الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
آخَرُونَ فَسَبَوْهُمْ. لَمْ يَلْزَمْهُ اسْتِنْقَاذُهُمْ، وَلَيْسَ لِلْمُسْلِمِينَ شِرَاؤُهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ فِي عَهْدِهِمْ، فَلَا يَجُوزُ لَهُمْ أَذَاهُمْ وَلَا اسْتِرْقَاقُهُمْ. وَذَكَرَ الشَّافِعِيُّ مَا يَدُلُّ عَلَى هَذَا. وَيَحْتَمِلُ جَوَازَ ذَلِكَ. وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ، لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ أَنْ يَدْفَعَ عَنْهُمْ، فَلَا يَحْرُمُ اسْتِرْقَاقُهُمْ، بِخِلَافِ أَهْلِ الذِّمَّةِ. فَعَلَى هَذَا، إنْ اسْتَوْلَى الْمُسْلِمُونَ عَلَى الَّذِينَ أَسَرُوهُمْ، وَأَخَذُوا أَمْوَالَهُمْ، فَاسْتَنْقَذُوا ذَلِكَ مِنْهُمْ، لَمْ يَلْزَمْ رَدُّهُ إلَيْهِمْ، عَلَى هَذَا الْقَوْلِ.
وَمُقْتَضَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ وُجُوبُ رَدِّهِ، كَمَا تُرَدُّ أَمْوَالُ أَهْلِ الذِّمَّةِ إلَيْهِمْ.
[فَصْلٌ بَعْدَ عَقْدِ الْهُدْنَةِ مُطْلَقًا فَجَاءَنَا مِنْهُمْ إنْسَانٌ مُسْلِمًا أَوْ بِأَمَانٍ]
(7596)
فَصْلٌ: وَإِذَا عَقَدَ الْهُدْنَةَ مُطْلَقًا، فَجَاءَنَا مِنْهُمْ إنْسَانٌ مُسْلِمًا أَوْ بِأَمَانٍ، لَمْ يَجِبْ رَدُّهُ إلَيْهِمْ، وَلَمْ يَجُزْ ذَلِكَ، سَوَاءٌ كَانَ حُرًّا أَوْ عَبْدًا، أَوْ رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً. وَلَا يَجِبُ رَدُّ مَهْرِ الْمَرْأَةِ. وَقَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ: إنْ خَرَجَ الْعَبْدُ إلَيْنَا قَبْلَ إسْلَامِهِ، ثُمَّ أَسْلَمَ، لَمْ يُرَدَّ إلَيْهِمْ، وَإِنْ أَسْلَمَ قَبْلَ خُرُوجِهِ، ثُمَّ خَرَجَ إلَيْنَا، لَمْ يَصِرْ حُرًّا، لِأَنَّهُمْ فِي أَمَانٍ مِنَّا، وَالْهُدْنَةُ تَمْنَعُ مِنْ جَوَازِ الْقَهْرِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي قَوْلٍ لَهُ: إذَا جَاءَتْ امْرَأَةٌ لَهُ مُسْلِمَةٌ، وَجَبَ رَدُّ مَهْرِهَا؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:{وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا} [الممتحنة: 10] . يَعْنِي رُدَّ مَهْرُهَا إلَى زَوْجِهَا إذَا جَاءَ يَطْلُبُهَا، وَإِنْ جَاءَ غَيْرُهُ، لَمْ يُرَدَّ إلَيْهِ شَيْءٌ.
وَلَنَا، أَنَّهُ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ دَارِ الْإِسْلَامِ، خَرَجَ إلَيْنَا، فَلَمْ يَجِبْ رَدُّهُ، وَلَا رَدُّ شَيْءٍ بَدَلًا عَنْهُ، كَالْحُرِّ مِنْ الرِّجَالِ، وَكَالْعَبْدِ إذَا خَرَجَ ثُمَّ أَسْلَمَ. قَوْلُهُمْ: إنَّهُمْ فِي أَمَانٍ مِنَّا. قُلْنَا: إنَّمَا أَمَّنَّاهُمْ مِمَّنْ هُوَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، الَّذِينَ هُمْ فِي قَبْضَةِ الْإِمَامِ، فَأَمَّا مَنْ هُوَ فِي دَارِهِمْ، وَمَنْ لَيْسَ فِي قَبْضَتِهِ، فَلَا يُمْنَعُ مِنْهُ، بِدَلِيلِ مَا لَوْ خَرَجَ الْعَبْدُ قَبْلَ إسْلَامِهِ، وَلِهَذَا «لَمَّا قَتَلَ أَبُو بَصِيرٍ الرَّجُلَ الَّذِي جَاءَ لِرَدِّهِ، لَمْ يُنْكِرْهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَلَمْ يُضَمِّنْهُ، وَلَمَّا انْفَرَدَ هُوَ وَأَبُو جَنْدَلٍ وَأَصْحَابُهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ، فَقَطَعُوا الطَّرِيقَ عَلَيْهِمْ، وَقَتَلُوا مَنْ قَتَلُوا مِنْهُمْ، وَأَخَذُوا الْمَالَ، لَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ بِرَدِّ مَا أَخَذُوهُ، وَلَا غَرَامَةِ مَا أَتْلَفُوهُ» .
وَهَذَا الَّذِي أَسْلَمَ كَانَ فِي دَارِهِمْ وَقَبْضَتِهِمْ، وَقَهْرِهِمْ عَلَى نَفْسِهِ، فَصَارَ حُرًّا، كَمَا لَوْ أَسْلَمَ بَعْدَ خُرُوجِهِ. وَأَمَّا الْمَرْأَةُ، فَلَا يَجِبُ رَدُّ مَهْرِهَا؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَأْخُذْ مِنْهُ شَيْئًا، وَلَوْ أَخَذَتْهُ كَانَتْ قَدْ قَهَرَتْهُمْ عَلَيْهِ فِي دَارِ الْقَهْرِ، وَلَوْ وَجَبَ عَلَيْهَا عِوَضُهُ، لَوَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ دُونَ الْمُسَمَّى. وَالْآيَةُ، قَالَ قَتَادَةُ: تُبِيحُ رَدَّ الْمَهْرِ. وَقَالَ عَطَاءٌ، وَالزُّهْرِيُّ، وَالثَّوْرِيُّ: لَا يُعْمَلُ بِهَا الْيَوْمَ. وَعَلَى أَنَّ الْآيَةَ إنَّمَا نَزَلَتْ فِي قَضِيَّةِ الْحُدَيْبِيَةِ، حِينَ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم شَرَطَ لَهُمْ رَدَّ مَنْ جَاءَهُ مُسْلِمًا، فَلَمَّا مَنَعَ اللَّهُ رَدَّ النِّسَاءِ، أَمَرَ بِرَدِّ مُهُورِهِنَّ، وَكَلَامُنَا فِيمَا إذَا وَقَعَ الصُّلْحُ مُطْلَقًا، فَلَيْسَ هُوَ مَعْنَى مَا تَنَاوَلَهُ الْأَمْرُ.
وَإِنْ وَقَعَ الْكَلَامُ فِيمَا إذَا شَرَطَ رَدَّ النِّسَاءِ، لَمْ يَصِحَّ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ الَّذِي كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم شَرَطَهُ، كَانَ صَحِيحًا، وَقَدْ نُسِخَ، فَإِذَا شُرِطَ الْآنَ كَانَ بَاطِلًا، فَلَا يَجُوزُ قِيَاسُهُ عَلَى الصَّحِيحِ، وَلَا إلْحَاقُهُ بِهِ.
[فَصْلٌ الشُّرُوطُ فِي عَقْدِ الْهُدْنَةِ]
(7597)
فَصْلٌ: وَالشُّرُوطُ فِي عَقْدِ الْهُدْنَةِ تَنْقَسِمُ قِسْمَيْنِ؛ صَحِيحٌ؛ مِثْلُ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِمْ مَالًا، أَوْ مَعُونَةَ الْمُسْلِمِينَ عِنْدَ
حَاجَتِهِمْ إلَيْهِمْ، أَوْ يَشْتَرِطَ لَهُمْ أَنْ يَرُدَّ مَنْ جَاءَهُ مِنْ الرِّجَالِ مُسْلِمًا أَوْ بِأَمَانٍ. فَهَذَا يَصِحُّ. وَقَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ: لَا يَصِحُّ شَرْطُ رَدِّ الْمُسْلِمِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ عَشِيرَةٌ تَحْمِيه وَتَمْنَعُهُ.
وَلَنَا، «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم شَرَطَ ذَلِكَ فِي صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ، وَوَفَّى لَهُمْ بِهِ، فَرَدَّ أَبَا جَنْدَلٍ وَأَبَا بَصِيرٍ» ، وَلَمْ يَخُصَّ بِالشَّرْطِ ذَا الْعَشِيرَةِ، وَلِأَنَّ ذَا الْعَشِيرَةِ إذَا كَانَتْ عَشِيرَتُهُ هِيَ الَّتِي تَفْتِنُهُ وَتُؤْذِيه، فَهُوَ كَمَنْ لَا عَشِيرَةَ لَهُ، لَكِنْ لَا يَجُوزُ هَذَا الشَّرْطُ إلَّا عِنْدَ شِدَّةِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ، وَتَعَيُّنِ الْمَصْلَحَةِ فِيهِ، وَمَتَى شَرَطَ لَهُمْ ذَلِكَ، لَزِمَ الْوَفَاءُ بِهِ، بِمَعْنَى أَنَّهُمْ إذَا جَاءُوا فِي طَلَبِهِ، لَمْ يَمْنَعْهُمْ أَخْذَهُ، وَلَا يُجْبِرُهُ الْإِمَامُ عَلَى الْمُضِيِّ مَعَهُمْ.
وَلَهُ أَنْ يَأْمُرَهُ سِرًّا بِالْهَرَبِ مِنْهُمْ، وَمُقَاتَلَتِهِمْ «، فَإِنَّ أَبَا بَصِيرٍ لَمَّا جَاءَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَجَاءَ الْكُفَّارُ فِي طَلَبِهِ، قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: إنَّا لَا يَصْلُحُ فِي دِينِنَا الْغَدْرُ، وَقَدْ عَلِمْت مَا عَاهَدْنَاهُمْ عَلَيْهِ، وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَ لَك فَرَجًا وَمَخْرَجًا. فَلَمَّا رَجَعَ مَعَ الرَّجُلَيْنِ، قَتَلَ أَحَدَهُمَا فِي طَرِيقِهِ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ أَوْفَى اللَّهُ ذِمَّتَك، قَدْ رَدَدْتنِي إلَيْهِمْ، فَأَنْجَانِي اللَّهُ مِنْهُمْ. فَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَلَمْ يَلُمْهُ، بَلْ قَالَ: وَيْلُ أُمِّهِ مِسْعَرَ حَرْبٍ، لَوْ كَانَ مَعَهُ رِجَالٌ» فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ أَبُو بَصِيرٍ، لَحِقَ بِسَاحِلِ الْبَحْرِ، وَانْحَازَ إلَيْهِ أَبُو جَنْدَلِ بْنُ سُهَيْلٍ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُسْتَضْعَفِينَ بِمَكَّةَ، فَجَعَلُوا لَا تَمُرُّ عَلَيْهِمْ عِيرٌ لِقُرَيْشٍ إلَّا عَرَضُوا لَهَا، فَأَخَذُوهَا، وَقَتَلُوا مَنْ مَعَهَا، فَأَرْسَلَتْ قُرَيْشٌ، إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم تُنَاشِدُهُ اللَّهَ وَالرَّحِمَ، أَنْ يَضُمَّهُمْ إلَيْهِ، وَلَا يَرُدُّ إلَيْهِمْ أَحَدًا جَاءَهُ، فَفَعَلَ. فَيَجُوزُ حِينَئِذٍ لِمَنْ أَسْلَمَ مِنْ الْكُفَّارِ أَنْ يَتَحَيَّزُوا نَاحِيَةً، وَيَقْتُلُونَ مَنْ قَدَرُوا عَلَيْهِ مِنْ الْكُفَّارِ، وَيَأْخُذُونَ أَمْوَالَهُمْ، وَلَا يَدْخُلُونَ فِي الصُّلْحِ.
وَإِنْ ضَمَّهُمْ الْإِمَامُ إلَيْهِ بِإِذْنِ الْكُفَّارِ، دَخَلُوا فِي الصُّلْحِ، وَحَرُمَ عَلَيْهِمْ قَتْلُ الْكُفَّارِ وَأَمْوَالُهُمْ وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، رضي الله عنه أَنَّهُ لَمَّا جَاءَ أَبُو جَنْدَلٍ إلَى النَّبِيِّ هَارِبًا مِنْ