الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ شَكَّ فِي صَلَاتِهِ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ بَعْدَمَا يُسَلِّمُ» رَوَاهُمَا أَبُو دَاوُد. وَلَنَا، أَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم السُّجُودُ قَبْلَ السَّلَامِ، وَبَعْدَهُ فِي أَحَادِيثَ صَحِيحَةٍ، مُتَّفَقٍ عَلَيْهَا، فَفِيمَا ذَكَرْنَاهُ عَمَلٌ بِالْأَحَادِيثِ كُلِّهَا، وَجَمْعٌ بَيْنَهَا، مِنْ غَيْرِ تَرْكِ شَيْءٍ مِنْهَا، وَذَلِكَ وَاجِبٌ مَهْمَا أَمْكَنَ، فَإِنَّ خَبَرَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حُجَّةٌ يَجِبُ الْمَصِيرُ إلَيْهِ، وَالْعَمَلُ بِهِ، وَلَا يُتْرَكُ إلَّا لِمُعَارِضٍ مِثْلِهِ، أَوْ أَقْوَى مِنْهُ، وَلَيْسَ فِي سُجُودِهِ، بَعْدَ السَّلَامِ أَوْ قَبْلَهُ، فِي صُورَةٍ، مَا يَنْفِي سُجُودَهُ فِي صُورَةٍ أُخْرَى فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، وَذِكْرُ نَسْخِ حَدِيثِ ذِي الْيَدَيْنِ لَا وَجْهَ لَهُ، فَإِنَّ رَاوِيَيْهِ أَبَا هُرَيْرَةَ وَعِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ هِجْرَتُهُمَا مُتَأَخِّرَةٌ.
وَقَوْلُ الزُّهْرِيِّ مُرْسَلٌ لَا يَقْتَضِي نَسْخًا، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ آخِرُ الْأَمْرَيْنِ سُجُودَهُ قَبْلَ السَّلَامِ؛ لِوُقُوعِ السَّهْوِ فِي آخِرِ الْأَمْرِ فِيمَا سُجُودُهُ قَبْلَ السَّلَامِ. وَحَدِيثُ ثَوْبَانَ رَاوِيهِ إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ وَفِي رِوَايَتِهِ عَنْ أَهْلِ الْحِجَازِ ضَعْفٌ. وَحَدِيثُ ابْنِ جَعْفَرٍ فِيهِ ابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَقَالَ الْأَثْرَمُ: لَا يَثْبُتُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا.
[فَصْلٌ شَكَّ فِي صَلَاتِهِ فَلَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى]
(901)
فَصْلٌ فِي تَفْصِيلِ الْمَسَائِلِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْخِرَقِيِّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: قَوْلُهُ (مِثْلُ الْمُنْفَرِدِ إذَا شَكَّ فِي صَلَاتِهِ، فَلَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى، فَبَنَى عَلَى الْيَقِينِ) . قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ ظَاهِرَ الْمَذْهَبِ، أَنَّ الْمُنْفَرِدَ يَبْنِي عَلَى الْيَقِينِ. وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ يَنْظُرُ مَا تَيَقَّنَ أَنَّهُ صَلَّاهُ مِنْ الرَّكَعَاتِ، فَيُتِمُّ عَلَيْهِ، وَيُلْغِي مَا شَكَّ فِيهِ. كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ:«إذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي الثِّنْتَيْنِ وَالْوَاحِدَةِ، فَلْيَجْعَلْهَا وَاحِدَةً، وَإِذَا شَكَّ فِي الثِّنْتَيْنِ وَالثَّلَاثِ، فَلْيَجْعَلْهُمَا ثِنْتَيْنِ، وَإِذَا شَكَّ فِي الثَّلَاثِ وَالْأَرْبَعِ فَلْيَجْعَلْهَا ثَلَاثًا، ثُمَّ لِيُتِمَّ مَا بَقِيَ مِنْ صَلَاتِهِ، حَتَّى يَكُونَ الْوَهْمُ فِي الزِّيَادَةِ. ثُمَّ يَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ هَكَذَا
وَسَوَاءٌ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ خِلَافُ ذَلِكَ أَمْ لَمْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنِّهِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ هَذَا الْوَهْمُ مِثْلَ الْوَسْوَاسِ، فَقَدْ قَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى إذَا كَثُرَ السَّهْوُ حَتَّى يَصِيرَ مِثْلَ الْوَسْوَاسِ، لَهَا عَنْهُ وَذَكَرْنَا أَنَّ فِي الْمُنْفَرِدِ رِوَايَةً أُخْرَى، أَنَّهُ يَبْنِي عَلَى مَا يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ وَالصَّحِيحُ فِي الْمَذْهَبِ مَا ذَكَرَ الْخِرَقِيِّ رحمه الله، وَالْحُكْمُ فِي الْإِمَامِ إذَا بَنَى عَلَى الْيَقِينِ، أَنَّهُ يَسْجُدُ قَبْلَ السَّلَامِ كَالْمُنْفَرِدِ. وَإِذَا تَحَرَّى الْمُنْفَرِدُ عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى، سَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ
[فَصْلٌ قَامَ الْمُصَلَّيْ فِي مَوْضِعِ جُلُوسٍ أَوْ جَلَسَ فِي مَوْضِعِ قِيَام]
(902)
فَصْلٌ: قَوْلُهُ: أَوْ قَامَ فِي مَوْضِعِ جُلُوسٍ أَوْ جَلَسَ فِي مَوْضِعِ قِيَامٍ ". أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ يَرَوْنَ أَنَّ هَذَا يُسْجَدُ لَهُ. وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ ابْنُ مَسْعُودٍ، وَقَتَادَةُ، وَالثَّوْرِيُّ،
وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَكَانَ عَلْقَمَةُ وَالْأَسْوَدُ يَقْعُدَانِ فِي الشَّيْءِ يُقَامُ فِيهِ، وَيَقُومَانِ فِي الشَّيْءِ يُقْعَدُ فِيهِ، فَلَا يَسْجُدَانِ. وَلَنَا قَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «إذَا نَسِيَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ» وَقَالَ:«إذَا زَادَ الرَّجُلُ أَوْ نَقَصَ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ» رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَقَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام: «لِكُلِّ سَهْوٍ سَجْدَتَانِ بَعْدَ السَّلَامِ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَلِأَنَّهُ سَهْوٌ فَسَجَدَ لَهُ كَغَيْرِهِ، مَعَ مَا نَذْكُرُهُ فِي تَفْصِيلِ الْمَسَائِلِ.
فَأَمَّا الْقِيَامُ فِي مَوْضِعِ الْجُلُوسِ، فَفِي ثَلَاثِ صُوَرٍ: إحْدَاهَا، أَنْ يَتْرُكَ التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ وَيَقُومَ،، وَفِيهِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ (903) الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى، ذِكْرُهُ قَبْلَ اعْتِدَالِهِ قَائِمًا، فَيَلْزَمُهُ الرُّجُوعُ إلَى التَّشَهُّدِ. وَمِمَّنْ قَالَ يَجْلِسُ عَلْقَمَةُ، وَالضَّحَّاكُ، وَقَتَادَةُ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ. وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ فَارَقَتْ أَلْيَتَاهُ الْأَرْضَ مَضَى. وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ عَطِيَّةَ: إذَا تَجَافَتْ رُكْبَتَاهُ عَنْ الْأَرْضِ مَضَى.
وَلَنَا، مَا رَوَى الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ، عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إذَا قَامَ أَحَدُكُمْ فِي الرَّكْعَتَيْنِ، فَلَمْ يَسْتَتِمَّ قَائِمًا فَلْيَجْلِسْ، فَإِذَا اسْتَتَمَّ قَائِمًا، فَلَا يَجْلِسْ، وَيَسْجُدُ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ. وَلِأَنَّهُ أَخَلَّ بِوَاجِبٍ ذَكَرَهُ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي رُكْنٍ مَقْصُودٍ. فَلَزِمَهُ الْإِتْيَانُ بِهِ، كَمَا لَوْ لَمْ تُفَارِقْ أَلْيَتَاهُ الْأَرْضَ.
(904)
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: ذِكْرُهُ بَعْدَ اعْتِدَالِهِ قَائِمًا، وَقَبْلَ شُرُوعِهِ فِي الْقِرَاءَةِ، فَالْأَوْلَى لَهُ أَنْ لَا يَجْلِسَ، وَإِنْ جَلَسَ جَازَ. نَصَّ عَلَيْهِ قَالَ. النَّخَعِيُّ: يَرْجِعُ مَا لَمْ يَسْتَفْتِحْ الْقِرَاءَةَ وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ: إنْ ذَكَرَ سَاعَةَ يَقُومُ جَلَسَ. وَلَنَا، حَدِيثُ الْمُغِيرَةِ، وَمَا نَذْكُرُهُ فِيمَا بَعْدُ؛ وَلِأَنَّهُ ذَكَرَهُ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي رُكْنٍ، فَلَمْ يَلْزَمْهُ الرُّجُوعُ، كَمَا لَوْ ذَكَرَهُ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الْقِرَاءَةِ. وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الرُّجُوعُ؛ لِحَدِيثِ الْمُغِيرَةِ، وَلِأَنَّهُ شَرَعَ فِي رُكْنٍ، فَلَمْ يَجُزْ لَهُ الرُّجُوعُ، كَمَا لَوْ شَرَعَ فِي الْقِرَاءَةِ (905) الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ، ذَكَرَهُ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الْقِرَاءَةِ، فَلَا يَجُوزُ لَهُ الرُّجُوعُ، وَيَمْضِي فِي صَلَاتِهِ، فِي قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ.
وَمِمَّنْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ عُمَرُ، وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، وَابْنُ مَسْعُودٍ، وَالْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ وَالنُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ، وَابْنُ الزُّبَيْرِ، وَالضَّحَّاكُ بْنُ قَيْسٍ، وَعُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ. وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ. وَقَالَ الْحَسَنُ. يَرْجِعُ مَا لَمْ يَرْكَعْ. وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِحَدِيثِ الْمُغِيرَةِ. وَرَوَى أَبُو بَكْرٍ الْآجُرِّيُّ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُعَاوِيَةَ: أَنَّهُ صَلَّى بِهِمْ فَقَامَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ، وَعَلَيْهِ الْجُلُوسُ، فَسُبِّحَ بِهِ، فَأَبَى أَنْ يَجْلِسَ، حَتَّى إذَا جَلَسَ