الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كِفَايَتِهِ وَكِفَايَةِ عِيَالِهِ، لَمْ يَلْزَمْهُ بَذْلُهُ لِلْمُضْطَرِّينَ، وَلَيْسَ لَهُمْ أَخْذُهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُفْضِي إلَى وُقُوعِ الضَّرُورَةِ بِهِ، وَلَا يَدْفَعُهَا عَنْهُمْ.
وَكَذَلِكَ إنْ كَانُوا فِي سَفَرٍ وَمَعَهُ قَدْرُ كِفَايَتِهِ مِنْ غَيْرِ فَضْلَةٍ، لَمْ يَلْزَمْهُ بَذْلُ مَا مَعَهُ لِلْمُضْطَرِّينَ. وَلَمْ يُفَرِّقْ أَصْحَابُنَا بَيْنَ هَذِهِ الْحَالِ وَبَيْنَ كَوْنِهِ لَا يَتَضَرَّرُ بِدَفْعِ مَا مَعَهُ إلَيْهِمْ، فِي أَنَّ ذَلِكَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ؛ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مُضْطَرٍّ فِي الْحَالِ، وَالْآخَرُ مُضْطَرٌّ، فَوَجَبَ تَقْدِيمُ حَاجَةِ الْمُضْطَرِّ.
وَلَنَا أَنَّ هَذَا مُفْضٍ بِهِ إلَى هَلَاكِ نَفْسِهِ، وَهَلَاكِ عِيَالِهِ، فَلَمْ يَلْزَمْهُ، كَمَا لَوْ أَمْكَنَهُ إنْجَاءُ الْغَرِيقِ بِتَغْرِيقِ نَفْسِهِ. وَلِأَنَّ فِي بَذْلِهِ إلْقَاءً بِيَدِهِ إلَى التَّهْلُكَةِ، وَقَدْ نَهَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ.
[مَسْأَلَةٌ لَا بَأْسَ بِأَكْلِ الضَّبِّ وَالضَّبُعِ لِلْمُضْطَرِّ]
(7821)
مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَلَا بَأْسَ بِأَكْلِ الضَّبِّ وَالضَّبُعِ) أَمَّا الضَّبُّ: فَإِنَّهُ مُبَاحٌ فِي قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ؛ مِنْهُمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو سَعِيدٍ، وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَرَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: كُنَّا مَعْشَرَ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم لَأَنْ يُهْدَى إلَى أَحَدِنَا ضَبٌّ أَحَبُّ إلَيْهِ مِنْ دَجَاجَةٍ. وَقَالَ عُمَرُ: مَا يَسُرُّنِي أَنَّ مَكَانَ كُلِّ ضَبٍّ دَجَاجَةٌ سَمِينَةٌ، وَلَوَدِدْت أَنَّ فِي كُلِّ جُحْرِ ضَبٍّ ضَبَّيْنِ. وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ وَالشَّافِعِيُّ وَابْنُ الْمُنْذِرِ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: هُوَ حَرَامٌ. وَبِهَذَا قَالَ الثَّوْرِيُّ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ نَهَى عَنْ أَكْلِ لَحْمِ الضَّبِّ. وَرُوِيَ نَحْوُهُ عَنْ عَلِيٍّ؛ وَلِأَنَّهُ يَنْهَشُ، فَأَشْبَهَ ابْنَ عِرْسٍ.
وَلَنَا مَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ: دَخَلْت أَنَا وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْتَ مَيْمُونَةَ، فَأُتِيَ بِضَبٍّ مَحْنُوذٍ، فَقِيلَ: هُوَ ضَبٌّ يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَرَفَعَ يَدَهُ، فَقُلْت: أَحَرَامٌ هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «لَا، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِأَرْضِ قَوْمِي، فَأَجِدُنِي أَعَافُهُ» . قَالَ خَالِدٌ: فَاجْتَرَرْته فَأَكَلْته، وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَنْظُرُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الضَّبَّ تَقَذُّرًا، وَأُكِلَ عَلَى مَائِدَتِهِ، وَلَوْ كَانَ حَرَامًا مَا أُكِلَ عَلَى مَائِدَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. وَقَالَ عُمَرُ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «لَمْ يُحَرِّمْ الضَّبَّ، وَلَكِنَّهُ قَذِرَهُ» ، وَلَوْ كَانَ عِنْدِي لَأَكَلْته. وَلِأَنَّ الْأَصْلَ الْحِلُّ، وَلَمْ يُوجَدْ الْمُحَرِّمُ، فَبَقِيَ عَلَى الْإِبَاحَةِ، وَلَمْ يَثْبُتْ فِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نَهْيٌ وَلَا تَحْرِيمٌ؛ وَلِأَنَّ الْإِبَاحَةَ قَوْلُ مَنْ سَمَّيْنَا مِنْ الصَّحَابَةِ، وَلَمْ يَثْبُتْ عَنْهُمْ خِلَافُهُ، فَيَكُونُ إجْمَاعًا.
(7822)
فَصْلٌ: فَأَمَّا الضَّبُعُ: فَرُوِيَتْ الرُّخْصَةُ فِيهَا عَنْ سَعْدٍ وَابْنِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَعِكْرِمَةَ وَإِسْحَاقَ. وَقَالَ عُرْوَةُ: مَازَالَتْ الْعَرَبُ تَأْكُلُ الضَّبُعَ وَلَا تَرَى بِأَكْلِهَا بَأْسًا.