الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يَخُصُّ الْكَثِيرَ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْيَسِيرُ مِثْلَ دَرَجَةِ الْمِنْبَرِ وَنَحْوِهَا، لِمَا ذَكَرْنَا فِي حَدِيثِ سَهْلٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(1161)
فَصْلٌ: فَإِنْ صَلَّى الْإِمَامُ فِي مَكَان أَعْلَى مِنْ الْمَأْمُومِينَ، فَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُمْ. وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ يَقْتَضِي فَسَادَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ. وَقَالَ الْقَاضِي: لَا تَبْطُلُ وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ؛ لِأَنَّ عَمَّارًا أَتَمَّ صَلَاتَهُ؛ وَلَوْ كَانَتْ فَاسِدَةً، لَاسْتَأْنَفَهَا، وَلِأَنَّ النَّهْيَ مُعَلَّلٌ بِمَا يُفْضِي إلَيْهِ مِنْ رَفْعِ الْبَصَرِ فِي الصَّلَاةِ، وَذَلِكَ لَا يُفْسِدُهَا، فَسَبَبُهُ أَوْلَى. (1162) فَصْلٌ: وَإِنْ كَانَ مَعَ الْإِمَامِ مَنْ هُوَ مُسَاوٍ لَهُ أَوْ أَعْلَى مِنْهُ، وَمَنْ هُوَ أَسْفَلَ مِنْهُ اخْتَصَّتْ الْكَرَاهَةُ بِمَنْ هُوَ أَسْفَلَ مِنْهُ، لِأَنَّ الْمَعْنَى وُجِدَ فِيهِمْ دُونَ غَيْرِهِمْ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَتَنَاوَلَ النَّهْيُ الْإِمَامَ؛ لِكَوْنِهِ مَنْهِيًّا عَنْ الْقِيَامِ فِي مَكَان أَعْلَى مِنْ مَقَامِهِمْ، فَعَلَى هَذَا الِاحْتِمَالِ تَبْطُلُ صَلَاةُ الْجَمِيعِ عِنْدَ مَنْ أَبْطَلَ الصَّلَاةَ بِارْتِكَابِ النَّهْيِ.
[مَسْأَلَةٌ مَنْ صَلَّى خَلْفَ الصَّفِّ وَحْدَهُ أَوْ قَامَ بِجَنْبِ الْإِمَامِ عَنْ يَسَارِهِ أَعَادَ الصَّلَاةَ]
(1163)
مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَمَنْ صَلَّى خَلْفَ الصَّفِّ وَحْدَهُ، أَوْ قَامَ بِجَنْبِ الْإِمَامِ عَنْ يَسَارِهِ، أَعَادَ الصَّلَاةَ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّ مَنْ صَلَّى وَحْدَهُ رَكْعَةً كَامِلَةً، لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ. وَهَذَا قَوْلُ النَّخَعِيِّ، وَالْحَكَمِ، وَالْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ، وَإِسْحَاقَ، وَابْنِ الْمُنْذِرِ. وَأَجَازَهُ الْحَسَنُ، وَمَالِكٌ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ؛ لِأَنَّ أَبَا بَكْرَةَ رَكَعَ دُونَ الصَّفِّ، فَلَمْ يَأْمُرْهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالْإِعَادَةِ، وَلِأَنَّهُ مَوْقِفٌ لِلْمَرْأَةِ فَكَانَ مَوْقِفًا لِلرَّجُلِ، كَمَا لَوْ كَانَ مَعَ جَمَاعَةٍ. وَلَنَا، مَا رَوَى وَابِصَةُ بْنُ مَعْبَدٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم «رَأَى رَجُلًا يُصَلِّي خَلْفَ الصَّفِّ وَحْدَهُ، فَأَمَرَهُ أَنْ يُعِيدَ.» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَغَيْرُهُ. وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدِيثُ وَابِصَةَ حَسَنٌ. وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: ثَبَّتَ الْحَدِيثَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ. وَفِي لَفْظٍ: «سُئِلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ رَجُلٍ صَلَّى وَرَاءُ الصُّفُوفِ وَحْدَهُ. قَالَ: يُعِيدُ» . رَوَاهُ تَمَّامٌ فِي " الْفَوَائِدِ ". وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ شَيْبَانَ، أَنَّهُ «صَلَّى بِهِمْ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَانْصَرَفَ وَرَجُلٌ فَرْدٌ خَلْفَ الصَّفِّ، فَوَقَفَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى انْصَرَفَ الرَّجُلُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: اسْتَقْبِلْ صَلَاتَك، وَلَا صَلَاةَ لِفَرْدٍ خَلْفَ الصَّفِّ.» . رَوَاهُ الْأَثْرَمُ. وَقَالَ: قُلْت لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: حَدِيثُ مُلَازِمِ بْنِ عَمْرٍو - يَعْنِي هَذَا الْحَدِيثَ فِي هَذَا أَيْضًا - حَسَنٌ؟ قَالَ: نَعَمْ وَلِأَنَّهُ خَالَفَ الْمَوْقِفَ، فَلَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ، كَمَا لَوْ وَقَفَ أَمَامَ الْإِمَامِ، فَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي بَكْرَةَ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَدْ نَهَاهُ فَقَالَ:" لَا تُعِدْ ".
وَالنَّهْيُ يَقْتَضِي الْفَسَادَ، وَعُذْرُهُ فِيمَا فَعَلَهُ لِجَهْلِهِ بِتَحْرِيمِهِ، وَلِلْجَهْلِ تَأْثِيرٌ فِي الْعَفْوِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ مَوْقِفًا لِلْمَرْأَةِ كَوْنُهُ مَوْقِفًا لِلرَّجُلِ، بِدَلِيلِ اخْتِلَافِهِمَا فِي كَرَاهِيَةِ الْوُقُوفِ وَاسْتِحْبَابِهِ. وَأَمَّا إذَا وَقَفَ عَنْ يَسَارِ الْإِمَامِ، فَإِنْ كَانَ عَنْ يَمِينِ الْإِمَامِ أَحَدٌ، صَحَّتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ صَلَّى
بَيْنَ عَلْقَمَةَ وَالْأَسْوَدِ، فَلَمَّا فَرَغُوا قَالَ: هَكَذَا رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَعَلَ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَلِأَنَّ وَسَطَ الصَّفِّ مَوْقِفٌ لِلْإِمَامِ فِي حَقِّ النِّسَاءِ وَالْعُرَاةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَنْ يَمِينِهِ أَحَدٌ فَصَلَاةُ مَنْ وَقَفَ عَنْ يَسَارِهِ فَاسِدَةٌ، سَوَاءٌ كَانَ وَاحِدًا أَوْ جَمَاعَةً، وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ يَرَوْنَ لِلْمَأْمُومِ الْوَاحِدِ أَنْ يَقِفَ عَنْ يَمِينِ الْإِمَامِ، وَأَنَّهُ إنْ وَقَفَ عَنْ يَسَارِهِ، خَالَفَ السُّنَّةَ.
وَحُكِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، أَنَّهُ كَانَ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ إلَّا مَأْمُومٌ وَاحِدٌ جَعَلَهُ عَنْ يَسَارِهِ. وَقَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ: إنْ وَقَفَ عَنْ يَسَارِ الْإِمَامِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ لَمَّا أَحْرَمَ عَنْ يَسَارِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَدَارَهُ عَنْ يَمِينِهِ، وَلَمْ تَبْطُلْ تَحْرِيمَتُهُ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مَوْقِفًا، لَاسْتَأْنَفَ التَّحْرِيمَةَ، كَأَمَامِ الْإِمَامِ، وَلِأَنَّهُ مَوْقِفٌ فِيمَا إذَا كَانَ عَنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ آخَرُ، فَكَانَ مَوْقِفًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ آخَرُ كَالْيَمِينِ، وَلِأَنَّهُ أَحَدُ جَانِبَيْ الْإِمَامِ، فَأَشْبَهَ الْيَمِينَ.
وَلَنَا، أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ، قَالَ:«قَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ، فَجِئْت، فَقُمْت فَوَقَفْت عَنْ يَسَارِهِ، فَأَخَذَ بِذُؤَابَتِي، فَأَدَارَنِي عَنْ يَمِينِهِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَرَوَى جَابِرٌ، قَالَ:«قَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي، فَجِئْت، فَوَقَفْت عَنْ يَسَارِهِ، فَأَدَارَنِي عَنْ يَمِينِهِ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَقَوْلُهُمْ: إنَّهُ لَمْ يَأْمُرْهُ بِابْتِدَاءِ التَّحْرِيمَةِ. قُلْنَا: لِأَنَّ مَا فَعَلَهُ قَبْلَ الرُّكُوعِ لَا يُؤَثِّرُ، فَإِنَّ الْإِمَامَ يُحْرِمُ قَبْلَ الْمَأْمُومِينَ، وَلَا يَضُرُّ انْفِرَادُهُ بِمَا قَبْلَ إحْرَامِهِمْ، وَكَذَلِكَ الْمَأْمُومُونَ يُحْرِمُ أَحَدُهُمْ قَبْلَ الْبَاقِينَ فَلَا يَضُرُّ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ الْعَفْوِ عَنْ ذَلِكَ الْعَفْوُ عَنْ رَكْعَةٍ كَامِلَةٍ. وَقَوْلُهُمْ: إنَّهُ مَوْقِفٌ إذَا كَانَ عَنْ يَمِينِ الْإِمَامِ آخَرُ. قُلْنَا: كَوْنُهُ مَوْقِفًا فِي صُورَةٍ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ كَوْنُهُ مَوْقِفًا فِي أُخْرَى، كَمَا خَلْفَ الصَّفِّ، فَإِنَّهُ مَوْقِفٌ لِاثْنَيْنِ، وَلَا يَكُونُ مَوْقِفًا لِوَاحِدٍ، فَإِنْ مَنَعُوا هَذَا أَثْبَتْنَاهُ بِالنَّصِّ.
(1164)
فَصْلٌ: فَإِنْ وَقَفَ عَنْ يَسَارِ إمَامِهِ وَخَلْفَ الْإِمَامِ صَفٌّ، احْتَمَلَ أَنْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ، لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم جَلَسَ عَنْ يَسَارِ أَبِي بَكْرٍ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ الْإِمَامَ وَلِأَنَّ مَعَ الْإِمَامِ مَنْ تَنْعَقِدُ صَلَاتُهُ بِهِ، فَصَحَّ الْوُقُوفُ عَنْ يَسَارِهِ، كَمَا لَوْ كَانَ مَعَهُ عَنْ يَمِينِهِ آخَرُ، وَاحْتَمَلَ أَنْ لَا تَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَوْقِفٍ إذَا لَمْ يَكُنْ صَفٌّ،
فَلَمْ يَكُنْ مَوْقِفًا مَعَ الصَّفِّ كَأَمَامِ الْإِمَامِ، وَفَارَقَ مَا إذَا كَانَ عَنْ يَمِينِهِ آخَرُ، لِأَنَّهُ مَعَهُ فِي الصَّفِّ، فَكَانَ صَفًّا وَاحِدًا، كَمَا لَوْ كَانَ وَقَفَ مَعَهُ خَلْفَ الصَّفِّ. (1165) فَصْلٌ: السُّنَّةُ أَنْ يَقِفَ الْمَأْمُومُونَ خَلْفَ الْإِمَامِ، فَإِنْ وَقَفُوا قُدَّامَهُ، لَمْ تَصِحَّ، وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ. وَقَالَ مَالِكٌ، وَإِسْحَاقُ: تَصِحُّ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ الِاقْتِدَاءَ بِهِ، فَأَشْبَهَ مَنْ خَلْفَهُ.
وَلَنَا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: " إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ ". وَلِأَنَّهُ يَحْتَاجُ فِي الِاقْتِدَاءِ إلَى الِالْتِفَاتِ إلَى وَرَائِهِ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلَا هُوَ فِي مَعْنَى الْمَنْقُولِ. فَلَمْ يَصِحَّ، كَمَا لَوْ صَلَّى فِي بَيْتِهِ بِصَلَاةِ الْإِمَامِ وَيُفَارِقُ مَنْ خَلْفَ الْإِمَامِ فَإِنَّهُ لَا يَحْتَاجُ فِي الِاقْتِدَاءِ إلَى الِالْتِفَاتِ إلَى وَرَائِهِ.
(1166)
فَصْلٌ: وَإِذَا كَانَ الْمَأْمُومُ وَاحِدًا ذَكَرًا، فَالسُّنَّةُ أَنْ يَقِفَ عَنْ يَمِينِ الْإِمَامِ رَجُلًا كَانَ، أَوْ غُلَامًا؛ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَنَسٍ، وَرَوَى جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ:«سِرْت مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي غَزْوَةٍ، فَقَامَ يُصَلِّي، فَتَوَضَّأْتُ، ثُمَّ جِئْتُ حَتَّى قُمْتُ عَنْ يَسَارِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخَذَ بِيَدِي فَأَدَارَنِي حَتَّى أَقَامَنِي عَنْ يَمِينِهِ، فَجَاءَ جَبَّارُ بْنُ صَخْرٍ حَتَّى قَامَ عَنْ يَسَارِهِ، فَأَخَذَنَا بِيَدَيْهِ جَمِيعًا حَتَّى أَقَامَنَا خَلْفَهُ.» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُد. فَإِنْ كَانُوا ثَلَاثَةً تَقَدَّمَ الْإِمَامُ، وَوَقَفَ الْمَأْمُومَانِ خَلْفَهُ. وَهَذَا قَوْلُ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، وَالْحَسَنِ، وَعَطَاءٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ.
وَكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ يَرَى أَنْ يَقِفُوا جَمِيعًا صَفًّا. وَلَنَا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَخْرَجَ جَبَّارًا وَجَابِرًا، فَجَعَلَهُمَا خَلْفَهُ، وَلَمَّا صَلَّى بِأَنَسٍ وَالْيَتِيمِ جَعَلَهُمَا خَلْفَهُ، وَحَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ، وَحَدِيثُ جَابِرٍ وَجَبَّارٍ يَدُلُّ عَلَى الْفَضْلِ؛ لِأَنَّهُ أَخَّرَهُمَا إلَى خَلْفِهِ، وَلَا يَنْقُلُهُمَا إلَّا إلَى الْأَكْمَلِ. فَإِنْ كَانَ أَحَدُ الْمَأْمُومَيْنِ صَبِيًّا، وَكَانَتْ الصَّلَاةُ تَطَوُّعًا، جَعَلَهُمَا خَلْفَهُ، لِخَبَرِ أَنَسٍ. وَإِنْ كَانَتْ فَرْضًا، جَعَلَ الرَّجُلَ عَنْ يَمِينِهِ، وَالْغُلَامَ عَنْ يَسَارِهِ، كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ. وَإِنْ جَعَلَهُمَا جَمِيعًا عَنْ يَمِينِهِ جَازَ، وَإِنْ وَقَفَهُمَا خَلْفَهُ، فَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: لَا تَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَؤُمُّهُ، فَلَمْ يُصَافَّهُ كَالْمَرْأَةِ.
وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمُتَنَفِّلِ، وَالْمُتَنَفِّلُ يَصِحُّ أَنْ يُصَافَّ الْمُفْتَرِضَ، كَذَا هَاهُنَا. (1167) فَصْلٌ: وَإِنْ أَمَّ امْرَأَةً وَقَفَتْ خَلْفَهُ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَخِّرُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَخَّرَهُنَّ اللَّهُ» . وَلِأَنَّ
أُمَّ أَنَسٍ وَقَفَتْ خَلْفَهُمَا وَحْدَهَا. فَإِنْ كَانَ مَعَهُمَا رَجُلٌ وَقَفَ عَنْ يَمِينِهِ، وَوَقَفَتْ الْمَرْأَةُ خَلْفَهُمَا. وَإِنْ كَانَ مَعَهُمَا رَجُلَانِ وَقَفَا خَلْفَهُ، وَوَقَفَتْ الْمَرْأَةُ خَلْفَهُمَا. وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا غُلَامًا فِي تَطَوُّعٍ، وَقَفَ الرَّجُلُ وَالْغُلَامُ وَرَاءَهُ، وَالْمَرْأَةُ خَلْفَهُمَا؛ لِحَدِيثِ أَنَسٍ. وَإِنْ كَانَتْ فَرِيضَةً، فَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ. وَتَقِفُ الْمَرْأَةُ خَلْفَهُمَا.
وَإِنْ وَقَفَتْ مَعَهُمْ فِي الصَّفِّ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ، صَحَّ وَلَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهَا وَلَا صَلَاتُهُمْ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ. وَإِنْ وَقَفَ الرَّجُلُ الْوَاحِدُ وَالْمَرْأَةُ خَلْفَ الْإِمَامِ. فَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: لَا تَصِحُّ؛ لِأَنَّهَا لَا تَؤُمُّهُ، فَلَا تَكُونُ مَعَهُ صَفًّا. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: تَصِحُّ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ؛ لِأَنَّهُ وَقَفَ مَعَهُ مُفْتَرِضٌ صَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ وَقَفَ مَعَهُ رَجُلٌ، وَلَيْسَ مِنْ الشَّرْطِ أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ تَصِحُّ إمَامَتُهُ، بِدَلِيلِ الْقَارِئِ. مَعَ الْأُمِّيِّ، وَالْفَاسِقِ وَالْمُتَنَفِّلِ مَعَ الْمُفْتَرِضِ (1168) فَصْلٌ: إذَا كَانَ الْمَأْمُومُ وَاحِدًا، فَكَبَّرَ عَنْ يَسَارِ الْإِمَامِ، أَدَارَهُ الْإِمَامُ عَنْ يَمِينِهِ، وَلَمْ تَبْطُلْ تَحْرِيمَتُهُ، كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِابْنِ عَبَّاسٍ وَجَابِرٍ.
وَإِنْ كَبَّرَ فَذًّا خَلْفَ الْإِمَامِ، ثُمَّ تَقَدَّمَ عَنْ يَمِينِهِ، أَوْ جَاءَ آخَرُ فَوَقَفَ مَعَهُ، أَوْ تَقَدَّمَ إلَى صَفٍّ بَيْنَ يَدَيْهِ، أَوْ كَانَا اثْنَيْنِ فَكَبَّرَ أَحَدُهُمَا وَتَوَسْوَسَ الْآخَرُ، ثُمَّ كَبَّرَ قَبْلَ رَفْعِ الْإِمَامِ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ، أَوْ كَبَّرَ وَاحِدٌ عَنْ يَمِينِهِ فَأَحَسَّ بِآخَرَ، فَتَأَخَّرَ مَعَهُ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ الثَّانِي، ثُمَّ أَحْرَمَ مَعَهُ أَوْ أَحْرَمَ عَنْ يَسَارِهِ، فَجَاءَ آخَرُ، فَوَقَفَ عَنْ يَمِينِهِ قَبْلَ رَفْعِ الْإِمَامِ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ، صَحَّتْ صَلَاتُهُمْ. وَقَدْ نَصَّ أَحْمَدُ، فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ، فِي الرَّجُلَيْنِ يَقُومَانِ خَلْفَ الْإِمَامِ، لَيْسَ خَلْفَهُ غَيْرُهُمَا، فَإِنْ كَبَّرَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ صَاحِبِهِ خَافَ أَنْ يَدْخُلَ فِي الصَّلَاةِ خَلْفَ الصَّفِّ، فَقَالَ: لَيْسَ هَذَا مِنْ ذَاكَ، ذَاكَ فِي الصَّلَاةِ بِكَمَالِهَا، أَوْ صَلَّى رَكْعَةً كَامِلَةً، وَمَا أَشْبَهَ هَذَا، فَأَمَّا هَذَا فَأَرْجُو أَنْ لَا يَكُونَ بِهِ بَأْسٌ.
وَلَوْ أَحْرَمَ رَجُلٌ خَلْفَ الصَّفِّ، ثُمَّ خَرَجَ مِنْ الصَّفِّ رَجُلٌ فَوَقَفَ مَعَهُ، صَحَّ؛ لِمَا ذَكَرْنَا. (1169) فَصْلٌ: وَإِنْ كَبَّرَ الْمَأْمُومُ عَنْ يَمِينِ الْإِمَامِ، ثُمَّ جَاءَ آخَرُ فَكَبَّرَ عَنْ يَسَارِهِ، أَخْرَجَهُمَا الْإِمَامُ إلَى وَرَائِهِ، كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِجَابِرٍ وَجَبَّارٍ، وَلَا يَتَقَدَّمُ الْإِمَامُ، إلَّا أَنْ يَكُونَ وَرَاءَهُ ضَيِّقٌ. وَإِنْ تَقَدَّمَ، جَازَ، وَإِنْ كَبَّرَ الثَّانِي مَعَ الْأَوَّلِ عَنْ الْيَمِينِ وَخَرَجَا، جَازَ. وَإِنْ دَخَلَ الثَّالِثُ، وَهُمَا فِي التَّشَهُّدِ، كَبَّرَ وَجَلَسَ عَنْ يَمِينِ صَاحِبِهِ، أَوْ عَنْ يَسَارِهِ، وَلَا يَتَأَخَّرَانِ فِي التَّشَهُّدِ، فَإِنَّ فِي ذَلِكَ مَشَقَّةً.
(1170)
فَصْلٌ: وَإِنْ أَحْرَمَ اثْنَانِ وَرَاءُ الْإِمَامِ، فَخَرَجَ أَحَدُهُمَا لِعُذْرٍ، أَوْ لِغَيْرِ عُذْرٍ، دَخَلَ الْآخَرُ فِي الصَّفِّ، أَوْ نَبَّهَ