الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " مَا مَنَعَك يَا خَالِدُ أَنْ تَدْفَعَ إلَى هَذَا سَلَبَ قَتِيلِهِ؟ ". قَالَ: اسْتَكْثَرْته لَهُ. قَالَ: " فَادْفَعْهُ إلَيْهِ ". وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
[الْفَصْلُ الرَّابِعُ يَسْتَحِقُّ السَّلَبَ بِشُرُوطٍ أَرْبَعَةٍ]
(7472)
أَنَّهُ إنَّمَا يَسْتَحِقُّ السَّلَبَ بِشُرُوطٍ أَرْبَعَةٍ؛ أَحَدُهَا، أَنْ يَكُونَ الْمَقْتُولُ مِنْ الْمُقَاتِلَةِ الَّذِينَ يَجُوزُ قَتْلُهُمْ، فَأَمَّا إنْ قَتَلَ امْرَأَةً، أَوْ صَبِيًّا، أَوْ شَيْخًا فَانِيًا، أَوْ ضَعِيفًا مَهِينًا، وَنَحْوَهُمْ مِمَّنْ لَا يُقَاتِلُ، لَمْ يَسْتَحِقَّ سَلَبَهُ. لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا. وَإِنْ كَانَ أَحَدُ هَؤُلَاءِ يُقَاتِلُ، اسْتَحَقَّ قَاتِلُهُ سَلَبَهُ، لِأَنَّهُ يَجُوزُ قَتْلُهُ، وَمَنْ قَتَلَ أَسِيرًا لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ، لَمْ يَسْتَحِقَّ سَلَبَهُ؛ لِذَلِكَ. الثَّانِي أَنْ يَكُونَ الْمَقْتُولُ فِيهِ مَنَعَةٌ، غَيْرَ مُثْخَنٍ بِالْجِرَاحِ، فَإِنْ كَانَ مُثْخَنًا بِالْجِرَاحِ، فَلَيْسَ لِقَاتِلِهِ شَيْءٌ مِنْ سَلَبِهِ. وَبِهَذَا قَالَ مَكْحُولٌ، وَجَرِيرُ بْنُ عُثْمَانَ، وَالشَّافِعِيُّ؛ لِأَنَّ مُعَاذَ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ أَثْبَتَ أَبَا جَهْلٍ، وَذَفَّفَ عَلَيْهِ ابْنُ مَسْعُودٍ، فَقَضَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِسَلَبِهِ لِمُعَاذِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ، وَلَمْ يُعْطِ ابْنَ مَسْعُودٍ شَيْئًا.
وَإِنْ قَطَعَ يَدَيْ رَجُلٍ وَرِجْلَيْهِ، وَقَتَلَهُ آخِرُ، فَالسَّلَبُ لِلْقَاطِعِ دُونَ الْقَاتِلِ؛ لِأَنَّ الْقَاطِعَ هُوَ الَّذِي كَفَى الْمُسْلِمِينَ شَرَّهُ. وَإِنْ قَطَعَ يَدَيْهِ أَوْ رَجُلَيْهِ، وَقَتَلَهُ الْآخِرُ، فَالسَّلَبُ لِلْقَاطِعِ، فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ؛ لِأَنَّهُ عَطَّلَهُ، فَأَشْبَهَ الَّذِي قَتَلَهُ، وَالثَّانِي سَلَبَهُ فِي الْغَنِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَتْ رِجْلَاهُ سَالِمَتَيْنِ، فَإِنَّهُ يَعْدُو وَيُكْثِرُ، وَإِنْ كَانَتْ يَدَاهُ سَالِمَتَيْنِ، فَإِنَّهُ يُقَاتِلُ بِهِمَا، فَلَمْ يَكْفِ الْقَاطِعُ شَرَّهُ كُلَّهُ، وَلَا يَسْتَحِقُّ الْقَاتِلُ سَلَبَهُ؛ لِأَنَّهُ مُثْخَنٌ بِالْجِرَاحِ. وَإِنْ قَطَعَ يَدَهُ وَرِجْلَهُ مِنْ خِلَافٍ، فَكَذَلِكَ. وَإِنْ قَطَعَ إحْدَى يَدَيْهِ وَإِحْدَى رِجْلَيْهِ، ثُمَّ قَتَلَهُ آخَرُ، فَسَلَبُهُ غَنِيمَةٌ.
وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ لِلْقَاتِلِ؛ لِأَنَّهُ قَاتِلٌ لِمَنْ لَمْ يَكْفِ الْمُسْلِمِينَ شَرَّهُ. وَإِنْ عَانَقَ رَجُلٌ رَجُلًا، فَقَتَلَهُ آخَرُ، فَالسَّلَبُ لِلْقَاتِلِ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: هُوَ لِلْمُعَانِقِ. وَلَنَا، قَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:«مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا، فَلَهُ سَلَبُهُ.» وَلِأَنَّهُ كَفَى الْمُسْلِمِينَ شَرَّهُ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ لَمْ يُعَانِقْهُ الْآخَرُ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْكَافِرُ مُقْبِلًا عَلَى رَجُلٍ يُقَاتِلُهُ، فَجَاءَ آخِرُ مِنْ وَرَائِهِ، فَضَرَبَهُ فَقَتَلَهُ، فَسَلَبُهُ لِقَاتِلِهِ، بِدَلِيلِ قِصَّةِ قَتِيلِ أَبِي قَتَادَةَ.
الثَّالِثُ، أَنْ يَقْتُلَهُ أَوْ يُثْخِنَهُ بِجِرَاحٍ تَجْعَلُهُ فِي حُكْمِ الْمَقْتُولِ. قَالَ أَحْمَدُ: لَا يَكُونُ السَّلَبُ إلَّا لِلْقَاتِلِ. وَإِنْ أَسَرَ رَجُلًا، لَمْ يَسْتَحِقَّ سَلَبَهُ، سَوَاءٌ قَتَلَهُ الْإِمَامُ أَوْ لَمْ يَقْتُلْهُ. وَقَالَ مَكْحُولٌ: لَا يَكُونُ السَّلَبُ إلَّا لِمَنْ
أَسَرَ عِلْجًا أَوْ قَتَلَهُ. وَقَالَ الْقَاضِي: إذَا أُسِرَ رَجُلٌ، فَقَتَلَهُ الْإِمَامُ صَبْرًا، فَسَلَبُهُ لِمَنْ أَسَرَهُ؛ لِأَنَّ الْأَسْرَ أَصْعَبُ مِنْ الْقَتْلِ، فَإِذَا اسْتَحَقَّ سَلَبَهُ بِالْقَتْلِ، كَانَ تَنْبِيهًا عَلَى اسْتِحْقَاقِهِ بِالْأَسْرِ. قَالَ: وَإِنْ اسْتَبْقَاهُ الْإِمَامُ، كَانَ لَهُ فِدَاؤُهُ، أَوْ رَقَبَتُهُ وَسَلَبُهُ، لِأَنَّهُ كَفَى الْمُسْلِمِينَ شَرَّهُ.
وَلَنَا، أَنَّ الْمُسْلِمِينَ أَسَرُوا أَسْرَى يَوْمَ بَدْرٍ، فَقَتَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عُقْبَةَ وَالنَّضْرَ بْنَ الْحَارِثِ، وَاسْتَبْقَى سَائِرَهُمْ، فَلَمْ يُعْطِ مَنْ أَسَرَهُمْ أَسْلَابَهُمْ، وَلَا فِدَاءَهُمْ، وَكَانَ فِدَاؤُهُمْ غَنِيمَةً. وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم إنَّمَا جَعَلَ السَّلَبَ لِلْقَاتِلِ، وَلَيْسَ الْآسِرُ بِقَاتِلٍ، وَلِأَنَّ الْإِمَامَ مُخَيَّرٌ فِي الْأَسْرَى، وَلَوْ كَانَ لِمَنْ أَسَرَهُ، كَانَ أَمْرُهُ إلَيْهِ دُونَ الْإِمَامِ. الرَّابِعُ، أَنْ يُغَرِّرَ بِنَفْسِهِ فِي قَتْلِهِ، فَأَمَّا إنْ رَمَاهُ بِسَهْمٍ مِنْ صَفِّ الْمُسْلِمِينَ فَقَتَلَهُ، فَلَا سَلَبَ لَهُ. قَالَ أَحْمَدُ: السَّلَبُ لِلْقَاتِلِ، إنَّمَا هُوَ فِي الْمُبَارَزَةِ، لَا يَكُونُ فِي الْهَزِيمَةِ.
وَإِنْ حَمَلَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَلَى وَاحِدٍ فَقَتَلُوهُ، فَالسَّلَبُ فِي الْغَنِيمَةِ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُغَرِّرُوا بِأَنْفُسِهِمْ فِي قَتْلِهِ. وَإِنْ اشْتَرَكَ فِي قَتْلِهِ اثْنَانِ، فَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ أَنَّ سَلَبَهُ غَنِيمَةٌ، فَإِنَّهُ قَالَ، فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ: لَهُ السَّلَبُ إذَا انْفَرَدَ بِقَتْلِهِ. وَحَكَى أَبُو الْخَطَّابِ، عَنْ الْقَاضِي، إنَّهُمَا يَشْتَرِكَانِ فِي سَلَبِهِ؛ لِقَوْلِهِ:«مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا، فَلَهُ سَلَبُهُ» .
وَهَذَا يَتَنَاوَلُ الْوَاحِدَ وَالْجَمَاعَةَ، وَلِأَنَّهُمَا اشْتَرَكَا فِي السَّبَبِ، فَاشْتَرَكَا فِي السَّلَبِ. وَلَنَا، أَنَّ السَّلَبَ إنَّمَا يُسْتَحَقُّ بِالتَّغْرِيرِ فِي قَتْلِهِ، وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ بِقَتْلِ الِاثْنَيْنِ، فَلَمْ يُسْتَحَقَّ بِهِ السَّلَبُ، كَمَا لَوْ قَتَلَهُ جَمَاعَةٌ، وَلَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم شَرَّكَ بَيْنَ اثْنَيْنِ فِي سَلَبٍ.
فَإِنْ اشْتَرَكَ اثْنَانِ فِي ضَرْبِهِ، وَكَانَ أَحَدُهُمَا أَبْلَغَ فِي قَتْلِهِ مِنْ الْآخَرِ، فَالسَّلَبُ لَهُ؛ لِأَنَّ أَبَا جَهْلٍ ضَرَبَهُ مُعَاذُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ، وَمُعَاذُ ابْنُ عَفْرَاءَ، وَأَتَيَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرَاهُ، فَقَالَ:«كِلَاكُمَا قَتَلَهُ. وَقَضَى بِسَلَبِهِ لِمُعَاذِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ.» وَإِنْ انْهَزَمَ الْكُفَّارُ كُلُّهُمْ، فَأَدْرَكَ إنْسَانٌ مُنْهَزِمًا مِنْهُمْ، فَقَتَلَهُ، فَلَا سَلَبَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُغَرِّرْ فِي قَتْلِهِ.
وَإِنْ كَانَتْ الْحَرْبُ قَائِمَةً، فَانْهَزَمَ أَحَدُهُمْ فَقَتَلَهُ إنْسَانٌ، فَسَلَبُهُ لِقَاتِلِهِ؛ لِأَنَّ الْحَرْبَ فَرٌّ وَكَرٌّ، وَقَدْ قَتَلَ سَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ طَلِيعَةً لِلْكُفَّارِ وَهُوَ مُنْهَزِمٌ، «فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: مَنْ قَتَلَهُ؟ . قَالُوا: سَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ. قَالَ: لَهُ سَلَبُهُ أَجْمَعُ» . وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ، وَدَاوُد، وَابْنُ الْمُنْذِرِ: السَّلَبُ لِكُلِّ قَاتِلٍ؛ لِعُمُومِ الْخَبَرِ، وَاحْتِجَاجًا بِحَدِيثِ سَلَمَةَ هَذَا.
وَلَنَا، أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ ذَفَّفَ عَلَى أَبِي جَهْلٍ، فَلَمْ يُعْطِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم سَلَبَهُ، وَأَمَرَ بِقَتْلِ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ وَالنَّضْرَ بْنَ الْحَارِثِ صَبْرًا، وَلَمْ يُعْطِ سَلَبَهُمَا مَنْ قَتَلَهُمَا، وَقَتَلَ بَنِي قُرَيْظَةَ صَبْرًا، فَلَمْ يُعْطِ مَنْ قَتَلَهُمْ أَسْلَابَهُمْ، وَإِنَّمَا أَعْطَى السَّلَبَ مَنْ قَتَلَ مُبَارِزًا، أَوْ كَفَى الْمُسْلِمِينَ شَرَّهُ، وَغَرَّرَ فِي قَتْلِهِ، وَالْمُنْهَزِمُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْحَرْبِ، قَدْ كَفَى الْمُسْلِمِينَ شَرَّ نَفْسِهِ، وَلَمْ يُغَرِّرْ قَاتِلُهُ بِنَفْسِهِ فِي قَتْلِهِ، فَلَمْ يَسْتَحِقَّ سَلَبَهُ كَالْأَسِيرِ.