الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَنَا، مَا رَوَى جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، لَا تَمْنَعُوا أَحَدًا طَافَ بِهَذَا الْبَيْتِ، وَصَلَّى فِي أَيِّ سَاعَةٍ شَاءَ، مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ» . رَوَاهُ الْأَثْرَمُ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ. وَلِأَنَّهُ قَوْلُ مَنْ سَمَّيْنَا مِنْ الصَّحَابَةِ، وَلِأَنَّ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ تَابِعَةٌ لَهُ، فَإِذَا أُبِيحَ الْمَتْبُوعُ يَنْبَغِي أَنْ يُبَاحَ التَّبَعُ، وَحَدِيثُهُمْ مَخْصُوصٌ بِالْفَوَائِتِ، وَحَدِيثُنَا لَا تَخْصِيصَ فِيهِ، فَيَكُونُ أَوْلَى.
[مَسْأَلَةَ الصَّلَاةَ عَلَى الْجِنَازَةَ فِي أَوْقَات النَّهْي]
(1020)
مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَيُصَلِّي عَلَى الْجِنَازَةِ) أَمَّا الصَّلَاةُ عَلَى الْجِنَازَةِ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَبَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَمِيلَ لِلْغُرُوبِ، فَلَا خِلَافَ فِيهِ، قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: إجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ بَعْدَ الْعَصْرِ وَالصُّبْحِ، وَأَمَّا الصَّلَاةُ عَلَيْهَا فِي الْأَوْقَاتِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي فِي حَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ فَلَا يَجُوزُ. ذَكَرَهَا الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ. قَالَ الْأَثْرَمُ: سَأَلْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَنْ الصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ إذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ؟ قَالَ: أَمَّا حِينَ تَطْلُعُ فَمَا يُعْجِبُنِي. ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ جَابِرٍ، وَابْنِ عُمَرَ نَحْوُ هَذَا الْقَوْلِ، وَذَكَرَهُ مَالِكٌ فِي " الْمُوَطَّأِ " عَنْ ابْنِ عُمَرَ.
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: هَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ، عَنْ أَحْمَدَ، رِوَايَةٌ أُخْرَى: إنَّ الصَّلَاةَ عَلَى الْجِنَازَةِ تَجُوزُ فِي جَمِيعِ أَوْقَاتِ النَّهْي. وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهَا صَلَاةٌ تُبَاحُ بَعْدَ الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ، فَأُبِيحَتْ فِي سَائِرِ الْأَوْقَاتِ، كَالْفَرَائِضِ. وَلَنَا، قَوْلُ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ:«ثَلَاثُ سَاعَاتٍ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَنْهَانَا أَنْ نُصَلِّيَ فِيهِنَّ، وَأَنْ نَقْبُرَ فِيهِنَّ مَوْتَانَا» . وَذِكْرُهُ لِلصَّلَاةِ مَقْرُونًا بِالدَّفْنِ دَلِيلٌ عَلَى إرَادَةِ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ.
وَلِأَنَّهَا صَلَاةٌ مِنْ غَيْرِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، فَلَمْ يَجُزْ فِعْلُهَا فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ الثَّلَاثَةِ، كَالنَّوَافِلِ الْمُطْلَقَةِ، وَإِنَّمَا أُبِيحَتْ بَعْدَ الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ لِأَنَّ مُدَّتَهُمَا تَطُولُ، فَالِانْتِظَارُ يُخَافُ مِنْهُ عَلَيْهَا، وَهَذِهِ مُدَّتُهَا تَقْصُرُ، وَأَمَّا الْفَرَائِضُ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا آكَدُ، وَلَا يَصِحُّ قِيَاسُ هَذِهِ الْأَوْقَاتِ الثَّلَاثَةِ عَلَى الْوَقْتَيْنِ الْآخَرَيْنِ، لِأَنَّ النَّهْيَ فِيهَا آكَدُ، وَزَمَنُهَا أَقْصَرُ، فَلَا يُخَافُ عَلَى الْمَيِّتِ فِيهَا، وَلِأَنَّهُ نُهِيَ عَنْ الدَّفْنِ فِيهَا، وَالصَّلَاةُ الْمَقْرُونَةُ بِالدَّفْنِ تَتَنَاوَلُ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ، وَتَمْنَعُهَا الْقَرِينَةُ مِنْ الْخُرُوجِ بِالتَّخْصِيصِ، بِخِلَافِ الْوَقْتَيْنِ الْآخَرَيْنِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[مَسْأَلَةَ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ وَأُقِيمَتْ الصَّلَاةَ وَقَدْ كَانَ صَلَّاهَا]
(1021)
مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَيُصَلِّي إذَا كَانَ فِي الْمَسْجِدِ وَأُقِيمَتْ الصَّلَاةُ وَقَدْ كَانَ صَلَّاهَا) . وَجُمْلَتُهُ أَنَّ مَنْ صَلَّى فَرْضَهُ ثُمَّ أَدْرَكَ تِلْكَ الصَّلَاةَ فِي جَمَاعَةٍ، اُسْتُحِبَّ لَهُ إعَادَتُهَا، أَيَّ صَلَاةٍ كَانَتْ، بِشَرْطِ أَنْ تُقَامَ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ، أَوْ يَدْخُلَ الْمَسْجِدَ وَهُمْ يُصَلُّونَ. وَهَذَا قَوْلُ الْحَسَنِ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي ثَوْرٍ. فَإِنْ أُقِيمَتْ صَلَاةُ الْفَجْرِ أَوْ الْعَصْرِ وَهُوَ خَارِجُ الْمَسْجِدِ، لَمْ يُسْتَحَبَّ لَهُ الدُّخُولُ. وَاشْتَرَطَ الْقَاضِي لِجَوَازِ الْإِعَادَةِ فِي وَقْتِ النَّهْيِ، أَنْ يَكُونَ مَعَ إمَامِ الْحَيِّ. وَلَمْ يُفَرِّقْ الْخِرَقِيِّ بَيْنَ إمَامِ الْحَيِّ وَغَيْرِهِ، وَلَا بَيْنَ
الْمُصَلِّي جَمَاعَةً وَفُرَادَى. وَكَلَامُ أَحْمَدَ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا. قَالَ الْأَثْرَمُ: سَأَلْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَنْ مَنْ صَلَّى فِي جَمَاعَةٍ، ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَهُمْ يُصَلُّونَ، أَيُصَلِّي مَعَهُمْ؟ قَالَ: نَعَمْ. وَذَكَرَ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَمَّا هَذَا فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ. إنَّمَا هِيَ نَافِلَةٌ فَلَا يَدْخُلُ، فَإِنْ دَخَلَ صَلَّى، وَإِنْ كَانَ قَدْ صَلَّى فِي جَمَاعَةٍ، قِيلَ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: وَالْمَغْرِبُ؟ قَالَ: نَعَمْ، إلَّا أَنَّهُ فِي الْمَغْرِبِ يَشْفَعُ.
وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ كَانَ صَلَّى وَحْدَهُ أَعَادَ الْمَغْرِبَ، وَإِنْ كَانَ صَلَّى فِي جَمَاعَةٍ لَمْ يُعِدْهَا؛ لِأَنَّ الْحَدِيثَ الدَّالَّ عَلَى الْإِعَادَةِ قَالَ فِيهِ: صَلَّيْنَا فِي رِحَالِنَا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا تُعَادُ الْفَجْرُ وَلَا الْعَصْرُ وَلَا الْمَغْرِبُ؛ لِأَنَّهَا نَافِلَةٌ فَلَا يَجُوزُ فِعْلُهَا فِي وَقْتِ النَّهْيِ؛ لِعُمُومِ الْحَدِيثِ فِيهِ، وَلَا تُعَادُ الْمَغْرِبُ لِأَنَّ التَّطَوُّعَ لَا يَكُونُ بِوِتْرٍ. وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَالنَّخَعِيِّ: تُعَادُ الصَّلَوَاتُ كُلُّهَا إلَّا الصُّبْحَ وَالْمَغْرِبَ. وَقَالَ أَبُو مُوسَى، وَأَبُو مِجْلَزٍ، وَمَالِكٌ، وَالثَّوْرِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ: تُعَادُ كُلُّهَا إلَّا الْمَغْرِبَ، لِئَلَّا يَتَطَوَّعَ بِوِتْرٍ. وَقَالَ الْحَاكِمُ: إلَّا الصُّبْحَ وَحْدَهَا.
وَلَنَا، مَا رَوَى جَابِرُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ:«شَهِدْت مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَجَّتَهُ فَصَلَّيْت مَعَهُ صَلَاةَ الْفَجْرِ فِي مَسْجِدِ الْخَيْفِ، وَأَنَا غُلَامٌ شَابٌّ، فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ إذَا هُوَ بِرَجُلَيْنِ فِي آخِرِ الْقَوْمِ لَمْ يُصَلِّيَا مَعَهُ. فَقَالَ: عَلَيَّ بِهِمَا فَأُتِيَ بِهِمَا تَرْعَدُ فَرَائِصُهُمَا، فَقَالَ: مَا مَنَعَكُمَا أَنْ تُصَلِّيَا مَعَنَا؟ ، فَقَالَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ صَلَّيْنَا فِي رِحَالِنَا. قَالَ: لَا تَفْعَلَا، إذَا صَلَّيْتُمَا فِي رِحَالِكُمَا، ثُمَّ أَتَيْتُمَا مَسْجِدَ جَمَاعَةٍ فَصَلِّيَا مَعَهُمْ؛ فَإِنَّهَا لَكُمْ نَافِلَةٌ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَالْأَثْرَمُ.
وَرَوَى مَالِكٌ، فِي " الْمُوَطَّأِ " عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ بُسْرِ بْنِ مِحْجَنٍ، عَنْ أَبِيهِ، «أَنَّهُ كَانَ جَالِسًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأُذِّنَ لِلصَّلَاةِ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَصَلَّى، ثُمَّ رَجَعَ وَمِحْجَنٌ فِي مَجْلِسِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَا مَنَعَكَ أَنْ تُصَلِّيَ مَعَ النَّاسِ، أَلَسْتَ بِرَجُلٍ مُسْلِمٍ؟ . فَقَالَ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلَكِنِّي قَدْ صَلَّيْت فِي أَهْلِي. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إذَا جِئْت فَصَلِّ مَعَ النَّاسِ، وَإِنْ كُنْت قَدْ صَلَّيْت» . وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: «إنَّ خَلِيلِي - يَعْنِي النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَوْصَانِي أَنْ أُصَلِّيَ الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا، فَإِذَا أَدْرَكْتهَا مَعَهُمْ فَصَلِّ، فَإِنَّهَا لَكَ نَافِلَةٌ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَفِي رِوَايَةٍ: «فَإِنْ أَدْرَكْتهَا مَعَهُمْ فَصَلِّ، وَلَا تَقُلْ: إنِّي قَدْ صَلَّيْت، فَلَا أُصَلِّي» . رَوَاهُ النَّسَائِيّ. وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ بِعُمُومِهَا تَدُلُّ عَلَى مَحَلِّ النِّزَاعِ، وَحَدِيثُ يَزِيدَ بْنِ الْأَسْوَدِ صَرِيحٌ فِي إعَادَةِ الْفَجْرِ، وَالْعَصْرُ مِثْلُهَا، وَالْأَحَادِيثُ بِإِطْلَاقِهَا تَدُلُّ عَلَى الْإِعَادَةِ، سَوَاءٌ كَانَ مَعَ إمَامِ الْحَيِّ أَوْ غَيْرِهِ، وَسَوَاءٌ صَلَّى وَحْدَهُ أَوْ فِي جَمَاعَةٍ. وَقَدْ رَوَى أَنَسٌ، قَالَ: صَلَّى بِنَا أَبُو مُوسَى الْغَدَاةَ فِي الْمِرْبَدِ، فَانْتَهَيْنَا إلَى الْمَسْجِدِ