الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَنَا، أَنَّهُ مُسْلِمٌ قُتِلَ فِي مُعْتَرَكِ الْمُشْرِكِينَ بِقِتَالِهِمْ، أَشْبَهَ الْبَالِغَ، وَلِأَنَّهُ أَشْبَهَ الْبَالِغَ فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَالْغُسْلِ إذَا لَمْ يَقْتُلْهُ الْمُشْرِكُونَ، فَيُشْبِهُهُ فِي سُقُوطِ ذَلِكَ عَنْهُ بِالشَّهَادَةِ، وَقَدْ كَانَ فِي شُهَدَاءِ أُحُدٍ حَارِثَةُ بْنُ النُّعْمَانِ، وَعُمَيْرُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ أَخُو سَعْدٍ، وَهُمَا صَغِيرَانِ، وَالْحَدِيثُ عَامٌّ فِي الْكُلِّ. وَمَا ذَكَرَهُ يَبْطُلُ بِالنِّسَاءِ.
[مَسْأَلَةٌ الشَّهِيد يَدْفِنَ فِي ثِيَابِهِ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الْجُلُودِ وَالسِّلَاحِ نُحِّيَ عَنْهُ]
(1631)
مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَدُفِنَ فِي ثِيَابِهِ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الْجُلُودِ وَالسِّلَاحِ نُحِّيَ عَنْهُ) أَمَّا دَفْنُهُ بِثِيَابِهِ، فَلَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا، وَهُوَ ثَابِتٌ بِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:«ادْفِنُوهُمْ بِثِيَابِهِمْ» . وَرَوَى أَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «أَمَرَ بِقَتْلَى أُحُدٍ أَنْ يُنْزَعَ عَنْهُمْ الْحَدِيدُ وَالْجُلُودُ، وَأَنْ يُدْفَنُوا فِي ثِيَابِهِمْ، بِدِمَائِهِمْ.» وَلَيْسَ هَذَا بِحَتْمٍ، لَكِنَّهُ الْأَوْلَى. وَلِلْوَلِيِّ أَنْ يَنْزِعَ عَنْهُ ثِيَابَهُ، وَيُكَفِّنَهُ بِغَيْرِهَا، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يُنْزَعُ عَنْهُ شَيْءٌ؛ لِظَاهِرِ الْخَبَرِ. وَلَنَا، مَا رُوِيَ، «أَنَّ صَفِيَّةَ أَرْسَلَتْ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثَوْبَيْنِ؛ لِيُكَفِّنَ فِيهِمَا حَمْزَةَ، فَكَفَّنَهُ فِي أَحَدِهِمَا، وَكَفَّنَ فِي الْآخَرِ رَجُلًا آخَرَ.» رَوَاهُ يَعْقُوبُ بْنُ شَيْبَةَ، وَقَالَ: هُوَ صَالِحُ الْإِسْنَادِ.
فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْخِيَارَ لِلْوَلِيِّ. وَالْحَدِيثُ الْآخَرُ يُحْمَلُ عَلَى الْإِبَاحَةِ وَالِاسْتِحْبَابِ. إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّهُ يُنْزَعُ عَنْهُ مِنْ لِبَاسِهِ مَا لَمْ يَكُنْ مِنْ عَامَّةِ لِبَاسِ النَّاسِ، مِنْ الْجُلُودِ وَالْفِرَاءِ وَالْحَدِيدِ. قَالَ أَحْمَدُ: لَا يُتْرَكُ عَلَيْهِ فَرْوٌ، وَلَا خُفٌّ، وَلَا جِلْدٌ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يُنْزَعُ عَنْهُ فَرْوٌ وَلَا خُفٌّ وَلَا مَحْشُوٌّ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «ادْفِنُوهُمْ بِثِيَابِهِمْ.» وَهَذَا عَامٌّ فِي الْكُلِّ، وَمَا رَوَيْنَاهُ أَخَصُّ، فَكَانَ أَوْلَى.
[مَسْأَلَةٌ الشَّهِيد إنْ حُمِلَ وَبِهِ رَمَقٌ غُسِّلَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ]
(1632)
مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَإِنْ حُمِلَ وَبِهِ رَمَقٌ غُسِّلَ، وَصُلِّيَ عَلَيْهِ) مَعْنَى قَوْلِهِ: " رَمَقٌ " أَيْ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ. فَهَذَا يُغَسَّلُ، وَيُصَلَّى عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ شَهِيدًا؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم «غَسَّلَ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ، وَصَلَّى عَلَيْهِ، وَكَانَ شَهِيدًا، رَمَاهُ ابْنُ الْعَرِقَةِ يَوْمَ الْخَنْدَقِ بِسَهْمٍ، فَقَطَعَ أَكْحَلَهُ، فَحُمِلَ إلَى الْمَسْجِدِ، فَلَبِثَ فِيهِ أَيَّامًا، حَتَّى حَكَمَ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ، ثُمَّ انْفَتَحَ جُرْحُهُ فَمَاتَ» .
وَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ أَنَّهُ مَتَى طَالَتْ حَيَاتُهُ بَعْدَ حَمْلِهِ غُسِّلَ، وَصُلِّيَ عَلَيْهِ، وَإِنْ مَاتَ فِي الْمُعْتَرَكِ، أَوْ عَقِبَ حَمْلِهِ، لَمْ يُغَسَّلْ، وَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ. وَنَحْوُ هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ، قَالَ: إنْ أَكَلَ، أَوْ شَرِبَ، أَوْ بَقِيَ يَوْمَيْنِ
أَوْ ثَلَاثَةً، غُسِّلَ. وَقَالَ أَحْمَدُ فِي مَوْضِعٍ: إنْ تَكَلَّمَ، أَوْ أَكَلَ، أَوْ شَرِبَ، صُلِّيَ عَلَيْهِ. وَقَوْلُ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ نَحْوٌ مِنْ هَذَا. وَعَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْمَجْرُوحِ إذَا بَقِيَ فِي الْمُعْتَرَكِ يَوْمًا إلَى اللَّيْلِ، ثُمَّ مَاتَ، فَرَأَى أَنْ يُصَلَّى عَلَيْهِ.
وَقَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ: إنْ مَاتَ حَالَ الْحَرْبِ، لَمْ يُغَسَّلْ، وَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَلَا. وَالصَّحِيحُ: التَّحْدِيدُ بِطُولِ الْفَصْلِ، أَوْ الْأَكْلِ؛ لِأَنَّ الْأَكْلَ لَا يَكُونُ إلَّا مِنْ ذِي حَيَاةٍ مُسْتَقِرَّةٍ، وَطُولُ الْفَصْلِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، وَقَدْ ثَبَتَ اعْتِبَارُهُ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمَوَاضِع. وَأَمَّا الْكَلَامُ وَالشُّرْبُ، وَحَالَةُ الْحَرْبِ، فَلَا يَصِحُّ التَّحْدِيدُ بِشَيْءٍ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ يُرْوَى «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ يَوْمَ أُحُدٍ: مَنْ يَنْظُرُ مَا فَعَلَ سَعْدُ بْنُ الرَّبِيعِ؟ فَقَالَ رَجُلٌ: أَنَا أَنْظُرُ لَك يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَنَظَرَ فَوَجَدَهُ جَرِيحًا، بِهِ رَمَقٌ، فَقَالَ لَهُ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَنِي أَنْ أَنْظُرَ فِي الْأَحْيَاءِ أَنْتَ أَمْ فِي الْأَمْوَاتِ؟ قَالَ: فَأَنَا فِي الْأَمْوَاتِ، فَأَبْلِغْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِّي السَّلَامَ. وَذَكَرَ الْحَدِيثَ، قَالَ: ثُمَّ لَمْ أَبْرَحْ أَنْ مَاتَ» .
وَرُوِيَ أَنَّ أُصَيْرِمَ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ وُجِدَ صَرِيعًا يَوْمَ أُحُدٍ، فَقِيلَ لَهُ: مَا جَاءَ بِك؟ قَالَ: أَسْلَمْت، ثُمَّ جِئْت. وَهُمَا مِنْ شُهَدَاءِ أُحُدٍ، دَخَلَا فِي عُمُومِ قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:«ادْفِنُوهُمْ بِدِمَائِهِمْ وَثِيَابِهِمْ» . وَلَمْ يُغَسِّلْهُمْ، وَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِمْ، وَقَدْ تَكَلَّمَا، وَمَاتَا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْحَرْبِ.
وَفِي قِصَّةِ أَهْلِ الْيَمَامَةِ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ طَافَ فِي الْقَتْلَى، فَوَجَدَ أَبَا عَقِيلٍ الْأُنَيْفِيَّ قَالَ: فَسَقَيْته مَاءً، وَبِهِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ جُرْحًا، كُلُّهَا قَدْ خَلَصَ إلَى مَقْتَلٍ، فَخَرَجَ الْمَاءُ مِنْ جِرَاحَاتِهِ كُلِّهَا، فَلَمْ يُغَسَّل. .
وَفِي فُتُوحِ الشَّامِ: أَنَّ رَجُلًا قَالَ: أَخَذْت مَاءً لِعَلِيٍّ أَسْقِي ابْنَ عَمِّي إنْ وَجَدْت بِهِ حَيَاةً، فَوَجَدْت الْحَارِثَ بْنَ هِشَامٍ فَأَرَدْت أَنْ أَسْقِيَهُ، فَإِذَا رَجُلٌ يَنْظُرُ إلَيْهِ، فَأَوْمَأَ لِي أَنْ أَسْقِيَهُ، فَذَهَبْت إلَيْهِ لِأَسْقِيَهُ، فَإِذَا آخَرُ يَنْظُرُ إلَيْهِ، فَأَوْمَأَ لِي أَنْ أَسْقِيَهُ، فَلَمْ أَصِلْ إلَيْهِ حَتَّى مَاتُوا كُلُّهُمْ، وَلَمْ يُفْرَدْ أَحَدٌ مِنْهُمْ بِغُسْلٍ وَلَا صَلَاةٍ، وَقَدْ مَاتُوا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْحَرْبِ.
(1633)
فَصْلٌ: فَإِنْ كَانَ الشَّهِيدُ عَادَ عَلَيْهِ سِلَاحُهُ فَقَتَلَهُ، فَهُوَ كَالْمَقْتُولِ بِأَيْدِي الْعَدُوِّ.
وَقَالَ الْقَاضِي: يُغَسَّلُ، وَيُصَلَّى عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَاتَ بِغَيْرِ أَيْدِي الْمُشْرِكِينَ، أَشْبَهَ مَا لَوْ أَصَابَهُ ذَلِكَ فِي غَيْرِ الْمُعْتَرَكِ. وَلَنَا، مَا رَوَى أَبُو دَاوُد، عَنْ «رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: أَغَرْنَا عَلَى حَيٍّ مِنْ جُهَيْنَةَ، فَطَلَبَ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ رَجُلًا مِنْهُمْ، فَضَرَبَهُ فَأَخْطَأَهُ، فَأَصَابَ نَفْسَهُ بِالسَّيْفِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَخُوكُمْ يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ. فَابْتَدَرَهُ النَّاسُ، فَوَجَدُوهُ قَدْ مَاتَ، فَلَفَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِثِيَابِهِ وَدِمَائِهِ، وَصَلَّى عَلَيْهِ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَشَهِيدٌ هُوَ؟ قَالَ: نَعَمْ،