الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إحْدَاهَا، أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُمْ مُتَابَعَتُهُ، وَلَا يَلْزَمُهُمْ انْتِظَارُهُ، إنْ كَانَ نِسْيَانُهُ فِي زِيَادَةٍ يَأْتِي بِهَا، وَإِنْ فَارَقُوهُ وَسَلَّمُوا صَحَّتْ صَلَاتُهُمْ. وَهَذَا اخْتِيَارُ الْخَلَّالِ.
وَالثَّانِيَةُ: يُتَابِعُونَهُ فِي الْقِيَامِ، اسْتِحْسَانًا. وَالثَّالِثَةُ: لَا يُتَابِعُونَهُ، وَلَا يُسَلِّمُونَ قَبْلَهُ، لَكِنْ يَنْتَظِرُونَهُ لِيُسَلِّمَ بِهِمْ. وَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ حَامِدٍ. وَالْأَوَّلُ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ مُخْطِئٌ فِي تَرْكِ مُتَابَعَتِهِمْ، فَلَا يَجُوزُ اتِّبَاعُهُ عَلَى الْخَطَأِ. الْحَالُ الثَّانِي: إنْ تَابَعُوهُ جَهْلًا بِتَحْرِيمِ ذَلِكَ، فَإِنَّ صَلَاتَهُمْ صَحِيحَةٌ؛ لِأَنَّ أَصْحَابَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم تَابَعُوهُ فِي التَّسْلِيمِ فِي حَدِيثِ ذِي الْيَدَيْنِ، وَفِي الْخَامِسَةِ فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، فَلَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُمْ. وَرَوَى الْأَثْرَمُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ صَلَّى صَلَاةَ الْعَصْرِ، فَلَمَّا سَلَّمَ قَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ إنَّك صَلَّيْتَ رَكَعَاتٍ ثَلَاثًا. قَالَ أَكَذَاكَ؟ قَالُوا: نَعَمْ. فَرَجَعَ فَصَلَّى رَكْعَةً، ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ وَعَنْ إبْرَاهِيمَ، قَالَ صَلَّى بِنَا عَلْقَمَةُ الظُّهْرَ خَمْسًا، فَلَمَّا سَلَّمَ قَالَ الْقَوْمُ: يَا أَبَا شِبْلٍ، قَدْ صَلَّيْتَ خَمْسًا. قَالَ: كَلًّا، مَا فَعَلْتُ قَالُوا: بَلَى. قَالَ: وَكُنْتُ فِي نَاحِيَةِ الْقَوْمِ وَأَنَا غُلَامٌ، فَقُلْت: بَلَى قَدْ صَلَّيْت خَمْسًا. قَالَ لِي: يَا أَعْوَرُ، وَأَنْتَ تَقُولُ ذَلِكَ أَيْضًا؟ قُلْت: نَعَمْ. فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ. فَلَمْ يَأْمُرُوا مَنْ وَرَاءَهُمْ بِالْإِعَادَةِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ صَلَاتَهُمْ لَمْ تَبْطُلْ بِمُتَابَعَتِهِمْ. وَمَتَى عَمِلَ الْإِمَامُ بِغَالِبِ ظَنِّهِ، فَسَبَّحَ بِهِ الْمَأْمُومُونَ، فَرَجَعَ إلَيْهِمْ، فَإِنَّ سُجُودَهُ قَبْلَ السَّلَامِ لِمَا فَعَلَهُ مِنْ الزِّيَادَةِ فِي الصَّلَاةِ سَهْوًا.
قَالَ الْأَثْرَمُ: سَمِعْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يُسْأَلُ، عَنْ رَجُلٍ جَلَسَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى مِنْ الْفَجْرِ، فَسَبَّحُوا بِهِ فَقَامَ، مَتَى يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ؟ فَقَالَ: قَبْلَ السَّلَامِ. (899) فَصْلٌ: فَإِنْ سَبَّحَ بِالْإِمَامِ وَاحِدٌ لَمْ يَرْجِعْ إلَى قَوْلِهِ، إلَّا أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ صِدْقُهُ، فَيَعْمَلَ بِغَالِبِ ظَنِّهِ، لَا بِتَسْبِيحِهِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَقْبَلْ قَوْلَ ذِي الْيَدَيْنِ وَحْدَهُ، فَإِنْ سَبَّحَ فُسَّاقٌ لَمْ يَرْجِعْ إلَى قَوْلِهِمْ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُمْ غَيْرُ مَقْبُولٍ فِي أَحْكَامِ الشَّرْعِ. وَإِنْ افْتَرَقَ الْمَأْمُومُونَ طَائِفَتَيْنِ، وَافَقَهُ قَوْمٌ وَخَالَفَهُ آخَرُونَ، سَقَطَ قَوْلُهُمْ؛ لِتَعَارُضِهِمْ، كَالْبَيِّنَتَيْنِ إذَا تَعَارَضَتَا. وَمَتَى لَمْ يَرْجِعْ، وَكَانَ الْمَأْمُومُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ خَطَأِ الْإِمَامِ، لَمْ يُتَابِعْهُ فِي أَفْعَالِ الصَّلَاةِ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْهَا. وَيَنْبَغِي أَنْ يَنْتَظِرَهُ هَاهُنَا، لِأَنَّ صَلَاةَ الْإِمَامِ، صَحِيحَةٌ، لَمْ تَفْسُدْ بِزِيَادَةٍ، فَيَنْتَظِرُهُ كَمَا يَنْتَظِرُ الْإِمَامُ الْمَأْمُومِينَ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ.
[مَسْأَلَة سُجُود السَّهْوِ قَبْل السَّلَامِ أُمّ بَعْده]
(900)
مَسْأَلَةٌ: قَالَ (وَمَا عَدَا هَذَا مِنْ السَّهْوِ فَسُجُودُهُ قَبْلَ السَّلَامِ، مِثْلُ الْمُنْفَرِدِ إذَا شَكَّ فِي صَلَاتِهِ، فَلَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى، فَبَنَى عَلَى الْيَقِينِ، أَوْ قَامَ فِي مَوْضِعِ جُلُوسٍ، أَوْ جَلَسَ فِي مَوْضِعِ قِيَامٍ، أَوْ جَهَرَ
فِي مَوْضِعِ تَخَافُتٍ، أَوْ خَافَتَ فِي مَوْضِعِ جَهْرٍ، أَوْ صَلَّى خَمْسًا، أَوْ مَا عَدَا ذَلِكَ مِنْ السَّهْوِ، فَكُلُّ ذَلِكَ يَسْجُدُ لَهُ قَبْلَ السَّلَامِ) وَجُمْلَةُ ذَلِكَ، أَنَّ السُّجُودَ كُلَّهُ عِنْدَ أَحْمَدَ قَبْلَ السَّلَامِ، إلَّا فِي الْمَوْضِعَيْنِ اللَّذَيْنِ وَرَدَ النَّصُّ بِسُجُودِهِمَا بَعْدَ السَّلَامِ، وَهُمَا إذَا سَلَّمَ مِنْ نَقْصٍ فِي صَلَاتِهِ، أَوْ تَحَرَّى الْإِمَامُ، فَبَنَى عَلَى غَالِبِ ظَنِّهِ، وَمَا عَدَاهُمَا يَسْجُدُ لَهُ قَبْلَ السَّلَامِ. نَصَّ عَلَى هَذَا فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ. قَالَ: أَنَا أَقُولُ، كُلُّ سَهْوٍ جَاءَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ يَسْجُدُ فِيهِ بَعْدَ السَّلَامِ، وَسَائِرُ السُّجُودِ يَسْجُدُ فِيهِ قَبْلَ السَّلَامِ، هُوَ أَصَحُّ فِي الْمَعْنَى؛ وَذَلِكَ أَنَّهُ مِنْ شَأْنِ الصَّلَاةِ، فَيَقْضِيهِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ.
ثُمَّ قَالَ: سَجَدَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ بَعْدَ السَّلَامِ، وَفِي غَيْرِهَا قَبْلَ السَّلَامِ. قُلْت: اشْرَحْ الثَّلَاثَةَ مَوَاضِعَ الَّتِي بَعْدَ السَّلَامِ. قَالَ: سَلَّمَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ، فَسَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ، هَذَا حَدِيثُ ذِي الْيَدَيْنِ. وَسَلَّمَ مِنْ ثَلَاثٍ فَسَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ، هَذَا حَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ. وَحَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي مَوْضِعِ التَّحَرِّي سَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ. قَالَ الْقَاضِي: لَا يَخْتَلِفُ قَوْلُ أَحْمَدَ فِي هَذَيْنِ الْمَوْضِعَيْنِ، أَنَّهُ يَسْجُدُ لَهُمَا بَعْدَ السَّلَامِ. وَاخْتُلِفَ فِي مَنْ سَهَا فَصَلَّى خَمْسًا، هَلْ يَسْجُدُ قَبْلَ السَّلَامِ أَوْ بَعْدَهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَمَا عَدَا هَذِهِ الْمَوَاضِعَ يَسْجُدُ لَهَا قَبْلَ السَّلَامِ، رِوَايَةً وَاحِدَةً.
وَبِهَذَا قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُد، وَأَبُو خَيْثَمَةَ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَحَكَى أَبُو الْخَطَّابِ عَنْ أَحْمَدَ رِوَايَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ؛ إحْدَاهُمَا، أَنَّ السُّجُودَ كُلَّهُ قَبْلَ السَّلَامِ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَمَكْحُولٍ، وَالزُّهْرِيِّ، وَيَحْيَى الْأَنْصَارِيِّ، وَرَبِيعَةَ، وَاللَّيْثِ، وَالْأَوْزَاعِيِّ. وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ؛ لِحَدِيثِ ابْنِ بُحَيْنَةَ، وَأَبِي سَعِيدٍ. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: كَانَ آخِرُ الْأَمْرَيْنِ السُّجُودَ قَبْلَ السَّلَامِ. وَلِأَنَّهُ تَمَامُ الصَّلَاةِ وَجَبْرٌ لِنَقْصِهَا، فَكَانَ قَبْلَ سَلَامِهَا كَسَائِرِ أَفْعَالِهَا.
وَالثَّانِيَةُ أَنَّ مَا كَانَ مِنْ نَقْصٍ سَجَدَ لَهُ قَبْلَ السَّلَامِ؛ لِحَدِيثِ ابْنِ بُحَيْنَةَ. وَمَا كَانَ مِنْ زِيَادَةٍ سَجَدَ لَهُ بَعْدَ السَّلَامِ؛ لِحَدِيثِ ذِي الْيَدَيْنِ، وَحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ حِينَ صَلَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم خَمْسًا. وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي ثَوْرٍ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّهُ قَالَ: كُلُّ شَيْءٍ شَكَكْتَ فِيهِ مِنْ صَلَاتِك مِنْ نُقْصَانٍ، مِنْ رُكُوعٍ أَوْ سُجُودٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، فَاسْتَقْبِلْ أَكْثَرَ ظَنِّكَ، وَاجْعَلْ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ مِنْ هَذَا النَّحْوِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ، فَأَمَّا غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ السَّهْوِ فَاجْعَلْهُ بَعْدَ التَّسْلِيمِ. رَوَاهُ سَعِيدٌ.
وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: سُجُودُ السَّهْوِ كُلُّهُ بَعْدَ السَّلَامِ، وَلَهُ فِعْلُهُمَا قَبْلَ السَّلَامِ. يُرْوَى نَحْوُ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ، وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَعَمَّارٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ الزُّبَيْرِ، وَأَنَسٍ، وَالْحَسَنِ، وَالنَّخَعِيِّ، وَابْنِ أَبِي لَيْلَى؛ لِحَدِيثِ ذِي الْيَدَيْنِ، وَحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ التَّحَرِّي. وَرَوَى ثَوْبَانُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لِكُلِّ سَهْوٍ سَجْدَتَانِ بَعْدَ التَّسْلِيمِ» رَوَاهُ سَعِيدٌ.
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ: