الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فَصْلٌ عَقَدَ الذِّمَّةَ لِكَفَّارٍ زَعَمُوا أَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ]
فَصْلٌ: وَإِذَا عَقَدَ الذِّمَّةَ لِكَفَّارٍ، زَعَمُوا أَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُمْ عَبَدَةُ الْأَوْثَانِ فَالْعَقْدُ بَاطِلٌ مِنْ أَصْلِهِ. وَإِنْ شَكَكْنَا فِيهِمْ، لَمْ يُنْتَقَضْ عَهْدُهُمْ بِالشَّكِّ، لِأَنَّ الْأَصْلَ صِحَّتُهُ، فَإِنْ أَقَرَّ بَعْضُهُمْ بِذَلِكَ دُونَ بَعْضٍ قُبِلَ مِنْ الْمُقِرِّ فِي نَفْسِهِ، فَانْتَقَضَ عَهْدُهُ، وَبَقِيَ فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يُقِرَّ بِحَالِهِ.
[مَسْأَلَةٌ تَقْدِيرُ الْجِزْيَةِ]
(7644)
مَسْأَلَةٌ، قَالَ:(وَالْمَأْخُوذُ مِنْهُمْ الْجِزْيَةُ عَلَى ثَلَاثِ طَبَقَاتٍ، فَيُؤْخَذُ مِنْ أَدْوَنِهِمْ اثْنَا عَشَرَ دِرْهَمًا، وَمِنْ أَوْسَطِهِمْ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا، وَمِنْ أَيْسَرِهِمْ ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ دِرْهَمًا) الْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي فَصْلَيْنِ: (7645) .
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي تَقْدِيرِ الْجِزْيَةِ وَالثَّانِي، فِي كَمِّيَّةِ مِقْدَارِهَا فَأَمَّا الْأَوَّلُ، فَفِيهِ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ؛ إحْدَاهَا أَنَّهَا مُقَدَّرَةٌ بِمِقْدَارٍ لَا يُزَادُ عَلَيْهِ، وَلَا يُنْقَصُ مِنْهُ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَرَضَهَا مُقَدَّرَةً، بِقَوْلِهِ لِمُعَاذٍ «خُذْ مِنْ كُلِّ حَالِمٍ دِينَارًا، أَوْ عَدْلَهُ مَغَافِرَ» وَفَرَضَهَا عُمَرُ مُقَدَّرَةً بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، فَلَمْ يُنْكَرْ فَكَانَ إجْمَاعًا وَالثَّانِيَةُ، أَنَّهَا غَيْرُ مُقَدَّرَةٍ، بَلْ يُرْجَعُ فِيهَا إلَى اجْتِهَادِ الْإِمَامِ فِي الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ.
قَالَ الْأَثْرَمُ: قِيلَ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ فَيُزَادُ الْيَوْمَ فِيهِ وَيُنْقَصُ؟ يَعْنِي مِنْ الْجِزْيَةِ. قَالَ: نَعَمْ، يُزَادُ فِيهِ وَيُنْقَصُ عَلَى قَدْرِ طَاقَتِهِمْ، عَلَى قَدْرِ مَا يَرَى الْإِمَامُ، وَذَكَرَ أَنَّهُ زِيدَ عَلَيْهِمْ فِيمَا مَضَى دِرْهَمَانِ، فَجَعَلَهُ خَمْسِينَ قَالَ الْخَلَّالُ الْعَمَلُ فِي قَوْلِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَى مَا رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ فَإِنَّهُ: لَا بَأْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَزِيدَ فِي ذَلِكَ وَيُنْقِصَ، عَلَى مَا رَوَاهُ عَنْهُ أَصْحَابُهُ، فِي عَشَرَةِ مَوَاضِعَ، فَاسْتَقَرَّ قَوْلُهُ عَلَى ذَلِكَ.
وَهَذَا قَوْلُ الثَّوْرِيِّ وَأَبِي عُبَيْدٍ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم «أَمَرَ مُعَاذًا أَنْ يَأْخُذَ مِنْ كُلِّ حَالِمٍ دِينَارًا» «وَصَالَحَ أَهْلَ نَجْرَانَ عَلَى أَلْفَيْ حُلَّةٍ، النِّصْفُ فِي صَفَرٍ، وَالنِّصْفُ فِي رَجَبٍ» رَوَاهُمَا أَبُو دَاوُد وَعُمَرُ جَعَلَ الْجِزْيَةَ عَلَى ثَلَاثِ طَبَقَاتٍ، عَلَى الْغَنِيِّ ثَمَانِيَةً وَأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا، وَعَلَى الْمُتَوَسِّطِ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ دِرْهَمًا، وَعَلَى الْفَقِيرِ اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا. وَصَالَحَ بَنِي تَغْلِبَ عَلَى مِثْلَيْ مَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ الزَّكَاةِ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا
إلَى رَأْيِ الْإِمَامِ، لَوْلَا ذَلِكَ لَكَانَتْ عَلَى قَدْرٍ وَاحِدٍ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْمَوَاضِعِ، وَلَمْ يَجُزْ أَنْ تَخْتَلِفَ. قَالَ الْبُخَارِيُّ.
قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: عَنْ أَبِي نَجِيحٍ قُلْت لِمُجَاهِدٍ: مَا شَأْنُ أَهْلِ الشَّامِ عَلَيْهِمْ أَرْبَعَةُ دَنَانِيرَ، وَأَهْلُ الْيَمَنِ عَلَيْهِمْ دِينَارٌ؟ قَالَ: جُعِلَ ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ الْيَسَارِ، وَلِأَنَّهَا عِوَضٌ فَلَمْ تُقَدَّرْ كَالْأُجْرَةِ وَالرِّوَايَةُ الثَّالِثَةُ، أَنَّ أَقَلَّهَا مُقَدَّرٌ بِدِينَارٍ، وَأَكْثَرَهَا غَيْرُ مُقَدَّرٍ، وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ، فَتَجُوزُ الزِّيَادَةُ، وَلَا يَجُوزُ النُّقْصَانُ لِأَنَّ عُمَرَ زَادَ عَلَى مَا فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَمْ يُنْقِصْ مِنْهُ، وَرُوِيَ أَنَّهُ زَادَ عَلَى ثَمَانِيَةٍ وَأَرْبَعِينَ، فَجَعَلَهَا خَمْسِينَ. (7646) الْفَصْلُ الثَّانِي: أَنَّنَا إذَا قُلْنَا بِالرِّوَايَةِ الْأُولَى، وَأَنَّهَا مُقَدَّرَةٌ، فَقَدْرُهَا فِي حَقِّ الْمُوسِرِ ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ دِرْهَمًا، وَفِي حَقِّ الْمُتَوَسِّطِ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ، وَفِي حَقِّ الْفَقِيرِ اثْنَا عَشَرَ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ مَالِكٍ: هِيَ فِي حَقِّ الْغَنِيِّ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا أَوْ أَرْبَعَةُ دَنَانِيرَ، وَفِي حَقِّ الْفَقِيرِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ أَوْ دِينَارٌ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: الْوَاجِبُ دِينَارٌ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ لِحَدِيثِ «مُعَاذٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ كُلِّ حَالِمٍ دِينَارًا» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ، إلَّا أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ جَعْلُهَا عَلَى ثَلَاثِ طَبَقَاتٍ، كَمَا ذَكَرْنَاهُ، لِنَخْرُجَ مِنْ الْخِلَافِ، قَالُوا: وَقَضَاءُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَوْلَى بِالِاتِّبَاعِ مِنْ غَيْرِهِ وَلَنَا حَدِيثُ عُمَرَ رضي الله عنه وَهُوَ حَدِيثٌ لَا شَكَّ فِي صِحَّتِهِ وَشُهْرَتِهِ بَيْنَ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم وَغَيْرِهِمْ وَلَمْ يُنْكِرْهُ مُنْكِرٌ، وَلَا خِلَافَ فِيهِ، وَعَمِلَ بِهِ مَنْ بَعْدَهُ مِنْ الْخُلَفَاءِ رضي الله عنهم فَصَارَ إجْمَاعًا لَا يَجُوزُ الْخَطَأُ عَلَيْهِ، وَقَدْ وَافَقَ الشَّافِعِيُّ عَلَى اسْتِحْبَابِ الْعَمَلِ بِهِ، وَأَمَّا حَدِيثُ مُعَاذٍ، فَلَا يَخْلُو مِنْ وَجْهَيْنِ، أَحَدُهُمَا، أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ لِغَلَبَةِ الْفَقْرِ عَلَيْهِمْ، بِدَلِيلِ قَوْلِ مُجَاهِدٍ: إنَّ ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ الْيَسَارِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي، أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ غَيْرَ وَاجِبٍ، بَلْ هُوَ مَوْكُولٌ إلَى اجْتِهَادِ الْإِمَامِ وَلِأَنَّ الْجِزْيَةَ وَجَبَتْ صِغَارًا أَوْ عُقُوبَةً، فَتَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ أَحْوَالِهِمْ، كَالْعُقُوبَةِ فِي الْبَدَنِ، مِنْهُمْ مَنْ يُقْتَلُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُسْتَرَقُّ، وَلَا يَصِحُّ كَوْنُهَا عِوَضًا عَنْ سُكْنَى الدَّارِ، لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ كَذَلِكَ لَوَجَبَتْ عَلَى النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَالزَّمْنَى وَالْمَكَافِيفِ.
(7647)
فَصْلٌ وَحَدُّ الْيَسَارِ فِي حَقِّهِمْ، مَا عَدَّهُ النَّاسُ غِنًى فِي الْعَادَةِ، وَلَيْسَ بِمُقَدَّرٍ، لِأَنَّ التَّقْدِيرَاتِ بَابُهَا التَّوْقِيفُ، وَلَا تَوْقِيفَ فِي هَذَا، فَيُرْجِعُ فِيهِ إلَى الْعَادَةِ وَالْعُرْفِ.