الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أُعْطِيَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، لَك كِفْلَانِ مِنْ الْأَجْرِ.» وَلِأَنَّهُ لَا تَجِبُ نَفَقَتُهُ، فَلَا يُمْنَعُ دَفْعُ الزَّكَاةِ إلَيْهِ، كَالْأَجْنَبِيِّ، وَيُفَارِقُ الزَّوْجَةَ، فَإِنَّ نَفَقَتَهَا وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ جَوَازُ الدَّفْعِ لِدُخُولِ الزَّوْجِ فِي عُمُومِ الْأَصْنَافِ الْمُسَمَّيْنَ فِي الزَّكَاةِ، وَلَيْسَ فِي الْمَنْعِ نَصٌّ وَلَا إجْمَاعٌ.
وَقِيَاسُهُ عَلَى مِنْ ثَبَتَ الْمَنْعُ فِي حَقِّهِ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِوُضُوحِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا، فَيَبْقَى جَوَازُ الدَّفْعِ ثَابِتًا، وَالِاسْتِدْلَالُ بِهَذَا أَقْوَى مِنْ الِاسْتِدْلَالِ بِالنُّصُوصِ، لِضَعْفِ دَلَالَتِهَا؛ فَإِنَّ الْحَدِيثَ الْأَوَّلَ فِي صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ، لِقَوْلِهَا: أَرَدْت أَنْ أَتَصَدَّقَ بِحُلِيٍّ لِي. وَلَا تَجِبُ الصَّدَقَةُ بِالْحِلِّي، وَقَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «زَوْجُك وَوَلَدُك أَحَقُّ مَنْ تَصَدَّقْت بِهِ عَلَيْهِمْ.» وَالْوَلَدُ لَا تُدْفَعُ إلَيْهِ الزَّكَاةُ. وَالْحَدِيثُ الثَّانِي، لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الزَّوْجِ، وَذِكْرُ الزَّكَاةِ فِيهِ غَيْرُ مَحْفُوظٍ.
قَالَ أَحْمَدُ مَنْ ذَكَرَ الزَّكَاةَ فَهُوَ عِنْدِي غَيْرُ مَحْفُوظٍ، إنَّمَا ذَاكَ صَدَقَةٌ مِنْ غَيْرِ الزَّكَاةِ، كَذَا قَالَ الْأَعْمَشُ فَأَمَّا الْحَدِيثُ الْآخَرُ فَهُوَ مُرْسَلٌ، وَهُوَ فِي النَّذْرِ.
(1770)
فَصْلٌ: فَإِنْ كَانَ فِي عَائِلَتِهِ مِنْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِنْفَاقُ عَلَيْهِ كَيَتِيمِ أَجْنَبِيٍّ، فَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ دَفْعُ زَكَاتِهِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يَنْتَفِعُ بِدَفْعِهَا إلَيْهِ، لِإِغْنَائِهِ بِهَا عَنْ مُؤْنَتِهِ. وَالصَّحِيحُ، إنْ شَاءَ اللَّهُ، جَوَازُ دَفْعِهَا إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ دَاخِلٌ فِي أَصْنَافِ الْمُسْتَحِقِّينَ لِلزَّكَاةِ، وَلَمْ يَرِدْ فِي مَنْعِهِ نَصٌّ وَلَا إجْمَاعٌ وَلَا قِيَاسٌ صَحِيحٌ، فَلَا يَجُوزُ إخْرَاجُهُ مِنْ عُمُومِ النَّصِّ بِغَيْرِ دَلِيلٍ، وَإِنْ تَوَهَّمَ أَنَّهُ يَنْتَفِعُ بِدَفْعِهَا إلَيْهِ، قُلْنَا: قَدْ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ، فَإِنَّهُ يَصْرِفُهَا فِي مَصَالِحِهِ الَّتِي لَا يَقُومُ بِهَا الدَّافِعُ، وَإِنْ قَدَّرَ الِانْتِفَاعَ فَإِنَّهُ نَفْعٌ لَا يَسْقُطُ بِهِ وَاجِبٌ عَلَيْهِ، وَلَا يُجْتَلَبُ بِهِ مَالٌ إلَيْهِ، فَلَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ الدَّفْعَ، كَمَا لَوْ كَانَ يَصِلُهُ تَبَرُّعًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ مِنْ عَائِلَتِهِ.
[فَصْلُ لَيْسَ لِمَخْرَجِ الزَّكَاة شِرَاؤُهَا مِمَّنْ صَارَتْ إلَيْهِ]
(1771)
فَصْلٌ: وَلَيْسَ لِمُخْرِجِ الزَّكَاةِ شِرَاؤُهَا مِمَّنْ صَارَتْ إلَيْهِ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ الْحَسَنِ وَهُوَ قَوْلُ قَتَادَةَ وَمَالِكٍ قَالَ أَصْحَابُ مَالِكٍ: فَإِنْ اشْتَرَاهَا لَمْ يُنْقَضْ الْبَيْعُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ: يَجُوزُ لِقَوْلِ النَّبِيِّ: صلى الله عليه وسلم «لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ، إلَّا لِخَمْسَةٍ؛ رَجُلٍ ابْتَاعَهَا بِمَالِهِ»
وَرَوَى سَعِيدٌ، فِي " سُنَنِهِ «أَنَّ رَجُلًا تَصَدَّقَ عَلَى أُمِّهِ
بِصَدَقَةٍ ثُمَّ مَاتَتْ، فَسَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: قَدْ قَبِلَ اللَّهُ صَدَقَتَك، وَرَدَّهَا إلَيْكَ الْمِيرَاثُ.» وَهَذَا فِي مَعْنَى شِرَائِهَا. وَلِأَنَّ مَا صَحَّ أَنْ يُمْلَكَ إرْثًا، صَحَّ أَنْ يُمْلَكَ ابْتِيَاعًا، كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ. وَلَنَا، مَا رَوَى عُمَرُ، «أَنَّهُ قَالَ: حَمَلْت عَلَى فَرَسٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَأَضَاعَهُ الَّذِي كَانَ عِنْدَهُ، وَظَنَنْت أَنَّهُ بَائِعُهُ بِرُخْصٍ، فَأَرَدْت أَنْ أَشْتَرِيَهُ، فَسَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: لَا تَبْتَعْهُ، وَلَا تَعُدْ فِي صَدَقَتِك وَلَوْ أَعْطَاكَهُ بِدِرْهَمٍ؛ فَإِنَّ الْعَائِدَ فِي صَدَقَتِهِ كَالْكَلْبِ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
فَإِنْ قِيلَ: يَحْتَمِلُ أَنَّهَا كَانَتْ حَبِيسًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمَنَعَهُ لِذَلِكَ. قُلْنَا: لَوْ كَانَتْ حَبِيسًا لَمَا بَاعَهَا الَّذِي هِيَ فِي يَدِهِ، وَلَا هَمَّ عُمَرُ بِشِرَائِهَا، بَلْ كَانَ يُنْكِرُ عَلَى الْبَائِعِ وَيَمْنَعُهُ، فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ يُقِرُّ عَلَى مُنْكَرٍ، فَكَيْفَ يَفْعَلُهُ، وَيُعِينُ عَلَيْهِ. وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مَا أَنْكَرَ بَيْعَهَا، إنَّمَا أَنْكَرَ عَلَى عُمَرَ الشِّرَاءَ، مُعَلِّلًا بِكَوْنِهِ عَائِدًا فِي الصَّدَقَةِ.
الثَّانِي، أَنَّنَا نَحْتَجُّ بِعُمُومِ اللَّفْظِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى خُصُوصِ السَّبَبِ، فَإِنَّ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَا تَعُدْ فِي صَدَقَتِك» أَيْ بِالشِّرَاءِ فَإِنَّ الْعَائِدَ فِي صَدَقَتِهِ كَالْعَائِدِ فِي قَيْئِهِ. وَالْأَخْذُ بِعُمُومِ اللَّفْظِ أَوْلَى مِنْ التَّمَسُّكِ بِخُصُوصِ السَّبَبِ.
فَإِنْ قِيلَ: فَإِنَّ اللَّفْظَ لَا يَتَنَاوَلُ الشِّرَاءَ فَإِنَّ الْعَوْدَ فِي الصَّدَقَةِ ارْتِجَاعُهَا بِغَيْرِ عِوَضٍ، وَفَسْخٌ لِلْعَقْدِ، كَالْعَوْدِ فِي الْهِبَةِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى هَذَا قَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْعَائِدِ فِي قَيْئِهِ.» وَلَوْ وَهَبَ إنْسَانًا شَيْئًا، ثُمَّ اشْتَرَاهُ مِنْهُ، جَازَ. قُلْنَا: النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ذَكَرَ ذَلِكَ جَوَابًا لِعُمَرَ حِينَ سَأَلَهُ عَنْ شِرَاءِ الْفَرَسِ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ اللَّفْظُ مُتَنَاوِلًا لِلشِّرَاءِ الْمَسْئُولِ عَنْهُ لَمْ يَكُنْ مُجِيبًا لَهُ، وَلَا يَجُوزُ إخْرَاجُ خُصُوصِ السَّبَبِ مِنْ عُمُومِ اللَّفْظِ؛ لِئَلَّا يَخْلُوَ السُّؤَالُ عَنْ الْجَوَابِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ قَالَ: إذَا جَاءَ الْمُصَدِّقُ فَادْفَعْ إلَيْهِ صَدَقَتَك، وَلَا تَشْتَرِهَا، فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ: ابْتَعْهَا فَأَقُولُ: إنَّمَا هِيَ لِلَّهِ.
وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: لَا تَشْتَرِ طَهُورَ مَالِكَ. وَلِأَنَّ فِي شِرَائِهِ لَهَا وَسِيلَةً إلَى اسْتِرْجَاعِ شَيْءٍ مِنْهَا؛ لِأَنَّ الْفَقِيرَ يَسْتَحْيِ مِنْهُ، فَلَا يُمَاكِسُهُ فِي ثَمَنِهَا، وَرُبَّمَا رَخَّصَهَا لَهُ طَمَعًا فِي أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ صَدَقَةً أُخْرَى، وَرُبَّمَا عَلِمَ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَبِعْهُ إيَّاهَا اسْتَرْجَعَهَا مِنْهُ أَوْ تَوَهَّمَ ذَلِكَ، وَمَا هَذَا سَبِيلُهُ يَنْبَغِي أَنْ يُجْتَنَبَ، كَمَا لَوْ شَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ يَبِيعَهُ إيَّاهَا. وَهُوَ أَيْضًا ذَرِيعَةٌ إلَى إخْرَاجِ الْقِيمَةِ، وَهُوَ مَمْنُوعٌ مِنْ ذَلِكَ.
أَمَّا حَدِيثُهُمْ فَنَقُولُ بِهِ، وَأَنَّهَا تَرْجِعُ إلَيْهِ بِالْمِيرَاثِ وَلَيْسَ هَذَا مَحَلَّ النِّزَاعِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ كُلُّ الْعُلَمَاء يَقُولُونَ: إذَا رَجَعَتْ إلَيْهِ بِالْمِيرَاثِ طَابَتْ لَهُ، إلَّا ابْنَ عُمَرَ وَالْحَسَنَ بْنَ حَيٍّ. وَلَيْسَ الْبَيْعُ فِي مَعْنَى الْمِيرَاثِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ ثَبَتَ بِالْمِيرَاثِ حُكْمًا بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ، وَلَيْسَ