الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[كِتَاب الْجِزْيَة]
ِ وَهِيَ الْوَظِيفَةُ الْمَأْخُوذَةُ مِنْ الْكَافِرِ، لِإِقَامَتِهِ بِدَارِ الْإِسْلَامِ فِي كُلِّ عَامٍ، وَهِيَ فِعْلَةٌ مِنْ جَزَى يَجْزِي: إذَا قَضَى قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَاتَّقُوا يَوْمًا لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا} [البقرة: 48] تَقُولُ الْعَرَبُ: جَزَيْت دَيْنِي. إذَا قَضَيْته،.
وَالْأَصْلُ فِيهَا الْكِتَابُ، وَالسُّنَّةُ، وَالْإِجْمَاعُ، أَمَّا الْكِتَابُ، فَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى:{قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29] .
وَأَمَّا السُّنَّةُ، فَمَا رَوَى «الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ، أَنَّهُ قَالَ لِجُنْدِ كِسْرَى يَوْمَ نَهَاوَنْدَ: أَمَرَنَا نَبِيُّنَا رَسُولُ رَبِّنَا أَنْ نُقَاتِلَكُمْ حَتَّى تَعْبُدُوا اللَّهَ وَحْدَهُ أَوْ تُؤَدُّوا الْجِزْيَةَ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ.»
وَعَنْ بُرَيْدَةَ، أَنَّهُ قَالَ:«كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا بَعَثَ أَمِيرًا عَلَى سَرِيَّةٍ أَوْ جَيْشٍ، أَوْصَاهُ بِتَقْوَى اللَّهِ تَعَالَى فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ، وَبِمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا، وَقَالَ لَهُ: إذَا لَقِيتَ عَدُوَّكَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَادْعُهُمْ إلَى إحْدَى خِصَالٍ ثَلَاثٍ، اُدْعُهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ، فَإِنْ أَجَابُوك، فَاقْبَلْ، وَكُفَّ عَنْهُمْ، فَإِنْ أَبَوْا فَادْعُهُمْ إلَى إعْطَاءِ الْجِزْيَةِ، فَإِنْ أَجَابُوك، فَاقْبَلْ مِنْهُمْ، وَكُفَّ عَنْهُمْ، فَإِنْ أَبَوْا فَاسْتَعِنْ بِاَللَّهِ وَقَاتِلْهُمْ» فِي أَخْبَارٍ كَثِيرَةٍ، وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى جَوَازِ أَخْذِ الْجِزْيَةِ فِي الْجُمْلَةِ.
[مَسْأَلَةٌ مَنْ تُقْبَلُ مِنْهُ الْجِزْيَةُ]
(7640)
مَسْأَلَةٌ قَالَ (وَلَا تُقْبَلُ الْجِزْيَةُ إلَّا مِنْ يَهُودِيٍّ، أَوْ نَصْرَانِيٍّ، أَوْ مَجُوسِيٍّ، إذَا كَانُوا مُقِيمِينَ عَلَى مَا عُوهِدُوا عَلَيْهِ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّ الَّذِينَ تُقْبَلُ مِنْهُمْ الْجِزْيَةُ صِنْفَانِ، أَهْلُ كِتَابٍ، وَمَنْ لَهُ شُبْهَةُ كِتَابٍ، فَأَهْلُ الْكِتَابِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى وَمَنْ دَانَ بِدِينِهِمْ، كَالسَّامِرَةِ يَدِينُونَ بِالتَّوْرَاةِ، وَيَعْمَلُونَ بِشَرِيعَةِ مُوسَى عليه السلام،
وَإِنَّمَا خَالَفُوهُمْ فِي فُرُوعِ دِينِهِمْ.
وَفِرَقِ النَّصَارَى مِنْ الْيَعْقُوبِيَّةِ، والنسطورية، وَالْمَلْكِيَّةِ، وَالْفِرِنْجِ وَالرُّومِ، وَالْأَرْمَنِ، وَغَيْرِهِمْ، مِمَّنْ دَانَ بِالْإِنْجِيلِ، وَمَنْ عَدَا هَؤُلَاءِ مِنْ الْكُفَّارِ، فَلَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، بِدَلِيلِ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:{أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا} [الأنعام: 156] .
وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الصَّابِئِينَ، فَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُمْ جِنْسٌ مِنْ النَّصَارَى. وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: بَلَغَنِي أَنَّهُمْ يُسْبِتُونَ، فَهَؤُلَاءِ إذَا أَسْبَتُوا فَهُمْ مِنْ الْيَهُودِ.
وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ، أَنَّهُ قَالَ: هُمْ يُسْبِتُونَ وَقَالَ مُجَاهِدٌ هُمْ بَيْنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى. وَقَالَ السُّدِّيَّ وَالرَّبِيعُ هُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ.
وَتَوَقَّفَ الشَّافِعِيُّ فِي أَمْرِهِمْ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُنْظَرُ فِيهِمْ، فَإِنْ كَانُوا يُوَافِقُونَ أَحَدَ أَهْلِ
الْكِتَابَيْنِ فِي نَبِيِّهِمْ وَكِتَابِهِمْ فَهُمْ مِنْهُمْ، وَإِنْ خَالَفُوهُمْ فِي ذَلِكَ، فَلَيْسَ هُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَيُرْوَى عَنْهُمْ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: إنَّ الْفَلَكَ حَيٌّ نَاطِقٌ، وَإِنَّ الْكَوَاكِبَ السَّبْعَةَ آلِهَةٌ. فَإِنْ كَانُوا كَذَلِكَ، فَهُمْ كَعَبَدَةِ الْأَوْثَانِ.
وَأَمَّا أَهْلُ صُحُفِ إبْرَاهِيمَ وَشِيثٍ وَزَبُورِ دَاوُد، فَلَا تُقْبَلُ مِنْهُمْ الْجِزْيَةُ لِأَنَّهُمْ مِنْ غَيْرِ الطَّائِفَتَيْنِ، وَلِأَنَّ هَذِهِ الصُّحُفَ لَمْ تَكُنْ فِيهَا شَرَائِعُ، إنَّمَا هِيَ مَوَاعِظُ وَأَمْثَالٌ، كَذَلِكَ وَصَفَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم صُحُفَ إبْرَاهِيمَ وَزَبُورَ دَاوُد فِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ.
وَأَمَّا الَّذِينَ لَهُمْ شُبْهَةُ كِتَابٍ فَهُمْ الْمَجُوسُ فَإِنَّهُ يُرْوَى أَنَّهُ كَانَ لَهُمْ كِتَابٌ فَرُفِعَ، فَصَارَ لَهُمْ بِذَلِكَ شُبْهَةٌ أَوْجَبَتْ حَقْنَ دِمَائِهِمْ، وَأَخْذَ الْجِزْيَةِ مِنْهُمْ.
وَلَمْ يَنْتَهِضْ فِي إبَاحَةِ نِكَاحِ نِسَائِهِمْ وَلَا ذَبَائِحِهِمْ دَلِيلٌ.
هَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَنُقِلَ عَنْ أَبِي ثَوْرٍ أَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَتَحِلُّ نِسَاؤُهُمْ وَذَبَائِحُهُمْ.
لِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: أَنَا أَعْلَمُ النَّاسِ بِالْمَجُوسِ، كَانَ لَهُمْ عِلْمٌ يَعْلَمُونَهُ، وَكِتَابٌ يَدْرُسُونَهُ، وَإِنَّ مَلِكَهُمْ سَكِرَ، فَوَقَعَ عَلَى بِنْتِهِ أَوْ أُخْتِهِ، فَاطَّلَعَ عَلَيْهِ بَعْضُ أَهْلِ مَمْلَكَتِهِ، فَلَمَّا صَحَا جَاءُوا يُقِيمُونَ عَلَيْهِ الْحَدَّ، فَامْتَنَعَ مِنْهُمْ، وَدَعَا أَهْلَ مَمْلَكَتِهِ، وَقَالَ: أَتَعْلَمُونَ دِينًا خَيْرًا مِنْ دِينِ آدَمَ، وَقَدْ أَنْكَحَ بَنِيهِ بَنَاتِهِ، فَأَنَا عَلَى دِينِ آدَمَ قَالَ: فَتَابَعَهُ قَوْمٌ، وَقَاتَلُوا الَّذِينَ يُخَالِفُونَهُمْ، حَتَّى قَتَلُوهُمْ، فَأَصْبَحُوا وَقَدْ أُسْرِيَ بِكِتَابِهِمْ، وَرُفِعَ الْعِلْمُ الَّذِي فِي صُدُورِهِمْ، فَهُمْ أَهْلُ كِتَابٍ «وَقَدْ أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبُو بَكْرٍ وَأُرَاهُ قَالَ: وَعُمَرُ - مِنْهُمْ الْجِزْيَةَ» . رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَسَعِيدٌ وَغَيْرُهُمَا وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ» . وَلَنَا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا} [الأنعام: 156] . وَالْمَجُوسُ مِنْ غَيْرِ الطَّائِفَتَيْنِ، وَقَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:«سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ» .
يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ غَيْرُهُمْ وَرَوَى الْبُخَارِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ بَجَالَةَ، أَنَّهُ قَالَ: وَلَمْ يَكُنْ عُمَرُ أَخَذَ الْجِزْيَةَ مِنْ الْمَجُوسِ، حَتَّى حَدَّثَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «أَخَذَهَا مِنْ مَجُوسِ هَجَرَ» وَلَوْ كَانُوا أَهْلَ كِتَابٍ، لَمَا وَقَفَ عُمَرُ فِي أَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنْهُمْ مَعَ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى بِأَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَمَا ذَكَرُوهُ هُوَ الَّذِي صَارَ لَهُمْ بِهِ شُبْهَةُ الْكِتَابِ.
وَقَدْ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: لَا أَحْسِبُ مَا رَوَوْهُ عَنْ عَلِيٍّ فِي هَذَا مَحْفُوظًا، وَلَوْ كَانَ لَهُ أَصْلٌ، لَمَا حَرَّمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم نِسَاءَهُمْ، وَهُوَ كَانَ أَوْلَى بِعِلْمِ ذَلِكَ. وَيَجُوزُ أَنْ يَصِحَّ هَذَا مَعَ تَحْرِيمِ نِسَائِهِمْ وَذَبَائِحِهِمْ، لِأَنَّ الْكِتَابَ الْمُبِيحَ لِذَلِكَ هُوَ الْكِتَابُ الْمُنَزَّلُ عَلَى إحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ، وَلَيْسَ هَؤُلَاءِ مِنْهُمْ، وَلِأَنَّ كِتَابَهُمْ رُفِعَ، فَلَمْ يَنْتَهِضْ لِلْإِبَاحَةِ، وَيَثْبُتُ بِهِ حَقْنُ دِمَائِهِمْ.
فَأَمَّا قَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ فِي حِلِّ ذَبَائِحِهِمْ وَنِسَائِهِمْ، فَيُخَالِفُ الْإِجْمَاعَ، فَلَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ، وَقَوْلُهُ عليه السلام:(سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابُ) فِي أَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنْهُمْ.
إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّ أَخْذَ الْجِزْيَةِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمَجُوس ثَابِتٌ بِالْإِجْمَاعِ.
لَا نَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا، فَإِنَّ الصَّحَابَةَ رضي الله عنهم أَجْمَعُوا عَلَى ذَلِكَ، وَعَمِلَ بِهِ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ، وَمَنْ بَعْدَهُمْ إلَى زَمَنِنَا هَذَا، مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ وَلَا مُخَالِفٍ، وَبِهِ يَقُولُ أَهْلُ الْعِلْمِ مِنْ أَهْلِ الْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ وَالشَّامِ وَمِصْرَ وَغَيْرِهِمْ مَعَ دَلَالَةِ الْكِتَابِ عَلَى أَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَدَلَالَةِ السُّنَّةِ عَلَى أَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنْ الْمَجُوسِ بِمَا رَوَيْنَا مِنْ قَوْلِ الْمُغِيرَةِ لِأَهْلِ فَارِسَ:«أَمَرَنَا نَبِيُّنَا أَنْ نُقَاتِلَكُمْ حَتَّى تَعْبُدُوا اللَّهَ وَحْدَهُ، أَوْ تُؤَدُّوا الْجِزْيَةَ» وَحَدِيثِ بُرَيْدَةَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ» وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهِمْ عَجَمًا أَوْ عَرَبًا.
وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا تُؤْخَذُ الْجِزْيَةُ مِنْ الْعَرَبِ لِأَنَّهُمْ شَرُفُوا بِكَوْنِهِمْ مِنْ رَهْطِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلَنَا عُمُومُ الْآيَةِ، «وَأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ إلَى دَوْمَةِ الْجَنْدَلِ فَأَخَذَ أُكَيْدِرَ دُومَةَ فَصَالَحَهُ عَلَى الْجِزْيَةِ وَهُوَ مِنْ الْعَرَبِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد «وَأَخَذَ الْجِزْيَةَ مِنْ نَصَارَى نَجْرَانَ، وَهُمْ عَرَبٌ وَبَعَثَ مُعَاذًا إلَى الْيَمَنِ، فَقَالَ: إنَّك تَأْتِي قَوْمًا أَهْلَ كِتَابٍ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. «وَأَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ