الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَبُو قَتَادَةُ، فَإِنَّ خَصْمَهُ أَقَرَّ لَهُ، فَاكْتَفَى بِإِقْرَارِهِ. قَالَ أَحْمَدُ: وَلَا يُقْبَلُ إلَّا شَاهِدَانِ. وَقَالَ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ: يُقْبَلُ شَاهِدٌ وَيَمِينٌ؛ لِأَنَّهَا دَعْوَى فِي الْمَالِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقْبَلَ شَاهِدٌ بِغَيْرِ يَمِينٍ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَبِلَ قَوْلَ الَّذِي شَهِدَ لِأَبِي قَتَادَةَ مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ. وَوَجْهُ الْأَوَّلِ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم اعْتَبَرَ الْبَيِّنَةَ، وَإِطْلَاقُهَا يَنْصَرِفُ إلَى شَاهِدَيْنِ، وَلِأَنَّهَا دَعْوَى لِلْقَتْلِ، فَاعْتُبِرَ شَاهِدَانِ، كَقَتْلِ الْعَمْدِ.
[فَصْل سَلَبُ الْقَتْلَى وَتَرْكُهُمْ عُرَاةً]
(7477)
فَصْل وَيَجُوزُ سَلْبُ الْقَتْلَى وَتَرْكُهُمْ عُرَاةً. وَهَذَا قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ. وَكَرِهَهُ الثَّوْرِيُّ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، لِمَا فِيهِ مِنْ كَشْفِ عَوْرَاتِهِمْ. وَلَنَا قَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي قَتِيلِ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ:«لَهُ سَلَبُهُ أَجْمَعُ. وَقَالَ: مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا، فَلَهُ سَلَبُهُ» . وَهَذَا يَتَنَاوَلُ جَمِيعَهُ.
[مَسْأَلَة أَمَانُ الرَّجُل وَالْمَرْأَة]
(7478)
مَسْأَلَة قَالَ: (وَمَنْ أَعْطَاهُمْ الْأَمَانَ مِنَّا؛ مِنْ رَجُلٍ، أَوْ امْرَأَةٍ، أَوْ عَبْدٍ، جَازَ أَمَانُهُ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّ الْأَمَانَ إذَا أُعْطِيَ أَهْلَ الْحَرْبِ، حَرُمَ قَتْلُهُمْ وَمَالُهُمْ وَالتَّعَرُّضُ لَهُمْ. وَيَصِحُّ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ بَالِغٍ عَاقِلٍ مُخْتَارٍ، ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى، حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا. وَبِهَذَا قَالَ الثَّوْرِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَابْنُ الْقَاسِمِ، وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ.
وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَبُو يُوسُفَ: لَا يَصِحُّ أَمَانُ الْعَبْدِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ مَأْذُونًا لَهُ فِي الْقِتَالِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْجِهَادُ، فَلَا يَصِحُّ أَمَانُهُ، كَالصَّبِيِّ، وَلِأَنَّهُ مَجْلُوبٌ مِنْ دَارِ الْكُفْرِ، فَلَا يُؤْمَنُ أَنْ يَنْظُرَ لَهُمْ فِي تَقْدِيمِ مَصْلَحَتِهِمْ. وَلَنَا، مَا رُوِيَ، عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، أَنَّهُ قَالَ:«ذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ، يَسْعَى بِهَا أَدْنَاهُمْ، فَمَنْ أَخْفَرَ مُسْلِمًا، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لَا يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلَا عَدْلٌ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
وَرَوَى فُضَيْلٍ بْنُ يَزِيدَ الرَّقَاشِيُّ، قَالَ: جَهَّزَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ جَيْشًا، فَكُنْت فِيهِ، فَحَصَرْنَا مَوْضِعًا، فَرَأَيْنَا أَنَّا سَنَفْتَحُهَا الْيَوْمَ، وَجَعَلْنَا نُقْبِلُ وَنَرُوحُ، فَبَقِيَ عَبْدٌ مِنَّا، فَرَاطَنَهُمْ وَرَاطَنُوهُ، فَكَتَبَ لَهُمْ الْأَمَانَ فِي صَحِيفَةٍ، وَشَدَّهَا عَلَى سَهْمٍ، وَرَمَى بِهَا إلَيْهِمْ، فَأَخَذُوهَا، وَخَرَجُوا، فَكُتِبَ بِذَلِكَ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَقَالَ: الْعَبْدُ الْمُسْلِمُ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، ذِمَّتُهُ ذِمَّتُهُمْ. رَوَاهُ سَعِيدٌ.
وَلِأَنَّهُ مُسْلِمٌ مُكَلَّفٌ، فَصَحَّ أَمَانُهُ، كَالْحُرِّ. وَمَا ذَكَرُوهُ مِنْ التُّهْمَةِ يَبْطُلُ بِمَا إذَا أُذِنَ لَهُ الْقِتَالِ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ أَمَانُهُ، وَبِالْمَرْأَةِ، فَإِنَّ أَمَانَهَا يَصِحُّ، فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا. قَالَتْ
عَائِشَةُ: إنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ لَتُجِيرُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَيَجُوزُ. وَعَنْ أُمِّ هَانِئٍ، أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنِّي أَجَرْت أَحْمَائِي، وَأَغْلَقْت عَلَيْهِمْ، وَإِنَّ ابْنَ أُمِّي أَرَادَ قَتْلَهُمْ. فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْت يَا أُمَّ هَانِئٍ، إنَّمَا يُجْهِرُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَدْنَاهُمْ» . رَوَاهُمَا سَعِيدٌ. وَأَجَارَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَبَا الْعَاصِ بْنَ الرَّبِيعِ، فَأَمْضَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (7479) فَصْلٌ: وَيَصِحُّ أَمَانُ الْأَسِيرِ إذَا عَقَدَهُ غَيْرَ مُكْرَهٍ؛ لِدُخُولِهِ فِي عُمُومِ الْخَبَرِ، وَلِأَنَّهُ مُسْلِمٌ مُكَلَّفٌ مُخْتَارٌ، فَأَشْبَهَ غَيْرَ الْأَسِيرِ.
وَكَذَلِكَ أَمَانُ الْأَجِيرِ وَالتَّاجِرِ فِي دَارِ الْحَرْبِ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ الثَّوْرِيُّ: لَا يَصِحُّ أَمَانُ أَحَدٍ مِنْهُمْ. وَلَنَا عُمُومُ الْحَدِيثِ، وَالْقِيَاسُ عَلَى غَيْرِهِمْ. فَأَمَّا الصَّبِيُّ الْمُمَيِّزُ، فَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: فِيهِ رِوَايَتَانِ؛ إحْدَاهُمَا، لَا يَصِحُّ أَمَانُهُ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ، وَلَا يَلْزَمُهُ بِقَوْلِهِ حُكْمٌ، فَلَا يَلْزَمُ غَيْرَهُ، كَالْمَجْنُونِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ، يَصِحُّ أَمَانُهُ. وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَصِحُّ أَمَانُهُ، رِوَايَةً وَاحِدَةً. وَحَمَلَ رِوَايَةَ الْمَنْعِ عَلَى غَيْرِ الْمُمَيِّزِ، وَاحْتَجَّ بِعُمُومِ الْحَدِيثِ، وَلِأَنَّهُ مُسْلِمٌ مُمَيِّزٌ، فَصَحَّ أَمَانُهُ، كَالْبَالِغِ، وَفَارَقَ الْمَجْنُونَ، فَإِنَّهُ لَا قَوْلَ لَهُ أَصْلًا.
(7480)
فَصْلٌ: وَلَا يَصِحُّ أَمَانُ كَافِرٍ، وَإِنْ كَانَ ذِمِّيًّا؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«ذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ، يَسْعَى بِهَا أَدْنَاهُمْ.» فَجَعَلَ الذِّمَّةَ لِلْمُسْلِمِينَ، فَلَا تَحْصُلُ لِغَيْرِهِمْ، وَلِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ عَلَى الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ، فَأَشْبَهَ الْحَرْبِيَّ. وَلَا يَصِحُّ أَمَانُ مَجْنُونٍ، وَلَا طِفْلٍ، لِأَنَّ كَلَامَهُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ، وَلَا يَثْبُتُ بِهِ حُكْمٌ. وَلَا يَصِحُّ أَمَانُ زَائِلِ الْعَقْلِ، بِنَوْمٍ أَوْ سُكْرٍ أَوْ إغْمَاءٍ؛ لِذَلِكَ، وَلِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُ الْمَصْلَحَةَ مِنْ غَيْرِهَا، فَأَشْبَهَ الْمَجْنُونَ.
وَلَا يَصِحُّ مِنْ مُكْرَهٍ؛ لِأَنَّهُ قَوْلٌ أُكْرِهَ عَلَيْهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَلَمْ يَصِحَّ، كَالْإِقْرَارِ. (7481) فَصْلٌ: وَيَصِحُّ أَمَانُ الْإِمَامِ لِجَمِيعِ الْكُفَّارِ وَآحَادِهِمْ؛ لِأَنَّ وِلَايَتَهُ عَامَّةٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ. وَيَصِحُّ أَمَانُ الْأَمِيرِ لِمَنْ أُقِيمَ بِإِزَائِهِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ، فَأَمَّا فِي حَقِّ غَيْرِهِمْ، فَهُوَ كَآحَادِ الْمُسْلِمِينَ، لِأَنَّ وِلَايَتَهُ عَلَى قِتَالِ أُولَئِكَ دُونَ غَيْرِهِمْ.
وَيَصِحُّ أَمَانُ آحَادِ الْمُسْلِمِينَ لِلْوَاحِدِ، وَالْعَشَرَةِ، وَالْقَافِلَةِ الصَّغِيرَةِ، وَالْحِصْنِ الصَّغِيرِ؛ لِأَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه -