الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مَكَانَهُ، وَهَذَا أَصَحُّ قَوْلَيْهِ. وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمُنْذِرِ؛ لِحَدِيثِ أُمِّ مَرْوَانَ، وَمُعَاذٍ، وَلِأَنَّهُ مُصِرٌّ عَلَى كُفْرِهِ، أَشْبَهَ بَعْدَ الثَّلَاثِ.
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: يُدْعَى ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَإِنْ أَبَى، ضُرِبَتْ عُنُقُهُ. وَهَذَا يُشْبِهُ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ النَّخَعِيُّ: يُسْتَتَابُ أَبَدًا. وَهَذَا يُفْضِي إلَى أَنْ لَا يُقْتَلَ أَبَدًا، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ. وَعَنْ عَلِيٍّ، أَنَّهُ اسْتَتَابَ رَجُلًا شَهْرًا. وَلَنَا حَدِيثُ عُمَرَ، وَلِأَنَّ الرِّدَّةَ إنَّمَا تَكُونُ لِشُبْهَةٍ، وَلَا تَزُولُ فِي الْحَالِ، فَوَجَبَ أَنْ يُنْتَظَرَ مُدَّةً يَرْتَئِي فِيهَا، وَأَوْلَى ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، لِلْأَثَرِ فِيهَا، وَإِنَّهَا مُدَّةٌ قَرِيبَةٌ. وَيَنْبَغِي أَنْ يُضَيَّقَ عَلَيْهِ فِي مُدَّةِ الِاسْتِتَابَةِ، وَيُحْبَسَ؛ لِقَوْلِ عُمَرَ: هَلَّا حَبَسْتُمُوهُ، وَأَطْعَمْتُمُوهُ كُلَّ يَوْمٍ رَغِيفًا؟ وَيُكَرِّرُ دِعَايَتَهُ، لَعَلَّهُ يَتَعَطَّفُ قَلْبُهُ، فَيُرَاجِعَ دِينَهُ.
[الْفَصْلُ الرَّابِعُ الْمُرْتَدّ إنْ لَمْ يَتُبْ قَتَلَ]
(7087)
الْفَصْلُ الرَّابِعُ: أَنَّهُ إنْ لَمْ يَتُبْ قُتِلَ؛ لِمَا قَدَّمْنَا ذِكْرَهُ. وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ الْفُقَهَاءِ، وَيُقْتَلُ بِالسَّيْفِ؛ لِأَنَّهُ آلَةُ الْقَتْلِ، وَلَا يُحْرَقُ بِالنَّارِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه؛ أَنَّهُ أَمَرَ بِتَحْرِيقِ الْمُرْتَدِّينَ، وَفَعَلَ ذَلِكَ بِهِمْ خَالِدٌ. وَالْأَوَّلُ أَوْلَى؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:«مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ، وَلَا تُعَذِّبُوا بِعَذَابِ اللَّهِ» . يَعْنِي النَّارَ. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَأَبُو دَاوُد. وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«إنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ.»
[الْفَصْل الْخَامِسُ الْمُرْتَدّ إذَا تَابَ قُبِلَتْ تَوْبَتُهُ وَلَمْ يُقْتَلْ]
(7088)
الْفَصْلُ الْخَامِسُ: أَنَّ مَفْهُومَ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، أَنَّهُ إذَا تَابَ قُبِلَتْ تَوْبَتُهُ، وَلَمْ يُقْتَلْ، أَيَّ كُفْرٍ كَانَ، وَسَوَاءٌ كَانَ زِنْدِيقًا يَسْتَسِرُّ بِالْكُفْرِ، أَوْ لَمْ يَكُنْ. وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، وَالْعَنْبَرِيِّ. وَيُرْوَى ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ، وَاخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ الْخَلَّالِ، وَقَالَ: إنَّهُ أَوْلَى عَلَى مَذْهَبِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ. وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى، لَا تُقْبَلُ تَوْبَةُ الزِّنْدِيقِ، وَمَنْ تَكَرَّرَتْ رِدَّتُهُ. وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَاللَّيْثِ، وَإِسْحَاقَ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَتَانِ، كَهَاتَيْنِ، وَاخْتَارَ أَبُو بَكْرٍ أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ تَوْبَةُ الزِّنْدِيقِ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:{إِلا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا} [البقرة: 160] .
وَالزِّنْدِيقُ لَا تَظْهَرُ مِنْهُ عَلَامَةٌ تُبَيِّنُ رُجُوعَهُ وَتَوْبَتَهُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ
مُظْهِرًا لِلْإِسْلَامِ، مُسِرًّا لِلْكُفْرِ، فَإِذَا وُقِفَ عَلَى ذَلِكَ، فَأَظْهَرَ التَّوْبَةَ، لَمْ يَزِدْ عَلَى مَا كَانَ مِنْهُ قَبْلَهَا، وَهُوَ إظْهَارُ الْإِسْلَامِ، وَأَمَّا مَنْ تَكَرَّرَتْ رِدَّتُهُ، فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلا} [النساء: 137] . وَرَوَى الْأَثْرَمُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ ظَبْيَانَ بْنِ عُمَارَةَ أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي سَعْدٍ مَرَّ عَلَى مَسْجِدِ بَنِي حَنِيفَةَ، فَإِذَا هُمْ يَقْرَءُونَ بِرَجَزِ مُسَيْلِمَةَ، فَرَجَعَ إلَى ابْنِ مَسْعُودٍ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَبَعَثَ إلَيْهِمْ، فَأُتِيَ بِهِمْ، فَاسْتَتَابَهُمْ، فَتَابُوا، فَخَلَّى سَبِيلَهُمْ، إلَّا رَجُلًا مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ ابْنُ النَّوَّاحَةِ. قَالَ: قَدْ أُتِيتُ بِكَ مَرَّةً، فَزَعَمْتَ أَنَّكَ قَدْ تُبْتَ، وَأَرَاك قَدْ عُدْتَ. فَقَتَلَهُ.
وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى، قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى:{قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: 38] . وَرُوِيَ «أَنَّ رَجُلًا سَارَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ يَدْرِ مَا سَارَّهُ بِهِ، حَتَّى جَهَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَإِذَا هُوَ يَسْتَأْذِنُهُ فِي قَتْلِ رَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَلَيْسَ يَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ؟ . قَالَ: بَلَى، وَلَا شَهَادَةَ لَهُ. قَالَ: أَلَيْسَ يُصَلِّي؟ . قَالَ: بَلَى، وَلَا صَلَاةَ لَهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أُولَئِكَ الَّذِينَ نَهَانِي اللَّهُ عَنْ قَتْلِهِمْ» .
وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا} [النساء: 145]{إِلا الَّذِينَ تَابُوا} [النساء: 146] . وَرُوِيَ أَنَّ مَخْشِيَّ بْنَ حِمْيَرٍ كَانَ فِي النَّفَرِ الَّذِينَ أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِمْ: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ} [التوبة: 65] . فَأَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَتَابَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى، فَقَبِلَ اللَّهُ تَوْبَتَهُ، وَهُوَ الطَّائِفَةُ الَّتِي عَنَى اللَّهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ:{إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً} [التوبة: 66] فَهُوَ الَّذِي عَفَا اللَّهُ عَنْهُ، وَسَأَلَ اللَّهَ تَعَالَى، أَنْ يُقْتَلَ فِي سَبِيلِهِ، وَلَا يُعْلَمَ بِمَكَانِهِ، فَقُتِلَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ، وَلَمْ يُعْلَمْ مَوْضِعُهُ. وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَفَّ عَنْ الْمُنَافِقِينَ بِمَا أَظْهَرُوا مِنْ الشَّهَادَةِ، مَعَ إخْبَارِ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ بِبَاطِنِهِمْ، بِقَوْلِهِ