الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يُصَلِّي بِنَا، فَكَانَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ يَجِيءُ وَهُوَ صَغِيرٌ، فَكَانَ كُلَّمَا سَجَدَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَثَبَ عَلَى ظَهْرِهِ، وَيَرْفَعُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم رَأْسَهُ رَفْعًا رَفِيقًا حَتَّى يَضَعَهُ بِالْأَرْضِ. رَوَاهُ الْأَثْرَمُ.
وَحَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَزُلْ يُدَارِئُ الْبَهْمَةَ حَتَّى لَصِقَ بِالْجُدُرِ وَحَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ بِالْأَمْرِ بِدَفْعِ الْمَارِّ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي، وَمُقَاتَلَتِهِ إذَا أَبَى الرُّجُوعَ. فَكُلُّ هَذَا وَأَشْبَاهُهُ لَا بَأْسَ بِهِ فِي الصَّلَاةِ، وَلَا يُبْطِلُهَا، وَلَوْ فَعَلَ هَذَا لِغَيْرِ حَاجَةٍ، كُرِهَ، وَلَا يُبْطِلُهَا أَيْضًا.
وَلَا يَتَقَدَّرُ الْجَائِزُ مِنْ هَذَا بِثَلَاثٍ وَلَا بِغَيْرِهَا مِنْ الْعَدَدِ؛ لِأَنَّ فِعْلَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الظَّاهِرُ مِنْهُ زِيَادَتُهُ عَلَى ثَلَاثٍ، كَتَأَخُّرِهِ حَتَّى تَأَخَّرَ الرِّجَالُ فَانْتَهَوْا إلَى النِّسَاءِ، وَفِي حَمْلِهِ أُمَامَةَ وَوَضْعِهَا فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، وَهَذَا فِي الْغَالِبِ يَزِيدُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَفْعَالٍ، وَكَذَلِكَ مَشْيُ أَبِي بَرْزَةَ مَعَ دَابَّتِهِ. وَلِأَنَّ التَّقْدِيرَ بَابُهُ التَّوْقِيفُ، وَهَذَا لَا تَوْقِيفَ فِيهِ، وَلَكِنْ يُرْجَعُ فِي الْكَثِيرِ وَالْيَسِيرِ إلَى الْعُرْفِ، فِيمَا يُعَدُّ كَثِيرًا أَوْ يَسِيرًا، وَكُلُّ مَا شَابَهُ فِعْلَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَهُوَ مَعْدُودٌ يَسِيرًا.
وَإِنْ فَعَلَ أَفْعَالًا مُتَفَرِّقَةً لَوْ جُمِعَتْ كَانَتْ كَثِيرَةً، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا بِمُفْرَدِهِ يَسِيرٌ، فَهِيَ فِي حَدِّ الْيَسِيرِ؛ بِدَلِيلِ حَمْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِأُمَامَةَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ وَوَضْعِهَا. وَمَا كَثُرَ وَزَادَ عَلَى فِعْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَبْطَلَ الصَّلَاةَ سَوَاءٌ كَانَ لِحَاجَةٍ أَوْ غَيْرِهَا، إلَّا أَنْ يَكُونَ لِضَرُورَةِ، فَيَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ الْخَائِفِ، فَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ بِهِ، وَإِنْ احْتَاجَ إلَى الْفِعْلِ الْكَثِيرِ فِي الصَّلَاةِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ، قَطَعَ الصَّلَاةَ، وَفَعَلَهُ.
قَالَ أَحْمَدُ: إذَا رَأَى صَبِيَّيْنِ يَقْتَتِلَانِ، يَتَخَوَّفُ أَنْ يُلْقِيَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ فِي الْبِئْرِ، فَإِنَّهُ يَذْهَبُ إلَيْهِمَا فَيُخَلِّصُهُمَا، وَيَعُودُ فِي صَلَاتِهِ. وَقَالَ: إذَا لَزِمَ رَجُلٌ رَجُلًا، فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ، وَقَدْ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ، فَلَمَّا سَجَدَ الْإِمَامُ خَرَجَ الْمَلْزُومُ، فَإِنَّ الَّذِي كَانَ يَلْزَمُهُ يَخْرُجُ فِي طَلَبِهِ. يَعْنِي: وَيَبْتَدِئُ الصَّلَاةَ. وَهَكَذَا لَوْ رَأَى حَرِيقًا يُرِيدُ إطْفَاءَهُ، أَوْ غَرِيقًا يُرِيدُ إنْقَاذَهُ، خَرَجَ إلَيْهِ، وَابْتَدَأَ الصَّلَاةَ.
وَلَوْ انْتَهَى الْحَرِيقُ إلَيْهِ، أَوْ السَّيْلُ، وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ، فَفَرَّ مِنْهُ، بَنَى عَلَى صَلَاتِهِ، وَأَتَمَّهَا صَلَاةَ خَائِفٍ؛ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ قَبْلُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[مَسْأَلَةٌ لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ إلَّا الْكَلْبُ الْأَسْوَدُ الْبَهِيمُ]
(1224)
مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَلَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ إلَّا الْكَلْبُ الْأَسْوَدُ الْبَهِيمُ) . يَعْنِي إذَا مَرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ. هَذَا الْمَشْهُورُ عَنْ أَحْمَدَ رحمه الله، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْهُ. قَالَ الْأَثْرَمُ: سُئِلَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ؟ قَالَ لَا يَقْطَعُهَا عِنْدِي شَيْءٌ إلَّا الْكَلْبُ الْأَسْوَدُ الْبَهِيمُ.
وَهَذَا قَوْلُ عَائِشَةَ وَحُكِيَ عَنْ طَاوُسٍ وَرَوَى عَنْ مُعَاذٍ وَمُجَاهِدٍ أَنَّهُمَا قَالَا: الْكَلْبُ الْأَسْوَدُ الْبَهِيمُ شَيْطَانٌ، وَهُوَ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ. وَمَعْنَى الْبَهِيمِ الَّذِي لَيْسَ فِي لَوْنِهِ شَيْءٌ سِوَى السَّوَادِ. وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أُخْرَى، أَنَّهُ يَقْطَعُهَا الْكَلْبُ الْأَسْوَدُ، وَالْمَرْأَةُ إذَا مَرَّتْ، وَالْحِمَارُ.
قَالَ: وَحَدِيثُ
عَائِشَةَ مِنْ النَّاسِ مَنْ قَالَ: لَيْسَ بِحَجَّةِ عَلَى هَذَا؛ لِأَنَّ الْمَارَّ غَيْرُ اللَّابِثِ، وَهُوَ فِي التَّطَوُّعِ، وَهُوَ أَسْهَلُ، وَالْفَرْضُ آكَدُ. وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ: مَرَرْت بَيْنَ يَدَيْ بَعْضِ الصَّفِّ. لَيْسَ بِحَجَّةِ؛ لِأَنَّ سُتْرَةَ الْإِمَامِ سُتْرَةٌ لِمَنْ خَلْفَهُ وَرُوِيَ هَذَا الْقَوْلُ عَنْ أَنَسٍ وَعِكْرِمَةَ، وَالْحَسَنِ، وَأَبِي الْأَحْوَصِ.
وَوَجْهُ هَذَا الْقَوْلِ مَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «يَقْطَعُ الصَّلَاةَ الْمَرْأَةُ، وَالْحِمَارُ، وَالْكَلْبُ، وَيَقِي ذَلِكَ مِثْلُ مُؤْخِرَةِ الرَّحْلِ» .
وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إذَا قَامَ أَحَدُكُمْ يُصَلِّي، فَإِنَّهُ يَسْتُرُهُ مِثْلُ آخِرَةِ الرَّحْلِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ يَدَيْهِ مِثْلُ آخِرَةِ الرَّحْلِ فَإِنَّهُ يَقْطَعُ صَلَاتَهُ الْحِمَارُ، وَالْمَرْأَةُ، وَالْكَلْبُ الْأَسْوَدُ» قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الصَّامِتِ: يَا أَبَا ذَرٍّ، مَا بَالُ الْكَلْبِ الْأَسْوَدِ مِنْ الْكَلْبِ الْأَحْمَرِ مِنْ الْكَلْبِ الْأَصْفَرِ؟ قَالَ: يَا ابْنَ أَخِي، سَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَمَا سَأَلْتنِي فَقَالَ «الْكَلْبُ الْأَسْوَدُ شَيْطَانٌ» . رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُمَا. وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِلَّذِي مَرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ عَلَى حِمَارٍ:" قَطَعَ صَلَاتَنَا ". وَقَدْ ذَكَرْنَا هَذَا الْحَدِيثَ
وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعَطَاءٌ يَقُولَانِ: يَقْطَعُ الصَّلَاةَ الْكَلْبُ، وَالْمَرْأَةُ الْحَائِضُ وَرَوَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ. قَالَ أَبُو دَاوُد: رَفَعَهُ شُعْبَةُ، وَوَقَفَهُ، سَعِيدٌ، وَهِشَامٌ، وَهَمَّامٌ، عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ.
وَقَالَ عُرْوَةُ، وَالشَّعْبِيُّ، وَالثَّوْرِيُّ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ: لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ شَيْءٌ؛ لِمَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ شَيْءٌ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
وَعَنْ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «أَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ فِي بَادِيَةٍ، فَصَلَّى فِي صَحْرَاءَ لَيْسَ بَيْنَ يَدَيْهِ سُتْرَةٌ، وَحِمَارَةٌ لَنَا وَكَلْبَةٌ يَعْبَثَانِ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَمَا بَالَى ذَلِكَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَقَالَتْ عَائِشَةُ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي صَلَاتَهُ مِنْ اللَّيْلِ، وَأَنَا مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ» . وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ: «أَقْبَلْت رَاكِبًا عَلَى حِمَارٍ أَتَانٍ، وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي، فَمَرَرْت عَلَى بَعْضِ الصَّفِّ، وَنَزَلْت، فَأَرْسَلْت الْأَتَانَ تَرْتَعُ. فَدَخَلْت فِي الصَّفِّ، فَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيَّ أَحَدٌ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا.
وَحَدِيثُ زَيْنَبَ بِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ، حِينَ مَرَّتْ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ يَقْطَعْ صَلَاتَهُ. وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّي، فَجَاءَتْ جَارِيَتَانِ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، حَتَّى أَخَذَتَا بِرُكْبَتَيْهِ، فَقَرَعَ بَيْنَهُمَا فَمَا بَالَى ذَلِكَ.