الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(1006)
فَصْلٌ: إذَا اخْتَلَّ غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الشُّرُوطِ فِي حَقِّ الْإِمَامِ، كَالسِّتَارَةِ وَاسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ، لَمْ يُعْفَ عَنْهُ فِي حَقِّ الْمَأْمُومِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَخْفَى غَالِبًا، بِخِلَافِ الْحَدَثِ وَالنَّجَاسَةِ. وَكَذَا إنْ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ لِتَرْكِ رُكْنٍ، فَسَدَتْ صَلَاتُهُمْ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ، فِي مَنْ تَرَكَ الْقِرَاءَةَ، يُعِيدُ وَيُعِيدُونَ، وَكَذَلِكَ فِي مَنْ تَرَكَ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ. (1007) فَصْلٌ: وَإِنْ فَسَدَتْ لِفِعْلٍ يُبْطِلُ الصَّلَاةَ، فَإِنْ كَانَ عَنْ عَمْدٍ، أَفْسَدَ صَلَاةَ الْجَمِيعِ، وَإِنْ كَانَ عَنْ غَيْرِ عَمْدٍ، لَمْ تَفْسُدْ صَلَاةُ الْمَأْمُومِينَ.
نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي الضَّحِكِ أَنَّهُ يُبْطِلُ صَلَاةَ الْإِمَامِ، وَلَا تَفْسُدُ صَلَاةُ الْمَأْمُومِينَ، وَعَنْ أَحْمَدَ فِي مَنْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ رِوَايَتَانِ: إحْدَاهُمَا، أَنَّ صَلَاةَ الْمَأْمُومِينَ تَفْسُدُ لِأَنَّهُ أَمْرٌ أَفْسَدَ صَلَاةَ الْإِمَامِ، فَأَفْسَدَ صَلَاةَ الْمَأْمُومِينَ كَتَرْكِ الشَّرْطِ، وَقَدْ ثَبَتَ هَذَا الْحُكْمُ فِي الشَّرْطِ بِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه، أَنَّهُ صَلَّى بِالنَّاسِ الْمَغْرِبَ، فَلَمْ يَسْمَعُوا لَهُ قِرَاءَةً، فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ قَالُوا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ كَأَنَّك خَفَضْتَ مِنْ صَوْتِك: قَالَ: وَمَا سَمِعْتُمْ؟ قَالُوا: مَا سَمِعْنَا لَك قِرَاءَةً. قَالَ: فَمَا قَرَأْتُ فِي نَفْسِي، شَغَلَتْنِي عِيرٌ جَهَّزْتُهَا إلَى الشَّامِ. ثُمَّ قَالَ: لَا صَلَاةَ إلَّا بِقِرَاءَةٍ. ثُمَّ أَقَامَ، فَأَعَادَ وَأَعَادَ النَّاسُ.
وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه لَمَّا طُعِنَ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ، أَخَذَ بِيَدِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ فَقَدَّمَهُ، فَأَتَمَّ بِهِمْ الصَّلَاةَ، وَلَوْ فَسَدَتْ صَلَاتُهُمْ لَلَزِمَهُمْ اسْتِئْنَافُهَا، وَلَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ عَلَى تَرْكِ الشَّرْطِ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ آكَدُ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يُعْفَى عَنْهُ بِالنِّسْيَانِ بِخِلَافِ الْمُبْطِلِ.
[فَصْلٌ إذَا سَبَقَ الْإِمَامَ الْحَدَث]
(1008)
فَصْلٌ: إذَا سَبَقَ الْإِمَامَ الْحَدَثُ فَلَهُ أَنْ يَسْتَخْلِفَ مَنْ يُتِمُّ بِهِمْ الصَّلَاةَ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ، وَعَلْقَمَةَ، وَعَطَاءٍ، وَالْحَسَنِ، وَالنَّخَعِيِّ، وَالثَّوْرِيِّ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ. وَحُكِيَ عَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أُخْرَى، أَنَّ صَلَاةَ الْمَأْمُومِينَ تَبْطُلُ؛ لِأَنَّ أَحْمَدَ قَالَ: كُنْت أَذْهَبُ إلَى جَوَازِ الِاسْتِخْلَافِ، وَجَبُنْتُ عَنْهُ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: تَبْطُلُ صَلَاتُهُمْ، رِوَايَةً وَاحِدَةً؛ لِأَنَّهُ فُقِدَ شَرْطُ صِحَّةِ الصَّلَاةِ فِي حَقِّ الْإِمَامِ، فَبَطَلَتْ صَلَاةُ الْمَأْمُومِ، كَمَا لَوْ تَعَمَّدَ الْحَدَثَ. وَلَنَا، أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه، لَمَّا طُعِنَ أَخَذَ بِيَدِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ فَقَدَّمَهُ، فَأَتَمَّ بِهِمْ الصَّلَاةَ، وَكَانَ ذَلِكَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ وَلَمْ يُنْكِرْهُ مُنْكِرٌ، فَكَانَ إجْمَاعًا.
وَقَدْ احْتَجَّ أَحْمَدُ بِقَوْلِ عُمَرَ وَعَلِيٍّ، وَقَوْلُهُمَا عِنْدَهُ حُجَّةٌ، فَلَا مَعْدِلَ عَنْهُ. وَقَوْلُ أَحْمَدَ: جَبُنْتُ عَنْهُ. إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى التَّوَقُّفِ، وَتَوَقُّفُهُ مَرَّةً لَا يُبْطِلُ مَا انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَيْهِ. وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَإِنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَسْتَخْلِفَ مَنْ يُتِمُّ بِهِمْ الصَّلَاةَ، كَمَا فَعَلَ
عُمَرُ رضي الله عنه وَإِنْ لَمْ يَسْتَخْلِفْ فَقَدَّمَ الْمَأْمُومُونَ مِنْهُمْ رَجُلًا فَأَتَمَّ بِهِمْ، جَازَ. وَإِنْ صَلَّوْا وُحْدَانًا جَازَ. قَالَ الزُّهْرِيُّ، فِي إمَامٍ يَنُوبُهُ الدَّمُ أَوْ رَعَفَ أَوْ يَجِدُ مَذْيًا يَنْصَرِفُ، وَلْيَقُلْ: أَتِمُّوا صَلَاتَكُمْ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ، فِي آخِرِ قَوْلَيْهِ: الِاخْتِيَارُ أَنْ يُصَلِّيَ الْقَوْمُ فُرَادَى إذَا كَانَ ذَلِكَ. وَلَعَلَّ تَوَقُّفَ أَحْمَدَ إنَّمَا كَانَ فِي الِاسْتِخْلَافِ، لَا فِي صِحَّةِ صَلَاةِ الْمَأْمُومِينَ، فَإِنَّهُ قَدْ نَصَّ عَلَى أَنَّ صَلَاةَ الْمَأْمُومِينَ لَا تَفْسُدُ بِضَحِكِ الْإِمَامِ، فَهَذَا أَوْلَى.
وَإِنْ قَدَّمَتْ كُلُّ طَائِفَةٍ مِنْ الْمَأْمُومِينَ لَهُمْ إمَامًا فَصَلَّى بِهِمْ، فَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ جَوَازُهُ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: تَفْسُدُ صَلَاتُهُمْ كُلِّهِمْ. وَلَنَا، أَنَّ لَهُمْ أَنْ يُصَلُّوا وُحْدَانًا. فَكَانَ لَهُمْ أَنْ يُقَدِّمُوا رَجُلًا، كَحَالَةِ ابْتِدَاءِ الصَّلَاةِ وَإِنْ قَدَّمَ بَعْضُهُمْ رَجُلًا، وَصَلَّى الْبَاقُونَ وُحْدَانًا، جَازَ.
(1009)
فَصْلٌ: فَأَمَّا الَّذِي سَبَقَهُ الْحَدَثُ، فَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ، وَيَلْزَمُهُ اسْتِئْنَافُهَا. قَالَ أَحْمَدُ: يُعْجِبُنِي أَنْ يَتَوَضَّأَ وَيَسْتَقْبِلَ. هَذَا قَوْلُ الْحَسَنِ وَعَطَاءٍ وَالنَّخَعِيِّ وَمَكْحُولٍ. وَعَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ يَتَوَضَّأُ، وَيَبْنِي. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مَنْ قَاءَ أَوْ رَعَفَ فِي صَلَاتِهِ، فَلْيَنْصَرِفْ، فَلْيَتَوَضَّأْ، وَلْيَبْنِ عَلَى مَا مَضَى مِنْ صَلَاتِهِ» . وَعَنْهُ، رِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ، إنْ كَانَ الْحَدَثُ مِنْ السَّبِيلَيْنِ ابْتَدَأَ، وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِهِمَا بَنَى لِأَنَّ حُكْمَ نَجَاسَةِ السَّبِيلِ أَغْلَظُ، وَالْأَثَرُ إنَّمَا وَرَدَ بِالْبِنَاءِ فِي الْخَارِجِ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلِ، فَلَا يَلْحَقُ بِهِ مَا لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ.
وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ؛ لِمَا رَوَى عَلِيُّ بْنُ طَلْقٍ، قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«إذَا فَسَا أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ، فَلْيَنْصَرِفْ، فَلْيَتَوَضَّأْ، وَلْيُعِدْ صَلَاتَهُ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالْأَثْرَمُ. وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، رضي الله عنه «، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ قَائِمًا يُصَلِّي بِهِمْ، فَانْصَرَفَ، ثُمَّ جَاءَ وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ، فَقَالَ: إنِّي قُمْتُ بِكُمْ، ثُمَّ ذَكَرْتُ أَنِّي كُنْتُ جُنُبًا وَلَمْ أَغْتَسِلْ، فَانْصَرَفْتُ فَاغْتَسَلْتُ، فَمَنْ أَصَابَهُ مِنْكُمْ مِثْلُ الَّذِي أَصَابَنِي، أَوْ أَصَابَهُ فِي بَطْنِهِ رِزٌّ، فَلْيَنْصَرِفْ فَلْيَغْتَسِلْ، أَوْ لِيَتَوَضَّأْ، وَلْيَسْتَقْبِلْ صَلَاتَهُ» رَوَاهُ الْأَثْرَمُ. وَلِأَنَّهُ فَقَدَ شَرْطَ الصَّلَاةِ فِي أَثْنَائِهَا عَلَى وَجْهٍ لَا يَعُودُ إلَّا بَعْدَ زَمَنٍ طَوِيلٍ وَعَمَلٍ كَثِيرٍ، فَفَسَدَتْ صَلَاتُهُ، كَمَا لَوْ تَنَجَّسَ نَجَاسَةً يَحْتَاجُ فِي إزَالَتِهَا إلَى مِثْلِ ذَلِكَ، أَوْ انْكَشَفَتْ عَوْرَتُهُ وَلَمْ يَجِدْ السُّتْرَةَ إلَّا بَعِيدَةً مِنْهُ، أَوْ تَعَمَّدَ الْحَدَثَ، أَوْ انْقَضَتْ مُدَّةُ الْمَسْحِ، وَحَدِيثُهُمْ ضَعِيفٌ.
(1010)
فَصْلٌ: قَالَ أَصْحَابُنَا: يَجُوزُ أَنْ يُسْتَخْلَفَ مَنْ سُبِقَ بِبَعْضِ الصَّلَاةِ، وَلِمَنْ جَاءَ بَعْدَ حَدَثِ الْإِمَامِ، فَيَبْنِي عَلَى مَا مَضَى مِنْ صَلَاةِ الْإِمَامِ مِنْ قِرَاءَةٍ أَوْ رَكْعَةٍ أَوْ سَجْدَةٍ، وَيَقْضِي بَعْدَ فَرَاغِ صَلَاةِ الْمَأْمُومِينَ. وَحُكِيَ هَذَا الْقَوْلُ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ، وَأَكْثَرِ مَنْ وَافَقَهُمَا فِي الِاسْتِخْلَافِ. وَفِيهِ رِوَايَةٌ أُخْرَى، أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ