الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْجَارِيَةِ أَفْحَشُ، وَلِأَنَّ الْعَادَةَ مُعَانَاةُ الْمَرْأَةِ لِلْغُلَامِ الصَّغِيرِ، وَمُبَاشَرَةُ عَوْرَتِهِ فِي حَالِ تَرْبِيَتِهِ، وَلَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِمُبَاشَرَةِ الرَّجُلِ عَوْرَةَ الْجَارِيَةِ فِي الْحَيَاةِ، فَكَذَلِكَ حَالَةَ الْمَوْتِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
فَأَمَّا الصَّبِيُّ إذَا غَسَّلَ الْمَيِّتَ، فَإِنْ كَانَ عَاقِلًا صَحَّ غَسْلُهُ صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا؛ لِأَنَّهُ يَصِحُّ طَهَارَتُهُ، فَصَحَّ أَنْ يُطَهِّرَ غَيْرَهُ، كَالْكَبِيرِ فَصْلٌ: وَيَصِحُّ أَنْ يُغَسِّلَ الْمُحْرِمُ الْحَلَالَ، وَالْحَلَالُ الْمُحْرِمَ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَصِحُّ طَهَارَتُهُ وَغَسْلُهُ، فَكَانَ لَهُ أَنْ يُغَسِّلَ غَيْرَهُ.
[فَصْل غُسْلُ الْكَافِرِ لِلْمُسْلِمِ]
(1627)
فَصْلٌ: وَلَا يَصِحُّ غُسْلُ الْكَافِرِ لِلْمُسْلِمِ؛ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ، وَلَيْسَ الْكَافِرُ مِنْ أَهْلِهَا.
وَقَالَ مَكْحُولٌ فِي امْرَأَةٍ تُوُفِّيَتْ فِي سَفَرٍ، وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ وَنِسَاءٌ نَصَارَى: يُغَسِّلُهَا النِّسَاءُ. وَقَالَ سُفْيَانُ فِي رَجُلٍ مَاتَ مَعَ نِسَاءٍ، لَيْسَ مَعَهُنَّ رَجُلٌ، قَالَ: إنْ وَجَدُوا نَصْرَانِيًّا أَوْ مَجُوسِيًّا، فَلَا بَأْسَ إذَا تَوَضَّأَ أَنْ يُغَسِّلَهُ، وَيُصَلِّيَ عَلَيْهِ النِّسَاءُ. وَغَسَّلَتْ امْرَأَةَ عَلْقَمَةَ امْرَأَةٌ نَصْرَانِيَّةٌ. وَلَمْ يُعْجِبْ هَذَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ. وَقَالَ: لَا يُغَسِّلُهُ إلَّا مُسْلِمٌ، وَيُيَمَّمُ؛ لِأَنَّ الْكَافِرَ نَجِسٌ، فَلَا يُطَهِّرُ غُسْلُهُ الْمُسْلِمَ. وَلِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْعِبَادَةِ فَلَا يَصِحُّ غُسْلُهُ لِلْمُسْلِمِ، كَالْمَجْنُونِ.
وَإِنْ مَاتَ كَافِرٌ مَعَ مُسْلِمِينَ، لَمْ يُغَسِّلُوهُ، سَوَاءٌ كَانَ قَرِيبًا لَهُمْ أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَلَا يَتَوَلَّوْا دَفْنَهُ، إلَّا أَنْ لَا يَجِدُوا مَنْ يُوَارِيهِ. وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ. وَقَالَ أَبُو حَفْصٍ الْعُكْبَرِيُّ: يَجُوزُ لَهُ غُسْلُ قَرِيبِهِ الْكَافِرِ، وَدَفْنُهُ. وَحَكَاهُ قَوْلًا لِأَحْمَدَ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ:«قُلْت لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: إنَّ عَمَّك الشَّيْخَ الضَّالَّ قَدْ مَاتَ. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: اذْهَبْ فَوَارِهِ» .
وَلَنَا، أَنَّهُ لَا يُصَلِّي عَلَيْهِ، وَلَا يَدْعُو لَهُ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ غُسْلُهُ، وَتَوَلِّي أَمْرِهِ، كَالْأَجْنَبِيِّ، وَالْحَدِيثُ إنْ صَحَّ يَدُلُّ عَلَى مُوَارَاتِهِ لَهُ، وَذَلِكَ إذَا خَافَ مِنْ التَّعْيِيرِ بِهِ، وَالضَّرَرِ بِبَقَائِهِ. قَالَ أَحْمَدُ، رحمه الله، فِي يَهُودِيٍّ أَوْ نَصْرَانِيٍّ مَاتَ، وَلَهُ وَلَدٌ مُسْلِمٌ: فَلْيَرْكَبْ دَابَّةً، وَلْيَسِرْ أَمَامَ الْجِنَازَةِ، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَدْفِنَ رَجَعَ، مِثْلُ قَوْلِ عُمَرَ رضي الله عنه.
[مَسْأَلَة الشَّهِيدُ إذَا مَاتَ فِي مَوْضِعِهِ لَمْ يُغَسَّلْ وَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ]
(1628)
مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَالشَّهِيدُ إذَا مَاتَ فِي مَوْضِعِهِ، لَمْ يُغَسَّلْ، وَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ) يَعْنِي إذَا مَاتَ فِي الْمُعْتَرَكِ، فَإِنَّهُ لَا يُغَسَّلُ، رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ
خِلَافًا، إلَّا عَنْ الْحَسَنِ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَا: يُغَسَّلُ الشَّهِيدُ، مَا مَاتَ مَيِّتٌ إلَّا جُنُبًا. وَالِاقْتِدَاءُ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابِهِ فِي تَرْكِ غُسْلِهِمْ أَوْلَى.
فَأَمَّا الصَّلَاةُ عَلَيْهِ، فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ. وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَإِسْحَاقَ. وَعَنْ أَحْمَدَ، رِوَايَةٌ أُخْرَى، أَنَّهُ يُصَلَّى عَلَيْهِ. اخْتَارَهَا الْخَلَّالُ. وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ، وَأَبِي حَنِيفَةَ. إلَّا أَنَّ كَلَامَ أَحْمَدَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ يُشِيرُ إلَى أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ مُسْتَحَبَّةٌ، غَيْرُ وَاجِبَةٍ. قَالَ فِي مَوْضِعٍ: إنْ صُلِّيَ عَلَيْهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ. وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ، قَالَ: يُصَلَّى، وَأَهْلُ الْحِجَازِ لَا يُصَلُّونَ عَلَيْهِ، وَمَا تَضُرُّهُ الصَّلَاةُ، لَا بَأْسَ بِهِ.
وَصَرَّحَ بِذَلِكَ فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ، فَقَالَ: الصَّلَاةُ عَلَيْهِ أَجْوَدُ، وَإِنْ لَمْ يُصَلُّوا عَلَيْهِ أَجْزَأَ. فَكَأَنَّ الرِّوَايَتَيْنِ فِي اسْتِحْبَابِ الصَّلَاةِ، لَا فِي وُجُوبِهَا، إحْدَاهُمَا يُسْتَحَبُّ؛ لِمَا رَوَى عُقْبَةُ، أَنَّ «النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ يَوْمًا، فَصَلَّى عَلَى أَهْلِ أُحُدٍ صَلَاتَهُ عَلَى الْمَيِّتِ، ثُمَّ انْصَرَفَ إلَى الْمِنْبَرِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى عَلَى قَتْلَى أُحُدٍ» . وَلَنَا، مَا رَوَى جَابِرٌ، «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِدَفْنِ شُهَدَاءِ أُحُدٍ فِي دِمَائِهِمْ، وَلَمْ يُغَسِّلْهُمْ، وَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِمْ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلِأَنَّهُ لَا يُغَسَّلُ مَعَ إمْكَانِ غُسْلِهِ، فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ، كَسَائِرِ مَنْ لَمْ يُغَسَّلْ، وَحَدِيثُ عُقْبَةَ مَخْصُوصٌ بِشُهَدَاءِ أُحُدٍ، فَإِنَّهُ صَلَّى عَلَيْهِمْ فِي الْقُبُورِ بَعْدَ ثَمَانِي سِنِينَ، وَهُمْ لَا يُصَلُّونَ عَلَى الْقَبْرِ أَصْلًا، وَنَحْنُ لَا نُصَلِّي عَلَيْهِ بَعْدَ شَهْرٍ. وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ يَرْوِيهِ الْحَسَنُ بْنُ عُمَارَةَ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَقَدْ أَنْكَرَ عَلَيْهِ شُعْبَةُ رِوَايَةَ هَذَا الْحَدِيثِ. وَقَالَ: إنَّ جَرِيرَ بْنَ حَازِمٍ يُكَلِّمُنِي فِي أَنْ لَا أَتَكَلَّمْ فِي الْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ، وَكَيْفَ لَا أَتَكَلَّمُ فِيهِ وَهُوَ يَرْوِي هَذَا الْحَدِيثَ
ثُمَّ نَحْمِلُهُ عَلَى الدُّعَاءِ. إذَا ثَبَتَ هَذَا فَيَحْتَمِلُ أَنَّ تَرْكَ غُسْلِ الشَّهِيدِ لِمَا تَضَمَّنَهُ الْغُسْلُ مِنْ إزَالَةِ أَثَرِ الْعِبَادَةِ الْمُسْتَحْسَنَةِ شَرْعًا، فَإِنَّهُ جَاءَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:«وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَا يُكْلَمُ أَحَدٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يُكْلَمُ فِي سَبِيلِهِ، إلَّا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَاللَّوْنُ لَوْنُ دَمٍ، وَالرِّيحُ رِيحُ مِسْكٍ.» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «لَيْسَ شَيْءٌ أَحَبَّ إلَى اللَّهِ عز وجل مِنْ قَطْرَتَيْنِ وَأَثَرَيْنِ: أَمَّا الْأَثَرَانِ، فَأَثَرٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَأَثَرٌ فِي فَرِيضَةٍ مِنْ فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى.» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَقَدْ جَاءَ ذِكْرُ هَذِهِ الْعِلَّةِ فِي الْحَدِيثِ، فَإِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ ثَعْلَبَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «زَمِّلُوهُمْ بِدِمَائِهِمْ، فَإِنَّهُ لَيْسَ كَلْمٌ يُكْلَمُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إلَّا يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَدْمَى، لَوْنُهُ لَوْنُ الدَّمِ، وَرِيحُهُ رِيحُ الْمِسْكِ.» رَوَاهُ النَّسَائِيّ.