الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بِنَاؤُهَا.
وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ. وَعَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ يَجُوزُ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ بِنَاءٌ لِمَا اسْتَهْدَمَ فَأَشْبَهَ بِنَاءَ بَعْضِهَا إذَا انْهَدَمَ وَرَمِّ شَعْثِهَا، وَلِأَنَّ اسْتِدَامَتَهَا جَائِزَةٌ وَبِنَاؤُهَا كَاسْتِدَامَتِهَا. وَحَمَلَ الْخَلَّالُ قَوْلَ أَحْمَدَ: لَهُمْ أَنْ يَبْنُوا مَا انْهَدَمَ مِنْهَا. أَيْ إذَا انْهَدَمَ بَعْضُهَا، وَمَنْعَهُ مِنْ بِنَاءِ مَا انْهَدَمَ، عَلَى مَا إذَا انْهَدَمَتْ كُلُّهَا، فَجَمَعَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ. وَلَنَا، أَنَّ فِي كِتَابِ أَهْلِ الْجَزِيرَةِ لِعِيَاضِ بْنِ غَنْمٍ: وَلَا نُجَدِّدَ مَا خَرِبَ مِنْ كَنَائِسِنَا.
وَرَوَى كَثِيرُ بْنُ مُرَّةَ، قَالَ: سَمِعْت عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا تُبْنَى الْكَنِيسَةُ فِي الْإِسْلَامِ وَلَا يُجَدَّدُ مَا خَرِبَ مِنْهَا» . وَلِأَنَّ هَذَا بِنَاءُ كَنِيسَةٍ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، فَلَمْ يَجُزْ، كَمَا لَوْ اُبْتُدِئَ بِنَاؤُهَا. وَفَارَقَ رَمَّ شَعْثِهَا؛ فَإِنَّهُ إبْقَاءٌ وَاسْتِدَامَةٌ، وَهَذَا إحْدَاثٌ.
[فَصْلٌ اسْتَحْدَثَ مِنْ أَهْل الذِّمَّةِ بِنَاءً]
(7688)
فَصْلٌ: وَمَنْ اسْتَحْدَثَ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ بِنَاءً، لَمْ يَجُزْ لَهُ مَنْعُهُ حَتَّى يَكُونَ أَطْوَلَ مِنْ بِنَاءِ الْمُسْلِمِينَ الْمُجَاوِرِينَ لَهُ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:«الْإِسْلَامُ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى» . وَلِأَنَّ فِي ذَلِكَ رُتْبَةً عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَأَهْلُ الذِّمَّةِ مَمْنُوعُونَ مِنْ ذَلِكَ، وَلِهَذَا يُمْنَعُونَ مِنْ صُدُورِ الْمَجَالِسِ، وَيَلْجَئُونَ إلَى أَضْيَقِ الطُّرُقِ. وَلَا يُمْنَعُ مِنْ تَعْلِيَةِ بِنَائِهِ عَلَى مَنْ لَيْسَ بِمُجَاوِرٍ لَهُ؛ لِأَنَّ عُلُوَّهَا إنَّمَا يَكُونُ ضَرَرًا عَلَى الْمُجَاوِرِ لَهَا، دُونَ غَيْرِهِ. وَفِي جَوَازِ مُسَاوَاةِ الْمُسْلِمِينَ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا، الْجَوَازُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُسْتَطِيلٍ عَلَى الْمُسْلِمِينَ.
وَالثَّانِي، الْمَنْعُ؛ لِقَوْلِهِ عليه السلام:«الْإِسْلَامُ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى» . وَلِأَنَّهُمْ مُنِعُوا مِنْ مُسَاوَاةِ الْمُسْلِمِينَ فِي لِبَاسِهِمْ وَشُعُورِهِمْ وَرُكُوبِهِمْ، كَذَلِكَ فِي بِنَائِهِمْ، فَإِنْ كَانَ لِلذِّمِّيِّ دَارٌ عَالِيَةٌ، فَمَلَكَ الْمُسْلِمُ دَارًا إلَى جَانِبِهَا، أَوْ بَنَى الْمُسْلِمُ إلَى جَانِبِ دَارِ ذِمِّيٍّ دَارًا دُونَهَا، أَوْ اشْتَرَى ذِمِّيٌّ دَارًا عَالِيَةً لِمُسْلِمٍ، فَلَهُ سُكْنَى دَارِهِ، وَلَا يَلْزَمُهُ هَدْمُهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعْلِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ شَيْئًا. فَإِنْ انْهَدَمَتْ دَارُهُ الْعَالِيَةُ، ثُمَّ جَدَّدَ بِنَاءَهَا، لَمْ يَجُزْ لَهُ تَعْلِيَتُهُ عَلَى بِنَاءِ الْمُسْلِمِينَ. وَإِنْ انْهَدَمَ مَا عَلَا مِنْهَا، لَمْ تَكُنْ لَهُ إعَادَتُهُ. وَإِنْ تَشَعَّثَ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَمْ يَنْهَدِمْ، فَلَهُ رَمُّهُ وَإِصْلَاحُهُ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَ اسْتِدَامَتَهُ، فَمَلَكَ رَمَّ شَعْثِهِ، كَالْكَنِيسَةِ.
[فَصْلٌ لَا يَجُوزُ لِأَهْلِ الْكِتَاب سُكْنَى الْحِجَازِ]
(7689)
فَصْلٌ: وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ سُكْنَى الْحِجَازِ. وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ. إلَّا أَنَّ مَالِكًا قَالَ: أَرَى أَنْ يُجْلَوْا
مِنْ أَرْضِ الْعَرَبِ كُلِّهَا؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا يَجْتَمِعُ دِينَانِ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ» . وَرَوَى أَبُو دَاوُد، بِإِسْنَادِهِ عَنْ عُمَرَ، أَنَّهُ «سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: لَأُخْرِجَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، فَلَا أَتْرُكُ فِيهَا إلَّا مُسْلِمًا» . قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:«أَوْصَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ، قَالَ: أَخْرِجُوا الْمُشْرِكِينَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَأَجِيزُوا الْوَفْدَ بِنَحْوِ مَا كُنْت أُجِيزُهُمْ» . وَسَكَتَ عَنْ الثَّالِثِ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
وَجَزِيرَةُ الْعَرَبِ مَا بَيْنَ الْوَادِي إلَى أَقْصَى الْيَمَنِ. قَالَهُ سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ. وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ وَأَبُو عُبَيْدٍ: هِيَ مِنْ رِيفِ الْعِرَاقِ إلَى عَدَنَ طُولًا، وَمِنْ تِهَامَةَ وَمَا وَرَاءَهَا إلَى أَطْرَافِ الشَّامِ عَرْضًا. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: هِيَ مِنْ حَفْرِ أَبِي مُوسَى إلَى الْيَمَنِ طُولًا، وَمِنْ رَمْلِ تِبْرِينَ إلَى مُنْقَطِعِ السَّمَاوَةِ عَرْضًا. قَالَ الْخَلِيلُ: إنَّمَا قِيلَ لَهَا جَزِيرَةٌ؛ لِأَنَّ بَحْرَ الْحَبَشِ وَبَحْرَ فَارِسَ وَالْفُرَاتَ قَدْ أَحَاطَتْ بِهَا، وَنُسِبَتْ إلَى الْعَرَبِ، لِأَنَّهَا أَرْضُهَا وَمَسْكَنُهَا وَمَعْدِنُهَا.
وَقَالَ أَحْمَدُ: جَزِيرَةُ الْعَرَبِ الْمَدِينَةُ وَمَا وَالَاهَا. يَعْنِي أَنَّ الْمَمْنُوعَ مِنْ سُكْنَى الْكُفَّارِ الْمَدِينَةُ وَمَا وَالَاهَا، وَهُوَ مَكَّةُ وَالْيَمَامَةُ، وَخَيْبَرُ وَالْيَنْبُعُ وَفَدَكُ وَمَخَالِيفُهَا، وَمَا وَالَاهَا. وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُجْلَوْا مِنْ تَيْمَاءَ، وَلَا مِنْ الْيَمَنِ
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ، أَنَّهُ قَالَ:«إنَّ آخِرَ مَا تَكَلَّمَ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم. أَنَّهُ قَالَ: أَخْرِجُوا الْيَهُودَ مِنْ الْحِجَازِ» . فَأَمَّا إخْرَاجُ أَهْلِ نَجْرَانَ مِنْهُ، فَلِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَالَحَهُمْ عَلَى تَرْكِ الرِّبَا، فَنَقَضُوا عَهْدَهُ. فَكَأَنَّ جَزِيرَةَ الْعَرَبِ فِي تِلْكَ الْأَحَادِيثِ أُرِيدَ بِهَا الْحِجَازُ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ حِجَازًا، لِأَنَّهُ حَجَزَ بَيْنَ تِهَامَةَ وَنَجْدٍ. وَلَا يُمْنَعُونَ أَيْضًا مِنْ أَطْرَافِ الْحِجَازِ، كَتَيْمَاءَ وَفَيْدَ وَنَحْوِهِمَا؛ لِأَنَّ عُمَرَ لَمْ يَمْنَعْهُمْ مِنْ ذَلِكَ.