الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حُرٌّ إذَا مَلَكَ بِجُزْئِهِ الْحُرِّ شَيْئًا، فَلَهُ أَنْ يُضَحِّيَ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَتَبَرَّعَ بِغَيْرِ إذْنِهِ
[مَسْأَلَةٌ يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِك السَّبْعَةُ فَيُضَحُّوا بِالْبَدَنَةِ وَالْبَقَرَةِ]
(7893)
مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: وَيَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِكَ السَّبْعَةُ، فَيُضَحُّوا بِالْبَدَنَةِ وَالْبَقَرَةِ وَجُمْلَتُهُ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِكَ فِي التَّضْحِيَةِ بِالْبَدَنَةِ وَالْبَقَرَةِ سَبْعَةٌ، وَاجِبًا كَانَ أَوْ تَطَوُّعًا، سَوَاءٌ كَانُوا كُلُّهُمْ مُتَقَرِّبِينَ، أَوْ يُرِيدُ بَعْضُهُمْ الْقُرْبَةَ وَبَعْضُهُمْ اللَّحْمَ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَجُوزُ الِاشْتِرَاكُ فِي الْهَدْيِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَجُوزُ لِلْمُتَقَرِّبِينَ، وَلَا يَجُوزُ إذَا كَانَ بَعْضُهُمْ غَيْرَ مُتَقَرِّبٍ؛ لِأَنَّ الذَّبْحَ وَاحِدٌ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ تَخْتَلَّ نِيَّةُ الْقُرْبَةِ فِيهِ. وَلَنَا، مَا رَوَى جَابِرٌ، قَالَ:«أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ نَشْتَرِكَ فِي الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ، كُلُّ سَبْعَةٍ مِنَّا فِي بَدَنَةٍ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَلَنَا، عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ، أَنَّ الْجُزْءَ الْمُجَزَّأَ لَا يَنْقُصُ بِإِرَادَةِ الشَّرِيكِ غَيْرَ الْقُرْبَةِ، فَجَازَ، كَمَا لَوْ اخْتَلَفَتْ جِهَاتُ الْقُرْبِ، فَأَرَادَ بَعْضُهُمْ التَّضْحِيَةَ، وَبَعْضُهُمْ الْفِدْيَةَ. (7894) فَصْلٌ: وَيَحُوزُ لِلْمُشْتَرَكِينَ قِسْمَةُ اللَّحْمِ، وَمَنَعَ مِنْهُ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ فِي وَجْهٍ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْقِسْمَةَ بَيْعٌ، وَبَيْعُ لَحْمِ الْهَدْيِ وَالْأُضْحِيَّةِ غَيْرُ جَائِزٍ. وَلَنَا، أَنَّ أَمْرَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِالِاشْتِرَاكِ، مَعَ أَنَّ سُنَّةَ الْهَدْيِ وَالْأُضْحِيَّةِ الْأَكْلُ مِنْهَا، دَلِيلٌ عَلَى تَجْوِيزِ الْقِسْمَةِ، إذْ لَا يَتَمَكَّنُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ مِنْ الْأَكْلِ إلَّا بِالْقِسْمَةِ، وَكَذَلِكَ الصَّدَقَةُ وَالْهَدِيَّةُ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْقِسْمَةَ بَيْعٌ، بَلْ هِيَ إفْرَازُ حَقٍّ، عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فِي بَابِ الْقِسْمَةُ.
[مَسْأَلَةٌ حُكْم الْعَقِيقَةُ]
(7895)
مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ وَالْعَقِيقَةُ سُنَّةٌ، عَنْ الْغُلَامِ شَاتَانِ، وَعَنْ الْجَارِيَةِ شَاةٌ الْعَقِيقَةُ: الذَّبِيحَةُ الَّتِي تُذْبَحُ عَنْ الْمَوْلُودِ، وَقِيلَ: هِيَ الطَّعَامُ الَّذِي يُصْنَعُ وَيُدْعَى إلَيْهِ مِنْ أَجْلِ الْمَوْلُودِ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الْأَصْلُ فِي الْعَقِيقَةِ. الشَّعْرُ الَّذِي عَلَى الْمَوْلُودِ، وَجَمْعُهَا عَقَائِقُ، وَمِنْهَا قَوْلُ الشَّاعِر:
أَيَا هِنْدُ لَا تَنْكِحِي بُوهَةً
…
عَلَيْهِ عَقِيقَتُهُ أَحْسَبَا
ثُمَّ إنَّ الْعَرَبَ سَمَّتْ الذَّبِيحَةَ عِنْدَ حَلْقِ شَعْرِهِ عَقِيقَةً، عَلَى عَادَاتِهِمْ فِي تَسْمِيَةِ الشَّيْءِ بِاسْمِ سَبَبِهِ أَوْ مَا جَاوَرَهُ، ثُمَّ اُشْتُهِرَ ذَلِكَ حَتَّى صَارَ مِنْ الْأَسْمَاءِ الْعُرْفِيَّةِ، وَصَارَتْ الْحَقِيقَةُ مَغْمُورَةً فِيهِ، فَلَا يُفْهَمُ مِنْ الْعَقِيقَةِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ إلَّا الذَّبِيحَةُ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَنْكَرَ أَحْمَدُ هَذَا التَّفْسِيرَ، وَقَالَ: إنَّمَا الْعَقِيقَةُ الذَّبْحُ نَفْسُهُ. وَوَجْهُهُ أَنَّ أَصْلَ الْعَقِّ الْقَطْعُ، وَمِنْهُ عَقَّ وَالِدَيْهِ، إذَا قَطَعَهُمَا.
وَالذَّبْحُ قَطْعُ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ وَالْوَدَجَيْنِ. وَالْعَقِيقَةُ سُنَّةٌ فِي قَوْلِ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ؛ مِنْهُمْ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَابْنُ عُمَرَ، وَعَائِشَةُ، وَفُقَهَاءُ التَّابِعِينَ، وَأَئِمَّةُ الْأَمْصَارِ، إلَّا أَصْحَابَ الرَّأْيِ، قَالُوا لَيْسَتْ سُنَّةً، وَهِيَ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ. وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْعَقِيقَةِ، فَقَالَ: إنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - لَا يُحِبُّ الْعُقُوقَ. فَكَأَنَّهُ كَرِهَ الِاسْمَ، وَقَالَ: مَنْ وُلِدَ لَهُ مَوْلُودٌ، فَأَحَبَّ أَنْ يَنْسُكَ عَنْهُ فَلْيَفْعَلْ.» رَوَاهُ مَالِكٌ فِي " مُوَطَّئِهِ " لَوْ. وَقَالَ الْحَسَنُ وَدَاوُد: هِيَ وَاجِبَةٌ. وَرُوِيَ عَنْ بُرَيْدَةَ، أَنَّ النَّاسَ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا، كَمَا يُعْرَضُونَ عَلَى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ؛ لِمَا رَوَى سَمُرَةُ بْنُ جُنْدُبٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«كُلُّ غُلَامٍ رَهِينَةٌ بِعَقِيقَتِهِ، تُذْبَحُ عَنْهُ يَوْمَ سَابِعِهِ، وَيُسَمَّى فِيهِ، وَتُحْلَقُ رَأْسُهُ» . وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِثْلُهُ. قَالَ أَحْمَدُ: إسْنَادُهُ جَيِّدٌ، وَرَوَى حَدِيثَ سَمُرَةَ الْأَثْرَمُ، وَأَبُو دَاوُد. وَعَنْ عَائِشَةَ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَهُمْ عَنْ الْغُلَامِ بِشَاتَيْنِ، وَعَنْ الْجَارِيَةِ بِشَاةٍ.» وَظَاهِرُ الْأَمْرِ الْوُجُوبُ. وَلَنَا، عَلَى اسْتِحْبَابِهَا هَذِهِ الْأَحَادِيثُ، وَعَنْ أُمِّ كَرْزٍ الْكَعْبِيَّةِ، قَالَتْ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «عَنْ الْغُلَامِ شَاتَانِ مُكَافِئَتَانِ، وَعَنْ الْجَارِيَةِ شَاةٌ» . وَفِي لَفْظٍ: «عَنْ الْغُلَامِ شَاتَانِ مِثْلَانِ، وَعَنْ الْجَارِيَةِ شَاةٌ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ:" الْعَقِيقَةُ عَنْ الْغُلَامِ شَاتَانِ ".
وَالْإِجْمَاعُ، قَالَ أَبُو الزِّنَادِ: الْعَقِيقَةُ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ، كَانُوا يَكْرَهُونَ تَرْكَهُ. وَقَالَ أَحْمَدُ: الْعَقِيقَةُ سُنَّةٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ عَقَّ عَنْ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ، وَفَعَلَهُ أَصْحَابُهُ، وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:" الْغُلَامُ مُرْتَهَنٌ بِعَقِيقَتِهِ ". وَهُوَ إسْنَادٌ جَيِّدٌ، يَرْوِيهِ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. وَجَعَلَهَا أَبُو حَنِيفَةَ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَذَلِكَ لِقِلَّةِ عِلْمِهِ وَمَعْرِفَتِهِ بِالْأَخْبَارِ. وَأَمَّا بَيَانُ كَوْنِهَا غَيْرَ وَاجِبَةٍ، فَدَلِيلُهُ مَا احْتَجَّ بِهِ أَصْحَابُ الرَّأْيِ مِنْ الْخَبَرِ، وَمَا رَوَوْهُ مَحْمُولٌ عَلَى تَأْكِيدِ الِاسْتِحْبَابِ، جَمْعًا بَيْنَ الْأَخْبَارِ، وَلِأَنَّهَا ذَبِيحَةٌ لِسُرُورٍ حَادِثٍ، فَلَمْ تَكُنْ وَاجِبَةً، كَالْوَلِيمَةِ وَالنَّقِيعَةِ.