الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَنَا، مَا رَوَى عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ قَالَ:«ثَلَاثُ سَاعَاتٍ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَنْهَانَا أَنْ نُصَلِّيَ فِيهِنَّ، وَأَنْ نَقْبُرَ فِيهِنَّ مَوْتَانَا؛ حِينَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ بَازِغَةً حَتَّى تَرْتَفِعَ» .
وَلِأَنَّهُ وَقْتٌ نُهِيَ عَنْ الصَّلَاةِ فِيهِ، فَلَمْ يَكُنْ وَقْتًا لِلْعِيدِ، كَقَبْلِ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَمَنْ بَعْدَهُ لَمْ يُصَلُّوا حَتَّى ارْتَفَعَتْ الشَّمْسُ، بِدَلِيلِ الْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ الْأَفْضَلَ فِعْلُهَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَلَمْ يَكُنْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَفْعَلُ إلَّا الْأَفْضَلَ وَالْأَوْلَى، وَلَوْ كَانَ لَهَا وَقْتٌ قَبْلَ ذَلِكَ، لَكَانَ تَقْيِيدُهُ بِطُلُوعِ الشَّمْسِ تَحَكُّمًا بِغَيْرِ نَصٍّ وَلَا مَعْنَى نَصٍّ، وَلَا يَجُوزُ التَّوْقِيتُ بِالتَّحَكُّمِ.
وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ، فَإِنَّهُ أَنْكَرَ إبْطَاءَ الْإِمَامِ عَنْ وَقْتِهَا الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ لَوْ حُمِلَ عَلَى غَيْرِ هَذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ إبْطَاءً، وَلَا جَازَ إنْكَارُهُ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُحْمَلَ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي وَقْتِ النَّهْيِ؛ لِأَنَّهُ مَكْرُوهٌ بِالِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّ الْأَفْضَلَ خِلَافُهُ، وَلَمْ يَكُنْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِيُدَاوِمَ عَلَى الْمَكْرُوهِ وَلَا الْمَفْضُولِ، وَلَوْ كَانَ يُدَاوِمُ عَلَى الصَّلَاةِ فِيهِ، لَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْأَفْضَلَ وَالْأَوْلَى، فَتَعَيَّنَ حَمْلُهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا.
(1410)
فَصْلٌ: وَيُسَنُّ تَقْدِيمُ الْأَضْحَى؛ لِيَتَّسِعَ وَقْتُ التَّضْحِيَةِ، وَتَأْخِيرُ الْفِطْرِ؛ لِيَتَّسِعَ وَقْتُ إخْرَاجِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ. وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، وَلَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا. وَقَدْ رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَتَبَ إلَى عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ: أَنْ أَخِّرْ صَلَاةَ الْفِطْرِ، وَعَجِّلْ صَلَاةَ الْأَضْحَى» . وَلِأَنَّ لِكُلِّ عِيدٍ وَظِيفَةً، فَوَظِيفَةُ الْفِطْرِ إخْرَاجُ الْفِطْرَةِ، وَوَقْتُهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ، وَوَظِيفَةُ الْأَضْحَى التَّضْحِيَةُ، وَوَقْتُهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ وَفِي تَأْخِيرِ الْفِطْرِ وَتَقْدِيمِ الْأَضْحَى تَوْسِيعٌ لِوَظِيفَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا.
[مَسْأَلَةٌ لَا أَذَانَ وَلَا إقَامَةَ لِصَلَاةِ الْعِيدِ]
(1411)
مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (بِلَا أَذَانٍ وَلَا إقَامَةٍ) وَلَا نَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا مِمَّنْ يُعْتَدُّ بِخِلَافِهِ، إلَّا أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ أَذَّنَ وَأَقَامَ. وَقِيلَ: أَوَّلُ مَنْ أَذَّنَ فِي الْعِيدِ ابْنُ زِيَادٍ. وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ قَبْلَهُ، عَلَى أَنَّهُ لَا يُسَنُّ لَهَا أَذَانٌ وَلَا إقَامَةٌ.
وَبِهِ يَقُولُ مَالِكٌ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّي الْعِيدَ بِلَا أَذَانٍ وَلَا إقَامَةٍ، فَرَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ، «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى الْعِيدَيْنِ بِغَيْرِ أَذَانٍ وَلَا إقَامَةٍ» . وَعَنْ جَابِرٍ مِثْلُهُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا. وَقَالَ جَابِرُ بْنُ سَمُرَةَ:«صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْعِيدَ غَيْرَ مَرَّةٍ وَلَا مَرَّتَيْنِ، بِلَا أَذَانٍ وَلَا إقَامَةٍ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَعَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي جَابِرٌ
أَنْ لَا أَذَانَ يَوْمَ الْفِطْرِ حِينَ يَخْرُجُ الْإِمَامُ، وَلَا بَعْدَ مَا يَخْرُجُ الْإِمَامُ، وَلَا إقَامَةَ، وَلَا نِدَاءَ وَلَا شَيْءَ، لَا نِدَاءَ يَوْمَئِذٍ وَلَا إقَامَةَ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: يُنَادَى لَهَا: الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ. وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ.
وَسُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَحَقُّ أَنْ تُتَّبَعَ. (1412) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَيَقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مِنْهَا بِ " الْحَمْدُ لِلَّهِ " وَسُورَةٍ، وَيَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ) لَا نَعْلَمُ خِلَافًا بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي أَنَّهُ يُشْرَعُ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ وَسُورَةٍ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مِنْ صَلَاةِ الْعِيدِ، وَأَنَّهُ يُسَنُّ الْجَهْرُ، إلَّا أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه أَنَّهُ كَانَ إذَا قَرَأَ فِي الْعِيدَيْنِ أَسْمَعَ مَنْ يَلِيهِ، وَلَمْ يَجْهَرْ ذَلِكَ الْجَهْرَ.
وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ يَرَوْنَ الْجَهْرَ بِالْقِرَاءَةِ، وَفِي إخْبَارِ مَنْ أَخْبَرَ بِقِرَاءَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَجْهَرُ، وَلِأَنَّهَا صَلَاةُ عِيدٍ، فَأَشْبَهَتْ الْجُمُعَةَ. وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَأَ فِي الْأَوْلَى بِ (سَبِّحْ) ، وَفِي الثَّانِيَةِ بِالْغَاشِيَةِ.
نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ؛ لِأَنَّ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ، قَالَ:«كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ فِي الْعِيدَيْنِ وَفِي الْجُمُعَةِ بِ سَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ. وَرُبَّمَا اجْتَمَعَا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ، فَقَرَأَ بِهِمَا» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَقْرَأُ بِ (ق) وَ (اقْتَرَبَتْ السَّاعَةُ) .
لِمَا رُوِيَ «أَنَّ عُمَرَ سَأَلَ أَبَا وَاقِدٍ اللَّيْثِيَّ: مَاذَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ بِهِ فِي الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى؟ فَقَالَ: كَانَ يَقْرَأُ بِ ق وَالْقُرْءَانِ الْمَجِيدِ، وَاقْتَرَبَتْ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ يُوَقَّتُ وَكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ يَقْرَأُ بِالْفَاتِحَةِ وَسُورَةٍ مِنْ الْمُفَصَّلِ. وَمَهْمَا قَرَأَ بِهِ أَجْزَأَهُ، وَكَانَ حَسَنًا، إلَّا أَنَّ الْأَوَّلَ أَحْسَنُ؛ لِأَنَّ عُمَرَ، رضي الله عنه عَمِلَ بِهِ، وَكَانَ ذَلِكَ مَذْهَبَهُ، وَلِأَنَّ فِي (سَبِّحْ) الْحَثَّ عَلَى الصَّلَاةِ، وَزَكَاةِ الْفِطْرِ.
عَلَى مَا قَالَهُ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، فِي تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى:{قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى} [الأعلى: 14]{وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} [الأعلى: 15] فَاخْتُصَّتْ الْفَضِيلَةُ بِهَا، كَاخْتِصَاصِ الْجُمُعَةِ بِسُورَتِهَا. (1413)
فَصْلٌ: وَتَكُونُ الْقِرَاءَةُ بَعْدَ التَّكْبِيرِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَفُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ السَّبْعَةِ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَالزُّهْرِيِّ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَاللَّيْثِ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ يُوَالِي بَيْنَ الْقِرَاءَتَيْنِ. وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ يُكَبِّرُ فِي الْأَوْلَى قَبْلَ الْقِرَاءَةِ، وَفِي الثَّانِيَةِ بَعْدَهَا. اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ.