الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تَعَالَى» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ مِثْلُ ذَلِكَ. وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:«خِيَارُكُمْ مَنْ قَصَرَ فِي السَّفَرِ وَأَفْطَرَ» رَوَاهُ الْأَثْرَمُ. مَعَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَقْوَالِ الصَّحَابَةِ فِيمَا مَضَى، وَلِأَنَّهُ إذَا قَصَرَ أَدَّى الْفَرْضَ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِذْ أَتَمَّ اُخْتُلِفَ فِيهِ، وَأَمَّا الْغَسْلُ فَلَا نُسَلِّمُ لَهُ أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ الْمَسْحِ، وَالْفِطْرُ نَذْكُرُهُ فِي بَابِهِ.
[فَصْلٌ فِي جَمْعِ الصَّلَاة]
(1251)
فَصْلٌ: وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِي الْجَمْعِ، فَرُوِيَ أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ التَّفْرِيقِ؛ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ تَخْفِيفًا وَسُهُولَةً، فَكَانَ أَفْضَلَ كَالْقَصْرِ. وَعَنْهُ التَّفْرِيقُ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّهُ خُرُوجٌ مِنْ الْخِلَافِ، فَكَانَ أَفْضَلَ كَالْقَصْرِ، وَلِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الْمُدَاوَمَةُ عَلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ أَفْضَلَ لَأَدَامَهُ كَالْقَصْرِ.
[مَسْأَلَةٌ دَخَلَ وَقْتُ الظُّهْرِ عَلَى مُسَافِرٍ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَرْتَحِلَ]
(1252)
مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَإِذَا دَخَلَ وَقْتُ الظُّهْرِ عَلَى مُسَافِرٍ، وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَرْتَحِلَ، صَلَّاهَا وَارْتَحَلَ، فَإِذَا دَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ صَلَّاهَا، وَكَذَلِكَ الْمَغْرِبُ وَالْعِشَاءُ الْآخِرَةُ، وَإِنْ كَانَ سَائِرًا فَأَحَبَّ أَنْ يُؤَخِّرَ الْأُولَى إلَى وَقْتِ الثَّانِيَةِ فَجَائِزٌ) . جُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فِي السَّفَرِ، فِي وَقْتِ إحْدَاهُمَا، جَائِزٌ فِي قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ.
وَمِمَّنْ رُوِيَ عَنْهُ ذَلِكَ سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ، وَسَعْدٌ، وَأُسَامَةُ، وَمُعَاذُ بْن جَبَلٍ، وَأَبُو مُوسَى، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَابْنُ عُمَرَ. وَبِهِ قَالَ: طَاوُسٌ، وَمُجَاهِدٌ، وَعِكْرِمَةُ، وَمَالِكٌ، وَالثَّوْرِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ.
وَرُوِيَ عَنْ سُلَيْمَانِ بْنِ أَخِي زُرَيْقِ بْنِ حَكِيمٍ، قَالَ: مَرَّ بِنَا نَائِلَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَأَبُو الزِّنَادِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ، وَصَفْوَانُ بْنُ سُلَيْمٍ، وَأَشْيَاخٍ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، فَأَتَيْنَاهُمْ فِي مَنْزِلِهِمْ، وَقَدْ أَخَذُوا فِي الرَّحِيلِ، فَصَلَّوْا الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا حِينَ زَالَتْ الشَّمْسُ، ثُمَّ أَتَيْنَا الْمَسْجِدَ، فَإِذَا زُرَيْقُ بْنُ حَكِيمٍ يُصَلِّي لِلنَّاسِ الظُّهْرَ. وَقَالَ الْحَسَنُ، وَابْنُ سِيرِينَ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ: لَا يَجُوزُ الْجَمْعُ إلَّا فِي يَوْمِ عَرَفَةَ بِعَرَفَةَ، وَلَيْلَةِ مُزْدَلِفَةَ بِهَا، وَهَذَا رِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِك وَاخْتِيَارُهُ، وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ الْمَوَاقِيتَ تَثْبُتُ بِالتَّوَاتُرِ، فَلَا يَجُوزُ تَرْكُهَا بِخَبَرِ وَاحِدٍ.
وَلَنَا، مَا رَوَى نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ كَانَ إذَا جَدَّ بِهِ السَّيْرُ جَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، وَيَقُولُ:«إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إذَا جَدَّ بِهِ السَّيْرُ جَمَعَ بَيْنَهُمَا.» وَعَنْ أَنَسٌ، قَالَ:«كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ أَنْ تَزِيغَ الشَّمْسُ أَخَّرَ الظُّهْرَ إلَى وَقْتِ الْعَصْرِ، ثُمَّ نَزَلَ فَجَمَعَ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ زَاغَتْ الشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ يَرْتَحِلَ، صَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ رَكِبَ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا.
وَلِمُسْلِمِ
عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «إذَا عَجِلَ عَلَيْهِ السَّيْرُ يُؤَخِّرُ الظُّهْرَ إلَى وَقْتِ الْعَصْرِ، فَيَجْمَعُ بَيْنَهُمَا، وَيُؤَخِّرُ الْمَغْرِبَ حَتَّى يَجْمَعَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعِشَاءِ حَتَّى يَغِيبَ الشَّفَقُ.» وَرَوَى الْجَمْعَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَسَنَذْكُرُ أَحَادِيثَهُمَا فِيمَا بَعْدُ، وَقَوْلُهُمْ: لَا نَتْرُكُ الْأَخْبَارَ الْمُتَوَاتِرَةَ. قُلْنَا: لَا نَتْرُكُهَا، وَإِنَّمَا نُخَصِّصُهَا، وَتَخْصِيصُ الْمُتَوَاتِرِ بِالْخَبَرِ الصَّحِيحِ جَائِزٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَقَدْ جَازَ تَخْصِيصُ الْكِتَابِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ بِالْإِجْمَاعِ، فَتَخْصِيصُ السُّنَّةِ بِالسُّنَّةِ أَوْلَى، وَهَذَا ظَاهِرٌ جِدًّا.
فَإِنْ قِيلَ: مَعْنَى الْجَمْعِ فِي الْأَخْبَارِ أَنْ يُصَلِّيَ الْأُولَى فِي آخِرِ وَقْتِهَا، وَالْأُخْرَى فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا. قُلْنَا: هَذَا فَاسِدٌ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا، أَنَّهُ قَدْ جَاءَ الْخَبَرُ صَرِيحًا فِي أَنَّهُ كَانَ يَجْمَعُهُمَا فِي وَقْتِ إحْدَاهُمَا، عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ، وَلِقَوْلِ أَنَسٌ: أَخَّرَ الظُّهْرَ إلَى وَقْتِ الْعَصْرِ، ثُمَّ نَزَلَ فَجَمَعَ بَيْنَهُمَا، وَيُؤَخِّرُ الْمَغْرِبَ حَتَّى يَجْمَعَ بَيْنهَا وَبَيْنَ الْعِشَاءِ حِين يَغِيبَ الشَّفَقُ. فَيَبْطُلُ التَّأْوِيلُ.
الثَّانِي، أَنَّ الْجَمْعَ رُخْصَةٌ، فَلَوْ كَانَ عَلَى مَا ذَكَرُوهُ لَكَانَ أَشَدِّ ضِيقًا، وَأَعْظَمِ حَرَجًا مِنْ الْإِتْيَانِ بِكُلِّ صَلَاةٍ فِي وَقْتِهَا؛ لِأَنَّ الْإِتْيَانَ بِكُلِّ صَلَاةٍ فِي وَقْتِهَا أَوْسَعُ مِنْ مُرَاعَاةِ طَرَفَيْ الْوَقْتَيْنِ، بِحَيْثُ لَا يَبْقَى مِنْ وَقْتِ الْأُولَى إلَّا قَدْرُ فِعْلِهَا، وَمَنْ تَدَبَّرَ هَذَا وَجَدَهُ كَمَا وَصَفْنَا، وَلَوْ كَانَ الْجَمْعُ هَكَذَا لَجَازَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ، وَالْعِشَاءِ وَالصُّبْحِ، وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْأُمَّةِ فِي تَحْرِيمِ ذَلِكَ، وَالْعَمَلُ بِالْخَبَرِ عَلَى الْوَجْهِ السَّابِقِ إلَى الْفَهْمِ مِنْهُ (أَوْلَى) مِنْ هَذَا (التَّكَلُّفِ) الَّذِي يُصَانُ كَلَامُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ حَمْلِهِ عَلَيْهِ. إذَا ثَبَتَ هَذَا فَمَفْهُومُ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ أَنَّ الْجَمْعَ إنَّمَا يَجُوزُ إذَا كَانَ سَائِرًا فِي وَقْتِ الْأُولَى، فَيُؤَخَّرُ إلَى وَقْتِ الثَّانِيَةِ، ثُمَّ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا، وَرَوَاهُ الْأَثْرَمُ عَنْ أَحْمَدَ، وَرُوِيَ نَحْوُ هَذَا الْقَوْلِ عَنْ سَعْدٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَعِكْرِمَةَ، أَخْذًا بِالْخَبَرَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرْنَاهُمَا. وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ جَوَازُ تَقْدِيمِ الصَّلَاةِ الثَّانِيَةِ إلَى الْأُولَى، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الْقَاضِي: الْأَوَّلُ هُوَ الْفَضِيلَةُ وَالِاسْتِحْبَابُ، وَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فِي وَقْتِ الْأُولَى مِنْهُمَا، جَازَ، نَازِلًا كَانَ، أَوْ سَائِرًا، أَوْ مُقِيمًا فِي بَلَدٍ إقَامَةً لَا تَمْنَعُ الْقَصْرَ. وَهَذَا قَوْلُ عَطَاءٍ، وَجُمْهُورِ عُلَمَاءِ الْمَدِينَةِ، وَالشَّافِعِيِّ، وَإِسْحَاقَ، وَابْنِ الْمُنْذِرِ؛ لِمَا رَوَى مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، قَالَ: «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ فَكَانَ إذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ زَيْغِ الشَّمْسِ أَخَّرَ الظُّهْرَ حَتَّى يَجْمَعَهَا إلَى الْعَصْرِ، فَيُصَلِّيَهُمَا جَمِيعًا، وَإِذَا ارْتَحَلَ بَعْدَ زَيْغِ الشَّمْسِ، صَلَّى الظَّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا، ثُمَّ سَارَ، وَإِذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ الْمَغْرِبِ، أَخَّرَ الْمَغْرِبَ حَتَّى يُصَلِّيَهَا مَعَ الْعِشَاءِ، وَإِذَا
ارْتَحَلَ بَعْدَ الْمَغْرِبِ، عَجَّلَ الْعِشَاءَ، فَصَلَّاهَا مَعَ الْمَغْرِبِ.» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَرَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ، عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ مِثْلَ ذَلِكَ. وَقِيلَ: إنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَهَذَا صَرِيحٌ فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ. وَرَوَى مَالِكٌ فِي " الْمُوَطَّأِ "، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، أَنَّ مُعَاذًا أَخْبَرَهُ، أَنَّهُمْ «خَرَجُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَجْمَعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ. قَالَ: فَأَخَّرَ الصَّلَاةَ يَوْمًا، ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا، ثُمَّ دَخَلَ، ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ جَمِيعًا.» قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، ثَابِتُ الْإِسْنَادِ. وَقَالَ أَهْلُ السِّيَرِ: إنَّ غَزْوَةَ (تَبُوكَ) كَانَتْ فِي رَجَبٍ، سَنَةَ تِسْعٍ، وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَوْضَحُ الدَّلَائِلِ، وَأَقْوَى الْحُجَجِ، فِي الرَّدِّ عَلَى مَنْ قَالَ: لَا يَجْمَعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ إلَّا إذَا جَدَّ بِهِ السَّيْرُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَجْمَعُ وَهُوَ نَازِلٌ غَيْرُ سَائِرٍ، مَاكِثٌ فِي خِبَائِهِ، يَخْرُجُ فَيُصَلِّي الصَّلَاتَيْنِ جَمِيعًا، ثُمَّ يَنْصَرِفُ إلَى خِبَائِهِ. وَرَوَى هَذَا الْحَدِيثَ مُسْلِمٌ فِي " صَحِيحِهِ " قَالَ: فَكَانَ يُصَلِّي الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ جَمِيعًا. وَالْأَخْذُ بِهَذَا الْحَدِيثِ (مُتَعَيَّنٌ) ؛ لِثُبُوتِهِ وَكَوْنِهِ صَرِيحًا فِي الْحُكْمِ، وَلَا مُعَارِضَ لَهُ، وَلِأَنَّ الْجَمْعَ رُخْصَةٌ مِنْ رُخَصِ السَّفَرِ، فَلَمْ يَخْتَصَّ بِحَالَةِ السَّيْرِ، كَالْقَصْرِ وَالْمَسْحِ، وَلَكِنَّ الْأَفْضَلَ التَّأْخِيرُ، لِأَنَّهُ أَخْذٌ بِالِاحْتِيَاطِ، وَخُرُوجٌ مِنْ خِلَافِ الْقَائِلِينَ بِالْجَمْعِ، وَعَمَلٌ بِالْأَحَادِيثِ كُلِّهَا.
(1253)
فَصْلٌ: وَلَا يَجُوزُ الْجَمْعُ إلَّا فِي سَفَرٍ يُبِيحُ الْقَصْرَ. وَقَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ: يَجُوزُ فِي السَّفَرِ الْقَصِيرِ؛ لِأَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ يَجْمَعُونَ بِعَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ، وَهُوَ سَفَرٌ قَصِيرٌ. وَلَنَا، أَنَّهُ رُخْصَةٌ تَثْبُتُ لِدَفْعِ الْمَشَقَّةِ فِي السَّفَرِ، فَاخْتَصَّتْ بِالطَّوِيلِ، كَالْقَصْرِ وَالْمَسْحِ ثَلَاثًا؛ وَلِأَنَّهُ تَأْخِيرٌ لِلْعِبَادَةِ عَنْ وَقْتِهَا، فَأَشْبَهَ الْفِطْرَ، وَلِأَنَّ دَلِيلَ الْجَمْعِ فِعْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَالْفِعْلُ لَا صِيغَةَ لَهُ، وَإِنَّمَا هُوَ قَضِيَّةٌ فِي عَيْنٍ، فَلَا يَثْبُتُ حُكْمُهَا إلَّا فِي مِثْلِهَا، وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ جَمَعَ إلَّا فِي سَفَرٍ طَوِيلٍ.
(1254)
فَصْلٌ: وَيَجُوزُ الْجَمْعُ لِأَجْلِ الْمَطَرِ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ. وَيُرْوَى ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَفَعَلَهُ أَبَانُ بْنُ عُثْمَانَ فِي أَهْلِ الْمَدِينَةِ. وَهُوَ قَوْلُ الْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ، وَمَالِكٍ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَإِسْحَاقَ، وَرُوِيَ عَنْ مَرْوَانَ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ. وَلَمْ (يُجَوِّزْهُ) أَصْحَابُ الرَّأْيِ. فَصْلٌ: وَلَنَا، أَنَّ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ. قَالَ: إنَّ مِنْ السُّنَّةِ إذَا كَانَ يَوْمٌ مَطِيرٌ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ. رَوَاهُ الْأَثْرَمُ. وَهَذَا يَنْصَرِفُ إلَى سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. وَقَالَ نَافِعٌ: إنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ