الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السَّابِعُ، تَعْيِينُ الرُّمَاةِ، فَلَا يَصِحُّ مَعَ الْإِبْهَامِ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ مَعْرِفَةٌ حِذْقِ الرَّامِي بِعَيْنِهِ، لَا مَعْرِفَةُ حِذْقِ رَامِ فِي الْجُمْلَةِ. وَلَوْ عَقَدَ اثْنَانِ نِضَالًا عَلَى أَرْبَعٍ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَلَاثَةٌ، لَمْ يَجُزْ لِذَلِكَ. وَلَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ الْقَوْسِ وَالسِّهَامِ، وَلَوْ عَيَّنَهَا لَمْ تَتَعَيَّنْ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ مَعْرِفَةُ الْحِذْقِ، وَهَذَا لَا يَخْتَلِفُ إلَّا بِالرَّامِي، لَا بِاخْتِلَافِ الْقَوْسِ وَالسِّهَامِ. وَفِي الرِّهَانِ يُعْتَبَرُ تَعْيِينُ الْحَيَوَانِ الَّذِي يُسَابَقُ بِهِ، وَلَا يُعْتَبَرُ تَعْيِينُ الرَّاكِبِ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ مَعْرِفَةُ عَدْوِ الْفَرَسِ، لَا حِذْقِ الرَّاكِبِ.
وَكُلُّ مَا يُعْتَبَرُ تَعْيِينُهُ، إذَا تَلِفَ انْفَسَخَ الْعَقْدُ، وَلَمْ يَقُمْ غَيْرُهُ مَقَامَهُ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ تَعَلَّقَ بِعَيْنِهِ، فَانْفَسَخَ بِتَلَفِ الْعَيْنِ، وَلِأَنَّ الْغَرَضَ مَعْرِفَةُ حِذْقِ الرَّامِي، أَوْ عَدْوِ الْفَرَسِ، وَقَدْ فَاتَتْ مَعْرِفَةُ ذَلِكَ بِمَوْتِهِ، وَلَا يُعْرَفُ حِذْقُهُ مِنْ غَيْرِهِ. وَمَا لَا يَتَعَيَّنُ، يَجُوزُ إبْدَالُهُ لِعُذْرٍ وَغَيْرِهِ، وَإِذَا تَلِفَ، قَامَ غَيْرُهُ مَقَامَهُ. فَإِنْ شَرَطَا أَنْ لَا يَرْمِيَ بِغَيْرِ هَذَا الْقَوْسِ، وَلَا بِغَيْرِ هَذَا السَّهْمِ، أَوْ لَا يَرْكَبَ غَيْرُ هَذَا الرَّاكِبِ فَهَذِهِ شُرُوطٌ فَاسِدَةٌ؛ لِأَنَّهَا تُنَافِي مُقْتَضَى الْعَقْدِ، أَشْبَهَتْ مَا إذَا شَرْطَ إصَابَةً بِإِصَابَتَيْنِ.
الثَّامِنُ، أَنْ تَكُونَ الْمُسَابَقَةُ فِي الْإِصَابَةِ. وَلَوْ قَالَا: السَّبَقُ لِأَبْعَدِنَا رَمْيًا، لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْ الرَّمْيِ الْإِصَابَةُ. لَا بُعْدُ الْمَسَافَةِ، فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الرَّمْيِ إمَّا قَتْلُ الْعَدُوِّ، أَوْ جَرْحُهُ، أَوْ الصَّيْدُ، أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ، وَكُلُّ هَذَا إنَّمَا يَحْصُلُ مِنْ الْإِصَابَةِ، لَا مِنْ الْإِبْعَادِ.
[فَصْلٌ الْمُنَاضَلَةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ]
(7917)
فَصْلٌ: وَالْمُنَاضَلَةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ؛ أَحَدُهَا، تُسَمَّى الْمُبَادَرَةَ، وَهُوَ أَنْ يَقُولَا: مَنْ سَبَقَ إلَى خَمْسِ إصَابَاتٍ مِنْ عِشْرِينَ رَمْيَةً فَهُوَ السَّابِقُ. فَأَيُّهُمَا سَبَقَ إلَيْهَا مَعَ تَسَاوِيهِمَا فِي الرَّشْقِ، فَقَدْ سَبَقَ.
فَإِذَا رَمَيَا عَشَرَةً عَشَرَةً، فَأَصَابَ أَحَدُهُمَا خَمْسًا، وَلَمْ يُصِبْ الْآخَرُ خَمْسًا، فَالْمُصِيبُ خَمْسًا هُوَ السَّابِقُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ سَبَقَ إلَى خَمْسٍ، وَسَوَاءٌ أَصَابَ الْآخَرُ أَرْبَعًا، أَوْ مَا دُونَهَا، أَوْ لَمْ يُصِبْ شَيْئًا، وَلَا حَاجَةَ إلَى إتْمَامِ الرَّشْقِ؛ لِأَنَّ السَّبْقَ قَدْ حَصَلَ بِسَبْقِهِ إلَى مَا شَرَطَا السَّبْقَ إلَيْهِ، وَإِنْ أَصَابَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ الْعَشْرِ خَمْسًا، فَلَا سَابِقَ فِيهِمَا وَلَا يُكْمِلَانِ الرَّشْقَ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ الْإِصَابَةِ الْمَشْرُوطَةِ قَدْ حَصَلَتْ، وَاسْتَوَيَا فِيهَا، فَإِنْ رَمَى أَحَدُهُمَا عَشْرًا فَأَصَابَ خَمْسًا، وَرَمَى الْآخَرُ تِسْعًا فَأَصَابَ أَرْبَعًا، لَمْ يُحْكَمْ بِالسَّبْقِ وَلَا بِعَدَمِهِ، حَتَّى يَرْمِيَ الْعَاشِرَ، فَإِنْ أَخْطَأَ بِهِ، فَقَدْ سَبَقَ الْأَوَّلُ، وَإِنْ أَصَابَ بِهِ، فَلَا سَابِقَ فِيهِمَا.
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَصَابَ مِنْ التِّسْعَةِ إلَّا ثَلَاثًا، فَقَدْ سَبَقَهُ الْأَوَّلُ، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى رَمْيِ الْعَاشِرِ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ مَا يُحْتَمَلُ أَنَّهُ يُصِيبُ بِهِ، وَلَا يُخْرِجُهُ ذَلِكَ عَنْ كَوْنِهِ مَسْبُوقًا. الضَّرْبُ الثَّانِي، أَنْ يَقُولَ: أَيُّنَا فَضَلَ صَاحِبَهُ بِإِصَابَةٍ أَوْ إصَابَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ مِنْ عِشْرِينَ رَمْيَةً، فَقَدْ سَبَقَ. وَيُسَمَّى مُفَاضَلَةً وَمُحَاطَّةً؛ لِأَنَّ مَا تَسَاوَيَا فِيهِ مِنْ الْإِصَابَةِ مَحْطُوطٌ غَيْرُ مُعْتَدٍّ بِهِ. وَيَلْزَمُ إكْمَالُ الرَّشْقِ؛ إذَا كَانَ فِي إتْمَامِهِ فَائِدَةٌ، فَإِذَا قَالَا: أَيُّنَا فَضَلَ صَاحِبَهُ بِثَلَاثٍ، فَهُوَ سَابِقٌ. فَرَمَيَا اثْنَتَيْ عَشَرَةَ رَمْيَةً، فَأَصَابَهَا أَحَدُهُمَا،
وَأَخْطَأَهَا الْآخَرُ كُلَّهَا، لَمْ يَلْزَمْ إتْمَامُ الرَّشْقِ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ مَا يُحْتَمَلُ أَنْ يُصِيبَ الْآخَرُ الثَّمَانِيَ الْبَاقِيَةَ، يَحُطُّهَا الْأَوَّلُ، وَلَا يَخْرُجُ الْأَوَّلُ بِهَذَا عَنْ كَوْنِهِ سَابِقًا.
وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ إنَّمَا أَصَابَ مِنْ الِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ عَشْرًا، لَزِمَهُمَا أَنْ يَرْمِيَا الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ، فَإِنْ أَصَابَاهَا، أَوْ أَخْطَآ، أَوْ أَصَابَهَا الْأَوَّلُ وَحْدَهُ. فَقَدْ سَبَقَ، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى إتْمَامِ الرَّشْقِ، فَإِنْ أَصَابَهَا الْآخَرُ، وَأَخْطَأَهَا الْأَوَّلُ، فَعَلَيْهِمَا أَنْ يَرْمِيَا الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ، وَالْحَكَمُ فِيهَا وَفِيمَا بَعْدَهَا كَالْحُكْمِ فِي الثَّالِثَةِ عَشْرَةَ، وَأَنَّهُ مَتَى أَصَابَاهَا، أَوْ أَخْطَآ، أَوْ أَصَابَهَا الْأَوَّلُ، فَقَدْ سَبَقَ، وَلَا يَرْمِيَانِ مَا بَعْدَهَا. وَإِنْ أَصَابَهَا الْآخَرُ وَحْدَهُ، رَمَيَا مَا بَعْدَهَا.
وَهَكَذَا كُلُّ مَوْضِعٍ كَانَ فِي إتْمَامِ، الرَّشْقِ فَائِدَةٌ لِأَحَدِهِمَا لَزِمَ إتْمَامُهُ، وَإِنْ يَئِسَ مِنْ الْفَائِدَةِ، لَمْ يَلْزَمْ إتْمَامُهُ، فَإِذَا بَقِيَ مِنْ الْعَدَدِ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَسْبِقَ أَحَدُهُمَا بِهِ صَاحِبَهُ، أَوْ يُسْقِطَ أَحَدُهُمَا بِهِ سَبْقَ صَاحِبِهِ، لَزِمَ الْإِتْمَامُ، وَإِلَّا فَلَا، فَإِذَا كَانَ السَّبْقُ يَحْصُلُ بِثَلَاثِ إصَابَاتٍ مِنْ عِشْرِينَ، فَرَمَيَا ثَمَانِي عَشْرَةَ، فَأَخْطَآهَا، أَوْ أَصَابَاهَا، أَوْ تَسَاوَيَا فِي الْإِصَابَةِ فِيهَا، لَمْ يَلْزَمْ إتْمَامُ الرَّشْقِ لِأَنَّ؛ أَكْثَرَ مَا يُحْتَمَلُ أَنْ يُصِيبَ أَحَدُهُمَا هَاتَيْنِ الرَّمْيَتَيْنِ، وَيُخْطِئَهُمَا الْآخَرُ، وَلَا يَحْصُلُ السَّبْقُ بِذَلِكَ.
وَكَذَلِكَ إنْ فَضَلَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ بِخَمْسِ إصَابَاتٍ فَمَا زَادَ، لَمْ يَلْزَمْ الْإِتْمَامُ؛ لِأَنَّ إصَابَةَ الْآخَرِ بِالسَّهْمَيْنِ الْبَاقِيَيْنِ لَا يُخْرِجُ الْآخَرَ عَنْ كَوْنِهِ فَاضِلًا بِثَلَاثِ إصَابَاتٍ، وَإِنْ لَمْ يَفْضُلْهُ إلَّا بِأَرْبَعٍ، رَمَيَا السَّهْمَ الْآخَرَ، فَإِنْ أَصَابَهُ الْمَفْضُولُ وَحْدَهُ، فَعَلَيْهِمَا رَمْيُ الْآخَرِ فَإِنْ أَصَابَهُ الْمَفْضُولُ أَيْضًا، سَقَطَ سَبْقُ الْأَوَّلِ، وَإِنْ أَخْطَآ فِي أَحَدِ السَّهْمَيْنِ، أَوْ أَصَابَ الْأَوَّلُ فِي أَحَدِهِمَا، فَهُوَ سَابِقٌ.
فَصْلٌ: الثَّالِثُ أَنْ يَقُولَا: أَيُّنَا أَصَابَ خَمْسًا مِنْ عِشْرِينَ، فَهُوَ سَابِقٌ. فَمَتَى أَصَابَ أَحَدُهُمَا خَمْسًا مِنْ الْعِشْرِينَ، وَلَمْ يُصِبْهَا الْآخَرُ، فَالْأَوَّلُ سَابِقٌ، وَإِنْ أَصَابَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خَمْسًا، أَوْ لَمْ يُصِبْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا خَمْسًا، فَلَا سَابِقَ فِيهِمَا. وَهَذِهِ فِي مَعْنَى الْمُحَاطَّةِ، فِي أَنَّهُ يَلْزَمُ إتْمَامُ الرَّشْقِ مَا كَانَ فِي إِتْمَامِهِ فَائِدَة، فَإِذَا خَلَا عَنْ الْفَائِدَةِ، لَمْ يَلْزَمْ إتْمَامُهُ. وَمَتَى أَصَابَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خَمْسًا، لَمْ يَلْزَمْ إتْمَامُهُ، وَلَمْ يَكُنْ فِيهِمَا سَابِقٌ. إنْ رَمَيَا سِتَّ عَشْرَةَ رَمْيَةً، وَلَمْ يُصِبْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا شَيْئًا، لَمْ يَلْزَمْ إتْمَامُهُ، وَلَا سَابِقَ فِيهِمَا؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ مَا يُحْتَمَلُ أَنْ يُصِيبَ أَحَدُهُمَا الْأَرْبَعَةَ كُلَّهَا، وَلَا يَحْصُلُ السَّبْقُ بِذَلِكَ.
وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا، فَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: لَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ الرَّمْيِ، هَلْ هُوَ مُبَادَرَةٌ أَوْ مُحَاطَّةٌ أَوْ مُفَاضَلَةٌ؟ لِأَنَّ غَرَضَ الرُّمَاةِ يَخْتَلِفُ؛ فَمِنْهُمْ مَنْ تَكْثُرُ إصَابَتُهُ فِي الِابْتِدَاءِ دُونَ الِانْتِهَاءِ، وَمِنْهُمْ مَنْ هُوَ بِالْعَكْسِ، فَوَجَبَ بَيَانُ ذَلِكَ، لِيُعْلَمَ مَا دَخَلَ فِيهِ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي، أَنَّهُ لَا يُحْتَاجُ إلَى اشْتِرَاطِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مُقْتَضَى النِّضَالِ الْمُبَادَرَةُ، وَأَنَّ مَنْ بَادَرَ إلَى الْإِصَابَةِ فَهُوَ السَّابِقُ؛ فَإِنَّهُ إذَا شُرِطَ أَنَّ السَّبْقَ لِمَنْ أَصَابَ خَمْسَةً مِنْ عِشْرِينَ، فَسَبَقَ إلَيْهَا وَاحِدٌ، فَقَدْ وُجِدَ الشَّرْطُ. وَلِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَجْهَانِ، كَهَذَيْنِ.