الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[بَابُ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ]
الْأَصْلُ فِي قَصْرِ الصَّلَاةِ الْكِتَابُ، وَالسُّنَّةُ، وَالْإِجْمَاعُ؛ أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى:{وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} [النساء: 101] . «قَالَ - يَعْلَى بْنُ أُمَيَّةَ - قُلْت لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنْ الصَّلَاةِ إنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقَدْ أَمِنَ النَّاسُ؟ فَقَالَ: عَجِبْت مِمَّا عَجِبْت مِنْهُ، فَسَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللَّهُ بِهَا عَلَيْكُمْ فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ» .
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ. . وَأَمَّا السُّنَّةُ، فَقَدْ تَوَاتَرَتْ الْأَخْبَارُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقْصُرُ فِي أَسْفَارِهِ، حَاجًّا، وَمُعْتَمِرًا، وَغَازِيًا. وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: صَحِبْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى قُبِضَ - يَعْنِي فِي السَّفَرِ - وَكَانَ «لَا يَزِيدُ عَلَى رَكْعَتَيْنِ، وَأَبَا بَكْرٍ حَتَّى قُبِضَ، وَكَانَ لَا يَزِيدُ عَلَى رَكْعَتَيْنِ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ كَذَلِكَ» . وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: «صَلَّيْت مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم رَكْعَتَيْنِ، وَمَعَ أَبِي بَكْرٍ رَكْعَتَيْنِ، وَمَعَ عُمَرَ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ تَفَرَّقَتْ بِكُمْ الطُّرُقُ. وَوَدِدْت أَنَّ لِي مِنْ أَرْبَعٍ رَكْعَتَيْنِ مُتَقَبَّلَتَيْنِ» .
وَقَالَ أَنَسٌ: «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلَى مَكَّةَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى رَجَعَ، وَأَقَمْنَا بِمَكَّةَ عَشْرًا نَقْصُرُ الصَّلَاةَ حَتَّى رَجَعَ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِنَّ. وَأَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ مَنْ سَافَرَ سَفَرًا تَقْصُرُ فِي مِثْلِهِ الصَّلَاةُ فِي حَجٍّ، أَوْ عُمْرَةٍ، أَوْ جِهَادٍ، أَنَّ لَهُ أَنْ يَقْصُرَ الرَّبَاعِيَّةَ فَيُصَلِّيَهَا رَكْعَتَيْنِ.
[مَسْأَلَةٌ مَسَافَةُ الْقَصْر فِي السَّفَرِ]
(1230)
مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَإِذَا كَانَتْ مَسَافَةُ سَفَرِهِ سِتَّةَ عَشَرَ فَرْسَخًا، أَوْ ثَمَانِيَةَ وَأَرْبَعِينَ مِيلًا بِالْهَاشِمِيِّ، فَلَهُ أَنْ يَقْصُرَ) . قَالَ الْأَثْرَمُ: قِيلَ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: فِي كَمْ تُقْصَرُ الصَّلَاةُ؟ قَالَ: فِي أَرْبَعَةِ بُرُدٍ. قِيلَ لَهُ: مَسِيرَةُ يَوْمٍ تَامٍّ؟ قَالَ: لَا. أَرْبَعَةُ بُرُدٍ، سِتَّةَ عَشَرَ فَرْسَخًا، وَمَسِيرَةُ يَوْمَيْنِ.
فَمَذْهَبُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ الْقَصْرَ لَا يَجُوزُ فِي أَقَلِّ مِنْ سِتَّةَ عَشَرَ فَرْسَخًا، وَالْفَرْسَخُ: ثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ، فَيَكُونُ ثَمَانِيَةً وَأَرْبَعِينَ مِيلًا، قَالَ الْقَاضِي: وَالْمِيلُ: اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ قَدَمٍ، وَذَلِكَ مَسِيرَةُ يَوْمَيْنِ قَاصِدَيْنِ. وَقَدْ قَدَرَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: مِنْ عُسْفَانَ إلَى مَكَّةَ وَمِنْ الطَّائِفِ إلَى مَكَّةَ وَمِنْ جُدَّةَ إلَى مَكَّةَ.
وَذَكَرَ صَاحِبُ الْمَسَالِكِ، أَنَّ مِنْ دِمَشْقَ إلَى الْقَطِيفَةِ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ مِيلًا، وَمِنْ دِمَشْقَ إلَى الْكُسْوَةِ اثْنَا عَشَرَ مِيلًا، وَمِنْ الْكُسْوَةِ إلَى جَاسِمٍ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ مِيلًا. فَعَلَى هَذَا تَكُونُ مَسَافَةُ الْقَصْرِ يَوْمَيْنِ قَاصِدَيْنِ. وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ. وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ، وَاللَّيْثُ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ.
وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقْصُرُ فِي مَسِيرَةِ عَشْرَةِ فَرَاسِخَ، قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: ثَبَتَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَقْصُرُ إلَى أَرْضٍ لَهُ، وَهِيَ ثَلَاثُونَ مِيلًا.
وَرُوِيَ نَحْوُ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَإِنَّهُ قَالَ: يَقْصُرُ فِي الْيَوْمِ، وَلَا يَقْصُرُ فِيمَا دُونَهُ. وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْأَوْزَاعِيُّ. وَقَالَ: عَامَّةُ الْعُلَمَاءِ يَقُولُونَ: مَسِيرَةُ يَوْمٍ تَامٍّ. وَبِهِ نَأْخُذُ. وَيُرْوَى عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّهُ يَقْصُرُ فِي مَسِيرَةِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ. وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:«يَمْسَحُ الْمُسَافِرُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهنَّ» .
وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ كُلَّ مُسَافِرٍ لَهُ ذَلِكَ، وَلِأَنَّ الثَّلَاثَةَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا، وَلَيْسَ فِي أَقَلِّ مِنْ ذَلِكَ تَوْقِيفٌ وَلَا اتِّفَاقٌ. وَرُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ السَّلَفِ، رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ، مَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْقَصْرِ فِي أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ، فَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: كَانَ أَنَسٌ يَقْصُرُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَمْسَةِ فَرَاسِخَ. وَكَانَ قَبِيصَةُ بْنُ ذُؤَيْبٍ، وَهَانِئُ بْنُ كُلْثُومٍ، وَابْنُ مُحَيْرِيزٍ يَقْصُرُونَ فِيمَا بَيْنَ الرَّمْلَةِ وَبَيْتِ الْمَقْدِسِ.
وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه أَنَّهُ خَرَجَ مِنْ قَصْرِهِ بِالْكُوفَةِ حَتَّى أَتَى النُّخَيْلَةَ فَصَلَّى بِهَا الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ رَجَعَ مِنْ يَوْمِهِ، فَقَالَ: أَرَدْت أَنَّ أُعَلِّمَكُمْ سُنَّتَكُمْ. وَعَنْ جُبَيْرِ بْنِ نَفِيرٍ، قَالَ:«خَرَجْت مَعَ شُرَحْبِيلَ بْنِ السَّمْطِ إلَى قَرْيَةٍ عَلَى رَأْسِ سَبْعَةَ عَشَرَ مِيلًا، أَوْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ مِيلًا، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، فَقُلْت لَهُ، فَقَالَ: رَأَيْت عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يُصَلِّي بِالْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ، وَقَالَ: إنَّمَا فَعَلْت كَمَا رَأَيْت النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَفْعَلُ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ
وَرُوِيَ «أَنَّ دِحْيَةَ الْكَلْبِيَّ خَرَجَ مِنْ قَرْيَةٍ مِنْ دِمَشْقَ مَرَّةً إلَى قَدْرِ ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ فِي رَمَضَانَ، ثُمَّ إنَّهُ أَفْطَرَ، وَأَفْطَرَ مَعَهُ أُنَاسٌ، وَكَرِهَ آخَرُونَ أَنْ يُفْطِرُوا، فَلَمَّا رَجَعَ إلَى قَرْيَتِهِ، قَالَ: وَاَللَّهِ لَقَدْ رَأَيْت الْيَوْمَ أَمْرًا مَا كُنْت أَظُنُّ أَنِّي أَرَاهُ، إنَّ قَوْمًا رَغِبُوا عَنْ هَدْيِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. يَقُولُ ذَلِكَ لِلَّذِينَ صَامُوا قَبْلُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَرَوَى سَعِيدٌ، ثنا هَاشِمٌ عَنْ أَبِي هَارُونُ الْعَبْدِيُّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ:«كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا سَافَرَ فَرْسَخًا قَصَرَ الصَّلَاةَ» . وَقَالَ أَنَسٌ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «إذَا خَرَجَ مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ، أَوْ ثَلَاثَةَ فَرَاسِخَ، صَلَّى رَكْعَتَيْنِ» . شُعْبَةُ الشَّاكُّ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَأَبُو دَاوُد.
وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بُقُولِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَا أَهْلَ مَكَّةَ، لَا تَقْصُرُوا فِي أَدْنَى مِنْ أَرْبَعَةِ بُرُدٍ مَنْ عُسْفَانَ إلَى مَكَّةَ. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَهُوَ أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ.
وَلِأَنَّهَا مَسَافَةٌ تَجْمَعُ مَشَقَّةَ السَّفَرِ، مِنْ الْحَلِّ وَالشَّدِّ، فَجَازَ الْقَصْرُ فِيهَا، كَمَسَافَةِ الثَّلَاثِ، وَلَمْ يَجُزْ فِيمَا دُونَهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ دَلِيلٌ يُوجِبُ الْقَصْرَ فِيهِ. وَقَوْلُ: أَنَسٍ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إذَا خَرَجَ مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ، أَوْ ثَلَاثَةِ فَرَاسِخَ، صَلَّى رَكْعَتَيْنِ. يَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ إذَا سَافَرَ سَفَرًا طَوِيلًا قَصَرَ إذَا بَلَغَ ثَلَاثَةَ أَمْيَالٍ.