الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَرَوَيْنَا عَنْ الْأَحْنَفِ أَنَّهُ كَانَ جَالِسًا عِنْدَ مُعَاوِيَةَ، فَأُتِيَ بِسَارِقٍ، فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ: أَسَرَقْت؟ فَقَالَ لَهُ بَعْضُ الشُّرْطَةِ: اُصْدُقْ الْأَمِيرَ. فَقَالَ الْأَحْنَفُ: الصِّدْقُ فِي كُلِّ الْمَوَاطِنِ مُعْجِزَةٌ. فَعَرَّضَ لَهُ بِتَرْكِ الْإِقْرَارِ وَرُوِيَ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ أَنَّهُ قَالَ: لَا يُقْطَعُ ظَرِيفٌ. يَعْنِي بِهِ أَنَّهُ إذَا قَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ، ادَّعَى شُبْهَةً تَدْفَعُ عَنْهُ الْقَطْعَ. فَلَا يُقْطَعُ.
وَيُكْرَهُ لِمَنْ عَلِمَ، أَنْ يَحُثَّهُ عَلَى الْإِقْرَارِ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «أَنَّهُ قَالَ لِهَزَّالٍ، وَقَدْ كَانَ قَالَ لِمَاعِزٍ: بَادِرْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ فِيك قُرْآنٌ: أَلَّا سَتَرْتَهُ بِثَوْبِك كَانَ خَيْرًا لَك» رَوَاهُ سَعِيدٌ. وَرَوَى بِإِسْنَادِهِ أَيْضًا، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ:«جَاءَ مَاعِزُ بْنُ مَالِكٍ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَقَالَ لَهُ: إنَّهُ أَصَابَ فَاحِشَةً. فَقَالَ لَهُ: أَخْبَرْت بِهَذَا أَحَدًا قَبْلِي. قَالَ: لَا. قَالَ: فَاسْتَتِرْ بِسِتْرِ اللَّهِ، وَتُبْ إلَى اللَّهِ، فَإِنَّ النَّاسَ يُعَيِّرُونَ وَلَا يُغَيِّرُونَ، وَاَللَّهُ يُغَيِّرُ وَلَا يُعَيِّرُ، فَتُبْ إلَى اللَّهِ، وَلَا تُخْبِرْ بِهِ أَحَدًا. فَانْطَلَقَ إلَى أَبِي بَكْرٍ، فَقَالَ لَهُ مِثْلَ مَا قَالَ عُمَرُ، فَلَمْ تُقِرَّهُ نَفْسُهُ، حَتَّى أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ لَهُ ذَلِكَ.»
[مَسْأَلَةٌ زَنَى مِرَارًا وَلَمْ يُحَدَّ]
(7206)
مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَمَنْ زَنَى مِرَارًا وَلَمْ يُحَدَّ، فَحَدٌّ وَاحِدٌ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّ مَا يُوجِبُ الْحَدَّ مِنْ الزِّنَا، وَالسَّرِقَةِ، وَالْقَذْفِ، وَشُرْبِ الْخَمْرِ، إذَا تَكَرَّرَ قَبْلَ إقَامَةِ الْحَدِّ، أَجْزَأَ حَدٌّ وَاحِدٌ. بِغَيْرِ خِلَافٍ عَلِمْنَاهُ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ عَلَى هَذَا كُلُّ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، مِنْهُمْ عَطَاءٌ، وَالزُّهْرِيُّ، وَمَالِكٌ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَبُو يُوسُفَ. وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ. وَإِنْ أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ، ثُمَّ حَدَثَتْ مِنْهُ جِنَايَةٌ أُخْرَى، فَفِيهَا حَدُّهَا. لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا. وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَمَّنْ يَحْفَظُ عَنْهُ.
وَقَدْ «سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ الْأَمَةِ تَزْنِي قَبْلَ أَنْ تُحْصِنَ فَقَالَ: إنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا، ثُمَّ إنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا، ثُمَّ إنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا.» وَلِأَنَّ تَدَاخُلَ الْحُدُودِ، إنَّمَا يَكُونُ مَعَ اجْتِمَاعِهَا، وَهَذَا الْحَدُّ الثَّانِي وَجَبَ بَعْدَ سُقُوطِ الْأَوَّلِ بِاسْتِيفَائِهِ.
وَإِنْ كَانَتْ الْحُدُودُ مِنْ أَجْنَاسٍ، مِثْلِ الزِّنَا، وَالسَّرِقَةِ، وَشُرْبِ الْخَمْرِ، أُقِيمَتْ كُلُّهَا، إلَّا أَنْ يَكُونَ فِيهَا قَتْلٌ، فَإِنْ كَانَ فِيهَا قَتْلٌ، اُكْتُفِيَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ مَعَهُ إلَى الزَّجْرِ بِغَيْرِهِ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: مَا كَانَتْ حُدُودٌ فِيهَا قَتْلٌ، إلَّا أَحَاطَ الْقَتْلُ بِذَلِكَ كُلِّهِ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا قَتْلٌ، اُسْتُوْفِيَتْ كُلُّهَا، وَبُدِئَ بِالْأَخَفِّ فَالْأَخَفِّ، فَيُبْدَأُ بِالْجَلْدِ، ثُمَّ بِالْقَطْعِ، وَيُقَدَّمُ الْأَخَفُّ فِي الْجَلْدِ عَلَى الْأَثْقَلِ، فَيُبْدَأُ فِي الْجَلْدِ بِحَدِّ الشُّرْبِ، ثُمَّ بِحَدِّ الْقَذْفِ، إنْ قُلْنَا: إنَّهُ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى، ثُمَّ بِحَدِّ الزِّنَا وَإِنْ قُلْنَا: إنَّ حَدَّ الْقَذْفِ حَقٌّ لِآدَمِيٍّ قَدَّمْنَاهُ، ثُمَّ بِحَدِّ الشُّرْبِ، ثُمَّ بِحَدِّ الزِّنَا.
[مَسْأَلَةٌ تَحَاكَمَ إلَيْنَا أَهْلُ الذِّمَّةِ]
(7207)
مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَإِذَا تَحَاكَمَ إلَيْنَا أَهْلُ الذِّمَّةِ، حَكَمْنَا عَلَيْهِمْ بِحُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْنَا) وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا تَحَاكَمَ إلَيْنَا أَهْلُ الذِّمَّةِ، أَوْ اسْتَعْدَى بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، فَالْحَاكِمُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ إحْضَارِهِمْ
وَالْحُكْمِ بَيْنَهُمْ، وَبَيْنَ تَرْكِهِمْ، سَوَاءٌ كَانُوا مِنْ أَهْلِ دِينٍ وَاحِدٍ، أَوْ مِنْ أَهْلِ أَدْيَانٍ. هَذَا الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ. وَهُوَ قَوْلُ النَّخَعِيِّ، وَأَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ. وَحَكَى أَبُو الْخَطَّابِ، عَنْ أَحْمَدَ، رِوَايَةً أُخْرَى، أَنَّهُ يَجِبُ الْحُكْمُ بَيْنَهُمْ. وَهَذَا الْقَوْلُ الثَّانِي لِلشَّافِعِيِّ، وَاخْتِيَارُ الْمُزَنِيّ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:{وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [المائدة: 49] . وَلِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ دَفْعُ مَنْ قَصَدَ وَاحِدًا مِنْهُمَا بِغَيْرِ حَقٍّ، فَلَزِمَهُ الْحُكْمُ بَيْنَهُمَا، كَالْمُسْلِمِينَ.
وَلَنَا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} [المائدة: 42] . فَخَيَّرَهُ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ، وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِيمَنْ وَادَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ يَهُودِ الْمَدِينَةِ؛ وَلِأَنَّهُمَا كَافِرَانِ، فَلَا يَجِبُ الْحُكْمُ بَيْنَهُمَا كَالْمُعَاهَدَيْنِ، وَالْآيَةُ الَّتِي احْتَجُّوا بِهَا مَحْمُولَةٌ عَلَى مَنْ اخْتَارَ الْحُكْمَ بَيْنَهُمْ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ} [المائدة: 42] . جَمْعًا بَيْنَ الْآيَتَيْنِ، فَإِنَّهُ لَا يُصَارُ إلَى النَّسْخِ مَعَ إمْكَانِ الْجَمْعِ. فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّهُ إذَا حَكَمَ بَيْنَهُمْ، لَمْ يَجُزْ لَهُ الْحُكْمُ إلَّا بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ؛ لِلْآيَتَيْنِ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْحُكْمُ، إلَّا بِالْقِسْطِ، كَمَا فِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ، وَمَتَى حَكَمَ بَيْنَهُمَا، أَلْزَمَهُمَا حُكْمُهُ، وَمَنْ امْتَنَعَ مِنْهُمَا، أَجْبَرَهُ عَلَى قَبُولِ حُكْمِهِ، وَأَخْذِهِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا دَخَلَ فِي الْعَهْدِ بِشَرْطِ الْتِزَامِ أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ.
قَالَ أَحْمَدُ: لَا يُبْحَثُ عَنْ أَمْرِهِمْ، وَلَا يُسْأَلُ عَنْ أَمْرِهِمْ، إلَّا أَنْ يَأْتُوا هُمْ، فَإِنْ ارْتَفَعُوا إلَيْنَا، أَقَمْنَا عَلَيْهِمْ الْحَدَّ، عَلَى مَا فَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم. وَقَالَ أَيْضًا: حُكْمُنَا يَلْزَمُهُمْ، وَحُكْمُنَا جَائِزٌ عَلَى جَمِيعِ الْمِلَلِ، وَلَا يَدْعُوهُمَا الْحَاكِمُ، فَإِنْ جَاءُوا، حَكَمْنَا بِحُكْمِنَا. إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّهُ إذَا رُفِعَ إلَى الْحَاكِمِ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ مَنْ فَعَلَ مُحَرَّمًا، يُوجِبُ عُقُوبَةً، مِمَّا هُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِمْ فِي دِينِهِمْ، كَالزِّنَا، وَالسَّرِقَةِ، وَالْقَذْفِ، وَالْقَتْلِ، فَعَلَيْهِ إقَامَةُ حَدِّهِ عَلَيْهِ؛ فَإِنْ كَانَ زَنَى جُلِدَ إنْ كَانَ بِكْرًا وَغُرِّبَ عَامًا، وَإِنْ كَانَ مُحْصَنًا رُجِمَ.
لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ، «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أُتِيَ بِيَهُودِيَّيْنِ، فَجَرَا بَعْدَ إحْصَانِهِمَا، فَأَمَرَ بِهِمَا فَرُجِمَا.» وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ، «أَنَّ الْيَهُودَ جَاءُوا إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا لَهُ: إنَّ رَجُلًا مِنْهُمْ وَامْرَأَةً زَنَيَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَا تَجِدُونَ فِي التَّوْرَاةِ فِي شَأْنِ الرَّجْمِ؟ . فَقَالُوا: نَفْضَحُهُمْ وَيُجْلَدُونَ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ: كَذَبْتُمْ إنَّ فِيهَا الرَّجْمَ. فَأَتَوْا بِالتَّوْرَاةِ فَنَشَرُوهَا، فَوَضَعَ أَحَدُهُمْ يَدَهُ عَلَى آيَةِ الرَّجْمِ، فَقَرَأَ مَا قَبْلَهَا وَمَا بَعْدَهَا، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ: ارْفَعْ يَدَك. فَرَفَعَ يَدَهُ، فَإِذَا فِيهَا آيَةُ الرَّجْمِ، فَقَالُوا: صَدَقَ يَا مُحَمَّدُ، فِيهَا آيَةُ الرَّجْمِ. فَأَمَرَ بِهِمَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَرُجِمَا.» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَرَوَى أَنَسٌ، «أَنَّ يَهُودِيًّا قَتَلَ جَارِيَةً عَلَى أَوْضَاحٍ لَهَا بِحَجَرٍ، فَقَتَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ حَجَرَيْنِ.» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَإِنْ كَانَ يَعْتَقِدُ إبَاحَتَهُ، كَشُرْبِ الْخَمْرِ، لَمْ يُحَدَّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْتَقِدُ تَحْرِيمَهُ، فَلَمْ يَلْزَمْهُ عُقُوبَتُهُ، كَالْكُفْرِ. وَإِنْ تَظَاهَرَ بِهِ، عُزِّرَ؛ لِأَنَّهُ أَظْهَرَ مُنْكَرًا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، فَعُزِّرَ عَلَيْهِ، كَالْمُسْلِمِ.