الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[كِتَاب صَلَاة الْخَوْف]
ِ صَلَاةُ الْخَوْفِ ثَابِتَةٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ؛ أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ} [النساء: 102] الْآيَةُ. وَأَمَّا السُّنَّةُ فَثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم «كَانَ يُصَلِّي صَلَاةَ الْخَوْفِ» ، وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ حُكْمَهَا بَاقٍ بَعْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إنَّمَا كَانَتْ تَخْتَصُّ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ} [النساء: 102] .
وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ فَإِنَّ مَا ثَبَتَ فِي حَقِّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثَبَتَ فِي حَقِّنَا، مَا لَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ عَلَى اخْتِصَاصِهِ بِهِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِاتِّبَاعِهِ بِقَوْلِهِ:{فَاتَّبِعُوهُ} [الأنعام: 153]«. وَسُئِلَ عَنْ الْقُبْلَةِ لِلصَّائِمِ، فَأَجَابَ: بِأَنَّنِي أَفْعَلُ ذَلِكَ، فَقَالَ السَّائِلُ: لَسْتَ مِثْلَنَا، فَغَضِبَ وَقَالَ: إنِّي لَأَرْجُوَ أَنْ أَكُونَ أَخْشَاكُمْ لِلَّهِ تَعَالَى، وَأَعْلَمَكُمْ بِمَا أَتَّقِي» . وَلَوْ اخْتَصَّ بِفِعْلِهِ لَمَا كَانَ الْإِخْبَارُ بِفِعْلِهِ جَوَابًا، وَلَا غَضِبَ مِنْ قَوْلِ السَّائِلِ: لَسْت مِثْلَنَا؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ - إذًا - يَكُونُ صَوَابًا.
وَكَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَحْتَجُّونَ بِأَفْعَالِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَيَرَوْنَهَا مُعَارِضَةً لِقَوْلِهِ وَنَاسِخَةً لَهُ؛ وَلِذَلِكَ لَمَّا أَخْبَرَتْ عَائِشَةُ وَأُمُّ سَلَمَةَ «بِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصْبِحُ جُنُبًا مِنْ غَيْرِ احْتِلَامٍ، ثُمَّ يَغْتَسِلُ، وَيَصُومُ ذَلِكَ الْيَوْمَ» . تَرَكُوا بِهِ خَبَرَ أَبِي هُرَيْرَةَ: «مَنْ أَصْبَحَ جُنُبًا فَلَا صَوْمَ لَهُ» . وَلَمَّا ذَكَرُوا ذَلِكَ لِأَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: هُنَّ أَعْلَمُ، إنَّمَا حَدَّثَنِي بِهِ الْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ. وَرَجَعَ عَنْ قَوْلِهِ.
وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِعْلُهُ حُجَّةً لِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ مُعَارِضًا لِقَوْلِهِ، وَأَيْضًا فَإِنَّ الصَّحَابَةَ رضي الله عنهم، أَجْمَعُوا عَلَى صَلَاةِ الْخَوْفِ، فَرُوِيَ أَنَّ عَلِيًّا رضي الله عنه صَلَّى صَلَاةَ الْخَوْفِ لَيْلَةَ الْهَدِيرِ، وَصَلَّى أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ صَلَاةَ الْخَوْفِ بِأَصْحَابِهِ. وَرُوِيَ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ كَانَ أَمِيرًا عَلَى الْجَيْشِ بِطَبَرِسْتَانَ، فَقَالَ: أَيُّكُمْ صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلَاةَ الْخَوْفِ؟ فَقَالَ حُذَيْفَةُ: أَنَا. فَقَدَّمَهُ، فَصَلَّى بِهِمْ.
فَأَمَّا تَخْصِيصُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِالْخِطَابِ، فَلَا يُوجِبُ تَخْصِيصَهُ بِالْحُكْمِ؛ لِمَا ذَكَرْنَاهُ، وَلِأَنَّ الصَّحَابَةَ رضي الله عنهم، أَنْكَرُوا عَلَى مَانِعِي الزَّكَاةِ قَوْلَهُمْ: إنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَصَّ نَبِيَّهُ بِأَخْذِ الزَّكَاةِ، بِقَوْلِهِ:{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة: 103] . وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم: 1] وَهَذَا لَا يَخْتَصُّ بِهِ. فَإِنْ قِيلَ: فَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَخَّرَ الصَّلَاةَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ، وَلَمْ يُصَلِّ.
قُلْنَا: هَذَا كَانَ قَبْلَ نُزُولِ صَلَاةِ الْخَوْفِ، وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ بِالْآخِرِ فَالْآخِرِ مِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَيَكُونُ نَاسِخًا لِمَا قَبْلَهُ، ثُمَّ إنَّ هَذَا الِاعْتِرَاضَ بَاطِلٌ فِي نَفْسِهِ؛ إذْ لَا خِلَافَ فِي أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ صَلَاةَ الْخَوْفِ، وَقَدْ أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِذَلِكَ فِي كِتَابِهِ، فَلَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِمَا يُخَالِفُ الْكِتَابَ وَالْإِجْمَاعَ.
وَيَحْتَمِلُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم -