الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإِسْحَاقُ. وَقَالَ الْقَاضِي: رَأَيْت لِأَبِي إِسْحَاقَ بْنِ شَاقِلَا كَلَامًا يَدُلُّ عَلَى طَهَارَةِ بَوْلِ الْغُلَامِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ نَجِسًا لَوَجَبَ غَسْلُهُ. (1) وَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ: يُغْسَلُ بَوْلُ الْغُلَامِ كَمَا يُغْسَلُ بَوْلُ الْجَارِيَةِ؛ لِأَنَّهُ بَوْلٌ نَجِسٌ، فَوَجَبَ غَسْلُهُ كَسَائِرِ الْأَبْوَالِ النَّجِسَةِ، وَلِأَنَّهُ حُكْمٌ يَتَعَلَّقُ بِالنَّجَاسَةِ، فَاسْتَوَى فِيهِ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى، كَسَائِرِ أَحْكَامِهِمَا.
وَلَنَا مَا رَوَتْ أُمُّ قَيْسٍ بِنْتُ مُحْصِنٍ «، أَنَّهَا أَتَتْ بِابْنٍ، لَهَا صَغِيرٍ، لَمْ يَأْكُلْ الطَّعَامَ، إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَجْلَسَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي حِجْرِهِ، فَبَالَ عَلَى ثَوْبِهِ، فَدَعَا بِمَاءٍ، فَنَضَحَهُ، وَلَمْ يَغْسِلْهُ.» وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ «، أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِصَبِيٍّ، فَبَالَ عَلَى ثَوْبِهِ فَدَعَا بِمَاءٍ فَأَتْبَعَهُ بَوْلَهُ، وَلَمْ يَغْسِلْهُ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا. وَعَنْ لُبَابَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ قَالَتْ: «كَانَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ فِي حِجْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَبَالَ عَلَيْهِ، فَقُلْت: الْبَسْ ثَوْبًا آخَرَ، وَأَعْطِنِي إزَارَك حَتَّى أَغْسِلَهُ. فَقَالَ: إنَّمَا يُغْسَلُ مِنْ بَوْلِ الْأُنْثَى، وَيَنْضَحُ مِنْ بَوْلِ الْغُلَامِ الذَّكَرِ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
وَعَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «بَوْلُ الْغُلَامِ يُنْضَحُ، وَبَوْلُ الْجَارِيَةِ يُغْسَلُ» . قَالَ قَتَادَةُ: هَذَا مَا لَمْ يَطْعَمَا الطَّعَامَ، فَإِذَا طَعِمَا غُسِلَ بَوْلُهُمَا. رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ. وَهَذِهِ نُصُوصٌ صَحِيحَةٌ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَاتِّبَاعُهَا أَوْلَى، وَقَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَصَحُّ مِنْ قَوْلِ مَنْ خَالَفَهُ. (990) فَصْلٌ: قَالَ أَحْمَدُ: الصَّبِيُّ إذَا طَعِمَ الطَّعَامَ، وَأَرَادَهُ، وَاشْتَهَاهُ، غُسِلَ بَوْلُهُ، وَلَيْسَ إذَا أُطْعِمَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَلْعَقُ الْعَسَلَ سَاعَةَ يُولَدُ، وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَنَّكَ بِالتَّمْرِ. وَلَكِنْ إذَا كَانَ يَأْكُلُ وَيُرِيدُ الْأَكْلَ، فَعَلَى هَذَا مَا يُسْقَاهُ الصَّبِيُّ أَوْ يَلْعَقُهُ لِلتَّدَاوِي لَا يُعَدُّ طَعَامًا يُوجِبُ الْغَسْلَ، وَمَا يَطْعَمُهُ لِغِذَائِهِ وَهُوَ يُرِيدُهُ وَيَشْتَهِيهِ، هُوَ الْمُوجِبُ لِغَسْلِ بَوْلِهِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[مَسْأَلَة الْمَنِيُّ طَاهِر]
(991)
مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَالْمَنِيُّ طَاهِرٌ. وَعَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، رحمه الله رِوَايَةٌ أُخْرَى، أَنَّهُ كَالدَّمِ) اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ أَحْمَدَ فِي الْمَنِيِّ، فَالْمَشْهُورُ: أَنَّهُ طَاهِرٌ. وَعَنْهُ أَنَّهُ كَالدَّمِ، أَيْ أَنَّهُ نَجِسٌ. وَيُعْفَى عَنْ يَسِيرِهِ. وَعَنْهُ: أَنَّهُ لَا يُعْفَى عَنْ يَسِيرِهِ. وَيُجْزِئُ فَرْكُ يَابِسِهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ. وَالرِّوَايَةُ الْأُولَى هِيَ الْمَشْهُورَةُ فِي الْمَذْهَبِ، وَهُوَ قَوْلُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَابْنِ عُمَرَ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: امْسَحْهُ عَنْكَ بِإِذْخِرَةٍ أَوْ خِرْقَةٍ، وَلَا تَغْسِلْهُ إنْ شِئْت. وَقَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ: إذَا صَلَّى فِيهِ لَمْ يُعِدْ. وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ،
وَأَبِي ثَوْرٍ وَابْنِ الْمُنْذِرِ.
وَقَالَ مَالِكٌ: غَسْلُ الِاحْتِلَامِ أَمْرٌ وَاجِبٌ. وَعَلَى هَذَا مَذْهَبُ الْأَوْزَاعِيِّ وَالثَّوْرِيِّ. وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: هُوَ نَجِسٌ، وَيُجْزِئُ فَرْكُ يَابِسِهِ؛ لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ أَنَّهَا كَانَتْ تَغْسِلُ الْمَنِيَّ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ: ثُمَّ أَرَى فِيهِ بُقْعَةً أَوْ بُقَعًا. وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ. قَالَ صَالِحٌ: قَالَ أَبِي: غَسْلُ الْمَنِيِّ مِنْ الثَّوْبِ أَحْوَطُ وَأَثْبَتُ فِي الرِّوَايَةِ. وَقَدْ جَاءَ الْفَرْكُ أَيْضًا عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها «، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي الْمَنِيِّ يُصِيبُ الثَّوْبَ: إنْ كَانَ رَطْبًا فَاغْسِلِيهِ. وَإِنْ كَانَ يَابِسًا فَافْرُكِيهِ» . وَهَذَا أَمْرٌ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ. وَلِأَنَّهُ خَارِجٌ مُعْتَادٌ مِنْ السَّبِيلِ، أَشْبَهَ الْبَوْلَ.
وَلَنَا، مَا رَوَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها قَالَتْ:«كُنْت أَفْرُكُ الْمَنِيَّ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَيُصَلِّي فِيهِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: امْسَحْهُ عَنْكَ بِإِذْخِرَةٍ أَوْ بِخِرْقَةٍ، وَلَا تَغْسِلْهُ، إنَّمَا هُوَ كَالْبُزَاقِ وَالْمُخَاطِ. رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ مَرْفُوعًا إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. وَلِأَنَّهُ لَا يَجِبُ غَسْلُهُ إذَا جَفَّ، فَلَمْ يَكُنْ نَجِسًا كَالْمُخَاطِ، وَلِأَنَّهُ بَدْءُ خَلْقِ آدَمِيٍّ، فَكَانَ طَاهِرًا كَالطِّينِ، وَيُفَارِقُ الْبَوْلَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ بَدْءُ خَلْقِ آدَمِيٍّ. (992) فَصْلٌ: فَإِنْ خَفِيَ مَوْضِعُ الْمَنِيِّ فَرَكَ الثَّوْبُ كُلُّهُ، إنْ قُلْنَا بِنَجَاسَتِهِ، وَإِنْ قُلْنَا بِطَهَارَتِهِ اُسْتُحِبَّ فَرْكُهُ.
وَإِنْ صَلَّى فِيهِ مِنْ غَيْرِ فَرْكٍ، أَجْزَأَهُ. وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ قَالَ بِالطَّهَارَةِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَنْضَحُ الثَّوْبَ كُلَّهُ. وَبِهِ قَالَ النَّخَعِيُّ وَحَمَّادٌ. وَنَحْوُهُ عَنْ عَائِشَةَ وَعَطَاءٍ. وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَالْحَسَنُ: يُغْسَلُ الثَّوْبُ كُلُّهُ. وَلَنَا، أَنَّ فَرْكَهُ يُجْزِئُ إذَا عُلِمَ مَكَانُهُ، فَكَذَلِكَ إذَا خَفِيَ، وَأَمَّا النَّضْحُ فَلَا يُفِيدُ، فَإِنَّهُ لَا يُطَهِّرُهُ إذَا عُلِمَ مَكَانُهُ، فَكَذَلِكَ إذَا خَفِيَ. وَأَمَّا إذَا قُلْنَا بِالطَّهَارَةِ فَلَا يَجِبُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، لَكِنْ يُسْتَحَبُّ، كَحَالِ الْعِلْمِ بِهِ.
فَصْلٌ: قَالَ أَحْمَدُ رحمه الله: إنَّمَا يُفْرَكُ مَنِيُّ الرَّجُلِ، أَمَّا مَنِيُّ الْمَرْأَةِ فَلَا يُفْرَكُ؛ لِأَنَّ الَّذِي لِلرَّجُلِ ثَخِينٌ، وَاَلَّذِي لِلْمَرْأَةِ رَقِيقٌ. وَالْمَعْنَى فِي هَذَا أَنَّ الْفَرْكَ يُرَادُ لِلتَّخْفِيفِ وَالرَّقِيقُ لَا يَبْقَى لَهُ جِسْمٌ بَعْدَ جَفَافِهِ يَزُولُ بِالْفَرْكِ، فَلَا يُفِيدُ فِيهِ شَيْئًا، فَعَلَى هَذَا إنْ قُلْنَا بِنَجَاسَتِهِ، فَلَا بُدَّ مِنْ غَسْلِهِ رَطْبًا كَانَ أَوْ يَابِسًا، كَالْبَوْلِ. وَإِنْ قُلْنَا بِطَهَارَتِهِ، اُسْتُحِبَّ غَسْلُهُ، كَمَا يُسْتَحَبُّ فَرْكُ مَنِيِّ الرَّجُلِ.
وَأَمَّا الطَّهَارَةُ وَالنَّجَاسَةُ فَلَا يَفْتَرِقَانِ فِيهِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَنِيٌّ، وَهُوَ بَدْءٌ لِخَلْقِ آدَمِيٍّ، خَارِجٌ مِنْ السَّبِيلِ. (994) فَصْلٌ: فَأَمَّا الْعَلَقَةُ، فَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: فِيهَا رِوَايَتَانِ، كَالْمَنِيِّ؛ لِأَنَّهَا بَدْءُ خَلْقِ آدَمِيٍّ. وَالصَّحِيحُ نَجَاسَتُهَا؛