الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[مَسْأَلَةٌ تَجْرِيد الْمَيِّت عِنْدَ غَسْلِهِ وَسِتْر عَوْرَته بِمِئْزَرِ]
(1498)
مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (فَإِذَا أَخَذَ فِي غُسْلِهِ سَتَرَ مِنْ سُرَّتِهِ إلَى رُكْبَتَيْهِ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ تَجْرِيدُ الْمَيِّتِ عِنْدَ غُسْلِهِ، وَيَسْتُرُ عَوْرَتَهُ بِمِئْزَرٍ. هَذَا ظَاهِرُ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ، فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ عَنْ أَحْمَدَ فَقَالَ: يُغَطِّي مَا بَيْنَ سُرَّتِهِ وَرُكْبَتَيْهِ.
وَهَذَا اخْتِيَارُ أَبِي الْخَطَّابِ وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ سِيرِينَ وَمَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَرَوَى الْمَرُّوذِيُّ، عَنْ أَحْمَدَ، أَنَّهُ قَالَ: يُعْجِبُنِي أَنْ يُغَسِّلَ الْمَيِّتَ وَعَلَيْهِ ثَوْبٌ يُدْخِلُ يَدَهُ مِنْ تَحْتِ الثَّوْبِ. قَالَ: وَكَانَ أَبُو قِلَابَةَ إذَا غَسَّلَ مَيِّتًا جَلَّلَهُ بِثَوْبٍ.
قَالَ الْقَاضِي: السُّنَّةُ أَنْ يُغَسَّلَ فِي قَمِيصٍ رَقِيقٍ يَنْزِلُ الْمَاءُ فِيهِ، وَلَا يَمْنَعُ أَنْ يَصِلَ إلَى بَدَنِهِ، وَيُدْخِلُ يَدَهُ فِي كُمِّ الْقَمِيصِ، فَيُمِرُّهَا عَلَى بَدَنِهِ وَالْمَاءُ يُصَبُّ، فَإِنْ كَانَ الْقَمِيصُ ضَيِّقًا فَتَقَ رَأْسَ الدَّخَارِيصِ، وَأَدْخَلَ يَدَهُ مِنْهُ. وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم غُسِّلَ فِي قَمِيصِهِ. وَقَالَ سَعْدٌ اصْنَعُوا بِي كَمَا صُنِعَ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
قَالَ أَحْمَدُ غُسِّلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي قَمِيصِهِ، وَقَدْ أَرَادُوا خَلْعَهُ، فَنُودُوا، أَنْ لَا تَخْلَعُوهُ، وَاسْتُرُوا نَبِيَّكُمْ. وَلَنَا، أَنَّ تَجْرِيدَهُ أَمْكَنُ لِتَغْسِيلِهِ، وَأَبْلَغُ فِي تَطْهِيرِهِ، وَالْحَيُّ يَتَجَرَّدُ إذَا اغْتَسَلَ، فَكَذَا الْمَيِّتُ، وَلِأَنَّهُ إذَا غُسِّلَ فِي ثَوْبِهِ تَنَجَّسَ الثَّوْبُ بِمَا يَخْرُجُ، وَقَدْ لَا يَطْهُرُ بِصَبِّ الْمَاءِ عَلَيْهِ، فَيَتَنَجَّسَ الْمَيِّتُ بِهِ. فَأَمَّا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَذَاكَ خَاصٌّ لَهُ، أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ قَالُوا: نُجَرِّدُهُ كَمَا نُجَرِّدُ مَوْتَانَا. كَذَلِكَ رَوَتْ عَائِشَةُ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرّ: رُوِيَ ذَلِكَ عَنْهَا مِنْ وَجْهٍ صَحِيحٍ.
فَالظَّاهِرُ أَنَّ تَجْرِيدَ الْمَيِّتِ فِيمَا عَدَا الْعَوْرَةَ كَانَ مَشْهُورًا عِنْدَهُمْ، وَلَمْ يَكُنْ هَذَا لِيَخْفَى عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ كَانَ بِأَمْرِهِ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَنْتَهُونَ إلَى رَأْيِهِ، وَيَصْدُرُونَ عَنْ أَمْرِهِ فِي الشَّرْعِيَّاتِ، وَاتِّبَاعُ أَمْرِهِ وَفِعْلِهِ أَوْلَى مِنْ اتِّبَاعِ غَيْرِهِ. وَلِأَنَّ مَا يُخْشَى مِنْ تَنْجِيسِ قَمِيصِهِ بِمَا يَخْرُجُ مِنْهُ كَانَ مَأْمُونًا فِي حَقِّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؛ لِأَنَّهُ طَيِّبٌ حَيًّا وَمَيِّتًا، بِخِلَافِ غَيْرِهِ، وَإِنَّمَا قَالَ سَعْدٌ الْحَدُوا لِي لَحْدًا، وَانْصُبُوا عَلَيَّ اللَّبِنَ نَصْبًا، كَمَا صُنِعَ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. وَلَوْ ثَبَتَ أَنَّهُ أَرَادَ الْغُسْلَ فَأَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَوْلَى بِالِاتِّبَاعِ.
وَأَمَّا سَتْرُ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ فَلَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا، فَإِنَّ ذَلِكَ عَوْرَةٌ، وَسَتْرُ الْعَوْرَةِ مَأْمُورٌ بِهِ، وَقَدْ «قَالَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم لِعَلِيٍّ: لَا تَنْظُرْ إلَى فَخِذِ حَيٍّ، وَلَا مَيِّتٍ» .
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَرُوِيَ: " النَّاظِرُ مِنْ الرِّجَالِ إلَى فُرُوجِ الرِّجَالِ، كَالنَّاظِرِ مِنْهُمْ إلَى فُرُوجِ النِّسَاءِ، وَالْمُتَكَشِّفُ مَلْعُونٌ ".