الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فَصْلٌ بَذْلُ أَهْلِ الْحَرْب الْجِزْيَةَ]
(7648)
فَصْلٌ: إذَا بَذَلُوا الْجِزْيَةَ، لَزِمَ قَبُولُهَا، وَحَرُمَ قِتَالُهُمْ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [التوبة: 29] إلَى قَوْلِهِ: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29] فَجَعَلَ إعْطَاءَ الْجِزْيَةِ غَايَةً لِقِتَالِهِمْ. فَمَتَى بَذَلُوهَا، لَمْ يَجُزْ قِتَالُهُمْ، وَقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «فَادْعُهُمْ إلَى أَدَاءِ الْجِزْيَةِ، فَإِنْ أَجَابُوك، فَاقْبَلْ مِنْهُمْ، وَكُفَّ عَنْهُمْ» وَإِنْ قُلْنَا: إنَّ الْجِزْيَةَ غَيْرُ مُقَدَّرَةِ الْأَكْثَرِ، لَمْ يُحْرِمْ قِتَالُهُمْ حَتَّى يُجِيبُوا إلَى بَذْلِ مَا لَا يَجُوزُ طَلَبُ أَكْثَرَ مِنْهُ، مِمَّا يَحْتَمِلُهُ حَالُهُمْ.
[فَصْلٌ تَجِب الْجِزْيَةُ فِي آخِرِ كُلِّ حَوْلٍ]
(7649)
فَصْلٌ وَتَجِبُ الْجِزْيَةُ فِي آخِرِ كُلِّ حَوْلٍ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: تَجِبُ بِأَوَّلِهِ، وَيُطَالَبُ بِهَا عَقِيبَ الْعَقْدِ، وَتَجِبُ الثَّانِيَةُ فِي أَوَّلِ الْحَوْلِ الثَّانِي، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:{حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ} [التوبة: 29] وَلَنَا، أَنَّهُ مَالٌ يَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ الْحَوْلِ أَوْ يُؤْخَذُ فِي آخِرِ كُلِّ حَوْلٍ، فَلَمْ يَجِبْ بِأَوَّلِهِ كَالزَّكَاةِ وَالدِّيَةِ، وَأَمَّا الْآيَةُ فَالْمُرَادُ بِهَا الْتِزَامُ إعْطَائِهَا، دُونَ نَفْسِ الْإِعْطَاءِ، وَلِهَذَا يَحْرُمُ قِتَالُهُمْ بِمُجَرَّدِ بَذْلِهَا قَبْلَ أَخْذِهَا.
[فَصْلٌ الْجِزْيَةُ مِمَّا يُسِّرَ مِنْ أَمْوَالهمْ]
(7650)
فَصْلٌ: وَتُؤْخَذُ الْجِزْيَةُ مِمَّا يُسِّرَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَلَا يَتَعَيَّنُ أَخْذُهَا مِنْ ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ، نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي عُبَيْدٍ وَغَيْرِهِمْ «لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا بَعَثَ مُعَاذًا إلَى الْيَمَنِ أَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ كُلِّ حَالِمٍ دِينَارًا أَوْ عَدْلَهُ مَغَافِرَ.» «وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَأْخُذُ مِنْ نَصَارَى نَجْرَانَ أَلْفَيْ حُلَّةٍ» وَكَانَ عُمَرُ يُؤْتَى بِنَعَمٍ كَثِيرَةٍ يَأْخُذُهَا مِنْ الْجِزْيَةِ.
وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه أَنَّهُ كَانَ يَأْخُذُ الْجِزْيَةَ مِنْ كُلِّ ذِي صَنْعَةٍ مِنْ مَتَاعِهِ، مِنْ صَاحِبِ الْإِبَرِ إبَرًا، وَمِنْ صَاحِبِ الْمُسَالِ مُسَالًا، وَمِنْ صَاحِبِ الْحِبَالِ حِبَالًا، ثُمَّ يَدْعُو النَّاسَ فَيُعْطِيهِمْ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ فَيَقْتَسِمُونَهُ ثُمَّ يَقُولُ: خُذُوا فَاقْتَسِمُوا، فَيَقُولُونَ: لَا حَاجَةَ لَنَا فِيهِ، فَيَقُولُ: أَخَذْتُمْ خِيَارَهُ، وَتَرَكْتُمْ شِرَارَهُ، لَتَحْمِلُنَّهُ. وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ بِالْقِيمَةِ، لِقَوْلِهِ عليه السلام «أَوْ عَدْلَهُ مَغَافِرَ.»