الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حَمْلَهَا عَلَى ظَاهِرِهَا، وَوَافَقَهَا ابْنُ عَبَّاسٍ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ذَكَرْت ذَلِكَ لِعَائِشَةَ فَقَالَتْ: يَرْحَمُ اللَّهُ عُمَرَ، وَاَللَّهِ مَا حَدَّثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«إنَّ اللَّهَ لَيُعَذِّبُ الْمُؤْمِنَ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ» . وَلَكِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إنَّ اللَّهَ لَيَزِيدُ الْكَافِرَ عَذَابًا بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ» . وَقَالَتْ: حَسْبُكُمْ الْقُرْآنُ: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164] . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ عِنْدَ ذَلِكَ: وَاَللَّهُ أَضْحَكَ وَأَبْكَى. وَذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ عَبَّاسٍ لِابْنِ عُمَرَ حِينَ رَوَى حَدِيثَهُ، فَمَا قَالَ شَيْئًا. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَحَمَلَهُ قَوْمٌ عَلَى مَنْ كَانَ النَّوْحُ سُنَّتَهُ، وَلَمْ يَنْهَ أَهْلَهُ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:{قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} [التحريم: 6] . وَقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» .
وَحَمَلَهُ آخَرُونَ عَلَى مَنْ أَوْصَى بِذَلِكَ فِي حَيَاتِهِ، كَقَوْلِ طَرَفَةَ:
إذَا مِتُّ فَانْعِينِي بِمَا أَنَا أَهْلُهُ
…
وَشِقِّي عَلَيَّ الْجَيْبَ يَا ابْنَةَ مَعْبَدِ
وَقَالَ آخَرُ:
مَنْ كَانَ مِنْ أُمَّهَاتِي بَاكِيًا أَبَدًا
…
فَالْيَوْمَ إنِّي أَرَانِي الْيَوْمَ مَقْبُوضًا
يُسْمِعْنَنِيهِ فَإِنِّي غَيْرُ سَامِعِهِ
…
إذَا جُعِلْت عَلَى الْأَعْنَاقِ مَعْرُوضًا
وَلَا بُدَّ مِنْ حَمْلِ الْبُكَاءِ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ عَلَى الْبُكَاءِ غَيْرِ الْمَشْرُوعِ، وَهُوَ الَّذِي مَعَهُ نَدْبٌ وَنِيَاحَةٌ وَنَحْوُ هَذَا، بِدَلِيلِ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ الْأَحَادِيثِ فِي صَدْرِ الْمَسْأَلَةِ.
[فَصْلٌ يَنْبَغِي لِلْمُصَابِ أَنْ يَسْتَعِينَ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَيَتَعَزَّى بِعَزَائِهِ]
(1659)
فَصْلٌ: وَيَنْبَغِي لِلْمُصَابِ أَنْ يَسْتَعِينَ بِاَللَّهِ تَعَالَى، وَيَتَعَزَّى بِعَزَائِهِ، وَيَمْتَثِلَ أَمْرَهُ فِي الِاسْتِعَانَةِ بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ، وَيَتَنَجَّزَ مَا وَعَدَ اللَّهُ بِهِ الصَّابِرِينَ، حَيْثُ يَقُولُ سُبْحَانَهُ:{وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 155]{الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة: 156]{أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة: 157] .
وَرَوَى مُسْلِمٌ، فِي " صَحِيحِهِ "، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُول: «مَا مِنْ عَبْدٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ، فَيَقُولُ: إنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ، اللَّهُمَّ اُؤْجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي، وَاخْلُفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا. إلَّا أَجَرَهُ اللَّهُ فِي مُصِيبَتِهِ، وَأَخْلَفَ لَهُ خَيْرًا مِنْهَا» قَالَتْ: فَلَمَّا مَاتَ أَبُو سَلَمَةَ، قُلْت كَمَا أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخْلَفَ لِي خَيْرًا مِنْهُ، رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
وَلْيَحْذَرْ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِشَيْءٍ يُحْبِطُ أَجْرَهُ، وَيُسْخِطُ رَبَّهُ، مِمَّا يُشْبِهُ التَّظَلُّمَ وَالِاسْتِغَاثَةَ، فَإِنَّ اللَّهَ عَدْلٌ لَا يَجُورُ، وَلَهُ مَا أَخَذَ وَلَهُ مَا أَعْطَى، وَهُوَ الْفَعَّالُ لِمَا يُرِيدُ، فَلَا يَدْعُو عَلَى نَفْسِهِ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ، لَمَّا مَاتَ أَبُو سَلَمَةَ:«لَا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ إلَّا بِخَيْرٍ؛ فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ يُؤَمِّنُونَ عَلَى مَا تَقُولُونَ» .
وَيَحْتَسِبُ ثَوَابَ اللَّهِ تَعَالَى وَيَحْمَدُهُ؛ لِمَا رَوَى أَبُو مُوسَى، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إذَا مَاتَ وَلَدُ الْعَبْدِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى