الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّهُ إذَا كَسَا امْرَأَةً، أَعْطَاهَا دِرْعًا وَخِمَارًا؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ مَا يَسْتُرُ عَوْرَتَهَا، وَتُجْزِئُهَا الصَّلَاةُ فِيهِ وَإِنْ، أَعْطَاهَا ثَوْبًا وَاسِعًا، يُمْكِنُهَا أَنْ تَسْتُرَ بِهِ بَدَنَهَا وَرَأْسَهَا، أَجْزَأَهُ ذَلِكَ.
وَإِنْ كَسَا الرَّجُلَ أَجْزَأَهُ قَمِيصٌ، أَوْ ثَوْبٌ يُمْكِنُهُ أَنْ يَسْتُرَ بِهِ عَوْرَتَهُ، وَيَجْعَلَ عَلَى عَاتِقِهِ مِنْهُ شَيْئًا، أَوْ ثَوْبَيْنِ يَأْتَزِرُ بِأَحَدِهِمَا، وَيَرْتَدِي بِالْآخَرِ. وَلَا يُجْزِئُهُ مِئْزَرٌ وَحْدَهُ؛ وَلَا سِرْوَالٌ وَحْدَهُ، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «لَا يُصَلِّي أَحَدُكُمْ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، لَيْسَ عَلَى عَاتِقِهِ مِنْهُ شَيْءٌ.»
[فَصْلٌ يَكْسُوَهُمْ مِنْ جَمِيعِ أَصْنَافِ الْكِسْوَةِ فِي كَفَّارَة الْيَمِينِ]
(8031)
فَصْلٌ: وَيَجُوزُ أَنْ يَكْسُوَهُمْ مِنْ جَمِيعِ أَصْنَافِ الْكِسْوَةِ؛ مِنْ الْقُطْنِ، وَالْكَتَّانِ، وَالصُّوفِ، وَالشَّعْرِ، وَالْوَبَرِ، وَالْخَزِّ، وَالْحَرِيرِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - أَمَرَ بِكِسْوَتِهِمْ وَلَمْ يُعَيِّنْ جِنْسًا فَأَيَّ جِنْسٍ كَسَاهُمْ مِنْهُ، خَرَجَ بِهِ عَنْ الْعُهْدَةِ؛ لِوُجُودِ الْكِسْوَةِ الْمَأْمُورِ بِهَا. وَيَجُوزُ أَنْ يَكْسُوَهُمْ لَبِيسًا أَوْ جَدِيدًا، إلَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّا قَدْ بَلِيَ وَذَهَبَتْ، مَنْفَعَتُهُ، فَلَا يُجْزِئُ؛ لِأَنَّهُ مَعِيبٌ، كَالْحَبِّ الْمَعِيبِ، وَالرَّقَبَةِ إذَا بَطَلَتْ مَنْفَعَتُهَا. وَسَوَاءٌ كَانَ مَا أَعْطَاهُمْ مَصْبُوغًا أَوْ غَيْرَ مَصْبُوغٍ، أَوْ خَامًا أَوْ مَقْصُورًا؛ لِأَنَّهُ تَحْصُلُ الْكِسْوَةُ الْمَأْمُورُ بِهَا، وَالْحِكْمَةُ الْمَقْصُودَةُ مِنْهَا.
[فَصْلٌ وَاَلَّذِينَ تُجْزِئُ كِسْوَتُهُمْ فِي كَفَّارَة الْيَمِينِ]
(8032)
فَصْلٌ: وَاَلَّذِينَ تُجْزِئُ كِسْوَتُهُمْ، هُمْ الْمَسَاكِينُ الَّذِينَ يُجْزِئُ إطْعَامُهُمْ؛ لِأَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى قَالَ:{فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ} [المائدة: 89] . فَيَنْصَرِفُ الضَّمِيرُ إلَيْهِمْ. وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي الْمَسَاكِينِ وَأَصْنَافِهِمْ.
[مَسْأَلَةٌ إعْتَاقَ الرَّقَبَةِ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ]
(8033)
مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَإِنْ شَاءَ أَعْتَقَ رَقَبَةً مُؤْمِنَةً، قَدْ صَلَّتْ وَصَامَتْ؛ لِأَنَّ الْإِيمَانَ قَوْلٌ وَعَمَلٌ، وَتَكُونُ سَلِيمَةً، لَيْسَ فِيهَا نَقْصٌ يَضُرُّ بِالْعَمَلِ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّ إعْتَاقَ الرَّقَبَةِ أَحَدُ خِصَالِ الْكَفَّارَةِ، بِغَيْرِ خِلَافٍ؛ لِنَصِّ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ، بِقَوْلِهِ:{أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [المائدة: 89] . وَيُعْتَبَرُ فِي الرَّقَبَةِ ثَلَاثَةُ أَوْصَافٍ؛
أَحَدُهَا، أَنْ تَكُونَ مُؤْمِنَةً. فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ. وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي عُبَيْدٍ.
وَعَنْ أَحْمَدَ، رِوَايَةٌ أُخْرَى، أَنَّ الذِّمِّيَّةَ تُجْزِئُ. وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ - تَعَالَى:{فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] وَهَذَا مُطْلَقٌ، فَتَدْخُلُ فِيهِ الْكَافِرَةُ. وَلَنَا، أَنَّهُ تَحْرِيرٌ فِي كَفَّارَةٍ، فَلَا يُجْزِئُ فِيهِ الْكَافِرَةُ، كَكَفَّارَةِ الْقَتْلِ، وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا، أَنَّ الْإِعْتَاقَ يَتَضَمَّنُ تَفْرِيغَ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ لِعِبَادَةِ رَبِّهِ، وَتَكْمِيلَ أَحْكَامِهِ وَعِبَادَتِهِ وَجِهَادِهِ، وَمَعُونَةَ الْمُسْلِمِ، فَنَاسَبَ ذَلِكَ شَرْعُ إعْتَاقِهِ فِي الْكَفَّارَةِ، تَحْصِيلًا لِهَذِهِ الْمَصَالِحِ، وَالْحُكْمُ مَقْرُونٌ بِهَا فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ الْمَنْصُوصِ عَلَى الْإِيمَانِ فِيهَا، فَيُعَلَّلُ بِهَا، وَيَتَعَدَّى ذَلِكَ الْحَكَمُ إلَى كُلِّ تَحْرِيرٍ فِي كَفَّارَةٍ، فَيَخْتَصُّ بِالْمُؤْمِنَةِ، لِاخْتِصَاصِهَا بِهَذِهِ الْحِكْمَةِ.
وَأَمَّا الْمُطْلَقُ الَّذِي احْتَجُّوا بِهِ، فَإِنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى الْمُقَيَّدِ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ، كَمَا حُمِلَ مُطْلَقُ قَوْله تَعَالَى:{وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة: 282] . عَلَى الْمُقَيَّدِ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] . وَإِنْ لَمْ يُحْمَلْ عَلَيْهِ مِنْ جِهَةِ اللُّغَةِ، حُمِلَ عَلَيْهِ مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ. الثَّانِي، أَنْ تَكُونَ قَدْ صَلَّتْ وَصَامَتْ. وَهَذَا قَوْلُ الشَّعْبِيِّ، وَمَالِكٍ، وَإِسْحَاقَ. قَالَ الْقَاضِي: لَا يُجْزِئُ مَنْ لَهُ دُونَ السَّبْعِ؛ لِأَنَّهُ لَا تَصِحُّ مِنْهُ الْعِبَادَاتُ، فِي ظَاهِرِ كَلَامِ أَحْمَدَ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، الْمُعْتَبَرَ الْفِعْلُ دُونَ السِّنِّ، فَمَنْ صَلَّى وَصَامَ مِمَّنْ لَهُ عَقْلٌ يَعْرِفُ الصَّلَاةَ وَالصِّيَامَ، وَيَتَحَقَّقُ مِنْهُ الْإِتْيَانُ بِهِ بِنِيَّتِهِ وَأَرْكَانِهِ، فَإِنَّهُ يُجْزِئُ فِي الْكَفَّارَةِ وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا وَلَمْ يُوجَدَا مِنْهُ، لَمْ يُجْزِئْ فِي الْكَفَّارَةِ وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ، وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا: يَجُوزُ إعْتَاقُ الطِّفْلِ فِي الْكَفَّارَةِ.
وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ، وَعَطَاءٍ، وَالزُّهْرِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَابْنِ الْمُنْذِرِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِيمَانِ هَاهُنَا الْإِسْلَامُ؛ بِدَلِيلِ إعْتَاقِ الْفَاسِقِ. قَالَ الثَّوْرِيُّ الْمُسْلِمُونَ كُلُّهُمْ مُؤْمِنُونَ عِنْدَنَا فِي الْأَحْكَامِ، وَلَا نَدْرِي مَا هُمْ عِنْدَ اللَّهِ. وَلِهَذَا تَعَلَّقَ حُكْمُ الْقَتْلِ بِكُلِّ مُسْلِمٍ، بِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً} [النساء: 92] . وَالصَّبِيُّ مَحْكُومٌ بِإِسْلَامِهِ، يَرِثُهُ الْمُسْلِمُونَ وَيَرِثُهُمْ، وَيُدْفَنُ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ، وَيُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ، وَإِنْ سُبِيَ مُنْفَرِدًا عَنْ أَبَوَيْهِ أَجْزَأَهُ عِتْقُهُ؛ لِأَنَّهُ مَحْكُومٌ بِإِسْلَامِهِ، وَكَذَلِكَ إنْ سُبِيَ مَعَ أَحَدِ أَبَوَيْهِ، وَلَوْ كَانَ أَحَدُ أَبَوَيْ الطِّفْلِ مُسْلِمًا، وَالْآخَرُ كَافِرًا، أَجْزَأَ إعْتَاقُهُ؛ لِأَنَّهُ مَحْكُومٌ بِإِسْلَامِهِ.
وَقَالَ الْقَاضِي، فِي مَوْضِعٍ: يُجْزِئُ إعْتَاقُ الصَّغِيرِ فِي جَمِيعِ الْكَفَّارَاتِ، إلَّا كَفَّارَةَ الْقَتْلِ؛ فَإِنَّهَا عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَقَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ مَا كَانَ فِي الْقُرْآنِ مِنْ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ، فَلَا يُجْزِئُ إلَّا مَا صَامَ وَصَلَّى، وَمَا كَانَ