الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السَّبَقُ؛ بِالْفَتْحِ: الْجُعْلُ الَّذِي يُسَابَقُ عَلَيْهِ، وَيُسَمَّى الْخَطَرَ وَالنَّدَبَ وَالْقَرَعَ وَالرَّهْنَ. وَيُقَالُ: سَبَقَ. إذَا أَخَذَ وَإِذَا أَعْطَى. وَمِنْ الْأَضْدَادِ.
وَمَتَى اسْتَبَقَ الِاثْنَانِ، وَالْجُعْلُ بَيْنَهُمَا، فَأَخْرَجَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، لَمْ يَجُزْ، وَكَانَ قِمَارًا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَغْنَمَ أَوْ يَغْرَمَ، وَسَوَاءٌ كَانَ مَا أَخْرَجَاهُ مُتَسَاوِيًا، مِثْلَ أَنْ يُخْرِجَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَشَرَةً، أَوْ مُتَفَاوِتًا مِثْلَ أَنْ أَخْرَجَ أَحَدُهُمَا عَشَرَةً وَالْآخَرُ خَمْسَةً. وَلَوْ قَالَ: إنْ سَبَقْتَنِي فَلَكَ عَلَيَّ عَشَرَةٌ، وَإِنْ سَبَقْتُك فَلِي عَلَيْك قَفِيزٌ حِنْطَةً. أَوْ قَالَ إنْ سَبَقْتَنِي فَلَكَ عَلَيَّ عَشَرَةٌ وَلِي عَلَيْك قَفِيزٌ لَمْ يَجُزْ؛ لِمَا ذَكَرْنَاهُ. فَإِنْ أَدْخَلَا بَيْنَهُمَا مُحَلِّلًا، وَهُوَ ثَالِثٌ لَمْ يُخْرِجْ شَيْئًا، جَازَ. وَبِهَذَا قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَالزُّهْرِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَحَكَى أَشْهَبُ، عَنْ مَالِكٍ، أَنَّهُ قَالَ فِي الْمُحَلِّلِ: لَا أُحِبُّهُ.
وَعَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، أَنَّهُ قِيلَ لَهُ: إنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانُوا لَا يَرَوْنَ بِالدَّخِيلِ بَأْسًا. قَالَ: هُمْ أَعَفُّ مِنْ ذَلِكَ. وَلَنَا، مَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ «مَنْ أَدْخَلَ فَرَسًا بَيْنَ فَرَسَيْنِ، وَهُوَ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يَسْبِقَ، فَلَيْسَ بِقِمَارٍ، وَمَنْ أَدْخَلَ فَرَسًا بَيْنَ فَرَسَيْنِ، وَقَدْ أُمِنَ أَنْ يَسْبِقَ فَهُوَ قِمَارٌ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. فَجَعْلُهُ قِمَارًا إذَا أُمِنَ أَنْ يَسْبِقَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ أَنْ يَغْنَمَ أَوْ يَغْرَمَ، وَإِذَا لَمْ يُؤْمَنْ أَنْ يَسْبِقَ، لَمْ يَكُنْ قِمَارًا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَجُوزُ أَنْ يَخْلُوَ عَنْ ذَلِكَ.
وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ فَرَسُ الْمُحَلِّلِ مُكَافِئًا لِفَرَسَيْهِمَا، أَوْ بَعِيرُهُ مُكَافِئًا لِبَعِيرَيْهِمَا، وَرَمْيُهُ لِرَمِيَّيْهِمَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُكَافِئًا، مِثْلَ أَنْ يَكُونَ فَرَسَاهُمَا جَوَادَيْنِ وَفَرَسُهُ بَطِيئٌ، فَهُوَ قِمَارٌ؛ لِلْخَبَرِ، وَلِأَنَّهُ مَأْمُونٌ سَبْقُهُ، فَوُجُودُهُ كَعَدَمِهِ. وَإِنْ كَانَ مُكَافِئًا لَهُمَا، جَازَ.
فَإِنْ جَاءُوا كُلُّهُمْ الْغَايَةَ دَفْعَةً وَاحِدَةً، أَحْرَزَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَبَقَ نَفْسِهِ، وَلَا شَيْءَ لِلْمُحَلِّلِ؛ لِأَنَّهُ لَا سَابِقَ فِيهِمَا، وَكَذَلِكَ إنْ سَبَقَ الْمُسْتَبِقَانِ الْمُحَلِّلَ، وَإِنْ سَبَقَ الْمُحَلِّلُ وَحْدَهُ، أَحْرَزَ السَّبَقَيْنِ بِالِاتِّفَاقِ، وَإِنْ سَبَقَ أَحَدُ الْمُسْتَبِقَيْنِ وَحْدَهُ، أَحْرَزَ سَبَقَ نَفْسِهِ، وَأَخَذَ سَبَقَ صَاحِبِهِ، وَلَمْ يَأْخُذْ مِنْ الْمُحَلِّلِ شَيْئًا، وَإِنْ سَبَقَ أَحَدُ الْمُسْتَبِقَيْنِ وَالْمُحَلِّلُ، أَحْرَزَ السَّابِقُ مَالَ نَفْسِهِ، وَيَكُونُ سَبَقُ الْمَسْبُوقِ بَيْنَ السَّابِقِ وَالْمُحَلِّلِ نِصْفَيْنِ، سَوَاءٌ كَانَ الْمُسْتَبِقُونَ اثْنَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ، حَتَّى لَوْ كَانُوا مِائَةً، وَبَيْنَهُمْ مُحَلِّلٌ لَا سَبَقَ مِنْهُ، جَازَ. وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْمُحَلِّلُ جَمَاعَةً، جَازَ؛ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الِاثْنَيْنِ وَالْجَمَاعَةِ. وَهَذَا كُلُّهُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ.
[فَصْلٌ مَا يُشْتَرَطُ فِي الْمُسَابَقَةِ بِالْحَيَوَانِ]
(7914)
فَصْلٌ: وَيُشْتَرَطُ فِي الْمُسَابَقَةِ بِالْحَيَوَانِ تَحْدِيدُ الْمَسَافَةِ، وَأَنْ يَكُونَ لِابْتِدَاءِ عَدْوِهِمَا وَآخِرِهِ غَايَةٌ لَا يَخْتَلِفَانِ فِيهَا؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ مَعْرِفَةُ أَسْبَقِهِمَا، وَلَا يُعْلَمُ ذَلِكَ إلَّا بِتَسَاوِيهِمَا فِي الْغَايَةِ، وَلِأَنَّ أَحَدَهُمَا قَدْ يَكُونُ مُقَصِّرًا فِي أَوَّلِ عَدْوِهِ، سَرِيعًا فِي انْتِهَائِهِ، وَقَدْ يَكُونُ بِضِدِّ ذَلِكَ، فَيَحْتَاجُ إلَى غَايَةٍ تَجْمَعُ حَالَيْهِ، وَمِنْ الْخَيْلِ مَا هُوَ أَصْبَرُ، وَالْقَارِحُ أَصْبَرُ مِنْ غَيْرِهِ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ عُمَرَ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَبَّقَ بَيْنَ الْخَيْلِ، وَفَضَّلَ
الْقُرَّحَ فِي الْغَايَةِ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَسَبَّقَ بَيْنَ الْخَيْلِ الْمُضَمَّرَةِ مِنْ الْحَفْيَاءِ إلَى ثَنِيَّةِ الْوَدَاعِ، وَذَلِكَ سِتَّةُ أَمْيَالٌ أَوْ سَبْعَةٌ، وَبَيْنَ الَّتِي لَمْ تُضَمَّرْ مِنْ الثَّنِيَّةِ إلَى مَسْجِدِ بَنِي زُرَيْقٍ، وَذَلِكَ مِيلٌ أَوْ نَحْوُهُ.
فَإِنْ اسْتَبَقَا بِغَيْرِ غَايَةٍ، لِيُنْظَر أَيُّهُمَا يَقِفُ أَوَّلًا، لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى أَنْ لَا يَقِفَ أَحَدُهُمَا حَتَّى يَنْقَطِعَ فَرَسُهُ، وَيَتَعَذَّرَ الْإِشْهَادُ عَلَى السَّبْقِ فِيهِ. وَيُشْتَرَطُ فِي الْمُسَابَقَةِ إرْسَالُ الْفَرَسَيْنِ أَوْ الْبَعِيرَيْنِ دَفْعَةً وَاحِدَةً، فَإِنْ أَرْسَلَ أَحَدَهُمَا قَبْلَ الْآخَرِ، لِيُعْلَمَ هَلْ يُدْرِكُهُ الْآخَرُ أَوْ لَا لَمْ يَجُزْ هَذَا فِي الْمُسَابَقَةِ بِعِوَضٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يُدْرِكُهُ مَعَ كَوْنِهِ أَسْرَعَ مِنْهُ، لِبُعْدِ الْمَسَافَةِ بَيْنَهُمَا. وَيَكُونُ عِنْد أَوَّلِ الْمَسَافَةِ مَنْ يُشَاهِدُ إرْسَالَهُمَا، وَيُرَتِّبُهُمَا، وَعِنْدَ الْغَايَةِ مَنْ يَضْبِطُ السَّابِقَ مِنْهُمَا؛ لِئَلَّا يَخْتَلِفَا فِي ذَلِكَ.
وَيَحْصُلُ السَّبَقُ فِي الْخَيْلِ بِالرَّأْسِ إذَا تَمَاثَلَتْ الْأَعْنَاقُ، فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي طُولِ الْعُنُقِ، أَوْ كَانَ ذَلِكَ فِي الْإِبِلِ، اُعْتُبِرَ السَّبَقُ بِالْكَتِفِ؛ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالرَّأْسِ مُتَعَذِّرٌ، فَإِنَّ طَوِيلَ الْعُنُقِ قَدْ يَسْبِقُ رَأْسَهُ لِطُولِ عُنُقِهِ، لَا لِسُرْعَةِ عَدْوِهِ. وَفِي الْإِبِلِ مَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ، وَفِيهَا مَا يَمُدُّ عُنُقَهُ، فَرُبَّمَا سَبَقَ رَأْسُهُ لِمَدِّ عُنُقِهِ، لَا لِسَبْقِهِ، فَلِذَلِكَ اعْتَبَرْنَا الْكَتِفَ، فَإِنْ سَبَقَ رَأْسُ قَصِيرِ الْعُنُقِ فَهُوَ سَابِقٌ؛ لِأَنَّ مِنْ ضَرُورَةِ ذَلِكَ كَوْنَهُ سَابِقًا، وَإِنْ سَبَقَ طَوِيلُ الْعُنُقِ بِأَكْثَرَ مِمَّا بَيْنَهُمَا فِي طُولِ الْعُنُقِ، فَقَدْ سَبَقَ، وَإِنْ كَانَ بِقَدْرِهِ لَمْ يَسْبِقْهُ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ، فَالْآخَرُ السَّابِقُ. وَنَحْوُ هَذَا كُلُّهُ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَقَالَ الثَّوْرِيُّ: إذَا سَبَقَ أَحَدُهُمَا بِالْأُذُنِ كَانَ سَابِقًا. وَلَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا قَدْ يَرْفَعُ رَأْسَهُ وَيَمُدُّ الْآخَرُ عُنُقَهُ، فَيَكُونُ سَابِقًا بِأُذُنِهِ لِذَلِكَ لَا لِسَبْقِهِ. وَإِنْ شَرَطَا السَّبْقَ بِأَقْدَامٍ مَعْلُومَةٍ، كَثَلَاثَةٍ أَوْ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلِّ، لَمْ يَصِحّ. وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ: يَصِحُّ، وَيَتَخَاطَّانِ ذَلِكَ، كَمَا فِي الرَّمْيِ. وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّ هَذَا لَا يَنْضَبِطُ، وَلَا يَقِفُ الْفَرَسَانِ عَنَدَ الْغَايَةِ، بِحَيْثُ يُعْرَفُ مِسَاحَةُ مَا بَيْنَهُمَا.
وَقَدْ رَوَى الدَّارَقُطْنِيّ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه «، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِعَلِيٍّ قَدْ جَعَلْت لَك هَذِهِ السَّبْقَةَ بَيْنَ النَّاسِ» . فَخَرَجَ عَلِيٌّ فَدَعَا سُرَاقَةَ بْنَ مَالِكٍ، فَقَالَ: يَا سُرَاقَةُ، إنِّي قَدْ جَعَلْت إلَيْك مَا جَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي عُنُقِي مِنْ هَذِهِ السَّبْقَةِ فِي عُنُقِك، فَإِذَا أَتَيْت الْمِيطَانَ - قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمِيطَانُ مُرْسِلُهَا مِنْ الْغَايَةِ - فَصُفَّ الْخَيْلَ، ثُمَّ نَادِ: هَلْ مِنْ مُصْلِحٍ لَلِجَامٍ، أَوْ حَامِلٍ لِغُلَامٍ، أَوْ طَارِحٍ لِجَلٍّ. فَإِذَا لَمْ يُجِبْك أَحَدٌ، فَكَبِّرْ ثَلَاثًا، ثُمَّ خَلِّهَا عِنْدَ الثَّالِثَةِ، فَيُسْعِدُ اللَّهُ