الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حُكْمُنَا بِصِحَّةِ صَلَاةِ فَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ، فَلَوْ أَمْكَنَهُ أَنْ يُصَلِّيَ إلَى الْقِبْلَةِ قَاعِدًا وَإِلَى غَيْرهَا قَائِمًا وَجَبَ الْأَوَّلُ، لِأَنَّ فَرْضَ الْقِبْلَةِ آكَدُ مِنْ فَرْضِ الْقِيَامِ بِدَلِيلِ سُقُوطِهِ فِي النَّفْلِ مَعَ الْقُدْرَةِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ.
وَاعْلَمْ أَنَّ
الْفَرْضَ فِي حَقِّ الْقَرِيبِ مِنْ الْكَعْبَةِ إصَابَةُ عَيْنِهَا
وَكَذَا الْبَعِيدُ فِي الْأَظْهَرِ، لَكِنْ فِي الْقُرْبِ يَقِينًا وَفِي الْبُعْدِ ظَنًّا، وَلَا يُعَكِّرُ عَلَى ذَلِكَ الْحَدِيثُ السَّابِقُ «مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ قِبْلَةٌ» وَلَا صِحَّةَ صَلَاةِ الصَّفِّ الْمُسْتَطِيلِ مِنْ الْمَشْرِقِ إلَى الْمَغْرِبِ لِأَنَّ الْمُسَامَتَةَ تَصْدُقُ مَعَ الْبُعْدِ.
وَرَدَّ بِأَنَّهَا إنَّمَا تَصْدُقُ مَعَ الِانْحِرَافِ.
وَأَجَابَ ابْنُ الصَّبَّاغِ بِأَنَّ الْمُخْطِئَ فِيهَا غَيْرُ مُتَعَيَّنٍ.
وَرَدَّهُ الْفَارِقِيُّ بِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنَّ مَنْ صَلَّى مَأْمُومًا فِي صَفٍّ مُسْتَطِيلٍ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الْإِمَامِ أَكْثَرُ مِنْ سَمْتِ الْكَعْبَةِ لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ لِخُرُوجِهِ أَوْ خُرُوجِ إمَامِهِ عَنْ سَمْتِهَا.
وَيُرَدُّ وَإِنْ نَقَلَهُ جَمْعٌ وَأَقَرُّوهُ بِأَنَّ اللَّازِمَ عَلَى تَسْلِيمِ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْبُطْلَانِ خُرُوجُ أَحَدِهِمَا فَقَطْ لَا بِعَيْنِهِ، فَالْمُبْطِلُ مُبْهَمٌ وَهُوَ لَا يُؤَثِّرُ نَظِيرَ مَا يَأْتِي فِيمَا لَوْ صَلَّى لِأَرْبَعِ جِهَاتٍ، وَعَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ كَوْنِهِ مُسْلِمًا الْأَصَحُّ الصِّحَّةُ، لِأَنَّا لَا نَعْلَمُ الْمُسَامِتَ مِنْ غَيْرِهِ لِاتِّسَاعِ الْمَسَافَةِ مَعَ الْبُعْدِ، فَأَحَدُهُمَا وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْآخَرِ قَدْرُ سَمْتِ الْكَعْبَةِ مِرَارًا يُحْتَمَلُ أَنَّهُ وَإِمَامُهُ مِنْ الْمُسَامِتِينَ وَلَا بُطْلَانَ مَعَ الشَّكِّ فِي وُجُودِ الْمُبْطِلِ (إلَّا فِي) صَلَاةِ (شِدَّةِ الْخَوْفِ)
ــ
[حاشية الشبراملسي]
أَيْ قَوْلُ ابْنِ الرِّفْعَةِ وَبَابُهُ ضَرَبَ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ وَالْقَامُوسِ (قَوْلُهُ: فَلَوْ أَمْكَنَهُ أَنْ يُصَلِّيَ إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَلَوْ عَبَّرَ بِالْوَاوِ كَانَ أَوْلَى
(قَوْلُهُ: وَجَبَ الْأَوَّلُ) أَيْ وَلَا إعَادَةَ كَالْمَرِيضِ
(قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْمُسَامَتَةَ تَصْدُقُ) أَيْ لِمَا قَالُوهُ مِنْ أَنَّ صَغِيرَ الْجُرْمِ كُلَّمَا زَادَ بُعْدُهُ اتَّسَعَتْ مُسَامَتَتُهُ كَالنَّارِ الْمُوقِدَةِ مِنْ بُعْدٍ وَغَرَضِ الرُّمَاةِ اهـ حَجّ (قَوْلُهُ: وَرَدَ بِأَنَّهَا) أَيْ الْمُسَامَتَةَ (قَوْلُهُ وَأَجَابَ) أَيْ عَنْ الرَّدِّ (قَوْلُهُ: وَرَدُّهُ) أَيْ الْجَوَابُ (قَوْلُهُ: وَيُرَدُّ) أَيْ رَدَّ الْفَارِقِيُّ (قَوْلُهُ لِأَنَّا لَا نَعْلَمُ الْمُسَامَتَ مِنْ غَيْرِهِ) وَقَعَ مِثْلُهُ فِي حَجّ حَيْثُ قَالَ: وَصِحَّةُ صَلَاةِ الْمُسْتَطِيلِ مِنْ الْمَشْرِقِ إلَى الْمَغْرِبِ مَحْمُولٌ عَلَى انْحِرَافٍ فِيهِ، أَوْ عَلَى أَنَّ الْمُخْطِئَ فِيهِ غَيْرُ مُعَيَّنٍ، وَكَتَبَ بِهَامِشِهِ سم مَا حَاصِلُهُ إنَّ هَذَا لَا يَلْتَئِمُ مَعَ قَوْلِهِ: وَالْمُعْتَبَرُ مُسَامَتَتُهَا عُرْفًا لَا حَقِيقَةً اهـ.
يَعْنِي إنَّهُ إذَا قُلْنَا الْمُعْتَبَرُ مُسَامَتَتُهَا عُرْفًا وَهُوَ مَا عَلَيْهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ صَدَقَ عَلَى الْكُلِّ أَنَّهُمْ مُسْتَقْبِلُونَ كَذَلِكَ فَلَا يَتَأَتَّى حَمْلُهُ عَلَى الِانْحِرَافِ وَلَا عَلَى أَنَّ الْمُخْطِئَ فِيهَا غَيْرُ مُعَيَّنٍ إذْ الْكُلُّ مُسْتَقْبِلُونَ عُرْفًا (قَوْله إلَّا فِي صَلَاةِ شِدَّةِ الْخَوْفِ) قَضِيَّةُ هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ أَنَّ شِدَّةَ الْخَوْفِ لَا تَمْنَعُ مِنْ الْقُدْرَةِ وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ شِدَّةَ الْخَوْفِ مَانِعَةٌ شَرْعًا مِنْ الْقُدْرَةِ عَلَى الِاسْتِقْبَالِ.
وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْقُدْرَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْمَتْنِ الْقُدْرَةُ الْحِسِّيَّةُ وَالْخَائِفُ قَادِرٌ حِسًّا وَيَرُدُّ
ــ
[حاشية الرشيدي]
[الْفَرْضَ فِي حَقِّ الْقَرِيبِ مِنْ الْكَعْبَةِ إصَابَةُ عَيْنِهَا]
قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْمُسَامَتَةَ تَصْدُقُ مَعَ الْبُعْدِ) الَّذِي يَصْدُقُ مَعَ الْبُعْدِ إنَّمَا هُوَ الْمُسَامَتَةُ الْعُرْفِيَّةُ لَا الْحَقِيقِيَّةُ كَمَا حَقَّقَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ، وَحَيْثُ كَانَ الْمُرَادُ الْمُسَامَتَةَ الْعُرْفِيَّةَ فَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ مَا يَأْتِي وَلَا يَحْتَاجُ لِلْجَوَابِ عَنْهُ، إذْ كُلُّ ذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى إرَادَةِ الْمُسَامَتَةِ الْحَقِيقِيَّةِ الْغَيْرِ الْمُخْتَلِفَةِ بِالْقُرْبِ، وَالْبُعْدِ (قَوْلُهُ: وَيَرِدُ إلَخْ) هَذَا لَا يُلَاقِي كَلَامَ الْفَارِقِيِّ كَمَا يُعْلَمُ بِالتَّأَمُّلِ.
وَقَوْلُهُ فَالْمُبْطِلُ مُبْهَمٌ مَمْنُوعٌ بَلْ هُوَ مُعَيَّنٌ وَإِنَّمَا الْمُبْهَمُ مَنْ حَصَلَ لَهُ الْمُبْطِلُ فِي صَلَاتِهِ مِنْهُمَا، وَالْفَرْقُ بَيْنَ مَا هُنَا وَمَنْ صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ لِأَرْبَعِ جِهَاتٍ أَنَّ ذَاكَ فِي كُلِّ اسْتِقْبَالٍ عَلَى حِدَتِهِ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ مُصِيبٌ وَأَنَّهُ مُخْطِئٌ فَلَمْ يَتَعَيَّنْ الْخَطَأُ فِي حَالَةٍ مُعَيَّنَةٍ، وَأَمَّا هُنَا، فَإِنَّا عَلَى تَسْلِيمِ مَا مَرَّ نَعْلَمُ أَنَّ أَحَدَهُمَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ الْمُعَيَّنَةِ خَارِجٌ عَنْ سَمْتِ الْكَعْبَةِ وَلَا بُدَّ فَلَمْ تَصِحَّ الْقُدْوَةُ.
فَالْحَاصِلُ أَنَّا مَتَى اعْتَبَرْنَا الْمُسَامَتَةَ الْحَقِيقِيَّةَ فَإِلْزَامُ الْفَارِقِيِّ لَا مَحِيدَ عَنْهُ، فَالْمُتَعَيَّنُ الِاكْتِفَاءُ بِالْمُسَامَتَةِ الْعُرْفِيَّةِ الَّتِي قَالَ بِهَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ، وَسَيُعَوِّلُ الشَّارِحُ عَلَيْهَا فِيمَا يَأْتِي فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَمَنْ صَلَّى فِي الْكَعْبَةِ وَاسْتَقْبَلَ جِدَارَهَا إلَخْ (قَوْلُهُ: لِاتِّسَاعِ الْمَسَافَةِ) كَذَا فِي نُسَخٍ، وَالصَّوَابُ مَا فِي نُسْخَةٍ أُخْرَى لِاتِّسَاعِ الْمُسَامَتَةِ (قَوْلُهُ: يَحْتَمِلُ أَنَّهُ وَإِمَامُهُ مِنْ الْمُسَامِتِينَ) إنْ أَرَادَ الْمُسَامَتَةَ الْحَقِيقِيَّةَ، وَهُوَ الَّذِي يُوَافِقُهُ قَوْلُهُ: لِأَنَّا لَا نَعْلَمُ الْمُسَامِتَ مِنْ غَيْرِهِ، فَالِاحْتِمَالُ مَمْنُوعٌ وَعَدَمُ مُسَامَتَةِ أَحَدِهِمَا أَمْرٌ مَقْطُوعٌ بِهِ، وَإِنْ أَرَادَ الْمُسَامَتَةَ الْعُرْفِيَّةَ، وَهُوَ الَّذِي يُوَافِقُهُ قَوْلُهُ: لِاتِّسَاعِ الْمَسَافَةِ مَعَ
مِنْ مُبَاحِ قِتَالٍ أَوْ غَيْرِهِ سَوَاءٌ أَكَانَتْ الصَّلَاةُ فَرْضًا أَمْ نَفْلًا فَلَا يَكُونُ التَّوَجُّهُ شَرْطًا.
نَعَمْ إنْ أَمِنَ امْتَنَعَ عَلَيْهِ فِعْلُ ذَلِكَ حَتَّى لَوْ كَانَ رَاكِبًا وَأَمِنَ وَأَرَادَ أَنْ يَنْزِلَ اُشْتُرِطَ أَنْ لَا يَسْتَدْبِرَ الْقِبْلَةَ فِي نُزُولِهِ، فَإِنْ اسْتَدْبَرَهَا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ بِالِاتِّفَاقِ وَمِنْ الْخَوْفِ الْمُجَوِّزِ لِتَرْكِ الِاسْتِقْبَالِ أَنْ يَكُونَ شَخْصٌ فِي أَرْضٍ مَغْصُوبَةٍ وَيَخَافُ فَوْتَ الْوَقْتِ فَلَهُ أَنْ يُحْرِمَ وَيَتَوَجَّهُ لِلْخُرُوجِ وَيُصَلِّي بِالْإِيمَاءِ (وَ) إلَّا فِي (نَفْلِ السَّفَرِ) الْمُبَاحِ لِمَنْ لَهُ مَقْصِدٌ مَعْلُومٌ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الِاسْتِقْبَالُ فَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ غَيْرَ الْفَرَائِضِ وَلَوْ عِيدًا أَوْ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ، وَخَرَجَ بِالسَّفَرِ الْحَضَرُ فَلَا يَجُوزُ وَإِنْ اُحْتِيجَ فِيهِ إلَى التَّرَدُّدِ كَالسَّفَرِ لِعَدَمِ وُرُودِهِ (فَلِلْمُسَافِرِ) السَّفَرَ الْمَذْكُورَ (التَّنَفُّلُ رَاكِبًا وَمَاشِيًا) «لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ فِي السَّفَرِ حَيْثُمَا تَوَجَّهَتْ بِهِ» أَيْ فِي جِهَةِ مَقْصِدِهِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ " وَقَدْ فُسِّرَ بِهِ قَوْله تَعَالَى {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة: 115] وَقِيسَ بِالرَّاكِبِ وَالْمَاشِي، لِأَنَّ الْمَشْيَ أَحَدُ السَّفَرَيْنِ، وَأَيْضًا اسْتَوَيَا فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ فَكَذَا فِي النَّافِلَةِ.
وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ النَّاسَ مُحْتَاجُونَ إلَى الْأَسْفَارِ، فَلَوْ شَرَطْنَا فِيهَا الِاسْتِقْبَالَ لِلتَّنَفُّلِ لَأَدَّى إلَى تَرْكِ أَوْرَادِهِمْ أَوْ مَصَالِحِ مُعَايَشَتِهِمْ، وَيُشْتَرَطُ تَرْكُ الْأَفْعَالِ الْكَثِيرَةِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ كَالرَّكْضِ وَالْعَدْوِ.
وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا دَوَامُ السَّفَر، فَلَوْ صَارَ مُقِيمًا فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ وَجَبَ عَلَيْهِ إتْمَامُهَا عَلَى الْأَرْضِ مُسْتَقْبِلًا، وَقَدْ يَشْمَلُ إطْلَاقُهُ رَاكِبَ السَّفِينَةِ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ التَّنَفُّلُ حَيْثُمَا
ــ
[حاشية الشبراملسي]
عَلَيْهِ مَا مَرَّ لِلشَّارِحِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ خَافَ مِنْ نُزُولِهِ عَنْ دَابَّتِهِ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ أَوَانْقِطَاعًا عَنْ الرِّفْقَةِ كَانَ عَاجِزًا وَتَقَدَّمَ الْجَوَابُ عَنْهُ قَرِيبًا (قَوْلُهُ: فَعَلَ ذَلِكَ) أَيْ فَرْضًا أَوَنَفْلًا (قَوْلُهُ: اشْتَرَطَ أَنْ لَا يَسْتَدْبِرَ) قَضِيَّتُهُ أَنَّ مُجَرَّدَ الِانْحِرَافِ لَا يَضُرُّ.
وَقَالَ سم عَلَى حَجّ: يَنْبَغِي وَأَنْ لَا يَحْصُلَ فِعْلٌ مُبْطِلٌ اهـ أَيْ وَهُوَ صَادِقٌ بِالِانْحِرَافِ فَيَضُرُّ (قَوْلُهُ: فَلَهُ أَنْ يُحْرِمَ) قَضِيَّتُهُ أَنَّ هَذَا الْفِعْلَ لَا يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ وَحِينَئِذٍ فَهَلْ يَخْرُجُ وَيُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ إلَى مَا بَعْدَ الْوَقْتِ أَوْ يُصَلِّيهَا مَاكِثًا فِي الْمَغْصُوبِ أَوْ كَيْفَ الْحَالُ؟ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ هُوَ جَوَازٌ بَعْدَ مَنْعٍ فَيَصْدُقُ بِالْوُجُوبِ (قَوْلُهُ: وَيُصَلِّي بِالْإِيمَاءِ) أَيْ وَيُعِيدُ لِنُدْرَةِ ذَلِكَ وَنَقَلَهُ سم عَلَى حَجّ عَنْ م ر (قَوْلُهُ: وَلَوْ عِيدًا) أَخَذَهُ غَايَةً لِلْخِلَافِ فِيهِ (قَوْلُهُ: فَلِلْمُسَافِرِ التَّنَفُّلُ) .
[فَرْعٌ] نَذَرَ إتْمَامِ كُلِّ نَفْلٍ شُرِعَ فِيهِ، فَشُرِعَ فِي السَّفَرِ فِي نَافِلَةٍ فَهَلْ يَلْزَمُهُ الِاسْتِقْبَالُ وَالِاسْتِقْرَارُ يَنْبَغِي نَعَمْ اهـ سم عَلَى حَجّ. أَقُولُ: وَيُحْتَمَلُ عَدَمُ وُجُوبِ ذَلِكَ لِأَنَّهَا وَإِنْ نَذَرَ إتْمَامَهَا لَمْ تَخْرُجُ، عَنْ كَوْنِهَا نَفْلًا وَمِنْ ثُمَّ جَازَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ فَرْضِ عَيْنٍ بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ.
وَأَمَّا لَوْ فَسَدَتْ وَأَرَادَ قَضَاءَهَا فَهَلْ لَهُ صَلَاتُهَا عَلَى الدَّابَّةِ وَجَمْعُهَا مَعَ فَرْضٍ آخَرَ بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ.
وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ لِأَنَّهَا لَمْ يَجِبْ أَوَّلُهَا لِذَاتِهِ بَلْ إنَّمَا وَجَبَ وَسِيلَةً لِقَضَاءِ مَا فَاتَهُ مِنْ الْوَاجِبِ (قَوْلُهُ: أَيْ فِي جِهَةِ مَقْصِدِهِ) وَالْقَرِينَةُ عَلَى أَنَّ تَرْكَ الدَّابَّةِ تَمُرُّ إلَى أَيِّ جِهَةٍ أَرَادَتْ لَا يَلِيقُ بِحَالِهِ صلى الله عليه وسلم لِأَنَّ ذَلِكَ يُعَدُّ عَبَثًا فَمَعْلُومٌ أَنَّهُ إنَّمَا يُسَيِّرُهَا جِهَةَ مَقْصِدِهِ (قَوْلُهُ: وَقَدْ فَسَّرَ، بِهِ) أَيْ بِالتَّوَجُّهِ فِي نَفْلِ السَّفَرِ (قَوْلُهُ كَالرَّكْضِ وَالْعَدْوِ) أَيْ بِلَا حَاجَةٍ عَلَى مَا يَأْتِي.
وَقَوْلُهُ وَالْعَدْوُ، زَادَ حَجّ وَالْإِعْدَاءِ وَتَحْرِيكِ الرِّجْلِ بِلَا حَاجَةٍ (قَوْلُهُ: فَلَوْ صَارَ مُقِيمًا) أَيْ أَوْ وَصَلَ الْمَحَطَّ الْمُنْقَطِعَ بِهِ السَّيْرُ كَمَا قَالَهُ الشَّارِحُ فِيمَا يَأْتِي وحج هُنَا. وَعِبَارَتُهُ: فَلَوْ بَلَغَ الْمَحَطَّ الْمُنْقَطِعَ بِهِ السَّيْرُ أَوْ طَرَفَ مَحَلِّ الْإِقَامَةِ أَوْ نَوَاهَا مَاكِثًا بِمَحِلٍّ صَالِحٍ لَهَا نَزَلَ وَأَتَمَّهَا بِأَرْكَانِهَا لِلْقِبْلَةِ مَا لَمْ يُمْكِنُهُ، ذَلِكَ عَلَيْهَا، وَيَجِبُ اسْتِقْبَالُ رَاكِبِ السَّفِينَةِ إلَّا الْمَلَّاحَ وَهُوَ مَنْ لَهُ دَخْلٌ فِي تَسْيِيرِهَا فَإِنَّهُ يَتَنَفَّلُ لِجِهَةِ مَقْصِدِهِ، وَلَا يَلْزَمُهُ الِاسْتِقْبَالُ إلَّا فِي التَّحَرُّمِ إنْ سَهُلَ، وَلَا إتْمَامُ الْأَرْكَانِ وَإِنْ سَهُلَ لِأَنَّهُ يَقْطَعُهُ عَنْ عَمَلِهِ اهـ حَجّ بِحُرُوفِهِ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ خُصُوصُ الْمَحَلِّ الَّذِي لَا يَسِيرُ بَعْدَهُ بَلْ يَنْزِلُ فِيهِ، وَعَلَيْهِ فَلَوْ كَانَ الْمَحَطُّ مُتَّسِعًا وَوَصَلَ إلَيْهِ يَتَرَخَّصُ إلَى وُصُولِ خُصُوصِ مَا يُرِيدُ النُّزُولَ فِيهِ (قَوْلُهُ: عَلَى الْأَرْضِ) لَيْسَ بِقَيْدٍ كَمَا يَأْتِي لَهُ (قَوْلُهُ: وَلَا يَجُوزُ لَهُ) أَيْ وَحُكْمُهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ
ــ
[حاشية الرشيدي]
الْبُعْدِ فَالْمُسَامَتَةُ بِهَذَا الْمَعْنَى مُتَحَقِّقَةٌ لَا مُحْتَمَلَةٌ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ: مِنْ مُبَاحِ قِتَالٍ) لَعَلَّ مِنْ بِمَعْنَى فِي (قَوْلُهُ: وَجَبَ عَلَيْهِ إتْمَامُهَا إلَخْ)
تَوَجَّهَتْ لِتَيَسُّرِ الِاسْتِقْبَالِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ الْمَلَّاحُ الَّذِي يَسِيرُهَا وَهُوَ مَنْ لَهُ دَخْلٌ فِي سَيْرِهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ رَئِيسَ الْمَلَّاحِينَ فَإِنَّهُ يَتَنَفَّلُ إلَى جِهَةِ مَقْصِدِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْعُدَّةِ وَغَيْرُهُ.
قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: لَا بُدَّ مِنْهُ وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّحْقِيقِ وَإِنْ صَحَّحَ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ أَنَّهُ كَغَيْرِهِ وَأَلْحَقَ صَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ الْيَمَنِيُّ بِمَلَّاحِهَا مَسِيرَ الْمَرْقَدِ وَلَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ.
وَسَجْدَةُ الشُّكْرِ وَالتِّلَاوَةِ الْمَفْعُولَةِ خَارِجَ الصَّلَاةِ حُكْمُهَا حُكْمُ النَّافِلَةِ عَلَى الصَّحِيحِ لِوُجُودِ الْمَعْنَى، وَقَدْ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِهِ وَخَرَجَ بِالنَّفْلِ الْفَرْضُ وَلَوْ مَنْذُورَةٌ وَجِنَازَةٌ كَمَا سَيَأْتِي تَجْوِيزُهُ فِي أَدَاءِ الْفَرْضِ عَلَى الدَّابَّةِ (وَلَا يُشْتَرَطُ طُولُ سَفَرِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ) لِعُمُومِ الْحَاجَةِ وَقِيَاسًا عَلَى تَرْكِ الْجُمُعَةِ وَعَدَمُ الْقَضَاءِ عَلَى التَّيَمُّمِ وَالسَّفَرِ الْقَصِيرِ.
قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ: مِثْلُ أَنْ يَخْرُجَ إلَى ضَيْعَةٍ مَسِيرَتُهَا مِيلٌ أَوْ نَحْوُهُ، وَالْقَاضِي وَالْبَغَوِيُّ: أَنْ يَخْرُجَ إلَى مَكَان لَا يَلْزَمُهُ فِيهِ الْجُمُعَةُ لِعَدَمِ سَمَاعِهِ النِّدَاءَ.
قَالَ الشَّرَفُ الْمُنَاوِيُّ: وَهَذَا ظَاهِرٌ لِأَنَّهُ فَارَقَ حُكْمَ الْمُقِيمِينَ فِي الْبَلَدِ، وَلَعَلَّ كَلَامَ غَيْرِهِ رَاجِعٌ إلَيْهِ إلَّا أَنَّ الْبَغَوِيّ اعْتَبَرَ الْحِكْمَةَ وَغَيْرُهُ اعْتَبَرَ الْمَظِنَّةَ انْتَهَى.
وَالثَّانِي يُشْتَرَطُ كَالْقَصْرِ وَفَرَّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ النَّفَلَ أَخَفُّ وَلِهَذَا جَازَ قَاعِدًا فِي الْحَضَرِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ (فَإِنْ أَمْكَنَ) يَعْنِي سَهُلَ (اسْتِقْبَالُ الرَّاكِبِ) وَمِنْهُ رَاكِبُ الْفُلْكِ سِوَى الْمَلَّاحِ (فِي مَرْقَدٍ) كَهَوْدَجٍ وَمَحْمَلٍ وَاسِعٍ فِي جَمِيعِ صَلَاتِهِ (وَإِتْمَامُ) أَرْكَانِهَا كُلِّهَا أَوْ بَعْضِهَا نَحْوِ (رُكُوعِهِ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
لَهُ إلَخْ، وَسَيَأْتِي لِلشَّارِحِ جَعْلُ هَذَا دَاخِلًا فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ، فَإِنْ أَمْكَنَ اسْتِقْبَالُ الرَّاكِبِ فَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِ لِإِمْكَانِ حَمْلِ مَا هُنَا عَلَى مَا إذَا تَيَسَّرَ عَلَيْهِ الِاسْتِقْبَالُ كَمَا يُرْشِدُ إلَيْهِ قَوْلُهُ لِتَيَسُّرِ الِاسْتِقْبَالِ غَايَتُهُ أَنَّ حُكْمَهُ يُعْلَمُ مِنْ قَوْلِهِ بَعْدُ فَإِنْ أَمْكَنَ اسْتِقْبَالُ الرَّاكِبِ (قَوْلُهُ: مَنْ لَهُ دَخْلٌ فِي سَيْرِهَا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ الْمُعَدِّينَ لِتَسْيِيرِهَا كَمَا لَوْ عَاوَنَ بَعْضُ الرِّكَابِ أَهْلَ الْعَمَلِ فِيهَا فِي بَعْضِ أَعْمَالِهِمْ (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ رَئِيسَ الْمَلَّاحِينَ) قَضِيَّةُ مَا فِي الْمُخْتَارِ أَنَّهُ لَا يُقَالُ رَئِيسٌ، وَعِبَارَتُهُ وَرَأَسَ فُلَانٌ الْقَوْمَ يَرْأَسُهُمْ بِالْفَتْحِ رِيَاسَةً فَهُوَ رَائِسُهُمْ، وَيُقَالُ أَيْضًا رَيِّسٌ بِوَزْنِ قَيِّمٍ هَذَا إذَا قُرِئَ بِصِيغَةِ اسْمِ الْفَاعِلِ فَإِنْ قُرِئَ بِوَزْنِ فَعِيلٍ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ وَعِبَارَتُهُ رَأَسَ الشَّخْصُ يَرْأَسُ مَهْمُوزٌ بِفَتْحَتَيْنِ رِيَاسَةً شَرُفَ قَدْرُهُ فَهُوَ رَئِيسٌ وَالْجَمْعُ رُؤَسَاءُ مِثْلُ شَرِيفٍ وَشُرَفَاءَ لَمْ يَرِدْ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَمِثْلُ مَا فِي الْمِصْبَاحِ فِي الْقَامُوسِ وَالصِّحَاحِ.
(قَوْلُهُ: قَالَ فِي الرَّوْضَةِ لَا بُدَّ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ (قَوْلُهُ: وَأَلْحَقَ صَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ إلَخْ) مُعْتَمَدٌ (قَوْلُهُ: وَعَدَمُ الْقَضَاءِ عَلَى الْمُتَيَمِّمِ) قَدْ يُقَالُ عَدَمُ قَضَاءِ الْمُتَيَمِّمِ لَيْسَ مِنْ رُخَصِ السَّفَرِ إذْ الْمَدَارُ فِيهِ عَلَى غَلَبَةِ فَقْدِ الْمَاءِ وَعَدَمِهِ وَلَوْ فِي الْحَضَرِ (قَوْلُهُ: لَا يَلْزَمُهُ فِيهِ الْجُمُعَةُ) قَالَ حَجّ: وَيُفَرِّقُ بَيْنَ هَذَا وَحُرْمَةِ سَفَرِ الْمَرْأَةِ وَالْمَدِينِ بِشَرْطِهِمَا فَإِنَّهُ يَكْفِي فِيهِ وُجُودُ مُسَمَّى السَّفَرِ بِأَنَّ الْمُجَوِّزَ هُنَا الْحَاجَةُ وَهِيَ تَسْتَدْعِي اشْتِرَاطَ ذَلِكَ وَثَمَّ تَفْوِيتُ حَقِّ الْغَيْرِ وَهُوَ لَا يَتَقَيَّدُ بِذَلِكَ (قَوْلُهُ: وَهَذَا ظَاهِرٌ) مُعْتَمَدٌ (قَوْلُهُ: إلَّا أَنَّ الْبَغَوِيّ اعْتَبَرَ الْحِكْمَةَ) وَهِيَ مُفَارَقَتُهُ حُكْمَ الْمُقِيمِينَ فِي الْبَلَدِ وَالْمَظِنَّةُ هِيَ الْمِيلُ وَنَحْوُهُ فَإِنَّهُ مَظِنَّةٌ لِعَدَمِ سَمَاعِ النِّدَاءِ، وَقَدْ يُفِيدُ مَا ذُكِرَ أَنَّهُ لَوْ خَرَجَ إلَى بَعْضِ بَسَاتِينِ الْبَلَدِ أَوْ غِيطَانِهَا الْبَعِيدَةِ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّنَفُّلُ لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ مُسَافِرًا عُرْفًا، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ جَعَلَ ذَلِكَ ضَابِطًا لِمَا يُسَمَّى سَفَرًا، فَيُفِيدُ التَّنَفُّلَ عِنْدَ قَصْدِهِ ذَلِكَ سَوَاءٌ كَانَ مَا قَصَدَ الذَّهَابَ إلَيْهِ مِنْ مَرَافِقِ الْبَلَدِ أَوْ مِنْ غَيْرِهَا، وَقَدْ يُشْعِرُ قَوْلُهُ لِأَنَّهُ فَارَقَ حُكْمَ الْمُقِيمِينَ بِالْبَلَدِ الثَّانِي، وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ مَنْ أَرَادَ زِيَارَةَ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه تَعَالَى وَكَانَ بَيْنَ مَبْدَإِ سَيْرِهِ وَمَقَامِ الْإِمَامِ الْمِيلُ وَنَحْوُهُ جَازَ لَهُ التَّرَخُّصُ بَعْدَ مُجَاوَزَةِ السُّوَرِ إنْ كَانَ دَاخِلَهُ وَمُجَاوَزَةِ الْعُمْرَانِ إنْ لَمْ يَكُنْ لِمَا خَرَجَ مِنْهُ سُورٌ، وَمِثْلُهُ يُقَالُ فِي التَّوَجُّهِ إلَى بَرَكَةِ الْمُجَاوِرِينَ مِنْ الْجَامِعِ الْأَزْهَرِ وَنَحْوِهِ.
(قَوْلُهُ: فَإِنْ أَمْكَنَ) تَفْصِيلٌ بَيَّنَ بِهِ مَا أَجْمَلَهُ أَوَّلًا فِي قَوْلِهِ إلَّا فِي شِدَّةِ الْخَوْفِ وَنَفْلٍ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَمِنْهُ رَاكِبُ الْفُلْكِ) إطْلَاقُ الرَّاكِبِ عَلَى مَنْ فِي السَّفِينَةِ مَجَازٌ، فَفِي الْقَامُوسِ وَالرَّاكِبُ لِلْبَعِيرِ خَاصَّةً (قَوْلُهُ: وَإِتْمَامُ أَرْكَانِهَا كُلِّهَا) عَمِيرَةُ: قَضِيَّةُ كَلَامِهِ إذَنْ أَنَّهُ لَوْ سَهُلَ الِاسْتِقْبَالُ فِي الْجَمِيعِ وَلَمْ
ــ
[حاشية الرشيدي]
أَيْ لِلصِّحَّةِ (قَوْلُهُ: مَسِيرَ الْمَرْقَدِ) اُنْظُرْ مَا صُورَتُهُ، فَإِنَّ الْمُسَافِرَ مَاشِيًا يَتَنَفَّلُ لِصَوْبِ مَقْصِدِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَسِيرًا لِلْمَرْقَدِ
وَسُجُودِهِ لَزِمَهُ) ذَلِكَ لِتَيَسُّرِهِ عَلَيْهِ فَأَشْبَهَ رَاكِبَ السَّفِينَةِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ ذَلِكَ كُلُّهُ كَأَنْ كَانَ عَلَى سَرْجٍ أَوْ قَتْبٍ (فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إنْ سَهُلَ الِاسْتِقْبَالُ) كَأَنْ كَانَتْ سَهْلَةً غَيْرَ مَقْطُورَةٍ بِأَنْ كَانَتْ وَاقِفَةً أَوْ سَائِرَةً وَزِمَامُهَا بِيَدِهِ أَوْ يَسْتَطِيعُ رَاكِبُهَا الِانْحِرَافَ إلَى الْقِبْلَةِ بِنَفْسِهِ (وَجَبَ) لِكَوْنِهِ مُتَيَسِّرًا عَلَيْهِ وَشَمَلَ مَا لَوْ كَانَتْ مَغْصُوبَةً (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَسْهُلْ بِأَنْ كَانَتْ الدَّابَّةُ سَائِرَةً وَهِيَ مَقْطُورَةٌ أَوْ عَسِرَةٌ أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ الِانْحِرَافَ لِعَجْزِهِ (فَلَا) يَجِبُ الِاسْتِقْبَالُ لِلْمَشَقَّةِ وَاخْتِلَالِ أَمْرِ السَّيْرِ عَلَيْهِ، وَقِيلَ يَجِبُ عَلَيْهِ مُطْلَقًا، وَقِيلَ لَا مُطْلَقًا كَمَا فِي دَوَامِ الصَّلَاةِ
(وَيَخْتَصُّ) وُجُوبُ الِاسْتِقْبَالِ (بِالتَّحَرُّمِ) فَلَا يَجِبُ فِيمَا سِوَاهُ لِوُقُوعِ أَوَّلِ الصَّلَاةِ بِالشَّرْطِ ثُمَّ يَجْعَلُ مَا بَعْدَهُ تَابِعًا لَهُ «لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ إذَا سَافَرَ فَأَرَادَ أَنْ يَتَطَوَّعَ اسْتَقْبَلَ بِنَاقَتِهِ الْقِبْلَةَ فَكَبَّرَ ثُمَّ صَلَّى حَيْثُمَا وَجَّهَهُ رِكَابُهُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَلْيَدْخُلْ فِيهَا عَلَى أَتَمِّ الْأَحْوَالِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ النَّافِلَةَ الْمُطْلَقَةَ إذَا تَحَرَّمَ فِيهَا بِعَدَدٍ ثُمَّ نَوَى الزِّيَادَةَ عَلَيْهِ فَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ الِاسْتِقْبَالُ عِنْدَ النِّيَّةِ نَظَرًا إلَى أَنَّهَا إنْشَاءٌ، وَلِهَذَا إذَا رَأَى الْمَاءَ فِي أَثْنَاءِ النَّافِلَةِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَزِيدَ فِي النِّيَّةِ أَمْ لَا يَجِبُ نَظَرًا لِلدَّوَامِ وَلِأَنَّهُمْ لَمْ يُعْطُوهَا حُكْمَ الِابْتِدَاءِ مِنْ كُلِّ الْوُجُوهِ فَإِنَّهُ لَا يُشْرَعُ دُعَاءُ الِاسْتِفْتَاحِ بَعْدَ النِّيَّةِ هَذَا مِمَّا تَرَدَّدَ فِيهِ النَّظَرُ، وَالْأَوْجَهُ عَدَمُ الْوُجُوبِ (وَقِيلَ يُشْتَرَطُ فِي السَّلَامِ أَيْضًا) لِيَحْصُلَ الِاسْتِقْبَالُ فِي طَرَفَيْ الصَّلَاةِ وَهُوَ ضَعِيفٌ، أَمَّا فِي غَيْرِهِمَا فَالْمَذْهَبُ الْجَزْمُ بِأَنَّهُ لَا يَجِبُ فِيهِ الِاسْتِقْبَالُ.
وَفَرَّقَ بَيْنَ التَّحَرُّمِ وَغَيْرِهِ بِأَنَّ الِاحْتِيَاطَ حَالَةَ انْعِقَادِهَا أَوْلَى، وَمُقْتَضَى كَلَامِهِمَا فِيمَا إذَا كَانَتْ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الِاسْتِقْبَالُ فِي غَيْرِ التَّحَرُّمِ وَإِنْ كَانَتْ وَاقِفَةً أَيْضًا.
قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَهُوَ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
يَتَيَسَّرْ سِوَى إتْمَامِ رُكُوعٍ أَنْ يَجِبَ الِاسْتِقْبَالُ فِي الْجَمِيعِ وَالْإِتْمَامُ فِي ذَلِكَ الرُّكُوعِ فَقَطْ وَهُوَ كَلَامٌ لَا وَجْهَ لَهُ اهـ.
وَقَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ، دَخَلَ فِي ذَلِكَ مَا إذَا سَهُلَ التَّوَجُّهُ فِي جَمِيعِ الصَّلَاةِ دُونَ إتْمَامِ شَيْءٍ مِنْ الْأَرْكَانِ، وَمَا إذَا سَهُلَ إتْمَامُ الْأَرْكَانِ أَوْ بَعْضِهَا دُونَ التَّوَجُّهِ مُطْلَقًا أَوْ فِي جَمِيعِ صَلَاتِهِ.
فَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ لَا يَجِبُ إلَّا الِاسْتِقْبَالُ عِنْدَ التَّحَرُّمِ إنْ سَهُلَ اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ، وَقَوْلُهُ لَا يَجِبُ إلَّا الِاسْتِقْبَالُ عِنْدَ التَّحَرُّمِ مُعْتَمَدٌ (قَوْلُهُ: وَشَمَلَ مَا لَوْ كَانَتْ مَغْصُوبَةً) أَيْ الدَّابَّةُ فَلَا يَضُرُّ غَصْبُهَا فِي جَوَازِ التَّنَفُّلِ وَإِنْ حَرَّمَ رُكُوبَهَا لِأَنَّ الْحُرْمَةَ فِيهِ لِأَمْرٍ خَارِجٍ
(قَوْلُهُ: يَخْتَصُّ وُجُوبُ الِاسْتِقْبَالِ بِالتَّحَرُّمِ) أَيْ إنْ سَهُلَ (قَوْلُهُ: وَهُوَ ضَعِيفٌ) لَمْ يَظْهَرْ لِلتَّنْصِيصِ عَلَى ضَعْفِهِ حِكْمَةٌ فَإِنَّ هَذَا مَعْلُومٌ مِنْ قَاعِدَةِ الْمُصَنِّفِ فِيمَا عَبَّرَ عَنْهُ بِقِيلَ، وَيُمْكِنُ رُجُوعُهُ لِلتَّعْلِيلِ، وَعِبَارَةُ حَجّ بَعْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ أَيْضًا كَالتَّحَرُّمِ لِأَنَّهُ طَرَفُهَا الثَّانِي.
وَيُرَدُّ بِأَنَّهُ يُحْتَاطُ لِلْخُرُوجِ لِلِانْعِقَادِ مَا لَا يُحْتَاطُ لِلْخُرُوجِ وَمِنْ ثَمَّ وَجَبَ اقْتِرَانُ النِّيَّةِ بِالْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي اهـ وَهِيَ ظَاهِرَةٌ فِي رُجُوعِهِ لِلتَّعْلِيلِ (قَوْلُهُ فَالْمَذْهَبُ الْجَزْمُ) هَذَا قَدْ يَقْتَضِي أَنَّ فِيمَا بَيْنَهُمَا خِلَافًا أَيْضًا وَأَنَّ عَدَمَ الِاشْتِرَاطِ طَرِيقَةٌ قَاطِعَةٌ لَكِنَّ عِبَارَةَ الْمَحَلِّيِّ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيمَا بَيْنَهُمَا جَزْمًا اهـ.
وَهِيَ صَرِيحَةٌ فِي نَفْيِ الْخِلَافِ، فَلَعَلَّ مُرَادَ
ــ
[حاشية الرشيدي]
وَلَا لِغَيْرِهِ فَمَا الْمُرَادُ بِالْإِلْحَاقِ وَمَا الْحَاجَةُ إلَيْهِ؟ (قَوْلُهُ: ذَلِكَ كُلُّهُ) أَيْ الِاسْتِقْبَالُ وَإِتْمَامُ الْأَرْكَانِ أَوْ بَعْضُهَا بِأَنْ لَمْ يُمْكِنْهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَمْكَنَهُ الِاسْتِقْبَالُ فَقَطْ أَوْ إتْمَامُ الْأَرْكَانِ أَوْ بَعْضِهَا فَقَطْ، وَحِينَئِذٍ فَحَاصِلُهُ مَا ذَكَرَهُ الشِّهَابُ حَجّ بِقَوْلِهِ: وَظَاهِرُ صَنِيعِ الْمَتْنِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الِاسْتِقْبَالُ فِي الْجَمِيعِ وَإِتْمَامُ الْأَرْكَانِ كُلِّهَا أَوْ بَعْضِهَا إلَّا إنْ قَدَرَ عَلَيْهِمَا مَعًا، وَإِلَّا لَمْ يَجِبْ الْإِتْمَامُ مُطْلَقًا وَلَا الِاسْتِقْبَالُ إلَّا فِي تَحَرُّمٍ سَهْلٍ.
قَالَ: وَفِي كَلَامِ غَيْرِهِ مَا يُؤَيِّدُ ذَلِكَ انْتَهَى. وَشَمِلَ الْبَعْضُ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ الرُّكُوعَ وَحْدَهُ أَوْ السُّجُودَ وَحْدَهُ مَثَلًا، وَأَصْرَحُ مِنْهُ فِي ذَلِكَ مَا فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ بِخِلَافِ مَا فِي التُّحْفَةِ، وَقَدْ قَالَ الشِّهَابُ سم: إنَّ مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمَنْهَجِ: أَيْ كَالشَّارِحِ لَا وَجْهَ لَهُ
(قَوْلُهُ: وَهُوَ ضَعِيفٌ) أَيْ لَا بَاطِلٌ كَمَا قِيلَ بِهِ وَهَذَا وَجْهُ تَنْصِيصِهِ عَلَى أَنَّهُ ضَعِيفٌ مَعَ فَهْمِهِ مِنْ تَعْبِيرِ الْمُصَنِّفِ عَنْهُ بِقِيلَ، وَيَجُوزُ رُجُوعُهُ لِلتَّعْلِيلِ وَفِي التُّحْفَةِ مَا يُؤَيِّدُهُ (قَوْلُهُ: فَالْمَذْهَبُ إلَخْ) هَذَا مِمَّا لَا خِلَافَ فِيهِ وَإِنْ أَوْهَمَهُ كَلَامُ الشَّارِحِ
بَعِيدٌ وَالْقِيَاسُ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ أَنَّهُ مَا دَامَ وَاقِفًا لَا يُصَلِّي إلَّا إلَى الْقِبْلَةِ وَهُوَ مُتَعَيِّنٌ.
وَفِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَوْ وَقَفَ لِاسْتِرَاحَةٍ أَوْ انْتِظَارِ رُفْقَةٍ لَزِمَهُ الِاسْتِقْبَالُ مَا دَامَ وَاقِفًا فَإِنْ صَارَ أَتَمَّ صَلَاتَهُ إلَى جِهَةِ سَفَرِهِ إنْ كَانَ سَيْرُهُ لِأَجْلِ سَيْرِ الرُّفْقَةِ، وَإِنْ كَانَ مُخْتَارًا لَهُ بِلَا ضَرُورَةٍ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَسِيرَ حَتَّى تَنْتَهِيَ صَلَاتُهُ، لِأَنَّهُ بِالْوُقُوفِ لَزِمَهُ فَرْضُ التَّوَجُّهِ وَفِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ عَنْ الْحَاوِي نَحْوُهُ انْتَهَى.
وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ كَمَا أَفَادَهُ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إذَا اسْتَمَرَّ عَلَى الصَّلَاةِ، وَإِلَّا فَالْخُرُوجُ مِنْ النَّافِلَةِ لَا يَحْرُمُ، وَلَهُ كَمَا فِي الشَّرْحِ الْمَذْكُورِ أَيْضًا أَنْ يُتِمَّهَا بِالْإِيمَاءِ (وَيَحْرُمُ انْحِرَافُهُ عَنْ) صَوْبِ (طَرِيقِهِ) لِصَيْرُورَتِهِ بَدَلًا عَنْ الْقِبْلَةِ (إلَّا إلَى الْقِبْلَةِ) لَوْ بِرُكُوبِهِ مَقْلُوبًا فَلَا يَضُرُّ لِأَنَّهَا الْأَصْلُ، وَسَوَاءٌ أَكَانَتْ عَنْ يَمِينِهِ أَمْ يَسَارِهِ أَمْ خَلْفِهِ، خِلَافًا لِلْأَذْرَعِيِّ لِكَوْنِهِ وَصْلَةً لِلْأَصْلِ، إذْ لَا يَتَأَتَّى الرُّجُوعُ إلَيْهِ إلَّا بِهِ فَيَكُونُ مُغْتَفَرًا، كَمَا لَوْ تَغَيَّرَتْ نِيَّتُهُ عَنْ مَقْصِدِهِ الَّذِي صَلَّى إلَيْهِ وَعَزَمَ أَنْ يُسَافِرَ إلَى غَيْرِهِ أَوْ الرُّجُوعُ إلَى وَطَنِهِ فَإِنَّهُ يَصْرِفُ وَجْهَهُ إلَى الْجِهَةِ الثَّانِيَةِ وَيَمْضِي فِي صَلَاتِهِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ وَتَكُونُ هِيَ قِبْلَتُهُ، وَإِنَّمَا تَكُونُ الْأُولَى قِبْلَتَهُ مَا لَمْ تَتَغَيَّرْ الْعَزِيمَةُ، فَإِنْ انْحَرَفَ إلَى غَيْرِهَا عَامِدًا عَالِمًا وَلَوْ قَهْرًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَإِنْ عَزَمَ عَلَى الْعَوْدِ إلَى مَقْصِدِهِ أَوْ نَاسِيًا أَوْ لِإِضْلَالِهِ الطَّرِيقَ أَوْ جِمَاحِ الدَّابَّةِ بَطَلَتْ بِانْحِرَافِهِ إنْ طَالَ الزَّمَنُ كَالْكَلَامِ الْكَثِيرِ، وَإِلَّا فَلَا تَبْطُلُ كَالْيَسِيرِ سَهْوًا، وَلَكِنَّهُ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ لِأَنَّ عَمْدَ ذَلِكَ مُبْطِلٌ، وَفِعْلُ الدَّابَّةِ مَنْسُوبٌ إلَيْهِ كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَصَحَّحَاهُ فِي الْجِمَاحِ وَالرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ فِي النِّسْيَانِ وَنَقَلَهُ الْخُوَارِزْمِيَّ فِيهِ عَنْ الشَّافِعِيِّ.
وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ: تَتَعَيَّنُ الْفَتْوَى بِهِ لِأَنَّهُ الْقِيَاسُ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَإِنْ نَقَلَا عَنْ الشَّافِعِيِّ عَدَمَ السُّجُودِ وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ، وَلَوْ انْحَرَفَتْ بِنَفْسِهَا بِغَيْرِ جِمَاحٍ وَهُوَ غَافِلٌ عَنْهَا ذَاكِرٌ لِلصَّلَاةِ فَفِي الْوَسِيطِ إنْ قَصُرَ الزَّمَانُ لَمْ تَبْطُلْ، وَإِلَّا فَوَجْهَانِ وَأَوْجَهُهُمَا كَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ الْبُطْلَانُ، وَلَوْ خَرَجَ الرَّاكِبُ فِي مَعَاطِفِ الطَّرِيقِ أَوْ عَدَلَ لِزَحْمَةٍ أَوْ غُبَارٍ وَنَحْوِهِمَا لَمْ يَضُرَّ،
ــ
[حاشية الشبراملسي]
الشَّارِحِ بِالْمَذْهَبِ الْمَنْقُولِ فِي كَلَامِهِمْ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: أَنَّهُ مَا دَامَ وَاقِفًا) أَيْ طَوِيلًا عَلَى مَا عَبَّرَ بِهِ شَارِحٌ، وَعَلَيْهِ يَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا يَقْطَعُ تَوَاصُلَ السَّيْرِ عُرْفًا اهـ حَجّ (قَوْلُهُ: لَا يُصَلِّي إلَّا إلَى الْقِبْلَةِ) لَكِنْ لَا يَلْزَمُهُ إتْمَامُ الْأَرْكَانِ اهـ حَجّ: أَيْ فَيُصَلِّي بِالْإِيمَاءِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ مُتَعَيِّنٌ) مُعْتَمَدٌ (قَوْلُهُ: أَنَّهُ لَوْ وَقَفَ لِاسْتِرَاحَةٍ) سَيَأْتِي مَا يُوَافِقُهُ عَنْ الْمَجْمُوعِ وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِمَا لَوْ وَقَفَ طَوِيلًا أَخْذًا مِنْ كَلَامِهِ الْمَذْكُورِ (قَوْلُهُ: وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ) أَيْ وُجُوبِ الْإِتْمَامِ لِلْقِبْلَةِ (قَوْلُهُ أَنْ يُتِمَّهَا بِالْإِيمَاءِ) أَيْ وَإِنْ كَانَتْ وَاقِفَةً كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ حَجّ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الِاكْتِفَاءِ بِالْإِيمَاءِ بَيْنَ كَوْنِهِ عَازِمًا عَلَى السَّفَرِ بِسَيْرِ الرِّفْقَةِ إنْ سَارُوا وَبَيْنَ عَدَمِهِ، وَقَدْ يَتَوَقَّفُ فِي جَوَازِ الْإِيمَاءِ حَيْثُ أَرَادَ تَرْكَ السَّيْرِ قَبْلَ فَرَاغِ الصَّلَاةِ إلَّا أَنْ يُقَالَ اُغْتُفِرَ ذَلِكَ لِمَا فِي الْإِتْمَامِ عَلَى الدَّابَّةِ أَوْ النُّزُولِ مِنْ الْمَشَقَّةِ (قَوْلُهُ: خِلَافًا لِلْأَذْرَعِيِّ) أَيْ فِي قَوْلِهِ: أَوْ خَلْفِهِ، وَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ هُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا قَدَّمَهُ فِي شِدَّةِ الْخَوْفِ مِنْ أَنَّهُ إذَا أَمِنَ وَاسْتَدْبَرَ فِي نُزُولِهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَقَدْ يُفَرِّقُ بِأَنَّ ذَاكَ حَالَةُ ضَرُورَةٍ وَقَدْ زَالَتْ وَمَا هُنَا فِي النَّفْلِ فِي السَّفَرِ وَقَدْ تَوَسَّعُوا فِيهِ مَا لَمْ يَتَوَسَّعُوا فِي غَيْرِهِ.
عَلَى أَنَّهُ قَدْ يُقَالُ الَّذِي يَسْتَدْبِرُهُ هُنَا فِيمَا لَوْ كَانَتْ الْقِبْلَةُ خَلْفَهُ وَالْتَفَتَ إلَيْهَا هُوَ مَقْصِدُهُ وَلَيْسَ هُوَ قِبْلَةً بَلْ بَدَلَهَا، وَاَلَّذِي اسْتَدْبَرَهُ فِي النُّزُولِ فِي شِدَّةِ الْخَوْفِ هُوَ الْقِبْلَةُ وَفَرْقُ مَا بَيْنَهُمَا (قَوْلُهُ: لِكَوْنِهِ وَصْلَةً) أَيْ طَرِيقًا (قَوْلُهُ وَلَوْ قَهْرًا) أَيْ بِأَنْ أُكْرِهَ (قَوْلُهُ: وَإِنْ عَزَمَ عَلَى الْعَوْدِ) أَيْ بَعْدَ الِانْحِرَافِ فَلَا يُخَالِفُ مَا مَرَّ (قَوْلُهُ لَمْ يَضُرَّ) أَيْ وَلَا سُجُودَ عَلَيْهِ وَإِنْ
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: أَوْ الرُّجُوعِ إلَى وَطَنِهِ) اُنْظُرْ هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى مَاذَا، وَلَعَلَّ لَفْظَ عَلَى سَاقِطٌ مِنْ النُّسَخِ عَقِبَ قَوْلِهِ عَزَمَ (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَهْرًا) فِي أَخْذِهِ غَايَةٌ لِلْعَمْدِ وَقْفَةٌ
وَإِنْ نَوَى الرُّجُوعَ مِنْ سَفَرِهِ فَلْيَنْحَرِفْ إلَيْهَا فَوْرًا أَخْذًا مِمَّا مَرَّ، وَلَوْ كَانَ لِمَقْصِدِهِ طَرِيقَانِ يُمْكِنُهُ الِاسْتِقْبَالَ فِي أَحَدِهِمَا فَقَطْ فَسَلَكَ الْآخَرَ لَا لِغَرَضٍ فَهَلْ لَهُ التَّنَفُّلُ إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ؟ يُحْتَمَلُ تَخْرِيجُهُ عَلَى نَظِيرِهِ مِنْ الْقَصْرِ وَيُحْتَمَلُ تَجْوِيزُهُ لَهُ قَطْعًا تَوْسِعَةً فِي النَّوَافِلِ وَتَكْثِيرًا لَهَا، وَلِهَذَا جَازَتْ كَذَلِكَ فِي السَّفَرِ الْقَصِيرِ وَهَذَا أَصَحُّ.
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَلَمْ أَرَ فِي ذَلِكَ شَيْئًا وَفَارَقَ مَنْعَ الْقَصْرِ فِي نَظِيرِهِ بِمَزِيدِ التَّوْسِعَةِ فِي النَّوَافِلِ لِكَثْرَتِهَا.
(وَيُومِئُ بِرُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ) أَيْ وَيَكُونُ سُجُودُهُ (أَخْفَضَ) مِنْ رُكُوعِهِ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: وَبِسُجُودِهِ وُجُوبًا إنْ تَمَكَّنَ مِنْ ذَلِكَ تَمْيِيزًا بَيْنَهُمَا لِلِاتِّبَاعِ، وَلَا يَلْزَمُهُ السُّجُودُ عَلَى عُرْفِ الدَّابَّةِ وَنَحْوِهِ بَلْ يَكْفِيهِ الْإِيمَاءُ وَلَا يَلْزَمُهُ إتْمَامُهَا لَتَعَذُّرِهِ أَوْ تَعَسُّرِهِ وَالنُّزُولُ لَهُمَا أَعْسَرُ.
قَالَ الْإِمَامُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ بَذْلُ وُسْعِهِ فِي الِانْحِنَاءِ «لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام كَانَ يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ يُومِئُ إيمَاءً إلَّا الْفَرَائِضَ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
وَفِي حَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ: «فِي صَلَاتِهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الرَّاحِلَةِ بِالْإِيمَاءِ يَجْعَلُ السُّجُودَ أَخْفَضَ مِنْ الرُّكُوعِ»
(وَالْأَظْهَرُ أَنَّ)(الْمَاشِيَ يُتِمُّ) وُجُوبًا (رُكُوعَهُ وَسُجُودَهُ)(وَيَسْتَقْبِلُ فِيهِمَا وَفِي إحْرَامِهِ) وَجُلُوسُهُ بَيْنَ سَجْدَتَيْهِ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ إتْمَامُهَا مَاكِثًا لِسُهُولَتِهِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الرَّاكِبِ، وَالثَّانِي يَكْفِيهِ أَنْ يُومِئَ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ كَالرَّاكِبِ وَيَلْزَمُهُ أَنْ يَسْتَقْبِلَ فِيهِمَا وَيَلْزَمُهُ فِي إحْرَامه عَلَى الْأَصَحِّ وَلَا يَلْزَمُهُ فِي السَّلَامِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ، وَلَوْ كَانَ يَمْشِي فِي وَحْلِ وَنَحْوِهِ أَوْ مَاءٍ أَوْ ثَلْجٍ فَهَلْ يَلْزَمُهُ إكْمَالَ السُّجُودِ عَلَى الْأَرْضِ؟ ظَاهِرُ إطْلَاقِهِمْ لُزُومُهُ وَاشْتِرَاطُهُ.
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ وَهُوَ الْأَوْجَهُ يَكْفِيهِ أَيْ الْإِيمَاءُ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَشَقَّةِ الظَّاهِرَةِ وَتَلْوِيثِ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
خَرَجَ عَنْ جِهَةِ مَقْصِدِهِ (قَوْلُهُ: فَلْيَنْحَرِفْ إلَيْهَا) أَيْ إلَى الْجِهَةِ الَّتِي قَصَدَ الرُّجُوعَ إلَيْهَا (قَوْلُهُ: يُحْتَمَلُ تَخْرِيجُهُ إلَخْ) أَيْ فَيَمْتَنِعُ عَلَيْهِ ذَلِكَ
(قَوْلُهُ: وَيُومِئُ) أَيْ بِالْهَمْزِ كَمَا فِي الْمُخْتَارِ (قَوْلُهُ: وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَبِسُجُودِهِ) وَعَلَيْهَا فَأَخْفَضَ حَالٌ وَعَلَى الْأُولَى فَيَجُوزُ رَفْعُهُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ وَجَرُّهُ عَطْفًا عَلَى رُكُوعِهِ، وَلَا يَضُرُّ عَدَمُ إعَادَةِ الْجَارِ لِعَطْفِهِ عَلَى ظَاهِرٍ وَلَا شُذُوذَ فِيهِ، عَلَى أَنَّ فِي الرَّفْعِ تَقْدِيرَ يَكُونُ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ وَهُوَ قَلِيلٌ بِدُونِ أَنْ وَلَوْ (قَوْلُهُ: وَلَا يَلْزَمُهُ السُّجُودُ عَلَى عُرْفِ الدَّابَّةِ) شَامِلٌ لِغَيْرِ الْفَرَسِ.
وَفِي الْمُخْتَارِ: الْعُرْفُ ضِدُّ النُّكْرِ إلَى أَنْ قَالَ: وَالْعُرْفُ أَيْضًا عُرْفُ الْفَرَسِ اهـ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يُضَافُ لِغَيْرِ الْفَرَسِ مِنْ الدَّوَابِّ، ثُمَّ قَالَ: وَالْمَعْرَفَةُ بِفَتْحِ الرَّاءِ: الْمَوْضِعُ الَّذِي يَنْبُتُ عَلَيْهِ الْعُرْفُ اهـ.
وَفِي الْقَامُوسِ: وَالْعُرْفُ بِالضَّمِّ: شَعْرُ عُنُقِ الْفَرَسِ وَتُضَمُّ رَاؤُهُ اهـ.
وَفِي الْمِصْبَاحِ: وَعُرْفُ الدَّابَّةِ الشَّعْرُ النَّابِتُ فِي مَحْدَبِ رَقَبَتِهِ اهـ.
وَهُوَ مُوَافِقٌ لِإِطْلَاقِ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ: وَلَا يَلْزَمُهُ إتْمَامُهَا) لَا يُقَالُ: هَذَا عَلِمَ مِنْ قَوْلِهِ: وَلَا يَلْزَمُهُ السُّجُودُ عَلَى عُرْفٍ إلَخْ.
لِأَنَّا نَقُولُ: لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ السُّجُودِ عَلَى عُرْفِ الدَّابَّةِ نَفْيُهُ مُطْلَقًا لِجَوَازِ أَنْ يُكَلِّفَهُ عَلَى نَحْوِ السَّرْجِ وَبِتَقْدِيرِ لُزُومِهِ فَقَدْ ذَكَرَهُ تَوْطِئَةً لِقَوْلِهِ وَالنُّزُولُ لَهُمَا إلَخْ (قَوْلُهُ: يَجْعَلُ السُّجُودَ أَخْفَضَ مِنْ الرُّكُوعِ) أَيْ فَتُحْمَلُ الرِّوَايَةُ الْأُولَى عَلَى هَذَا (قَوْلُهُ: أَنَّ الْمَاشِي يُتِمُّ وُجُوبًا رُكُوعَهُ) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ إتْمَامُهَا أَوْ عَدَمُ الِاسْتِقْبَالِ فِيهِمَا لِخَوْفِهِ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ مَثَلًا لَمْ يَنْتَفِلْ سم عَلَى مَنْهَجٍ بِالْمَعْنَى. أَقُولُ: وَلَوْ قِيلَ يَتَنَفَّلُ وَالْحَالَةُ مَا ذُكِرَ لَمْ يَكُنْ بَعِيدًا فَإِنَّ الْمَشَقَّةَ الْمُجَوِّزَةُ لِتَرْكِ الِاسْتِقْبَالِ فِي السَّفَرِ فِي حَقِّ الرَّاكِبِ مَوْجُودَةٌ هُنَا فَلْيُرَاجَعْ، وَقَدْ يَشْهَدُ لَهُ مَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ: وَلَوْ كَانَ بِالطَّرِيقِ وَحَلَّ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَلَا يَلْزَمُهُ) أَيْ الِاسْتِقْبَالُ
(قَوْلُهُ: يَكْفِيهِ أَيْ الْإِيمَاءُ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ) أَيْ وَلَا يُسَنُّ إعَادَةُ النَّفْلِ الرَّاتِبِ مِنْهُ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَكْفِيهِ مُجَرَّدُ الْإِيمَاءِ مِنْ غَيْرِ مُبَالَغَةٍ فِيهِ.
وَيُحْتَمَلُ أَنْ
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَيَكُونُ سُجُودُهُ إلَخْ) أَعْرَبَ الشِّهَابُ حَجّ أَخْفَضَ حَالًا، وَعَلَيْهِ فَيُقْرَأُ سُجُودُهُ بِالْجَرِّ، وَأَمَّا صَنِيعُ الشَّارِحِ فَيَقْتَضِي قِرَاءَتَهُ بِالرَّفْعِ (قَوْلُهُ: وَفِي حَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ) هَذَا بَيَانُ الِاتِّبَاعِ الْمُتَقَدِّمِ
(قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ إتْمَامَهَا مَاكِثًا لِسُهُولَتِهِ عَلَيْهِ) هَذَا جَعَلَهُ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ تَعْلِيلًا لِوُجُوبِ الِاسْتِقْبَالِ فِيمَا ذَكَرَ لَا لِوُجُوبِ إتْمَامِ الرُّكُوعِ
بَدَنِهِ وَثِيَابِهِ بِالطِّينِ، وَقَدْ وَجَّهُوا وُجُوبَ إكْمَالِهِ بِالتَّيَسُّرِ وَعَدَمِ الْمَشَقَّةِ وَهِيَ مَوْجُودَةٌ هُنَا وَإِلْزَامُهُ بِالْكَمَالِ يُؤَدِّي إلَى التَّرْكِ جُمْلَةً
(وَ) الْأَظْهَرُ أَنَّهُ (لَا يَمْشِي) أَيْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْمَشْيُ (إلَّا فِي قِيَامِهِ) شَمَلَ اعْتِدَالَهُ (وَتَشَهُّدَهُ) وَلَوْ الْأَوَّلُ فَلَا يَمْشِي فِي غَيْرِهِمَا، وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ بِأَنَّ مَشْيَ الْقَائِمِ سَهْلٌ فَسَقَطَ عَنْهُ التَّوَجُّهُ فِيهِ لِيَمْشِيَ فِيهِ شَيْئًا مِنْ سَفَرِهِ قَدْرَ مَا يَأْتِي بِالذَّكَرِ الْمَسْنُونِ فِيهِ، وَمَشْيُ الْجَالِسِ لَا يُمْكِنُ إلَّا بِالْقِيَامِ وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ فَلَزِمَهُ التَّوَجُّهُ فِيهِ، وَلَوْ بَلَغَ الْمُسَافِرُ الْمَحَطَّ الَّذِي يَنْقَطِعُ بِهِ سَيْرُهُ أَوْ بَلَغَ طَرَفَ بُنْيَانِ بَلَدِ إقَامَتِهِ أَوْ نَوَى وَهُوَ مُسْتَقِلٌّ مَاكِثٌ بِمَحَلِّ الْإِقَامَةِ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَصْلُحْ لَهَا لَزِمَهُ النُّزُولُ عَنْ دَابَّتِهِ إنْ لَمْ يَسْتَقِرَّ فِي نَحْوِ هَوْدَجٍ وَلَمْ يُمْكِنْهُ إتْمَامُهَا مُسْتَقْبَلًا وَهِيَ وَاقِفَةٌ لِانْقِطَاعِ سَفَرِهِ الَّذِي هُوَ سَبَبُ الرُّخْصَةِ، بِخِلَافِ الْمَارِّ بِذَلِكَ وَلَوْ بَقَرِيَّةٍ لَهُ أَهْلٌ فِيهَا فَلَا يَلْزَمُهُ النُّزُولُ، وَعَلِمَ أَنَّ الشَّرْطَ فِي جَوَازِ تَنَفُّلِهِ رَاكِبًا وَمَاشِيًا دَوَامُ سَفَرِهِ وَسَيْرِهِ، فَلَوْ نَزَلَ فِي أَثْنَاءِ صَلَاتِهِ لَزِمَهُ إتْمَامُهَا لِلْقِبْلَةِ قَبْلَ رُكُوبِهِ، وَلَوْ نَزَلَ وَبَنَى أَوْ ابْتَدَأَهَا لِلْقِبْلَةِ ثُمَّ أَرَادَ الرُّكُوبَ وَالسَّيْرَ فَلْيُتِمَّهَا وَيُسَلِّمُ مِنْهَا ثُمَّ يَرْكَبُ فَإِنْ رَكِبَ بَطَلَتْ إلَّا أَنْ يَضْطَرَّ إلَى الرُّكُوبِ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي مَجْمُوعِهِ، وَلَهُ الرَّكْضُ لِلدَّابَّةِ وَالْعَدْوُ لِحَاجَةٍ سَوَاءٌ أَنَّ الرَّكْضَ وَالْعَدْوَ لِحَاجَةِ السَّفَرِ كَخَوْفِ تَخَلُّفِهِ عَنْ الرُّفْقَةِ أَمْ لِغَيْرِ حَاجَتِهِ كَتَعَلُّقِهَا بِصَيْدٍ يُرِيدُ إمْسَاكَهُ كَمَا اقْتَضَى ذَلِكَ كَلَامُهُمْ وَكَلَامُ ابْنِ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَإِنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ إنَّ الْوَجْهَ بُطْلَانُهَا فِي الثَّانِي، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَجْرَى الدَّابَّةَ أَوْ عَدَا الْمَاشِي
ــ
[حاشية الشبراملسي]
يُقَالُ يُبَالِغُ فِي ذَلِكَ بِحَيْثُ يَقْرَبُ مِنْ الْوَحْلِ كَمَنْ حُبِسَ بِمَوْضِعٍ نَجِسٍ، وَكَمَا فِي مَنْ يُصَلِّي النَّفَلَ قَاعِدًا إذَا عَجَزَ عَنْ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ، لِأَنَّ النَّفَلَ فِي السَّفَرِ خُفِّفَ فِيهِ، وَحَيْثُ وُجِدَتْ مَشَقَّةٌ سَقَطَ الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ فَيَكْتَفِي بِمُجَرَّدِ الْإِيمَاءِ
(قَوْلُهُ: وَتَشَهُّدَهُ) أَرَادَ بِهِ مَا يَشْمَلُ سَلَامَ التَّحَلُّلِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَآلِهِ - وَمَا يَتَّصِلُ بِهَا مِنْ الْأَدْعِيَةِ (قَوْلُهُ فَلَزِمَهُ التَّوَجُّهُ فِيهِ) وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ يَزْحَفُ أَوْ يَحْبُو جَازَ لَهُ ذَلِكَ فِيهِ اهـ حَجّ: أَيْ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ حَالُهُ فِي السَّفَرِ الْحَبْوَ أَوْ الزَّحْفَ بَلْ لَوْ أَرَادَ ذَلِكَ فِي خُصُوصِ الْجُلُوسِ جَازَ.
وَقَوْلُهُ إنَّهُ لَوْ كَانَ يَزْحَفُ قِيَاسُهُ أَنَّهُ لَوْ رَكَعَ وَمَشَى فِي رُكُوعِهِ لَمْ يَمْتَنِعْ حَيْثُ أَتَمَّهُ لِلْقِبْلَةِ (قَوْلُهُ: أَوْ بَلَغَ طَرَفَ بُنْيَانِ بَلَدِ إقَامَتِهِ) أَيْ الْبَلَدِ الَّذِي نَوَى الْإِقَامَةَ فِيهِ أَوَاَلَّذِي هُوَ مَقْصِدُهُ فَلَا يُنَافِي مَا سَيَأْتِي فِي الْقَرْيَةِ (قَوْلُهُ لَزِمَهُ النُّزُولُ عَنْ دَابَّتِهِ) هَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَسْتَدْبِرَ كَمَا تَقَدَّمَ فِيمَنْ أَمَّنَ رَاكِبًا فَنَزَلَ يَنْبَغِي نَعَمْ سم عَلَى حَجّ (قَوْلُهُ: لِانْقِطَاعِ سَفَرِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ لَزِمَهُ النُّزُولُ (قَوْلُهُ: وَلَوْ بَقَرِيَّةٍ لَهُ) ظَاهِرُهُ وَإِنْ كَانَتْ وَطَنَهُ، وَلَيْسَ مُرَادًا لِمَا يَأْتِي لِلشَّارِحِ فِي صَلَاةِ الْمُسَافِرِ مِنْ أَنَّهُ يَنْقَطِعُ سَفَرُهُ بِمُرُورِهِ عَلَى وَطَنِهِ وَعِبَارَتُهُ بَعْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَإِذَا رَجَعَ انْتَهَى سَفَرُهُ بِبُلُوغِهِ مَا شَرَطَ مُجَاوَزَتَهُ ابْتِدَاءَ نَصِّهَا: فَعَلِمَ أَنَّهُ يَنْتَهِي بِمُجَرَّدِ بُلُوغِهِ مَبْدَأُ سَفَرِهِ مِنْ وَطَنِهِ وَلَوْ كَانَ مَارًّا بِهِ فِي سَفَرِهِ كَأَنْ خَرَجَ مِنْهُ ثُمَّ رَجَعَ مِنْ بَعِيدٍ قَاصِدًا مُرُورَهُ بِهِ مِنْ غَيْرِ إقَامَةٍ اهـ رحمه الله (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَضْطَرَّ إلَى الرُّكُوبِ) أَيْ فَيَرْكَبُ وَيُكْمِلُهَا (قَوْلُهُ: ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي مَجْمُوعِهِ) لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إنْ كَانَتْ صُورَةُ النُّزُولِ مُقَيَّدَةً بِعَدَمِ الْأَفْعَالِ الْمُبْطِلَةِ فَيَنْبَغِي تَجْوِيزُ الرُّكُوبِ بِهَذَا الْقَيْدِ فَقَدْ يُتَصَوَّرُ فَلِمَ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مُصَوَّرَةٍ بِذَلِكَ فَهُوَ مُشْكِلٌ، مَعَ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الرُّكُوبُ كَذَلِكَ وَإِلَّا فَلِمَ اُغْتُفِرَتْ الْأَفْعَالُ الْمُبْطِلَةُ فِي النُّزُولِ دُونَ الرُّكُوبِ، لَعَلَّ الْمُرَادَ الْأَوَّلُ، وَإِنَّمَا فَرَّقُوا بِاعْتِبَارِ الْغَالِبِ فَلْيُتَأَمَّلْ، قَالَهُ شَيْخُنَا الشَّوْبَرِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى التَّحْرِيرِ.
أَقُولُ وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّهُ إنَّمَا اُغْتُفِرَتْ الْحَرَكَاتُ الْمُبْطِلَةُ عِنْدَ إرَادَةِ النُّزُولِ لِأَنَّهُ لَمَّا انْتَقَلَ إلَى مَا هُوَ وَاجِدٌ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ اُغْتُفِرَ ذَلِكَ فِي حَقِّهِ، وَالرُّكُوبُ لَمَّا كَانَ لَا يَجُوزُ ابْتِدَاءً ضُويِقَ فِيهِ فَلَمْ يُغْتَفَرْ لَهُ إلَّا مَا كَانَ ضَرُورِيًّا (قَوْلُهُ: وَلَهُ الرَّكْضُ لِلدَّابَّةِ وَالْعَدْوُ) أَيْ وَلَوْ كَثُرَا (قَوْلُهُ: فِي الثَّانِي) هُوَ
ــ
[حاشية الرشيدي]
وَالسُّجُودِ، وَالشَّارِحُ تَبِعَهُ فِي ذَلِكَ فَلَزِمَ عَلَيْهِ إهْمَالُ تَعْلِيلِ الْإِتْمَامِ الْمَذْكُورِ وَإِيهَامُ أَنَّهُ تَعْلِيلٌ لَهُ أَيْضًا مَعَ أَنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ
(قَوْلُهُ: وَفَرَّقَ بَيْنَهُ إلَخْ) هَذَا فَرْقٌ بَيْنَ الِاعْتِدَالِ، وَالْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ كَمَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَعِبَارَةُ الشَّارِحِ لَا تَقْبَلُهُ (قَوْلُهُ: وَلَوْ بِقَرْيَةٍ لَهُ أَهْلٌ فِيهَا) فِي حَاشِيَةِ الشَّيْخِ تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا لَمْ يُرِدْ النُّزُولَ بِهَا أَخْذًا مِمَّا يَأْتِي
فِي صَلَاتِهِ بِلَا حَاجَةٍ فَإِنَّهَا تَبْطُلُ كَمَا مَرَّ
وَلَوْ بَالَتْ أَوْ رَاثَتْ دَابَّةٌ أَوْ وَطِئَتْ بِنَفْسِهَا أَوْ أَوْطَأَهَا نَجَاسَةً لَمْ يَضُرَّ لِأَنَّهُ لَمْ يُلَاقِهَا، وَلَوْ دَمَى فَمُ الدَّابَّةِ وَفِي يَدِهِ لِجَامُهَا فَسِيَاقُ الْكَلَامِ قَدْ يُفْهِمُ صِحَّتَهَا، وَاَلَّذِي أَوْرَدَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ عَنْ الْأَئِمَّةِ أَنَّهُ كَمَا لَوْ صَلَّى وَفِي يَدِهِ حَبْلٌ طَاهِرٌ عَلَى نَجَاسَةٍ، وَقَضِيَّتُهُ بُطْلَانُ الصَّلَاةِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَيَظْهَرُ أَنَّهُ يَلْحَقُ بِمَا ذُكِرَ كُلَّ نَجَاسَةٍ اتَّصَلَتْ بِالدَّابَّةِ وَعِنَانُهَا بِيَدِهِ أَخْذًا مِمَّا تَقَرَّرَ، أَمَّا الْمَاشِي فَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ إنْ وَطِئَ نَجَاسَةً عَمْدًا وَلَوْ يَابِسَةً وَإِنْ لَمْ يَجِدْ عَنْهَا مَعْدِلًا كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ التَّحْقِيقِ، بِخِلَافِ وَطْئِهَا نَاسِيًا وَهِيَ يَابِسَةٌ لِلْجَهْلِ بِهَا مَعَ مُفَارِقَتِهَا حَالًا فَأَشْبَهَ مَا لَوْ وَقَعَتْ عَلَيْهِ فَنَحَّاهَا حَالًا، فَإِنْ كَانَتْ مَعْفُوًّا عَنْهَا كَذَرْقِ طُيُورٍ عَمَّتْ بِهَا الْبَلْوَى وَلَا رُطُوبَةَ ثَمَّ وَلَمْ يَتَعَمَّدْ الْمَشْيَ عَلَيْهَا وَلَمْ يَجِدْ عَنْهَا مَعْدِلًا لَمْ يَضُرَّ، وَلَا يُكَلَّفُ التَّحَفُّظَ وَالِاحْتِيَاطَ فِي مَشْيِهِ لِأَنَّ تَكْلِيفَهُ ذَلِكَ يُشَوِّشُ عَلَيْهِ غَرَضَ سَيْرِهِ
(وَلَوْ صَلَّى) شَخْصٌ (فَرْضًا) عَيْنِيًّا أَوْ غَيْرَهُ (عَلَى دَابَّةٍ وَاسْتَقْبَلَ) الْقِبْلَةَ (وَأَتَمَّ رُكُوعَهُ وَسُجُودَهُ) وَبَقِيَّةَ أَرْكَانِهِ بِأَنْ كَانَ فِي نَحْوِ هَوْدَجٍ (وَهِيَ وَاقِفَةٌ) وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَعْقُولَةً أَوْ كَانَ عَلَى سَرِيرٍ يَمْشِي بِهِ رِجَالٌ أَوْ فِي زَوْرَقٍ أَوْ أُرْجُوحَةٍ مُعَلَّقَةٍ بِحِبَالٍ (جَازَ) لِاسْتِقْرَارِ ذَلِكَ فِي نَفْسِهِ (أَوْ سَائِرَةٌ فَلَا) لِأَنَّ سَيْرَهَا مَنْسُوبٌ إلَيْهِ وَإِنْ تَمَكَّنَ مِنْ إتْمَامِ الْأَرْكَانِ عَلَيْهَا.
نَعَمْ إنْ خَافَ مِنْ النُّزُولِ عَنْهَا عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ وَإِنْ قَلَّ أَوْ فَوْتِ رُفْقَتِهِ إذَا اسْتَوْحَشَ وَإِنْ لَمْ يَتَضَرَّرْ، أَوْ خَافَ وُقُوعَ مُعَادِلِهِ لِمَيْلِ الْحَمْلِ أَوْ تَضَرُّرَ الدَّابَّةِ أَوْ احْتَاجَ فِي نُزُولِهِ إذَا رَكِبَ إلَى مُعِينٍ وَلَيْسَ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ أَمْ لِغَيْرِ الْحَاجَةِ
(قَوْلُهُ: أَوْ أَوْطَأَهَا نَجَاسَةً لَمْ يَضُرَّ) أَيْ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ زِمَامُهَا بِيَدِهِ أَخْذًا مِمَّا يَأْتِي (قَوْلُهُ: كَمَا لَوْ صَلَّى وَبِيَدِهِ حَبْلٌ) وَخَرَجَ بِهِ مَا لَوْ كَانَ الْحَبْلُ تَحْتَ رِجْلِهِ مَثَلًا (قَوْلُهُ وَقَضِيَّتُهُ بُطْلَانُ الصَّلَاةِ عَلَى الْأَصَحِّ) مُعْتَمَدٌ (قَوْلُهُ: وَعِنَانُهَا بِيَدِهِ) أَيْ وَإِنْ طَالَ، وَهَلْ مِثْلُ الْعِنَانِ الرِّكَابُ أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ أَنْ يُقَالَ فِيهِ: إنْ اعْتَمَدَ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ حَمْلِهِ عَلَى رِجْلِهِ وَرَفَعَهَا وَهُوَ عَلَيْهَا لَمْ يَضُرَّ وَإِلَّا ضُرَّ لِأَنَّهُ يُعَدُّ مُتَّصِلًا بِهِ عُرْفًا (قَوْلُهُ: عَمَّتْ بِهَا الْبَلْوَى وَلَا رُطُوبَةَ) أَيْ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ وَالْمُرَادُ بِعُمُومِهَا كَثْرَةُ وُقُوعِهَا فِي الْمَحَلِّ بِحَيْثُ يُشَقُّ تَحَرُّمُ الْمَحَلِّ الطَّاهِرِ مِنْهُ.
وَقَوْلُهُ لَمْ يَجِدْ عَنْهَا مَعْدِلًا لَعَلَّ الْمُرَادُ بِهِ أَنْ لَا يَكُونَ ثَمَّ جِهَةٌ خَالِيَةٌ عَنْهُ رَأْسًا يَسْهُلُ الْمُرُورُ بِهَا بِدَلِيلِ قَوْلِهِ وَلَا يُكَلَّفُ التَّحَفُّظَ إلَخْ
(قَوْلُهُ: فَرْضًا عَيْنِيًّا أَوْ غَيْرَهُ) كَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ اهـ زِيَادِيٌّ وحج (قَوْلُهُ: أَوْ أُرْجُوحَةٍ) هِيَ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ كَمَا فِي الْمُخْتَارِ (قَوْلُهُ إذَا اسْتَوْحَشَ) أَيْ بِخِلَافِ مَا مَرَّ فِي التَّيَمُّمِ فِيمَا لَوْ تَوَهَّمَ الْمَاءَ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ طَلَبُهُ إنْ خَافَ انْقِطَاعَهُ عَنْ الرُّفْقَةِ وَإِنْ لَمْ يَسْتَوْحِشْ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الشَّرْحِ، وَلَعَلَّ الْفَرْقَ أَنَّ ذَاكَ لَمَّا كَانَ لِمُجَرَّدِ التَّوَهُّمِ وَقَدْ لَا يَجِبُ مَعَهُ الْمَاءُ بِالطَّلَبِ رُوعِيَ جَانِبُ الرُّفْقَةِ
ــ
[حاشية الرشيدي]
فِي الشَّارِحِ فِي صَلَاةِ الْمُسَافِرِ فَلْيُنْظَرْ مَعَهُ
(قَوْلُهُ: أَوْ أَوْطَأَهَا نَجَاسَةً لَمْ يَضُرَّ) لَعَلَّ الصُّورَةَ أَنَّ اللِّجَامَ مَثَلًا لَيْسَ فِي يَدِهِ لِيُلَاقِيَ مَا يَأْتِي فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ وَمَا يَأْتِي قَرِيبًا مِنْ قَوْلِهِ، وَيَظْهَرُ أَنْ يُلْحِقَ بِمَا ذُكِرَ كُلُّ نَجَاسَةٍ اتَّصَلَتْ بِالدَّابَّةِ إلَخْ، ثُمَّ رَأَيْتُ الشِّهَابَ سم قَالَ عَقِبَ قَوْلِ الشِّهَابِ حَجّ وَطْءُ نَجِسٍ خَرَجَ إيطَاءٌ بِالدَّابَّةِ لَكِنْ إذَا تَلَوَّثَتْ رِجْلُهَا ضَرَّ، إمْسَاكُ مَا رَبَطَ بِهَا كَمَا فِي مَسْأَلَةِ السَّاجُورِ (قَوْلُهُ: اتَّصَلَتْ بِالدَّابَّةِ) أَيْ وَإِنْ لَمْ تُلَاقِ اللِّجَامَ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ قَابِضٌ مُتَّصِلٌ بِالنَّجَاسَةِ (قَوْلُهُ: فَإِنْ كَانَتْ مَعْفُوًّا عَنْهَا إلَخْ) هَذَا لَا يَخْتَصُّ بِالْمُسَافِرِ كَمَا يَأْتِي فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ بِمَا فِيهِ، عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ وَلَمْ يَجِدْ عَنْهَا مَعْدِلًا لَمْ يَشْرِطْهُ ثَمَّ، وَحِينَئِذٍ فَالْعَفْوُ عَمَّا ذُكِرَ لَيْسَ لِخُصُوصِ السَّيْرِ، فَقَوْلُهُ؛ لِأَنَّ تَكْلِيفَهُ ذَلِكَ إلَخْ لَمْ يُفِدْ هُنَا شَيْئًا
(قَوْلُهُ: أَوْ فِي زَوْرَقٍ) إنْ كَانَتْ الصُّورَةُ أَنَّهُ فِي الْبَحْرِ فَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قَدَّمَ مَسْأَلَةَ السَّفِينَةِ، وَإِنْ كَانَتْ الصُّورَةُ أَنَّهُ فِي الْبَرِّ، فَإِنْ كَانَتْ صُورَتُهُ أَنَّهُ يَجُرُّهُ رِجَالٌ فَكَانَ يَنْبَغِي تَقْدِيمُهُ عَلَى قَوْلِهِ يَمْشِي بِهِ رِجَالٌ، وَإِنْ كَانَتْ صُورَتُهُ أَنَّهُ تَجُرُّهُ دَابَّةٌ مَثَلًا، فَهُوَ مِنْ أَفْرَادِ مَسْأَلَةِ الْمِحَفَّةِ الْآتِيَةِ (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ سَيْرَهَا مَنْسُوبٌ إلَيْهِ) هُوَ تَعْلِيلٌ لِمَسْأَلَةِ الْمَتْنِ خَاصَّةً مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَمَّا أَدْرَجَهُ فِيهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ عَلَى أَنَّهَا مُقَيَّدَةٌ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ مَنْ يَلْزَمُ زِمَامَهَا كَمَا يَأْتِي
مَعَهُ أَجِيرٌ لِذَلِكَ وَلَمْ يَتَوَسَّمْ مِنْ نَحْوِ صِدِّيقٍ إعَانَتَهُ فَلَهُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ أَنْ يُصَلِّيَ الْفَرْضَ عَلَيْهَا وَهِيَ سَائِرَةٌ إلَى جِهَةِ مَقْصِدِهِ وَيُومِئُ وَيُعِيدُ، وَعُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ فِي مَسْأَلَةِ السَّرِيرِ صِحَّةُ مَا أَفَادَهُ الْبَدْرُ بْنُ شُهْبَةَ حَيْثُ قَالَ: وَقَضِيَّةُ هَذَا صِحَّةُ الصَّلَاةِ فِي الْمِحَفَّةِ السَّائِرَةِ، لِأَنَّ مَنْ بِيَدِهِ زِمَامُ الدَّابَّةِ يُرَاعِي الْقِبْلَةَ وَهِيَ مَسْأَلَةٌ نَفِيسَةٌ يَحْتَاجُ إلَيْهَا، وَفَرَّقَ الْمُتَوَلِّي بَيْنَ الدَّابَّةِ السَّائِرَةِ بِنَفْسِهَا وَبَيْنَ الرِّجَالِ السَّائِرِينَ بِالسَّرِيرِ بِأَنَّ الدَّابَّةَ لَا تَكَادُ تَثْبُتُ عَلَى حَالَةٍ وَاحِدَةٍ فَلَا تُرَاعِي الْجِهَةَ، بِخِلَافِ الرِّجَالِ، قَالَ: حَتَّى لَوْ كَانَ لِلدَّابَّةِ مَنْ يَلْزَمُ لِجَامَهَا وَيُسَيِّرُهَا بِحَيْثُ لَا تَخْتَلِفُ الْجِهَةُ جَازَ ذَلِكَ، وَسَبَقَهُ إلَى هَذَا الْأَخِيرِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَاعْتَمَدَهُ الْأَذْرَعِيُّ، وَمَا نَظَرَ بِهِ فِي كَلَامِ الْمُتَوَلِّي صَاحِبُ الْإِسْعَادِ بِأَنَّ الْمَنْظُورَ إلَيْهِ مُرَاعَاةُ السَّائِرِ بِنَفْسِهِ الِاسْتِقْبَالَ اخْتِيَارًا وَلَا اخْتِيَارَ لِلدَّابَّةِ وَلَيْسَ سَيْرُهَا كَالْحَاصِلِ لِلسَّائِرِ بِنَفْسِهِ يُرَدُّ بِأَنَّ الْعِلَّةَ لَيْسَتْ هِيَ اخْتِيَارَ السَّائِرِ إذْ لَا يَصِحُّ مَنَاطًا لِتَعَلُّقِ الْحُكْمِ بِهِ بَلْ الْأَمْنُ مِنْ التَّحَوُّلِ عَنْ الْقِبْلَةِ بِالِانْحِرَافِ الْمُبْطِلِ لِصَلَاتِهِ وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ، وَفَرَّقَ غَيْرُ الْمُتَوَلِّي بِأَنَّ السَّرِيرَ مَنْسُوبٌ لِحَامِلِهِ دُونَ رَاكِبِهِ وَلِهَذَا اُحْتِيجَ فِي وُقُوعِ الطَّوَافِ لِلْمَحْمُولِ إلَى قَرِينَةٍ تَصْرِفُهُ عَنْ الْحَامِلِ كَمَا سَيَأْتِي، وَقَضِيَّةُ تَعْلِيلِهِمْ بِأَنَّ سَيْرَ الدَّابَّةِ مَنْسُوبٌ إلَيْهِ أَنَّهَا لَوْ مَشَتْ بِهِ فِي أَثْنَاءِ صَلَاتِهِ بَطَلَتْ بِثَلَاثِ خُطُوَاتٍ مُتَوَالِيَاتٍ، وَمِثْلُهَا الْوَثْبَةُ الْفَاحِشَةُ وَهُوَ مُحْتَمَلٌ، وَشَمَلَ كَلَامُهُ الصَّلَاةَ الْمَنْذُورَةَ وَيَلْحَقُ بِهَا صَلَاةُ الْجِنَازَةِ لِسُلُوكِهِمْ بِالْأُولَى مَسْلَكَ وَاجِبِ الشَّرْعِ، وَلِأَنَّ الرُّكْنَ الْأَعْظَمَ فِي الثَّانِيَةِ الْقِيَامُ وَفِعْلُهَا عَلَى الدَّابَّةِ يَمْحُو صُورَتَهَا، وَلِنُدْرَةِ هَذِهِ الصَّلَاةِ وَلِاحْتِرَامِ الْمَيِّتِ حَتَّى لَوْ فُرِضَ إتْمَامُهُ عَلَيْهَا فَكَذَلِكَ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ وَصَرَّحَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ كَالْقُونَوِيِّ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ لِأَنَّ الرُّخْصَةَ فِي النَّفْلِ إنَّمَا كَانَتْ لِكَثْرَتِهِ،
ــ
[حاشية الشبراملسي]
مُطْلَقًا بِخِلَافِهِ هُنَا (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَتَوَسَّمْ) أَيْ لَمْ يَجُزْ مِنْ نَحْوِ صَدِيقٍ ذَلِكَ بِعَلَامَةٍ (قَوْلُهُ: فِي الْمِحَفَّةِ) قَالَ فِي الْمُخْتَارِ: وَالْمِحَفَّةِ بِالْكَسْرِ مَرْكَبٌ مِنْ مَرَاكِبِ النِّسَاءِ كَالْهَوْدَجِ إلَّا أَنَّهَا لَا تُقَبَّبُ اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْقَامُوسِ (قَوْلُهُ: وَهِيَ مَسْأَلَةٌ نَفِيسَةٌ) وَهِيَ مَأْخُوذَةٌ مِمَّا يَأْتِي عَنْ الْقَاضِي (قَوْلُهُ: بِأَنَّ الدَّابَّةَ لَا تَكَادُ تَثْبُتُ) وَقَضِيَّةُ هَذَا الْفَرْقِ أَنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ وَلَوْ كَانُوا مَمْلُوكِينَ لِلْمَحْمُولِ أَوْ مَأْمُورِينَ لَهُ وَإِنْ كَانُوا أَعْجَمِيِّينَ يَعْتَقِدُونَ وُجُوبَ طَاعَتِهِ فَتَأَمَّلْ سم عَلَى مَنْهَجٍ: أَيْ فَلَا يُقَالُ: مِلْكُهُ لَهُمْ وَاعْتِقَادُهُمْ وُجُوبَ طَاعَتِهِ صَيَّرَ سَيْرَهُمْ مَنْسُوبًا إلَيْهِ.
لِأَنَّا نَقُولُ: الْعِلَّةُ فِي الصِّحَّةِ لُزُومُهُمْ جِهَةً وَاحِدَةً وَعَقْلُهُمْ يَقْتَضِي ذَلِكَ وَإِنْ كَانُوا مِلْكًا أَوْ اعْتَقَدُوا الْوُجُوبَ (قَوْلُهُ: جَازَ ذَلِكَ) مُعْتَمَدٌ (قَوْلُهُ: وَمِثْلُهَا الْوَثْبَةُ الْفَاحِشَةُ وَهُوَ مُحْتَمَلٌ) مُعْتَمَدٌ (قَوْلُهُ: وَلِنُدْرَةِ هَذِهِ الصَّلَاةِ) قَالَ حَجّ: وَالْفَرْقُ بِهَذَا أَوْلَى مِنْ الْفَرْقِ بِأَنَّ الْجُلُوسَ يَمْحُو صُورَتَهَا لِأَنَّهُ مُنْتَقَضٌ بِامْتِنَاعِ فِعْلِهَا عَلَى السَّائِرَةِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ مَعَ بَقَاءِ الْقِيَامِ (قَوْلُهُ: حَتَّى لَوْ فُرِضَ إتْمَامُهُ) أَيْ الْقِيَامُ (قَوْلُهُ: فَكَذَلِكَ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ) أَيْ لَا يَصِحُّ حَيْثُ كَانَتْ لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ وَالدَّابَّةُ سَائِرَةٌ.
أَمَّا إذَا كَانَتْ لَهَا وَهِيَ وَاقِفَةٌ فَلَا وَجْهَ لِعَدَمِ الصِّحَّةِ وَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُهُ إتْمَامُهُ لِأَنَّ الضَّمِيرَ فِيهِ رَاجِعٌ لِلْقِيَامِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ.
وَعِبَارَةُ حَجّ: وَلَوْ صَلَّى شَخْصٌ قَادِرٌ عَلَى النُّزُولِ فَرْضًا وَلَوْ نَذْرًا وَكَذَا صَلَاةُ جِنَازَةٍ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، إلَى أَنْ قَالَ: وَهِيَ وَاقِفَةٌ جَازَ
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَيُومِئُ) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ بَلْ هُوَ مُضِرٌّ؛ لِأَنَّ الْإِعَادَةَ لَازِمَةٌ حِينَئِذٍ، وَإِنْ أَتَمَّ الْأَرْكَانَ (قَوْلُهُ: أَنَّهَا لَوْ مَشَتْ) أَيْ حَيْثُ اشْتَرَطْنَا وُقُوفَهَا، فَهُوَ رَاجِعٌ إلَى مَسْأَلَةِ الْمَتْنِ، وَكَأَنَّهُ أَخْرَجَ بِقَوْلِهِ مَشَتْ مَا إذَا تَحَرَّكَتْ؛ إذْ تَحَرُّكُهَا لَيْسَ مَنْسُوبًا إلَيْهِ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ: وَشَمِلَ كَلَامُهُ) أَيْ فِي خُصُوصِ قَوْلِهِ أَوْ سَائِرَةً فَلَا وَإِلَّا يَلْزَمُ عَلَيْهِ خَلَلٌ لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ: وَيَلْحَقُ بِهَا صَلَاةُ الْجِنَازَةِ) أَيْ فَلَمْ يَشْمَلْهَا كَلَامُهُ، لَكِنْ يُنَافِيهِ قَوْلُهُ: فِيمَا مَرَّ فِي حَلِّ الْمَتْنِ عَيْنِيًّا أَوْ غَيْرَهُ، وَكَانَ الْأَوْلَى إسْقَاطَ
وَهَذِهِ نَادِرَةٌ وَإِنْ صَرَّحَ الْإِمَامُ بِالْجَوَازِ، وَصَوَّبَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَادَّعَى أَنَّ كَلَامَ الرَّافِعِيِّ يَقْتَضِيهِ، وَقِيَاسُهُ جَوَازُ ذَلِكَ فِي حَقِّ الْمَاشِي إذَا صَلَّى عَلَى غَائِبٍ مَثَلًا لَكِنَّهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ هُنَاكَ قَدْ صَرَّحَ بِامْتِنَاعِ الْمَشْيِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَلَا يَضُرُّهُ إحَالَةُ سَبْقِهِ فِي التَّيَمُّمِ ظَنًّا مِنْهُ أَنَّهُ قَدَّمَهُ وَلَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُ ذِكْرٌ فِيهِ
وَيَمْتَنِعُ عَلَى مَنْ صَلَّى فَرْضًا فِي سَفِينَةٍ تَرْكُ الْقِيَامِ إلَّا لِعُذْرٍ كَدَوَرَانِ رَأْسٍ وَنَحْوِهِ، فَلَوْ حَوَّلَتْهَا الرِّيحُ فَتَحَوَّلَ صَدْرُهُ عَنْ الْقِبْلَةِ وَجَبَ رَدُّهُ إلَيْهَا، وَلَهُ الْبِنَاءُ إنْ عَادَ فَوْرًا وَإِلَّا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ (وَمَنْ صَلَّى) فَرْضًا أَوْ نَفْلًا (فِي الْكَعْبَةِ وَاسْتَقْبَلَ جِدَارَهَا أَوْ بَابَهَا) حَالَ كَوْنِهِ (مَرْدُودًا) وَإِنْ لَمْ تَرْتَفِعْ عَتَبَتُهُ إنْ سَامَتْ بَعْضَ الْبَابِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ (أَوْ مَفْتُوحًا مَعَ ارْتِفَاعِ عَتَبَتِهِ ثُلُثَيْ ذِرَاعٍ) تَقْرِيبًا فَأَكْثَرَ بِذِرَاعِ الْآدَمِيِّ وَإِنْ بَعُدَ عَنْهُ ثَلَاثَةَ أَذْرُعٍ فَأَكْثَرَ، وَفَارَقَ نَظِيرَهُ فِي سَتْرَةِ الْمُصَلِّي وَقَاضِي الْحَاجَةِ بِأَنَّ الْقَصْدَ ثُمَّ سَتَرَهُ عَنْ الْكَعْبَةِ وَلَا يَحْصُلُ إلَّا مَعَ الْقُرْبِ.
وَهُنَا إصَابَةُ عَيْنِهَا وَهُوَ الْحَاصِلُ فِي الْبُعْدِ كَالْقُرْبِ (أَوْ) صَلَّى (عَلَى سَطْحِهَا) أَوْ فِي عَرْصَتِهَا لَوْ انْهَدَمَتْ، وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى (مُسْتَقْبِلًا مِنْ بِنَائِهَا مَا سَبَقَ) وَهُوَ قَدْرُ ثُلُثَيْ ذِرَاعٍ أَوْ اسْتَقْبَلَ شَاخِصًا بِالشَّرْطِ الْمَذْكُورِ مُتَّصِلًا بِالْكَعْبَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَدْرَ قَامَتِهِ طُولًا وَعَرْضًا فَشَمَلَ مَا لَوْ انْخَفَضَ مَوْضِعُ مَوْقِفِهِ وَارْتَفَعَتْ أَرْضُ الْجَانِبِ الْآخَرِ كَشَجَرَةٍ نَابِتَةٍ وَعَصًا مُسَمَّرَةٍ أَوْ مَبْنِيَّةٍ وَبَقِيَّةِ جِدَارٍ (جَازَ) مَا صَلَّاهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الشَّاخِصُ أَقَلَّ مِنْ ثُلُثَيْ ذِرَاعٍ فَلَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ إلَيْهِ لِأَنَّهُ سُتْرَةُ الْمُصَلِّي فَاعْتُبِرَ فِيهِ قَدْرُهَا، وَقَدْ سُئِلَ صلى الله عليه وسلم عَنْهَا فَقَالَ «كَمُؤْخِرَةِ الرَّحْلِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَقَوْلُ الشَّارِحِ: وَهِيَ ثُلُثَا ذِرَاعٍ تَقْرِيبًا لَيْسَ بِمَخْرَجٍ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: وَإِنْ صَرَّحَ الْإِمَامُ بِالْجَوَازِ) أَيْ فِي الْجِنَازَةِ (قَوْلُهُ: وَلَا يَضُرُّهُ) أَيْ النَّوَوِيَّ
(قَوْلُهُ: كَدَوَرَانِ رَأْسٍ) أَيْ وَمَعَ ذَلِكَ لَا تَجِبُ الْإِعَادَةُ لِعَجْزِهِ عَنْ الْقِيَامِ (قَوْلُهُ: فَتَحَوَّلَ صَدْرُهُ عَنْ الْقِبْلَةِ) أَيْ يَقِينًا فَالشَّكُّ لَا يُؤَثِّرُ (قَوْلُهُ: وَجَبَ رَدُّهُ) أَيْ رُجُوعُهُ (قَوْلُهُ: وَلَهُ الْبِنَاءُ إنْ عَادَ فَوْرًا) وَقِيَاسُ مَا مَرَّ فِيمَا لَوْ انْحَرَفَتْ بِهِ دَابَّتُهُ خَطَأً أَوْ لِجِمَاحِهَا وَعَادَ فَوْرًا مِنْ أَنَّهُ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ أَنْ يُقَالَ بِالْأَوْلَى بِمِثْلِهِ هُنَا (قَوْلُهُ: أَوْ فِي عَرْصَتِهَا لَوْ انْهَدَمَتْ) اُنْظُرْ لَوْ انْهَدَمَ بَعْضُهَا وَوَقَفَ خَارِجَهَا مُسْتَقْبِلًا هَوَاءَ الْمُنْهَدِمِ دُونَ شَيْءٍ مِنْ الْبَاقِي هَلْ يَكْفِي لِأَنَّهُ يُعَدُّ مُسْتَقْبِلًا كَمَا لَوْ انْهَدَمَتْ كُلُّهَا أَوْ لَا لِقُدْرَتِهِ عَلَى اسْتِقْبَالِ الْبَاقِي، فَظَاهِرُ إطْلَاقِهِمْ الْأَوَّلُ.
فَقَدْ يُقَالُ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَمَا إذَا ارْتَفَعَ عَلَى نَحْوِ جَبَلِ أَبِي قُبَيْسٍ وَاسْتَقْبَلَ هَوَاءَهَا مَعَ إمْكَانِ الِانْخِفَاضِ بِحَيْثُ يَسْتَقْبِلُ نَفْسَهَا فَلْيُرَاجَعْ اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ (قَوْلُهُ: أَوْ اسْتَقْبَلَ شَاخِصًا) فَلَوْ أُزِيلَ الشَّاخِصُ فِي أَثْنَاءِ صَلَاتِهِ بَطَلَتْ، بِخِلَافِ مَا إذَا أُزِيلَتْ الرَّابِطَةُ.
وَالْفَرْقُ أَنَّ أَمْرَ الِاسْتِقْبَالِ فَوْقَ أَمْرِ الرَّابِطَةِ اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ بِالْمَعْنَى نَقْلًا عَنْ م ر. وَفِيهِ أَيْضًا لَوْ كَانَ الشَّاخِصُ فِي جَانِبِ فَقَطْ هَلْ يَكْفِي الْخَالِي عَنْهُ اهـ؟ أَقُولُ: قَدْ يُؤْخَذُ الِاكْتِفَاءُ بِذَلِكَ مِنْ قَوْلِ شَيْخِنَا الزِّيَادِيِّ أَوْ خَرَجَ بَعْضُ بَدَنِهِ عَنْ مُحَاذَاةِ الشَّاخِصِ لِأَنَّهُ مُتَوَجِّهٌ بِبَعْضِ بَدَنِهِ جُزْءَهَا وَبِبَاقِيهِ هَوَاءَهَا لَكِنْ تَبَعًا، لَكِنَّ هَذَا الْمَأْخُوذَ قَدْ يُخَالِفُهُ مَا قَالَهُ حَجّ مِنْ أَنَّهُ لَوْ اسْتَقْبَلَ طَرَفًا مِنْهَا بِبَعْضِ بَدَنِهِ وَخَرَجَ بَاقِيهِ عَنْ اسْتِقْبَالِهِ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ اهـ.
وَقَدْ يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ دَاخِلَ الْكَعْبَةِ هُنَا قَوِيَتْ التَّبَعِيَّةُ بِخِلَافِهِ ثُمَّ (قَوْلُهُ بِالشَّرْطِ الْمَذْكُورِ) وَهُوَ كَوْنُهُ مِنْهَا وَارْتَفَعَ ثُلُثَيْ ذِرَاعٍ فَأَكْثَرَ (قَوْلُهُ: وَعَصًا مُسَمَّرَةٍ) مِنْ سَمَّرَهُ وَبَابُهُ قَتَلَ، وَالتَّثْقِيلُ مُبَالَغَةٌ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ لَوْ سَمَّرَهَا لِيُصَلِّيَ إلَيْهَا ثُمَّ يَأْخُذُهَا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَكْفِي، وَيُحْتَمَلُ خِلَافُهُ اهـ.
وَارْتَضَى م ر هَذَا الْخِلَافَ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ (قَوْلُهُ: وَقَدْ سُئِلَ صلى الله عليه وسلم عَنْهَا) أَيْ سُتْرَةِ الْمُصَلِّي (قَوْلُهُ: كَمُؤْخِرَةِ الرَّحْلِ)
ــ
[حاشية الرشيدي]
هَذَا فِيمَا مَرَّ؛ لِأَنَّهُ لَا يُنَاسِبُ قَوْلَ الْمَتْنِ وَأَتَمَّ رُكُوعَهُ وَسُجُودَهُ
(قَوْلُهُ: بِأَنَّ الْقَصْدَ ثَمَّ) أَيْ فِي قَاضِي الْحَاجَةِ وَسَكَتَ عَنْ سُتْرَةِ الْمُصَلِّي
لِمَا زَادَ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا هُوَ بَيَانٌ لِقَدْرِ مُؤْخِرَةِ الرَّحْلِ أَنَّ غَايَتَهَا نَحْوُ ذِرَاعٍ.
قَالَ الْإِمَامُ: وَكَأَنَّهُمْ رَاعُوا فِي اعْتِبَارِ ذَلِكَ أَنْ يُسَامِتَ فِي سُجُودِهِ الشَّاخِصَ بِمُعْظَمِ بَدَنِهِ لَا اسْتِقْبَالَ نَحْوِ حَشِيشٍ نَابِتٍ وَعَصًا مَغْرُوزَةٍ لِكَوْنِهِ لَا يُعَدُّ مِنْ أَجْزَائِهَا وَتُخَالِفُ الْعَصَا الْأَوْتَادَ الْمَغْرُوزَةَ فِي الدَّارِ حَيْثُ تُعَدُّ مِنْهَا بِدَلِيلِ دُخُولِهَا فِي بَيْعِهَا لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِغَرْزِهَا لِلْمَصْلَحَةِ فَعُدَّتْ مِنْ الدَّارِ لِذَلِكَ، وَإِنْ جَمَعَ تُرَابَهَا أَمَامَهُ أَوْ نَزَلَ فِي مُنْخَفَضٍ مِنْهَا كَحُفْرَةٍ كَفَى أَخْذًا مِمَّا مَرَّ لِكَوْنِهِ يُعَدُّ مِنْ أَجْزَائِهَا، وَإِنْ وَقَفَ خَارِجَ الْعَرْصَةِ وَلَوْ عَلَى نَحْوِ جَبَلِ أَبِي قُبَيْسٍ أَجْزَأَهُ إنْ لَمْ يَكُنْ شَاخِصٌ لِأَنَّهُ يُعَدُّ مُتَوَجِّهًا إلَيْهَا، بِخِلَافِ مَا وَقَفَ فِيهَا وَتَوَجَّهَ إلَى هَوَائِهَا، وَلَوْ خَرَجَ عَنْ مُحَاذَاةِ الْكَعْبَةِ بِبَعْضِ بَدَنِهِ بِأَنْ وَقَفَ بِطَرَفِهَا وَخَرَجَ عَنْهُ بَعْضُهُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الشَّاذَرْوَانَ كَالْحَجَرِ فِيمَا يَأْتِي فِيهِ، وَلَوْ اسْتَقْبَلَ الرُّكْنَ فَالْوَجْهُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ الْجَزْمُ بِالصِّحَّةِ لِأَنَّهُ مُسْتَقْبِلٌ لِلْبِنَاءِ الْمُجَاوِرِ لِلرُّكْنِ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُ بَدَنِهِ خَارِجًا عَنْ الرُّكْنِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَإِنْ امْتَدَّ صَفٌّ طَوِيلٌ بِقُرْبِ الْكَعْبَةِ وَخَرَجَ بَعْضُهُمْ عَنْ الْمُحَاذَاةِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِعَدَمِ اسْتِقْبَالِهِمْ لَهَا، وَلَا شَكَّ أَنَّهُمْ إذَا بَعِدُوا عَنْهَا حَاذَوْهَا وَصَحَّتْ صَلَاتُهُمْ كَمَا مَرَّ، وَلَوْ اسْتَدْبَرَهَا نَاسِيًا وَطَالَ الزَّمَنُ بَطَلَتْ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَصُرَ، وَإِنْ أَمْيَلَ عَنْهَا قَهْرًا بَطَلَتْ وَإِنْ قَلَّ الزَّمَنُ لِنُدْرَةِ ذَلِكَ
وَلَوْ اسْتَقْبَلَ الْحِجْرَ بِكَسْرِ الْحَاءِ دُونَ الْكَعْبَةِ لَمْ يُجْزِهِ لِأَنَّ كَوْنَهُ مِنْ الْبَيْتِ مَظْنُونٌ لَا مَقْطُوعٌ بِهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا ثَبَتَ بِالْآحَادِ وَلَوْ اسْتَقْبَلَ مِنْ عَتَبَتِهَا قَدْرَ ثُلُثَيْ ذِرَاعٍ لَكِنْ لَمْ يُحَاذِ أَسْفَلَهُ كَخَشَبَةٍ مُعْتَرِضَةٍ بَيْنَ سَارِيَتَيْنِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لِاسْتِقْبَالِهِ فِيهَا الْكَعْبَةَ، وَيُتَّجَهُ حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ صَلَاةَ جِنَازَةٍ، بِخِلَافِ غَيْرِهَا لِعَدَمِ اسْتِقْبَالِهِ حِينَئِذٍ فِي بَعْضِ أَفْعَالِهَا.
وَاعْلَمْ أَنَّ النَّفَلَ فِي الْكَعْبَةِ أَفْضَلُ مِنْهُ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
بِكَسْرِ الْخَاءِ وَالْهَمْزِ، وَهِيَ لُغَةٌ قَلِيلَةٌ وَالْكَثِيرُ آخِرَةُ الرَّحْلِ، وَلَا تَقُلْ مُؤَخِّرَةُ الرَّحْلِ اهـ مُخْتَارٌ (قَوْلُهُ: لَا اسْتِقْبَالَ نَحْوَ حَشِيشٍ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَاسْتَقْبَلَ جِدَارَهَا إلَخْ، وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ لَا إنْ اسْتَقْبَلَ نَحْوَ حَشِيشٍ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَإِنْ جَمَعَ تُرَابَهَا أَمَامَهُ) يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِثْلُهُ أَحْجَارَهَا الْمَقْلُوعَةَ اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ، وَلَوْ شَكَّ فِي التُّرَابِ هَلْ هُوَ مِنْهَا أَمْ لَا لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ فِيمَا يَظْهَرُ (قَوْلُهُ وَخَرَجَ عَنْهُ بَعْضُهُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ) يُتَأَمَّلْ تَصْوِيرُهُ، وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ أَيَّ جُزْءٍ وَقَفَ فِي مُقَابَلَتِهِ كَانَ مُسْتَقْبِلًا بِبَاقِي بَدَنِهِ لِلْمُجَاوِرِ لَهُ إنْ كَانَ خَارِجَهَا، فَإِنْ وَقَفَ دَاخِلَهَا وَاسْتَقْبَلَ جُزْءًا مِنْهَا بِبَعْضِ بَدَنِهِ وَبِبَاقِيهِ هَوَاءَهَا بِأَنْ كَانَ فِي مُقَابَلَةِ بَابِهَا مَفْتُوحًا لَمْ يَصِحَّ، لَكِنْ تَقَدَّمَ قَرِيبًا عَنْ الزِّيَادِيِّ مَا يُؤْخَذُ مِنْهُ الصِّحَّةُ فِي هَذِهِ حَيْثُ قَالَ: وَبِبَاقِيهِ هَوَاءَهَا لَكِنْ تَبَعًا (قَوْلُهُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الشَّاذَرْوَانَ إلَخْ) جَزَمَ بِهِ حَجّ (قَوْلُهُ كَالْحَجَرِ فِيمَا يَأْتِي) أَيْ مِنْ عَدَمِ الْإِجْزَاءِ (قَوْلُهُ وَلَوْ اسْتَقْبَلَ الرُّكْنَ) أَيَّ رُكْنٍ كَانَ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ مُسْتَقْبِلٌ لِلْبِنَاءِ الْمُجَاوِرِ) أَيْ وَهُوَ الَّذِي فِي جَانِبَيْ الرُّكْنِ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا إذَا قَصُرَ) أَيْ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ لِأَنَّ عَمْدَهُ مُبْطِلٌ
(قَوْلُهُ: لَكِنْ لَمْ يُحَاذِ أَسْفَلَهُ) أَيْ مَا اسْتَقْبَلَهُ فِي نُسْخَةٍ لَمْ يُحَاذِ أَسْفَلُهُ أَسْفَلَهُ وَهِيَ ظَاهِرَةٌ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ غَيْرِهَا) ظَاهِرُهُ أَنَّهَا لَا تَنْعَقِدُ، وَقِيَاسُ الصِّحَّةِ فِيمَا لَوْ أَحْرَمَ وَجَيْبُهُ مَفْتُوحٌ صِحَّةُ إحْرَامِهِ هُنَا إلَى أَنْ يَخْرُجَ عَنْ اسْتِقْبَالِهِ الْخَشَبَةَ الْمَذْكُورَةَ إلَّا أَنْ يُفَرِّقَ بِسُهُولَةِ
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَكَأَنَّهُمْ رَاعُوا إلَخْ) هَذَا حِكْمَةُ فِي اعْتِبَارِ الثُّلُثَيْ ذِرَاعٍ، وَالْكِفَايَةِ بِذَلِكَ (قَوْلُهُ: لَا اسْتِقْبَالَ نَحْوِ حَشِيشٍ إلَخْ) بَيَانٌ لِمُحْتَرَزِ قَوْلِ الْمَتْنِ وَاسْتَقْبَلَ جِدَارَهَا إلَخْ (قَوْلُهُ: بِأَنْ وَقَفَ بِطَرَفِهَا وَخَرَجَ عَنْهُ بَعْضُهُ) صُورَتُهُ كَانَ جَعَلَ بَعْضَهُ كَأَحَدِ شِقَّيْهِ مُتَوَجِّهًا إلَى أَحَدِ وَجْهَيْ رُكْنِ الْكَعْبَةِ، وَالشِّقَّ الْآخَرَ مُتَوَجِّهًا لِلْهَوَاءِ خَارِجَ الْكَعْبَةِ بِأَنْ لَمْ يَنْحَرِفْ إلَى جِهَةِ رُكْنِهَا، وَهَذَا ظَاهِرٌ وَإِنْ تَوَقَّفَ فِيهِ الشَّيْخُ فِي الْحَاشِيَةِ
(قَوْلُهُ: مِنْ عَتَبَتِهَا) لَيْسَ الْمُرَادُ الْعَتَبَةَ الَّتِي يَطَؤُهَا الدَّاخِلُ بِقَرِينَةِ مَا بَعْدَهُ، بَلْ الْمُرَادُ بِهَا نَحْوُ الْخَشَبَةِ الْآتِيَةِ فَكَانَ يَنْبَغِي خِلَافُ هَذَا التَّعْبِيرِ
خَارِجَهَا، وَمِثْلُهُ النَّذْرُ وَالْقَضَاءُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْبُعْدِ عَنْ الرِّيَاءِ، وَكَذَا صَلَاةُ مَنْ لَمْ يَرْجُ جَمَاعَةً خَارِجَ الْكَعْبَةِ بِأَنْ لَمْ يَرْجُهَا أَصْلًا أَوْ يَرْجُوهَا دَاخِلَهَا أَوْ دَاخِلَهَا وَخَارِجَهَا، فَإِنْ رَجَاهَا خَارِجَهَا فَقَطْ فَخَارِجَهَا أَفْضَلُ، لِأَنَّ الْمُحَافَظَةَ عَلَى فَضِيلَةٍ تَتَعَلَّقُ بِنَفْسِ الْعِبَادَةِ أَوْلَى مِنْ الْمُحَافَظَةِ عَلَى فَضِيلَةٍ تَتَعَلَّقُ بِمَكَانِهَا، كَالْجَمَاعَةِ بِبَيْتِهِ فَإِنَّهَا أَفْضَلُ مِنْ الِانْفِرَادِ فِي الْمَسْجِدِ، وَكَالنَّافِلَةِ بِبَيْتِهِ فَإِنَّهَا أَفْضَلُ مِنْهَا بِالْمَسْجِدِ وَإِنْ كَانَ الْمَسْجِدُ أَفْضَلَ مِنْهُ، وَإِنَّمَا لَمْ يُرَاعِ خِلَافَ مَنْ قَالَ بِعَدَمِ صِحَّةِ الصَّلَاةِ فِي الْكَعْبَةِ لِمُخَالَفَتِهِ لِسُنَّةٍ صَحِيحَةٍ فَإِنَّهُ صلى الله عليه وسلم صَلَّى فِيهَا.
وَقَدْ نَقَلَ الطُّرْطُوشِيُّ الْمَالِكِيُّ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ النَّافِلَةَ فِي الْبَيْتِ أَفْضَلُ مِنْهَا فِي سَائِرِ الْمَسَاجِدِ حَتَّى فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ
(وَمَنْ أَمْكَنَهُ عِلْمَ الْقِبْلَةِ) بِأَنْ كَانَ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَوْ بِمَكَّةَ وَلَا حَائِلَ، أَوْ عَلَى جَبَلِ أَبِي قُبَيْسٍ، أَوْ عَلَى سَطْحٍ وَهُوَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ مُعَايَنَتِهَا وَحَصَلَ لَهُ شَكٌّ فِيهَا لِنَحْوِ ظُلْمَةٍ لَمْ يَجُزْ لَهُ الْعَمَلُ بِغَيْرِ عِلْمِهِ وَ (حُرِّمَ عَلَيْهِ التَّقْلِيدُ) أَيْ الْأَخْذُ بِقَوْلِ مُجْتَهِدٍ (وَالِاجْتِهَادُ) فَلَا يَجُوزُ لَهُ الْعَمَلُ بِهِ كَالْحَاكِمِ إذَا وَجَدَ النَّصَّ، وَيُمْتَنَعُ عَلَيْهِ أَيْضًا الْأَخْذُ بِخَبَرِ الْغَيْرِ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي:
ــ
[حاشية الشبراملسي]
التَّدَارُكِ فِيمَنْ أَحْرَمَ مَفْتُوحَ الْجَيْبِ وَعُسْرُهُ هُنَا وَهُوَ الظَّاهِرُ (قَوْلُهُ: لِمَا فِيهِ مِنْ الْبُعْدِ عَنْ الرِّيَاءِ) الْأَوْلَى التَّعْلِيلُ بِأَفْضَلِيَّتِهَا عَلَى بَقِيَّةِ الْمَسْجِدِ لِأَنَّ مَا ذُكِرَ لَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ وَكَذَا صَلَاةُ مَنْ لَمْ يَرْجُ جَمَاعَةً إلَخْ، بَلْ قَوْلُهُ الْآتِي الْمُحَافَظَةَ إلَخْ صَرِيحٌ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ (قَوْلُهُ أَوْ يَرْجُوهَا) أَيْ أَوْ بِأَنْ يَرْجُوهَا إلَخْ فَهُوَ عَطْفٌ عَلَى لَمْ يَرْجُهَا (قَوْلُهُ: أَفْضَلُ مِنْهَا بِالْمَسْجِدِ) أَيْ وَلَوْ الْكَعْبَةُ اهـ حَجّ (قَوْلُهُ: وَقَدْ نَقَلَ الطُّرْطُوشِيُّ) الطُّرْطُوشِيُّ بِالْفَتْحِ وَالسُّكُونِ وَالضَّمِّ آخِرُهُ مُهْمَلَةٌ إلَى طَرَطُوسَ مَدِينَةٌ بِالشَّامِ وَبِالْمُعْجَمَةِ آخِرُهُ إلَى طَرْطُوشَةَ مَدِينَةٌ بِالْأَنْدَلُسِ اهـ لُبُّ اللُّبَابِ.
لَكِنْ فِي الَّتِي آخِرُهَا مُعْجَمَةٌ بِضَمِّ الطَّاءَيْنِ وَقَدْ يُفْتَحَانِ.
قَالَ فِي الْقَامُوسِ: طَرْطُوشَةُ بِالضَّمِّ وَيُفْتَحُ بَلَدٌ بِالْأَنْدَلُسِ اهـ.
قَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ: سَاكِنُهَا أَبُو بَكْرٍ الطُّرْطُوشِيُّ الْمَالِكِيُّ مُصَنِّفُ كِتَابِ سِرَاجِ الْمُلُوكِ (قَوْلُهُ: أَفْضَلُ مِنْهَا فِي سَائِرِ الْمَسَاجِدِ) هُوَ الْمُعْتَمَدُ
(قَوْلُهُ: وَمَنْ أَمْكَنَهُ عِلْمُ الْقِبْلَةِ) أَيْ سَهُلَ عَلَيْهِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ الْآتِي أَوْ نَالَهُ مَشَقَّةٌ، وَعِبَارَةُ حَجّ: أَيْ بِأَنْ كَانَ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَوْ خَارِجَهُ وَلَا حَائِلَ أَوْ وَثَمَّ حَائِلٌ أُحْدِثَ لِغَيْرِ حَاجَةٍ أَوْ أَحْدَثَهُ غَيْرُهُ تَعَدِّيًا وَأَمْكَنَتْهُ إزَالَتُهُ فِيمَا يَظْهَرُ اهـ (قَوْلُهُ: أَوْ بِمَكَّةَ وَلَا حَائِلَ) أَيْ بِأَنْ كَانَ بِمَحَلٍّ يُشَاهِدُ فِيهِ الْكَعْبَةَ وَإِلَّا فَبَعْضُ أَمَاكِنِ مَكَّةَ إذَا كَانَ فِيهِ لَا يُشَاهِدُ الْكَعْبَةَ (قَوْلُهُ: أَيْ الْأَخْذُ بِقَوْلِ مُجْتَهِدٍ) هُوَ بَيَانٌ لِلتَّعْلِيلِ اصْطِلَاحًا، وَإِلَّا فَالْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْأَخْذُ بِقَوْلِ الْغَيْرِ مُطْلَقًا كَمَا يُعْلَمُ مِنْ قَوْلِ الشَّارِحِ قَبْلُ: لَمْ يَجُزْ لَهُ الْعَمَلُ بِغَيْرِ عِلْمِهِ، وَمِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ الْآتِي: وَإِلَّا أَخَذَ بِقَوْلِ ثِقَةٍ يُخْبِرُ عَنْ عِلْمٍ فَإِنَّهُ يُفِيدُ أَنَّهُ مَعَ إمْكَانِ الْعِلْمِ لَا يَجُوزُ لَهُ الْأَخْذُ بِقَوْلِ الثِّقَةِ (قَوْلُهُ: الْعَمَلُ بِهِ) أَيْ بِمَا ذَكَرَ مِنْ التَّقْلِيدِ وَالِاجْتِهَادِ (قَوْلُهُ الْأَخْذُ بِخَبَرِ الْغَيْرِ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ مَعْصُومًا، وَمُقْتَضَى مَا عَلَّلَ بِهِ فِي الْفَرْقِ الْآتِي مِنْ أَنَّ الْقِبْلَةَ مَبْنَاهَا عَلَى الْيَقِينِ الِاكْتِفَاءُ بِذَلِكَ وَبِعَدَدِ التَّوَاتُرِ وَلَوْ مِنْ كُفَّارٍ وَصِبْيَانٍ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ: كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي) أَيْ فِي قَوْلِ الْمَتْنِ وَإِلَّا أَخَذَ بِقَوْلِ ثِقَةٍ يُخْبِرُ عَنْ عِلْمٍ.
وَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَيْهِ بِأَنْ يُفَسِّرَ التَّقْلِيدَ بِالْأَخْذِ بِقَوْلِ الْغَيْرِ مُطْلَقًا، وَيَدُلُّ لَهُ
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: الْبُعْدِ عَنْ الرِّيَاءِ) هَذَا إنَّمَا عَلَّلُوا بِهِ صَلَاةَ الْإِنْسَانِ فِي بَيْتِ نَفْسِهِ كَمَا يَأْتِي فِي كَلَامِهِ فِي آخِرِ صِفَةِ الصَّلَاةِ.
أَمَّا هُنَا، فَهُوَ مَمْنُوعٌ كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ: مَنْ لَمْ يَرْجُ جَمَاعَةً خَارِجَهَا) أَيْ فَقَطْ بِقَرِينَةِ مَا بَعْدَهُ (قَوْلُهُ: عَلَى أَنَّ صَلَاةَ النَّافِلَةِ فِي الْبَيْتِ أَفْضَلُ إلَخْ) الْمُرَادُ بَيْتُ الْإِنْسَانِ كَمَا سَيُصَرِّحُ بِهِ آخِرَ صِفَةِ الصَّلَاةِ لَا الْكَعْبَةُ وَسَيَأْتِي، ثُمَّ إنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَثْرَةِ الثَّوَابِ: أَيْ الْوَارِدِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ التَّفْضِيلُ، وَيَدُلُّ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ الْمُرَادُ أَنَّ الطُّرْطُوشِيُّ مَالِكِيٌّ، فَهُوَ قَائِلٌ بِحُرْمَةِ الصَّلَاةِ دَاخِلَ الْكَعْبَةِ
(قَوْلُهُ: وَحَصَلَ لَهُ شَكٌّ فِيهَا لِنَحْوِ ظُلْمَةٍ) مُرَادُهُ بِالظُّلْمَةِ الظُّلْمَةُ الْمَانِعَةُ مِنْ الْمُعَايَنَةِ فِي الْحَالِ مَعَ التَّمَكُّنِ مِنْ التَّوَصُّلِ
أَيْ وَلَوْ عَنْ عِلْمٍ وَيُفَرَّقُ بَيْنَ هَذَا وَاكْتِفَاءِ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم بِالْإِخْبَارِ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم مَعَ إمْكَانِ الْيَقِينِ بِالسَّمَاعِ مِنْهُ وَالْأَخْذِ بِقَوْلِ الْغَيْرِ فِي الْمِيَاهِ وَنَحْوِهَا بِأَنَّ الْمَدَارَ فِي الْقِبْلَةِ لِكَوْنِهَا أَمْرًا حِسِّيًّا مُشَاهَدًا عَلَى الْيَقِينِ، بِخِلَافِ الْأَحْكَامِ وَنَحْوِهَا، وَلَوْ بَنَى مِحْرَابَهُ عَلَى الْمُعَايَنَةِ صَلَّى إلَيْهِ أَبَدًا مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ إلَى الْمُعَايَنَةِ فِي كُلِّ صَلَاةٍ، وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا لَوْ صَلَّى بِالْمُعَايَنَةِ لَمْ يَحْتَجْ إلَى الْمُعَايَنَةِ فِي كُلِّ صَلَاةٍ مَا لَمْ يُفَارِقْ مَحَلَّهُ وَيَتَطَرَّقُ إلَيْهِ الِاحْتِمَالُ.
وَفِي مَعْنَى الْمُعَايِنِ مَنْ نَشَأَ بِمَكَّةَ وَتَيَقَّنَ إصَابَةَ الْقِبْلَةِ وَإِنْ لَمْ يُعَايِنْهَا حَالَ صَلَاتِهِ، وَلَوْ كَانَ حَاضِرًا بِمَكَّةَ وَحَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَعْبَةِ حَائِلٌ خُلُقِيٌّ كَجَبَلٍ أَوْ حَادِثٍ كَبِنَاءٍ جَازَ لَهُ الِاجْتِهَادُ لِمَا فِي تَكْلِيفِهِ الْمُعَايَنَةَ مِنْ الْمَشَقَّةِ ذَكَرَهُ فِي التَّحْقِيقِ، وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا فَقَدَ ثِقَةً يُخْبِرُهُ عَنْ عِلْمٍ، وَإِلَّا فَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى الِاجْتِهَادِ كَمَا سَيَأْتِي، وَبِمَا إذَا كَانَ بِنَاءُ الْحَائِلِ لِحَاجَةٍ، فَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ حَاجَةٍ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ بِالِاجْتِهَادِ لِتَفْرِيطِهِ، وَلَا اجْتِهَادَ فِي مَحَارِيبِ الْمُسْلِمِينَ وَمَحَارِيبِ جَادَّتِهِمْ: أَيْ مُعْظَمُ طَرِيقِهِمْ وَقُرَاهُمْ الْقَدِيمَةِ الَّتِي نَشَأَ بِهَا قُرُونٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَإِنْ صَغُرَتْ وَخَرِبَتْ حَيْثُ سَلِمَتْ مِنْ الطَّعْنِ لِأَنَّهَا لَمْ تَنْضُبْ إلَّا بِحَضْرَةِ جَمْعٍ مِنْ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِسَمْتِ الْكَوَاكِبِ وَالْأَدِلَّةِ فَجَرَى دَلَّك مَجْرَى الْخَبَرِ، وَفِي مَعْنَاهُ خَبَرُ عَدْلٍ بِاتِّفَاقِ جَمْعٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَلَى جِهَةٍ وَخَبَرُ صَاحِبِ الدَّارِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ إنْ عَلِمَ أَنَّ صَاحِبَهَا يُخْبِرُ عَنْ غَيْرِ اجْتِهَادٍ وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ تَقْلِيدُهُ، ثُمَّ مَحَلُّ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
تَعْبِيرُ الرَّوْضَةِ بِلَا يَجُوزُ لَهُ اعْتِمَادُ قَوْلِ غَيْرِهِ (قَوْلُهُ: أَيْ وَلَوْ عَنْ عِلْمٍ إلَخْ) الْأُولَى: أَيْ مِمَّنْ يُخْبِرُ عَنْ عِلْمٍ لِأَنَّ الْمُجْتَهِدَ تَقَدَّمَ حُرْمَةُ تَقْلِيدِهِ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا الْمُخْبِرُ عَنْ عِلْمٍ (قَوْلُهُ: وَلَوْ بَنَى) أَيُّ شَخْصٍ مِحْرَابَهُ: أَيْ أَوْ نَصَبَ عَلَامَةً (قَوْلُهُ: عَلَى الْمُعَايَنَةِ) أَيْ يَقِينًا (قَوْلُهُ: وَتَيَقَّنَ إصَابَةَ الْقِبْلَةِ) أَيْ بِأَنْ رَآهَا بِعَيْنِهِ فَعَرَفَ عَيْنَهَا لِيَسْتَقْبِلهَا أَوْ أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ عَدَدُ التَّوَاتُرِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ مُقَيَّدٌ) أَيْ مَا فِي التَّحْقِيقِ مِنْ الْجَوَازِ (قَوْلُهُ: كَمَا سَيَأْتِي) أَيْ فِي قَوْلِهِ وَإِلَّا أَخَذَ بِقَوْلِ ثِقَةٍ إلَخْ (قَوْلُهُ: فَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ حَاجَةٍ) أَيْ وَلَمْ يَطْرَأْ الِاحْتِيَاجُ لَهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ حَجّ فِيمَا يَأْتِي بَعْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَإِلَّا إلَخْ (قَوْلُهُ: لِتَفْرِيطِهِ) يُفِيدُ أَنَّ الْبَانِيَ لَهُ بِغَيْرِ حَاجَةٍ هُوَ الْمُصَلِّي حَتَّى لَوْ بَنَاهُ غَيْرُهُ بِلَا حَاجَةٍ لَا يُكَلَّفُ صُعُودَهُ، وَيُوَافِقُهُ قَوْلُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ: وَمَحَلُّ جَوَازِ الِاجْتِهَادِ فِيمَا إذَا كَانَ ثَمَّ حَائِلٌ أَنْ لَا يَبْنِيَهُ بِلَا حَاجَةٍ (قَوْلُهُ: وَلَا اجْتِهَادَ فِي مَحَارِيبِ الْمُسْلِمِينَ) أَيْ فَالْمَحَارِيبُ الْمُعْتَمَدَةُ فِي مَعْنَى الْمُعَايَنَةِ.
قَالَ سم عَلَى حَجّ فِي أَثْنَاءِ كَلَامٍ: وَيَجِبُ عَلَى الْإِنْسَانِ قَبْلَ الْإِقْدَامِ: أَيْ عَلَى اعْتِمَادِ الْمِحْرَابِ الْبَحْثَ عَنْ وُجُودِ الشَّرْطِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ السَّلَامَةُ مِنْ الطَّعْنِ وَإِذَا صَلَّى قَبْلَهُ بِدُونِ اجْتِهَادٍ لَمْ تَنْعَقِدْ صَلَاتُهُ اهـ.
وَيَنْبَغِي أَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ فِي مَحَلٍّ لَمْ يَكْثُرْ طَارِقُوهُ وَاحْتُمِلَ الطَّعْنُ فِيهِ وَإِلَّا فَصَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ مِنْ غَيْرِ سُؤَالٍ (قَوْلُهُ: وَمَحَارِيبِ جَادَّتِهِمْ) أَيْ مُعْظَمِ طَرِيقِهِمْ.
قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: وَالْجَادَّةُ وَسَطُ الطَّرِيقِ وَمُعْظَمُهُ وَالْجَمْعُ الْجَوَادُّ مِثْلُ دَابَّةٍ وَدَوَابَّ (قَوْلُهُ: الَّتِي نَشَأَ بِهَا قُرُونٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ) أَيْ جَمَاعَاتُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ صَلُّوا إلَى هَذَا الْمِحْرَابِ، وَلَمْ يُنْقَلُ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ أَنَّهُ طَعَنَ فِيهِ، وَيَكْفِي الطَّعْنُ مِنْ وَاحِدٍ إذَا ذَكَرَ لَهُ مُسْتَنَدًا أَوْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْمِيقَاتِ فَذَلِكَ يُخْرِجُهُ عَنْ رُتْبَةِ الْيَقِينِ الَّذِي لَا يُجْتَهَدُ مَعَهُ اهـ سم عَلَى حَجٍّ (قَوْلُهُ: وَفِي مَعْنَاهُ) أَيْ الْمُعَايِنُ (قَوْلُهُ: يُخْبِرُ عَنْ غَيْرِ اجْتِهَادٍ) أَيْ بِأَنْ أَخْبَرَ عَنْ مُعَايَنَةٍ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهَا كَرُؤْيَةِ الْقُطْبِ أَوْ الْمَحَارِيبِ الْمُعْتَمَدَةِ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ تَقْلِيدُهُ) أَيْ بِأَنْ عَلِمَ أَنَّهُ يُخْبِرُ عَنْ اجْتِهَادٍ أَوْ شَكٍّ
ــ
[حاشية الرشيدي]
إلَى الْمُعَايَنَةِ بِغَيْرِ مَشَقَّةٍ إذْ هُوَ فَرْضُ الْمَسْأَلَةِ، وَسَيَأْتِي مَا يَدُلُّ لَهُ فِي كَلَامِهِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ عَنْ عِلْمٍ) الْأَوْلَى إسْقَاطُ وَلَوْ؛ لِأَنَّ الْمُخْبِرَ عَنْ غَيْرِ عِلْمٍ هُوَ الْمُجْتَهِدُ وَسَتَأْتِي مَسْأَلَتُهُ فِي الْمَتْنِ (قَوْلُهُ: فِي الْمِيَاهِ) أَيْ مَعَ إمْكَانِ الطَّهَارَةِ مِنْ مَاءٍ مُتَيَقَّنِ الطَّهَارَةِ (قَوْلُهُ: قُرُونٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ) فِي فَتَاوَى السُّيُوطِيّ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِمْ جَمَاعَاتٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ صَلُّوا إلَى هَذَا الْمِحْرَابِ وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ أَنَّهُ طَعَنَ فِيهِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ ثَلَثَمِائَةِ سَنَةٍ وَلَا مِائَةً وَلَا نِصْفَهَا (قَوْلُهُ: إنْ عَلِمَ أَنَّ صَاحِبَهَا يُخْبِرُ عَنْ غَيْرِ اجْتِهَادٍ) وَمِنْ غَيْرِ الِاجْتِهَادِ أَخْذًا مِمَّا قَبْلَهُ اسْتِنَادُ إخْبَارِهِ إلَى اتِّفَاقِ أَهْلِ الْبَلَدِ عَلَى جِهَاتِهَا وَأَوْضَاعِهَا الْمَعْلُومِ مِنْهُ جِهَةُ الْقِبْلَةِ
امْتِنَاعِ الِاجْتِهَادِ فِيمَا ذُكِرَ بِالنِّسْبَةِ لِلْجِهَةِ، أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلتَّيَامُنِ وَالتَّيَاسُرِ فَيَجُوزُ إذْ لَا يَبْعُدُ الْخَطَأُ فِيهِمَا بِخِلَافِهِ فِي الْجِهَةِ، وَهَذَا فِي غَيْرِ مَحَارِيبِهِ صلى الله عليه وسلم وَمَسَاجِدِهِ.
أَمَّا هِيَ فَيَمْتَنِعُ الِاجْتِهَادُ فِيهَا مُطْلَقًا لِأَنَّهُ لَا يُقِرُّ عَلَى خَطَأٍ، فَلَوْ تَخَيَّلَ حَاذِقٌ فِيهَا يَمْنَةً أَوْ يَسْرَةً فَخَيَالُهُ بَاطِلٌ وَمَسَاجِدُهُ هِيَ الَّتِي صَلَّى فِيهَا إنْ ضُبِطَتْ وَمَحَارِيبُهُ كُلُّ مَا ثَبَتَ صَلَاتُهُ فِيهِ إذْ لَمْ يَكُنْ فِي زَمَنِهِ مَحَارِيبُ، وَلَا يَلْحَقُ بِذَلِكَ مَا وَضَعَهُ الصَّحَابَةُ كَقِبْلَةِ الْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ وَالشَّامِ وَبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَجَامِعِ مِصْرِ الْقَدِيمَةِ وَهُوَ الْجَامِعُ الْعَتِيقُ، لِأَنَّهُمْ لَمْ يَنْصِبُوهَا إلَّا عَنْ اجْتِهَادٍ وَاجْتِهَادُهُمْ لَا يُوجِبُ الْقَطْعَ بِعَدَمِ انْحِرَافِهِ وَإِنْ قَلَّ، وَيَجُوزُ لَهُ الِاجْتِهَادُ فِي خَرِبَةٍ أَمْكَنَ أَنْ يَأْتِيَهَا الْكُفَّارُ، وَكَذَا فِي طَرِيقٍ يَنْدُرُ مُرُورُ الْمُسْلِمِينَ بِهَا أَوْ يَسْتَوِي مُرُورُ الْفَرِيقَيْنِ بِهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ (وَإِلَّا) أَيْ بِأَنْ لَمْ يُمْكِنُهُ عِلْمُ الْقِبْلَةِ بِشَيْءٍ مِمَّا ذُكِرَ أَوْ نَالَهُ مَشَقَّةٌ فِي تَحْصِيلِهِ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
فِي أَمْرِهِ (قَوْلُهُ: فِيمَا ذُكِرَ) أَيْ فِي قَوْلِهِ وَالِاجْتِهَادُ فِي مَحَارِيبِ الْمُسْلِمِينَ إلَخْ (قَوْلُهُ مُطْلَقًا) أَيْ جِهَةً وَيَمْنَةً وَيَسْرَةً (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَا يُقِرُّ عَلَى خَطَأٍ) يَعْنِي أَنَّهُ إنْ وَقَعَ مِنْهُ صلى الله عليه وسلم خَطَأٌ نَبَّهَ عَلَيْهِ بِلَا وَحْيٍ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ قَدْ يَقَعُ مِنْهُ الْخَطَأُ لَكِنَّهُ لَا يُقِرُّ عَلَيْهِ، وَالصَّحِيحُ خِلَافُهُ فَهُوَ لِعِصْمَتِهِ كَغَيْرِهِ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ لَا يَقَعُ مِنْهُمْ الْخَطَأُ لَا عَمْدًا وَلَا سَهْوًا إلَّا أَنْ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ تَشْرِيعٌ كَمَا فِي سَلَامِهِ عليه الصلاة والسلام مِنْ رَكْعَتَيْنِ (قَوْلُهُ: وَمَسَاجِدُهُ) الْمُغَايَرَةُ بَيْنَ الْمَسْجِدِ وَالْمِحْرَابِ وَإِنَّمَا هِيَ بِحَسَبِ الْمَفْهُومِ، وَإِلَّا فَالْمَدَارُ هُنَا عَلَى ضَبْطِ مَا اسْتَقْبَلَهُ فِي صَلَاتِهِ، حَتَّى لَوْ عُلِمَتْ صَلَاتُهُ فِي مَكَان وَضُبِطَ خُصُوصُ مَوْقِفِهِ عليه الصلاة والسلام فِيهِ وَلَمْ يُضْبَطْ مَا اسْتَقْبَلَهُ فِيهِ لَمْ يَكُنْ مَانِعًا مِنْ الِاجْتِهَادِ بَلْ يَجِبُ بَعْدَهُ الِاجْتِهَادُ (قَوْلُهُ: كَمَا ثَبَتَ صَلَاتُهُ فِيهِ) أَيْ وَلَوْ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ حَجّ اهـ زِيَادِيٌّ (قَوْلُهُ إذْ لَمْ يَكُنْ فِي زَمَنِهِ مَحَارِيبُ) إذْ الْمِحْرَابُ الْمُجَوَّفُ عَلَى الْهَيْئَةِ الْمَعْرُوفَةِ حَدَثَ بَعْدَهُ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: يُكْرَهُ الدُّخُولُ فِي طَاقَةِ الْمِحْرَابِ، وَرَأَيْت بِهَامِشِ نُسْخَةٍ قَدِيمَةٍ: وَلَا يُكْرَهُ الدُّخُولُ فِي الطَّاقَةِ خِلَافًا لِلسُّيُوطِيِّ (قَوْلُهُ: وَيَحُوزُ لَهُ الِاجْتِهَادُ) أَيْ يَجِبُ عَلَيْهِ إنْ أَرَادَ الصَّلَاةَ فِيهَا، وَلَيْسَ لَهُ اعْتِمَادُ الْمِحْرَابِ الْمَذْكُورِ لِلشَّكِّ فِي بَانِيهِ الْمُفِيدِ لِلتَّرَدُّدِ فِي النِّيَّةِ، وَيَجْتَهِدُ فِيهَا مُطْلَقًا جِهَةً وَيَمْنَةً وَيَسْرَةً، وَقَضِيَّةُ إطْلَاقِهِ هُنَا وَتَفْصِيلُهُ فِيمَا بَعْدَهُ أَنَّهُ يَجْتَهِدُ فِي هَذِهِ وَإِنَّ كَثُرَ مُرُورُ الْمُسْلِمِينَ بِهَا (قَوْلُهُ: أَوْ يَسْتَوِي مُرُورُ الْفَرِيقَيْنِ) قَالَ سم فِي حَاشِيَةِ شَرْحِ الْبَهْجَةِ: قَوْلُهُ أَوْ يَسْتَوِي مُرُورُ إلَخْ، قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ اهـ.
وَهُوَ صَادِقٌ بِكَثْرَةِ مُرُورِ الْمُسْلِمِينَ بِأَنْ كَثُرَ مُرُورُ الْفَرِيقَيْنِ مَعَ الِاسْتِوَاءِ، وَقَوْلُهُ السَّابِقُ يَسْلُكُهُ الْمُسْلِمُونَ كَثِيرٌ صَادِقٌ مَعَ سُلُوكِ غَيْرِهِمْ أَيْضًا قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا فَيَحْتَاجُ لِحَمْلِ أَحَدِ الْمَوْضِعَيْنِ عَلَى الْآخَرِ، وَهَلْ الْأَوْجَهُ حَمْلُ هَذَا عَلَى ذَاكَ فَيُقَيَّدُ هَذَا بِمَا إذَا لَمْ يَكْثُرْ مُرُورُ الْمُسْلِمِينَ وَإِنْ كَانَ خِلَافَ ظَاهِرِ الْعِبَارَةِ، وَكَتَبَ أَيْضًا قَوْلُ: أَوْ يَسْتَوِي كَالصَّرِيحِ فِي عَدَمِ الِاعْتِمَادِ هُنَا وَإِنْ كَثُرَ مُرُورُ الْمُسْلِمِينَ، وَفِيهِ نَظَرٌ، وَإِنْ أَمْكَنَ أَنْ يُوَجِّهَ اهـ.
وَعَلَيْهِ فَيُقَيِّدُ عَدَمَ اعْتِمَادِ مِحْرَابِ الْقَرْيَةِ الَّتِي اسْتَوَى مُرُورُ الْكُفَّارِ وَالْمُسْلِمِينَ بِطَرِيقِهَا بِمَا إذَا لَمْ يَكْثُرْ الْمُسْلِمُونَ، أَمَّا إذَا كَثُرُوا فَلَا نَظَرَ لِمُرُورِ الْكُفَّارِ مَعَهُمْ قَلُّوا أَوْ كَثُرُوا (قَوْلُهُ: بِأَنْ لَمْ يُمْكِنْهُ عِلْمُ الْقِبْلَةِ بِشَيْءٍ مِمَّا ذُكِرَ) أَيْ مِنْ الرُّؤْيَةِ وَالْمِحْرَابِ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ الْمَحَارِيبَ وَنَحْوَهَا تُقَدَّمُ عَلَى الْمُخْبِرِ عَنْ عِلْمٍ.
وَقَدْ يَتَوَقَّفُ فِيهِ بِأَنَّ الْمُخْبِرَ عَنْ عِلْمٍ أَقْوَى بِدَلِيلٍ أَنَّهُ لَا يَجْتَهِدُ مَعَ إخْبَارِهِ يَمْنَةً وَلَا يَسْرَةً كَمَا نَقَلَهُ سم عَلَى مَنْهَجٍ عَنْ طب، بِخِلَافِ الْمَحَارِيبِ، وَعِبَارَةُ حَجّ: وَإِلَّا يُمْكِنُهُ عِلْمُ عَيْنِهَا أَوْ أَمْكَنَهُ وَثَمَّ حَائِلٌ وَلَوْ حَادِثًا بِفِعْلِهِ لِحَاجَةٍ، لَكِنْ إنْ لَمْ يَكُنْ تَعَدَّى بِإِحْدَاثِهِ أَوْ زَالَ تَعَدِّيهِ فِيمَا يَظْهَرُ فِيهِمَا اهـ.
وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي مُخَالَفَةِ كَلَامِ الشَّارِحِ فِي الْمِحْرَابِ (قَوْلُهُ: أَوْ نَالَهُ مَشَقَّةٌ) قَالَ حَجّ: أَيْ عُرْفًا
ــ
[حاشية الرشيدي]
فِي الدَّارِ وَإِنْ كَانَ مُسْتَنَدُهُمْ الِاجْتِهَادَ، فَعُلِمَ أَنَّ هَذَا لَا يَخْتَصُّ بِدُورِ مَكَّةَ فَتَنَبَّهْ (قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ لَهُ الِاجْتِهَادُ فِي خَرِبَةٍ إلَخْ) هَذَا وَمَا بَعْدَهُ مُحْتَرَزَانِ لِقَوْلِهِ فِيمَا مَرَّ وَلَا اجْتِهَادَ فِي مَحَارِيبِ الْمُسْلِمِينَ وَمَحَارِيبِ جَادَّتِهِمْ
(أَخَذَ) وُجُوبًا (بِقَوْلِ ثِقَةٍ) بَصِيرٍ مَقْبُولِ الرِّوَايَةِ وَلَوْ عَبْدًا أَوْ امْرَأَةٍ (يُخْبِرُ عَنْ عِلْمٍ) بِالْقِبْلَةِ أَوْ مِحْرَابٍ مُعْتَمَدٍ سَوَاءٌ أَكَانَ فِي الْوَقْتِ أَمْ غَيْرِهِ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ السُّؤَالُ عَمَّنْ يُخْبِرُ بِذَلِكَ عِنْدَ حَاجَتِهِ إلَيْهِ، وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ مَنْ كَانَ بِمَكَّةَ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ حَائِلٌ لَهُ الِاجْتِهَادُ لِأَنَّ السُّؤَالَ لَا مَشَقَّةَ فِيهِ، بِخِلَافِ الطُّلُوعِ فَإِنْ فُرِضَ أَنَّ عَلَيْهِ مَشَقَّةً فِي السُّؤَالِ لِبُعْدِ الْمَكَانِ أَوْ نَحْوِهِ كَانَ الْحُكْمُ فِيهَا كَمَا فِي تِلْكَ نَبَّهَ عَلَيْهِ الزَّرْكَشِيُّ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَخَرَجَ بِمَقْبُولِ الرِّوَايَةِ غَيْرُهُ كَصَبِيٍّ وَلَوْ مُمَيِّزًا وَكَافِرٍ وَفَاسِقٍ فَلَا يُقْبَلُ إخْبَارُهُ بِمَا ذُكِرَ كَغَيْرِهِ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ فِي خَبَرِ الدِّينِ.
نَعَمْ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: لَوْ اسْتَعْلَمَ مُسْلِمٌ مِنْ مُشْرِكٍ دَلَائِلَ الْقِبْلَةِ وَوَقَعَ فِي قَلْبِهِ صِدْقُهُ وَاجْتَهَدَ لِنَفْسِهِ فِي جِهَاتِ الْقِبْلَةِ جَازَ لِأَنَّهُ عَمِلَ فِي الْقِبْلَةِ عَلَى اجْتِهَادِ نَفْسِهِ، وَإِنَّمَا قُبِلَ خَبَرُ الْمُشْرِكِ فِي غَيْرِهَا.
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَمَا أَظُنُّهُمْ يُوَافِقُونَهُ عَلَيْهِ، وَنَظَرَ فِيهِ الشَّاشِيُّ وَقَالَ: إذَا لَمْ يُقْبَلْ خَبَرُهُ فِي الْقِبْلَةِ لَا يُقْبَلُ فِي أَدِلَّتِهَا إلَّا أَنْ يُوَافِقَ عَلَيْهَا مُسْلِمٌ، وَسُكُونُ نَفْسِهِ إلَى خَبَرِهِ لَا يُوجِبُ أَنْ يُعَوِّلَ عَلَيْهِ الْحُكْمَ اهـ.
وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَعُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ مِنْ عَدَمِ جَوَازِ الِاجْتِهَادِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْخَبَرِ عَدَمُ جَوَازِ الْأَخْذِ بِالْخَبَرِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْيَقِينِ وَهُوَ كَذَلِكَ، فَلَا يَجُوزُ لِلْأَعْمَى وَلَا لِمَنْ هُوَ فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: أَخَذَ بِقَوْلِ ثِقَةٍ) أَيْ وَمِنْهُ وَلِيٌّ يُخْبِرُهُ عَنْ كَشْفٍ: أَيْ وَإِذَا سُئِلَ الثِّقَةُ هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِرْشَادُ لَهَا أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ إرْشَادَهُ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ، وَمَنْ سُئِلَ شَيْئًا مِنْهَا تَعَيَّنَ عَلَيْهِ فِعْلُهُ حَيْثُ لَا عُذْرَ لَهُ فِي الِامْتِنَاعِ ثُمَّ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي إخْبَارِهِ مَشَقَّةٌ لَا يَسْتَحِقُّ أُجْرَةً وَإِلَّا اسْتَحَقَّهَا (قَوْلُهُ: وَيَجِبُ عَلَيْهِ السُّؤَالُ عَمَّنْ يُخْبِرُ بِذَلِكَ) أَيْ وَيَجِبُ تَكْرِيرُ السُّؤَالِ لِكُلِّ صَلَاةٍ تَحْضُرُ كَمَا يَجِبُ تَجْدِيدُ الِاجْتِهَادِ اهـ حَجّ.
وَكَتَبَ عَلَيْهِ سم وَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِجَوَابِهِ الْمُسْتَنِدِ لِلِاجْتِهَادِ السَّابِقِ إذَا لَمْ يَكُنْ ذَاكِرًا لِدَلِيلِهِ اهـ (قَوْلُهُ: لِبُعْدِ الْمَكَانِ) أَوْ نَحْوِهِ كَتَحَجُّبِ الْمَسْئُولِ (قَوْلُهُ: كَمَا فِي تِلْكَ) أَيْ فَيَجْتَهِدُ (قَوْلُهُ: وَكَافِرٍ) قَالَ حَجّ: إلَّا أَنْ عَلَّمَهُ قَوَاعِدَ صُيِّرَتْ لَهُ مَلَكَةً يَعْلَمُ بِهَا الْقِبْلَةَ حَيْثُ يُمْكِنُهُ أَنْ يُبَرْهِنَ عَلَيْهَا وَإِنْ نَسِيَ تِلْكَ الْقَوَاعِدِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، وَكَلَامُ الْمَاوَرْدِيِّ الْمُخَالِفُ لِذَلِكَ ضَعِيفٌ اهـ.
وَأَقُولُ: وَلَعَلَّ مُرَادَهُ بِمُخَالَفَةِ الْمَاوَرْدِيِّ أَنَّ كَلَامَ الْمَاوَرْدِيِّ يُفِيدُ أَنَّهُ إذَا تَعَلَّمَ مِنْهُ الْأَدِلَّةَ وَقَلَّدَهُ فِي الْعَمَلِ بِمُقْتَضَاهَا كَأَنْ أَخْبَرَهُ بِأَنَّ النَّجْمَ الْفُلَانِيَّ إذَا اسْتَقْبَلْتَهُ أَوْ اسْتَدْبَرْتَهُ عَلَى صِفَةِ كَذَا كُنْت مُسْتَقْبِلًا لِلْكَعْبَةِ، وَهُوَ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ ضَعِيفٌ، أَمَّا إذَا تَعَلَّمَ أَصْلَ الْأَدِلَّةِ مِنْهُ ثُمَّ تَوَصَّلَ بِذَلِكَ إلَى اسْتِخْرَاجِهَا مِنْ الْكُتُبِ وَاجْتَهَدَ فِي ذَلِكَ حَتَّى صَارَ لَهُ مَلَكَةٌ يَقْتَدِرُ بِهَا عَلَى مَعْرِفَةِ صَحِيحِ الْأَدِلَّةِ مِنْ فَاسِدِهَا لَمْ يَمْتَنِعْ عَلَيْهِ الْعَمَلُ بِمُقْتَضَاهَا بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْأَخْذُ بِهِ، وَبِمَا تَقَرَّرَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا مُخَالَفَةَ بَيْنَ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ، وَمَا ذَكَرَهُ حَجّ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ وَقَعَ فِي قَلْبِهِ صِدْقُهُ، وَقِيَاسُ مَا يَأْتِي فِي الصَّوْمِ الْأَخْذُ بِخَبَرِهِ حِينَئِذٍ إلَّا أَنْ يُفَرِّقَ بِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ أَمْرُ الْقِبْلَةِ مَبْنِيًّا عَلَى الْيَقِينِ وَكَانَتْ حُرْمَةُ الصَّلَاةِ أَعْظَمَ مِنْ الصَّوْمِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يُعْذَرُ فِي تَأْخِيرِهَا بِحَالٍ، بِخِلَافِ الصَّوْمِ اُحْتِيجَ لَهَا، وَيُؤَيِّدُهُ تَضْعِيفُ كَلَامِ الْمَاوَرْدِيِّ فِيمَا لَوْ تَعَلَّمَ الْأَدِلَّةَ مِنْ كَافِرٍ مَعَ فَرْضِهَا فِيمَا وَقَعَ فِي قَلْبِهِ صِدْقُهُ (قَوْلُهُ: لَوْ اسْتَعْلَمَ) أَيْ تَعَلَّمَ (قَوْلُهُ: أَنْ يُعَوِّلَ عَلَيْهِ) أَيْ أَنْ يَبْنِيَ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ) هُوَ قَوْلُهُ وَنَظَرَ فِيهِ الشَّاشِيُّ (قَوْلُهُ: مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْيَقِينِ) هَذَا الْحُكْمُ تَقَدَّمَ التَّصْرِيحُ بِهِ فِي قَوْلِهِ وَيَمْتَنِعُ عَلَيْهِ
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يُوَافِقَ عَلَيْهَا مُسْلِمٌ) لَا يَخْفَى أَنَّ مِنْهُ بَلْ أَوْلَى مَا إذَا كَانَ لِلْمُسْلِمِينَ فِي ذَلِكَ قَوَاعِدُ مُدَوَّنَةٌ كَمَا هُوَ الْوَاقِعُ وَكَانَ لَا يَسْتَقِلُّ بِفَهْمِهَا فَأَوْقَفَهُ عَلَى فَهْمِ مَعَانِيهَا كَافِرٌ فَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ مَحَلِّ النِّزَاعِ (قَوْلُهُ: وَعُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ مِنْ عَدَمِ جَوَازِ الِاجْتِهَادِ إلَخْ) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ نَصُّ الْمَتْنِ، وَعُذْرُهُ أَنَّهُ تَابِعٌ فِي هَذِهِ الْعِبَارَةِ لِشَرْحِ الرَّوْضِ، لَكِنَّ عِبَارَةَ الْمَتْنِ هُنَاكَ مُغَايِرَةٌ لِمَا هُنَا (قَوْلُهُ: فَلَا يَجُوزُ لِلْأَعْمَى إلَخْ) فِي حَوَاشِي التُّحْفَةِ لِلشِّهَابِ سم مَا نَصُّهُ: يُؤْخَذُ مِنْ جَوَازِ الْأَخْذِ بِقَوْلِ الْمُخْبِرِ عَنْ عِلْمٍ عِنْدَ وُجُودِ الْحَائِلِ الْمَذْكُورِ: أَيْ لِلْمَشَقَّةِ حِينَئِذٍ، وَمِنْ قَوْلِهِ: أَيْ الشِّهَابِ حَجّ الْآتِي إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَشَقَّةٌ عُرْفًا أَنَّ الْأَعْمَى
الْأَخْذُ بِهِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْيَقِينِ بِالْمَسِّ وَيَعْتَمِدُ كُلٌّ مِنْهُمَا الْمَسَّ وَإِنْ لَمْ يَرَهُ قَبْلَ الْعَمَى فَلَوْ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ مَوَاضِعُ لَمْسِهَا صَبَرَ فَإِنْ خَافَ فَوْتَ الْوَقْتِ صَلَّى كَيْفَ اتَّفَقَ وَأَعَادَ كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا يَأْتِي (فَإِنْ فَقَدَ) مَا ذُكِرَ (وَأَمْكَنَهُ الِاجْتِهَادُ) بِأَنْ كَانَ بَصِيرًا يَعْرِفُ أَدِلَّةَ الْقِبْلَةِ وَهِيَ كَثِيرَةٌ وَأَضْعَفُهَا الرِّيَاحُ لِاخْتِلَافِهَا وَأَقْوَاهَا الْقُطْبُ قَالَا وَهُوَ نَجْمٌ صَغِيرٌ فِي بَنَاتِ نَعْشِ الصُّغْرَى بَيْنَ الْفَرْقَدَيْنِ وَالْجَدْيِ وَيَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَقَالِيمِ، فَفِي الْعِرَاقِ يَجْعَلُهُ الْمُصَلِّي خَلْفَ أُذُنِهِ الْيُمْنَى وَفِي مِصْرَ خَلْف الْيُسْرَى
ــ
[حاشية الشبراملسي]
الْأَخْذُ بِخَبَرِ الْغَيْرِ إلَخْ، فَلَعَلَّ ذِكْرَهُ هُنَا لِبَيَانِ الْمَأْخَذِ لَا لِإِفَادَةِ الْحُكْمِ (قَوْلُهُ: الْأَخْذُ بِهِ) أَيْ بِالْخَبَرِ (قَوْلُهُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْيَقِينِ) عِبَارَةُ حَجّ بَعْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَالِاجْتِهَادِ فَعَلِمَ أَنَّ مَنْ بِالْمَسْجِدِ وَهُوَ أَعْمَى أَوْ فِي ظُلْمَةٍ لَا يَعْتَمِدُ إلَّا بِالْمَسِّ الَّذِي يَحْصُلُ لَهُ بِهِ الْيَقِينُ أَوْ إخْبَارُ عَدَدِ التَّوَاتُرِ، وَكَذَا قَرِينَةٌ قَطْعِيَّةٌ بِأَنْ كَانَ قَدْ رَأَى مَحَلًّا فِيهِ مَنْ جَعَلَ ظَهْرَهُ لَهُ مَثَلًا يَكُونُ مُسْتَقْبِلًا أَوْ أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ عَدَدُ التَّوَاتُرِ اهـ (قَوْلُهُ: بِالْمَسِّ) أَيْ حَيْثُ لَا مَشَقَّةَ عَلَيْهِ فِيهِ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا قَدَّمَهُ فِي وُجُوبِ سُؤَالِ مَنْ يُخْبِرُ عَنْ عِلْمٍ وَفِي عَدَمِ تَكْلِيفِ صُعُودِهِ، بَلْ أَوْ دُخُولُ الْمَسْجِدِ مُعَلِّلًا ذَلِكَ بِحُصُولِ الْمَشَقَّةِ.
وَفِي حَاشِيَةِ سم عَلَى مَنْهَجٍ مَا نَصُّهُ: قَوْلُهُ وَلَا حَائِلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا: أَيْ وَلَا مَشَقَّةَ عَلَيْهِ فِي عِلْمِهَا، بِخِلَافِ الْأَعْمَى مَثَلًا إذَا أَمْكَنَهُ التَّحْسِيسُ عَلَيْهَا لَكِنْ بِمَشَقَّةٍ كَكَثْرَةِ الصُّفُوفِ وَالزِّحَامِ فَيَكُونُ كَالْحَائِلِ، هَكَذَا ظَهَرَ وَعَرَضْتُهُ عَلَى شَيْخِنَا طب فَوَافَقَ عَلَيْهِ اهـ.
وَعِبَارَتُهُ عَلَى أَبِي شُجَاعٍ نَصُّهَا: وَقِيَاسُ هَذَا الَّذِي مَرَّ أَنَّ الْأَعْمَى وَمَنْ فِي ظُلْمَةٍ إذَا كَانَ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَوْ مَسْجِدٍ بِهِ مِحْرَابٌ مُعْتَمَدٌ وَشُقَّ عَلَيْهِ الْوُصُولُ لِلْكَعْبَةِ أَوْ الْمِحْرَابِ قَلَّدَ ثِقَةً إنْ وَجَدَهُ، وَإِلَّا فَلَهُ الِاجْتِهَادُ وَهُوَ قَرِيبٌ، لَكِنْ قَدْ يُخَالِفُهُ قَوْلُهُمَا: وَلَوْ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ: أَيْ عَلَى الْأَعْمَى مَوَاضِعُ لَمْسِهَا: أَيْ بِأَنْ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ الْمِحْرَابُ بِغَيْرِهِ فَلَا شَكَّ أَنَّهُ يَصْبِرُ حَتَّى يُخْبِرَهُ غَيْرُهُ صَرِيحًا، فَإِنْ خَافَ فَوْتَ الْوَقْتِ صَلَّى عَلَى حَسَبِ حَالِهِ وَأَعَادَ اهـ.
فَقَدْ مَنَعْنَاهُ الِاجْتِهَادَ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْيَقِينِ بِالْمَسِّ لِلِاشْتِبَاهِ، فَكَيْفَ عِنْدَ إمْكَانِهِ إلَّا أَنْ يُفَرِّقَ بِأَنَّ الْمَسَّ ثُمَّ فِي نَفْسِهِ لَا مَشَقَّةَ فِيهِ، لَكِنْ مُنِعَ مِنْهُ الِاشْتِبَاهُ الْمَنْسُوبُ فِيهِ إلَى تَقْصِيرٍ فَلَمْ يُعْذَرْ، بِخِلَافِهِ هُنَا فَإِنَّ فِيهِ مَشَقَّةً فَعُذِرَ فِيهِ، وَلَوْلَا النَّظَرُ إلَى الْمَشَقَّةِ لَأَوْجَبْنَا صُعُودَ الْحَائِلِ كَمَا لَا يَخْفَى اهـ (قَوْلُهُ: قَبْلَ الْعَمَى) أَيْ أَوْ قَبْلَ الظُّلْمَةِ (قَوْلُهُ: فَإِنْ خَافَ فَوْتَ الْوَقْتِ) أَيْ بِأَنْ لَمْ يُدْرِكْهَا بِتَمَامِهَا فِيهِ (قَوْلُهُ: فَإِنْ فَقَدَ مَا ذُكِرَ) أَيْ بِأَنْ كَانَ فِي مَحَلٍّ لَا يُكَلَّفُ تَحْصِيلَ الْمَاءِ مِنْهُ (قَوْلُهُ بِأَنْ كَانَ بَصِيرًا) مِثْلُهُ فِي الْمَحَلِّيِّ، وَمَفْهُومُهُ أَنَّ مَنْ لَا يَعْرِفُ أَدِلَّتَهَا لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ التَّقْلِيدُ، وَيُنَافِيهِ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ الْآتِي: وَمَنْ عَجَزَ عَنْ الِاجْتِهَادِ وَتُعَلَّمْ الْأَدِلَّةِ كَأَعْمَى قَلَّدَ ثِقَةً عَارِفًا وَإِنْ قَدَرَ فَالْأَصَحُّ وُجُوبُ التَّعَلُّمِ.
وَأَجَابَ عَنْهُ الشَّيْخُ عَمِيرَةُ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَعْرِفَةِ أَعَمُّ مِنْ أَنْ تَكُونَ حَاصِلَةً بِالْفِعْلِ أَوْ بِالْقُوَّةِ بِأَنْ أَمْكَنَهُ التَّعَلُّمَ (قَوْلُهُ وَأَقْوَاهَا الْقُطْبُ) عِبَارَةُ حَجّ: وَأَقْوَاهَا الْقُطْبُ الشَّمَالِيُّ بِتَثْلِيثِ الْقَافِ (قَوْلُهُ: فِي بَنَاتِ نَعْشَ) اتَّفَقَ سِيبَوَيْهِ وَالْفَرَّاءُ عَلَى تَرْكِ صَرْفِ
ــ
[حاشية الرشيدي]
إذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ أَوْ مَسْجِدَ مِحْرَابِهِ مُعْتَمَدٌ وَشَقَّ عَلَيْهِ لَمْسُ الْكَعْبَةِ فِي الْأَوَّلِ أَوْ الْمِحْرَابِ فِي الثَّانِي لِامْتِلَاءِ الْمَحَلِّ بِالنَّاسِ أَوْ لِامْتِدَادِ الصُّفُوفِ لِلصَّلَاةِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ سَقَطَ عَنْهُ وُجُوبُ اللَّمْسِ وَجَازَ لَهُ الْأَخْذُ بِقَوْلِ الْمُخْبِرِ عَنْ عِلْمٍ.
قَالَ: وَهَذَا ظَاهِرٌ، وَفِي ذَلِكَ مَزِيدٌ فِي شَرْحِنَا لِأَبِي شُجَاعٍ انْتَهَى (قَوْلُهُ: مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْيَقِينِ بِالْمَسِّ) شَمِلَ مَا لَوْ كَانَ الْمَسُّ يُفِيدُهُ الْيَقِينُ فِي الْجِهَةِ دُونَ الْعَيْنِ كَمَا فِي مَحَارِيبِ بَلْدَتِنَا رَشِيدٍ الْمَطْعُونِ فِيهَا تَيَامُنًا وَتَيَاسُرًا لَا جِهَةً، وَهُوَ مَفْهُومٌ مِمَّا مَرَّ فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ، وَحِينَئِذٍ فَيَجِبُ عَلَى الْأَعْمَى لَمْسُ حَوَائِطِهَا لِيَسْتَفِيدَ الْيَقِينَ فِي الْجِهَةِ ثُمَّ يُقَلِّدَ فِي التَّيَامُنِ وَالتَّيَاسُرِ هَكَذَا ظَهَرَ فَلْيُحَرَّرْ (قَوْلُهُ: وَأَمْكَنَ الِاجْتِهَادُ) أَيْ وَالصُّورَةُ أَنَّهُ عَارِفٌ بِالْأَدِلَّةِ بِالْفِعْلِ بِقَرِينَةِ مَا يَأْتِي
وَفِي الْيَمِينِ قُبَالَتُهُ مِمَّا يَلِي جَانِبَهُ الْأَيْسَرَ وَفِي الشَّامِ وَرَاءَهُ وَنَجْرَانَ وَرَاءَ ظَهْرِهِ وَلِذَلِكَ قِيلَ إنَّ قِبْلَتَهَا أَعْدَلُ الْقِبَلِ وَكَأَنَّهُمَا سَمَّيَاهُ نَجْمًا لِمُجَاوَرَتِهِ لَهُ وَإِلَّا فَهُوَ كَمَا قَالَ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ لَيْسَ نَجْمًا وَإِنَّمَا هُوَ نُقْطَةٌ تَدُورُ عَلَيْهَا هَذِهِ الْكَوَاكِبُ بِقُرْبِ النَّجْمِ (حُرِّمَ) عَلَيْهِ (التَّقْلِيدُ) وَهُوَ قَبُولُ قَوْلِ مَنْ يُخْبِرُ عَنْ اجْتِهَادٍ إذْ الْمُجْتَهِدُ لَا يُقَلِّدُ مُجْتَهِدًا وَيَجِبُ عَلَيْهِ الِاجْتِهَادُ إلَّا إنْ ضَاقَ الْوَقْتُ عَنْهُ كَلَا اجْتِهَادٍ بَلْ يُصَلِّي عَلَى حَسَبِ حَالِهِ وَتَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ وَيَجُوزُ الِاعْتِمَادُ عَلَى بَيْتِ الْإِبْرَةِ فِي دُخُولِ الْوَقْتِ وَالْقِبْلَةِ لِإِفَادَتِهَا الظَّنِّ بِذَلِكَ كَمَا يُفِيدُهُ الِاجْتِهَادُ، أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَهُوَ ظَاهِرٌ.
(وَإِنْ)(تَحَيَّرَ) الْمُجْتَهِدُ فَلَمْ يَظْهَرْ لَهُ شَيْءٌ لِنَحْوِ غَيْمٍ أَوْ تَعَارُضِ أَدِلَّةٍ (لَمْ يُقَلِّدْ فِي الْأَظْهَرِ) لِأَنَّهُ مُجْتَهِدٌ وَالتَّحَيُّرُ عَارِضٌ يُرْجَى زَوَالُهُ عَنْ قُرْبٍ غَالِبًا (وَصَلَّى كَيْفَ كَانَ) لِحُرْمَةِ الْوَقْتِ (وَيَقْضِي لِنُدْرَتِهِ) وَالْقَوْلُ الثَّانِي يُقَلِّدُ بِلَا قَضَاءٍ لِأَنَّهُ الْآنَ عَاجِزٌ عَنْ مَعْرِفَةِ الصَّوَابِ فَأَشْبَهَ الْأَعْمَى، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ عَنْ ضِيقِ الْوَقْتِ، أَمَّا قَبْلَهُ فَيَمْتَنِعُ التَّقْلِيدُ قَطْعًا لِعَدَمِ الْحَاجَةِ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
نَعْشَ لِلْمَعْرِفَةِ وَالتَّأْنِيثِ صِحَاحٌ (قَوْلُهُ: وَنَجْرَانَ وَرَاءَ ظَهْرِهِ) لَا يَظْهَرُ مِنْ هَذَا مُخَالَفَةٌ لِمَا قَبْلَهُ فَكَانَ الظَّاهِرُ أَنْ يَقُولَ: وَفِي الشَّامِ وَنَجْرَانَ وَرَاءَهُ، لَكِنْ فِي حَجّ: وَقِيلَ يَنْحَرِفُ بِدِمَشْقَ وَمَا قَارَبَهَا، ثُمَّ أَفْرَدَ نَجْرَانَ بِالذِّكْرِ لِعَدَمِ الْخِلَافِ فِيهَا (قَوْلُهُ: وَكَأَنَّهُمَا سَمَّيَاهُ) إشَارَةً إلَى دَفْعِ اعْتِرَاضٍ يُتَوَجَّهُ عَلَى كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ (قَوْلُهُ: لِإِفَادَتِهَا الظَّنَّ بِذَلِكَ إلَخْ) هَذَا التَّعْلِيلُ يَقْتَضِي أَنَّ بَيْتَ الْإِبْرَةِ فِي مَرْتَبَةِ الْمُجْتَهِدِ، وَلَيْسَ مُرَادًا إذْ لَوْ كَانَ فِي مَرْتَبَتِهِ لَحَرُمَ عَلَيْهِ الْعَمَلُ بِهِ إنْ قَدَرَ عَلَى الِاجْتِهَادِ كَمَا يَحْرُمُ الْأَخْذُ بِقَوْلِ الْمُجْتَهِدِ، لَكِنَّ تَعْبِيرَهُ بِجَوَازِ الِاعْتِمَادِ يُشْعِرُ بِأَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْعَمَلِ بِهِ وَبَيْنَ الِاجْتِهَادِ فَيَكُونُ مَرْتَبَةً بَيْنَ الْمُخْبِرِ عَنْ عِلْمٍ وَبَيْنَ الِاجْتِهَادِ (قَوْلُهُ: كَمَا يُفِيدُهُ الِاجْتِهَادُ) قَضِيَّتُهُ أَنَّ بَيْتَ الْإِبْرَةِ لَيْسَ كَالْمِحْرَابِ الْمُعْتَمَدِ، فَإِنَّ ذَاكَ بِمَنْزِلَةِ الْمُخْبِرِ عَنْ عِلْمٍ حَتَّى لَا يَجُوزَ الِاجْتِهَادُ مَعَهُ جِهَةً وَلَا غَيْرَهَا عَلَى مَا مَرَّ، وَيَنْبَغِي أَنَّ مَرْتَبَتَهُ بَعْدَ مَرْتَبَةِ الْمِحْرَابِ. وَفِي سم عَلَى حَجّ مَا نَصُّهُ: اُنْظُرْ لَوْ تَعَارَضَتْ هَذِهِ الْأُمُورُ مَا الْمُقَدَّمُ، وَقَوْلُهُ الْجَمُّ الْغَفِيرُ لَعَلَّ الْمُرَادَ بِهِ عَدَدُ التَّوَاتُرِ اهـ. وَأَقُولُ: يَنْبَغِي أَنَّ عَدَدَ التَّوَاتُرِ مُقَدَّمٌ عَلَى غَيْرِهِ ثُمَّ الْإِخْبَارُ عَنْ عِلْمِ بِرُؤْيَةِ الْكَعْبَةِ، ثُمَّ رُؤْيَةُ الْمَحَارِيبِ الْمُعْتَمَدَةُ، ثُمَّ رُؤْيَةُ الْقُطْبِ، ثُمَّ الْإِخْبَارُ بِرُؤْيَةِ الْجَمِّ الْغَفِيرِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ التَّوَاتُرَ يُفِيدُ الْيَقِينَ، وَخَبَرُ الْمُخْبِرُ عَنْ عِلْمٍ يُفِيدُ الظَّنَّ فَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ التَّوَاتُرُ، وَرُؤْيَةُ الْكَعْبَةِ أَبْعَدُ مِنْ الْغَلَطِ مِنْ رُؤْيَةِ الْقُطْبِ، لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ بِمَنْزِلَةِ الْعِيَانِ لَكِنَّهُ قَدْ يَقَعُ الْخَطَأُ فِي رُؤْيَتِهِ لِاشْتِبَاهِهِ عَلَى الرَّائِي أَوْ لِمَانِعٍ قَامَ بِالرَّائِي، وَرُؤْيَةُ الْقُطْبِ أَقْرَبُ لِتَحَرِّي مَا يُصَلَّى إلَيْهِ عِنْدَ الرَّائِي، فَإِنَّ الْمُخْبِرَ بِأَنَّهُ رَأَى الْجَمَّ الْغَفِيرَ يُصَلُّونَ رُبَّمَا يَكُونُ مُسْتَنَدُهُ رُؤْيَةَ صَلَاتِهِمْ لِتِلْكَ الْجِهَةِ فَلَا يَأْمَنُ فِي الْأَخْذِ بِقَوْلِهِ مِنْ الِانْحِرَافِ يَمْنَةً أَوْ يَسْرَةً
(قَوْلُهُ: لَمْ يُقَلِّدْ فِي الْأَظْهَرِ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَوْ أَخْبَرَهُ غَيْرُهُ بِأَنَّ الْقِبْلَةَ فِي هَذِهِ الْجِهَةِ جَازَ لَهُ الْعُدُولُ إلَى غَيْرِهَا، وَلَوْ قِيلَ إنَّهُ يَأْخُذُ بِقَوْلِهِ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الصَّوَابِ مِنْ كَوْنِهِ يُصَلِّي إلَى جِهَةٍ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ وَلَا لِغَيْرِهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا الْقِبْلَةُ، وَيَقْضِي لِعَدَمِ جَزْمِهِ بِالنِّيَّةِ لَمْ يَكُنْ بَعِيدًا، وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا لَوْ رَأَى مِحْرَابًا لَا يَجُوزُ اعْتِمَادُهُ (قَوْلُهُ: وَصَلَّى كَيْفَ كَانَ) وَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْتِزَامُ مَا صَلَّى إلَيْهِ أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ بِاخْتِيَارِهِ الْتَزَمَ اسْتِقْبَالَهُ فَلَا يَتْرُكُهُ إلَّا لَمَّا يُرَجَّحُ غَيْرُهُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ كَمَا قَالَ الْإِمَامُ) مُعْتَمَدٌ (قَوْلُهُ: عِنْدَ ضِيقِ الْوَقْتِ) نَقَلَ سم فِي حَاشِيَةِ الْمَنْهَجِ عَنْ الشَّارِحِ اعْتِمَادُهُ اهـ. وَيُمْكِن حَمْلُ كَلَامِ الْإِمَامِ عَلَى مَا إذَا رَجَا زَوَالَ
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَبِحَرَّانَ وَرَاءَ ظَهْرِهِ) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ مَعَ قَبْلِهِ؛ لِأَنَّ حَرَّان مِنْ أَعْمَالِ الشَّامِ، وَالْحُكْمُ وَاحِدٌ
إلَيْهِ، وَنَازَعَهُ فِي شَرْحِ الْوَسِيطِ وَقَالَ: إنَّ مَا قَالَهُ الْإِمَامُ شَاذٌّ وَالْمَشْهُورُ التَّعْمِيمُ.
(وَيَجِبُ تَجْدِيدُ الِاجْتِهَادِ) أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ كَالتَّقْلِيدِ فِي نَحْوِ الْأَعْمَى (لِكُلِّ صَلَاةٍ) مَفْرُوضَةٍ عَيْنِيَّةٍ أَدَاءً أَوْ قَضَاءً وَلَوْ مَنْذُورَةً (تَحْضُرُ عَلَى الصَّحِيحِ) سَعْيًا فِي إصَابَةِ الْحَقِّ لِتَأَكُّدِ الظَّنِّ عِنْدَ الْمُوَافَقَةِ، وَقُوَّةُ الثَّانِي عِنْدَ الْمُخَالَفَةِ لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ إلَّا عَنْ أَمَارَةٍ أَقْوَى وَالْأَقْوَى أَقْرَبُ إلَى الْيَقِينِ. وَيُمْكِنُ حَمْلُ قَوْلِهِ تَحْضُرُ عَلَى حُضُورِ فِعْلِهَا بِأَنْ يَدْخُلَ وَقْتُهُ فَلَا اعْتِرَاضَ عَلَيْهِ، وَقَوْلُ الشَّارِحِ مِنْ الْخَمْسِ تَوْطِئَةً لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ تَحْضُرُ لَا مَخْرَجَ لِغَيْرِهَا، وَمَحَلُّ مَا ذُكِرَ مَا لَمْ يَكُنْ ذَاكِرًا لِلدَّلِيلِ الْأَوَّلِ وَإِلَّا فَلَا إعَادَةَ، وَخَرَجَ بِالْمَفْرُوضَةِ النَّافِلَةُ وَمِثْلُهَا صَلَاةُ الْجِنَازَةِ كَمَا فِي التَّيَمُّمِ، وَخَرَجَ بِالْقِبْلَةِ الثَّوْبُ فَلَا يَلْزَمُهُ إعَادَةَ الِاجْتِهَادِ فِيهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَابِهِ، وَالثَّانِي لَا يَجِبُ لِأَنَّ الْأَصْلَ اسْتِمْرَارُ الظَّنِّ الْأَوَّلِ.
(وَمَنْ عَجَزَ) بِفَتْحِ الْجِيمِ (عَنْ الِاجْتِهَادِ) فِيهَا (وَ) عَنْ (تَعَلُّمِ الْأَدِلَّةِ) كَأَعْمَى الْبَصَرِ أَوْ الْبَصِيرَةِ (قَلَّدَ) حَتْمًا (ثِقَةً) وَلَوْ عَبْدًا أَوْ امْرَأَةً (عَارِفًا)
ــ
[حاشية الشبراملسي]
التَّحَيُّرِ وَكَلَامُ غَيْرِهِ عَلَى خِلَافِهِ (قَوْلُهُ: وَنَازَعَهُ فِي شَرْحِ الْوَسِيطِ) أَيْ النَّوَوِيُّ (قَوْلُهُ وَالْمَشْهُورُ التَّعْمِيمُ) أَيْ ضَاقَ الْوَقْتُ أَوْ اتَّسَعَ
(قَوْلُهُ: لِكُلِّ صَلَاةٍ تَحْضُرُ عَلَى الصَّحِيحِ) هَذَا الْخِلَافُ يَجْرِي فِي الْمُفْتِي فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ، وَفِي الشَّاهِدِ إذَا زَكَّى ثُمَّ شَهِدَ ثَانِيًا بَعْدَ طُولِ الزَّمَنِ: أَيْ عُرْفًا وَفِي طَلَبِ الْمُتَيَمِّمِ الْمَاءُ إذَا لَمْ يَنْتَقِلْ عَنْ مَوْضِعِهِ اهـ عَمِيرَةَ (قَوْلُهُ وَلَوْ مَنْذُورَةٌ) قَالَ حَجّ: وَمُعَادَةٌ مَعَ جَمَاعَةٍ اهـ. وَعَلَيْهِ فَهَذِهِ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ عَدَمِ وُجُوبِ تَجْدِيدِ الِاجْتِهَادِ لِلنَّافِلَةِ. وَيُمْكِنُ تَوْجِيهُهُ بِأَنَّ الْمُعَادَةَ لَمَّا قِيلَ بِفَرْضِيَّتِهَا وَعَدَمِ صِحَّتِهَا مِنْ قُعُودٍ مَعَ الْقُدْرَةِ أَشْبَهَتْ الْفَرَائِضَ فَلَمْ تَلْحَقْ النَّوَافِلَ، وَكَتَبَ عَلَيْهِ سم قَوْلُهُ: وَمُعَادَةٌ مَعَ جَمَاعَةٍ يَنْبَغِي أَوْ فُرَادَى لِفَسَادِ الْأُولَى، ثُمَّ رَأَيْته فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ عَبَّرَ بِقَوْلِهِ وَمُعَادَةٌ لِفَسَادِ الْأُولَى كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمَجْمُوعِ أَوْ فِي جَمَاعَةٍ اهـ. وَبَقِيَ مَا لَوْ سُنَّ إعَادَتُهَا عَلَى الِانْفِرَادِ لِجَرَيَانِ قَوْلٍ بِبُطْلَانِهَا عَلَى مَا يَأْتِي فِي الْجَمَاعَةِ، فَهَلْ يُجَدِّدُ لَهَا أَيْضًا لَا يَبْعُدُ أَنَّهُ يُجَدِّدُ اهـ. وَكَتَبَ عَلَيْهِ أَيْضًا قَوْلُهُ وَمُعَادَةٌ ظَاهِرُهُ وَلَوْ عَقِبَ السَّلَامِ مِنْ غَيْرِ فَاصِلٍ. أَقُولُ: وَقَدْ يَتَوَقَّفُ فِي وُجُوبِ تَجْدِيدِ الِاجْتِهَادِ فِيمَا لَوْ كَانَتْ الْإِعَادَةُ لِفَسَادِ الْأُولَى، أَوْ لِلْخُرُوجِ مِنْ خِلَافِ مِنْ أَفْسَدَهَا بِأَنَّ الْأَوْلَى حَيْثُ تَبَيَّنَ فَسَادُهَا كَانَتْ كَمَا لَوْ لَمْ تَفْعَلْ، غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ الْمُعَادَةَ هِيَ الْأَوْلَى وَقَدْ تَأَخَّرَ الْإِحْرَامُ بِهَا عَنْ الِاجْتِهَادِ وَهُوَ لَا يَضُرُّ، وَهَلْ يَجِبُ تَجْدِيدُ الِاجْتِهَادِ لِكُلِّ رَكْعَتَيْنِ إذَا سَلَّمَ مِنْهُمَا كَالضُّحَى أَوْ يُفَرِّقُ بَيْنَ مَا يَصِحُّ الْجَمْعُ فِيهِ بَيْنَ رَكَعَاتٍ بِإِحْرَامٍ وَاحِدٍ كَالضُّحَى فَيَكْفِي لَهُ اجْتِهَادٌ وَاحِدٌ، وَبَيْنَ مَا لَا يَجُوزُ الْإِحْرَامُ فِيهِ بِأَكْثَرِ مِنْ رَكْعَتَيْنِ كَالتَّرَاوِيحِ فَيَجِبُ فِيهِ تَجْدِيدُ الِاجْتِهَادِ لِكُلِّ إحْرَامٍ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَلَا يَبْعُدُ إلْحَاقَةُ بِمَا فِي التَّيَمُّمِ، فَعَلَى مَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ الرَّاجِحُ مِنْ أَنَّهُ يَكْفِي لِلتَّرَاوِيحِ تَيَمُّمٌ وَاحِدٌ لَا يَجِبُ تَجْدِيدُ الِاجْتِهَادِ هُنَا لِمَا مَرَّ أَيْضًا أَنَّهَا كُلُّهَا صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ وَالْكَلَامُ فِي الْمَنْذُورَةِ (قَوْلُهُ فَلَا اعْتَرَضَ عَلَيْهِ) أَيْ بِأَنْ يُقَالَ: قَضِيَّةُ التَّعْبِيرِ بِتَحَضُّرٍ أَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا لَوْ اجْتَهَدَ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِ الصَّلَاةِ مِنْ الْخَمْسِ ثُمَّ دَخَلَ وَقْتُهَا فَيَخْرُجُ بِذَلِكَ الْمَنْذُورَةُ وَالْفَائِتَةُ وَالْحَاضِرَةُ إذَا اجْتَهَدَ فِي وَقْتِهَا وَصَلَّى فَائِتَةً بِذَلِكَ الِاجْتِهَادِ ثُمَّ أَرَادَ فِعْلَ الْحَاضِرَةِ فَإِنَّهُ لَمْ يَصْدُقْ عَلَيْهِ أَنَّهَا حَضَرَتْ بَعْدَ الِاجْتِهَادِ (قَوْلُهُ: تَوْطِئَةً) التَّوْطِئَةُ: هِيَ التَّمْهِيدُ لِلشَّيْءِ، وَهُوَ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْمُتَقَدِّمِ عَلَى الشَّيْءِ، وَلَفْظُ الْخَمْسِ مُتَأَخِّرٌ عَنْ تَحَضُّرٍ، إلَّا أَنْ يُقَالَ: الْمُرَادُ بِالتَّوْطِئَةِ مُجَرَّدُ الْبَيَانِ تَقَدَّمَتْ عَلَى الْمُبَيَّنِ أَوْ تَأَخَّرَتْ، وَقَدْ قِيلَ بِمِثْلِ ذَلِكَ فِي " سَوِيًّا " مِنْ قَوْله تَعَالَى {فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا} [مريم: 17] حَيْثُ قَالُوا إنَّهَا حَالٌ مُوَطِّئَةٌ لِبَشَرًا (قَوْلُهُ: وَخَرَجَ بِالْمَفْرُوضَةِ النَّافِلَةُ) شَمَلَتْ الْمُعَادَةَ، وَمَرَّ عَنْ حَجّ فِيهَا مَا يُخَالِفُهُ
(قَوْلُهُ: وَمَنْ عَجَزَ) بِفَتْحِ الْجِيمِ أَفْصَحُ مِنْ كَسْرِهَا اهـ مَنْهَجٌ (قَوْلُهُ: وَلَوْ عَبْدًا أَوْ امْرَأَةً) قَدْ
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: لِكُلِّ صَلَاةٍ تَحْضُرُ) ظَاهِرُهُ أَنَّ الضُّحَى مَثَلًا إذَا نَذَرَهَا يَكْفِي لَهَا اجْتِهَادٌ وَاحِدٌ وَإِنْ عَدَّدَ سَلَامَهَا وَتَرَدَّدَ فِيهِ شَيْخُنَا فِي الْحَاشِيَةِ (قَوْلُهُ: تَوْطِئَةً لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ تَحْضُرُ) أَيْ بِنَاءً عَلَى حَمْلِهِ عَلَى ظَاهِرِهِ
(قَوْلُ الْمَتْنِ وَمَنْ عَجَزَ عَنْ الِاجْتِهَادِ) أَيْ
يَجْتَهِدُ لَهُ وَلِغَيْرِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43] أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ مُعْظَمَ الْأَدِلَّةِ تَتَعَلَّقُ بِالْمُشَاهَدَةِ وَالرِّيحُ ضَعِيفَةٌ كَمَا مَرَّ وَالِاشْتِبَاهُ عَلَيْهِ فِيهَا أَكْثَرُ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ أَسْوَأُ مِنْ فَاقِدِ الْبَصَرِ بِخِلَافِ الْفَاسِقِ وَالْمُمَيِّزِ وَغَيْرِ الْعَارِفِ، فَلَوْ صَلَّى مِنْ غَيْرِ تَقْلِيدٍ لَزِمَتْهُ الْإِعَادَةُ وَإِنْ صَادَفَ الْقِبْلَةَ أَمَّا مَا صَلَّاهُ بِالتَّقْلِيدِ وَصَادَفَ فِيهِ الْقِبْلَةَ أَوْ لَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ الْحَالُ فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ فِيهِ، فَإِنْ قَالَ الْمُخْبِرُ: رَأَيْت الْقُطْبَ أَوْ الْجَمَّ الْغَفِيرَ يُصَلُّونَ هَكَذَا فَهُوَ إخْبَارٌ عَنْ عِلْمٍ فَالْأَخْذُ بِهِ قَبُولُ خَبَرٍ لَا تَقْلِيدٍ، وَلَوْ اخْتَلَفَ عَلَيْهِ فِي الِاجْتِهَادِ اثْنَانِ قَلَّدَ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا لَكِنَّ الْأَوْثَقَ وَالْأَعْلَمَ عِنْدَهُ أَوْلَى
ــ
[حاشية الشبراملسي]
يُشْعِرُ التَّعْبِيرُ بِالثِّقَةِ دُونَ مَقْبُولِ الشَّهَادَةِ مَنْ يَرْتَكِبُ خَارِمَ الْمُرُوءَةِ مَعَ السَّلَامَةِ مِنْ الْفِسْقِ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَيُشْعِرُ بِهِ قَوْلُ الشَّارِحِ بِخِلَافِ الْفَاسِقِ إلَخْ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ بِعَدَمِ قَبُولِ خَبَرِهِ، وَهُوَ الْأَقْرَبُ (قَوْلُهُ: أَمَّا الْأَوَّلُ) هُوَ أَعْمَى الْبَصَرِ (قَوْلُهُ: وَالْمُمَيِّزِ وَغَيْرِ الْعَارِفِ) أَيْ فَلَا يُقَلِّدُ وَاحِدًا مِنْهُمْ، وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ أَمَّا الْفَاسِقُ وَالْمُمَيِّزُ إلَخْ (قَوْلُهُ: فَهُوَ إخْبَارٌ عَنْ عِلْمٍ) يُتَأَمَّلْ هَذَا مَعَ جَعْلِهِ فِيمَا مَرَّ مِنْ أَدِلَّةِ الِاجْتِهَادِ، لَكِنَّهُ مُوَافِقٌ فِيهِ لَمَّا قَدَّمَهُ مِنْ قَوْلِهِ وَفِي مَعْنَاهُ خَبَرٌ عَدْلٌ بِاتِّفَاقِ جَمْعٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، فَقَوْلُهُ فَهُوَ إخْبَارٌ عَنْ عِلْمٍ مَعْنَاهُ أَنَّهُ كَالْإِخْبَارِ فِي تَقَدُّمِهِ عَلَى الِاجْتِهَادِ (قَوْلُهُ: قَلَّدَ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا) لَوْ اخْتَلَفَ عَلَيْهِ دَلِيلَانِ أَخَذَ بِأَوْضَحِهِمَا، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَوْلَوِيَّةِ الْأَخْذِ بِقَوْلِ الْأَعْلَمِ بِأَنَّ الظَّنَّ الْمُسْتَنِدَ لِفِعْلِ النَّفْسِ أَقْوَى مِنْ الْمُسْتَنِدِ لِلْغَيْرِ، فَإِنْ تُسَاوَيَا تَخَيَّرَ، زَادَ الْبَغَوِيّ: ثُمَّ يُعِيدُ لِتَرَدُّدِهِ حَالَةَ الشُّرُوعِ اهـ حَجّ (قَوْلُهُ: لَكِنَّ الْأَوْثَقَ إلَخْ) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا نَظَرَ هُنَا لِكَثْرَةِ الْعَدَدِ، وَبِهِ صَرَّحَ سم عَلَى حَجٍّ حَيْثُ قَالَ: لَوْ اتَّحَدَ أَحَدُهُمَا وَتَعَدَّدَ الْآخَرُ قَلَّدَ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا. ثُمَّ قَالَ: قَالَ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ: فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَوْثَقَ وَالْآخَرُ أَعْلَمَ فَالظَّاهِرُ اسْتِوَاؤُهُمَا إلَخْ اهـ.
وَفِي شَرْحِ الْعُبَابِ: الْأَوْلَى تَقْدِيمُ الْأَوْثَقِ اهـ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. هَذَا وَتَقَدَّمَ الشَّارِحُ فِي الْمِيَاهِ أَنَّهُ لَوْ اخْتَلَفَ عَلَيْهِ اثْنَانِ أَخَذَ بِقَوْلِ أَوْثَقِهِمَا، فَإِنْ اسْتَوَيَا فَالْأَكْثَرُ عَدَدًا، فَإِنْ اسْتَوَيَا تَسَاقَطَا وَعُمِلَ بِأَصْلِ الطَّهَارَةِ اهـ. وَعَلَيْهِ فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا. وَيُمْكِنُ الْفَرْقُ بِأَنَّ الْإِخْبَارَ عَنْ النَّجَاسَةِ لَمَّا كَانَ مُسْتَنَدُهُ الْحِسَّ رُوعِيَ فِيهِ كَثْرَةُ الْعَدَدِ لِبُعْدِ اشْتِبَاهِ الْمُشَاهَدِ عَلَى الْكَثِيرِ مِنْ الْوَاحِدِ (قَوْلُهُ: وَالْأَعْلَمُ عِنْدَهُ أَوْلَى) نَقَلَهُ سم عَلَى مَنْهَجٍ عَنْ شَرْحِ الرَّوْضِ، وَنَظَرَ فِيهِ بِأَنَّهُ إذَا وَجَبَ الْأَخْذُ بِقَوْلِهِ فِي الصَّلَاةِ فَخَارِجُهَا مِنْ بَابِ أَوْلَى، فَيُتَّجَهُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْأَخْذُ بِقَوْلِهِ أَيْضًا كَدَاخِلِهَا. ثُمَّ قَالَ: وَسَأَلَ م ر عَنْ الْمَسْأَلَةِ فَوَافَقَ مَا قَالَهُ الشَّارِحُ بِالذِّهْنِ عَلَى الْبَدِيهَةِ اهـ.
وَبَقِيَ مَا لَوْ اخْتَلَفَ عَلَيْهِ مُخْبِرَانِ عَنْ عِلْمٍ أَوْ مَا هُوَ بِمَنْزِلَتِهِ كَأَنْ قَالَ لَهُ شَخْصٌ: الْقُطْبُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ يَكُونُ أَمَامَكَ، وَقَالَ الْآخَرُ: يَكُونُ خَلْفَ أُذُنِكَ الْيُسْرَى مَثَلًا، فَهَلْ يَأْخُذُ بِقَوْلِ أَحَدِهِمَا كَالْمُجْتَهَدِينَ أَوْ يَتَسَاقَطَانِ عِنْدَهُ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَلَعَلَّ الثَّانِيَ أَقْرَبُ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُجْتَهِدَيْنِ بِأَنَّهُ هُنَا يُمْكِنُهُ الِاجْتِهَادُ لِنَفْسِهِ بَعْدُ، بِخِلَافِ الْمُجْتَهِدَيْنِ فَإِنَّهُ لَا يَأْخُذُ بِقَوْلِ أَحَدِهِمَا إلَّا عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ الِاجْتِهَادِ فَاضْطُرَّ لِلْأَخْذِ بِقَوْلِ أَحَدِهِمَا، وَأَيْضًا هُمَا هُنَا اخْتَلَفَا فِي عَلَامَةٍ وَاحِدَةٍ لِعَارِضٍ فِيهَا وَهُوَ مُوجِبٌ لِلتَّسَاقُطِ، وَكَتَبَ أَيْضًا: وَإِذَا أَخَذَ بِقَوْلِ أَحَدِهِمَا وَجَبَ عَلَيْهِ إعَادَةُ الصَّلَاةِ بَعْدُ لِتَرَدُّدِهِ فِي النِّيَّةِ حِينَ التَّقْلِيدِ اهـ سم عَلَى حَجّ. وَنُقِلَ اعْتِمَادُهُ عَنْ م ر وَفِيهِ وَقْفَةٌ، وَالْأَقْرَبُ عَدَمُ الْإِعَادَةِ فِيمَا لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَعْلَمَ أَوْ أَوْثَقَ وَأَخَذَ بِقَوْلِهِ عَمَلًا بِمَا هُوَ أَوْلَى، لِأَنَّ اخْتِيَارَهُ لِزِيَادَةِ عِلْمِهِ يُلْغِي أَثَرَ مُقَابِلِهِ فَلَا تَرَدُّدَ فِي النِّيَّةِ عِنْدَهُ، وَاحْتِمَالُ خَطَئِهِ كَاحْتِمَالِهِ فِيمَا لَوْ
ــ
[حاشية الرشيدي]
لِعَدَمِ عِلْمِهِ بِالْأَدِلَّةِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ مِنْ كَلَامِهِ، إذْ الْعَالِمُ بِهَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ التَّقْلِيدُ كَمَا مَرَّ. قَالَ الشِّهَابُ سم فِي حَوَاشِي التُّحْفَةِ قَوْلُهُ: وَمَنْ عَجَزَ عَنْ الِاجْتِهَادِ بِتَأَمُّلٍ هَذَا مَعَ تَقَدَّمَ يُعْلَمُ أَنَّ الْعَالِمَ بِالْفِعْلِ بِأَدِلَّةِ الْقِبْلَةِ يَمْتَنِعُ تَقْلِيدُهُ مُطْلَقًا فَإِنْ كَانَ التَّعَلُّمُ فَرْضَ كِفَايَةٍ وَغَيْرُ الْعَالِمِ بِالْفِعْلِ يَنْظُرُ فِيهِ، فَإِنْ كَانَ التَّعَلُّمُ فَرْضَ كِفَايَةٍ فِي حَقِّهِ وَجَبَ عَلَيْهِ التَّعَلُّمُ وَامْتَنَعَ التَّقْلِيدُ. فَإِنْ قَلَّدَ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ قَالَ: وَعِبَارَةُ الرَّوْضَةِ ظَاهِرَةٌ فِي كُلِّ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: أَكْثَرَ) أَيْ مِنْ الْبَصِيرِ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْفَاسِقِ)
وَيَجِبُ عَلَيْهِ إعَادَةُ السُّؤَالِ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ تُحْصَرُ بِنَاءً عَلَى الْخِلَافِ الْمُتَقَدِّمِ فِي تَجْدِيدِ الِاجْتِهَادِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْكِفَايَةِ.
(وَإِنْ)(قَدَرَ) الْمُكَلَّفُ عَلَى تَعَلُّمِ أَدِلَّتِهَا (فَالْأَصَحُّ وُجُوبُ التَّعَلُّمِ) عِنْدَ إرَادَةِ السَّفَرِ لِعُمُومِ حَاجَةِ الْمُسَافِرِ إلَيْهَا وَكَثْرَةِ الِاشْتِبَاهِ عَلَيْهِ، فَكَانَ فَرْضَ عَيْنٍ فِيهِ، بِخِلَافِهِ فِي الْحَضَرِ فَفَرْضُ كِفَايَةٍ، إذْ لَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ السَّلَفُ بَعْدَهُ أَنَّهُمْ أَلْزَمُوا آحَادَ النَّاسِ تَعَلُّمَهَا، بِخِلَافِ شُرُوطِ الصَّلَاةِ وَأَرْكَانِهَا، وَالْمُصَنِّفُ أَطْلَقَ فِي الْكِتَابِ وَصَحَّحَ فِي غَيْرِهِ كَوْنَهُ فَرْضَ عَيْنٍ فِيمَا ذَكَرَ كَتَعَلُّمِ الْوُضُوءِ وَغَيْرِهِ، وَحَمَلَ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ فَرْضُ عَيْنِ فِي السَّفَرِ عَلَى سَفَرٍ يَقِلُّ فِيهِ الْعَارِفُونَ بِأَدِلَّتِهَا دُونَ مَا يُكْثِرُونَ فِيهِ كَرَكْبِ الْحَاجِّ فَهُوَ كَالْحَضَرِ اهـ وَهُوَ ظَاهِرٌ. وَلَوْ سَافَرَ مِنْ قَرْيَةٍ إلَى أُخْرَى قَرِيبَةٍ بِحَيْثُ يَقْطَعُ الْمَسَافَةَ قَبْلَ خُرُوجِ وَقْتِ الصَّلَاةِ فَهُوَ كَالْحَضَرِ كَمَا اسْتَظْهَرَهُ الشَّيْخُ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَلْحَقَ بِالْمُسَافِرِ أَصْحَابُ الْخِيَامِ وَالنُّجْعَةِ إذَا قَلُّوا، وَكَذَا مَنْ قَطَنَ بِمَوْضِعٍ بَعِيدٍ مِنْ بَادِيَةٍ أَوْ قَرْيَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَالْمُرَادُ بِتَعَلُّمِ الْأَدِلَّةِ تَعَلُّمُ الظَّاهِرِ مِنْهَا دُونَ دَقَائِقِهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ والأرغياني فِي فَتَاوِيهِ (فَيَحْرُمُ) عَلَيْهِ (التَّقْلِيدُ) فَإِنْ قَلَّدَ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ، فَإِنْ ضَاقَ الْوَقْتُ فَكَتَحَيُّرِ الْمُجْتَهِدِ وَقَدْ مَرَّ، وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ أَنَّ تَعَلُّمَ الْأَدِلَّةِ لَا يَجِبُ بِخُصُوصِهِ بَلْ هُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ فَيَجُوزُ لَهُ التَّقْلِيدُ وَلَا يَقْضِي مَا صَلَّاهُ بِهِ.
(وَمَنْ صَلَّى بِالِاجْتِهَادِ) مِنْهُ أَوْ مِمَّنْ قَلَّدَهُ (فَتَيَقَّنَ الْخَطَأَ) فِي جِهَةٍ مُعَيَّنَةٍ أَوْ يَمْنَةٍ أَوْ يَسْرَةٍ بَعْدَ الصَّلَاةِ وَقَبْلَ خُرُوجِ وَقْتِهَا أَعَادَهَا أَوْ بَعْدَ خُرُوجِهِ (قَضَى) حَتْمًا (فِي الْأَظْهَرِ) لِأَنَّهُ تَيَقَّنَ الْخَطَأَ فِيمَا يُؤْمَنُ مِثْلُهُ فِي الْإِعَادَةِ، كَالْحَاكِمِ يَحْكُمُ بِاجْتِهَادٍ ثُمَّ يَجِدُ النَّصَّ بِخِلَافِهِ، وَلِأَنَّ مَا لَا يَسْقُطُ مِنْ الشُّرُوطِ بِالنِّسْيَانِ لَا يَسْقُطُ بِالْخَطَأِ كَالطَّهَارَةِ، وَاحْتَرَزُوا بِقَوْلِهِمْ فِيمَا يُؤْمَنُ مِثْلُهُ فِي الْإِعَادَةِ عَنْ الْأَكْلِ فِي الصَّوْمِ نَاسِيًا وَالْخَطَأُ فِي الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ حَيْثُ لَا تَجِبُ الْإِعَادَةُ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ مِثْلُهُ فِيهَا، وَخَرَجَ بِتَيَقُّنِ الْخَطَأِ ظَنُّهُ وَبِتَعَيُّنِ الْخَطَأِ إبْهَامُهُ كَمَا فِي الصَّلَاةِ إلَى جِهَاتٍ بِاجْتِهَادَاتٍ فَلَا إعَادَةَ فِيهِمَا كَمَا سَيَأْتِي، وَالْمُرَادُ بِالتَّيَقُّنِ مَا يَمْتَنِعُ مَعَهُ الِاجْتِهَادُ فَيَدْخُلُ فِيهِ خَبَرُ الْعَدْلِ عَنْ عِيَانٍ، وَالثَّانِي لَا يَقْضِي لِأَنَّهُ تَرَكَ الْقِبْلَةَ بِعُذْرٍ فَأَشْبَهَ تَرْكَهَا فِي حَالِ الْقِتَالِ (فَلَوْ تَيَقَّنَهُ فِيهَا) أَيْ الصَّلَاةِ (وَجَبَ اسْتِئْنَافُهَا) وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ الصَّوَابُ بِنَاءً عَلَى وُجُوبِ قَضَائِهَا بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْهَا لِعَدَمِ الِاعْتِدَادِ بِمَا مَضَى، وَإِلَى
ــ
[حاشية الشبراملسي]
اجْتَهَدَ هُوَ وَأَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ إلَى جِهَةٍ فَصَلَّى إلَيْهَا (قَوْلُهُ: وَيَجِبُ عَلَيْهِ إعَادَةُ السُّؤَالِ) هَذَا الْحُكْمُ عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ فَذِكْرُهُ هُنَا تَصْرِيحٌ بِمَا عَلِمَ
(قَوْلُ فَرْضُ عَيْنٍ فِيهِ) أَيْ السَّفَرُ (قَوْلُهُ: دُونَ مَا يَكْثُرُونَ فِيهِ) يَنْبَغِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالْكَثْرَةِ أَنْ يَكُونَ فِي الرَّكْبِ جَمَاعَةٌ مُتَفَرِّقَةٌ فِيهِ بِحَيْثُ يَسْهُلُ عَلَى كُلِّ مَنْ أَرَادَ السُّؤَالَ عَنْ الصَّلَاةِ وُجُودُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِنْ غَيْرِ مَشَقَّةٍ قَوِيَّةٍ تَحْصُلُ فِي قَصْدِهِ لَهُ (قَوْلُهُ: وَالنُّجْعَةِ) عَطْفُ تَفْسِيرِ (قَوْلُهُ: وَنَحْوِ ذَلِكَ) كَأَصْحَابِ الْخِيَامِ الْبَعِيدَةِ، أَوْ مَنْ أَقَامَ بِجَبَلٍ أَوْ غَارٍ بَعِيدٍ (قَوْلُهُ: والأرغياني) بِالْفَتْحِ فَالسُّكُونِ وَكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ التَّحْتِيَّةِ نِسْبَةٌ إلَى أَرْغِيَانَ مِنْ نَوَاحِي نَيْسَابُورَ اهـ سُيُوطِيٌّ فِي الْأَنْسَابِ. وَاسْمُهُ أَبُو بَكْرٍ، وَتَفَقَّهَ عَلَى وَالِدِهِ سَهْلُ بْنُ أَحْمَدَ الْمَعْرُوفُ بِالْحَاكِمِ كَمَا فِي طَبَقَاتِ الْإِسْنَوِيِّ
(قَوْلُهُ فِي جِهَةٍ مُعَيَّنَةٍ) إنَّمَا قَيَّدَ بِهَا لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ بَعْدُ: وَإِنْ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ عَمَلَ بِالثَّانِي إلَخْ، فَإِنَّهُ تَيَقَّنَ الْخَطَأَ وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ، لَكِنَّ الْخَطَأَ غَيْرُ مُعَيَّنٍ كَمَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ وَبِتَعَيُّنِ الْخَطَأِ (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ مَا لَا يَسْقُطُ مِنْ الشُّرُوطِ) قَضِيَّتُهُ أَنَّ مِنْ الشُّرُوطِ مَا يَسْقُطُ بِالنِّسْيَانِ، وَلَعَلَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ إلَّا أَنْ يُقَالَ مِنْ لِلْبَيَانِ، أَوْ أَنَّهُ أَرَادَ بِالشُّرُوطِ الْمُعْتَبَرَاتِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ شُرُوطًا (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ الصَّوَابُ) إنْ قِيلَ كَيْفَ يَجِبُ الِاسْتِئْنَافُ مَعَ عَدَمِ
ــ
[حاشية الرشيدي]
مُحْتَرَزُ الْمَتْنِ
(قَوْلُهُ: فِيمَا ذُكِرَ) أَيْ: عِنْدَ إرَادَةِ السَّفَرِ، فَهُوَ الَّذِي زَادَهُ الْمُصَنِّفُ فِي غَيْرِ هَذَا الْكِتَابِ، وَعِبَارَةُ شَرْحِ الرَّوْضِ بَعْدَ قَوْلِ الْمَتْنِ تَعَلُّمُ الْأَدِلَّةِ عِنْدَ السَّفَرِ فَرْضُ عَيْنٍ، وَهَذَا مَا صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ فِي غَيْرِ الْمِنْهَاجِ، وَأَطْلَقَ فِي الْمِنْهَاجِ تَبَعًا لِلرَّافِعِيِّ تَصْحِيحَ أَنَّهُ فَرْضُ عَيْنٍ كَتَعَلُّمِ الْوُضُوءِ وَغَيْرِهِ انْتَهَى. فَجَعَلَ التَّنْظِيرَ بِتَعَلُّمِ الْوُضُوءِ وَغَيْرِهِ بِالنِّسْبَةِ لِتَصْحِيحِ إطْلَاقِ أَنَّهُ فَرْضُ عَيْنٍ، وَهُوَ وَاضِحٌ. وَأَمَّا الشَّارِحُ رحمه الله فَجَعَلَهُ فِي حَيِّزِ التَّفْصِيلِ فَأَشْكَلَ
هَذَا أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ فَلَوْ، فَإِنْ لَمْ نُوجِبْهُ انْحَرَفَ إلَى جِهَةِ الصَّوَابِ، وَبَنَى إنْ ظَهَرَ مَعَ ذَلِكَ جِهَةُ الصَّوَابِ لِأَنَّ الْمَاضِيَ مُعْتَدٍّ بِهِ، وَشَمَلَتْ عِبَارَتُهُ تَيَقُّنَ الْخَطَأِ يَمْنَةً وَيَسَرَةً، وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا مَرَّ.
(وَإِنْ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ) ثَانِيًا فَظَهَرَ لَهُ أَنَّ الصَّوَابَ فِي جِهَةٍ أُخْرَى غَيْرَ الْجِهَةِ الْأُولَى (عَمِلَ بِالثَّانِي) حَتْمًا إنْ تَرَجَّحَ وَلَوْ فِي الصَّلَاةِ وَعَمِلَ بِالْأَوَّلِ إنْ تَرَجَّحَ، وَفَرَّقَ بَيْنَ عَمَلِهِ بِالثَّانِي وَعَدَمِهِ وَعَمَلِهِ بِهِ فِي الْمِيَاهِ بِأَنَّهُ يَلْزَمُ نَقْضُ الِاجْتِهَادِ بِالِاجْتِهَادِ إنْ غَسَلَ مَا أَصَابَهُ الْأَوَّلُ وَالصَّلَاةُ يَنْجُسُ إنْ لَمْ يَغْسِلْهُ، وَهُنَا لَا يَلْزَمُهُ الصَّلَاةُ إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ وَلَا بِنَجَاسَةٍ، وَمَنَعَ ابْنُ الصَّبَّاغِ ذَلِكَ بِأَنَّهُ إنَّمَا يَلْزَمُ النَّقْضُ لَوْ أَبْطَلْنَا مَا مَضَى مِنْ طُهْرِهِ وَصَلَاتِهِ وَلَمْ نُبْطِلْهُ بَلْ أَمَرْنَاهُ بِغَسْلِ مَا ظُنَّ نَجَاسَتُهُ كَمَا أَمَرْنَاهُ بِاجْتِنَابِ بَقِيَّةِ الْمَاءِ الْأَوَّلِ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ يَكْفِي فِي النَّقْضِ وُجُوبُ غَسْلِ مَا أَصَابَهُ الْأَوَّلُ وَاجْتِنَابُ الْبَقِيَّةِ، وَلَوْ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ بِاجْتِهَادٍ فَعُمِيَ فِيهَا أَتَمَّهَا وَلَا إعَادَةَ. فَإِنْ دَارَ أَوْ أَدَارَهُ غَيْرُهُ عَنْ تِلْكَ الْجِهَةِ اسْتَأْنَفَ بِاجْتِهَادِ غَيْرِهِ، نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ نَصِّ الْأُمِّ، وَمِنْهُ يُؤْخَذُ أَنَّهُ تَجِبُ إعَادَةُ الِاجْتِهَادِ لِلْفَرْضِ الْوَاحِدِ إذَا فَسَدَ (وَلَا قَضَاءَ) لِأَنَّ الِاجْتِهَادَ لَا يُنْقَضُ بِالِاجْتِهَادِ كَمَا مَرَّ (حَتَّى لَوْ صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ لِأَرْبَعِ جِهَاتٍ بِالِاجْتِهَادِ) الْمُؤَدِّي إلَى ذَلِكَ (فَلَا) إعَادَةَ وَلَا (قَضَاءَ) لِأَنَّهُ وَإِنْ تَيَقَّنَ الْخَطَأَ فِي ثَلَاثٍ قَدْ أَدَّى كُلًّا مِنْهَا بِاجْتِهَادٍ لَمْ يَتَعَيَّنْ فِيهِ الْخَطَأُ، فَإِنْ اسْتَوَيَا وَلَمْ يَكُنْ فِي صَلَاةٍ تَخَيَّرَ بَيْنَهُمَا لِعَدَمِ مَزِيَّةِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ أَوْ فِيهَا وَجَبَ الْعَمَلُ بِالْأَوَّلِ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهُ الْتَزَمَ بِدُخُولِهِ فِيهَا جِهَةً فَلَا يَتَحَوَّلُ إلَّا بِأَرْجَحَ، مَعَ أَنَّ التَّحَوُّلَ فِعْلٌ أَجْنَبِيٌّ لَا يُنَاسِبُ الصَّلَاةَ فَاحْتِيطَ لَهَا، وَهَذَا التَّفْضِيلُ هُوَ مَا نَقَلَاهُ عَنْ الْبَغَوِيّ وَأَقَرَّاهُ وَاعْتَمَدَهُ جَمْعٌ مُتَأَخِّرُونَ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ مِنْ وُجُوبِ التَّحَوُّلِ أَخْذًا مِنْ إطْلَاقِ الْجُمْهُورِ ضَعِيفٌ إذْ
ــ
[حاشية الشبراملسي]
ظُهُورِ الصَّوَابِ وَمَا الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ فَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ حَيْثُ قَالُوا لَا يُقْضَى بِالتَّيَمُّمِ فِي مَحَلٍّ لَا يَسْقُطُ الْفَرْضُ بِتَيَمُّمِهِ فِيهِ؟ قُلْنَا: لَا إشْكَالَ وَهُمَا عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَجَبَ اسْتِئْنَافُهَا اسْتَقَرَّ وُجُوبُ اسْتِئْنَافِهَا فِي ذِمَّتِهِ لَكِنْ لَا يَفْعَلُهَا إلَّا بَعْدَ ظُهُورِ الصَّوَابِ (قَوْلُهُ: وَشَمَلَتْ عِبَارَتُهُ تَيَقُّنَ الْخَطَأِ) هَذَا الْحُكْمُ عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ السَّابِقِ أَوْ يَمْنَةً أَوْ يَسْرَةً فَذِكْرُهُ تَصْرِيحٌ بِمَا عَلِمَ، وَقَدْ أَشَارَ إلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ كَمَا مَرَّ
(قَوْلُهُ: وَعَمِلَ بِالْأَوَّلِ إنْ تَرَجَّحَ) أَيْ أَوْ اسْتَوَى الْأَمْرَانِ عَلَى مَا يَأْتِي (قَوْلُهُ: تَجِبُ إعَادَةُ الِاجْتِهَادِ لِلْفَرْضِ إلَخْ) قَدْ يُمْنَعُ الْأَخْذُ بِأَنَّ الْأَعْمَى إنَّمَا وَجَبَ عَلَيْهِ الْأَخْذُ بِقَوْلِ الْغَيْرِ لِأَنَّهُ بِتَحَوُّلِهِ عَنْ الْقِبْلَةِ قَدْ لَا يَهْتَدِي لِلْعَوْدِ إلَى الْمَحَلِّ الَّذِي كَانَ مُسْتَقْبِلًا لَهُ، بِخِلَافِ الْبَصِيرِ إذَا فَسَدَتْ صَلَاتُهُ فَإِنَّهُ يُمْكِنُهُ فِعْلُ الْمُعَادَةِ لِلْجِهَةِ الَّتِي كَانَ يُصَلِّي إلَيْهَا، وَقَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَ مَنْ أَمْكَنَهُ الْعَوْدُ إلَى مَحَلِّهِ وَالْعِلْمِ بِالْجِهَةِ الَّتِي صَلَّى إلَيْهَا أَوَّلًا وَبَيْنَ غَيْرِهِ فَيُقَالُ: مَنْ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ وَلَمْ يَعْلَمْ الْجِهَةَ الَّتِي كَانَ مُتَوَجِّهًا إلَيْهَا قَبْلَ ذَلِكَ يَجِبُ عَلَيْهِ تَجْدِيدُ الِاجْتِهَادِ، وَمَنْ عَلِمَ الْجِهَةَ الَّتِي كَانَ مُتَوَجِّهًا إلَيْهَا لِإِعَادَةٍ عَقِبَ الْفَسَادِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ التَّجْدِيدُ لِبَقَاءِ ظَنِّهِ الْأَوَّلِ (قَوْلُهُ لَا إعَادَةَ وَلَا قَضَاءَ) يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا جَوَابُ حَادِثَةٍ وَقَعَ السُّؤَالُ عَنْهَا وَهِيَ أَنَّ جَمَاعَةً مَكَثُوا يُصَلُّونَ فِي قَرْيَةٍ إلَى مِحْرَابٍ بِهَا مُدَّةً طَوِيلَةً ثُمَّ مَرَّ بِهِمْ شَخْصٌ وَأَخْبَرَهُمْ بِأَنَّ فِي الْقِبْلَةِ انْحِرَافًا كَثِيرًا فَهَلْ يَلْزَمُهُمْ إعَادَةُ مَا صَلَّوْهُ فِي الْمُدَّةِ الْمَاضِيَةِ أَمْ لَا؟ وَهُوَ أَنَّهُمْ إنْ تَيَقَّنُوا الْخَطَأَ فِي وَضْعِ الْمِحْرَابِ الَّذِي كَانُوا يُصَلُّونَ إلَيْهِ وَجَبَتْ الْإِعَادَةُ لِكُلِّ مَا صَلَّوْهُ، وَإِنْ لَمْ يَتَيَقَّنُوا ذَلِكَ وَلَا ظَنُّوا خِلَافَهُ فَلَا إعَادَةَ لِشَيْءٍ مِمَّا صَلَّوْهُ وَيَسْتَمِرُّونَ عَلَى حَالِهِمْ، لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ تَطَاوُلِ الْأَيَّامِ مَعَ كَثْرَةِ الطَّارِقِينَ لِلْمَحَلِّ أَنَّهُ عَلَى الصَّوَابِ وَأَنَّ الْمُخْبِرَ لَهُمْ هُوَ الْمُخْطِئُ، وَإِنْ تَرَجَّحَ بِدَلِيلٍ غَيْرِ قَطْعِيٍّ كَإِخْبَارِ مَنْ يُوثَقُ بِهِ مِنْ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ عَمِلُوا بِالثَّانِي، وَلَا إعَادَةَ لِمَا صَلَّوْهُ لِأَنَّ الِاجْتِهَادَ لَا يُنْقَضُ بِالِاجْتِهَادِ.
(قَوْلُهُ: فَإِنْ اسْتَوَيَا) أَيْ الِاجْتِهَادَانِ وَهُوَ قَسِيمُ قَوْلِهِ قُبِلَ حَتْمًا إنْ تَرَجَّحَ (قَوْلُهُ: وَهَذَا التَّفْصِيلُ) أَيْ مَا بَيْنَ مَا لَوْ حَصَلَ اخْتِلَافُ الْمُسْتَوَيَيْنِ
ــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: لِلْفَرْضِ الْوَاحِدِ إذَا فَسَدَ) وَكَذَا إذَا أَعَادَهُ فِي الْجَمَاعَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشِّهَابُ حَجّ.
إطْلَاقُهُمْ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ دَلِيلُ الثَّانِي أَرْجَحَ بِدَلِيلِ تَقْيِيدِهِمْ اقْتِرَانَ ظُهُورِ الصَّوَابِ بِظُهُورِ الْخَطَأِ، إذْ كَيْفَ يَظْهَرُ لَهُ الصَّوَابُ مَعَ التَّسَاوِي الْمُقْتَضِي لِلشَّكِّ.
وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ بَلْ هُوَ فَرْدٌ مِنْ أَفْرَادِهِ قَوْلُ الْمَجْمُوعِ عَنْ الْأُمِّ وَاتِّفَاقُ الْأَصْحَابِ: لَوْ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ بِاجْتِهَادٍ ثُمَّ شَكَّ وَلَمْ يَتَرَجَّحْ لَهُ جِهَةٌ أَتَمَّهَا إلَى جِهَتِهِ وَلَا إعَادَةَ، وَبِمَا تَقَرَّرَ عَلِمَ أَنَّ مَحَلَّ الْعَمَلِ بِالثَّانِي فِي الصَّلَاةِ وَاسْتِمْرَارَ صِحَّتِهَا إذَا ظَنَّ الصَّوَابَ مُقَارِنًا لِظُهُورِ الْخَطَأِ وَإِلَّا بِأَنْ لَمْ يَظُنَّهُ مُقَارِنًا بَطَلَتْ، وَإِنْ قَدَرَ عَلَى الصَّوَابِ عَلَى قُرْبٍ لَمَضَى جُزْءٌ مِنْهَا إلَى غَيْرِ قِبْلَةٍ، وَلَوْ اجْتَهَدَ اثْنَانِ فِي الْقِبْلَةِ وَاتَّفَقَ اجْتِهَادُهَا وَاقْتَدَى أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ فَتَغَيَّرَ اجْتِهَادُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَزِمَهُ الِانْحِرَافُ إلَى الْجِهَةِ الثَّانِيَةِ، وَيَنْوِي الْمَأْمُومُ الْمُفَارَقَةَ وَإِنْ اخْتَلَفَا تَيَامُنًا وَتَيَاسُرًا، وَذَلِكَ عُذْرٌ فِي مُفَارَقَةِ الْمَأْمُومِ. وَلَوْ قَالَ مُجْتَهِدٌ لِمُقَلِّدٍ وَهُوَ فِي صَلَاةٍ أَخْطَأَ بِكَ فُلَانٌ وَالْمُجْتَهِدُ الثَّانِي أَعْرَفُ عِنْدَهُ مِنْ الْأَوَّلِ أَوْ أَكْثَرُ عَدَالَةً كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّوْضَةِ، أَوْ قَالَ لَهُ أَنْتَ عَلَى الْخَطَأِ قَطْعًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَعْرَفَ عِنْدَهُ مِنْ الْأَوَّلِ تَحَوَّلَ إنْ بَانَ لَهُ الصَّوَابُ مُقَارِنًا لِلْقَوْلِ بِأَنْ أَخْبَرَ بِهِ وَبِالْخَطَأِ مَعًا، لِبُطْلَانِ تَقْلِيدِ الْأَوَّلِ بِقَوْلِ مَنْ هُوَ أَرْجَحُ مِنْهُ فِي الْأُولَى، وَبِقَطْعِ الْقَاطِعِ فِي الثَّانِيَةِ، فَلَوْ كَانَ الْأَوَّلُ أَيْضًا فِي الثَّانِيَةِ قُطِعَ بِأَنَّ الصَّوَابَ مَا ذَكَرَهُ وَلَمْ يَكُنْ الثَّانِي أَعْلَمَ لَمْ يُؤَثِّرْ، قَالَهُ الْإِمَامُ، فَإِنْ لَمْ يَبِنْ لَهُ الصَّوَابُ مُقَارِنًا بَطَلَتْ وَإِنْ بَانَ لَهُ الصَّوَابُ عَنْ قُرْبٍ لِمَا مَرَّ، وَلَوْ قِيلَ لِأَعْمًى وَهُوَ فِي صَلَاتِهِ صَلَاتُك إلَى الشَّمْسِ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ قِبْلَتَهُ غَيْرُهَا اسْتَأْنَفَ لِبُطْلَانِ تَقْلِيدِ الْأَوَّلِ بِذَلِكَ، وَإِنْ أَبْصَرَ وَهُوَ فِي أَثْنَائِهَا وَعَلِمَ أَنَّهُ عَلَى الْإِصَابَةِ لِلْقِبْلَةِ لِمِحْرَابٍ أَوْ نَجْمٍ أَوْ خَبَرِ ثِقَةٍ أَوْ غَيْرِهَا أَتَمَّهَا أَوْ عَلَى الْخَطَأِ أَوْ تَرَدُّدٍ بَطَلَتْ لِانْتِفَاءِ ظَنِّ الْإِصَابَةِ، وَإِنْ ظَنَّ الصَّوَابَ غَيْرَهَا انْحَرَفَ إلَى مَا ظَنَّهُ.
ــ
[حاشية الشبراملسي]
وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ وَبَيْنَ مَا لَوْ حَصَلَ قَبْلَ الْإِحْرَامِ بِهَا (قَوْلُهُ: وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ) أَيْ التَّفْصِيلَ بَيْنَ كَوْنِهِ فِيهَا وَخَارِجَهَا (قَوْلُهُ: وَبِمَا تَقَرَّرَ) أَيْ مِنْ قَوْلِهِ فَظَهَرَ لَهُ أَنَّ الصَّوَابَ فِي جِهَةٍ إلَخْ، وَمِنْ قَوْلِهِ عَمِلَ بِالثَّانِي حَتْمًا إنْ تَرَجَّحَ، فَإِنَّ مَعْنَى الْعَمَلِ بِالثَّانِي أَنْ يَتَحَوَّلَ إلَى جِهَتِهِ فَوْرًا، وَمَعْلُومٌ أَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يَتَأَتَّى حَيْثُ كَانَ ظُهُورُ الصَّوَابِ مُقَارِنًا لِلْخَطَأِ (قَوْلُهُ: مُقَارِنًا لِظُهُورِ الْخَطَأِ) يَنْبَغِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُقَارَنَةِ مَا هُوَ الْأَعَمُّ مِنْ الْمُقَارَنَةِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا بِأَنْ لَمْ يَمْضِ قَبْلَ ظُهُورِ الصَّوَابِ مَا يَسَعُ رُكْنًا، كَمَا لَوْ تَرَدَّدَ فِي النِّيَّةِ وَزَالَ تَرَدُّدُهُ فَوْرًا، وَكَمَا لَوْ انْحَرَفَ عَنْ الْقِبْلَةِ نِسْيَانًا أَوْ دَارَتْ بِهِ السَّفِينَةُ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ حَيْثُ لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ بِعَوْدِهِ فَوْرًا (قَوْلُهُ: وَإِنْ اخْتَلَفَا) غَايَةً: أَيْ وَلَا يَكُونُ التَّخَالُفُ مُغْنِيًا عَنْ نِيَّةِ الْمُفَارَقَةِ وَهَذَا مَحَلُّهُ حَيْثُ عَلِمَ بِانْحِرَافِهِ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ. وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ الِانْحِرَافَ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَظْهَرَ وَإِنْ كَانَ الْمَأْمُومُ أَعْمَى. وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَدَمِ فَرْضِهِ صَبْرًا عَلَى الْقَوْلِ بِهِ عِنْدَ تَبَيُّنِ نَجَاسَةٍ بِثَوْبِ الْإِمَامِ بِأَنَّ الشُّعُورَ بِالِانْحِرَافِ أَقْرَبُ مِنْ الشُّعُورِ بِنَجَاسَةِ ثَوْبِ الْإِمَامِ فِي حَقِّ الْأَعْمَى لِأَنَّهَا لَا طَرِيقَ لِإِدْرَاكِهَا إلَّا الْبَصَرُ وَالِانْحِرَافُ قَدْ يُدْرِكُهُ بِالسَّمْعِ.
(قَوْلُهُ: وَذَلِكَ عُذْرٌ) أَيْ فَلَا تَفُوتُهُ فَضِيلَةُ الْجَمَاعَةِ (قَوْلُهُ: تَحَوَّلَ) أَيْ وُجُوبًا، وَيُفَارِقُ هَذَا مَا مَرَّ مِنْ نَدْبِ الْأَخْذِ بِقَوْلِ الْأَعْلَمِ إذَا اخْتَلَفَا عَلَيْهِ خَارِجَهَا بِأَنَّهُ لَيْسَ هُنَاكَ دَعْوَى أَحَدِ الْمُجْتَهِدَيْنِ الْخَطَأَ عَلَى الْآخَرِ وَلَا دَعْوَى خَطَأِ الْخِلَافِ مُطْلَقًا فَلْيُتَأَمَّلْ سم عَلَى مَنْهَجٍ. وَإِنَّمَا لَمْ نُوجِبْ الِاسْتِئْنَافَ لِأَنَّ مُجَرَّدَ قَوْلِهِ ذَلِكَ لَا يُفِيدُ تَيَقُّنَ خَطَأِ الْأَوَّلِ (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَكُنْ الثَّانِي أَعْلَمَ) أَفْهَمَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الثَّانِي أَعْلَمَ أَثَّرَ وَهَلْ الْمُرَادُ مِنْهُ وُجُوبُ الْأَخْذِ بِقَوْلِ الثَّانِي أَوْ الْأَوْلَوِيَّةُ فَقَطْ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْمُتَبَادِرُ الْأَوَّلُ (قَوْلُهُ: انْحَرَفَ إلَى مَا ظَنَّهُ) أَيْ وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ.
ــ
[حاشية الرشيدي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .