الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْمُنْفَرِدِ، لِأَنَّ الْإِمَامَ لَهُ مَنْ يُنَبِّهُهُ وَيُذَكِّرُهُ إذَا أَخْطَأَ الصَّوَابَ، فَلْيَعْمَلْ بِالْأَظْهَرِ عِنْدَهُ، فَإِنْ أَصَابَ أَقَرَّهُ الْمَأْمُومُونَ، فَيَتَأَكَّدُ عِنْدَهُ صَوَابُ نَفْسِهِ، وَإِنْ أَخْطَأَ سَبَّحُوا بِهِ، فَرَجَعَ إلَيْهِمْ، فَيَجْعَلُ لَهُ الصَّوَابَ عَلَى كِلْتَا الْحَالَتَيْنِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمُنْفَرِدُ، إذْ لَيْسَ لَهُ مَنْ يُذَكِّرُهُ، فَيَبْنِي عَلَى الْيَقِينِ، لِيَحْصُلَ لَهُ إتْمَامُ صَلَاتِهِ، وَلَا يَكُونَ مَغْرُورًا بِهَا، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام:«لَا غِرَارَ فِي الصَّلَاةِ» .
وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَلَى الْمُنْفَرِدِ، وَحَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ عَلَى الْإِمَامِ، جَمْعًا بَيْنَ الْأَخْبَارِ، وَتَوْفِيقًا بَيْنَهَا. فَإِنْ اسْتَوَى الْأَمْرَانِ عِنْدَ الْإِمَامِ، بَنَى عَلَى الْيَقِينِ أَيْضًا. وَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ يُحْمَلُ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ عَلَى مَنْ لَا ظَنَّ لَهُ، وَحَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ عَلَى مَنْ لَهُ ظَنُّ.
فَأَمَّا قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ فَيُخَالِفُ السُّنَّةَ الثَّابِتَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ «إنَّ أَحَدَكُمْ إذَا قَامَ فَصَلَّى، جَاءَهُ الشَّيْطَانُ فَلَبَسَ عَلَيْهِ، حَتَّى لَا يَدْرِيَ كَمْ صَلَّى؟ فَإِذَا وَجَدَ ذَلِكَ أَحَدُكُمْ، فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلِأَنَّهُ شَكَّ فِي الصَّلَاةِ فَلَمْ يُبْطِلْهَا، كَمَا لَوْ تَكَرَّرَ ذَلِكَ مِنْهُ. وَقَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام:(لَا غِرَارَ) . يَعْنِي لَا يَنْقُصُ مِنْ صَلَاتِهِ. وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ لَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَهُوَ فِي شَكٍّ مِنْ تَمَامِهَا، وَمَنْ بَنَى عَلَى الْيَقِينِ لَمْ يَبْقَ فِي شَكٍّ مِنْ تَمَامِهَا، وَكَذَلِكَ مَنْ بَنَى عَلَى غَالِبِ ظَنِّهِ فَوَافَقَهُ الْمَأْمُومُونَ، أَوْ رَدُّوا عَلَيْهِ غَلَطَهُ، فَلَا شَكَّ عِنْدَهُ.
(896)
فَصْلٌ: وَمَتَى اسْتَوَى عِنْدَهُ الْأَمْرَانِ بَنَى عَلَى الْيَقِينِ، إمَامًا كَانَ أَوْ مُنْفَرِدًا، وَأَتَى بِمَا بَقِيَ مِنْ صَلَاتِهِ وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ قَبْلَ السَّلَامِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْبِنَاءُ عَلَى الْيَقِينِ، وَإِنَّمَا جَازَ تَرْكُهُ فِي حَقِّ الْإِمَامِ، لِمُعَارَضَتِهِ الظَّنَّ الْغَالِبَ، فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ وَجَبَ الرُّجُوعُ إلَى الْأَصْلِ.
[فَصْلٌ سَهَا الْإِمَامُ فَأَتَى بِفِعْلِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ]
(897)
فَصْلٌ: وَإِذَا سَهَا الْإِمَامُ فَأَتَى بِفِعْلٍ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ، لَزِمَ الْمَأْمُومِينَ تَنْبِيهُهُ، فَإِنْ كَانُوا رِجَالًا سَبَّحُوا بِهِ، وَإِنْ كَانُوا نِسَاءً صَفَّقْنَ بِبُطُونِ أَكُفِّهِنَّ عَلَى ظُهُورِ الْأُخْرَى، وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ مَالِكٌ: التَّسْبِيحُ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «مَنْ نَابَهُ شَيْءٌ فِي صَلَاتِهِ، فَلْيَقُلْ: سُبْحَانَ اللَّهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَحُكِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ تَنْبِيهَ الْآدَمِيِّ بِالتَّسْبِيحِ أَوْ الْقُرْآنِ أَوْ الْإِشَارَةِ يُبْطِلُ الصَّلَاةَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ خِطَابُ آدَمِيٍّ، وَقَدْ رَوَى أَبُو غَطَفَانَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مَنْ أَشَارَ بِيَدِهِ فِي الصَّلَاةِ إشَارَةً تُفْقَهُ أَوْ تُفْهَمُ فَقَدْ قَطَعَ الصَّلَاةَ» .
وَلَنَا مَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ:«قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: التَّسْبِيحُ لِلرِّجَالِ، وَالتَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ» وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إذَا نَابَكُمْ فِي صَلَاتِكُمْ شَيْءٌ فَلْيُسَبِّحْ الرِّجَالُ،
وَلْتُصَفِّقْ النِّسَاءُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا وَرَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: قُلْت لِبِلَالٍ:: «كَيْفَ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَرُدُّ عَلَيْهِمْ حِينَ كَانُوا يُسَلِّمُونَ عَلَيْهِ فِي الصَّلَاةِ؟ قَالَ: كَانَ يُشِيرُ بِيَدِهِ» وَعَنْ صُهَيْبٍ، قَالَ:«مَرَرْت بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يُصَلِّي، فَسَلَّمْت عَلَيْهِ، فَرَدَّ عَلَيَّ إشَارَةً. وَقَالَ: لَا أَعْلَمُ إلَّا أَنَّهُ قَالَ: إشَارَةً بِإِصْبَعِهِ» . قَالَ التِّرْمِذِيُّ: كِلَا الْحَدِيثَيْنِ صَحِيحٌ. وَقَدْ ذَكَرْنَا حَدِيثَ أَنَسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُشِيرُ فِي الصَّلَاةِ. فَأَمَّا حَدِيثُ مَالِكٍ فَفِي حَقِّ الرِّجَالِ، فَإِنَّ حَدِيثَنَا يُفَسِّرُهُ، لِأَنَّ فِيهِ تَفْصِيلًا وَزِيَادَةَ بَيَانٍ، يَتَعَيَّنُ الْأَخْذُ بِهَا. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي حَنِيفَةَ فَضَعِيفٌ، يَرْوِيهِ أَبُو غَطَفَانَ وَهُوَ مَجْهُولٌ فَلَا يُعَارَضُ بِهِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ
(898)
فَصْلٌ: إذَا سَبَّحَ بِهِ اثْنَانِ يَثِقُ بِقَوْلِهِمَا، لَزِمَهُ قَبُولُهُ، وَالرُّجُوعُ إلَيْهِ، سَوَاءٌ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ صَوَابُهُمَا أَوْ خِلَافُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ خَطَؤُهُمَا لَمْ يَعْمَلْ بِقَوْلِهِمَا؛ لِأَنَّ مَنْ شَكَّ فِي فِعْلِ نَفْسِهِ لَمْ يَعْمَلْ بِقَوْلِ غَيْرِهِ، كَالْحَاكِمِ إذَا نَسِيَ حُكْمًا حَكَمَ بِهِ، فَشَهِدَ بِهِ شَاهِدَانِ وَهُوَ لَا يَذْكُرُهُ.
وَلَنَا: «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَجَعَ إلَى قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ رضي الله عنهما، فِي حَدِيثِ ذِي الْيَدَيْنِ، لَمَّا سَأَلَهُمَا: أَحَقٌّ مَا يَقُولُ ذُو الْيَدَيْنِ؟ قَالُوا: نَعَمْ» . مَعَ أَنَّهُ كَانَ شَاكًّا، بِدَلِيلِ أَنَّهُ أَنْكَرَ مَا قَالَهُ ذُو الْيَدَيْنِ، وَسَأَلَهُمَا عَنْ صِحَّةِ قَوْلِهِ، وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى شَكِّهِ، وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَهُمْ بِالتَّسْبِيحِ، لِيُذَكِّرُوا الْإِمَامَ، وَيَعْمَلَ بِقَوْلِهِمْ، وَرَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى فَزَادَ أَوْ نَقَصَ، إلَى قَوْلِهِ: إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ أَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ، فَإِذَا نَسِيتُ فَذَكِّرُونِي» . يَعْنِي بِالتَّسْبِيحِ، كَمَا رُوِيَ عَنْهُ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ. وَكَذَا نَقُولُ فِي الْحَاكِمِ: إنَّهُ يَرْجِعُ إلَى قَوْلِ الشَّاهِدَيْنِ وَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ صَوَابِهِ، وَخَطَإِ الْمَأْمُومِينَ، لَمْ يَجُزْ لَهُ مُتَابَعَتُهُمْ.
وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يَلْزَمُهُ الرُّجُوعُ إلَى قَوْلِهِمْ، كَالْحَاكِمِ يَحْكُمُ بِالشَّاهِدَيْنِ. وَيَتْرُكُ يَقِينَ نَفْسِهِ. وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ خَطَأَهُمْ فَلَا يَتَّبِعُهُمْ فِي الْخَطَأِ. وَكَذَا نَقُولُ فِي الشَّاهِدَيْنِ: مَتَى عَلِمَ الْحَاكِمُ كَذِبَهُمَا لَمْ يَجُزْ لَهُ الْحُكْمُ بِقَوْلِهِمَا؛ لِأَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّهُمَا شَاهِدَا زُورٍ، فَلَا يَحِلُّ لَهُ الْحُكْمُ بِقَوْلِ الزُّورِ، وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَتْ الْعَدَالَةُ فِي الشَّهَادَةِ لِيَغْلِبَ عَلَى الظَّنِّ صِدْقُ الشُّهُودِ، وَرُدَّتْ شَهَادَةُ غَيْرِهِمْ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ صِدْقُهُمْ، فَمَعَ يَقِينِ الْعِلْمِ بِالْكَذِبِ أَوْلَى أَنْ لَا يُقْبَلَ.
وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّهُ إذَا سَبَّحَ بِهِ الْمَأْمُومُونَ فَلَمْ يَرْجِعْ، فِي مَوْضِعٍ يَلْزَمُهُ الرُّجُوعُ، بَطَلَتْ صَلَاتُهُ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ وَلَيْسَ لِلْمَأْمُومِينَ اتِّبَاعُهُ، فَإِنْ اتَّبَعُوهُ لَمْ يَخْلُ مِنْ أَنْ يَكُونُوا عَالِمِينَ بِتَحْرِيمِ ذَلِكَ، أَوْ جَاهِلِينَ بِهِ، فَإِنْ كَانُوا عَالِمِينَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ تَرَكُوا الْوَاجِبَ عَمْدًا. وَقَالَ الْقَاضِي: فِي هَذَا ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ: