الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَمَّ بِهَا مُفْتَرِضِينَ. وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ الْمُسَافِرَ إذَا نَوَى إتْمَامَ الصَّلَاةِ أَوْ لَمْ يَنْوِ الْقَصْرَ، لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ، فَيَصِيرُ الْجَمِيعُ فَرْضًا.
[مَسْأَلَةٌ يَأْتَمُّ بِالْإِمَامِ مَنْ فِي أَعْلَى الْمَسْجِدِ وَغَيْرِ الْمَسْجِدِ إذَا اتَّصَلَتْ الصُّفُوفُ]
(1155)
مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَيَأْتَمُّ بِالْإِمَامِ مَنْ فِي أَعْلَى الْمَسْجِدِ وَغَيْرِ الْمَسْجِدِ، إذَا اتَّصَلَتْ الصُّفُوفُ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَأْمُومُ مُسَاوِيًا لِلْإِمَامِ أَوْ أَعْلَى مِنْهُ، كَاَلَّذِي عَلَى سَطْحِ الْمَسْجِدِ أَوْ عَلَى دِكَّةٍ عَالِيَةٍ، أَوْ رَفٍّ فِيهِ، رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ صَلَّى بِصَلَاةِ الْإِمَامِ عَلَى سَطْحِ الْمَسْجِدِ وَفَعَلَهُ سَالِمٌ. وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَقَالَ مَالِكٌ يُعِيدُ الْجُمُعَةَ إذَا صَلَّى فَوْقَ سَطْحِ الْمَسْجِدِ بِصَلَاةِ الْإِمَامِ. وَلَنَا أَنَّهُمَا فِي الْمَسْجِدِ، وَلَمْ يَعْلُ الْإِمَامُ، فَصَحَّ أَنْ يَأْتَمَّ بِهِ كَالْمُتَسَاوِيَيْنِ، وَلَا يُعْتَبَرُ اتِّصَالُ الصُّفُوفِ إذَا كَانَا جَمِيعًا فِي الْمَسْجِدِ. قَالَ الْآمِدِيُّ: لَا خِلَافَ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّهُ إذَا كَانَ فِي أَقْصَى الْمَسْجِدِ، وَلَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْإِمَامِ مَا يَمْنَعُ الِاسْتِطْرَاقَ وَالْمُشَاهَدَةَ، أَنَّهُ يَصِحُّ اقْتِدَاؤُهُ بِهِ، وَإِنْ لَمْ تَتَّصِلْ الصُّفُوفُ.
وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ بُنِيَ لِلْجَمَاعَةِ، فَكُلُّ مَنْ حَصَلَ فِيهِ فَقَدْ حَصَلَ فِي مَحَلِّ الْجَمَاعَةِ. وَإِنْ كَانَ الْمَأْمُومُ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ أَوْ كَانَا جَمِيعًا فِي غَيْرِ مَسْجِدٍ، صَحَّ أَنْ يَأْتَمَّ بِهِ، سَوَاءٌ كَانَ مُسَاوِيًا لِلْإِمَامِ أَوْ أَعْلَى مِنْهُ، كَثِيرًا كَانَ الْعُلُوُّ أَوْ قَلِيلًا، بِشَرْطِ كَوْنِ الصُّفُوفِ مُتَّصِلَةً وَيُشَاهِدُ مَنْ وَرَاءَ الْإِمَامِ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَأْمُومُ فِي رَحْبَةِ الْجَامِعِ، أَوْ دَارٍ، أَوْ عَلَى سَطْحٍ وَالْإِمَامُ عَلَى سَطْحٍ آخَرَ، أَوْ كَانَا فِي صَحْرَاءَ، أَوْ فِي سَفِينَتَيْنِ. وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، إلَّا أَنَّهُ يَشْتَرِطُ أَنْ لَا يَكُونَ بَيْنَهُمَا مَا يَمْنَعُ الِاسْتِطْرَاقَ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ. وَلَنَا، أَنَّ هَذَا لَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي الْمَنْعِ مِنْ الِاقْتِدَاءِ بِالْإِمَامِ، وَلَمْ يَرِدْ فِيهِ نَهْيٌ، وَلَا هُوَ فِي مَعْنَى ذَلِكَ، فَلَمْ يَمْنَعْ صِحَّةَ الِائْتِمَامِ بِهِ، كَالْفَصْلِ الْيَسِيرِ. إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّ مَعْنَى اتِّصَالِ الصُّفُوفِ أَنْ لَا يَكُونَ بَيْنَهُمَا بُعْدٌ لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِهِ، وَلَا يَمْنَعُ إمْكَانَ الِاقْتِدَاءِ.
وَحُكِيَ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ حَدَّ الِاتِّصَالَ بِمَا دُونَ ثَلَاثِ مِائَةِ ذِرَاعٍ. وَالتَّحْدِيدَاتُ بَابُهَا التَّوْقِيفُ، وَالْمَرْجِعُ فِيهَا إلَى النُّصُوصِ وَالْإِجْمَاعِ، وَلَا نَعْلَمُ فِي هَذَا نَصًّا نَرْجِعُ إلَيْهِ وَلَا إجْمَاعًا نَعْتَمِدُ عَلَيْهِ، فَوَجَبَ الرُّجُوعُ فِيهِ إلَى الْعُرْفِ، كَالتَّفَرُّقِ وَالْإِحْرَازِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (1156) فَصْلٌ: فَإِنْ كَانَ بَيْنَ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ حَائِلٌ يَمْنَعُ رُؤْيَةَ الْإِمَامِ، أَوْ مَنْ وَرَاءَهُ، فَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: فِيهِ رِوَايَتَانِ؛ إحْدَاهُمَا، لَا يَصِحُّ الِائْتِمَامُ بِهِ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي؛ لِأَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ لِنِسَاءٍ كُنَّ يُصَلِّينَ فِي حُجْرَتِهَا: لَا تُصَلِّينَ بِصَلَاةِ الْإِمَامِ، فَإِنَّكُنَّ دُونَهُ فِي حِجَابٍ. وَلِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ الِاقْتِدَاءُ بِهِ فِي الْغَالِبِ. وَالثَّانِيَةُ: يَصِحُّ.
قَالَ أَحْمَدُ فِي رَجُلٍ يُصَلِّي خَارِجَ الْمَسْجِدِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَأَبْوَابُ الْمَسْجِدِ مُغْلَقَةٌ: أَرْجُو أَنْ لَا يَكُونَ بِهِ بَأْسٌ. وَسُئِلَ عَنْ رَجُلٍ يُصَلِّي يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الْإِمَامِ سُتْرَةٌ قَالَ: إذَا لَمْ يَقْدِرْ
عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ. وَقَالَ فِي الْمِنْبَرِ إذَا قَطَعَ الصَّفَّ: لَا يَضُرُّ. وَلِأَنَّهُ أَمْكَنَهُ الِاقْتِدَاءُ بِالْإِمَامِ، فَيَصِحُّ اقْتِدَاؤُهُ بِهِ مِنْ غَيْرِ مُشَاهَدَةٍ، كَالْأَعْمَى، وَلِأَنَّ الْمُشَاهَدَةَ تُرَادُ لِلْعِلْمِ بِحَالِ الْإِمَامِ، وَالْعِلْمُ يَحْصُلُ بِسَمَاعِ التَّكْبِيرِ، فَجَرَى مَجْرَى الرُّؤْيَةِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمَأْمُومُ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ فِي غَيْرِهِ، وَاخْتَارَ الْقَاضِي أَنَّهُ يَصِحُّ إذَا كَانَا فِي الْمَسْجِدِ، وَلَا يَصِحُّ فِي غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ مَحَلُّ الْجَمَاعَةِ، وَفِي مَظِنَّةِ الْقُرْبِ، وَلَا يَصِحُّ فِي غَيْرِهِ لِعَدَمِ هَذَا الْمَعْنَى، وَلِخَبَرِ عَائِشَةَ.
وَلَنَا، أَنَّ الْمَعْنَى الْمُجَوِّزَ أَوْ الْمَانِعَ قَدْ اسْتَوَيَا فِيهِ، فَوَجَبَ اسْتِوَاؤُهُمَا فِي الْحُكْمِ، وَلَا بُدَّ لِمَنْ لَا يُشَاهِدُ أَنْ يَسْمَعَ التَّكْبِيرَ، لِيُمْكِنَهُ الِاقْتِدَاءُ، فَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ، لَمْ يَصِحَّ ائْتِمَامُهُ بِهِ بِحَالٍ، لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الِاقْتِدَاءُ بِهِ.
فَصْلٌ: وَكُلُّ مَوْضِعٍ اعْتَبَرْنَا الْمُشَاهَدَةَ، فَإِنَّهُ يَكْفِيهِ مُشَاهَدَةُ مَنْ وَرَاءُ الْإِمَامِ، سَوَاءٌ شَاهَدَهُ مِنْ بَابٍ أَمَامَهُ أَوْ عَنْ يَمِينِهِ أَوْ عَنْ يَسَارِهِ، أَوْ شَاهَدَهُ طَرَفَ الصَّفِّ الَّذِي وَرَاءَهُ، فَإِنَّ ذَلِكَ يُمْكِنُهُ الِاقْتِدَاءُ بِهِ. وَإِنْ كَانَتْ الْمُشَاهَدَةُ تَحْصُلُ فِي بَعْضِ أَحْوَالِ الصَّلَاةِ، فَالظَّاهِرُ صِحَّةُ الصَّلَاةِ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ:«كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ، وَجِدَارُ الْحُجْرَةِ قَصِيرٌ، فَرَأَى النَّاسُ شَخْصَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَامَ أُنَاسٌ يُصَلُّونَ بِصَلَاتِهِ، وَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ بِذَلِكَ، فَقَامَ اللَّيْلَةَ الثَّانِيَةَ، فَقَامَ مَعَهُ أُنَاسٌ يُصَلُّونَ بِصَلَاتِهِ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ كَانُوا يَرَوْنَهُ فِي حَالِ قِيَامِهِ. (1158) فَصْلٌ: وَإِذَا كَانَ بَيْنَهُمَا طَرِيقٌ أَوْ نَهْرٌ تَجْرِي فِيهِ السُّفُنُ، أَوْ كَانَا فِي سَفِينَتَيْنِ مُفْتَرِقَتَيْنِ، فَفِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا، لَا يَصِحُّ أَنْ يَأْتَمَّ بِهِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ أَصْحَابِنَا، وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ الطَّرِيقَ لَيْسَتْ مَحَلًّا لِلصَّلَاةِ، فَأَشْبَهَ مَا يَمْنَعُ الِاتِّصَالَ.
وَالثَّانِي: يَصِحُّ، وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدِي، وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ لَا نَصَّ فِي مَنْعِ ذَلِكَ، وَلَا إجْمَاعَ وَلَا هُوَ فِي مَعْنَى ذَلِكَ، لِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ الِاقْتِدَاءَ، فَإِنَّ الْمُؤَثِّرَ فِي ذَلِكَ مَا يَمْنَعُ الرُّؤْيَةَ أَوْ سَمَاعَ الصَّوْتِ، وَلَيْسَ هَذَا بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَقَوْلُهُمْ: إنَّ بَيْنَهُمَا مَا لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِلصَّلَاةِ، فَأَشْبَهَ مَا يَمْنَعُ. وَإِنْ سَلَّمْنَا ذَلِكَ فِي الطَّرِيقِ فَلَا يَصِحُّ فِي النَّهْرِ، فَإِنَّهُ تَصِحُّ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ فِي السَّفِينَةِ، وَإِذَا كَانَ جَامِدًا، ثُمَّ كَوْنُهُ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِلصَّلَاةِ إنَّمَا يَمْنَعُ الصَّلَاةَ فِيهِ، أَمَّا الْمَنْعُ مِنْ الِاقْتِدَاءِ بِالْإِمَامِ فَتَحَكُّمٌ مَحْضٌ، لَا يَلْزَمُ الْمَصِيرُ إلَيْهِ، وَلَا الْعَمَلُ بِهِ، وَلَوْ كَانَتْ صَلَاةَ جِنَازَةٍ أَوْ جُمُعَةٍ أَوْ عِيدٍ، لَمْ يُؤَثِّرْ ذَلِكَ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا تَصِحُّ فِي الطَّرِيقِ، وَقَدْ صَلَّى أَنَسٌ فِي مَوْتِ حُمَيْدٍ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بِصَلَاةِ الْإِمَامِ، وَبَيْنَهُمَا طَرِيقٌ.