرَعَ فِيهَا وَفِي وَقْتِهَا مَا يَسَعُ جَمِيعَهَا) هَذَا قَيْدٌ رَابِعٌ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِ غَيْرِهِ وَأَمِنَ فَوْتَ وَقْتِ الصَّلَاةِ فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ
ظَنِّهِ أَنَّهُ مَعَ اشْتِغَالِهِ بِهِ يُدْرِكُ الْفَاتِحَةَ قَبْلَ رُكُوعِ إمَامِهِ، وَمَحَلُّ ذَلِكَ فِي غَيْرِ الْجِنَازَةِ وَلَوْ عَلَى قَبْرٍ أَوْ غَائِبٍ كَمَا اقْتَضَاهُ إطْلَاقُهُمْ خِلَافًا لِابْنِ الْعِمَادِ كَمَا سَيَأْتِي فِيهَا، وَيَأْتِي بِهِ سِرًّا إنْ لَمْ يَتَعَوَّذْ أَوْ يُدْرِكْ إمَامَهُ فِي غَيْرِ الْقِيَامِ وَإِنْ أَمَّنَ لِتَأْمِينِهِ، وَهُوَ وَجَّهْت وَجْهِي: أَيْ قَصَدْت بِعِبَادَتِي لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ أَيْ أَبْدَعَهُمَا عَلَى غَيْرِ مِثَالٍ سَبَقَ، حَنِيفًا: أَيْ مَائِلًا عَنْ كُلِّ الْأَدْيَانِ إلَى دِينِ الْإِسْلَامِ مُسْلِمًا: أَيْ مُنْقَادًا إلَى الْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي، وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ، إنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْت وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ.
لِمَا صَحَّ مِنْ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ. وَفِي رِوَايَةٍ: وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ.
وَكَانَ صلى الله عليه وسلم يَأْتِي بِهَا تَارَةً لِأَنَّهُ أَوَّلُ مُسْلِمِي هَذِهِ الْأُمَّةِ فَلَا يَقُولُهَا غَيْرُهُ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمَرْأَةَ تَأْتِي بِجَمِيعِ ذَلِكَ بِأَلْفَاظِهِ الْمَذْكُورَةِ لِلتَّغْلِيبِ الشَّائِعِ لُغَةً وَاسْتِعْمَالًا، وَإِرَادَةُ الشَّخْصِ فِي نَحْوِ حَنِيفًا مُحَافَظَةً عَلَى لَفْظِ الْوَارِدِ، فَانْدَفَعَ بِذَلِكَ قَوْلُ مَنْ قَالَ: إنَّ الْقِيَاسَ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
لَوْ اشْتَغَلَ بِدُعَاءِ الِافْتِتَاحِ لَا يُدْرِكُ رَكْعَةً فِي الْوَقْتِ، لَكِنَّ هَذَا الْإِشْكَالَ فِيهِ بِالنَّظَرِ لِمَا فِي الرَّوْضِ وَشَرْحِهِ الْمَذْكُورِ قَبْلُ، وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِقَوْلِ الشَّارِحِ وَقَدْ شَرَعَ فِيهَا وَفِي وَقْتِهَا مَا يَسَعُ جَمِيعَهَا إلَخْ فَفِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّهُ حَيْثُ شُرِعَ فِيهَا وَقَدْ بَقِيَ مَا يَسَعُهَا كَامِلَةً لَا يَتَأَتَّى أَنَّ دُعَاءَ الِافْتِتَاحِ يُفَوِّتُ عَلَيْهِ الْأَدَاءَ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: قَدْ يُشْرَعُ فِيهَا وَبَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ مَا يَسَعُهَا لِلْوَسَطِ الْمُعْتَدِلِ وَلَا يَسَعُ إلَّا رَكْعَةً بِالنِّسْبَةِ لَهُ وَكَانَ اشْتِغَالُهُ بِدُعَاءِ الِافْتِتَاحِ يَمْنَعُهُ مِنْ إدْرَاكِ رَكْعَةٍ مَعَ الْإِمَامِ وَقَوْلُهُ أَيْضًا أَوْ الْأَدَاءُ: أَيْ بِأَنْ كَانَ بِحَيْثُ لَوْ اشْتَغَلَ بِهِ لَمْ يُدْرِكْ رَكْعَةً فِي الْوَقْتِ، وَبِهَذَا تَعْلَمُ أَنَّ مَا ذُكِرَ مِنْ أَمْنِ الْفَوَاتِ لَيْسَ مُعْتَبَرًا فِي مَنْعِ الْمَأْمُومِ بَلْ مُعْتَبَرٌ لِأَصْلِ اسْتِحْبَابِ دُعَاءِ الِافْتِتَاحِ (قَوْلُهُ إنْ لَمْ يَتَعَوَّذْ) ظَاهِرُهُ وَإِنْ اشْتَغَلَ بِأَذْكَارٍ غَيْرِ مَشْرُوعَةٍ، وَنَظَرَ فِيهِ سم عَلَى حَجّ.
أَقُولُ: وَاَلَّذِي يَنْبَغِي أَخْذًا مِنْ هَذِهِ الْعِبَارَةِ وَنَحْوِهَا عَدَمُ الْفَوَاتِ (قَوْلُهُ: أَوْ يُدْرِكُ إمَامُهُ) هَذَا عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ السَّابِقِ بِأَنْ أَدْرَكَ إمَامَهُ فِي الْقِيَامِ فَهُوَ تَصْرِيحٌ بِالْمَفْهُومِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ أَمِنَ لِتَأْمِينِهِ) أَيْ بِأَنْ فَرَغَ الْإِمَامُ عَقِبَ التَّحَرُّمِ فَأَمِنَ الْمَأْمُومُ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ مَانِعًا مِنْ الْإِتْيَانِ بِدُعَاءِ الِافْتِتَاحِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ أَوَّلُ مُسْلِمِي هَذِهِ الْأُمَّةِ) أَيْ فِي الْوُجُودِ الْخَارِجِيِّ فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ مُطْلَقًا كَمَا فِي حَجّ لِتَقَدُّمِ خَلْقِ ذَاتِهِ وَإِفْرَاغِ النُّبُوَّةِ عَلَيْهِ قَبْلَ خَلْقِ جَمِيعِ الْمَوْجُودَاتِ (قَوْلُهُ فَلَا يَقُولُهَا غَيْرُهُ) أَيْ لَا يَجُوزُ لَهُ ذِكْرُهُ إلَّا إنْ قَصَدَ لَفْظَ الْآيَةِ اهـ حَجّ.
وَكَتَبَ عَلَيْهِ سم: ظَاهِرُهُ الْحُرْمَةُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، وَقَدْ تَقْتَضِي الْحُرْمَةُ الْبُطْلَانَ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ كَلَامٌ أَجْنَبِيٌّ مُخَالِفٌ لِلْوَارِدِ فِي حَقِّ هَذَا الْقَائِلِ، وَقَدْ يَتَوَقَّفُ فِي كُلٍّ مِنْ الْحُرْمَةِ وَالْبُطْلَانِ لِأَنَّهُ لَفْظُ قُرْآنٍ، وَلَا صَارِفَ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّ قَرِينَةَ الِافْتِتَاحِ صَارِفَةٌ وَفِيهِ مَا فِيهِ وَيَبْقَى مَا لَوْ أَتَى بِمَعْنَى مِنْ الْمُسْلِمِينَ كَقَوْلِهِ وَأَنَا مُسْلِمٌ، أَوْ وَأَنَا ثَانِي الْمُسْلِمِينَ فِي حَقِّ الصِّدِّيقِ اهـ. أَقُولُ وَالظَّاهِرُ الِاكْتِفَاءُ بِهِ لِأَنَّهُ مُسَاوٍ لِلْمَعْنَى فِي قَوْلِهِ وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ (قَوْلُهُ وَإِرَادَةُ الشَّخْصِ) لَعَلَّ الْمُرَادَ أَنَّهَا تَقُولُهُ، وَيَحْصُلُ ذَلِكَ مِنْهَا عَلَى إرَادَةِ الشَّخْصِ لَا أَنَّ مَشْرُوعِيَّتَهُ فِي حَقِّهَا تَتَوَقَّفُ عَلَى الْإِرَادَةِ (قَوْلُهُ: فَانْدَفَعَ بِذَلِكَ قَوْلُ مَنْ قَالَ إلَخْ) قَائِلُ ذَلِكَ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ، وَعِبَارَةُ حَجّ: وَبِهِ يُرَدُّ قَوْلُ الْإِسْنَوِيِّ: الْقِيَاسُ
ــ
[حاشية الرشيدي]
أَمْنِهِ فَوْتَ الصَّلَاةِ مِنْ أَصْلِهَا كَمَا مَرَّ تَمْثِيلُهُ، وَفَوْتِ الْأَدَاءِ كَأَنْ لَمْ يَبْقَ مِنْ الْوَقْتِ إلَّا مَا يَسَعُ رَكْعَةً، وَفَوْتُ وَقْتِ الصَّلَاةِ بِأَنْ لَمْ يَبْقَ مِنْ الْوَقْتِ إلَّا مَا يَسَعُ الصَّلَاةَ، لَكِنْ يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ هَذَا يُغْنِي عَمَّا قَبْلَهُ وَفِي حَاشِيَةِ الشَّيْخِ الْجَوَابُ عَنْ هَذَا بِمَا لَا يَشْفِي (قَوْلُهُ: وَيَأْتِي بِهِ سِرًّا) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ سَيَأْتِي فِي الْمَتْنِ (قَوْلُهُ: أَوْ يُدْرِكُ إمَامَهُ فِي غَيْرِ الْقِيَامِ) هَذَا مَفْهُومُ قَوْلِهِ فِيمَا مَرَّ بِأَنْ يُدْرِكَ إمَامَهُ فِي الْقِيَامِ، وَمَا ذَكَرَهُ عَقِبَهُ قَاصِرٌ كَمَا مَرَّ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ، وَنَبَّهَ الشِّهَابُ حَجّ عَلَى أَنَّ مَحَلَّ هَذَا إذَا لَمْ يُسَلِّمْ الْإِمَامُ قَبْلَ جُلُوسِهِ (قَوْلُهُ: أَيْ مَائِلًا عَنْ كُلِّ الْأَدْيَانِ إلَخْ) عِبَارَةُ الشِّهَابِ عَمِيرَةَ، وَالْحَنِيفُ يُطْلَقُ عَلَى الْمَائِلِ، وَالْمُسْتَقِيمِ، فَعَلَى الْأَوَّلِ الْمُرَادُ الْمَائِلُ إلَى الْحَقِّ، وَالْحَنِيفُ أَيْضًا عِنْدَ الْعَرَبِ: مَنْ كَانَ عَلَى مِلَّةِ إبْرَاهِيمَ
مُرَاعَاةُ صِيغَةِ التَّأْنِيثِ.
وَيُسَنُّ لِلْمَأْمُومِ الْإِسْرَاعُ بِهِ إذَا كَانَ يَسْمَعُ قِرَاءَةَ إمَامِهِ، وَلِلْإِمَامِ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهِ إلَّا إنْ كَانَ إمَامَ جَمِيعٍ مَحْصُورِينَ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِعَيْنِهِمْ حَقٌّ بِأَنْ لَمْ يَكُونُوا مَمْلُوكِينَ وَلَا مُسْتَأْجَرِينَ إجَارَةَ عَيْنٍ عَلَى عَمَلٍ نَاجِزٍ وَلَا نِسَاءٍ مُتَزَوِّجَاتٍ وَرَضُوا بِالتَّطْوِيلِ وَلَمْ يَطْرَأْ غَيْرُهُمْ وَقَلَّ حُضُورُهُ وَلَمْ يَكُنْ الْمَسْجِدُ مَطْرُوقًا فَيَزِيدُ كَالْمُنْفَرِدِ، اللَّهُمَّ أَنْتَ الْمَلِكُ لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ إلَى آخِرِهِ وَهُوَ مَشْهُورٌ، وَصَحَّ فِيهِ أَخْبَارٌ أُخَرُ: مِنْهَا: الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ.
وَمِنْهَا اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا وَسُبْحَانَ اللَّهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا. وَمِنْهَا: اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ إلَى آخِرِهِ، وَبِأَيِّهَا افْتَتَحَ حَصَلَ أَصْلُ السُّنَّةِ، وَلَكِنَّ الْأَوَّلَ أَفْضَلُهَا قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ، وَظَاهِرُهُ اسْتِحْبَابُ الْجَمْعِ بَيْنَ جَمِيعِ ذَلِكَ لِمُنْفَرِدٍ وَإِمَامِ مَنْ ذُكِرَ وَهُوَ ظَاهِرٌ خِلَافًا لِلْأَذْرَعِيِّ.
(ثُمَّ) يُسَنُّ لَمُتَمَكِّنٍ بَعْدَ الِافْتِتَاحِ وَتَكْبِيرِ صَلَاةِ الْعِيدِ (التَّعَوُّذُ)
ــ
[حاشية الشبراملسي]
الْمُشْرِكَاتُ الْمُسْلِمَاتُ، وَقَوْلُ غَيْرِهِ: الْقِيَاسُ حَنِيفَةٌ مُسْلِمَةٌ اهـ.
وَمَعَ ذَلِكَ لَوْ أَتَتْ بِهِ حَصَلَتْ السُّنَّةُ.
(قَوْلُهُ: وَيُسَنُّ لِلْمَأْمُومِ الْإِسْرَاعُ بِهِ إذَا كَانَ إلَخْ) صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ يَقْرَؤُهُ وَإِنْ سَمِعَ قِرَاءَةَ إمَامِهِ، وَعَلَيْهِ فَلَعَلَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قِرَاءَةِ السُّورَةِ أَنَّ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ تُعَدُّ قِرَاءَةً لِلْمَأْمُومِ فَأَغْنَتْ عَنْ قِرَاءَتِهِ وَسُنَّ اسْتِمَاعُهُ لَهَا، وَلَا كَذَلِكَ الِافْتِتَاحُ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ الدُّعَاءُ لِلْإِمَامِ وَدُعَاءُ الشَّخْصِ لِنَفْسِهِ لَا يُعَدُّ دُعَاءً لِغَيْرِهِ (قَوْلُهُ: وَلِلْإِمَامِ) أَيْ يُسَنُّ لَهُ، قَوْلُهُ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهِ: أَيْ مَا تَقَدَّمَ مِنْ دُعَاءِ الِافْتِتَاحِ (قَوْلُهُ: وَقَلَّ حُضُورُهُ) عِبَارَةُ حَجّ: وَإِنْ قَلَّ حُضُورُهُ اهـ.
وَهِيَ تُفِيدُ التَّعْمِيمَ فِي الْغَيْرِ وَكَلَامُ الشَّارِحِ يُفِيدُ التَّقْيِيدَ بِقِلَّةِ حُضُورِهِ (قَوْلُهُ: إلَى آخِرِهِ) وَهُوَ مَشْهُورٌ تَتِمَّتُهُ: «سُبْحَانَك وَبِحَمْدِك أَنْتَ رَبِّي وَأَنَا عَبْدُك ظَلَمْت نَفْسِي وَاعْتَرَفْت بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي ذُنُوبِي جَمِيعًا إنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أَنْتَ، وَاهْدِنِي لِأَحْسَنِ الْأَخْلَاقِ لَا يَهْدِي لِأَحْسَنِهَا إلَّا أَنْتَ، وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا لَا يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إلَّا أَنْتَ، لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ كُلُّهُ فِي يَدَيْكَ وَالشَّرُّ لَيْسَ إلَيْك، أَنَا بِكَ وَإِلَيْكَ تَبَارَكْتَ وَتَعَالَيْتَ أَسْتَغْفِرُك وَأَتُوبُ إلَيْكَ» اهـ شَرْحُ الرَّوْضِ (قَوْلُهُ: وَمِنْهَا اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا إلَخْ) وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَوْ أَسْقَطَ اللَّهُ أَكْبَرُ وَوَصَلَ كَبِيرًا بِتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ حَيْثُ أَطْلَقَ فَلَمْ يَقْصِدْ بِهِ التَّحَرُّمَ وَلَا الِافْتِتَاحَ مَعَ كَوْنِهِ قَاصِدًا لِلْفِعْلِ مَعَ التَّبْيِينِ وَنِيَّةِ الْفَرْضِيَّةِ، وَلَا يُشْكِلُ هَذَا بِمَا يَأْتِي مِنْ أَنَّ الْمَسْبُوقَ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى تَكْبِيرَةٍ وَاحِدَةٍ وَأَطْلَقَ لَا تَنْعَقِدُ صَلَاتُهُ لِتَعَارُضِ قَرِينَتَيْ الِافْتِتَاحِ وَالْهَوِيِّ لِجَوَازِ أَنْ يُقَالَ: إنَّ تَكْبِيرَ الْهَوِيِّ ثُمَّ مَطْلُوبٌ بِخُصُوصِهِ فَصَلَحَ مُعَارِضًا لِلتَّحَرُّمِ، بِخِلَافِ مَا هُنَا فَإِنَّ الْمَطْلُوبَ فِيهِ الِافْتِتَاحُ، وَهُوَ كَمَا يَحْصُلُ بِقَوْلِهِ: اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا يَحْصُلُ بِغَيْرِهِ، بَلْ وَجَّهْت أَوْلَى مِنْهُ فَانْحَطَّتْ رُتْبَتُهُ عَنْ تَكْبِيرِ الرُّكُوعِ فَلَمْ يَصْلُحْ مُعَارِضًا، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا قَالَهُ سم عَلَى حَجّ مِنْ قَوْلِهِ: فَرْعٌ: نَوَى مَعَ اللَّهُ أَكْبَرُ مِنْ قَوْلِهِ اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا إلَخْ فَهَلْ تَنْعَقِدُ صَلَاتُهُ وَلَا يَضُرُّ مَا وَصَلَهُ بِالتَّكْبِيرِ وَمِنْ قَوْلِهِ كَبِيرًا إلَخْ؟ الْوَجْهُ نَعَمْ م ر اهـ (قَوْلُهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا) قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: رَوَاهُ مُسْلِمٌ (قَوْلُهُ: «اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ» إلَخْ) تَتِمَّةٌ كَمَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ «كَمَا بَاعَدْت بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ اللَّهُمَّ نَقِّنِي مِنْ خَطَايَايَ كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الْأَبْيَضُ مِنْ الدَّنَسِ، اللَّهُمَّ اغْسِلْنِي مِنْ خَطَايَايَ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ اهـ، وَالْمُرَادُ الْمَغْفِرَةُ لَا الْغُسْلُ الْحَقِيقِيُّ بِهَا.
(قَوْلُهُ: ثُمَّ التَّعَوُّذُ) نُقِلَ عَنْ خَصَائِصِ الشَّامِيِّ أَنَّ مِنْ خَصَائِصِهِ عليه الصلاة والسلام وُجُوبَ التَّعَوُّذِ لِقِرَاءَتِهِ عليه الصلاة والسلام اهـ وَنُقِلَ عَنْ الْخَصَائِصِ الصُّغْرَى لِلسُّيُوطِيِّ: وَظَاهِرُهُ
ــ
[حاشية الرشيدي]
عليه الصلاة والسلام انْتَهَتْ
(قَوْلُهُ: وَلَمْ يَطْرَأْ غَيْرُهُمْ) أَيْ الْجَمْعُ (قَوْلُهُ: وَقَلَّ حُضُورُهُ) عِبَارَةُ الْإِمْدَادِ الَّتِي هِيَ أَصْلُ هَذِهِ: وَإِنْ قَلَّ حُضُورُهُ انْتَهَتْ فَلَعَلَّ لَفْظَ إنْ سَقَطَ مِنْ نُسَخِ الشَّارِحِ
وَلَوْ فِي جِنَازَةٍ بِالشُّرُوطِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي الِافْتِتَاحِ كَمَا ذَكَرُوهُ فِي بَعْضِهَا، وَيُقَاسُ بِهِ الْبَاقِي مَا عَدَا الْجُلُوسَ مَعَهُ لِأَنَّهُ مُفَوِّتٌ، ثُمَّ لِفَوَاتِ الِافْتِتَاحِ بِهِ لَا هُنَا لِأَنَّهُ لِقِرَاءَةٍ لَمْ يَشْرَعْ فِيهَا، وَإِتْيَانُهُ بِثُمَّ لِنَدْبِ تَرْتِيبِهِ إذَا أَرَادَهُمَا لَا لِنَفْيِ سُنِّيَّةِ التَّعَوُّذِ لَوْ أَرَادَ الِاقْتِصَارَ عَلَيْهِ، وَيَفُوتُ بِالشُّرُوعِ فِي الْقِرَاءَةِ وَلَوْ سَهْوًا (وَيُسِرُّهُمَا) أَيْ الِافْتِتَاحَ وَالتَّعَوُّذَ اسْتِحْبَابًا فِي الْجَهْرِيَّةِ وَالسِّرِّيَّةِ كَسَائِرِ الْأَذْكَارِ الْمُسْتَحَبَّةِ بِحَيْثُ يُسْمِعُ نَفْسَهُ لَوْ كَانَ سَمِيعًا، وَيَحْصُلُ بِكُلِّ مَا اشْتَمَلَ عَلَى التَّعَوُّذِ مِنْ الشَّيْطَانِ وَأَفْضَلُهُ عَلَى الْإِطْلَاقِ: أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، وَيُفَارِقُ ذَلِكَ التَّأْمِينُ بِأَنَّ تَبَعِيَّتَهُ أَوْضَحُ لِوُرُودِهِ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ عَقِبَ الْجَهْرِ بِخِلَافِهِمَا، وَبِأَنَّ التَّأْمِينَ تُسْتَحَبُّ فِيهِ مُقَارَنَةُ مَا يَأْتِي بِهِ الْإِمَامُ لِمَا يَأْتِي بِهِ الْمَأْمُومُ، فَسُنَّ فِيهِ الْجَهْرُ لِأَنَّهُ أَعْوَنُ فِي الْإِتْيَانِ بِالِاقْتِرَانِ بِخِلَافِهِ فِيهِمَا (وَيَتَعَوَّذُ كُلَّ رَكْعَةٍ عَلَى الْمَذْهَبِ) وَلَوْ لِلْقِيَامِ الثَّانِي مِنْ صَلَاةِ الْخُسُوفِ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِهِ لِلْقِرَاءَةِ، وَقَدْ حَصَلَ الْفَصْلُ بَيْنَ الْقِرَاءَتَيْنِ بِالرُّكُوعِ وَغَيْرِهِ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ} [النحل: 98] أَيْ أَرَدْت قِرَاءَتَهُ {فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [النحل: 98] حَتَّى لَوْ قَرَأَ خَارِجَ الصَّلَاةِ اُسْتُحِبَّ لَهُ الِابْتِدَاءُ بِالتَّعَوُّذِ وَالتَّسْمِيَةِ، سَوَاءٌ افْتَتَحَ مِنْ أَوَّلِ سُورَةٍ أَمْ مِنْ أَثْنَائِهَا، كَذَا رَأَيْته فِي زِيَادَاتِ أَبِي عَاصِمٍ الْعَبَّادِيِّ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَخَارِجِهَا (قَوْلُهُ: فِي الِافْتِتَاحِ) أَيْ فِي قَوْلِهِ: وَأَمِنَ فَوَاتَ الصَّلَاةِ أَوْ الْأَدَاءِ إلَخْ (قَوْلُهُ: مَا عَدَا الْجُلُوسَ) أَيْ أَمَّا لَوْ أَدْرَكَهُ فِيهِ فَإِنَّهُ يَجْلِسُ مِنْهُ، ثُمَّ إذَا قَامَ تَعَوَّذَ، بِخِلَافِ مَا مَرَّ فِي الِافْتِتَاحِ فَإِنَّهُ حَيْثُ أَدْرَكَهُ فِي غَيْرِ الْقِيَامِ لَا يَأْتِي بِالِافْتِتَاحِ كَمَا تَقَدَّمَ.
أَقُولُ: وَلَمْ يَتَقَدَّمْ لِلْجُلُوسِ مَعَهُ ذَكَرَ فِي كَلَامِهِ فَلَعَلَّهُ مَذْكُورٌ فِي الشُّرُوطِ فِي كَلَامِ غَيْرِهِ، وَمِثْلُ الْجُلُوسِ مَا لَوْ أَدْرَكَهُ فِي غَيْرِهِ مِمَّا لَا يَقْرَأُ فِيهِ عَقِبَ إحْرَامِهِ كَالِاعْتِدَالِ وَتَابَعَهُ فِيهِ (قَوْلُهُ: وَيَفُوتُ) أَيْ التَّعَوُّذُ (قَوْلُهُ: وَلَوْ سَهْوًا) خَرَجَ بِهِ مَا لَوْ سَبَقَ لِسَانُهُ فَلَا يَفُوتُ، وَكَذَا يَطْلُبُ إذَا تَعَوَّذَ قَاصِدًا الْقِرَاءَةَ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا بِسَمَاعِ قِرَاءَةِ الْإِمَامِ حَيْثُ طَالَ الْفَصْلُ بِاسْتِمَاعِهِ لِقِرَاءَةِ إمَامِهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَصُرَ الْفَصْلُ فَلَا يَأْتِي بِهِ، وَكَذَا لَا يُعِيدُهُ لَوْ سَجَدَ مَعَ إمَامِهِ لِلتِّلَاوَةِ.
قَالَ حَجّ: لِقِصَرِ الْفَصْلِ.
وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ طَالَ الْفَصْلُ بِالسُّجُودِ أَعَادَ التَّعَوُّذَ وَهُوَ ظَاهِرٌ اهـ. ثُمَّ رَأَيْت مَا يَأْتِي عَنْ سم (قَوْلُهُ: بِحَيْثُ يَسْمَعُ نَفْسَهُ) أَيْ فَلَا يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ، وَظَاهِرٌ وَلَوْ قَصَدَ تَعْلِيمَ الْمَأْمُومِينَ لِلتَّعَوُّذِ وَالِافْتِتَاحِ لِإِمْكَانِ ذَلِكَ إمَّا قَبْلَ الصَّلَاةِ وَإِمَّا بَعْدَهَا (قَوْلُهُ: وَيُفَارِقُ ذَلِكَ التَّأْمِينُ) أَيْ حَيْثُ يَجْهَرُ بِهِ الْمَأْمُومُ فِي الْجَهْرِيَّةِ تَبَعًا لِإِمَامِهِ (قَوْلُهُ: بِالتَّعَوُّذِ وَالتَّسْمِيَةِ) وَهُمَا تَابِعَانِ لِلْقِرَاءَةِ إنْ سِرًّا فَسِرٌّ وَإِنْ جَهْرًا فَجَهْرٌ، لَكِنْ اسْتَثْنَى ابْنُ الْجَزَرِيِّ فِي النَّشْرِ مِنْ الْجَهْرِ بِالتَّعَوُّذِ غَيْرَ الْأَوَّلِ فِي قِرَاءَةِ الْإِدَارَةِ الْمَعْرُوفَةِ الْآنَ بِالْمُدَارَسَةِ فَقَالَ: يُسْتَحَبُّ مِنْهُ الْإِسْرَارُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ جَعْلُ الْقِرَاءَتَيْنِ فِي حُكْمِ الْقِرَاءَةِ الْوَاحِدَةِ اهـ.
وَيَنْبَغِي جَرَيَانُ مِثْلِهِ فِي التَّسْمِيَةِ لِلْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ: أَمْ مِنْ أَثْنَائِهَا) أَيْ وَالْفَرْضُ أَنَّهُ خَارِجُ الصَّلَاةِ، وَفِي كَلَامِ حَجّ: أَنَّ السُّنَّةَ لِمَنْ ابْتَدَأَ مِنْ أَثْنَاءِ السُّورَةِ أَنْ يُبَسْمِلَ، وَكَتَبَ عَلَيْهِ سم: لَكِنْ خَصَّهُ م ر بِخَارِجِهَا فَلْيُحَرَّرْ. أَقُولُ: وَيُوَجَّهُ مَا خَصَّهُ م ر بِأَنَّ
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ بِالشُّرُوطِ الْمُتَقَدِّمَةِ) يَعْنِي: فِي قَوْلِهِ تَمَكَّنَ مِنْهُ بِأَنْ أَدْرَكَ إمَامَهُ إلَخْ، وَيُغْنِي عَنْ هَذَا قَوْلُهُ: قَبِيلَهُ لِمُتَمَكِّنٍ إذْ الشُّرُوطُ بَيَانٌ لِلتَّمَكُّنِ كَمَا أَسْلَفَهُ، عَلَى أَنَّ الشِّهَابَ ابْنَ حَجَرٍ تَرَكَ هَذَا كُلَّهُ هُنَا كَأَنَّهُ لِقِصَرِ زَمَنِ التَّعَوُّذِ (قَوْلُهُ: كَمَا ذَكَرُوهُ فِي بَعْضِهَا) حَقُّ الْعِبَارَةِ كَمَا ذَكَرُوا بَعْضَهَا فِيهِ (قَوْلُهُ: مَا عَدَا الْجُلُوسَ مَعَهُ) أَيْ الْإِمَامِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَذْكُورًا اتِّكَالًا عَلَى فَهْمِ الْمُرَادِ، نَعَمْ حَقُّ الِاسْتِثْنَاءِ مِمَّا مَرَّ أَنْ يَقُولَ إلَّا فِيمَا إذَا أَدْرَكَهُ فِي غَيْرِ الْقِيَامِ (قَوْلُهُ: وَأَفْضَلُ صِيغَةٍ عَلَى الْإِطْلَاقِ) أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِلْقِرَاءَةِ: أَيْ: أَوْ مُطْلَقًا، وَإِلَّا، فَلَا خَفَاءَ أَنَّ التَّعَوُّذَ الْوَارِدَ لِدُخُولِ الْمَسْجِدِ أَوْ الْخُرُوجِ مِنْهُ أَوْ لِدُخُولِ الْخَلَاءِ الْأَفْضَلِ الْمُحَافَظَةُ فِيهِ عَلَى لَفْظِ الْوَارِدِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ لِلْقِيَامِ الثَّانِي) لَا مَوْقِعَ لِهَذِهِ الْغَايَةِ فِي الْمَتْنِ، فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُمَهِّدَ بِقَوْلِهِ لِلْقِرَاءَةِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: اُسْتُحِبَّ لَهُ الِابْتِدَاءُ) يُؤْخَذُ مِنْهُ مَعَ قَوْلِهِ سَوَاءٌ افْتَتَحَ أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ التَّعَوُّذُ لِغَيْرِ الِابْتِدَاءِ، وَالِافْتِتَاحُ
نَقْلًا عَنْ الشَّافِعِيِّ، وَالنَّقْلُ فِي التَّسْمِيَةِ غَرِيبٌ فَتَفَطَّنْ لَهُ (وَالْأُولَى آكَدُ) مِمَّا بَعْدَهَا لِلِاتِّفَاقِ عَلَيْهَا، وَلَا تُسْتَحَبُّ إعَادَتُهُ بَعْدَ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ، وَيُسْتَحَبُّ لِعَاجِزٍ أَتَى بِذِكْرٍ بَدَلَ الْقِرَاءَةِ فِيمَا يَظْهَرُ خِلَافًا لِصَاحِبِ الْمُهِمَّاتِ. وَالطَّرِيقُ الثَّانِي قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا هَذَا.
وَالثَّانِي يَتَعَوَّذُ فِي الْأُولَى فَقَطْ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ فِي الصَّلَاةِ وَاحِدَةٌ، وَلَوْ أَمْكَنَهُ بَعْضُ الِافْتِتَاحِ أَوْ التَّعَوُّذَ أَتَى بِهِ مُحَافَظَةً عَلَى الْمَأْمُورِ بِهِ مَا أَمْكَنَ، وَعَلِمَ عَدَمَ نَدْبِهِمَا لِغَيْرِ الْمُتَمَكِّنِ بِأَنْ اخْتَلَّ فِيهِ شَرْطٌ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ، بَلْ قَدْ يَحْرُمَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا عِنْدَ خَوْفِ ضِيقِ الْوَقْتِ.
(وَتَتَعَيَّنُ الْفَاتِحَةُ) فِي السِّرِّيَّةِ وَالْجَهْرِيَّةِ حِفْظًا أَوْ تَلْقِينًا أَوْ نَظَرًا فِي مُصْحَفٍ (فِي كُلِّ رَكْعَةٍ) فِي قِيَامِهَا، وَمِنْهُ الْقِيَامُ الثَّانِي مِنْ رَكْعَتَيْ صَلَاةِ الْخُسُوفِ، أَوْ بَدَلَهُ لِلْمُنْفَرِدِ وَغَيْرِهِ فَرْضًا كَانَتْ أَوْ نَفْلًا، لِخَبَرِ «لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» وَيَدُلُّ عَلَى دُخُولِ الْمَأْمُومِينَ فِي الْعُمُومِ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
مَا أَتَى بِهِ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ مِنْ الْقِرَاءَةِ فِي صَلَاتِهِ يُعَدُّ مَعَ الْفَاتِحَةِ كَأَنَّهُ قِرَاءَةٌ وَاحِدَةٌ، وَالْقِرَاءَةُ الْوَاحِدَةُ لَا يُطْلَبُ التَّعَوُّذُ وَلَا التَّسْمِيَةُ فِي أَثْنَائِهَا.
نَعَمْ لَوْ عَرَضَ لَلْمُصَلَّيْ مَا مَنَعَهُ مِنْ الْقِرَاءَةِ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ ثُمَّ زَالَ وَأَرَادَ الْقِرَاءَةَ بَعْدُ سُنَّ لَهُ الْإِتْيَانُ بِالْبَسْمَلَةِ لِأَنَّ مَا يَفْعَلُهُ ابْتِدَاءً قِرَاءَةٌ الْآنَ (قَوْلُهُ: وَالْأُولَى آكَدُ) لَوْ تَعَارَضَ عَلَيْهِ التَّعَوُّذُ وَدُعَاءُ الِافْتِتَاحِ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُهُ إلَّا أَحَدُهُمَا دُونَ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا فَهَلْ يُرَاعَى الِافْتِتَاحُ لِسَبَقِهِ أَوْ التَّعَوُّذِ لِأَنَّهُ لِلْقِرَاءَةِ الْأَفْضَلُ وَالْوَاجِبَةُ؟ فِيهِ نَظَرٌ اهـ سم عَلَى حَجّ.
أَقُولُ الْأَقْرَبُ الثَّانِي لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ التَّحَفُّظُ مِنْ الشَّيْطَانِ، وَأَيْضًا فَهُوَ مَطْلُوبٌ لِكُلِّ قِرَاءَةٍ، وَفِي حَوَاشِي شَرْحِ الرَّوْضِ لِوَالِدِ الشَّارِحِ: لَوْ أَمْكَنَهُ الْإِتْيَانُ بِبَعْضِ التَّعَوُّذِ أَتَى بِهِ.
أَقُولُ: وَهُوَ صَادِقٌ بِأَنْ يَأْتِيَ بِالشَّيْطَانِ أَوْ بِالرَّجِيمِ فَقَطْ، وَلَعَلَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ وَأَنَّ الْمُرَادَ الْإِتْيَانُ بِأَعُوذُ بِاَللَّهِ (قَوْلُهُ: بَعْدَ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ) أَيْ لِقُرْبِ الْفَصْلِ اهـ حَجّ.
وَكَتَبَ عَلَيْهِ سم: قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ أَطَالَهُ أَعَادَ التَّعَوُّذَ، وَهُوَ الْأَوْجَهُ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ، وَقِيَاسُهُ إعَادَةُ الْبَسْمَلَةِ اهـ.
قَالَ حَجّ: وَكَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ كُلُّ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْقِرَاءَةِ اهـ: أَيْ كَتَسْبِيحِ مَنْ نَابَهُ شَيْءٌ فِي صَلَاتِهِ، وَقَوْلُهُ وَيُسْتَحَبُّ: أَيْ التَّعَوُّذُ (قَوْلُهُ: أَحَدُهُمَا هَذَا) أَيْ أَنَّهُ يَتَعَوَّذُ كُلَّ رَكْعَةٍ (قَوْلُهُ: الِافْتِتَاحُ أَوْ التَّعَوُّذُ) أَيْ بِأَنْ خَافَ مِنْ الْإِتْيَانِ بِهِمَا رُكُوعَ الْإِمَامِ وَهُوَ فِي أَثْنَاءِ الْفَاتِحَةِ (قَوْلُهُ: أَوْ أَحَدُهُمَا عِنْدَ خَوْفِ ضِيقِ الْوَقْتِ) أَيْ بِأَنْ أَحْرَمَ بِهَا وَقَدْ بَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ مَا لَا يَسَعُهَا، وَإِلَّا فَقَدْ مَرَّ أَنَّهُ يَأْتِي بِالسُّنَنِ إذَا أَحْرَمَ فِي وَقْتٍ يَسَعُهَا وَإِنْ لَزِمَ صَيْرُورَتُهَا قَضَاءً، لَكِنْ يُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ إذَا خَافَ فَوْتَ الْوَقْتِ بِأَنْ خَافَ خُرُوجَ بَعْضِ الصَّلَاةِ عَنْ وَقْتِهَا عَلَى مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّوْضِ السَّابِقِ فَإِنَّهُ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ إذَا شَرَعَ فِيهَا فِي وَقْتٍ يَسَعُهَا كَامِلَةً بِدُونِ دُعَاءِ الِافْتِتَاحِ، وَيَخْرُجُ بَعْضُهَا بِتَقْدِيرِ الْإِتْيَانِ بِهِ تَرَكَهُ وَصَرَّحَ بِمِثْلِهِ حَجّ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ سم فِي شَرْحِ الْغَايَةِ: يُسْتَثْنَى مِنْ السُّنَنِ دُعَاءُ الِافْتِتَاحِ فَلَا يَأْتِي بِهِ إلَّا حَيْثُ لَمْ يَخَفْ خُرُوجَ شَيْءٍ مِنْ الصَّلَاةِ عَنْ وَقْتِهَا اهـ.
وَعَلَيْهِ فَيُمْكِنُ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ بَقِيَّةِ السُّنَنِ بِأَنَّهُ عَهِدَ طَلَبَ تَرْكِ دُعَاءِ الِافْتِتَاحِ فِي الْجِنَازَةِ، وَفِيمَا لَوْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي رُكُوعٍ أَوْ اعْتِدَالٍ فَانْحَطَّتْ رُتْبَتُهُ عَنْ بَقِيَّةِ السُّنَنِ، أَوْ بِأَنَّ السُّنَنَ شُرِعَتْ مُسْتَقِلَّةً وَلَيْسَتْ مُقَدِّمَةً لِشَيْءٍ، بِخِلَافِ دُعَاءِ الِافْتِتَاحِ فَإِنَّهُ شُرِعَ مُقَدِّمَةً لِغَيْرِهِ.
(قَوْلُهُ: وَتَتَعَيَّنُ الْفَاتِحَةُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ) .
[فَرْعٌ] وَقَعَ السُّؤَالُ فِي الدَّرْسِ عَمَّا لَوْ انْبَهَمَتْ عَلَيْهِ الْفَاتِحَةُ فِي الْقُرْآنِ بِأَنْ كَانَ يَحْفَظُ السُّوَرَ وَلَا يَعْرِفُ أَسْمَاءَهَا، وَأُعْلِمَ بِأَنَّ الصَّلَاةَ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ وَأَنَّهَا لَا تَصِحُّ بِدُونِ الْفَاتِحَةِ وَلَمْ يَجِدْ مَنْ يُوقِفُهُ عَلَيْهَا فَهَلْ يَجْتَهِدُ أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْهُ بِأَنَّ الْأَقْرَبَ أَنْ يَجْتَهِدَ، فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ دَلِيلٌ لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ إلَّا بِقِرَاءَةِ جَمِيعِ الْقُرْآنِ لِيَتَحَقَّقَ بِقِرَاءَتِهِ أَنَّهُ أَتَى بِالْوَاجِبِ قِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ اشْتَغَلَتْ ذِمَّتُهُ بِمَنْذُورٍ وَانْبَهَمَ عَلَيْهِ هَلْ هُوَ عِتْقٌ أَوْ صَلَاةٌ أَوْ زَكَاةٌ فَإِنَّهُ لَا يَخْرُجُ عَنْ ذَلِكَ
ــ
[حاشية الرشيدي]
كَأَنْ شَرَعَ فِي قِرَاءَةٍ بَعْدَ أَنْ كَانَ فِي قِرَاءَةٍ أُخْرَى، وَبِهِ يُعْلَمُ مَا فِي حَاشِيَةِ الشَّيْخِ (قَوْلُهُ: بَعْضَ الِافْتِتَاحِ) أَيْ إنْ أَتَى
مَا صَحَّ عَنْ عُبَادَةَ «كُنَّا خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ فَثَقُلَتْ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةُ، فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ: لَعَلَّكُمْ تَقْرَءُونَ خَلْفِي؟ قُلْنَا نَعَمْ، قَالَ: لَا تَفْعَلُوا إلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ فَإِنَّهُ لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِهَا» وَخَبَرُ «مَنْ صَلَّى خَلْفَ إمَامٍ فَقِرَاءَةُ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ» ضَعِيفٌ عِنْدَ الْحُفَّاظِ كَمَا بَيَّنَهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَغَيْرُهُ، وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} [المزمل: 20] فَوَارِدٌ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ أَوْ مَحْمُولٌ كَخَبَرِ «ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ» عَلَى الْفَاتِحَةِ لِمَا صَحَّ مِنْ قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام لِلْمُسِيءِ صَلَاتَهُ «كَبِّرْ ثُمَّ اقْرَأْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ ثُمَّ افْعَلْ ذَلِكَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ» أَوْ عَلَى الْعَاجِزِ عَنْهَا جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ، وَخَبَرِ مُسْلِمٍ «وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا» مَحْمُولٌ عَلَى السُّورَةِ لِحَدِيثِ عُبَادَةَ وَغَيْرِهِ، وَدَلَّ عَلَى أَنَّ مَحَلَّهَا الْقِيَامُ فَلَا تُجْزِئُ فِي نَحْوِ الرُّكُوعِ مَا صَحَّ مِنْ قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «إنِّي نُهِيت أَنْ أَقْرَأَ الْقُرْآنَ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا» وَلِشَرَفِ الْفَاتِحَةِ عَلَى غَيْرِهَا كَثُرَتْ أَسْمَاؤُهَا، فَقَدْ ذَكَرْت لَهَا فِي شَرْحِ شُرُوطِ الْإِمَامَةِ ثَلَاثِينَ اسْمًا (إلَّا رَكْعَةَ مَسْبُوقٍ) بِهَا حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا فَلَا تَتَعَيَّنُ فِيهَا بَلْ يَتَحَمَّلُهَا عَنْهُ إمَامُهُ، إذْ الْأَصَحُّ أَنَّهَا وَجَبَتْ عَلَيْهِ فَيُدْرِكُ الرَّكْعَةَ بِإِدْرَاكِهِ مَعَهُ رُكُوعَهُ الْمَحْسُوبَ لَهُ كَمَا يَأْتِي بَيَانُهُ مَعَ ذِكْرِ مَنْ فِي مَعْنَاهُ مِنْ كُلِّ مُتَخَلِّفٍ بِعُذْرٍ كَزَحْمَةٍ وَنِسْيَانٍ لِلصَّلَاةِ لَا لِقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
إلَّا بِالْإِتْيَانِ بِالْجَمِيعِ (قَوْلُهُ: فَثَقُلَتْ عَلَيْهِ) أَيْ شَقَّتْ عَلَيْهِ لِكَثْرَةِ الْأَصْوَاتِ خَلْفَهُ، وَقَوْلُهُ «لَعَلَّكُمْ تَقْرَءُونَ خَلْفِي» ، وَإِنَّمَا لَمْ يَنْهَهُمْ مِنْ الْقِرَاءَةِ خَلْفَهُ ابْتِدَاءً مَعَ أَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ سَمِعَ قِرَاءَتَهُمْ تَلَطُّفًا بِهِمْ عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ عَادَتُهُ صلى الله عليه وسلم مَعَهُمْ فِي تَعْلِيمِهِمْ الْأَحْكَامَ (قَوْلُهُ: لَمَّا صَحَّ مِنْ قَوْلِهِ) أَيْ فِي رِوَايَةِ غَيْرِ الشَّيْخَيْنِ لِمَا مَرَّ لَهُ مِنْ أَنَّ رِوَايَتَهُمَا: ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ (قَوْلُهُ: فَقَدْ ذَكَرْت لَهَا فِي شَرْحِ شُرُوطِ الْإِمَامَةِ) عِبَارَتُهُ ثُمَّ وَالْفَاتِحَةُ لَهَا ثَلَاثُونَ اسْمًا: أَشْهَرُهَا الْفَاتِحَةُ، الثَّانِي: الْحَمْدُ لِلَّهِ، الثَّالِثُ: أُمُّ الْكِتَابِ، الرَّابِعُ: أُمُّ الْقُرْآنِ، الْخَامِسُ: الشِّفَاءُ، السَّادِسُ: الشَّافِيَةُ، السَّابِعُ: تَعْلِيمُ الْمَسْأَلَةِ، الثَّامِنُ الْوَاقِيَةُ، التَّاسِعُ سُورَةُ الْوَفَاءِ، الْعَاشِرُ: الْكَافِيَةُ، الْحَادِيَ عَشَرَ: سُورَةُ الْكَافِيَةِ، الثَّانِي عَشَرَ: الرُّقْيَةُ، الثَّالِثَ عَشَرَ: الْأَسَاسُ، الرَّابِعَ عَشَرَ: الصَّلَاةُ، الْخَامِسَ عَشَرَ: سُورَةُ الصَّلَاةِ، السَّادِسَ عَشَرَ: سُورَةُ الْكَنْزِ، السَّابِعَ عَشَرَ: سُورَةُ الثَّنَاءِ، الثَّامِنَ عَشَرَ: سُورَةُ التَّفْوِيضِ، التَّاسِعَ عَشَرَ: الْمَثَانِي، الْعِشْرُونَ: الْقُرْآنُ الْعَظِيمُ، الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ: الْمُجْزِئَةُ، الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ: سُورَةُ الْإِجْزَاءِ، الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ: الْمُنَجِّيَةُ، الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ: النَّجَاةُ، الْخَامِس وَالْعِشْرُونَ: سُورَةُ الرَّحْمَةِ، السَّادِسُ وَالْعِشْرُونَ: سُورَةُ النِّعْمَةِ، السَّابِع وَالْعِشْرُونَ: سُورَةُ الِاسْتِعَانَةِ، الثَّامِنُ وَالْعِشْرُونَ: سُورَةُ الْهِدَايَةِ، التَّاسِع وَالْعِشْرُونَ: سُورَةُ الْجَزَاءِ، الثَّلَاثُونَ: سُورَةُ الشُّكْرِ اهـ.
وَعَلَيْهِ فَلَوْ نَذَرَ قِرَاءَةَ سُورَةِ الشُّكْرِ مَثَلًا انْصَرَفَ إلَى الْفَاتِحَةِ (قَوْلُهُ: حَقِيقَةً) أَيْ كَأَنْ وَجَدَهُ رَاكِعًا وَقَوْلُهُ أَوْ حُكْمًا: أَيْ كَأَنْ زَحَمَ عَنْ السُّجُودِ (قَوْلُهُ فَيُدْرِكُ الرَّكْعَةَ بِإِدْرَاكِهِ) أَيْ وَهَلْ يُثَابُ عَلَى الْقِرَاءَةِ الَّتِي فَاتَتْهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي لِأَنَّ الثَّوَابَ عَلَى الْفِعْلِ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ وَمِنْ ثَمَّ قَالُوا يَتَحَمَّلُ عَنْهُ الْقِرَاءَةَ، وَالتَّحَمُّلُ عِبَارَةٌ عَنْ عَدَمِ الْمُؤَاخَذَةِ بِتَرْكِهِ وَصِحَّةِ الصَّلَاةِ بِدُونِ الْقِرَاءَةِ (قَوْلُهُ: مِنْ كُلِّ مُتَخَلِّفٍ بِعُذْرٍ إلَخْ) الْأَوْلَى إدْرَاجُ هَذَا فِي الْمَسْبُوقِ حُكْمًا كَأَنْ يَقُولَ: وَسَيَأْتِي أَنَّ مِنْ الْمَسْبُوقِ حُكْمًا كُلُّ مُتَخَلِّفٍ بِعُذْرٍ، أَوْ يَجْعَلُهُ مَثَلًا لِقَوْلِهِ أَوْ حُكْمًا فَيَقُولُ كَمُتَخَلِّفٍ بِعُذْرٍ (قَوْلُهُ: لَا لِقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ) مُحْتَرَزٌ لِلصَّلَاةِ: أَيْ فَلَا يَكُونُ مُتَخَلِّفًا بِعُذْرٍ، بَلْ إذَا تَذَكَّرَ الْفَاتِحَةَ
ــ
[حاشية الرشيدي]
بِهِ كَمَا يَأْتِي
(قَوْلُهُ: فَثَقُلَتْ عَلَيْهِ) أَيْ شَقَّتْ لِكَثْرَةِ الْأَصْوَاتِ خَلْفَهُ، قَالَهُ شَيْخُنَا فِي الْحَاشِيَةِ، وَلَا يُنَافِيهِ التَّرَجِّي فِي قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «لَعَلَّكُمْ تَقْرَءُونَ خَلْفِي» لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ كَانَ يَسْمَعُ الْأَصْوَاتِ وَلَا يُمَيِّزُ مَا يَقُولُونَ (قَوْلُهُ: فَلَا تَتَعَيَّنُ) أَشَارَ بِهِ إلَى دَفْعِ مَا قِيلَ إنَّ ظَاهِرَ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ عَدَمُ وُجُوبِهَا عَلَيْهِ بِالْكُلِّيَّةِ عَنْهُ (قَوْلُهُ: كَمَا يَأْتِي بَيَانُهُ أَيْ الْمَسْبُوقُ الْحَقِيقِيُّ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ مَعَ مَنْ فِي مَعْنَاهُ، فَفِي عِبَارَتِهِ مُسَامَحَةٌ؛ لِأَنَّهَا تُوهِمُ أَنَّ الْمَسْبُوقَ الْحُكْمِيَّ غَيْرُ مَنْ فِي مَعْنَى الْمَسْبُوقِ وَظَاهِرٌ أَنَّهُ هُوَ (قَوْلُهُ: لَا لِقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ) يُخَالِفُ مَا يَأْتِي لَهُ فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ، وَهُوَ سَاقِطٌ فِي بَعْضِ النُّسَخِ
وَبُطْءِ حَرَكَةٍ وَشَكٍّ فِي قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ بَعْدَ رُكُوعِ إمَامِهِ فَلَمْ يَزُلْ عُذْرُهُ حَتَّى سَبَقَهُ الْإِمَامُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَرْكَانٍ طَوِيلَةٍ وَزَالَ عُذْرُهُ وَالْإِمَامُ رَاكِعٌ أَوْ هَاوٍ لِلرُّكُوعِ وَحِينَئِذٍ فَقَدْ يُتَصَوَّرُ سُقُوطُ الْفَاتِحَةِ فِي سَائِرِ الرَّكَعَاتِ، وَمَا قَرَرْنَاهُ هُنَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا ذَكَرَهُ الشَّيْخَانِ، وَإِنْ وَقَعَ فِي عِبَارَةِ الشَّيْخِ مَا يُخَالِفُهُ، وَلَوْ نَوَى مُفَارَقَةَ إمَامِهِ بَعْدَ الرَّكْعَةِ الْأُولَى ثُمَّ اقْتَدَى بِإِمَامٍ رَاكِعٍ وَقَصَدَ بِذَلِكَ إسْقَاطَ الْفَاتِحَةِ عَنْهُ صَحَّتْ فِي أَوْجُهٍ احْتِمَالَيْنِ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَاسْتَقَرَّ رَأْيُهُ عَلَيْهِ آخِرًا.
(وَالْبَسْمَلَةُ آيَةٌ) كَامِلَةٌ (مِنْهَا) أَيْ الْفَاتِحَةِ عَمَلًا لِمَا صَحَّ مِنْ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «إذَا قَرَأْتُمْ بِالْفَاتِحَةِ فَاقْرَءُوا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فَإِنَّهَا أُمُّ الْقُرْآنِ وَالسَّبْعُ الْمَثَانِي، وَبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إحْدَى آيَاتِهَا» وَيُجْهَرُ بِهَا حَيْثُ يُجْهَرُ بِالْفَاتِحَةِ لِلِاتِّبَاعِ، رَوَاهُ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ صَحَابِيًّا بِطُرُقٍ ثَابِتَةٍ كَمَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَقَوْلُ أَنَسٍ:
ــ
[حاشية الشبراملسي]
وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَخَلَّفَ وَيَقْرَأَهَا، فَإِنْ فَرَغَ مِنْهَا قَبْلَ تَمَامِ رُكْنَيْنِ فِعْلِيَّيْنِ مِنْ الْإِمَامِ فَذَاكَ وَإِلَّا وَجَبَتْ الْمُفَارَقَةُ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ حَتَّى هَوَى الْإِمَامُ لِلسُّجُودِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ كَمَا هُوَ شَأْنُ كُلِّ مُتَخَلِّفٍ بِغَيْرِ عُذْرٍ، لَكِنْ نُقِلَ عَنْ الزِّيَادِيِّ أَنَّ نِسْيَانَ الْقِرَاءَةِ كَنِسْيَانِ الصَّلَاةِ، وَهُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ إطْلَاقِ غَيْرِ الشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَيَتَخَلَّفُ لِقِرَاءَتِهَا وَيُغْتَفَرُ لَهُ ثَلَاثَةُ أَرْكَانٍ طَوِيلَةٍ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَيَدُلُّ لَهُ قَوْلُ الشَّارِحِ فِي فَصْلٍ تَجِبُ مُتَابَعَةُ الْإِمَامِ بَعْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَإِنْ كَانَ عُذْرٌ إلَخْ، أَوْ سَهَا عَنْهَا: أَيْ الْقِرَاءَةُ حَتَّى رَكَعَ إمَامُهُ اهـ.
وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا هُنَا.
وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ إسْقَاطُ لَا لِقِرَاءَةٍ وَعَلَيْهَا فَلَا مُخَالَفَةَ بَيْنَ كَلَامَيْهِ وَعَلَى تَسْلِيمِهَا يُمْكِنُ أَنْ يُفَرَّقَ بِأَنَّ نِسْيَانَ الصَّلَاةِ يَكْثُرُ بِخِلَافِ نِسْيَانِ الْقِرَاءَةِ فَإِنَّهُ يُعَدُّ مُقَصِّرًا فِيهِ (قَوْلُهُ: وَبُطْءِ حَرَكَةٍ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ كَزَحْمَةٍ (قَوْلُهُ: فَلَمْ يَزُلْ عُذْرُهُ) أَيْ وَهُوَ مَا اشْتَغَلَ بِهِ مِنْ الْقِرَاءَةِ أَوْ فِعْلِ الْأَرْكَانِ فِيمَا لَوْ كَانَ بَطِيءَ الْحَرَكَةِ (قَوْلُهُ أَوْ هَاوٍ) أَيْ مِنْ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مَثَلًا، وَقَوْلُهُ فَلَمْ يَزُلْ عُذْره، قَضِيَّتُهُ أَنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ إذَا زَحَمَ عَنْ السُّجُودِ فَانْتَظَرَ زَوَالَ الزَّحْمَةِ أَوْ شَكَّ فِي الْقِرَاءَةِ فَشَرَعَ فِيهَا فَلَمْ تَزُلْ الزَّحْمَةُ وَلَا فَرَغَ مِنْ الْقِرَاءَةِ حَتَّى سَبَقَهُ الْإِمَامُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَرْكَانٍ صَارَ مَسْبُوقًا، وَالْمُطَابِقُ لِمَا يَأْتِي فِي مُتَابَعَةِ الْإِمَامِ تَصْوِيرُ ذَلِكَ بِمَا إذَا زَالَتْ الزَّحْمَةُ أَوْ فَرَغَ مِنْ الْقِرَاءَةِ قَبْلَ أَنْ يَسْبِقَهُ الْإِمَامُ بِمَا ذُكِرَ فَسَعَى عَلَى نَظْمِ صَلَاةِ نَفْسِهِ حَتَّى فَرَغَ الْمَأْمُومُ مِنْ السُّجُودِ فَقَامَ وَجَدَ الْإِمَامَ رَاكِعًا فَيَرْكَعُ مَعَهُ، وَمِنْ ثَمَّ صَوَّرَ شَيْخُنَا الزِّيَادِيُّ كَوْنَهُ يَصِيرُ مَسْبُوقًا بِمَا ذُكِرَ (قَوْلُهُ: فَقَدْ يُتَصَوَّرُ سُقُوطُ الْفَاتِحَةِ) أَيْ بِأَسْبَابٍ مُخْتَلِفَةٍ بِأَنْ أَدْرَكَهُ فِي رُكُوعِ الْأُولَى فَسَقَطَتْ عَنْهُ الْفَاتِحَةُ لِكَوْنِهِ مَسْبُوقًا، ثُمَّ حَصَلَ لَهُ زَحْمَةٌ عَنْ السُّجُودِ فِيهَا فَتَمَكَّنَ مِنْهُ قَبْلَ أَنْ يَرْكَعَ الْإِمَامُ فِي الثَّانِيَةِ فَأَتَى بِهِ، ثُمَّ قَامَ مِنْ السُّجُودِ وَجَدَهُ رَاكِعًا فِي الثَّانِيَةِ وَهَكَذَا تَأَمَّلْ اهـ زِيَادِيٌّ (قَوْلُهُ: وَإِنْ وَقَعَ فِي عِبَارَةِ الشَّيْخِ) لَعَلَّهُ فِي غَيْرِ شَرْحِ الْمَنْهَجِ (قَوْلُهُ: ثُمَّ اقْتَدَى بِإِمَامٍ رَاكِعٍ) وَمِثْلُهُ مَا لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ فِي بَقِيَّةِ الرَّكَعَاتِ.
(قَوْلُهُ: وَالسَّبْعُ الْمَثَانِي) أَيْ لِأَنَّهَا تُثْنَى فِي الصَّلَاةِ
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: فَلَمْ يَزَلْ عُذْرُهُ) يَعْنِي: لَمْ يَفْرُغْ مِنْ قِرَاءَتِهِ فِي مَسْأَلَتَيْ الشَّكِّ وَالنِّسْيَانِ وَلَمْ تَزَلْ الزَّحْمَةُ مِنْ مَسْأَلَتِهَا وَلَمْ تَتِمَّ الْأَرْكَانُ فِي مَسْأَلَةِ الْبُطْءِ (قَوْلُهُ: حَتَّى سَبَقَهُ الْإِمَامُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَرْكَانٍ إلَخْ) يَعْنِي: أَنَّهُ فَرَغَ مِنْ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ قَبْلَ انْفِصَالِ الْإِمَامِ عَنْ السُّجُودِ الثَّانِي وَاشْتَغَلَ بِالرُّكُوعِ وَبِمَا بَعْدَهُ فَلَمْ يَفْرُغْ مِنْ ذَلِكَ إلَّا وَالْإِمَامُ رَاكِعٌ فِي مَسَائِلِ الشَّكِّ وَالنِّسْيَانِ (قَوْلُهُ: وَحِينَئِذٍ فَقَدْ يُتَصَوَّرُ) سُقُوطُ الْفَاتِحَةِ فِي سَائِرِ الرَّكَعَاتِ هُوَ ظَاهِرٌ فِي مَسْأَلَتَيْ الزَّحْمَةِ وَبُطْءِ الْحَرَكَةِ لَا فِي مَسْأَلَتَيْ الشَّكِّ وَالنِّسْيَانِ، إذْ يُتَصَوَّرُ فِي الْأُولَيَيْنِ أَنْ يَكُونَ مَسْبُوقًا فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى فَسَقَطَتْ عَنْهُ الْفَاتِحَةُ، ثُمَّ حَصَلَ لَهُ الْعُذْرُ فِي غَيْرِهَا فَسَقَطَتْ عَنْهُ الْفَاتِحَةُ أَيْضًا، بِخِلَافِ الْأُخْرَيَيْنِ إذْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةُ عِنْدَ التَّذَكُّرِ كَمَا يَأْتِي
وَقَوْلُهُ صَلَّيْت مَعَ هَؤُلَاءِ وَعُثْمَانَ فَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا مِنْهُمْ يَقُولُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، رِوَايَةٌ لِلَّفْظِ الْأَوَّلِ بِالْمَعْنَى الَّذِي عَبَّرَ عَنْهُ الرَّاوِي بِمَا ذُكِرَ بِحَسَبِ مَا فَهِمَ، وَأَيْضًا فَهُوَ مُعَارَضٌ بِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما:«كَانَ صلى الله عليه وسلم يَسْتَفْتِحُ الصَّلَاةَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ» ، وَبِمَا تَقَدَّمَ عَنْ الصَّحَابَةِ الْمَذْكُورِينَ، عَلَى أَنَّ ابْنَ عَبْدِ الْبَرِّ قَالَ: لَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ لِتَلَوُّنِهِ وَاضْطِرَابِهِ فَإِنَّهُ صَحَّ عَنْهُ بِعِبَارَاتٍ مُخْتَلِفَةِ الْمَعَانِي، مِنْهَا أَنَّهُ قَالَ: كَبَّرْتُ وَنَسِيتُ، وَأَنَّهُ سُئِلَ أَكَانَ عليه الصلاة والسلام يَسْتَفْتِحُ بِالْحَمْدَلَةِ أَمْ بِالْبَسْمَلَةِ؟ فَقَالَ وَإِنَّك لَتَسْأَلُنِي عَنْ شَيْءٍ لَا أَحْفَظُهُ، وَمَا سَأَلَنِي عَنْهُ أَحَدٌ قَبْلَك، فَجَزَمَ تَارَةً بِالْإِثْبَاتِ، وَتَارَةً بِالنَّفْيِ، وَتَارَةً تَوَقَّفَ وَكُلُّهَا صَحِيحَةٌ، فَلَمَّا اضْطَرَبَتْ وَتَعَارَضَتْ سَقَطَتْ وَرَجَّحْنَا الْإِثْبَاتَ لِلْقَاعِدَةِ وَالْجَهْرَ، لِأَنَّ رُوَاتَهُ أَكْثَرُ وَتَرْكُهُ عليه الصلاة والسلام لِلْجَهْرِ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ لِبَيَانِ الْجَوَازِ.
وَالْبَسْمَلَةُ آيَةٌ أَوَّلُ كُلِّ سُورَةٍ سِوَى بَرَاءَةَ لِمَا صَحَّ مِنْ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «أُنْزِلَتْ عَلَيَّ آنِفًا سُورَةٌ فَقَرَأَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} [الكوثر: 1] إلَى آخِرِهَا» وَلِأَنَّ الصَّحَابَةَ أَجْمَعُوا عَلَى إثْبَاتِهَا فِي الْمُصْحَفِ بِخَطِّهِ فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ سِوَى بَرَاءَةَ دُونَ الْأَعْشَارِ وَتَرَاجِمِ السُّوَرِ وَالتَّعَوُّذِ فَلَوْ لَمْ تَكُنْ قُرْآنًا لَمَا أَجَازُوا ذَلِكَ لِكَوْنِهِ يُحْمَلُ عَلَى اعْتِقَادِ مَا لَيْسَ بِقُرْآنٍ قُرْآنًا، وَلَوْ كَانَتْ لِلْفَصْلِ لَأُثْبِتَتْ أَوَّلَ بَرَاءَةَ وَلَمْ تَثْبُتْ أَوَّلَ الْفَاتِحَةِ، وَمَا قِيلَ مِنْ أَنَّ الْقُرْآنَ إنَّمَا يَثْبُتُ بِالتَّوَاتُرِ رُدَّ بِأَنَّ مَحَلَّهُ فِيمَا يَثْبُتُ قُرْآنًا قَطْعًا، أَمَّا مَا يَثْبُتُ قُرْآنًا حُكْمًا فَيَكْفِي فِيهِ الظَّنُّ كَمَا يَكْفِي فِي كُلِّ ظَنِّيٍّ عَلَى أَنَّ إثْبَاتَهَا فِي الْمُصْحَفِ بِخَطِّهِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ فِي مَعْنَى التَّوَاتُرِ، وَأَيْضًا فَقَدْ يَثْبُتُ التَّوَاتُرُ عِنْدَ قَوْمٍ دُونَ غَيْرِهِمْ.
لَا يُقَالُ:
ــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: أَيْ سُورَةُ الْحَمْدِ) خَبَرٌ لِقَوْلِهِ وَقَوْلُ أَنَسٍ إلَخْ (قَوْلُهُ: لَا آلُو) أَيْ لَا أُقَصِّرُ بَلْ أَجْتَهِدُ حَدَّ الِاجْتِهَادِ فِي الِاقْتِدَاءِ بِهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ الْمَمْدُودَةِ وَضَمِّ اللَّامِ (قَوْلُهُ: لِتَلَوُّنِهِ) أَيْ الْحَدِيثِ (قَوْلُهُ: وَاضْطِرَابِهِ) تَفْسِيرٌ (قَوْلُهُ: عَنْهُ) أَيْ أَنَسٍ (قَوْلُهُ فَقَالَ) أَيْ لِلسَّائِلِ (قَوْلُهُ: وَالْبَسْمَلَةُ آيَةٌ أَوَّلُ كُلِّ سُورَةٍ) وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي التِّبْيَانِ مَا حَاصِلُهُ: وَعَلَى هَذَا لَوْ أَسْقَطَ الْقَارِئُ الْبَسْمَلَةَ فِي قِرَاءَةِ الْأَسْبَاعِ أَوْ الْأَجْزَاءِ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا مِنْ الْمَعْلُومِ الَّذِي شَرَطَهُ الْوَاقِفُ وَيُوَجَّهُ بِأَنَّ الْوَاقِفَ إنَّمَا شَرَطَ لِمَنْ يَقْرَأُ سُورَةَ يس مَثَلًا، وَمَنْ تَرَكَ الْبَسْمَلَةَ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَمْ يَقْرَأْ السُّورَةَ، الْمَشْرُوطَةَ وَقِيَاسُ مَا فِي الْإِجَارَةِ مِنْ أَنَّ مَنْ اُسْتُؤْجِرَ لِعَمَلٍ فَيَأْتِي بِبَعْضِهِ وَوَقَعَ مُسَلِّمًا لِلْمُسْتَأْجَرِ اسْتَحَقَّ الْقِسْطَ مِنْ الْمُسَمَّى أَنَّهُ هُنَا كَذَلِكَ، وَقَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ مَدَارَ الِاسْتِحْقَاقِ هُنَا عَلَى مَا شَرَطَهُ الْوَاقِفُ وَهُوَ لَمْ يُوجَدْ فَلَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا (قَوْلُهُ: سِوَى بَرَاءَةَ) أَيْ فَلَوْ أَتَى بِهَا فِي أَوَّلِهَا كَانَ مَكْرُوهًا خِلَافًا لحج حَيْثُ قَالَ بِالْحُرْمَةِ (قَوْلُهُ بِخَطِّهِ) أَيْ الْمُصْحَفِ فِي الْكَيْفِيَّةِ وَاللَّوْنِ لَا مُتَمَيِّزَةً عَنْهُ بِلَوْنٍ أَوْ كَيْفِيَّةٍ (قَوْلُهُ: وَتَرَاجِمِ السُّوَرِ) وَإِثْبَاتِ نَحْوَ أَسْمَاءِ السُّوَرِ وَالْأَعْشَارِ مِنْ بِدَعِ الْحَجَّاجِ اهـ حَجّ.
وَمُرَادُهُ بِذَلِكَ إثْبَاتُهَا فِي الْمَصَاحِفِ لَا أَنَّهُ اخْتَرَعَ أَسْمَاءَهَا لِمَا صَحَّ أَنَّهَا كُلَّهَا تَوْقِيفِيَّةٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَتْ لِلْفَصْلِ) أَيْ كَمَا يَقُولُهُ الْحَنَفِيَّةُ (قَوْلُهُ إنَّمَا يَثْبُتُ بِالتَّوَاتُرِ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِي الْبَحْرِ: قَالَ سُلَيْمٌ الرَّازِيّ فِي التَّقْرِيبِ: لَا يُشْتَرَطُ فِي وُقُوعِ الْعِلْمِ بِالتَّوَاتُرِ صِفَاتِ الْمُحَدِّثِينَ، بَلْ يَقَعُ ذَلِكَ بِأَخْبَارِ الْمُسْلِمِينَ وَالْكُفَّارِ وَالْعُدُولِ وَالْفُسَّاقِ وَالْأَحْرَارِ وَالْعَبِيدِ وَالْكِبَارِ وَالصِّغَارِ إذَا اجْتَمَعَتْ الشُّرُوطُ اهـ.
وَعِبَارَةُ سم فِي شَرْحِ الْوَرَقَاتِ الصَّغِيرِ وَهُوَ: أَيْ التَّوَاتُرُ أَنْ يَرْوِيَ جَمَاعَةٌ يَزِيدُونَ عَلَى الْأَرْبَعَةِ كَمَا اعْتَمَدَهُ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ حَيْثُ قَالَ: وَلَا تَكْفِي الْأَرْبَعَةُ وِفَاقًا لِلْقَاضِي أَيْ الْحُسَيْنُ، إذْ هُوَ الْمُرَادُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَمَا زَادَ عَلَيْهَا صَالِحٌ اهـ وَلَوْ فُسَّاقًا وَكُفَّارًا
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: لِتَلَوُّنِهِ وَاضْطِرَابِهِ) أَيْ الْخَبَرِ
لَوْ كَانَتْ قُرْآنًا لَكَفَرَ جَاحِدُهَا.
لِأَنَّا نَقُولُ وَلَوْ لَمْ تَكُنْ قُرْآنًا لَكَفَرَ مُثْبِتُهَا، وَأَيْضًا فَالتَّكْفِيرُ لَا يَكُونُ بِالظَّنِّيَّاتِ.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ تُسْتَحَبُّ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ فِي الرَّكْعَةِ الْوَاحِدَةِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا، لَا لِخَلَلٍ فِي الصِّحَّةِ وَإِنَّمَا هِيَ لِحِيَازَةِ فَضِيلَةٍ، كَأَنْ صَلَّى الْمَرِيضُ قَاعِدًا ثُمَّ وَجَدَ خِفَّةً بَعْدَ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَقُومَ لِيَرْكَعَ، وَإِذَا قَامَ اُسْتُحِبَّ لَهُ إعَادَةُ الْفَاتِحَةِ لِتَقَعَ فِي حَالِ الْكَمَالِ: كَذَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ، قَالَ: وَهَكَذَا كُلُّ مَوْضِعٍ انْتَقَلَ إلَى مَا هُوَ أَعْلَى مِنْهُ كَمَا لَوْ صَلَّى مُضْطَجِعًا ثُمَّ قَدَرَ عَلَى الْقُعُودِ، وَحِينَئِذٍ إذَا قَرَأَهَا ثَانِيًا قَاعِدًا ثُمَّ قَدَرَ عَلَى الْقِيَامِ لِوُجُودِ مَنْ يُمْسِكُهُ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ فَيَجِبُ أَنْ يَقُومَ وَتُسْتَحَبُّ لَهُ إعَادَتُهَا، وَإِنْ ضَمَمْت إلَى ذَلِكَ قُدْرَتَهُ عَلَى الْقِيَامِ إلَى حَدِّ الرَّاكِعِينَ قَبْلَ قُدْرَتِهِ عَلَى الْقِيَامِ فَيَزِيدُ أَيْضًا اسْتِحْبَابُهَا وَيَنْتَظِمُ مِنْهُ مَا قَدَّمْنَاهُ، وَأَبْلَغُ مِمَّا سَبَقَ وُجُوبُ تَكْرِيرِ الْفَاتِحَةِ فِي الرَّكْعَةِ الْوَاحِدَةِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فَأَكْثَرَ، كَأَنْ نَدَرَ أَنْ يَقْرَأَ الْفَاتِحَةَ كُلَّمَا عَطَسَ فَعَطَسَ فِي صَلَاتِهِ: فَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ الْقِيَامِ وَجَبَ عَلَيْهِ.
أَنْ يَقْرَأَ إذَا فَرَغَ مِنْ الصَّلَاةِ، وَإِنْ كَانَ فِي الْقِيَامِ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَقْرَأَ حَالًا لِأَنَّ تَكْرِيرَ الْفَاتِحَةِ لَا يَضُرُّ، كَذَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ مِنْ فَتَاوِيهِ (وَتَشْدِيدَاتُهَا) مِنْهَا بِمَعْنَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ رِعَايَتُهَا فَلَا يُخِلُّ بِشَيْءٍ مِنْهَا حَيْثُ كَانَ قَدْرًا لِأَنَّهَا هَيْئَاتٌ لِحُرُوفِهَا، وَالْحَرْفُ الْمُشَدَّدُ بِحَرْفَيْنِ، وَهِيَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ شَدَّةً مِنْهَا ثَلَاثٌ فِي الْبَسْمَلَةِ، فَلَوْ خَفَّفَ مِنْهَا تَشْدِيدَةً لَمْ تَصِحَّ قِرَاءَةُ تِلْكَ الْكَلِمَةِ لِتَغْيِيرِهِ نَظْمَهَا، بَلْ تَرْكُهُ التَّشْدِيدَ مِنْ إيَّاكَ نَعْبُدُ مُتَعَمِّدًا عَارِفًا مَعْنَاهُ يَكْفُرُ بِهِ كَمَا قَالَهُ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
وَأَرِقَّاءَ وَإِنَاثًا، وَشَمَلَتْ الْعِبَارَةُ الصِّبْيَانَ الْمُمَيَّزِينَ (قَوْلُهُ: فَالتَّكْفِيرُ لَا يَكُونُ بِالظَّنِّيَّاتِ) قَالَ حَجّ: وَلَا بِيَقِينِيٍّ لَمْ يَصْحَبْهُ تَوَاتُرٌ وَإِنْ أَجْمَعَ عَلَيْهِ كَإِنْكَارِ أَنَّ لِبِنْتِ الِابْنِ السُّدُسَ مَعَ بِنْتِ الصُّلْبِ اهـ.
وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْعَالِمِ بِهِ وَغَيْرِهِ.
(قَوْلُهُ: فَعَطَسَ فِي صَلَاتِهِ) أَوْرَدَ عَلَيْهِ م ر أَنَّ شَرْطَ نَذْرِ التَّبَزُّرِ أَنْ يَكُونَ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ مَرْغُوبًا فِيهِ وَالْعُطَاسُ لَيْسَ مَرْغُوبًا فِيهِ، فَقَالَ بَلْ مَرْغُوبٌ فِيهِ لِأَنَّ فِيهِ رَاحَةً لِلْبَدَنِ اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ عَنْ م ر (قَوْلُهُ أَنْ يَقْرَأَ إذَا فَرَغَ) يَنْبَغِي أَنَّ الْمَعْنَى أَنَّهُ يُعْذَرُ فِي التَّأْخِيرِ إلَى فَرَاغِ الصَّلَاةِ وَلَا يُكَلَّفُ الْقِرَاءَةَ فِي الرُّكُوعِ وَنَحْوِهِ، فَلَوْ خَالَفَ وَقَرَأَ فِي الرُّكُوعِ أَوْ غَيْرِهِ اعْتَدَّ بِقِرَاءَتِهِ (قَوْلُهُ: وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَقْرَأَ) يَنْبَغِي أَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ فِي الْمَأْمُومِ مَا لَمْ يُعَارِضْهُ رُكُوعُ الْإِمَامِ، فَإِنْ عَارَضَهُ فَيَنْبَغِي أَنْ يُتَابِعَهُ فِيمَا هُوَ فِيهِ وَيَتَدَارَكَ بَعْدُ، ثُمَّ قَوْلُهُ حَالًا ظَاهِرٌ إنْ عَطَسَ بَعْدَ فَرَاغِ الْقِرَاءَةِ الْوَاجِبَةِ، وَإِلَّا فَيَنْبَغِي أَنْ يُكْمِلَ الْفَاتِحَةَ عَنْ الْقِرَاءَةِ الْوَاجِبَةِ ثُمَّ يَأْتِيَ بِهَا عَنْ النَّذْرِ إنْ أَمِنَ رُكُوعَ الْإِمَامِ كَمَا تَقَدَّمَ وَإِلَّا أَخَّرَهَا إلَى تَمَامِ الصَّلَاةِ.
وَبَقِيَ مَا لَوْ عَرَضَ لَهُ ذَلِكَ وَهُوَ جُنُبٌ، هَلْ يَقْرَأُ وَهُوَ جُنُبٌ أَوْ يُؤَخِّرُ الْقِرَاءَةَ إلَى أَنْ يَغْتَسِلَ وَيَكُونَ ذَلِكَ عُذْرًا فِي التَّأْخِيرِ أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ الْمَنْذُورَةَ لَيْسَ لَهَا وَقْتٌ مَحْدُودٌ تَفُوتُ بِسَبَبِهِ فَهِيَ مِنْ النَّذْرِ الْمُطْلَقِ، وَلَا يَجِبُ فِيهِ فَوْرٌ حَتَّى لَوْ نَذَرَ أَنْ يَقْرَأَ عَقِبَ الْعُطَاسِ كَانَ مَحْمُولًا عَلَى عَدَمِ الْمَانِعِ وَهَذَا عُذْرٌ فِي التَّأْخِيرِ، وَبَقِيَ أَيْضًا مَا لَوْ عَطَسَ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْقِرَاءَةِ فَهَلْ يُشْتَرَطُ لِوُقُوعِ الْقِرَاءَةِ عَنْ الْوَاجِبِ الْقَصْدِ لِأَنَّ طَلَبَهَا لِلْعُطَاسِ صَارِفٌ عَنْ وُقُوعِهَا عَنْ الْوَاجِبِ أَمْ لَا؟ فَإِذَا قَرَأَهَا مَرَّتَيْنِ وَقَعَتْ إحْدَاهُمَا عَنْ الرُّكْنِ وَالْأُخْرَى عَنْ النَّذْرِ، وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ مَا لِكُلٍّ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ حَيْثُ لَمْ يَقْصِدْ وَقَعَتْ الْقِرَاءَةُ لَغْوًا، وَأَمَّا لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى مَرَّةٍ وَاحِدَةٍ وَرَكَعَ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ فَإِنَّهُ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ (قَوْلُهُ: وَالْحَرْفُ الْمُشَدَّدُ بِحَرْفَيْنِ) لِأَنَّهُ حَرْفَانِ أَوَّلُهُمَا سَاكِنٌ لَا عَكْسُهُ اهـ حَجّ (قَوْلُهُ: لَمْ تَصِحَّ قِرَاءَةُ تِلْكَ الْكَلِمَةِ) أَيْ فَيُعِيدُهَا عَلَى الصَّوَابِ وَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ وَإِنْ كَانَ عَامِدًا عَالِمًا حَيْثُ لَمْ يُغَيِّرْ الْمَعْنَى وَمِنْ تَخْفِيفِ الْمُشَدَّدِ مَا لَوْ قَرَأَ الرَّحْمَنَ بِفَكِّ الْإِدْغَامِ، وَلَا نَظَرَ لِكَوْنِ أَلْ لَمَّا ظَهَرَتْ خَلَفَتْ الشَّدَّةَ فَلَمْ يَحْذِفْ شَيْئًا لِأَنَّ ظُهُورَهَا لَحْنٌ وَلَمْ يُمْكِنْ قِيَامُهُ مَقَامَهُ اهـ حَجّ (قَوْلُهُ لِتَغْيِيرِهِ نَظْمَهَا) خَرَجَ بِهِ مَا لَوْ لَحَنَ لَحْنًا لَا يُغَيِّرُ الْمَعْنَى كَفَتْحِ النُّونِ مِنْ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ فَإِذَا كَانَ عَامِدًا عَالِمًا حَرُمَ وَلَمْ تَبْطُلْ بِهِ صَلَاتُهُ وَإِلَّا فَلَا حُرْمَةَ وَلَا بُطْلَانَ، وَمِثْلُهُ فَتْحُ دَالِ نَعْبُدُ، وَلَا تَضُرُّ زِيَادَةُ يَاءٍ بَعْدَ كَافِ مَالِكِ لِأَنَّ كَثِيرًا مَا تَتَوَلَّدُ حُرُوفُ الْإِشْبَاعِ مِنْ
ــ
[حاشية الرشيدي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
فِي الْحَاوِي وَالْبَحْرِ، لِأَنَّ الْإِيَا ضَوْءُ الشَّمْسِ فَكَأَنَّهُ قَالَ: نَعْبُدُ ضَوْأَهَا، فَإِنْ كَانَ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا سَجَدَ لِلسَّهْوِ، وَلَوْ شَدَّدَ مُخَفَّفًا أَسَاءَ وَأَجْزَأَهُ كَمَا ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ (وَلَوْ أَبْدَلَ ضَادًا) مِنْهَا أَيْ أَتَى بَدَلَهَا (بِظَاءٍ لَمْ تَصِحَّ) قِرَاءَتُهُ لِتِلْكَ الْكَلِمَةِ (فِي الْأَصَحِّ) لِتَغْيِيرِهِ النَّظْمَ مَعَ اخْتِلَافِ الْمَعْنَى، إذْ الضَّادُ مِنْ الضَّلَال وَالظَّاءُ مِنْ ظَلَّ يَفْعَلُ كَذَا ظُلُولًا إذَا فَعَلَهُ نَهَارًا وَقِيَاسًا عَلَى بَاقِي الْحُرُوفِ، وَالثَّانِي يَصِحُّ لِقُرْبِ الْمَخْرَجِ وَعُسْرِ التَّمْيِيزِ بَيْنَهُمَا، وَالْخِلَافُ خَاصٌّ بِقَادِرٍ لَمْ يَتَعَمَّدْ أَوْ عَاجِزٍ أَمْكَنَهُ التَّعَلُّمُ فَلَمْ يَفْعَلْ، أَمَّا الْعَاجِزُ عَنْ التَّعَلُّمِ فَيُجْزِيهِ قَطْعًا وَهُوَ أُمِّيٌّ، وَالْقَادِرُ عَلَى التَّعَلُّمِ لَا يُجْزِيهِ قَطْعًا، وَلَوْ أَبْدَلَ الضَّادَ بِغَيْرِ الظَّاءِ لَمْ تَصِحَّ قِرَاءَةٌ قَطْعًا أَوْ ذَالًا مُعْجَمَةً بِمُهْمَلَةٍ فِي الَّذِينَ لَمْ تَصِحَّ أَيْضًا كَمَا اقْتَضَى إطْلَاقُ الرَّافِعِيِّ وَغَيْرُهُ الْجَزْمَ بِهِ خِلَافًا لِلزَّرْكَشِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُ، وَلَوْ نَطَقَ بِالْقَافِ مُتَرَدِّدَةً بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْكَافِ كَمَا يَنْطِقُ بِهَا بَعْضُ الْعَرَبِ صَحَّ مَعَ الْكَرَاهَةِ كَمَا جَزَمَ بِهِ الشَّيْخُ نَصْرُ الْمَقْدِسِيَّ وَالرُّويَانِيُّ وَابْنُ الرِّفْعَةِ فِي الْكِفَايَةِ وَإِنْ نَظَرَ فِيهِ فِي الْمَجْمُوعِ، وَإِدْخَالُ الْمُصَنِّفِ الْبَاءَ عَلَى الْمَأْتِيِّ بِهِ صَحِيحٌ كَمَا تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي خُطْبَةِ الْكِتَابِ
(وَيَجِبُ تَرْتِيبُهَا) بِأَنْ يَأْتِيَ بِهَا عَلَى نَظْمِهَا الْمَعْهُودِ (الْفَاتِحَة) لِأَنَّهُ مَنَاطُ الْبَلَاغَةِ وَالْإِعْجَازِ، فَإِنْ تَعَمَّدَ تَرْكَهُ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ الْمَعْنَى اسْتَأْنَفَ الْقِرَاءَةَ، وَيُفَارِقُ نَحْوَ الْوُضُوءِ وَالْأَذَانِ وَالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ بِأَنَّ التَّرْتِيبَ هُنَا لَمَّا كَانَ مَنَاطَ الْبَلَاغَةِ وَالْإِعْجَازِ كَانَ الِاعْتِنَاءُ بِهِ أَكْثَرَ، فَجُعِلَ قَصْدُ التَّكْمِيلِ بِالْمُرَتَّبِ صَارِفًا عَنْ صِحَّةِ الْبِنَاءِ، بِخِلَافِ تِلْكَ الصُّوَرِ، وَمَنْ صَرَّحَ بِأَنَّهُ يَبْنِي هُنَا مُرَادُهُ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
الْحَرَكَاتِ وَلَا يَتَغَيَّرُ بِهَا الْمَعْنَى.
وَفِي حَجّ: أَنَّ مِمَّا لَا يُغَيِّرُ الْمَعْنَى قِرَاءَةُ الْعَالَمِينَ بِالْوَاوِ: أَيْ بَدَلَ الْيَاءِ اهـ.
أَقُولُ: وَيَنْبَغِي بُطْلَانُ صَلَاتِهِ إذَا كَانَ عَامِدًا عَالِمًا لِأَنَّهُ أَبْدَلَ حَرْفًا بِغَيْرِهِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْإِيَا) أَيْ بِالْقَصْرِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا سَجَدَ لِلسَّهْوِ) أَيْ فِي تَخْفِيفِ إيَّاكَ وَمِثْلُهُ كُلُّ مَا يُبْطِلُ عَمْدُهُ، وَمِنْهُ كَسْرُ كَافِ إيَّاكَ نَعْبُدُ لَا ضَمُّهَا لِأَنَّ الْكَسْرَ يُغَيِّرُ الْمَعْنَى، وَمَتَى بَطَلَ أَصْلُ الْمَعْنَى أَوْ اسْتَحَالَ إلَى مَعْنًى آخَرَ كَانَ مُبْطِلًا مَعَ التَّعَمُّدِ، وَهَذَا السُّجُودُ لِلْخَلَلِ الْحَاصِلِ بِمَا فَعَلَهُ وَلَيْسَ إرَادَتُهُ لِلسُّجُودِ مُغَنِّيَةً عَنْ إعَادَتِهِ عَلَى الصَّوَابِ (قَوْلُهُ: أَسَاءَ) أَيْ أَتَى بِسَيِّئَةٍ (قَوْلُهُ وَلَوْ أَبْدَلَ ضَادًا بِظَاءٍ لَمْ تَصِحَّ قِرَاءَتُهُ) .
[فَرْعٌ] حَيْثُ بَطَلَتْ الْقِرَاءَةُ دُونَ الصَّلَاةِ فَمَتَى رَكَعَ عَمْدًا قَبْلَ إعَادَةِ الْقِرَاءَةِ عَلَى الصَّوَابِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ كَمَا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ فَلْيُتَأَمَّلْ سم عَلَى مَنْهَجٍ (قَوْلُهُ: وَقِيَاسًا عَلَى بَاقِي الْحُرُوفِ) وَمِنْهَا كَمَا قَالَهُ حَجّ: إبْدَالُ حَاءِ الْحَمْدِ هَاءً فَتَبْطُلُ بِهِ، خِلَافًا لِلْقَاضِي حُسَيْنٍ فِي قَوْلِهِ لَا تَبْطُلُ بِهِ لِأَنَّهُ مِنْ اللَّحْنِ الَّذِي لَا يُغَيِّرُ الْمَعْنَى (قَوْلُهُ: وَالْقَادِرُ عَلَى التَّعَلُّمِ لَا يُجْزِيهِ قَطْعًا) بَلْ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ إنْ تَعَمَّدَ وَعَلِمَ اهـ حَجّ.
وَنَقَلَ سم عَلَى مَنْهَجٍ عَنْ م ر عَدَمَ الْبُطْلَانِ، وَمُقْتَضَى قَوْلِهِ: إذْ الضَّادُ مِنْ الضَّلَالِ إلَخْ الْبُطْلَانُ لِمَا فِيهِ مِنْ تَغْيِيرِ الْمَعْنَى (قَوْلُهُ: أَوْ ذَالًا مُعْجَمَةً بِمُهْمَلَةٍ) أَيْ أَوْ بِزَايٍ، وَقَوْلُهُ لَمْ تَصِحَّ: أَيْ قِرَاءَتُهُ: أَيْ الْغَيْرِ الْعَاجِزِ عَنْ التَّعَلُّمِ (قَوْلُهُ: كَمَا يَنْطِقُ بِهَا بَعْضُ الْعَرَبِ صَحَّ) أَيْ خِلَافًا لحج، قَالَ: وَالْمُرَادُ بِالْعَرَبِ الْمَنْسُوبَةُ إلَيْهِمْ أَخْلَاطُهُمْ الَّذِينَ لَا يُعْتَدُّ بِهِمْ، وَلِذَا نَسَبَهَا بَعْضُ الْأَئِمَّةِ لِأَهْلِ الْغَرْبِ وَصَعِيدِ مِصْرَ اهـ.
وَالْمُرَادُ بِالصِّحَّةِ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ الصِّحَّةُ مَعَ الْكَرَاهَةِ.
(قَوْلُهُ لِأَنَّهُ مَنَاطُ الْبَلَاغَةِ) أَيْ مَرْجِعٌ وَعِبَارَةُ الْمِصْبَاحِ نَاطَهُ نَوْطًا مِنْ بَابِ قَالَ عَلَّقَهُ، وَاسْمُ مَوْضِعِ التَّعْلِيقِ مَنَاطٌ بِفَتْحِ الْمِيمِ، وَقَوْلُهُ وَالْإِعْجَازِ عَطْفٌ مُغَايِرٌ لِأَنَّ الْبَلَاغَةَ مُطَابَقَةُ الْكَلَامِ لِمُقْتَضَى الْحَالِ مَعَ بَلَاغَتِهِ وَالْإِعْجَازُ مُسَبَّبٌ عَنْهَا (قَوْلُهُ فَإِنْ تَعَمَّدَ تَرْكَهُ) لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ مَتَى قَصَدَ التَّكْمِيلَ بِمَا أَخَّرَهُ لَا يُعْتَدُّ بِهِ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي (قَوْلُهُ وَيُفَارِقُ نَحْوَ الْوُضُوءِ) أَيْ حَيْثُ يُبْنَى عَلَى الْمُنْتَظِمِ وَإِنْ قُصِدَ بِهِ تَكْمِيلُ غَيْرِ الْمُنْتَظِمِ
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: فَإِنْ تَعَمَّدَ تَرْكَهُ) لَيْسَ بِقَيْدٍ، فَإِنَّ الِاسْتِئْنَافَ لَا بُدَّ مِنْهُ بِكُلِّ حَالٍ حَيْثُ قَصَدَ التَّكْمِيلَ الَّذِي هُوَ فَرْضُ الْمَسْأَلَةِ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي، وَأَمَّا أَخْذُ الشَّارِحِ مَفْهُومُهُ فِيمَا يَأْتِي، فَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا زَادَهُ مِنْ الْقَيْدِ الْآتِي وَسَتَعْلَمُ مَا فِيهِ (قَوْلُهُ: وَالطَّوَافِ)
مَا إذَا لَمْ يَقْصِدْ التَّكْمِيلَ بِالْمُرَتَّبِ وَلَمْ يَطُلْ غَيْرُ الْمُرَتَّبِ أَخْذًا مِمَّا يَأْتِي، أَمَّا إذَا غَيَّرَ الْمَعْنَى فَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ، وَأَمَّا إذَا سَهَا بِتَرْكِهِ فَإِنْ طَالَ غَيْرُ الْمُرَتَّبِ اسْتَأْنَفَ وَإِلَّا بَنَى.
(وَ) تَجِبُ (مُوَالَاتُهَا) بِأَنْ يَصِلَ بَعْضَ كَلِمَاتِهَا بِبَعْضٍ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ إلَّا بِقَدْرِ تَنَفُّسٍ وَعَيَّ فَلَا يَضُرُّ وَإِنْ طَالَ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ نَصِّ الْأُمِّ، وَإِنْ أَشْعَرَ كَلَامُ الرَّوْضَةِ بِخِلَافِهِ لِلِاتِّبَاعِ مَعَ خَبَرِ «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» فَلَوْ أَخَلَّ بِهَا سَاهِيًا لَمْ يَضُرَّ كَمَا لَوْ طَوَّلَ رُكْنًا قَصِيرًا سَاهِيًا، بِخِلَافِ مَا لَوْ تَرَكَ الْفَاتِحَةَ سَهْوًا فَإِنَّهُ يَضُرُّ لِأَنَّ الْمُوَالَاةَ صِفَةٌ وَالْقِرَاءَةَ أَصْلٌ، وَلَا يَرِدُ عَلَى ذَلِكَ نِسْيَانُ التَّرْتِيبِ حَيْثُ كَانَ ضَارًّا، لِأَنَّ أَمْرَ الْمُوَالَاةِ أَيْسَرُ مِنْ التَّرْتِيبِ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ تَطْوِيلَ الرُّكْنِ الْقَصِيرِ لَا يَضُرُّ، بِخِلَافِ التَّرْتِيبِ فَإِنَّهُ لَا يُعْتَدُّ بِالْمُقَدَّمِ مِنْ سُجُودٍ عَلَى رُكُوعٍ مَثَلًا، وَلَوْ شَكَّ هَلْ تَرَكَ حَرْفًا فَأَكْثَرَ مِنْ الْفَاتِحَةِ بَعْدَ تَمَامِهَا لَمْ يُؤَثِّرْ لِأَنَّ الظَّاهِرَ حِينَئِذٍ مُضِيُّهَا تَامَّةً، وَلِأَنَّ الشَّكَّ فِي حُرُوفِهَا يَكْثُرُ لِكَثْرَتِهَا، فَعَفَا عَنْهُ لِلْمَشَقَّةِ فَاكْتَفَى فِيهَا بِغَلَبَةِ الظَّنِّ،
بِخِلَافِ بَقِيَّةِ الْأَرْكَانِ، أَوْ شَكَّ فِي ذَلِكَ قَبْلَ تَمَامِهَا أَوْ هَلْ قَرَأَهَا أَوْ لَا اسْتَأْنَفَ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ قِرَاءَتِهَا، وَالْأَوْجَهُ إلْحَاقُ التَّشَهُّدِ بِهَا فِيمَا ذُكِرَ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ لَا سَائِرُ الْأَرْكَانِ فِيمَا يَظْهَرُ (فَإِنْ تَخَلَّلَ ذِكْرٌ) أَجْنَبِيٌّ غَيْرُ مُتَعَلِّقٍ بِالصَّلَاةِ (قَطَعَ الْمُوَالَاةَ) وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا كَحَمْدِ عَاطِسٍ وَإِنْ سُنَّ خَارِجَهَا
ــ
[حاشية الشبراملسي]
وَمِنْ النَّحْوِ رَمْيُ الْجِمَارِ.
(قَوْلُهُ: إلَّا بِقَدْرِ تَنَفُّسٍ) أَيْ وَغَلَبَةِ سُعَالٍ وَعُطَاسٍ، وَقَوْلُهُ فَلَا يَضُرُّ وَإِنْ طَالَ وَمِنْهُ التَّثَاؤُبُ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا لَوْ تَرَكَ الْفَاتِحَةَ سَهْوًا فَإِنَّهُ يَضُرُّ) أَيْ يَضُرُّ فِي عَدَمِ حُسْبَانِ مَا فَعَلَهُ سَهْوًا قَبْلَ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ فَلَا يُحْسَبُ رُكُوعُهُ الَّذِي أَتَى بِهِ قَبْلَ الْفَاتِحَةِ لِسَهْوِهِ عَنْهَا.
[فَرْعٌ] لَوْ سَكَتَ فِي أَثْنَاءِ الْفَاتِحَةِ عَمْدًا بِقَصْدِ أَنْ يُطِيلَ السُّكُوتَ هَلْ تَنْقَطِعُ الْمُوَالَاةُ بِمُجَرَّدِ شُرُوعِهِ فِي السُّكُوتِ كَمَا لَوْ قَصَدَ أَنْ يَأْتِيَ بِثَلَاثِ خُطُوَاتٍ مُتَوَالِيَاتٍ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ بِمُجَرَّدِ شُرُوعِهِ فِي الْخُطْوَةِ الْأُولَى أَوْ لَا تَنْقَطِعُ إلَّا إنْ حَصَلَ الطُّولُ بِالْفِعْلِ حَتَّى لَوْ عَرَضَ وَلَمْ يُطِلْ لَمْ تَنْقَطِعْ، وَيُفَارِقُ مَا ذُكِرَ بِأَنَّ ذَاكَ إنَّمَا ضَرَّ لِأَنَّهُ يُنَافِي اشْتِرَاطَ دَوَامِ نِيَّةِ الصَّلَاةِ حُكْمًا، لِأَنَّ قَصْدَ الْمُبْطِلِ يُنَافِي الدَّوَامَ، وَلَا كَذَلِكَ هُنَا لِأَنَّ الْمُضِرَّ وُجُودُ مَا يَقْطَعُ أَوْ السُّكُوتُ بِقَصْدِ الْقَطْعِ وَلَمْ يُوجَدْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا، وَمُجَرَّدُ الشُّرُوعِ فِي السُّكُوتِ بِقَصْدِ إطَالَتِهِ لَا يَسْتَلْزِمُ وُجُودَهُ لِجَوَازِ الْإِعْرَاضِ عَنْهُ، فِيهِ نَظَرٌ، وَيُتَّجَهُ الْآنَ الثَّانِي وَالْفَرْقُ فَلْيُحَرَّرْ اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ.
وَقَدْ يُقَالُ: يُتَّجَهُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ السُّكُوتَ بِقَصْدِ الْإِطَالَةِ مُسْتَلْزِمٌ لِقَصْدِ الْقَطْعِ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ سَكَتَ يَسِيرًا بِقَصْدِ قَطْعِ الْقِرَاءَةِ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ بَقِيَّةِ الْأَرْكَانِ) أَيْ فَيَضُرُّ الشَّكُّ فِي صِفَتِهَا بَعْدَ قِرَاءَتِهَا، وَمِنْهَا التَّشَهُّدُ فَيَضُرُّ الشَّكُّ فِي بَعْضِهِ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْهُ عَلَى مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُ هُنَا، لَكِنْ سَيَأْتِي لَهُ أَنَّ الْأَوْجَهَ خِلَافُهُ (قَوْلُهُ: اسْتَأْنَفَ) أَيْ وُجُوبًا (قَوْلُهُ: لَا سَائِرَ الْأَرْكَانِ) أَيْ فَإِنَّهُ إذَا شَكَّ فِيهَا أَوْ فِي صِفَتِهَا وَجَبَ إعَادَتُهَا مُطْلَقًا كَمَا مَرَّ فَوْرًا، وَمِنْ ذَلِكَ مَا لَوْ شَكَّ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَعْضَاءِ السَّبْعَةِ هَلْ وَضَعَهُ أَوْ لَا، فَيُعِيدُ السُّجُودَ وَإِنْ كَانَ الشَّكُّ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهُ، هَذَا إنْ كَانَ إمَامًا أَوْ مُنْفَرِدًا، أَوْ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ إنْ كَانَ مَأْمُومًا: أَيْ حَيْثُ امْتَنَعَ عَلَيْهِ الرُّجُوعُ إلَيْهِ بِأَنْ تَلَبَّسَ مَعَ الْإِمَامِ بِمَا بَعْدَهُ (قَوْلُهُ: وَإِنْ سُنَّ خَارِجَهَا) أَيْ خَارِجَ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ لَا خَارِجَ
ــ
[حاشية الرشيدي]
لَمْ تَظْهَرْ صُورَةُ التَّرْتِيبِ الْحَقِيقِيِّ فِيهِ (قَوْلُهُ: وَلَمْ يُطِلْ غَيْرَ الْمُرَتَّبِ) هَذَا قَيْدٌ زَادَهُ تَبَعًا لِلْإِمْدَادِ عَلَى مَا فِي كَلَامِهِمْ، وَهُوَ يَخْرُجُ عَنْ صُورَةِ الْمَسْأَلَةِ إذْ صُورَتُهَا كَمَا يُعْلَمُ بِمُرَاجَعَةِ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ أَتَى بِنِصْفِ الْفَاتِحَةِ الثَّانِي مَثَلًا أَوَّلًا ثُمَّ أَتَى بِالنِّصْفِ الْأَوَّلِ، وَأَصْلُ هَذِهِ السِّوَادَةِ لِلرَّوْضِ وَشَرْحِهِ وَلَيْسَ فِيهِمَا هَذَا الْقَيْدُ، وَهُوَ إنَّمَا يُنَاسِبُ مَسَائِلَ قَطْعِ الْمُوَالَاةِ الْآتِيَةِ (قَوْلُهُ: فَإِنْ طَالَ غَيْرُ الْمُرَتَّبِ) مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَيْدِ الَّذِي زَادَهُ وَمَرَّ مَا فِيهِ
(قَوْلُهُ: غَيْرُ مُتَعَلِّقٍ بِالصَّلَاةِ) بَيَانٌ لِلْمُرَادِ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ، وَسَيَأْتِي مَا يُوَضِّحُ مَعْنَى تَعَلُّقِهِ بِالصَّلَاةِ فِي قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مُخْتَصًّا بِهَا لِمَصْلَحَتِهَا، إذْ يُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّ الْمُتَعَلِّقَ بِهَا مَا كَانَ مُخْتَصًّا بِهَا لِمَصْلَحَتِهَا (قَوْلُهُ: وَإِنْ سُنَّ) أَيْ حَمْدُ الْعَاطِسُ وَقَوْلُهُ خَارِجَهَا: أَيْ الْفَاتِحَةِ
وَكَإِجَابَةِ مُؤَذِّنٍ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مُخْتَصًّا بِهَا لِمَصْلَحَتِهَا، فَكَانَ مُشْعِرًا بِالْإِعْرَاضِ وَلِتَغْيِيرِهِ النَّظْمَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، بِخِلَافِهِ مَعَ النِّسْيَانِ فَلَا يَقْطَعُهَا بَلْ يَبْنِي.
وَالذِّكْرُ بِكَسْرِ الذَّالِ بِاللِّسَانِ ضِدُّ الْإِنْصَاتِ وَبِالضَّمِّ بِالْقَلْبِ ضِدُّ النِّسْيَانِ قَالَهُ الْكِسَائِيُّ، وَقَالَ غَيْرُهُ إنَّهُمَا لُغَتَانِ بِمَعْنًى (فَإِنْ تَعَلَّقَ بِالصَّلَاةِ كَتَأْمِينِهِ لِقِرَاءَةِ إمَامِهِ وَفَتْحِهِ عَلَيْهِ) عِنْدَ تَوَقُّفِهِ وَسُكُوتِهِ إذْ الْفَتْحُ تَلْقِينُ الْآيَةِ فَلَا يَرُدُّ عَلَيْهِ مَا دَامَ يُرَدِّدُهَا، وَكَسُجُودِهِ لِتِلَاوَةِ إمَامِهِ مَعَهُ وَسُؤَالِ رَحْمَةٍ وَاسْتِعَاذَةٍ مِنْ عَذَابٍ عِنْدَ قِرَاءَةِ آيَتِهِمَا (فَلَا) يَقْطَعُ الْمُوَالَاةَ (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهُ مِنْ مَصْلَحَتِهَا فَلَا يَجِبُ اسْتِئْنَافُهَا، وَإِنْ كَانَ هُوَ الْأَوْلَى كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ قَطَعَ الْمُوَالَاةَ بِهِ، وَكَأَنَّهُمْ إنَّمَا لَمْ يُبَالُوا بِالْقَوْلِ بِبُطْلَانِ الصَّلَاةِ بِالتَّكْرِيرِ حِينَئِذٍ إنْ كَانَ بَعْدَ فَرَاغِ الْفَاتِحَةِ لِأَنَّ مُدْرِكَهُ أَضْعَفُ مِنْ مُدْرِكِ الْخِلَافِ الْأَوَّلِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا تَعَارَضَ خِلَافَانِ يُقَدَّمُ أَقْوَاهُمَا وَهِيَ مَسْأَلَةٌ نَفِيسَةٌ، وَإِنْ اقْتَضَى كَلَامُ الزَّرْكَشِيّ أَنَّهُ عِنْدَ التَّعَارُضِ يَتْرُكُ رِعَايَةَ الْقَوْلَيْنِ مَعًا، وَأَفَادَ أَيْضًا أَنَّ مَحَلَّ مُرَاعَاةِ الْخِلَافِ إمْكَانُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْمَذْهَبَيْنِ وَإِلَّا قَدَّمَ مَذْهَبَهُ، وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ يَقْطَعُهَا لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَنْدُوبٍ كَالْحَمْدِ عِنْدَ الْعُطَاسِ وَغَيْرِهِ وَرُدَّ بِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ مَصْلَحَةِ الصَّلَاةِ.
(وَيَقْطَعُ) الْمُوَالَاةَ (السُّكُوتُ)
ــ
[حاشية الشبراملسي]
الصَّلَاةِ، فَلَا يُنَافِي مَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْعُبَابِ مِنْ أَنَّهُ إذَا عَطَسَ فِي الصَّلَاةِ سُنَّ لَهُ الْحَمْدُ، وَقَالَ فِي بَيَانِهِ سم: لَعَلَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ يُسَنُّ لَهُ فِي غَيْرِ الْفَاتِحَةِ وَإِلَّا فَكَيْفَ يُسَنُّ لَهُ فِيهَا مَا يَقْطَعُ مُوَالَاتِهَا (قَوْلُهُ: وَبِخِلَافِهِ مَعَ النِّسْيَانِ) أَيْ فَلَا يَقْطَعُهَا: أَيْ وَإِنْ طَالَ مَا أَتَى بِهِ جَهْلًا أَوْ نِسْيَانًا حَجّ (قَوْلُهُ: وَفَتَحَهُ عَلَيْهِ عِنْدَ تَوَقُّفِهِ) ظَاهِرُهُ وَإِنْ كَانَ التَّوَقُّفُ فِي قِرَاءَةِ غَيْرِ الْفَاتِحَةِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ إعَانَةً لِلْإِمَامِ عَلَى الْقِرَاءَةِ الْمَطْلُوبَةِ قَالَ الشَّيْخُ عَمِيرَةُ: هَذَا التَّوَقُّفُ تَقُولُ الْعَرَبُ فِيهِ اُرْتُجَّ عَلَيْهِ مُخَفَّفًا مَبْنِيًّا لِلْمَجْهُولِ إرْتَاجًا مِنْ أَرْتَجْتُ الْبَابَ أَغْلَقْته، وَلَا يَجُوزُ ارْتَجَّ عَلَيْهِ بِالتَّشْدِيدِ كَمَا قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ.
وَلَا بُدَّ فِي الْفَتْحِ عَلَيْهِ مِنْ قَصْدِ الْقِرَاءَةِ وَلَوْ مَعَ الْفَتْحِ وَإِلَّا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ اهـ زِيَادِيٌّ.
وَعَلَيْهِ فَلَوْ فَتَحَ عَلَيْهِ وَشَكَّ بَعْدَ الْفَتْحِ هَلْ قَصَدَ الْقِرَاءَةَ أَمْ لَا هَلْ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ عَدَمُ الْبُطْلَانِ لِأَنَّ الْأَصْلَ دَوَامُ الصِّحَّةِ (قَوْلُهُ: فَلَا يَرُدُّ عَلَيْهِ) أَيْ لَا يُسَنُّ فَإِنْ فَتَحَ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ انْقَطَعَتْ الْمُوَالَاةُ تَأَمَّلْ اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ (قَوْلُهُ وَاسْتِعَاذَةٍ مِنْ عَذَابٍ) وَمِنْهُ الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ قِرَاءَةِ مَا فِيهِ اسْمُهُ فِيمَا يَظْهَرُ بِنَاءً عَلَى اسْتِحْبَابِ ذَلِكَ، وَهُوَ مَا نَقَلَ سم اعْتِمَادُهُ عَنْ الشَّارِحِ، وَسَيَأْتِي فِيهِ كَلَامٌ لِلشَّارِحِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَالصَّحِيحُ سَنُّ الصَّلَاةِ إلَخْ (قَوْلُهُ: عِنْدَ قِرَاءَةِ آيَتِهِمَا) قَضِيَّتُهُ أَنَّ الْمَأْمُومَ إذَا سَمِعَ سُؤَالَ الْإِمَامِ الرَّحْمَةَ وَالِاسْتِعَاذَةَ مِنْ النَّارِ أَمَّنَ وَلَا يُشَارِكُهُ فِي الدُّعَاءِ، وَهُوَ قِيَاسُ مَا يَأْتِي فِي الْقُنُوتِ إنْ كَانَ الْإِمَامُ أَتَى بِهِ بِلَفْظِ الْجَمْعِ (قَوْلُهُ: فَلَا يَقْطَعُ الْمُوَالَاةَ فِي الْأَصَحِّ) قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: مُقْتَضَى كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ عَدَمُ الْقَطْعِ وَلَوْ طَالَ وَفِيهِ نَظَرٌ اهـ عَمِيرَةُ، وَمُقْتَضَى النَّظَرِ هُوَ الْمُعْتَمَدُ (قَوْلُهُ: بِالتَّكْرِيرِ حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ كَرَّرَهَا لِإِتْيَانِهِ بِالذِّكْرِ الْمَارِّ، وَقَوْلُهُ إنْ كَانَ بَعْدَ فَرَاغِ الْفَاتِحَةِ، قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ كَرَّرَ آيَةً مِنْ الْفَاتِحَةِ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْهَا أَوْ قَرَأَ بَعْضَهَا بَعْدَ إتْمَامِهَا لَمْ تَبْطُلْ قَطْعًا، وَلَكِنَّ قَوْلَهُ وَكَأَنَّهُمْ إنَّمَا لَمْ يُبَالُوا إلَخْ، لَا يَظْهَرُ وَجْهُهُ لِأَنَّ الْكَلَامَ هُنَا فِيمَا لَوْ فَتَحَ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي أَثْنَاءِ الْقِرَاءَةِ (قَوْلُهُ: وَأَفَادَ أَيْضًا) أَيْ الزَّرْكَشِيُّ (قَوْلُهُ: وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ يَقْطَعُهَا) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ الذِّكْرِ الْمُتَعَلِّقِ بِمَصْلَحَةِ الصَّلَاةِ (قَوْلُهُ: كَالْحَمْدِ عِنْدَ الْعُطَاسِ) أَيْ فَإِنَّهُ يَقْطَعُ الْمُوَالَاةَ (قَوْلُهُ لَيْسَ مِنْ مَصْلَحَةِ الصَّلَاةِ) قَضِيَّةُ الِاقْتِصَارِ فِي الرَّدِّ عَلَى مَا ذُكِرَ تَسْلِيمُ أَنَّ مَا تَعَلَّقَ بِمَصْلَحَةِ الصَّلَاةِ مِنْ التَّأْمِينِ وَالْفَتْحِ لَيْسَ بِمَنْدُوبٍ، وَلَيْسَ مُرَادًا لِمَا يَأْتِي فِي الْمَتْنِ مِنْ أَنَّهُ يُسَنُّ لَهُ أَنْ يُؤَمِّنَ مَعَ إمَامِهِ، وَعِبَارَةُ الْمَحَلِّيِّ:
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: يَرِدُ عَلَيْهِ إلَخْ) أَيْ فَإِنْ رَدَّ حِينَئِذٍ انْقَطَعَتْ الْمُوَالَاةُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ: إنْ كَانَ بَعْدَ فَرَاغِ الْفَاتِحَةِ) أَيْ الصَّادِقِ بِهِ أَوْلَوِيَّةُ الِاسْتِئْنَافِ إذْ هُوَ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ تَمَّمَ الْفَاتِحَةَ أَوْ لَا، لَكِنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ إذَا اسْتَأْنَفَهَا بَعْدَ تَمَامِهَا كَمَا نَبَّهَ
الْعَمْدُ (الطَّوِيلُ) بِأَنْ زَادَ عَلَى سَكْتَةِ الِاسْتِرَاحَةِ وَالْإِعْيَاءِ لِإِشْعَارِهِ بِالْإِعْرَاضِ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ قَطْعَهَا، أَمَّا النَّاسِي فَلَا يَقْطَعُ عَلَى الصَّحِيحِ (وَكَذَا) يَقْطَعُهَا (يَسِيرٌ قُصِدَ بِهِ قَطْعُ الْقِرَاءَةِ فِي الْأَصَحِّ) لِاقْتِرَانِ الْفِعْلِ بِنِيَّةِ الْقَطْعِ كَمَا لَوْ نَقَلَ الْوَدِيعَةَ نَاوِيًا التَّعَدِّيَ فِيهَا، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَنْوِ الْقَطْعَ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ لِنَحْوِ تَنَفُّسٍ أَوْ عَيٍّ كَنَقْلِ الْوَدِيعَةِ بِلَا نِيَّةِ تَعَدٍّ بِخِلَافِ مَا لَوْ نَوَاهُ بِلَا سُكُوتٍ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ بِاللِّسَانِ وَلَمْ يَقْطَعْهَا، وَيُخَالِفُ ذَلِكَ نِيَّةَ الْقَطْعِ الصَّلَاةِ لِأَنَّ النِّيَّةَ رُكْنٌ فِيهَا تَجِبُ إدَامَتُهَا حُكْمًا، وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ مَعَ نِيَّةِ الْقَطْعِ وَقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ لَا تَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةٍ خَاصَّةٍ فَلَا تَتَأَثَّرُ بِنِيَّةِ الْقَطْعِ، قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ نِيَّةَ قَطْعِ الرُّكُوعِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْأَرْكَانِ لَا تُؤَثِّرُ وَهِيَ مَسْأَلَةٌ مُهِمَّةٌ، وَمَا قَالَهُ ظَاهِرٌ وَالرَّدُّ عَلَيْهِ مَرْدُودٌ.
وَالثَّانِي لَا يَقْطَعُ لِأَنَّ قَصْدَ الْقَطْعِ وَحْدَهُ لَا يُؤَثِّرُ وَالسُّكُوتُ الْيَسِيرُ وَحْدَهُ لَا يُؤَثِّرُ فَاجْتِمَاعُهُمَا كَذَلِكَ وَرُدَّ بِالْمَنْعِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ كُلٍّ مِنْ الضَّابِطَيْنِ مَا لَوْ نَسِيَ آيَةً فَسَكَتَ طَوِيلًا لِتَذَكُّرِهَا فَإِنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ التَّذَكُّرَ مِنْ مَصَالِحِهَا، وَلَوْ كَرَّرَ آيَةً مِنْهَا لِلشَّكِّ أَوْ التَّفَكُّرِ أَوْ لَا لِسَبَبٍ عَمْدًا فَفِي الْمَجْمُوعِ عَنْ جَمْعٍ أَنَّهُ يَعْنِي، وَعَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ أَنَّهُ يَسْتَأْنِفُ، وَالْأَصَحُّ الْأَوَّلُ وَصَحَّحَهُ فِي التَّحْقِيقِ، وَيُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى تَفْصِيلِ الْمُتَوَلِّي وَهُوَ أَنَّهُ إنْ كَرَّرَ مَا هُوَ فِيهِ أَوْ مَا قَبْلَهُ وَاسْتُصْحِبَ بَنَى وَإِلَّا كَأَنْ وَصَلَ إلَى أَنْعَمَتْ عَلَيْهِمْ فَقَرَأَ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ فَقَطْ فَلَا يَبْنِي إنْ كَانَ عَالِمًا مُتَعَمِّدًا لِأَنَّهُ غَيْرُ مَعْهُودٍ فِي التِّلَاوَةِ، وَاعْتَمَدَهُ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ.
وَعَنْ الْبَغَوِيّ أَنَّهُ إنْ كَرَّرَ آيَةً مِنْهَا يُؤَثِّرُ، وَإِنْ قَرَأَ نِصْفَهَا ثُمَّ شَكَّ، هَلْ بَسْمَلَ فَأَتَمَّهَا ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ بَسْمَلَ أَعَادَ مَا قَرَأَهُ بَعْدَ الشَّكِّ فَقَطْ.
وَاعْتَمَدَ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ الثَّالِثَ وَحَمَلَ إطْلَاقَ الْأَوَّلِ عَلَيْهِ، وَالْأَوْجَهُ فِي صُورَةِ الْبَغَوِيّ أَنْ يُعِيدَهَا كُلَّهَا، وَيُسْتَحَبُّ لَهُ وَصْلُ أَنْعَمَتْ بِمَا بَعْدَهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَقْفٍ وَلَا مُنْتَهَى آيَةٍ.
(فَإِنْ)(جَهِلَ الْفَاتِحَةَ) وَلَمْ يُمْكِنْهُ تَعَلُّمُهَا
ــ
[حاشية الشبراملسي]
فَلَا يَقْطَعُ الْمُوَالَاةَ فِي الْأَصَحِّ بِنَاءً عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مَنْدُوبٌ، وَقِيلَ لَيْسَ بِمَنْدُوبٍ فَيَقْطَعُهَا.
(قَوْلُهُ: عَلَى سَكْتَةِ الِاسْتِرَاحَةِ وَالْإِعْيَاءِ) أَيْ الْغَالِبُ كُلٌّ مِنْهُمَا فَلَا يُنَافِي مَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ إذَا سَكَتَ لِلتَّنَفُّسِ أَوْ الْعِيِّ لَا يَضُرُّ وَإِنْ طَالَ لِحَمْلِ مَا مَرَّ عَلَى حُصُولِ التَّعَبِ بِالْفِعْلِ فَسَكَتَ لِيَزُولَ بِخِلَافِ مَا هُنَا (قَوْلُهُ: وَيُسْتَثْنَى مِنْ كُلٍّ مِنْ الضَّابِطَيْنِ) هُمَا قَوْلُهُ لِإِشْعَارِهِ بِالْإِعْرَاضِ إلَخْ، وَقَوْلُهُ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ لِنَحْوِ تَنَفُّسٍ إلَخْ، وَمِثْلُهُ فِي سم عَلَى مَنْهَجٍ وَعِبَارَتُهُ: وَيُسْتَثْنَى مَا لَوْ نَسِيَ آيَةً فَسَكَتَ طَوِيلًا لِتَذَكُّرِهَا فَإِنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ انْتَهَى.
وَاعْتَمَدَهُ م ر حَيْثُ قَالَ: لَمْ أَرَ مَا يُخَالِفُهُ، ثُمَّ وَجَّهَهُ بِأَنَّهُمْ اغْتَفَرُوهُ لِمَصْلَحَةِ الْقِرَاءَةِ انْتَهَى.
وَفِي قَوْلِهِ حَيْثُ قَالَ لَمْ أَرَ مَا يُخَالِفُهُ إشْعَارٌ بِتَرَدُّدِهِ فِي اعْتِمَادِهِ، وَهُوَ خِلَافُ مَا فُهِمَ مِنْ كَلَامِهِ هُنَا مِنْ الْجَزْمِ بِهِ، وَإِنَّمَا تَرَدَّدَ فِي التَّعْلِيلِ حَيْثُ قَالَ: وَلَعَلَّ وَجْهَهُ إلَخْ (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ) أَيْ فِي الْمُوَالَاةِ (قَوْلُهُ: أَوْ التَّفَكُّرِ) أَيْ فِي مَعْنَاهُ، أَوْ لِيَتَذَكَّرَ مَا بَعْدَهُ عَلَى مَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ عِبَارَتِهِ (قَوْلُهُ: الثَّالِثُ) هُوَ تَفْصِيلُ الْمُتَوَلِّي (قَوْلُهُ: وَالْأَوْجَهُ فِي صُورَةِ الْبَغَوِيّ) وَهِيَ قَوْلُهُ وَإِنْ قَرَأَ نِصْفَهَا ثُمَّ إلَخْ (قَوْلُهُ لَيْسَ بِوَقْفٍ وَلَا مُنْتَهَى آيَةٍ) فَلَوْ وَقَفَ عَلَيْهِ لَمْ يَضُرَّ فِي صَلَاتِهِ، وَالْأَوْلَى عَدَمُ إعَادَةِ مَا وَقَفَ عَلَيْهِ وَالِابْتِدَاءُ بِمَا بَعْدَهُ، لِأَنَّ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَحْسُنْ
ــ
[حاشية الرشيدي]
عَلَيْهِ الشَّارِحُ
(قَوْلُهُ: وَيُسْتَثْنَى مِنْ كُلٍّ مِنْ الضَّابِطَيْنِ إلَخْ) هُوَ تَابِعٌ فِي هَذِهِ الْعِبَارَةِ لِشَرْحِ الرَّوْضِ، لَكِنَّ ذَاكَ تَقَدَّمَ لَهُ فِي الْمَتْنِ وَالشَّرْحِ مَا يُصَحِّحُ لَهُ الْإِتْيَانَ بِاللَّامِ الْعَهْدِيَّةِ، بِخِلَافِ الشَّارِحِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُ إلَّا الْإِشَارَةُ إلَى ضَابِطٍ وَاحِدٍ فِيمَا يَقْطَعُ الْمُوَالَاةَ وَمَا لَا يَقْطَعُهَا، وَهُوَ قَوْلُهُ: فِيمَا مَرَّ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ إلَّا بِعُذْرِ تَنَفُّسٍ وَعَيٍّ إلَخْ.
وَعِبَارَةُ الرَّوْضِ وَشَرْحُهُ: فَإِنْ سَكَتَ يَسِيرًا مَعَ نِيَّةِ قَطْعِهَا: أَيْ الْقِرَاءَةِ، أَوْ طَوِيلًا عَمْدًا بِحَيْثُ يَزِيدُ عَلَى سَكْتَةِ الِاسْتِرَاحَةِ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ الْقَطْعَ اسْتَأْنَفَ الْقِرَاءَةَ، إلَى أَنْ قَالَ الشَّارِحُ، وَمَا ضَبَطَ بِهِ الْمُصَنِّفُ الطُّولَ أَخَذَهُ مِنْ الْمَجْمُوعِ وَعَدَلَ إلَيْهِ عَنْ ضَبْطِ الْأَصْلِ لَهُ بِمَا أَشْعَرَ بِقَطْعِ الْقِرَاءَةِ، أَوْ إعْرَاضِهِ عَنْهَا مُخْتَارًا، أَوْ لِعَائِقٍ لِيُفِيدَ أَنَّ السُّكُوتَ لِلْإِعْيَاءِ لَا يُؤَثِّرُ وَإِنْ
لِضِيقِ وَقْتٍ أَوْ بَلَادَةٍ وَلَا قِرَاءَتُهَا فِي نَحْوِ مُصْحَفٍ وَلَا التَّسَبُّبُ إلَى حُصُولِهِ بِنَحْوِ شِرَاءٍ لَوْ وَجَدَ مَا يُحَصِّلُهُ بِهِ فَاضِلًا عَمَّا يُعْتَبَرُ فِي الْفِطْرَةِ حَتَّى لَوْ لَمْ يَكُنْ بِالْبَلَدِ إلَّا مُصْحَفٌ وَاحِدٌ وَلَمْ يُمْكِنُ التَّعَلُّمُ إلَّا مِنْهُ لَمْ يَلْزَمْ مَالِكَهُ إعَارَتُهُ، وَكَذَا لَوْ لَمْ يَكُنْ بِالْبَلَدِ إلَّا مُعَلِّمٌ وَاحِدٌ لَمْ يَلْزَمْهُ التَّعْلِيمُ بِلَا أُجْرَةٍ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، كَمَا لَوْ احْتَاجَ إلَى السُّتْرَةِ أَوْ الْوُضُوءِ وَمَعَ غَيْرِهِ ثَوْبٌ أَوْ مَاءٌ فَيَنْتَقِلُ إلَى الْبَدَلِ (فَسَبْعُ آيَاتٍ) عَدَدُ آيَاتِهَا لِأَنَّهُ أَشْبَهُ بِهَا، وَاسْتَحْسَنَ الشَّافِعِيُّ قِرَاءَةَ ثَمَانِ آيَاتٍ لِتَكُونَ الثَّامِنَةُ بَدَلًا عَنْ السُّورَةِ، أَمَّا دُونَ السَّبْعِ فَلَا يُجْزِئُهُ وَإِنْ طَالَ لِرِعَايَةِ الْعَدَدِ فِيهَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي} [الحجر: 87] وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «هِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي» وَفِي اشْتِرَاطِ كَوْنِ الْبَدَلِ مُشْتَمِلًا عَلَى ثَنَاءٍ وَدُعَاءٍ كَالْفَاتِحَةِ وَجْهَانِ لِلطَّبَرِيِّ أَوْجَهُهُمَا عَدَمُهُ، وَمَتَى أَمْكَنَهُ التَّعَلُّمُ وَلَوْ بِالسَّفَرِ لَزِمَهُ وَلَا يَكْتَفِي عَنْهَا بِالتَّرْجَمَةِ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} [يوسف: 2] فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْعَجَمِيَّ لَيْسَ بِقُرْآنٍ، بِخِلَافِ مَا إذَا عَجَزَ عَنْ التَّكْبِيرِ أَوْ الْخُطْبَةِ أَوْ الْإِتْيَانِ بِالشَّهَادَتَيْنِ فَإِنَّهُ تُجْزِئُهُ التَّرْجَمَةُ عَنْهَا لِأَنَّ نَظْمَ الْقُرْآنِ مُعْجِزٌ، كَمَا مَرَّ بَعْضُ ذَلِكَ (مُتَوَالِيَةً فَإِنْ عَجَزَ) عَنْ الْمُتَوَالِيَةِ (فَمُتَفَرِّقَةً) لِأَنَّهُ مَقْدُورُهُ (قُلْت: الْأَصَحُّ الْمَنْصُوصُ جَوَازُ الْمُتَفَرِّقَةِ) مِنْ سُورَةٍ أَوْ سُوَرٍ (مَعَ حِفْظِهِ مُتَوَالِيَةً، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) كَمَا فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ، وَسَوَاءٌ أَفَادَتْ الْمُتَفَرِّقَةُ مَعْنًى مَنْظُومًا أَمْ لَا كَمَا اخْتَارَهُ فِي الْمَجْمُوعِ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
فِي عُرْفِ الْقُرَّاءِ إلَّا أَنَّ تَرْكَهُ يُؤَدِّي إلَى تَكْرِيرِ بَعْضِ الرُّكْنِ الْقَوْلِيِّ، وَهُوَ مُبْطِلٌ فِي قَوْلٍ فَتَرْكُهُ أَوْلَى خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ، ثُمَّ رَأَيْت فِي حَجّ مَا نَصُّهُ، بَعْدَ قَوْلِهِ وَلَا مُنْتَهَى آيَةٍ: فَإِنْ وَقَفَ عَلَى هَذَا لَمْ تُسَنَّ لَهُ الْإِعَادَةُ مِنْ أَوَّلِ الْآيَةِ وَهُوَ صَرِيحٌ فِيمَا قُلْته.
(قَوْلُهُ: لَمْ يَلْزَمْ مَالِكَهُ إعَارَتُهُ) وَلَا إجَارَتُهُ انْتَهَى سم عَلَى مَنْهَجٍ، وَعِبَارَتُهُ قَالَ م ر: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ التَّعْلِيمُ بِالْأُجْرَةِ وَلَا يَلْزَمُهُ بِدُونِهَا، بِخِلَافِ مُصْحَفٍ لَا يَلْزَمُهُ إعَارَتُهُ وَلَا إجَارَتُهُ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْبَدَنَ مَحَلُّ التَّكْلِيفِ، وَلَمْ يُعْهَدْ وُجُوبُ بَذْلِ مَالِ الْإِنْسَانِ لِغَيْرِهِ وَلَوْ بِعِوَضٍ إلَّا فِي الْمُضْطَرِّ انْتَهَى بِحُرُوفِهِ.
وَمَحَلُّ عَدَمِ وُجُوبِ الْإِعَارَةِ وَالْإِجَارَةِ مَا لَمْ تَتَوَقَّفْ صِحَّةُ صَلَاةِ الْمَالِكِ عَلَى ذَلِكَ، وَإِلَّا وَجَبَ كَأَنْ تَوَقَّفَتْ صِحَّةُ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ عَلَى ذَلِكَ لِكَوْنِ مَنْ لَمْ يَحْفَظْهَا مِنْ الْأَرْبَعِينَ (قَوْلُهُ: فَيَنْتَقِلُ إلَى الْبَدَلِ) هَذَا مَعَ قَوْلِ الْمَتْنِ فَسَبْعُ آيَاتٍ لَا رَابِطَةَ بَيْنَهُمَا، وَيُقَدِّرُ لَهُ ذَلِكَ فَيُقَالُ: فَيَنْتَقِلُ إلَى الْبَدَلِ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ فَسَبْعُ آيَاتٍ إلَخْ (قَوْلُهُ: عَدَدُ آيَاتِهَا) أَيْ الَّتِي هِيَ سَبْعٌ الْأُولَى {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة: 1] .
الثَّانِيَةُ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: 2] .
الثَّالِثَةُ {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة: 1] .
الرَّابِعَةُ {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة: 4] .
الْخَامِسَةُ {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5] .
السَّادِسَةُ {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة: 6] .
السَّابِعَةُ {صِرَاطَ الَّذِينَ} [الفاتحة: 7] إلَى آخِرِ السُّورَةِ.
وَيَنْبَغِي لِلْقَارِئِ مُرَاعَاةُ ذَلِكَ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: أَوْجَهُهُمَا عَدَمُهُ) أَيْ عَدَمُ اشْتِرَاطِهِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ بِالسَّفَرِ لَزِمَهُ) أَيْ وَإِنْ طَالَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ (قَوْلُهُ وَلَا يَكْتَفِي عَنْهَا بِالتَّرْجَمَةِ) أَيْ بَلْ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْقُرْآنَ مُعْجِزٌ وَالتَّرْجَمَةُ تُخِلُّ بِإِعْجَازِهِ، وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْإِرْشَادِ لحج بَعْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَتَرْجَمَ عَاجِزٌ لَا بِقُرْآنٍ: أَيْ فِيهِ فَلَا تَجُوزُ التَّرْجَمَةُ عَنْهُ مُطْلَقًا لِأَنَّ الْإِعْجَازَ مُخْتَصٌّ بِنَظْمِهِ الْعَرَبِيِّ دُونَ مَعْنَاهُ انْتَهَى.
وَعَلَيْهِ فَلَوْ تَرْجَمَ عَامِدًا عَالِمًا عَنْهُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِأَنَّ مَا أَتَى بِهِ أَجْنَبِيٌّ (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ تُجْزِئُهُ التَّرْجَمَةُ) أَيْ بَلْ تَجِبُ كَمَا تَقَدَّمَ (قَوْلُهُ: أَمْ لَا)
ــ
[حاشية الرشيدي]
طَالَ؛ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ.
وَنَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ نَصِّ الْأُمِّ ثُمَّ قَالَ: وَيُسْتَثْنَى مِنْ كُلٍّ مِنْ الضَّابِطَيْنِ إلَخْ
(قَوْلُهُ: وَلَا التَّسَبُّبُ إلَى حُصُولِهِ) أَيْ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ حَاصِلًا، وَيُقَدَّرُ نَقِيضُهُ فِي قَوْلِهِ: وَلَا قِرَاءَتَهَا فِي نَحْوِ مُصْحَفٍ أَيْ: إذَا كَانَ حَاصِلًا، وَالْمُرَادُ بِالْمُصْحَفِ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ التَّسَبُّبُ فِي حُصُولِهِ مَا فِيهِ الْفَاتِحَةُ فَقَطْ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ: حَتَّى لَوْ لَمْ يَكُنْ إلَخْ) لَا مَوْقِعَ لِلتَّعْبِيرِ بِالْغَايَةِ هُنَا (قَوْلُهُ: لَمْ يَلْزَمْ مَالِكَهُ إعَارَتُهُ) أَيْ: وَلَا إجَارَتُهُ كَمَا فِي حَوَاشِي سم عَلَى الْمَنْهَجِ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وُجُوبِ التَّعْلِيمِ بِالْأُجْرَةِ الَّذِي أَفْهَمَهُ مَا بَعْدَهُ (قَوْلُهُ: فَيَنْتَقِلُ إلَى الْبَدَلِ) لَا يَنْسَجِمُ مَعَ الْمَتْنِ بَعْدَهُ، وَلَعَلَّ فَاءَ فَيَنْتَقِلُ هِيَ فَاءُ الْمَتْنِ فَتُكْتَبُ بِالْأَحْمَرِ فَتَكُونُ الْفَاءُ الْمُتَّصِلَةُ بِسَبْعٍ زَادَهَا النُّسَّاخُ، لَكِنْ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ قَبْلَ الْمَتْنِ
وَاقْتَضَاهُ إطْلَاقُ الْجُمْهُورِ لِإِطْلَاقِ الْأَخْبَارِ وَهُوَ قِيَاسُ حُرْمَةِ قِرَاءَتِهَا عَلَى الْجُنُبِ، وَيَلْزَمُ الْقَائِلَ بِالْمَنْعِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ يَحْفَظُ أَوَائِلَ السُّوَرِ خَاصَّةً كَالِمْ ~ والر ~ وَالمر ~ وَطسم ~ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ قِرَاءَتُهَا عِنْدَ مَنْ يَجْعَلُهَا أَسْمَاءً لِلسُّوَرِ، قَالَ بَعْضُهُمْ: وَهُوَ بَعِيدٌ لِأَنَّا مُتَعَبَّدُونَ بِقِرَاءَتِهَا وَهِيَ قُرْآنٌ مُتَوَاتَرٌ.
وَادَّعَى الْأَذْرَعِيُّ أَنَّ الْمُخْتَارَ مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ، وَأَنَّ إطْلَاقَهُمْ مَحْمُولٌ عَلَى الْغَالِبِ، وَمَا اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ إنَّمَا يَنْقَدِحُ إذَا لَمْ يُحْسِنْ غَيْرَ ذَلِكَ، أَمَّا مَعَ حِفْظِهِ مُتَوَالِيَةً أَوْ مُتَفَرِّقَةً مُنْتَظِمَةَ الْمَعْنَى فَلَا وَجْهَ لَهُ وَإِنْ شَمَلَهُ إطْلَاقُهُمْ انْتَهَى.
وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ مُطْلَقًا.
وَلَوْ عَرَفَ بَعْضَ الْفَاتِحَةِ فَقَطْ وَعَرَفَ لِبَعْضِهَا الْآخَرَ بَدَلًا أَتَى بِبَدَلِ الْبَعْضِ الْآخَرِ مَوْضِعَهُ مَعَ رِعَايَةِ التَّرْتِيبِ بَيْنَ مَا يَعْرِفُهُ مِنْهَا وَالْبَدَلُ حَتَّى يُقَدِّمَ بَدَلَ النِّصْفِ الْأَوَّلِ عَلَى الثَّانِي، فَإِنْ كَانَ وَسَطَهَا أَتَى بِبَدَلِ الْأَوَّلِ ثُمَّ قَرَأَ مَا فِي الْوَسَطِ ثُمَّ أَتَى بِبَدَلِ الْآخَرِ، وَلَا يَكْفِيهِ أَنْ يُكَرِّرَ مَا يُحْسِنُهُ مِنْهَا بِقَدْرِهَا إذْ لَا يَكُونُ الشَّيْءُ الْوَاحِدُ أَصْلًا وَبَدَلًا بِلَا ضَرُورَةٍ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ.
لَا يُقَالُ: كَيْفَ يَجِبُ تَرْتِيبُ ذَلِكَ، «وَقَدْ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ لَمْ يُحْسِنْ الْفَاتِحَةَ بِأَنْ يَقُولَ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ» ، وَمِنْ جُمْلَتِهَا الْحَمْدُ لِلَّهِ وَهُوَ مِنْ الْفَاتِحَةِ وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِتَقْدِيمِ قَدْرِ الْبَسْمَلَةِ عَلَيْهِ، عَلَى أَنَّ مَنْ لَهُ قُدْرَةٌ عَلَى حِفْظِ هَذِهِ الْأَذْكَارِ لَهُ قُدْرَةٌ عَلَى حِفْظِ الْبَسْمَلَةِ بَلْ الْغَالِبُ حِفْظُهُ لَهَا وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِهَا فَضْلًا عَنْ تَقْدِيمِهَا.
لِأَنَّا نَقُولُ: الْخَبَرُ ضَعِيفٌ، وَعَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
لَكِنْ يُتَّجَهُ فِي هَذَا أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَنْوِيَ بِهِ الْقِرَاءَةَ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يَنْصَرِفُ لِلْقُرْآنِ بِمُجَرَّدِ التَّلَفُّظِ بِهِ انْتَهَى حَجّ.
وَعَلَيْهِ فَلَوْ أَطْلَقَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ كَلَامٌ أَجْنَبِيٌّ. [فَائِدَةٌ] لَوْ لَمْ يَحْفَظْ غَيْرَ التَّعَوُّذِ هَلْ يُكَرِّرُهُ بِقَدْرِ الْفَاتِحَةِ وَهَلْ يَطْلُبُ مِنْهُ الْإِتْيَانَ بِهِ أَوَّلًا بِقَصْدِ التَّعَوُّذِ الْمَطْلُوبِ أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ فِيهِمَا نَعَمْ (قَوْلُهُ: بَعِيدٌ) مُعْتَمَدٌ (قَوْلُهُ: إنَّ الْمُخْتَارَ مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ) لَمْ يَتَقَدَّمْ هُنَا شَيْءٌ عَنْ الْإِمَامِ، لَكِنَّ قَوْلَهُ وَاقْتَضَاهُ إطْلَاقُ الْجُمْهُورِ مُشْعِرٌ بِوُجُودِ خِلَافٍ، فَلَعَلَّ الْإِمَامَ مِنْ غَيْرِ الْجُمْهُورِ فَيَقُولُ بِعَدَمِ إجْزَاءِ الْمُتَفَرِّقَةِ حَيْثُ لَمْ تُفِدْ مَعْنًى مَنْظُومًا وَيُحْمَلُ إطْلَاقُهُمْ عَلَى الْغَالِبِ، ثُمَّ رَأَيْت شَارِحَ الرَّوْضِ صَرَّحَ بِذَلِكَ بَعْدَ قَوْلِ الْمَتْنِ إنْ أَفَادَتْ مَعْنًى مَنْظُومًا، وَنَصُّهُ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ تُفِدْ مَعْنًى كَثَمَّ نَظَرٌ كَذَا شَرَطَهُ الْإِمَامُ.
قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ: وَالْمُخْتَارُ مَا أَطْلَقَهُ الْجُمْهُورُ لِإِطْلَاقِ الْأَخْبَارِ انْتَهَى (قَوْلُهُ: وَمَا اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ) أَيْ مِنْ إجْزَاءِ الْمُتَفَرِّقَةِ وَإِنْ لَمْ تُفِدْ مَعْنًى مَنْظُومًا (قَوْلُهُ إنَّمَا يَنْقَدِحُ) أَيْ يَظْهَرُ (قَوْلُهُ: وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ) هُوَ قَوْلُهُ سَوَاءٌ أَفَادَتْ الْمُتَفَرِّقَةُ مَعْنًى مَنْظُومًا إلَخْ حَفِظَ غَيْرَهَا أَمْ لَا (قَوْلُهُ: وَعَرَفَ لِبَعْضِهَا الْآخَرِ بَدَلًا) شَامِلٌ لِلْقِرَاءَةِ وَالذِّكْرِ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ الْقُرْآنِ، وَيُصَرِّحُ بِهِ قَوْلُهُ فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ الصَّغِيرِ: فَلَوْ حَفِظَ أَوَّلَهَا فَقَطْ أَخَّرَ الذِّكْرَ عَنْهُ أَوْ آخِرَهَا فَقَطْ قَدَّمَ الذِّكْرَ انْتَهَى فَتَقْيِيدُ حَجّ الْبَدَلَ مِنْ كَوْنِهِ مِنْ الْقُرْآنِ لَعَلَّهُ مُجَرَّدُ تَصْوِيرٍ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ بَعْدُ: فَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ بَدَلًا كَرَّرَ مَا يَحْفَظُهُ مِنْهَا وَلَمْ يَقُلْ فَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ قُرْآنًا (قَوْلُهُ: فَإِنْ كَانَ) أَيْ مَا يَعْرِفُهُ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ) أَيْ بَدَلُ الْبَعْضِ الْآخَرِ فَإِنَّهُ يُكَرِّرُ مَا يَحْفَظُهُ مِنْ الْفَاتِحَةِ حَتَّى يَبْلُغَ عَدَدَ حُرُوفِهَا (قَوْلُهُ: وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ) زَادَ الشَّيْخُ عَمِيرَةُ: الْعَلِيَّ الْعَظِيمَ مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ، كَذَا وَرَدَ انْتَهَى.
وَفِي حَجّ مِثْلُ كَلَامِ الشَّارِحِ، ثُمَّ قَالَ: أَشَارَ فِيهِ إلَى السَّبْعَةِ: أَيْ الْأَنْوَاعِ السَّبْعَةِ بِذِكْرِ خَمْسَةٍ مِنْهَا، وَلَعَلَّهُ لَمْ يَذْكُرْ لَهُ الْآخَرَيْنِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ حِفْظُهُ لِلْبَسْمَلَةِ وَشَيْءٍ مِنْ الدُّعَاءِ انْتَهَى
ــ
[حاشية الرشيدي]
بِلَفْظٍ، وَهُوَ لِئَلَّا يَتَغَيَّرَ إعْرَابُهُ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَدْ جَعَلَهُ جَوَابًا لِشَرْطٍ مَحْذُوفٍ (قَوْلُهُ: مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ) يَعْنِي: الْمُقَابِلَ مَا اخْتَارَهُ فِي الْمَجْمُوعِ، وَهُوَ وُجُوبُ إفَادَتِهَا مَعْنًى مَنْظُومًا وَإِنْ لَمْ ي صَرِّحْ بِهِ (قَوْلُهُ: وَمَا اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ) يَنْبَغِي أَنْ يَزِيدَ قَبْلَهُ لَفْظَ قَالَ (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِتَقْدِيمِ قَدْرِ الْبَسْمَلَةِ) أَيْ بَلْ إنَّمَا أَمَرَهُ بِسُبْحَانَ اللَّهِ، وَهُوَ أَقَلُّ مِنْ الْبَسْمَلَةِ
فَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمَأْمُورَ كَانَ عَالِمًا بِالْحُكْمِ عَلَى أَنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ بَعْضُ آيَةٍ، فَإِنْ عَرَفَ مَعَ الذِّكْرِ آيَةً مِنْ غَيْرِهَا وَلَمْ يَعْرِفْ شَيْئًا مِنْهَا أَتَى بِهَا، ثُمَّ بِالذِّكْرِ تَقْدِيمًا لِلْجِنْسِ عَلَى غَيْرِهِ، وَلَوْ عَرَفَ بَعْضَ آيَةٍ لَزِمَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ فِي تِلْكَ دُونَ هَذِهِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّوْضَةِ، وَخَالَفَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فَجَزَمَ بِعَدَمِ لُزُومِهِ فِيهِمَا قَالَ: لِأَنَّهُ لَا إعْجَازَ فِيهِ: أَيْ مَعَ كَوْنِهِ بَعْضَ آيَةٍ، وَإِلَّا فَالْآيَةُ وَالْآيَتَانِ بَلْ وَالثَّلَاثُ الْمُتَفَرِّقَةُ لَا إعْجَازَ فِيهَا مَعَ أَنَّهُ يَلْزَمُ الْإِتْيَانُ بِهَا، هَذَا وَلَكِنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَالدَّمِيرِيُّ وَفِيمَا زَعَمَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ لِاقْتِضَائِهِ أَنَّ مِنْ أَحْسَنِ مُعْظَمِ آيَةِ الدِّينِ أَوْ آيَةِ كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ قِرَاءَتُهُ وَهُوَ بَعِيدٌ بَلْ هُوَ أَوْلَى مِنْ كَثِيرٍ مِنْ الْآيَاتِ الْقِصَارِ، فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ لِمَا لَا يُحْسِنُهُ مِنْهَا بَدَلًا كَرَّرَهُ لِيَبْلُغَ سَبْعًا، وَلَوْ قَدَرَ عَلَى قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ فِي أَثْنَاءِ الْبَدَلِ أَوْ قَبْلَهُ لَمْ يُجْزِهِ الْبَدَلُ وَأَتَى بِهَا أَوْ بَعْدَهُ وَقَبْلَ الرُّكُوعِ أَجْزَأَهُ، وَمِثْلُ ذَلِكَ قُدْرَتُهُ عَلَى الذِّكْرِ قَبْلَ أَنْ تَمْضِيَ وَقْفَةٌ بِقَدْرِ الْفَاتِحَةِ فَيَلْزَمُهُ الْإِتْيَانُ بِهِ وَهَذَا غَيْرُ خَاصٍّ بِالْفَاتِحَةِ، بَلْ يَطَّرِدُ فِي التَّكْبِيرِ وَالتَّشَهُّدِ، وَمُرَادُ الْمُصَنِّفِ بِالْمُتَوَالِيَةِ التَّوَالِي عَلَى تَرْتِيبِ الْمُصْحَفِ فَيُسْتَفَادُ التَّرْتِيبُ مَعَ التَّوَالِي جَمِيعًا بِخِلَافِ مَا لَوْ عَبَّرَ بِالْمُرَتَّبَةِ لَمْ يُسْتَفَدْ مِنْهَا التَّوَالِي.
(فَإِنْ عَجَزَ) عَنْ الْقُرْآنِ (أَتَى بِذِكْرٍ) كَتَسْبِيحٍ وَتَهْلِيلٍ وَنَحْوِهِ، أَوْ دُعَاءٍ أُخْرَوِيٍّ كَمَا
ــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: عَلَى أَنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ بَعْضُ آيَةٍ) هَذَا إنَّمَا يَتِمُّ عَلَى الْقَوْلِ: إنَّ بَعْضَ الْآيَةِ لَا يَجِبُ قِرَاءَتُهُ وَسَيَأْتِي مَا فِيهِ قَرِيبًا (قَوْلُهُ وَلَوْ عَرَفَ بَعْضَ آيَةٍ لَزِمَهُ) وَعَلَيْهِ فَيُشْكِلُ قَوْلُهُ قَبْلُ عَلَى أَنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ بَعْضُ آيَةٍ (قَوْلُهُ: فِي تِلْكَ) وَهِيَ مَا لَوْ عَرَفَ بَعْضَ الْفَاتِحَةِ وَعَرَفَ لِبَعْضِهَا الْآخَرِ بَدَلًا، وَقَوْلُهُ دُونَ هَذِهِ: أَيْ قَوْلُهُ فَإِنْ عَرَفَ مَعَ الذِّكْرِ آيَةً إلَخْ (قَوْلُهُ: هَذَا وَلَكِنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ إلَخْ) هَذَا الِاسْتِدْرَاكُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا قَالَهُ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْعُبَابِ مِنْ أَنَّهُ إذَا ذَكَرَ كَلَامًا وَتَعَقَّبَهُ بِمَا يُخَالِفُهُ كَانَ الثَّانِي هُوَ الْمُعْتَمَدُ (قَوْلُهُ: لِاقْتِضَائِهِ أَنَّ مَنْ أَحْسَنَ إلَخْ) أَيْ وَحَيْثُ لَمْ يُحْسِنْ إلَّا ذَلِكَ قَرَأَهُ، فَإِنْ بَلَغَ عَدَدَ حُرُوفِ الْفَاتِحَةِ فَذَاكَ وَإِلَّا كَرَّرَهُ بِعَدَدِ حُرُوفِهَا (قَوْلُهُ: كَرَّرَهُ لِيَبْلُغَ سَبْعًا) وَانْظُرْ لَوْ عَرَفَ بَدَلَ بَعْضِ مَا لَا يُحْسِنُهُ مِنْهَا كَأَنْ عَرَفَ مِنْهَا آيَتَيْنِ وَقَدَرَ عَلَى ثَلَاثٍ مِنْ الْبَدَلِ أَوْ عَكْسِهِ، فَهَلْ الَّذِي يُكَرِّرُهُ مِمَّا يُحْسِنُهُ مِنْهَا أَوْ مِنْ الْبَدَلِ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ أَنَّ الَّذِي يُكَرِّرُهُ مِنْ الْبَدَلِ أَخْذًا مِنْ تَعْلِيلِهِ السَّابِقِ بِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يَكُونُ أَصْلًا وَبَدَلًا بِلَا ضَرُورَةٍ، وَهُنَا لَا ضَرُورَةَ إلَى تَكْرِيرِ الْفَاتِحَةِ الَّتِي هِيَ أَصْلٌ حَقِيقَةً، وَيُحْتَمَلُ التَّخْيِيرُ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ الْبَدَلَ حِينَئِذٍ مُنَزَّلٌ مَنْزِلَةَ الْأَصْلِ فِي وُجُوبِ الْإِتْيَانِ بِهِ عَيْنًا (قَوْلُهُ: وَقَبْلَ الرُّكُوعِ) أَيْ وَلَوْ قَبْلَ الرُّكُوعِ كَمَا صَرَّحَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ (قَوْلُهُ: قَبْلَ أَنْ تَمْضِيَ وَقْفَةٌ إلَخْ) بِخِلَافِ مَا لَوْ قَدَرَ عَلَيْهِ بَعْدَ وَقْفَةٍ تَسَعُهَا فَلَا يَلْزَمُهُ لِأَنَّ الْوُقُوفَ بَدَلٌ وَقَدْ تَمَّ، لَكِنْ يَرُدُّ عَلَى جَعْلِ الْوُقُوفِ بَدَلًا مَا يَأْتِي مِنْ قَوْلِ الشَّارِحِ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ فِي نَفْسِهِ فَلَا يَسْقُطُ بِسُقُوطِ غَيْرِهِ.
(قَوْلُهُ كَتَسْبِيحٍ وَتَهْلِيلٍ وَنَحْوِهِ) أَيْ وَلَا يَجِبُ فِيهِ التَّرْتِيبُ كَتَرْتِيبِ الْفَاتِحَةِ (قَوْلُهُ: أَوْ دُعَاءٍ) عَطْفُ الدُّعَاءِ عَلَى الذِّكْرِ يَقْتَضِي تَغَايُرَهُمَا، فَالذِّكْرُ مَا دَلَّ عَلَى ثَنَاءٍ عَلَيْهِ سبحانه وتعالى كَسُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالدُّعَاءُ مَا دَلَّ عَلَى طَلَبٍ، ثُمَّ إنْ كَانَ الْمَطْلُوبُ ثَوَابَ الْآخِرَةِ فَهُوَ أُخْرَوِيٌّ، وَإِنْ كَانَ نَفْعًا دُنْيَوِيًّا فَهُوَ دُنْيَوِيٌّ، لَكِنْ فِي حَجّ فِي الْخُطْبَةِ مَا نَصُّهُ بَعْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَمَا وَجَدْته
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: فَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْمَأْمُورَ كَانَ عَالِمًا بِالْحُكْمِ) أَيْ: الَّذِي هُوَ تَقْدِيمُ الْبَسْمَلَةِ، لَكِنْ يُشْكِلُ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ تَقْدِيمُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَلَى الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالْقُرْآنُ يَجِبُ تَقْدِيمُهُ.
وَلَا يُقَالُ: سَيَأْتِي أَنَّهُ بَعْضُ آيَةٍ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: هَذَا جَوَابٌ آخَرُ، وَالْكَلَامُ فِي هَذَا الْجَوَابِ عَلَى حِدَتِهِ عَلَى أَنَّ ذَاكَ مَبْنِيٌّ عَلَى كَلَامِ ابْنِ الرِّفْعَةِ الْآتِي، وَهُوَ خِلَافُ الرَّاجِحِ (قَوْلُهُ: فِي تِلْكَ) يَعْنِي: فِيمَا إذَا كَانَ الْمَحْفُوظُ مِنْ الْفَاتِحَةِ وَقَوْلُهُ دُونَ هَذِهِ: يَعْنِي: فِيمَا إذَا كَانَ الْمَحْفُوظُ مِنْ غَيْرِهَا؛ لِأَنَّ هَذَا هُوَ مَحَلُّ كَلَامِ ابْنِ الرِّفْعَةِ وَغَيْرِهِ كَمَا يُعْلَمُ بِمُرَاجَعَةِ شَرْحِ الرَّوْضِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ مَا فِي حَاشِيَةِ الشَّيْخِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ: دُونَ هَذِهِ) أَيْ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْبَعْضُ مُعْظَمَ آيَةِ الدَّيْنِ أَوْ نَحْوَهَا، وَإِنْ اسْتَبْعَدَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَالدَّمِيرِيُّ كَمَا يَأْتِي كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ سِيَاقِ
فِي الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ لِلْخَبَرِ الْمَارِّ الدَّالِ عَلَى ذَلِكَ، وَيُعْتَبَرُ سَبْعَةُ أَنْوَاعٍ مِنْ الذِّكْرِ كَمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ خِلَافًا لِابْنِ الرِّفْعَةِ، وَالْحَدِيثُ لَا حُجَّةَ فِيهِ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ وُجُوبُ ثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ.
نَعَمْ حَدِيثُ «سُبْحَانَ اللَّهِ» إلَى آخِرِهِ أَقْرَبُ فِي الدَّلَالَةِ لِكَلَامِ الْبَغَوِيّ.
قَالَ الْإِمَامُ: وَلَوْ لَمْ يَعْرِفْ غَيْرَ الدُّعَاءِ الْمُتَعَلِّقِ بِالدُّنْيَا أَتَى بِهِ وَأَجْزَأَهُ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ بِالْإِدْغَامِ خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ، لِأَنَّ غَايَتَهُ أَنْ يُجْعَلَ الْمُدْغَمَ مُشَدَّدًا وَهُوَ حَرْفَانِ مِنْ الْفَاتِحَةِ وَالْبَدَلِ، وَمِنْهَا الْبَسْمَلَةُ وَالتَّشْدِيدَاتُ الْأَرْبَعَةَ عَشْرَ، وَجُمْلَةُ الْحُرُوفِ مِائَةٌ وَسِتَّةٌ وَخَمْسُونَ حَرْفًا بِقِرَاءَةِ مَالِكٍ، وَالْمُرَادُ أَنَّ الْمَجْمُوعَ لَا يَنْقُصُ عَنْ الْمَجْمُوعِ وَإِنْ تَفَاوَتَتْ الْآيَاتُ، وَيُحْسَبُ الْمُشَدَّدُ بِحَرْفَيْنِ مِنْ الْفَاتِحَةِ وَالْبَدَلِ.
وَالثَّانِي يَجُوزُ سَبْعُ آيَاتٍ أَوْ سَبْعَةُ أَذْكَارٍ مِنْ حُرُوفِ الْفَاتِحَةِ، لَا يَجُوزُ صَوْمُ يَوْمٍ قَصِيرٍ قَضَاءً عَنْ صَوْمِ يَوْمٍ طَوِيلٍ، وَرُدَّ بِأَنَّ الصَّوْمَ يَخْتَلِفُ زَمَانُهُ طُولًا وَقِصَرًا فَلَمْ يُعْتَبَرْ فِي قَضَائِهِ مُسَاوَاةً، بِخِلَافِ الْفَاتِحَةِ لَا تَخْتَلِفُ فَاعْتُبِرَ فِي بَدَلِهَا الْمُسَاوَاةُ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْبَدَلِ قَصْدُ الْبَدَلِيَّةِ بَلْ الشَّرْطُ أَنْ لَا يَقْصِدَ بِهِ غَيْرَهَا فَقَطْ (فَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ شَيْئًا) مِمَّا تَقَدَّمَ (وَقَفَ) وُجُوبًا (قَدْرَ الْفَاتِحَةِ) فِي ظَنِّهِ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ فِي نَفْسِهِ فَلَا يَسْقُطُ بِسُقُوطِ غَيْرِهِ.
وَيُسَنُّ أَنْ يَقِفَ بَعْدَ ذَلِكَ زَمَنًا يَسَعُ قِرَاءَةَ السُّورَةِ فِي مَحَلِّ طَلَبِهَا، وَلِلْفَاتِحَةِ سُنَّتَانِ سَابِقَتَانِ وَهُمَا الِافْتِتَاحُ وَالتَّعَوُّذُ. وَسُنَّتَانِ لَاحِقَتَانِ وَهُمَا التَّأْمِينُ وَالسُّورَةُ
وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ ذِكْرِ السَّابِقَتَيْنِ شَرَعَ فِي اللَّاحِقَتَيْنِ فَقَالَ (وَيُسَنُّ عَقِبَ الْفَاتِحَةِ) بَعْدَ سَكْتَةٍ لَطِيفَةٍ أَوْ بَدَلَهَا إنْ تَضَمَّنَ دُعَاءً فِيمَا
ــ
[حاشية الشبراملسي]
مِنْ الْأَذْكَارِ إلَخْ وَهُوَ: أَيْ الذِّكْرُ لُغَةً: كُلُّ مَذْكُورٍ، وَشَرْعًا: قَوْلٌ سِيقَ لِثَنَاءٍ أَوْ دُعَاءٍ، وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ شَرْعًا أَيْضًا لِكُلِّ قَوْلٍ يُثَابُ قَائِلُهُ انْتَهَى.
وَعَلَيْهِ فَالذِّكْرُ شَامِلٌ لِلدُّعَاءِ (قَوْلُهُ: لِلْخَبَرِ الْمَارِّ) اُنْظُرْ فِي أَيِّ مَحَلٍّ مَرَّ، وَلَعَلَّ مُرَادَهُ مَا قَدَّمَهُ مِنْ «أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام أَمَرَ مَنْ لَمْ يُحْسِنْ الْفَاتِحَةَ بِأَنْ يَقُولَ سُبْحَانَ اللَّهِ» إلَخْ، وَقَدْ جَزَمَ حَجّ بِالِاسْتِدْلَالِ بِهِ هُنَا عَلَى مَا ذُكِرَ (قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ نَقْصُ حُرُوفِ الْبَدَلِ) هَلْ يَكْتَفِي بِظَنِّهِ فِي كَوْنِ مَا أَتَى بِهِ قَدْرَ حُرُوفِ الْفَاتِحَةِ كَمَا اكْتَفَى بِهِ فِي كَوْنِ وُقُوفِهِ بِقَدْرِهَا كَمَا سَيَأْتِي انْتَهَى سم عَلَى حَجّ.
وَيَنْبَغِي الِاكْتِفَاءُ لِمَشَقَّةِ عَدِّ مَا يَأْتِي بِهِ مِنْ الْحُرُوفِ بَلْ قَدْ يَتَعَذَّرُ ذَلِكَ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ (قَوْلُهُ: بِقِرَاءَةِ مَالِكٍ) أَيْ بِالْأَلِفِ (قَوْلُهُ: وَالْبَدَلُ) أَيْ حَيْثُ لَمْ تَزِدْ التَّشْدِيدَاتُ فِي الْبَدَلِ عَلَى تَشْدِيدَاتِ الْفَاتِحَةِ وَإِلَّا حُسِبَ حَرْفًا وَاحِدًا (قَوْلُهُ: أَوْ تَعَوَّذَ بِقَصْدِ السُّنِّيَّةِ وَالْبَدَلِ لَمْ يَكْفِ) يَنْبَغِي أَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ مَا لَوْ قَرَأَ آيَةً تَشْتَمِلُ عَلَى دُعَاءٍ فَقَصَدَ بِهَا الدُّعَاءَ لِنَفْسِهِ وَالْقُرْآنَ، فَلَا تَكْفِي فِي أَدَاءِ الْوَاجِبِ إنْ كَانَتْ بَدَلًا، وَلَا فِي أَدَاءِ السُّورَةِ إنْ لَمْ تَكُنْ لِأَنَّهُ لَمَّا نَوَى بِذَلِكَ الْقُرْآنَ وَالدُّعَاءَ أَخْرَجَهُمَا بِالْقَصْدِ عَنْ كَوْنِهَا قُرْآنًا حُكْمًا فَلَا يُعْتَدُّ بِهَا فِيمَا يَتَوَقَّفُ حُصُولُهُ عَلَى الْقُرْآنِ.
(قَوْلُهُ: وَيُسَنُّ عَقِبَ الْفَاتِحَةِ) أَيْ لِقَارِئِهَا مَحَلِّيٌّ (قَوْلُهُ: إنْ تَضَمَّنَ دُعَاءً)
ــ
[حاشية الرشيدي]
الشَّارِحِ
(قَوْلُهُ: وَالْحَدِيثُ لَا حُجَّةَ فِيهِ) مُرَادُهُ بِهِ حَدِيثُ التِّرْمِذِيِّ «إذَا قُمْت إلَى الصَّلَاةِ فَتَوَضَّأْ كَمَا أَمَرَك اللَّهُ، ثُمَّ تَشَهَّدْ وَأَقِمْ ثُمَّ كَبِّرْ، فَإِنْ كَانَ مَعَك قُرْآنٌ فَاقْرَأْ، وَإِلَّا فَاحْمَدْ اللَّهَ وَهَلِّلْهُ وَكَبِّرْهُ» فَكَأَنَّهُ تَوَهَّمَ أَنَّهُ تَقَدَّمَ فِي كَلَامِهِ، وَقَدْ سَاقَهُ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ، وَلَيْسَ مُرَادُهُ الْحَدِيثَ الْمُتَقَدِّمَ فِي السُّؤَالِ، وَالْجَوَابِ؛ لِأَنَّهُ سَيَأْتِي الْإِشَارَةُ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: نَعَمْ حَدِيثُ سُبْحَانَ إلَخْ، وَيَدُلُّ لِمَا ذَكَرْته قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ وُجُوبُ ثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ؛ لِأَنَّ ذَاكَ فِيهِ خَمْسَةُ أَنْوَاعٍ (قَوْلُهُ: بِقَصْدِ السُّنِّيَّةِ، وَالْبَدَلِ لَمْ يَكْفِ) بَحَثَ الشَّيْخُ فِي الْحَاشِيَةِ أَنَّ مِثْلَهُ مَا إذَا شَرَّكَ فِي آيَةٍ تَتَضَمَّنُ الدُّعَاءَ بَيْنَ الْقُرْآنِيَّةِ وَالدُّعَاءِ لِنَفْسِهِ، وَفِيهِ وَقْفَةٌ لِلْفَرْقِ الظَّاهِرِ، إذْ هُوَ هُنَا شَرَّكَ بَيْنَ مَقْصُودَيْنِ لِذَاتِهِمَا لِلصَّلَاةِ هُمَا السُّنِّيَّةُ، وَالْفَرْضِيَّةُ فَإِذَا قَصَدَ
يَظْهَرُ مُحَاكَاةً لِلْمُبْدَلِ (آمِينَ) سَوَاءٌ أَكَانَ فِي صَلَاةٍ أَمْ لَا، لَكِنَّهُ فِيهَا أَشَدُّ اسْتِحْبَابًا لِخَبَرِ " أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ إذَا فَرَغَ مِنْ قِرَاءَةِ أُمِّ الْقُرْآنِ رَفَعَ صَوْتَهُ فَقَالَ آمِينَ يَمُدُّ بِهَا صَوْتَهُ " وَمُرَادُهُ بِالْعَقِبِ أَنْ لَا يَتَخَلَّلَ بَيْنَهُمَا لَفْظٌ، إذْ تَعْقِيبُ كُلِّ شَيْءٍ بِحَسْبِهِ فَلَا يُنَافِي مَا تَقَرَّرَ مِنْ سَنِّ السَّكْتَةِ اللَّطِيفَةِ بَيْنَهُمَا، إذْ لَا يَفُوتُ إلَّا بِالشُّرُوعِ فِي غَيْرِهِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ: أَيْ وَلَوْ سَهْوًا فِيمَا يَظْهَرُ، وَاخْتَصَّ بِالْفَاتِحَةِ لِشَرَفِهَا وَاشْتِمَالِهَا عَلَى دُعَاءٍ فَنَاسَبَ أَنْ يَسْأَلَ اللَّه تَعَالَى إجَابَتَهُ، وَيَجُوزُ فِي عَقِبَ ضَمُّ الْعَيْنِ وَإِسْكَانُ الْقَافِ، وَقَوْلُ كَثِيرٍ بِيَاءٍ بَعْدَ الْقَافِ لُغَةٌ ضَعِيفَةٌ، وَآمِينَ اسْمٌ مَبْنِيٌّ عَلَى الْفَتْحِ مِثْلَ أَيْنَ وَكَيْفَ بِمَعْنَى اسْتَجِبْ (خَفِيفَةَ الْمِيمِ بِالْمَدِّ) هُوَ الْأَفْصَحُ الْأَشْهَرُ (وَيَجُوزُ الْقَصْرُ) لِعَدَمِ إخْلَالِهِ بِالْمَعْنَى، وَحُكِيَ مَعَ الْمَدِّ لُغَةٌ ثَالِثَةٌ وَهِيَ الْإِمَالَةُ، وَحُكِيَ التَّشْدِيدُ مَعَ الْقَصْرِ وَالْمَدِّ: أَيْ قَاصِدِينَ إلَيْك وَأَنْتَ أَكْرَمُ أَنْ تُخَيِّبَ مَنْ قَصَدَك، وَهُوَ لَحْنٌ بَلْ قِيلَ شَاذٌّ مُنْكَرٌ، لَكِنْ لَا تَبْطُلُ بِهِ صَلَاةٌ لِقَصْدِهِ الدُّعَاءَ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ خِلَافًا لِمَا
ــ
[حاشية الشبراملسي]
ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ تَقَدُّمِ الدُّعَاءِ وَتَأَخُّرِهِ، لَكِنْ فِي سم عَلَى مَنْهَجٍ عَنْ الشَّارِحِ مَا نَصُّهُ: قَالَ م ر: لَوْ أَتَى بِبَدَلِ الْفَاتِحَةِ فَإِنْ خَتَمَ بِدُعَاءٍ أَمَّنَ عَقِبَهُ انْتَهَى.
وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يُؤَمِّنُ حَيْثُ قَدَّمَ الدُّعَاءَ، وَقَدْ يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُ الشَّارِحِ مُحَاكَاةً لِلْمُبْدَلِ (قَوْلُهُ: فَقَالَ آمِينَ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُهَا مَرَّةً وَاحِدَةً، لَكِنْ قَالَ فِي الْإِيعَابِ مَا نَصُّهُ: وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ وَائِلِ بْنِ حَجَرٍ أَنَّهُ قَالَ «رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ قَالَ آمِينَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ» وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ يُنْدَبُ تَكْرِيرُ آمِينَ ثَلَاثًا حَتَّى فِي الصَّلَاةِ، وَلَمْ أَرَ أَحَدًا صَرَّحَ بِذَلِكَ انْتَهَى.
أَقُولُ: وَمُجَرَّدُ أَخْذِهِ مِنْ الْحَدِيثِ لَا يَقْتَضِي أَنَّ الشَّافِعِيَّ يَقُولُ بِهِ لِجَوَازِ أَنَّهُ اطَّلَعَ عَلَيْهِ وَظَهَرَ لَهُ فِيهِ مَا يَمْنَعُ مِنْ الْأَخْذِ بِهِ، وَقَوْلُهُ إذَا صَحَّ الْحَدِيثُ فَهُوَ مَذْهَبِي لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ بَلْ اعْتَرَتْهُ أُمُورٌ ذَكَرَهَا حَجّ فِي الْإِيعَابِ فِي الْكَلَامِ عَلَى وَقْتِ الْمَغْرِبِ (قَوْلُهُ: أَنْ لَا يَتَخَلَّلَ بَيْنَهُمَا لَفْظٌ) نَعَمْ يَنْبَغِي اسْتِثْنَاءُ نَحْوِ رَبِّ اغْفِرْ لِي لِلْخَبَرِ الْحَسَنِ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ عَقِبَ وَلَا الضَّالِّينَ: رَبِّ اغْفِرْ لِي آمِينَ» حَجّ، وَيَنْبَغِي أَنَّهُ لَوْ زَادَ عَلَى ذَلِكَ وَلِوَالِدَيَّ وَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَضُرَّ أَيْضًا (قَوْلُهُ: إذْ لَا يَفُوتُ) أَيْ التَّأْمِينُ، وَقَوْلُهُ إلَّا بِالشُّرُوعِ فِيهِ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَفُوتُ بِالسُّكُوتِ وَإِنْ طَالَ، وَلَا يُنَافِيهِ تَعْبِيرُهُ بِالْعَقِبِ لِجَوَازِ حَمْلِهِ عَلَى أَنَّ الْأَوْلَى الْمُبَادَرَةُ إلَيْهِ لَا أَنَّهَا شَرْطٌ، لَكِنْ قَالَ حَجّ: إنَّهُ يَفُوتُ بِالسُّكُوتِ إذَا طَالَ نَظِيرَ مَا مَرَّ فِي الْمُوَالَاةِ (قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ فِي عَقِبَ ضَمُّ الْعَيْنِ إلَخْ) لَمْ يَذْكُرْ لِعَقِبَ ضَبْطًا لِعَيْنِهِ حَتَّى يَكُونَ مَا ذَكَرَهُ مُقَابِلًا لَهُ، وَفِي الْمُخْتَارِ: الْعَقِبُ بِكَسْرِ الْقَاقِ مُؤَخَّرُ الْقَدَمِ، ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَ كَلَامٍ طَوِيلٍ مَا نَصُّهُ: قُلْت: قَالَ الْأَزْهَرِيُّ فِي آخِرِ عَقِبَ: قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: فُلَانٌ يَبْقَى عَقِبَ آلِ فُلَانٍ: أَيْ بَعْدَهُمْ، وَلَمْ أَجِدْ فِي الصِّحَاحِ وَلَا فِي التَّهْذِيبِ حُجَّةً عَلَى صِحَّةِ قَوْلِ النَّاسِ جَاءَ فُلَانٌ عَقِبَ فُلَانٍ: أَيْ بَعْدَهُ إلَّا هَذَا، وَأَمَّا قَوْلُهُمْ جَاءَ عَقِيبَهُ بِمَعْنَى بَعْدَهُ فَلَيْسَ فِي الْكِتَابَيْنِ جَوَازُهُ (قَوْلُهُ: وَهُوَ لَحْنٌ) بَلْ قِيلَ شَاذٌّ مُنْكَرٌ: أَيْ التَّشْدِيدُ مَعَ الْمَدِّ وَالْقَصْرِ وَبِهِ صَرَّحَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ (قَوْلُهُ: أَيْ قَاصِدِينَ) تَفْسِيرَ الْمَدِّ (قَوْلُهُ: لِقَصْدِهِ الدُّعَاءَ) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ
ــ
[حاشية الرشيدي]
أَحَدَهُمَا فَاتَ الْآخَرُ، بِخِلَافِهِ فِي تِلْكَ مَعَ أَنَّ مَوْضُوعَ اللَّفْظِ فِيهِمَا الدُّعَاءُ
(قَوْلُهُ: إلَّا بِالشُّرُوعِ فِي غَيْرِهِ) أَيْ أَوْ يَطُولُ الْفَصْلُ بِحَيْثُ تَنْقَطِعُ نِسْبَتُهُ عَنْ الْفَاتِحَةِ (قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ الْقَصْرُ) أَيْ، فَهُوَ لُغَةٌ وَإِنْ أَوْهَمَ التَّعْلِيلُ خِلَافَهُ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ: بَعْدُ وَحَكَى مَعَ الْمَدِّ لُغَةً ثَالِثَةً وَهِيَ الْإِمَالَةُ (قَوْلُهُ: أَيْ قَاصِدِينَ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ تَفْسِيرٌ لِلتَّشْدِيدِ بِقِسْمَيْهِ الْقَصْرِ، وَالْمَدِّ وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي الْإِمْدَادِ، لَكِنْ فِي التُّحْفَةِ وَشَرْحِ الرَّوْضِ وَغَيْرِهِمَا أَنَّهُ تَفْسِيرٌ لِلْمُدُودِ فَقَطْ (قَوْلُهُ: أَنْ تَخِيبَ) لَعَلَّهُ سَقَطَ قَبْلَهُ بِلَفْظِ مِنْ وَهِيَ كَذَلِكَ فِي عِبَارَةِ التُّحْفَةِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ لَحْنٌ بَلْ قِيلَ شَاذٌّ مُنْكَرٌ) صَوَابُهُ، وَهُوَ شَاذٌّ مُنْكَرٌ بَلْ قِيلَ لَحْنٌ، ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ الشُّذُوذَ أَوْ اللَّحْنَ إنَّمَا هُوَ إذَا جَعَلْنَاهَا لُغَةً فِي آمِينَ بِمَعْنَى اسْمِ الْفِعْلِ لَا اسْمِ فَاعِلٍ بِمَعْنَى قَاصِدِينَ وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْهُ كَلَامُ الشَّارِحِ أَوَّلًا وَآخِرًا (قَوْلُهُ: لَكِنْ لَا تَبْطُلُ بِهِ الصَّلَاةُ) لَيْسَ مِنْ مَقُولِ الْقِيلِ
فِي الْأَنْوَارِ وَغَيْرِهِ، وَلَوْ زَادَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ أَوْ غَيْره مِنْ الذِّكْرِ فَحَسَنٌ.
(وَيُؤَمِّنُ مَعَ تَأْمِينِ إمَامِهِ) لَا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ، وَشَمَلَ ذَلِكَ مَا لَوْ وَصَلَ التَّأْمِينَ بِالْفَاتِحَةِ بِلَا فَصْلٍ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَلَيْسَ فِي الصَّلَاةِ مَا تُسَنُّ مُقَارَنَتُهُ فِيهِ غَيْرَهُ.
وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ خَبَرُ «إذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ فَأَمِّنُوا، فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» وَخَبَرُ «إذَا قَالَ أَحَدُكُمْ آمِينَ وَقَالَتْ الْمَلَائِكَةُ فِي السَّمَاءِ آمِينَ فَوَافَقَتْ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» رَوَاهُمَا الشَّيْخَانِ، وَالْمُرَادُ الصَّغَائِرُ فَقَطْ، وَإِنْ قَالَ ابْنُ السُّبْكِيّ فِي الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ إنَّهُ يَشْمَلُ الصَّغَائِرَ وَالْكَبَائِرَ، وَلَفْظُ مُسْلِمٍ «إذَا قَالَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ آمِينَ» فَظَاهِرُهُمَا الْأَمْرُ بِالْمُقَارَنَةِ بِأَنْ يَقَعَ تَأْمِينُ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ وَالْمَلَائِكَةِ دَفْعَةً وَاحِدَةً، وَلِأَنَّ الْمَأْمُومَ لَا يُؤَمِّنُ لِتَأْمِينِ إمَامِهِ بَلْ لِقِرَاءَتِهِ وَقَدْ فَرَغَتْ، وَبِذَلِكَ عُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ إذَا أَمَّنَ: إذَا أَرَادَ التَّأْمِينَ، وَيُوَضِّحُهُ خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ «إذَا قَالَ الْإِمَامُ غَيْرَ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ فَقُولُوا آمِينَ» قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَمَعْنَى مُوَافَقَتِهِ لِلْمَلَائِكَةِ أَنَّهُ وَافَقَهُمْ فِي الزَّمَنِ، وَقِيلَ فِي الصِّفَاتِ مِنْ الْإِخْلَاصِ وَغَيْرِهِ. قَالَ: وَهَؤُلَاءِ الْمَلَائِكَةُ قِيلَ هُمْ الْحَفَظَةُ، وَقِيلَ غَيْرُهُمْ لِخَبَرِ «فَوَافَقَ قَوْلُهُ قَوْلَ أَهْلِ السَّمَاءِ» وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّهُ إذَا قَالَهَا الْحَفَظَةُ قَالَهَا مَنْ فَوْقَهُمْ حَتَّى تَنْتَهِيَ إلَى السَّمَاءِ، وَلَوْ قِيلَ بِأَنَّهُمْ الْحَفَظَةُ وَسَائِرُ الْمَلَائِكَةِ لَكَانَ أَقْرَبَ، فَإِنْ فَاتَهُ قَرْنُ تَأْمِينِهِ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
يَقْصِدْ بِهِ الدُّعَاءَ بَطَلَتْ، وَبِهِ صَرَّحَ حَجّ حَيْثُ قَالَ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ: فَتَبْطُلُ الصَّلَاةُ مَا لَمْ يَرِدْ قَاصِدِينَ إلَيْك انْتَهَى.
وَمِثْلُهُ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ زَادَ) أَيْ بَعْدَ آمِينَ.
(قَوْلُهُ: مَعَ تَأْمِينِ إمَامِهِ) يَخْرُجُ مَا لَوْ كَانَ خَارِجَ الصَّلَاةِ فَسَمِعَ قِرَاءَةَ غَيْرِهِ مِنْ إمَامٍ أَوْ مَأْمُومٍ فَلَا يُسَنُّ لَهُ التَّأْمِينُ، وَفِيهِ كَلَامٌ فِي حَجّ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ: لَا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ) قَالَ الْمَحَلِّيُّ: فَإِنْ لَمْ يَتَّفِقْ ذَلِكَ أَمَّنَ عَقِبَ تَأْمِينِهِ (قَوْلُهُ: تَأْمِينَ الْمَلَائِكَةِ) أَيْ وَهُمْ يُؤَمِّنُونَ مَعَ تَأْمِينِ الْإِمَامِ.
قَالَ الْعَلْقَمِيُّ عَلَى الْجَامِعِ: الْمُرَادُ بِتَأْمِينِ الْمَلَائِكَةِ اسْتِغْفَارُهُمْ انْتَهَى.
أَقُولُ: فِيهِ أَنَّهُ إنْ كَانَ مَأْخَذُهُ قَوْلَهُمْ: إنَّ الصَّلَاةَ مِنْ الْمَلَائِكَةِ الِاسْتِغْفَارُ بِمَعْنَى أَنَّهُ مَتَى ذُكِرَ عَنْ الْمَلَائِكَةِ شَيْءٌ مِنْ أَنْوَاعِ الدُّعَاءِ يَكُونُ مَحْمُولًا عَلَى الِاسْتِغْفَارِ، فَفِيهِ أَنَّهُمْ إنَّمَا جَعَلُوا ذَلِكَ تَفْسِيرًا لِصَلَاةِ الْمَلَائِكَةِ: أَيْ دُعَائِهِمْ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِيمَا لَوْ أَسْنَدَ إلَيْهِمْ الدُّعَاءَ بِغَيْرِ لَفْظٍ مَخْصُوصٍ، أَمَّا إذَا أَسْنَدَ إلَيْهِمْ كَذَلِكَ كَمَا هُنَا وَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى ظَاهِرِهِ حَتَّى يُوجَدَ صَارِفٌ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَعْنَى تَأْمِينِ الْمَلَائِكَةِ قَوْلُهُمْ آمِينَ، وَيُصَرِّحُ بِهِ قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ: وَقَالَتْ الْمَلَائِكَةُ فِي السَّمَاءِ آمِينَ، وَإِنْ كَانَ مُسْتَنَدُهُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ وَرَدَ أَنَّ تَأْمِينَ الْمَلَائِكَةِ اسْتِغْفَارُهُمْ لَا قَوْلُهُمْ آمِينَ فَمُسَلَّمٌ لَكِنْ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَنْقُلَهُ (قَوْلُهُ وَيُوضِحُهُ) هُوَ بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الضَّادِ مُخَفَّفَةٌ مِنْ أَوْضَحَ
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَلَوْ زَادَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) هُوَ تَابِعٌ فِيهِ لِلْإِمْدَادِ، لَكِنَّ الَّذِي فِي كَلَامِ غَيْرِهِ الِاقْتِصَارُ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ وَأَصْلُ ذَلِكَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه فِي الْأُمِّ: لَوْ قَالَ آمِينَ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَغَيْرِهِ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى كَانَ حَسَنًا
(قَوْلُهُ: وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ خَبَرُ إلَخْ) وَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْهُ أَنَّ قَوْلَهُ: فَإِنَّهُ «مَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ» إلَخْ يَدُلُّ دَلَالَةَ إيمَاءٍ عَلَى أَنَّ عِلَّةَ طَلَبِ مُوَافَقَةِ الْإِمَامِ فِي التَّأْمِينِ هِيَ مُوَافَقَةُ تَأْمِينِ الْمَلَائِكَةِ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لِذِكْرِهِ فَائِدَةٌ، فَيُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّ تَأْمِينَ الْإِمَامِ يُوَافِقُ تَأْمِينَ الْمَلَائِكَةِ (قَوْلُهُ: فَظَاهِرُهُمَا الْأَمْرُ) أَيْ بِاللَّازِمِ وَضَمِيرُ التَّثْنِيَةِ لِلْخَبَرَيْنِ الْمَارَّيْنِ اللَّذَيْنِ لَفْظُ مُسْلِمٍ عِبَارَةٌ عَنْ ثَانِيهِمَا، وَلَك أَنْ تَمْنَعَ كَوْنَ ظَاهِرِهِمَا ذَلِكَ وَتَدَّعِيَ أَنَّ ظَاهِرَهُمَا طَلَبُ التَّأَخُّرِ، وَلِهَذَا قَالَ هُوَ فِيمَا يَأْتِي وَبِذَلِكَ عُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ إذَا أَمَّنَ إذَا أَرَادَ إلَخْ، فَلَوْ كَانَ ظَاهِرُهُمَا مَا ذَكَرَهُ هُنَا لَمْ يَحْتَجْ لِبَيَانِ الْمُرَادِ، إذْ هُوَ إنَّمَا يَكُونُ فِيمَا أُرِيدَ بِهِ غَيْرُ ظَاهِرِهِ (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ التَّأْمِينَ) دَلِيلٌ ثَانٍ لِطَلَبِ الْمُقَارَنَةِ فِي التَّأْمِينِ، فَهُوَ مَعْطُوفٌ فِي الْمَعْنَى عَلَى قَوْلِهِ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ (قَوْلُهُ: وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّهُ إذَا قَالَهَا، وَالْحَفَظَةُ قَالَهَا مِنْ فَوْقِهِمْ إلَخْ) هَذَا فِي الْحَقِيقَةِ جَمْعٌ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ فَيَنْتَفِي بِهِ كَوْنُ الْمُوَافِقِ خُصُوصَ الْحَفَظَةِ.
فَإِنْ قُلْت: وَجْهُ تَخْصِيصِهِمْ بِالْمُوَافَقَةِ أَنَّ تَأْمِينَ غَيْرِهِمْ إنَّمَا يَقَعُ تَبَعًا لَهُمْ فَيَلْزَمُ تَأَخُّرُهُ.
قُلْت:
بِتَأْمِينِهِ أَتَى بِهِ عَقِبَهُ.
وَإِنْ شَرَعَ الْإِمَامُ فِي السُّورَةِ فِيمَا يَظْهَرُ وَلَوْ أَخَّرَهُ عَنْ الزَّمَنِ الْمَسْنُونِ أَمَّنَ قَبْلَهُ وَلَمْ يَنْتَظِرْهُ اعْتِبَارًا بِالْمَشْرُوعِ، وَلَا يُنَافِيهِ مَا يَأْتِي فِي جَهْرِ الْإِمَامِ أَوْ إسْرَارِهِ مِنْ أَنَّ الْعِبْرَةَ فِيهِمَا بِفِعْلِهِ لَا بِالْمَشْرُوعِ لِأَنَّ السَّبَبَ لِلتَّأْمِينِ وَهُوَ انْقِضَاءُ قِرَاءَةِ الْإِمَامِ وُجِدَ فَلَمْ يَتَوَقَّفْ عَلَى شَيْءٍ آخَرَ، وَالسَّبَبُ فِي قِرَاءَةِ الْمَأْمُومِ لِلسُّورَةِ مُتَوَقِّفٌ عَلَى فِعْلِ الْإِمَامِ فَاعْتُبِرَ فِعْلُهُ.
قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَلَوْ قَرَأَ مَعَهُ وَفَرَغَا مَعًا كَفَى تَأْمِينٌ وَاحِدٌ أَوْ فَرَغَ قَبْلَهُ، قَالَ الْبَغَوِيّ: يَنْتَظِرُهُ، وَالْمُخْتَارُ أَوْ الصَّوَابُ أَنَّهُ يُؤَمِّنُ لِنَفْسِهِ ثُمَّ لِلْمُتَابَعَةِ.
(وَيَجْهَرُ بِهِ) الْمَأْمُومُ فِي الْجَهْرِيَّةِ (فِي الْأَظْهَرِ) تَبَعًا لِإِمَامِهِ وَالثَّانِي يُسِرُّ كَسَائِرِ أَذْكَارِهِ، وَقِيلَ إنْ كَثُرَ الْجَمْعُ جَهَرَ وَإِلَّا فَلَا.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُصَلِّيَ مَأْمُومًا أَوْ غَيْرَهُ يَجْهَرُ بِهِ إنْ طَلَب مِنْهُ الْجَهْرَ وَيُسِرُّ بِهِ إنْ طَلَبَ مِنْهُ الْإِسْرَارَ، أَمَّا الْإِمَامُ فَلِمَا مَرَّ وَأَمَّا الْمَأْمُومُ فَلِمَا رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: أَدْرَكْت مِائَتَيْنِ مِنْ الصَّحَابَةِ إذَا قَالَ الْإِمَامُ وَلَا الضَّالِّينَ رَفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بِآمِينَ.
وَصَحَّ عَنْهُ أَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ أَمَّنَ مَنْ وَرَاءَهُ حَتَّى إنَّ لِلْمَسْجِدِ لَلُجَّةً، وَأَمَّا الْمُنْفَرِدُ فَبِالْقِيَاسِ عَلَى الْمَأْمُومِ وَجَهْرُ الْأُنْثَى وَالْخُنَثِي بِهِ كَجَهْرِهِمَا بِالْقِرَاءَةِ وَسَيَأْتِي، وَالْأَمَاكِنُ الَّتِي يَجْهَرُ فِيهَا الْمَأْمُومُ خَلْفَ إمَامِهِ خَمْسَةٌ: تَأْمِينُهُ مَعَ إمَامِهِ، وَفِي دُعَائِهِ فِي قُنُوتِ الصُّبْحِ، وَفِي قُنُوتِ الْوِتْرِ فِي النِّصْفِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ، وَفِي قُنُوتِ النَّازِلَةِ فِي الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، وَإِذَا فَتَحَ عَلَيْهِ.
(وَيُسَنُّ) لِإِمَامٍ وَمُنْفَرِدٍ (سُورَةٌ) يَقْرَؤُهَا فِي صَلَاتِهِ (بَعْدَ الْفَاتِحَةِ) مَكْتُوبَةً وَلَوْ مَنْذُورَةً خِلَافًا لِلْإِسْنَوِيِّ، أَوْ نَافِلَةً: أَيْ قِرَاءَةُ شَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ آيَةٍ فَأَكْثَرَ، وَالْأَكْمَلُ ثَلَاثٌ، وَالْأَوْجَهُ حُصُولُ أَصْلِ السُّنَّةِ بِمَا دُونَ آيَةٍ إنْ أَفَادَ، وَأَنَّهُ لَوْ قَرَأَ الْبَسْمَلَةَ لَا بِقَصْدِ أَنَّهَا الَّتِي أَوَّلُ الْفَاتِحَةِ حَصَلَ أَصْلُ السُّنَّةِ لِأَنَّهَا آيَةٌ مِنْ كُلِّ سُورَةٍ، وَأَفْهَمَ قَوْلُهُ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ أَنَّهُ لَوْ قَدَّمَهَا عَلَيْهَا لَمْ تُحْسَبْ كَمَا لَوْ كَرَّرَ الْفَاتِحَةَ إلَّا إذَا لَمْ يَحْفَظْ غَيْرَهَا فِيمَا يَظْهَرُ، وَدَلِيلُنَا مَا صَحَّ مِنْ قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «أُمُّ الْقُرْآنِ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
إذَا بَيَّنَ قَالَهُ فِي الْمُخْتَارِ بِالْمَعْنَى (قَوْلُهُ: وَلَوْ أَخَّرَهُ) أَيْ الْإِمَامُ عَنْ الزَّمَنِ أَفْهَمَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُؤَخِّرْهُ بِأَنْ قَصُرَ الزَّمَنُ بَعْدَ فَرَاغِ الْقِرَاءَةِ لَا يُؤَمِّنُ حِينَئِذٍ، وَعَلَيْهِ فَلَوْ أَسْرَعَ بِالتَّأْمِينِ قَبْلَ إمَامِهِ فَهَلْ يُعْتَدُّ بِهِ فِي أَصْلِ السُّنَّةِ أَوْ لَا فَيَحْتَاجُ فِي أَدَائِهَا إلَى إعَادَتِهِ مَعَ الْإِمَامِ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ لِحُصُولِ مَا يَقْتَضِي التَّأْمِينَ وَهُوَ قِرَاءَةُ الْإِمَامِ (قَوْلُهُ كَفَى تَأْمِينٌ وَاحِدٌ) أَشْعَرَ بِأَنَّ تَكْرِيرَ التَّأْمِينِ أَوْلَى وَيُقَدَّمُ تَأْمِينُ قِرَاءَتِهِ.
(قَوْلُهُ: تَبَعًا لِإِمَامِهِ) أَيْ جَهْرًا مُتَوَسِّطًا وَتُكْرَهُ الْمُبَالَغَةُ فِيهِ (قَوْلُهُ عَنْ عَطَاءٍ) عِبَارَةُ حَجّ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ أَدْرَكَ مِائَتَيْ صَحَابِيٍّ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إذَا قَالَ إلَخْ (قَوْلُهُ: مَنْ وَرَاءَهُ) فَاعِلُ أَمَّنَ (قَوْلُهُ: لِلَّجَّةِ) هِيَ بِالْفَتْحِ وَالتَّشْدِيدِ اخْتِلَاطُ الْأَصْوَاتِ حَجّ.
(قَوْلُهُ سُورَةٌ) قَالَ الشَّيْخُ عَمِيرَةُ: يَجُوزُ الْهَمْزُ وَتَرْكُهُ وَهُوَ أَشْهَرُ وَبِهِ جَاءَ الْقُرْآنُ انْتَهَى سم عَلَى مَنْهَجٍ (قَوْلُهُ: مَكْتُوبَةً) حَالٌ مِنْ قَوْلِهِ فِي صَلَاتِهِ (قَوْلُهُ: آيَةً فَأَكْثَرَ) مَفْهُومُهُ أَنَّ مَا دُونَ الْآيَةِ لَا يُجْزِي فِي أَدَاءِ السُّنَّةِ وَسَيَأْتِي ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ وَالْأَوْجَهُ إلَخْ (قَوْلُهُ: لَا بِقَصْدِ أَنَّهَا الَّتِي أَوَّلُ الْفَاتِحَةِ) أَيْ فَإِنْ كَانَ بِقَصْدِ ذَلِكَ لَمْ تَحْصُلْ بِهِ السُّنَّةُ بَلْ تَبْطُلُ بِهِ الصَّلَاةُ إنْ قُلْنَا بِأَنَّ تَكْرِيرَ بَعْضِ الرُّكْنِ الْقَوْلِيِّ مُبْطِلٌ (قَوْلُهُ: إلَّا إذَا لَمْ يَحْفَظْ غَيْرَهَا فِيمَا يَظْهَرُ) أَيْ فَيُكَرِّرُهَا بِتَمَامِهَا إنْ أَرَادَ تَحْصِيلَ سُنَّةِ السُّورَةِ الْكَامِلَةِ أَوْ بَعْضِهَا وَإِنْ قَلَّ إنْ أَرَادَ أَنَّ أَصْلَ السُّنَّةِ هَذَا.
وَقَدْ يُقَالُ الْأَوْلَى عَدَمُ تَكْرِيرِهَا فَإِنَّ ذَلِكَ مُبْطِلٌ لِلصَّلَاةِ عَلَى قَوْلٍ، إلَّا أَنْ يُقَالَ مَحَلُّ جَرَيَانِ الْقَوْلِ بِالْبُطْلَانِ فِي غَيْرِ هَذِهِ الصُّورَةِ (قَوْلُهُ: وَدَلِيلُنَا) أَيْ لِسَنِّ السُّورَةِ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ، وَعِبَارَةُ حَجّ وَلَمْ تَجِبْ: أَيْ السُّورَةُ.
لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «أُمُّ الْقُرْآنِ عِوَضٌ عَنْ غَيْرِهَا وَلَيْسَ غَيْرُهَا عِوَضًا مِنْهَا» انْتَهَى وَهِيَ بِالْمِيمِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَالشَّارِحُ
ــ
[حاشية الرشيدي]
يُنَافِيهِ نَصُّ الْخَبَرِ الَّذِي اسْتَنَدَ إلَيْهِ الْقَوْلُ الثَّانِي الْمَنْصُوصُ فِيهِ عَلَى مُوَافَقَتِهِمْ.
فَإِنْ قُلْت يُمْكِنُ أَنْ يَقَعَ تَأْمِينُ أَهْلِ السَّمَاءِ مُقَارِنًا وَإِنْ كَانَ تَابِعًا لِتَأْمِينِ الْحَفَظَةِ خَرْقًا لِلْعَادَةِ.
قُلْت: فَلَا مَعْنَى لِتَخْصِيصِ الْحَفَظَةِ حِينَئِذٍ (قَوْلُهُ: فَاعْتُبِرَ فِعْلُهُ) ظَاهِرُ هَذَا الْفَرْقِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ التَّأْمِينُ لِقِرَاءَةِ الْإِمَامِ إذَا جَهَرَ فِي السِّرِّيَّةِ فَلْيُرَاجَعْ
(قَوْلُهُ: أَمَّا الْإِمَامُ فَلِمَا مَرَّ) أَيْ فِي خَبَرِ «كَانَ إذَا فَرَغَ مِنْ قِرَاءَةِ أُمِّ الْقُرْآنِ رَفَعَ صَوْتَهُ فَقَالَ آمِينَ يَمُدُّ بِهَا صَوْتَهُ» (قَوْلُهُ: لِلَّجَّةِ) بِالْفَتْحِ فَالتَّشْدِيدِ وَهِيَ اخْتِلَاطُ
عِوَضٌ عَنْ غَيْرِهَا وَلَيْسَ غَيْرُهَا عِوَضًا عَنْهَا» وَتَقَدَّمَ فِي التَّيَمُّمِ حُرْمَةُ مَا زَادَ عَلَى الْفَاتِحَةِ عَلَى الْجُنُبِ إذَا فَقَدَ الطَّهُورَيْنِ وَسُورَةٌ كَامِلَةٌ أَفْضَلُ مِنْ قَدْرِهَا مِنْ طَوِيلَةٍ لَا أَطْوَلَ مِنْهَا لِأَنَّ الِابْتِدَاءَ بِهَا وَالْوَقْفَ عَلَى آخِرِهَا صَحِيحَانِ بِالْقَطْعِ بِخِلَافِهِمَا فِي بَعْضِ الصُّورَةِ فَإِنَّهُمَا قَدْ يَخْفَيَانِ، ثُمَّ مَحَلُّ أَفْضَلِيَّتِهَا فِي غَيْرِ التَّرَاوِيحِ، أَمَّا فِيهَا فَقِرَاءَةُ بَعْضِ الطَّوِيلَةِ أَفْضَلُ كَمَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَغَيْرُهُ وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّ السُّنَّةَ فِيهَا الْقِيَامُ بِجَمِيعِ الْقُرْآنِ، وَعَلَيْهِ لَا يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِالتَّرَاوِيحِ بَلْ كُلُّ مَحَلٍّ وَرَدَ فِيهِ الْأَمْرُ بِالْبَعْضِ، فَالِاقْتِصَارُ عَلَيْهِ أَفْضَلُ كَقِرَاءَةِ آيَتَيْ الْبَقَرَةِ وَآلِ عِمْرَانَ فِي الْفَجْرِ،
وَلَوْ كَرَّرَ سُورَةً فِي الرَّكْعَتَيْنِ حَصَلَ أَصْلُ سُنَّةِ الْقِرَاءَةِ (إلَّا فِي الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ) مِنْ الرُّبَاعِيَّةِ وَالثَّالِثَةِ مِنْ الْمَغْرِبِ (فِي الْأَظْهَرِ) لِلِاتِّبَاعِ فِي الشِّقَّيْنِ، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ، وَمُقَابِلُ الْأَظْهَرِ دَلِيلُهُ الِاتِّبَاعُ فِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ وَالِاتِّبَاعَانِ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَيُقَاسُ عَلَيْهِمَا غَيْرُهُمَا، وَيُسَنُّ تَطْوِيلُ قِرَاءَةِ الْأُولَى عَلَى الثَّانِيَةِ فِي الْأَصَحِّ، وَكَذَا الثَّالِثَةُ عَلَى الرَّابِعَةِ عَلَى الثَّانِي، ثُمَّ فِي تَرْجِيحِهِمْ الْأَوَّلَ تَقْدِيمٌ لِدَلِيلِهِ النَّافِي عَلَى دَلِيلِ الثَّانِي الْمُثْبِتِ عَكْسُ الرَّاجِحِ فِي الْأُصُولِ لِمَا قَامَ عِنْدَهُمْ فِي ذَلِكَ، كَذَا قَالَهُ الشَّارِحُ.
قُلْت: هُوَ أَنَّ مِنْ طُرُقِ التَّرْجِيحِ اتِّفَاقَ الشَّيْخَيْنِ وَقَدْ اتَّفَقَا عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى، وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَرَوَاهَا مُسْلِمٌ فَقَطْ، فَقُدِّمَتْ الْأُولَى عَلَى الثَّانِيَةِ لِأَنَّهَا أَقْوَى وَأَنَّهُمْ إنَّمَا قَدَّمُوا النَّافِيَ خَشْيَةً مِنْ حُصُولِ الْمَلَلِ عَلَى الْمُصَلِّي وَلِهَذَا سُنَّ تَطْوِيلُ الْأُولَى عَلَى الثَّانِيَةِ، وَلَيْسَتْ عِلَّتُهُ فِيمَا يَظْهَرُ سِوَى النَّشَاطِ وَكَوْنِ الْفَرَاغِ فِيهَا أَكْثَرَ، وَحِينَئِذٍ فَقِرَاءَتُهُ عليه الصلاة والسلام فِي غَيْرِ الْأُولَيَيْنِ لِبَيَانِ الْجَوَازِ، أَوْ لِأَنَّهُ كُلَّمَا طَالَتْ صَلَاتُهُ زَادَتْ قُرَّةُ عَيْنِهِ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ، وَهَذَا نَظِيرُ قَوْلِهِمْ: يَجُوزُ أَنْ يَسْتَنْبِطَ مِنْ النَّصِّ مَعْنًى يُخَصِّصُهُ، وَشَمَلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ مَا لَوْ نَوَى الرُّبَاعِيَّةَ لِتَشَهُّدٍ وَاحِدٍ خِلَافًا لِقَضِيَّةِ كَلَامِ الزَّرْكَشِيّ فِي بَابِ التَّطَوُّعِ (قُلْت: فَإِنْ سَبَقَ بِهِمَا) أَيْ بِالثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ مِنْ صَلَاةِ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
ذَكَرَهَا بِالْعَيْنِ فِيهِمَا وَلَعَلَّهُمَا رِوَايَتَانِ (قَوْلُهُ: عِوَضٌ عَنْ غَيْرِهَا) يُتَأَمَّلُ مَعْنَى قَوْلِهِ عِوَضٌ عَنْ غَيْرِهَا فَإِنَّهَا حَيْثُ وَجَبَتْ كَانَ وُجُوبُهَا أَصْلِيًّا وَلَيْسَتْ عِوَضًا عَنْ شَيْءٍ، وَفِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مَا حَاصِلُهُ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالتَّعْوِيضِ أَنَّهُ كَانَ ثَمَّ وَاجِبٌ وَعُوِّضَتْ هَذِهِ عَنْهُ، بَلْ الْمُرَادُ أَنَّهَا اشْتَمَلَتْ عَلَى مَا فُصِّلَ فِي غَيْرِهَا مِنْ الذَّاتِ وَالصِّفَاتِ وَالثَّنَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَقَامَتْ مَقَامَ غَيْرِهَا فِي إفَادَةِ الْمَعْنَى الَّذِي اشْتَمَلَ عَلَيْهِ غَيْرُهَا وَلَيْسَ غَيْرُهَا مُشْتَمِلًا عَلَى مَا فِيهَا حَتَّى يَقُومَ مَقَامَهَا (قَوْلُهُ وَسُورَةٌ كَامِلَةٌ أَفْضَلُ مِنْ قَدْرِهَا مِنْ طَوِيلَةٍ) أَيْ وَمَعَ كَوْنِ السُّورَةِ الْكَامِلَةِ أَفْضَلَ مِنْ الْبَعْضِ لَوْ نَذَرَ بَعْضًا مُعَيَّنًا مِنْ سُورَةٍ وَجَبَ عَلَيْهِ قِرَاءَتُهُ، وَلَا تَقُومُ السُّورَةُ مَقَامَهُ وَإِنْ كَانَتْ السُّورَةُ أَطْوَلَ وَأَفْضَلَ، كَمَا لَوْ نَذَرَ التَّصَدُّقَ بِقَدْرٍ مِنْ الْفِضَّةِ وَتَصَدَّقَ بَدَلَهُ بِذَهَبٍ فَإِنَّهُ لَا يُجْزِيهِ، وَخَرَجَ بِقَوْلِنَا مُعَيَّنًا مَا لَوْ نَذَرَ بَعْضًا مُبْهَمًا مِنْ سُورَةٍ بِأَنْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَقْرَأَ بَعْضَ سُورَةٍ، فَيَبْرَأُ مِنْ عُهْدَةِ النَّذْرِ بِقِرَاءَةِ بَعْضٍ مِنْ أَيِّ سُورَةٍ، وَبِقِرَاءَةِ السُّورَةِ الْكَامِلَةِ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَى مَنْ قَرَأَ سُورَةً كَامِلَةً أَنَّهُ قَرَأَ بَعْضَهَا لِدُخُولِ الْجُزْءِ فِي ضِمْنِ الْكُلِّ (قَوْلُهُ: وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّ السُّنَّةَ إلَخْ) يُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ مَحَلَّ كَوْنِ الْبَعْضِ أَفْضَلَ إذَا أَرَادَ الصَّلَاةَ بِجَمِيعِ الْقُرْآنِ فِيهَا، فَإِنْ لَمْ يُرِدْ ذَلِكَ فَالسُّورَةُ أَفْضَلُ.
ثُمَّ رَأَيْت فِي سم عَلَى مَنْهَجِ التَّصْرِيحِ بِذَلِكَ، وَعِبَارَتُهُ وَافَقَ م ر عَلَى أَنَّ مَحَلَّ تَفْصِيلِ قِرَاءَةِ بَعْضِ الطَّوِيلَةِ فِي التَّرَاوِيحِ إذَا قَصَدَ الْقِيَامَ بِجَمِيعِ الْقُرْآنِ فِي رَمَضَانَ، فَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ ذَلِكَ فَهُوَ كَغَيْرِهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ انْتَهَى.
(قَوْلُهُ: فِي الشِّقَّيْنِ) هُمَا قَوْلُهُ وَيُسَنُّ سُورَةٌ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ وَقَوْلُهُ إلَّا فِي الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ (قَوْلُهُ: قُلْت: هُوَ) أَيْ الَّذِي قَامَ عِنْدَهُمْ (قَوْلُهُ: زَادَتْ قُرَّةُ عَيْنِهِ) وَأَصْحَابُهُ رضي الله عنهم لَا يَعْرِضُ لَهُمْ مِنْ الْكَسَلِ خَلْفَهُ عليه الصلاة والسلام مَا يَحْصُلُ لِغَيْرِهِمْ (قَوْلُهُ: مَا لَوْ نَوَى الرُّبَاعِيَّةَ)
ــ
[حاشية الرشيدي]
الْأَصْوَاتِ
(قَوْلُهُ:: وَعَلَّلُوهُ إلَخْ) يُؤْخَذُ مِنْ التَّعْلِيلِ أَنَّ مَحَلَّ الْأَفْضَلِيَّةِ إذَا قَصَدَ الْقِيَامَ بِالْقُرْآنِ، وَذَكَرَ الشِّهَابُ سم أَنَّ الشَّارِحَ قَدْ وَافَقَ عَلَيْهِ
(قَوْلُهُ: مَا لَوْ نَوَى الرُّبَاعِيَّةَ) يَعْنِي: فَعَلَهَا كَذَلِكَ إذْ الْكَلَامُ فِي الْفَرْضِ بِقَرِينَةِ مَا يَأْتِي لَهُ
نَفْسِهِ بِأَنْ لَمْ يُدْرِكْهُمَا مَعَ إمَامِهِ كَمَا أَوْضَحَهُ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي فَتَاوِيهِ أَتَمَّ إيضَاحٍ (قَرَأَهَا فِيهِمَا) حِينَ تَدَارَكَهُمَا (عَلَى النَّصِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِئَلَّا تَخْلُوَ صَلَاتُهُ عَنْهَا، وَقِيلَ لَا كَمَا لَا يَجْهَرُ فِيهِمَا، وَفَرَّقَ الْأَوَّلَ بِاسْتِحْبَابِ الْإِسْرَارِ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ، بِخِلَافِ الْقِرَاءَةِ فَإِنَّهُ لَا يُقَالُ يُسْتَحَبُّ تَرْكُهَا بَلْ لَا يُسْتَحَبُّ فِعْلُهَا، وَأَيْضًا فَالْقِرَاءَةُ سُنَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ وَالْجَهْرُ صِفَةٌ لِلْقِرَاءَةِ فَكَانَتْ أَخَفَّ، وَمَحَلُّ مَا تَقَرَّرَ حَيْثُ لَمْ يَقْرَأْهَا فِي أُولَيَيْهِ،
فَإِنْ قَرَأَهَا فِيهِمَا لِسُرْعَةِ قِرَاءَتِهِ وَبُطْءِ قِرَاءَةِ إمَامِهِ أَوْ لِكَوْنِ الْإِمَامِ قَرَأَهَا فِيهِمَا لَمْ يُسْتَحَبَّ لَهُ قِرَاءَتُهَا فِي الْأَخِيرَتَيْنِ، وَلَوْ سَقَطَتْ قِرَاءَتُهَا عَنْهُ لِكَوْنِهِ مَسْبُوقًا أَوْ بَطِيءَ الْحَرَكَةِ لَمْ يَقْرَأْهَا فِي الْأَخِيرَتَيْنِ (وَلَا سُورَةَ لِلْمَأْمُومِ) فِي جَهْرِيَّةٍ (بَلْ يَسْتَمِعُ) وَتُكْرَهُ لَهُ قِرَاءَتُهَا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ لِلنَّهْيِ الصَّحِيحِ عَنْ قِرَاءَتِهَا خَلْفَهُ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} [الأعراف: 204] وَالِاسْتِمَاعُ مُسْتَحَبٌّ لَا وَاجِبٌ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّ السُّنَّةَ فِي حَقِّهِ تَأْخِيرُ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ فِي الْأُولَيَيْنِ إلَى مَا بَعْدَ فَاتِحَةِ إمَامِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ لِبُعْدٍ أَوْ غَيْرِهِ فَقَدْ قَالَ الْمُتَوَلِّي: يُقَدِّرُ ذَلِكَ بِالظَّنِّ، وَلَمْ يَذْكُرُوا مَا يَقُولُهُ غَيْرُ السَّامِعِ فِي زَمَنِ سُكُوتِهِ، وَيُشْبِهُ أَنْ يُقَالَ يُطِيلُ دُعَاءَ الِافْتِتَاحِ الْوَارِدِ فِي الْأَحَادِيثِ أَوْ يَأْتِي بِذِكْرٍ آخَرَ، أَمَّا السُّكُوتُ الْمَحْضُ فَبَعِيدٌ، وَكَذَا قِرَاءَةُ غَيْرِ الْفَاتِحَةِ فَيَتَعَيَّنُ اسْتِحْبَابُ أَحَدِ هَذَيْنِ (فَإِنْ) لَمْ يَسْتَمِعْ قِرَاءَتَهُ كَأَنْ (بَعُدَ) عَنْ إمَامِهِ أَوْ كَانَ أَصَمَّ أَوْ سَمِعَ صَوْتًا لَمْ يَفْهَمْهُ (أَوْ كَانَتْ) صَلَاتُهُ (سِرِّيَّةً) وَأَسَرَّ فِيهَا إمَامُهُ أَوْ جَهْرِيَّةً وَلَمْ يَجْهَرْ فِيهَا كَمَا مَرَّ (قَرَأَ) الْمَأْمُومُ السُّورَةَ (فِي الْأَصَحِّ) إذْ سُكُوتُهُ لَا مَعْنَى لَهُ، وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ لَا يَقْرَأُ مُطْلَقًا لِإِطْلَاقِ النَّهْيِ، وَيُسَنُّ لِكُلٍّ مِنْ إمَامٍ وَمُنْفَرِدٍ جَهْرٌ فِي صُبْحٍ وَأُولَيَيْ مَغْرِبٍ وَعِشَاءٍ وَإِمَامٌ فِي جُمُعَةٍ لِلِاتِّبَاعِ، وَالْإِجْمَاعُ فِي الْإِمَامِ، وَقِيسَ عَلَيْهِ الْمُنْفَرِدُ، وَيُسِرُّ كُلٌّ مِنْهُمْ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ، ثُمَّ مَا تَقَرَّرَ فِي الْمُؤَدَّاةِ أَمَّا الْفَائِتَةُ فَالْعِبْرَةُ فِيهَا بِوَقْتِ الْقَضَاءِ فَيَجْهَرُ مِنْ غُرُوبِ الشَّمْسِ إلَى طُلُوعِهَا وَيُسِرُّ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ، وَعُلِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الصُّبْحِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ ثُمَّ طَلَعَتْ أَسَرَّ فِي الثَّانِيَةِ وَإِنْ كَانَتْ أَدَاءً وَهُوَ الْأَوْجَهُ.
نَعَمْ يُسْتَثْنَى صَلَاةُ الْعِيدِ فَيَجْهَرُ فِي قَضَائِهَا كَالْأَدَاءِ كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ، هَذَا كُلُّهُ بِالنِّسْبَةِ لِلذَّكَرِ، أَمَّا الْأُنْثَى وَالْخُنْثَى فَيَجْهَرَانِ إنْ لَمْ يَسْمَعْهُمَا أَجْنَبِيٌّ وَيَكُونُ جَهْرُهُمَا دُونَ جَهْرِ الذَّكَرِ، فَإِنْ كَانَ ثَمَّ أَجْنَبِيٌّ يَسْمَعُهُمَا كُرِهَ بَلْ يُسِرَّانِ، فَإِنْ جَهَرَا لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُمَا.
وَوَقَعَ فِي الْمَجْمُوعِ وَالتَّحْقِيقِ أَنَّ الْخُنْثَى يُسِرُّ بِحَضْرَةِ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَرَدَّهُ فِي الْمُهِمَّاتِ لِأَنَّهُ بِحَضْرَةِ النِّسَاءِ إمَّا ذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى، وَيُسْتَحَبُّ لَهُ الْجَهْرُ فِي الْحَالَتَيْنِ، وَيَجُوزُ حَمْلُ كَلَامِهِمَا عَلَى إسْرَارِهِ حَالَ اجْتِمَاعِ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَيَجْهَرُ فِي نَحْوِ عِيدٍ وَخُسُوفِ قَمَرٍ وَاسْتِسْقَاءٍ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
وَخَرَجَ بِهَا مَا لَوْ فَعَلَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ مِنْ النَّفْلِ بِتَشَهُّدٍ وَاحِدٍ كَمَا يَأْتِي قَبْلَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ رحمه الله الْخَامِسُ الرُّكُوعُ (قَوْلُهُ: بَلْ لَا يُسْتَحَبُّ فِعْلُهَا) أَيْ وَفَرْقٌ بَيْنَ قَوْلِهِمْ لَا يُسَنُّ فِعْلُ كَذَا وَبَيْنَ قَوْلِهِمْ يُسَنُّ أَنْ لَا يَفْعَلَ كَذَا، فَإِنَّ الْأَوَّلَ صَادِقٌ بِكَوْنِ الْفِعْلِ مُبَاحًا وَالثَّانِيَ مُحْتَمَلٌ لِكَوْنِهِ مَكْرُوهًا أَوْ خِلَافَ الْأَوْلَى.
(قَوْلُهُ وَبُطْءِ قِرَاءَةِ إمَامِهِ) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ تَمَكَّنَ مِنْ قِرَاءَتِهَا فِيهِمَا وَلَمْ يَفْعَلْ قَرَأَهَا فِي الْأَخِيرَتَيْنِ، وَفِي كَلَامِ شَيْخِنَا الزِّيَادِيِّ مَا يُخَالِفُهُ حَيْثُ قَالَ: وَفِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ عَنْ التَّبْصِرَةِ مَتَى أَمْكَنَ الْمَسْبُوقَ قِرَاءَةُ السُّورَةِ فِي أُولَتَيْهِ لِنَحْوِ بُطْءِ قِرَاءَةِ إمَامِهِ قَرَأَهَا الْمَأْمُومُ مَعَهُ وَلَا يُعِيدُهَا فِي آخِرَتَيْهِ: أَيْ وَإِنْ لَمْ يَقْرَأْهَا مَعَهُ، وَيُوَجَّهُ بِأَنَّهُ لَمَّا تَمَكَّنَ فَتَرَكَ عُدَّ مُقَصِّرًا فَلَمْ يُشْرَعْ لَهُ تَدَارُكٌ انْتَهَى (قَوْلُهُ: وَلَوْ سَقَطَتْ قِرَاءَتُهَا عَنْهُ) أَيْ الْمَأْمُومِ (قَوْلُهُ: وَكَذَا قِرَاءَةُ غَيْرِ الْفَاتِحَةِ) أَيْ بَعِيدٌ، وَعِبَارَةُ حَجّ اسْتِحْبَابُ قِرَاءَةِ غَيْرِ الْفَاتِحَةِ بَعِيدٌ وَالظَّاهِرُ كَرَاهَتُهُ (قَوْلُهُ: أَحَدُ هَذَيْنِ) هُمَا قَوْلُهُ يُطِيلُ دُعَاءَ الِافْتِتَاحِ، وَقَوْلُهُ أَنْ يَأْتِيَ بِذِكْرٍ آخَرَ (قَوْلُهُ: فَيَجْهَرَانِ إنْ لَمْ يَسْمَعْهُمَا)
ــ
[حاشية الرشيدي]
قُبَيْلَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ الْخَامِسُ الرُّكُوعُ، وَالْفَرْضُ لَا دَخْلَ لِنِيَّةِ ذَلِكَ، وَعَدَمِ نِيَّتِهِ فِيهِ
(قَوْلُهُ: وَلَوْ سَقَطَتْ قِرَاءَتُهَا عَنْهُ إلَخْ)
وَتَرَاوِيحَ وَوِتْرٍ فِي رَمَضَانَ وَرَكْعَتَيْ طَوَافٍ وَقْتَ جَهْرٍ، فَإِنْ كَانَتْ مُطْلَقَةً وَفَعَلَهَا لَيْلًا سُنَّ لَهُ تَوَسُّطٌ بَيْنَ جَهْرٍ وَإِسْرَارٍ وَإِنْ لَمْ يَخَفْ رِيَاءً أَوْ تَشْوِيشًا عَلَى مُصَلٍّ أَوْ نَائِمٍ، وَإِلَّا سُنَّ لَهُ الْإِسْرَارُ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ.
وَيُقَاسُ عَلَى مَا ذُكِرَ مَنْ يَجْهَرُ بِذِكْرٍ أَوْ قِرَاءَةٍ بِحَضْرَةِ مَنْ يَشْتَغِلُ بِمُطَالَعَةٍ أَوْ تَدْرِيسٍ أَوْ تَصْنِيفٍ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، قَالَ: وَلَا خَفَاءَ أَنَّ الْحُكْمَ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْجَهْرِ وَالْإِسْرَارِ بِكَوْنِهِ سُنَّةً مِنْ حَيْثُ ذَاتُهُ، وَالْمُرَادُ بِالتَّوَسُّطِ أَنْ يَزِيدَ عَلَى أَدْنَى مَا يُسْمِعُ نَفْسَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَبْلُغَ الزِّيَادَةُ إلَى سَمَاعِ مَنْ يَلِيهِ وَفِيهِ عُسْرٌ، وَلَعَلَّهُ مَلْحَظُ قَوْلِ بَعْضِهِمْ لَا يَكَادُ يَتَحَرَّرُ، وَفَسَّرَهُ بَعْضُهُمْ بِأَنْ يَجْهَرَ تَارَةً وَيُسِرَّ أُخْرَى كَمَا وَرَدَ مِنْ فِعْلِهِ صلى الله عليه وسلم، وَاسْتَحْسَنَهُ الزَّرْكَشِيُّ قَالَ: وَلَا يَسْتَقِيمُ تَفْسِيرُهُ بِغَيْرِ ذَلِكَ بِنَاءً عَلَى مَا ادَّعَاهُ مِنْ عَدَمِ تَعَقُّلِ وَاسِطَةٍ بَيْنَهُمَا وَقَدْ عُلِمَ تَعَقُّلُهَا، وَيُسْتَحَبُّ سُكُوتُ الْإِمَامِ بَعْدَ تَأْمِينِهِ فِي الْجَهْرِيَّةِ قَدْرَ مَا يَقْرَأُ الْمَأْمُومُ الْفَاتِحَةَ، وَيَشْتَغِلُ حِينَئِذٍ بِدُعَاءٍ أَوْ ذِكْرٍ أَوْ قِرَاءَةٍ سِرًّا قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ، وَالْقِرَاءَةُ أَوْلَى وَالسَّكَتَاتُ الْمُسْتَحَبَّةُ فِي الصَّلَاةِ أَرْبَعٌ عَلَى الْمَشْهُورِ: سَكْتَةٌ بَعْدَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ يَفْتَتِحُ فِيهَا، وَثَانِيَةٌ بَيْنَ وَلَا الضَّالِّينَ وَآمِينَ، وَثَالِثَةٌ لِلْإِمَامِ بَيْنَ التَّأْمِينِ فِي الْجَهْرِيَّةِ وَقِرَاءَةِ السُّورَةِ بِقَدْرِ قِرَاءَةِ الْمَأْمُومِ الْفَاتِحَةَ، وَرَابِعَةٌ قَبْلَ تَكْبِيرَةِ الرُّكُوعِ.
وَتَسْمِيَةُ كُلٍّ مِنْ الْأُولَى وَالثَّالِثَةِ سَكْتَةٌ مَجَازٌ فَإِنَّهُ لَا يَسْكُتُ حَقِيقَةً لِمَا تَقَرَّرَ فِيهِمَا قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ، وَعَدَّهَا الزَّرْكَشِيُّ خَمْسَةً الثَّلَاثَةَ الْأَخِيرَةَ وَسَكْتَةً بَيْنَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَالِافْتِتَاحِ وَسَكْتَةً بَيْنَ الِافْتِتَاحِ وَالْقِرَاءَةِ، وَعَلَيْهِ لَا مَجَازَ إلَّا فِي سَكْتَةِ الْإِمَامِ بَعْدَ التَّأْمِينِ (وَيُسَنُّ) لِمُنْفَرِدٍ وَإِمَامِ مَحْصُورِينَ مُتَّصِفِينَ بِمَا مَرَّ رَضُوا بِالتَّطْوِيلِ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
أَيْ فِي مَحَلِّ الْجَهْرِ (قَوْلُهُ: فَإِنْ كَانَتْ) أَيْ الصَّلَاةُ الَّتِي يُصَلِّيهَا نَافِلَةً مُطْلَقَةً، وَهُوَ مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ وَالْجَهْرُ فِي نَحْوِ عِيدٍ إلَخْ (قَوْلُهُ: سُنَّ لَهُ تَوَسُّطٌ) قَضِيَّةُ تَخْصِيصِ ذَلِكَ بِالنَّفْلِ الْمُطْلَقِ أَنَّ مَا طُلِبَ فِيهِ الْجَهْرُ كَالْعِشَاءِ وَالتَّرَاوِيحِ لَا يَتْرُكُهُ لِمَا ذُكِرَ، وَهُوَ ظَاهِرٌ لِأَنَّهُ مَطْلُوبٌ لِذَاتِهِ فَلَا يُتْرَكُ لِهَذَا الْعَارِضِ، وَخَرَجَ بِالنَّفْلِ الْمُطْلَقِ رَوَاتِبُ الْفَرَائِضِ فَيُسِرُّ فِيهَا، وَلَعَلَّ الْفَرْقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ النَّفْلِ الْمُطْلَقِ أَنَّهَا لَمَّا شُرِعَتْ مَحْصُورَةً فِي عَدَدٍ مُعَيَّنٍ أَشْبَهَتْ الْفَرَائِضَ فَلَمْ تُغَيَّرْ عَمَّا وَرَدَ فِيهَا عَنْ الشَّارِعِ وَالنَّوَافِلُ الْمُطْلَقَةُ لَا حَصْرَ لَهَا فَهِيَ مِنْ حَيْثُ عَدَمُ الْعِقَابِ عَلَيْهَا أَشْبَهَتْ الرَّوَاتِبَ، وَمِنْ حَيْثُ إنَّ الْمُكَلَّفَ يُنْشِئُهَا بِاخْتِيَارِهِ وَأَنَّهَا لَا حَصْرَ لَهَا كَانَتْ وَاسِطَةً بَيْنَ الرَّوَاتِبِ وَالْفَرَائِضِ وَلَمْ يَرِدْ فِيهَا شَيْءٌ بِخُصُوصِهَا فَطُلِبَ فِيهَا التَّوَسُّطُ لِتَكُونَ آخِذَةً طَرَفًا مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا، وَخَصَّ التَّوَسُّطَ فِيهَا بِنَفْلِ اللَّيْلِ لِأَنَّ اللَّيْلَ مَحَلُّ الْجَهْرِ وَالتَّوَسُّطُ قَرِيبٌ مِنْهُ.
وَبَقِيَ حِكْمَةُ الْجَهْرِ فِي مَحَلِّ الْجَهْرِ مَا هِيَ، وَلَعَلَّهَا أَنَّهُ لَمَّا كَانَ اللَّيْلُ مَحَلَّ الْخَلْوَةِ وَيَطِيبُ فِيهِ السَّمَرُ شُرِعَ الْجَهْرُ فِيهِ إظْهَارًا لِلَّذَّةِ مُنَاجَاةِ الْعَبْدِ لِرَبِّهِ، وَخُصَّ بِالْأَوَّلِيَّيْنِ لِنَشَاطِ الْمُصَلِّي فِيهِمَا وَالنَّهَارُ لَمَّا كَانَ مَحَلَّ الشَّوَاغِلِ وَالِاخْتِلَاطِ بِالنَّاسِ طُلِبَ فِيهِ الْإِسْرَارُ لِعَدَمِ صَلَاحِيَّتِهِ لِلتَّفَرُّغِ لِلْمُنَاجَاةِ.
وَأُلْحِقَ الصُّبْحُ بِالصَّلَاةِ اللَّيْلِيَّةِ لِأَنَّ وَقْتَهُ لَيْسَ مَحَلًّا لِلشَّوَاغِلِ عَادَةً كَيَوْمِ الْجُمُعَةِ (بِكَوْنِهِ سُنَّةً) مِنْ حَيْثُ ذَاتُهُ وَإِلَّا فَقَدْ يَعْرِضُ لَهُ مَا يَقْتَضِي كَرَاهَتَهُ أَوْ وُجُوبَهُ كَرُؤْيَةِ مُشْرِفٍ عَلَى هَلَاكٍ وَأَمْكَنَ مَنْعُهُ بِالْجَهْرِ (قَوْلُهُ: وَقَدْ عَلِمَ تَعَقُّلَهَا) أَيْ مِنْ قَوْلِهِ: وَالْمُرَادُ بِالتَّوَسُّطِ أَنْ يَزِيدَ عَلَى أَدْنَى إلَخْ.
أَقُولُ: وَأَوْلَى مِنْهُ أَنْ يُقَالَ: الْمُرَادُ بِالتَّوَسُّطِ أَنْ يَرْفَعَ صَوْتَهُ بِهَا رَفْعًا لَا يَقْصِدُ بِهِ سَمَاعَ مَنْ عِنْدَهُ وَإِنْ سَمِعَهُ بِالْفِعْلِ (قَوْلُهُ: وَالْقِرَاءَةُ أَوْلَى) أَيْ فَيَقْرَأُ مَثَلًا بَعْضَ السُّورَةِ الَّتِي يُرِيدُ قِرَاءَتَهَا سِرًّا فِي زَمَنِ قِرَاءَةِ الْمَأْمُومِينَ ثُمَّ يُكْمِلُهَا جَهْرًا، وَفِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ يَقْرَأُ مِمَّا يَلِي السُّورَةَ الَّتِي قَرَأَهَا فِي الْأُولَى سِرًّا قَدْرَ زَمَنِ قِرَاءَةِ الْمَأْمُومِينَ ثُمَّ يُكْمِلُهَا جَهْرًا، وَقَوْلُهُ بِقَدْرِ
ــ
[حاشية الرشيدي]
اُنْظُرْ هَلْ هَذَا فِي الْمُوَافِقِ، أَوْ فِي الْمَسْبُوقِ، أَوْ فِيمَا هُوَ أَعَمُّ (قَوْلُهُ: فَإِنْ كَانَتْ مُطْلَقَةً) أَيْ الصَّلَاةُ الْمَفْهُومَةُ مِنْ الْمَقَامِ (قَوْلُهُ: وَيُقَاسُ عَلَى مَا ذُكِرَ مَنْ يَجْهَرُ إلَخْ) أَيْ فَيُطْلَبُ مِنْهُ الْإِسْرَارُ فِي الْحَالَاتِ الْمَذْكُورَةِ (قَوْلُهُ: إنْ لَمْ يَخَفْ إلَخْ) هَذَا لَا يَتَأَتَّى عَلَى مَا اخْتَارَهُ فِيمَا يَأْتِي فِي تَفْسِيرِ الْوَاسِطَةِ (قَوْلُهُ: وَلَا خَفَاءَ أَنَّ الْحُكْمَ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْجَهْرِ إلَخْ) أَيْ الْوَاقِعُ ذَلِكَ فِي كَلَامِهِمْ: أَيْ فَلَا يُنَافِي طَلَبَ الْإِسْرَارِ فِيمَا ذُكِرَ لِهَذَا الْعَارِضِ (قَوْلُهُ: لِمُنْفَرِدٍ، وَإِمَامِ مَحْصُورَيْنِ إلَخْ) هَذَا بِالنَّظَرِ
(لِلصُّبْحِ وَالظُّهْرِ طِوَالُ الْمُفَصَّلِ) بِكَسْرِ الطَّاءِ جَمْعٌ وَالْمُفْرَدُ طَوِيلٌ (وَلِلْعَصْرِ وَالْعِشَاءِ أَوْسَاطُهُ وَلِلْمَغْرِبِ قِصَارُهُ) وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَقْرَأَ فِي الظُّهْرِ بِقَرِيبٍ مِنْ الطِّوَالِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ، وَإِطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ مَحْمُولٌ عَلَى ذَلِكَ، وَالْحِكْمَةُ فِيمَا ذُكِرَ أَنَّ وَقْتَ الصُّبْحِ طَوِيلٌ وَصَلَاتَهُ رَكْعَتَانِ فَنَاسَبَ تَطْوِيلُهُمَا، وَوَقْتُ الْمَغْرِبِ ضَيِّقٌ فَنَاسَبَ فِيهِ الْقِصَارُ، وَأَوْقَاتُ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْعِشَاءِ طَوِيلَةٌ، وَلَكِنَّ الصَّلَوَاتِ طَوِيلَةٌ أَيْضًا، فَلَمَّا تَعَارَضَ ذَلِكَ رُتِّبَ عَلَيْهِ التَّوَسُّطُ فِي غَيْرِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْعِشَاءِ مِنْ الطِّوَالِ، وَيُسْتَثْنَى كَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي مُخْتَصَرِهِ وَالْغَزَالِيُّ فِي عُقُودِ الْمُخْتَصَرِ وَإِحْيَائِهِ صَلَاةُ الصُّبْحِ لِلْمُسَافِرِ فَإِنَّ الْمُسْتَحَبَّ أَنْ يَقْرَأَ فِي الْأُولَى مِنْهَا قُلْ يَأَيُّهَا الْكَافِرُونَ وَالثَّانِيَةُ الْإِخْلَاصُ وَأَوَّلُ الْمُفَصَّلِ الْحُجُرَاتُ عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ عَشَرَةِ أَقْوَالٍ، وَطِوَالُهُ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ كَقَافٍ وَالْمُرْسَلَاتِ وَأَوْسَاطُهُ كَالْجُمُعَةِ وَقِصَارُهُ كَالْعَصْرِ وَالْإِخْلَاصِ وَالْمُفَصَّلُ: الْمُبَيَّنُ قَالَ تَعَالَى {كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ} [فصلت: 3] أَيْ جُعِلَتْ تَفَاصِيلَ فِي مَعَانٍ مُخْتَلِفَةٍ،
وَسُنَّ لَهُ أَنْ يَقْرَأَ عَلَى تَرْتِيبِ الْمُصْحَفِ، لِأَنَّهُ إنْ كَانَ تَوْقِيفِيًّا وَهُوَ مَا عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ فَوَاضِحٌ.
أَوْ اجْتِهَادِيًّا وَهُوَ مَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ فَقَدْ وَقَعَ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ عَلَيْهِ، وَقِرَاءَتُهُ صلى الله عليه وسلم خِلَافُ ذَلِكَ لِبَيَانِ الْجَوَازِ، أَمَّا تَرْتِيبُ كُلِّ سُورَةٍ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ الْآنَ فِي الْمُصْحَفِ فَتَوْقِيفِيٌّ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى بِلَا خِلَافٍ، وَخَصَّهُ الْأَذْرَعِيُّ بِمَا إذَا لَمْ تَكُنْ التَّالِيَةُ لَهَا أَطْوَلَ كَالْأَنْفَالِ وَبَرَاءَةَ لِئَلَّا تَطُولَ الثَّانِيَةُ عَلَى الْأُولَى، وَهُوَ خِلَافُ السُّنَّةِ.
وَقَدْ يُقَالُ لَا يَرِدُ ذَلِكَ عَلَى كَلَامِهِمْ لِأَنَّ طُولَ الثَّانِيَةِ لَا يُنَافِي تَرْتِيبَ الْمُصْحَفِ وَيَقْتَصِرُ عَلَى بَعْضِهَا حِينَئِذٍ فَقَدْ جَمَعَ بَيْنَ تَرْتِيبِهِ وَطُولِ الْأُولَى عَلَى الثَّانِيَةِ (وَلِصُبْحِ الْجُمُعَةِ) فِي الْأُولَى (الم تَنْزِيلُ وَفِي الثَّانِيَةِ هَلْ أَتَى) بِكَمَالِهِمَا لِلِاتِّبَاعِ، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ، وَيُسَنُّ الْمُدَاوَمَةُ عَلَيْهِمَا وَلَا نَظَرَ إلَى كَوْنِ الْعَامَّةِ قَدْ تَعْتَقِدُ وُجُوبَهُمَا خِلَافًا لِمَنْ نَظَرَ إلَى ذَلِكَ وَشَمَلَ ذَلِكَ مَا إذَا كَانَ إمَامًا لِغَيْرِ مَحْصُورِينَ وَلَوْ ضَاقَ الْوَقْتُ عَنْ قِرَاءَةِ جَمِيعِهَا قَرَأَ مَا أَمْكَنَ مِنْهَا وَلَوْ آيَةَ السَّجْدَةِ، وَكَذَا فِي الْأُخْرَى يَقْرَأُ مَا أَمْكَنَهُ مِنْ هَلْ أَتَى، فَإِنْ قَرَأَ غَيْرَ ذَلِكَ كَانَ تَارِكًا لَلسُّنَّةِ قَالَهُ الْفَارِقِيُّ وَغَيْرُهُ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَإِنْ نُوزِعَ فِيهِ، وَلَوْ اقْتَصَرَ الْمُتَنَفِّلُ عَلَى تَشَهُّدٍ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
قِرَاءَةِ الْمَأْمُومِ الْفَاتِحَةَ: أَيْ بِاعْتِبَارِ الْوَسَطِ الْمُعْتَدِلِ (قَوْلُهُ طِوَالُ الْمُفَصَّلِ) فَإِنْ قُلْت: طَلَبُ طِوَالِ الْمُفَصَّلِ فِي الصُّبْحِ يُنَافِي مَا قِيلَ فِي حِكْمَةِ مَشْرُوعِيَّتِهَا رَكْعَتَيْنِ مِنْ كَوْنِهَا عَقِبَ نَوْمٍ وَفُتُورٍ، قُلْت: كَوْنُهَا عَقِبَ نَوْمٍ وَفُتُورٍ نَاسَبَهُ التَّخْفِيفُ فِيهَا فَجُعِلَتْ رَكْعَتَيْنِ، وَجُبِرَ ذَلِكَ بِسَنِّ التَّطْوِيلِ فِيهَا، وَوُكِّلَ إلَى خِيرَةِ الْمُصَلِّي حَيْثُ لَمْ يُحَتِّمْ عَلَيْهِ، فَإِنْ حَصَلَ لَهُ نَشَاطٌ أَتَى بِهِ وَإِلَّا اقْتَصَرَ عَلَى مَا يُجْزِي (قَوْلُهُ: بِكَسْرِ الطَّاءِ) وَكَذَا بِالضَّمِّ كَمَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَشَرْحِ الْمَنْهَجِ لِشَيْخِ الْإِسْلَامِ (قَوْلُهُ: أَنْ يَقْرَأَ فِي الْأُولَى مِنْهَا) ظَاهِرُهُ وَلَوْ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، وَيُوَجَّهُ بِأَنَّهُ لِاشْتِغَالِهِ بِأَمْرِ السَّفَرِ طُلِبَ مِنْهُ التَّخْفِيفُ، ثُمَّ مَا ذَكَرَهُ شَامِلٌ لِمَا لَوْ كَانَ سَائِرًا أَوْ نَازِلًا لَيْسَ مُتَهَيِّئًا فِي وَقْتِ الصَّلَاةِ لِلسَّيْرِ وَلَا مُتَوَقِّعًا لَهُ، وَلَوْ قِيلَ إذَا كَانَ نَازِلًا كَمَا ذُكِرَ لَا يُطْلَبُ مِنْهُ خُصُوصُ هَاتَيْنِ السُّورَتَيْنِ لِاطْمِئْنَانِهِ فِي نَفْسِهِ لَمْ يَبْعُدْ.
ثُمَّ رَأَيْت فِي حَجّ مَا نَصُّهُ: وَأَمَّا الْمُسَافِرُ فَيُسَنُّ لَهُ فِي صُبْحِهِ فِي الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا الْكَافِرُونَ ثُمَّ الْإِخْلَاصُ لِحَدِيثٍ فِيهِ وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا، وَوَرَدَ أَيْضًا «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم صَلَّى فِي صُبْحِ السَّفَرِ بِالْمُعَوِّذَتَيْنِ» وَعَلَيْهِ فَيَصِيرُ الْمُسَافِرُ مُخَيَّرًا بَيْنَ مَا فِي الْحَدِيثَيْنِ، لَكِنَّ قَضِيَّةَ كَوْنِ الْحَدِيثِ الثَّانِي أَقْوَى سَنَدًا وَإِيثَارُهُمْ التَّخْفِيفَ لِلْمُسَافِرِ فِي سَائِرِ قِرَاءَتِهِ أَنَّ الْمُعَوِّذَتَيْنِ أَوْلَى.
(قَوْلُهُ: وَسُنَّ لَهُ أَنْ يَقْرَأَ عَلَى تَرْتِيبِ الْمُصْحَفِ) أَيْ وَأَنْ يُوَالِيَ بَيْنَ السُّورَتَيْنِ، فَلَوْ تَرَكَهُ كَأَنْ قَرَأَ فِي الْأُولَى الْهُمَزَةَ وَالثَّانِيَةِ لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ كَانَ خِلَافَ الْأَوْلَى مَعَ أَنَّهُ عَلَى تَرْتِيبِ الْمُصْحَفِ، وَمِنْهُ يُعْلَمُ أَنَّ مَا يُفْعَلُ الْآنَ فِي صَلَاةِ التَّرَاوِيحِ مِنْ قِرَاءَةِ أَلْهَاكُمْ ثُمَّ سُورَةِ الْإِخْلَاصِ إلَخْ خِلَافُ الْأَوْلَى أَيْضًا لِتَرْكِ الْمُوَالَاةِ وَتَكْرِيرِ سُورَةِ الْإِخْلَاصِ (قَوْلُهُ: تَوْقِيفِيًّا وَهُوَ مَا عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ) مُعْتَمَدٌ (قَوْلُهُ: عَنْ قِرَاءَةِ جَمِيعِهَا) الْأَوْلَى جَمِيعُهُمَا لَكِنَّهُ رَجَّعَهُ هُنَا لِلسَّجْدَةِ لِقَوْلِهِ بَعْدُ وَلَوْ آيَةً إلَخْ، ثُمَّ ذَكَرَ
ــ
[حاشية الرشيدي]
لِلْمَجْمُوعِ، وَإِلَّا، فَلَا يَفْتَرِقُ الْحَالُ فِي الْقَصَّارِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَغْرِبِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ
(قَوْلُهُ: وَإِنْ نُوزِعَ فِيهِ) لَعَلَّ وَجْهَ الْمُنَازَعَةِ
سُنَّتْ لَهُ السُّورَةُ فِي الْكُلِّ أَوْ أَكْثَرَ سُنَّتْ فِيمَا قَبْلَ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ.
(الْخَامِسُ) مِنْ أَرْكَانِهَا (الرُّكُوعُ) لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ؟ (وَأَقَلُّهُ) فِي حَقِّ الْقَائِمِ الْمُعْتَدِلِ الْخِلْقَةِ (أَنْ يَنْحَنِيَ) انْحِنَاءً خَالِصًا لَا انْخِنَاسَ فِيهِ (قَدْرَ بُلُوغِ رَاحَتَيْهِ رُكْبَتَيْهِ) لَوْ أَرَادَ وَضْعَهُمَا عَلَيْهِمَا فَلَا يَحْصُلُ بِانْخِنَاسٍ وَلَا بِهِ مَعَ انْحِنَاءٍ، أَمَّا رُكُوعُ الْقَاعِدَةِ فَتَقَدَّمَ، وَلَوْ طَالَتْ يَدَاهُ أَوْ قَصُرَتَا أَوْ قُطِعَ شَيْءٌ مِنْهُمَا لَمْ يُعْتَبَرْ ذَلِكَ وَلَوْ عَجَزَ عَنْهُ إلَّا بِمُعِينٍ أَوْ اعْتِمَادِهِ عَلَى شَيْءٍ أَوْ انْحِنَاءٍ عَلَى شِقِّهِ لَزِمَهُ،
ــ
[حاشية الشبراملسي]
السُّورَةَ الْأُخْرَى (قَوْله سُنَّتْ لَهُ السُّورَةُ فِي الْكُلِّ) ظَاهِرُهُ وَإِنْ قَصَدَ الْإِتْيَانَ بِتَشَهُّدَيْنِ ثُمَّ عَنَّ لَهُ الِاقْتِصَارُ عَلَى تَشَهُّدٍ وَقِيَاسُ مَا يَأْتِي فِي النَّفْلِ مِنْ أَنَّهُ إذَا اقْتَصَرَ عَلَى تَشَهُّدٍ بَعْدَ أَنْ قَصَدَ الْإِتْيَانَ بِتَشَهُّدَيْنِ سُنَّ لَهُ سُجُودُ السَّهْوِ أَنْ يَتْرُكَ هُنَا السُّورَةَ فِيمَا بَعْدَ مَحَلِّ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ بِقَصْدِهِ كَأَنَّهُ الْتَزَمَهُ فَأُلْحِقَ بِالْفَرْضِ.
(قَوْلُهُ: الْخَامِسُ الرُّكُوعُ) وَهُوَ مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَأَوَّلُ صَلَاةٍ رَكَعَ فِيهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم صَلَاةُ الْعَصْرِ صَبِيحَةَ الْإِسْرَاءِ انْتَهَى مَوَاهِبُ بِالْمَعْنَى.
وَاسْتَدَلَّ السُّيُوطِيّ لِذَلِكَ بِأَنَّهُ ثَبَتَ «أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام صَلَّى الظُّهْرَ صَبِيحَتَهَا بِلَا رُكُوعٍ، وَأَنَّهُ قَبْلَ ذَلِكَ كَانَ يُصَلِّي صَلَاةَ اللَّيْلِ كَذَلِكَ» ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ الرُّكُوعُ مِنْ خُصُوصِيَّاتِ هَذِهِ الْأُمَّةِ لَفَعَلَهُ فِيمَا كَانَ يَفْعَلُهُ قَبْلَ الْإِسْرَاءِ وَفِي ظُهْرِ صَبِيحَتِهَا، وَنَظَرَ بَعْضُهُمْ فِي دَلَالَةِ مَا ذُكِرَ عَلَى كَوْنِهِ مِنْ خُصُوصِيَّاتِ هَذِهِ الْأُمَّةِ كَذَا بِبَعْضِ الْهَوَامِشِ.
أَقُولُ: وَلَعَلَّ وَجْهَ النَّظَرِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَرْكِهِ الرُّكُوعَ أَنْ لَا يَكُونَ مَشْرُوعًا لِأَحَدٍ مِنْ الْأُمَمِ، بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَشْرُوعًا لِبَعْضِ الْأُمَمِ، وَلَكِنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمْ يُؤْمَرْ بِهِ فِي ابْتِدَاءِ الْأَمْرِ ثُمَّ أُمِرَ بِهِ بَعْدَ هَذَا.
وَفِي الْبَيْضَاوِيِّ فِي تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى {وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ} [آل عمران: 43] مَا نَصُّهُ: وَقَدَّمَ السُّجُودَ عَلَى الرُّكُوعِ إمَّا لِكَوْنِهِ كَذَلِكَ فِي شَرِيعَتِهِمْ أَوْ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّ الْوَاوَ لَا تُوجِبُ التَّرْتِيبَ أَوْ لِيَقْتَرِنَ ارْكَعِي بِالرَّاكِعِينَ لِلْإِيذَانِ بِأَنَّ مَنْ لَيْسَ فِي صَلَاتِهِمْ رُكُوعٌ لَيْسُوا مُصَلِّينَ انْتَهَى.
وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الرُّكُوعَ لَيْسَ مِنْ خُصُوصِيَّاتِنَا (قَوْلُهُ: وَأَقَلُّهُ فِي حَقِّ الْقَائِمِ إلَخْ) قَالَ الشَّيْخُ عَمِيرَةُ: لَوْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى ذَلِكَ إلَّا بِمُعِينٍ أَوْ بِمَيْلٍ إلَى جَانِبِ لَزِمَهُ ذَلِكَ انْتَهَى.
وَعِبَارَةُ الْعُبَابِ: وَأَقَلُّهُ انْحِنَاءٌ مَحْضٍ وَلَوْ بِمُعِينٍ أَوْ مَيْلٍ لِشِقِّهِ أَوْ اعْتِمَادٍ عَلَى عَصًا إلَخْ، فَهَلْ شَرْطُ الْمِيلِ لِشِقِّهِ أَنْ لَا يَخْرُجَ بِهِ عَنْ الِاسْتِقْبَالِ الْوَاجِبِ انْتَهَى سم عَلَى مَنْهَجٍ.
أَقُولُ: الظَّاهِرُ نَعَمْ لِأَنَّ اعْتِنَاءَ الشَّارِعِ بِهِ أَقْوَى بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ عَجَزَ عَنْ الرُّكُوعِ لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ إذَا قَدَرَ، بِخِلَافِ الِاسْتِقْبَالِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا تَقَدَّمَ لِلشَّارِحِ مِنْ أَنَّهُ إذَا تَعَارَضَ الِاسْتِقْبَالُ وَالْقِيَامُ قُدِّمَ الِاسْتِقْبَالُ (قَوْلُهُ: أَنْ يَنْحَنِيَ) هَذِهِ لَمْ تُوجَدْ فِي خَطِّ الْمُصَنِّفِ، وَإِنَّمَا هِيَ مُلْحَقَةٌ لِبَعْضِ تَلَامِذَةِ الشَّيْخِ تَصْحِيحًا لِلَفْظِ الْمُصَنِّفِ (قَوْلُهُ: وَلَا بِهِ مَعَ انْحِنَاءٍ) ظَاهِرُهُ كَشَيْخِ الْإِسْلَامِ بِأَنَّهُ إذَا أَعَادَهُ عَلَى الصَّوَابِ بِأَنْ اسْتَوَى وَرَكَعَ صَحَّتْ صَلَاتُهُ كَمَا لَوْ أَخَلَّ بِحَرْفٍ مِنْ الْفَاتِحَةِ ثُمَّ أَعَادَهُ عَلَى الصَّوَابِ.
وَقَضِيَّةُ حَجّ الْبُطْلَانُ بِمُجَرَّدِ مَا ذُكِرَ حَيْثُ قَالَ: انْحِنَاءً خَالِصًا لَا مَشُوبًا بِانْخِنَاسٍ وَإِلَّا بَطَلَتْ انْتَهَى.
وَيُمْكِنُ تَوْجِيهُهُ بَعْدَ فَرْضِهِ فِي الْعَامِدِ الْعَالِمِ بِأَنَّ مَا فِعْلَهُ بِالِانْخِنَاسِ زِيَادَةُ فِعْلٍ غَيْرُ مَطْلُوبٍ فَهِيَ تَلَاعُبٌ أَوْ تُشْبِهُهُ، لَكِنَّ الْأَقْرَبَ لِإِطْلَاقِهِمْ مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّارِحِ كَالشَّيْخِ وَحَمْلُ كَلَامِ حَجّ عَلَى مَا إذَا لَمْ يُعِدْهُ عَلَى الصَّوَابِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ عَجَزَ عَنْهُ إلَّا بِمُعِينٍ) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَحْتَاجَهُ فِي الِابْتِدَاءِ أَوْ الدَّوَامِ، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا تَقَدَّمَ لَهُ
ــ
[حاشية الرشيدي]
أَنَّ فِيهِ مُنَافَاةً لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ لَوْ تَعَارَضَ إيقَاعُ جَمِيعِ الصَّلَاةِ فِي الْوَقْتِ بِالِاقْتِصَارِ عَلَى وَاجِبَاتِهَا مَعَ فِعْلِ سُنَنِهَا يَلْزَمُ الَّذِي عَلَيْهِ إخْرَاجُ بَعْضِهَا عَنْ الْوَقْتِ أَنَّهُ يَأْتِي بِالسُّنَنِ وَإِنْ خَرَجَ بَعْضُهَا عَنْ الْوَقْتِ، لَكِنَّ الْفَرْقَ لَائِحٌ بَيْنَ ذَاكَ وَبَيْنَ مَا هُنَا؛ لِأَنَّ التَّعَارُضَ هُنَاكَ حَاصِلٌ بَيْنَ فِعْلِ أَصْلِ السُّنَنِ وَبَيْنَ فِعْلِ الصَّلَاةِ فِي الْوَقْتِ الْمُسْتَلْزِمِ لِتَرْكِ جَمِيعِ السُّنَنِ كَمَا هُوَ فَرْضُ مَا تَقَدَّمَ، بِخِلَافِ مَا هُنَا، فَإِنَّهُ إنْ حَافَظَ عَلَى إيقَاعِهَا فِي الْوَقْتِ أَتَى بِأَصْلِ السُّنَّةِ، وَالْفَائِتُ لَهُ إنَّمَا هُوَ كَمَالُهَا، وَهُوَ الْإِتْيَانُ بِالسُّورَتَيْنِ بِتَمَامِهِمَا، فَالتَّعَارُضُ إنَّمَا حَصَلَ بَيْنَ فِعْلِ بَعْضِ السُّنَّةِ وَبَيْنَ إكْمَالِهَا، وَقَدَّمُوا الْأَوَّلَ؛ لِأَنَّ فِيهِ إحْرَازَ فَضِيلَةِ