الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[كِتَابُ الْأَشْرِبَةِ] [
مَسْأَلَةٌ مَنْ شَرِبَ مُسْكِرًا قَلَّ أَوْ كَثُرَ جُلِدَ ثَمَانِينَ جَلْدَةً إذَا شَرِبَهَا وَهُوَ مُخْتَارٌ لِشُرْبِهَا] [
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ كُلَّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ]
ِ الْخَمْرُ مُحَرَّمٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ؛ أَمَّا الْكِتَابُ: فَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ} [المائدة: 90] . إلَى قَوْلِهِ: {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} [المائدة: 91] وَأَمَّا السُّنَّةُ: فَقَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ، وَكُلُّ خَمْرٍ حَرَامٌ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالْإِمَامُ أَحْمَدُ وَرَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، أَنَّ النَّبِيَّ قَالَ:«لَعَنَ اللَّهُ الْخَمْرَ، وَشَارِبَهَا، وَسَاقِيَهَا، وَبَائِعَهَا، وَمُبْتَاعَهَا، وَعَاصِرَهَا، وَمُعْتَصِرَهَا، وَحَامِلَهَا، وَالْمَحْمُولَةَ إلَيْهِ.» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم تَحْرِيمُ الْخَمْرِ بِأَخْبَارٍ تَبْلُغُ بِمَجْمُوعِهَا رُتْبَةَ التَّوَاتُرِ، وَأَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى تَحْرِيمِهِ، وَإِنَّمَا حُكِيَ عَنْ قُدَامَةَ بْنِ مَظْعُونٍ، وَعَمْرِو بْنِ مَعْدِ يَكْرِبَ، وَأَبِي جَنْدَلِ بْنِ سُهَيْلٍ، أَنَّهُمْ قَالُوا: هِيَ حَلَالٌ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} [المائدة: 93] الْآيَةَ. فَبَيَّنَ لَهُمْ عُلَمَاءُ الصَّحَابَةِ مَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ، وَتَحْرِيمَ الْخَمْرِ، وَأَقَامُوا عَلَيْهِمْ الْحَدَّ؛ لِشُرْبِهِمْ إيَّاهَا، فَرَجَعُوا إلَى ذَلِكَ، فَانْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ، فَمَنْ اسْتَحَلَّهَا الْآنَ فَقَدْ كَذَّبَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم؛ لِأَنَّهُ قَدْ عُلِمَ ضَرُورَةً مِنْ جِهَةِ النَّقْلِ تَحْرِيمُهُ، فَيَكْفُرُ بِذَلِكَ، وَيُسْتَتَابُ، فَإِنْ تَابَ، وَإِلَّا قُتِلَ.
رَوَى الْجُوزَجَانِيُّ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ قُدَامَةَ بْنَ مَظْعُونٍ شَرِبَ الْخَمْرَ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: مَا حَمَلَك عَلَى ذَلِكَ؟ فَقَالَ: إنَّ اللَّهَ عز وجل يَقُولُ: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} [المائدة: 93] . وَإِنِّي مِنْ الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ وَأُحُدٍ. فَقَالَ عُمَرُ لِلْقَوْمِ: أَجِيبُوا الرَّجُلَ. فَسَكَتُوا عَنْهُ، فَقَالَ لِابْنِ عَبَّاسٍ: أَجِبْهُ. فَقَالَ: إنَّمَا أَنْزَلَهَا اللَّهُ تَعَالَى عُذْرًا لِلْمَاضِينَ، لِمَنْ شَرِبَهَا قَبْلَ أَنْ تُحَرَّمَ وَأَنْزَلَ:{إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ} [المائدة: 90] . حُجَّةً عَلَى النَّاسِ. ثُمَّ سَأَلَ عُمَرُ عَنْ الْحَدِّ فِيهَا فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: إذَا شَرِبَ هَذَى، وَإِذَا هَذَى افْتَرَى فَاجْلِدُوهُ ثَمَانِينَ، فَجَلَدَهُ عُمَرُ ثَمَانِينَ جَلْدَةً. وَرَوَى الْوَاقِدِيُّ أَنَّ عُمَرَ قَالَ لَهُ: أَخْطَأْت التَّأْوِيلَ يَا قُدَامَةَ، إذَا اتَّقَيْت اجْتَنَبْت مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْك.
وَرَوَى الْخَلَّالُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ، أَنَّ أُنَاسًا شَرِبُوا بِالشَّامِ الْخَمْرَ، فَقَالَ لَهُمْ يَزِيدُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ: شَرِبْتُمْ الْخَمْرَ؟ قَالُوا: نَعَمْ، بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:{لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} [المائدة: 93] الْآيَةَ. فَكَتَبَ فِيهِمْ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَكَتَبَ إلَيْهِ: إنْ أَتَاكَ كِتَابِي هَذَا نَهَارًا، فَلَا تَنْتَظِرْ بِهِمْ إلَى اللَّيْلِ،
وَإِنْ أَتَاكَ لَيْلًا، فَلَا تَنْتَظِرْ بِهِمْ نَهَارًا، حَتَّى تَبْعَثَ بِهِمْ إلَيَّ، لِئَلَّا يَفْتِنُوا عِبَادَ اللَّهِ. فَبَعَثَ بِهِمْ إلَى عُمَرَ، فَشَاوَرَ فِيهِمْ النَّاسَ، فَقَالَ لِعَلِيٍّ: مَا تَرَى؟ فَقَالَ: أَرَى أَنَّهُمْ قَدْ شَرَّعُوا فِي دِينِ اللَّهِ مَا لَمْ يَأْذَنْ اللَّهُ فِيهِ، فَإِنْ زَعَمُوا أَنَّهَا حَلَالٌ، فَاقْتُلْهُمْ، فَقَدْ أَحَلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ، وَإِنْ زَعَمُوا أَنَّهَا حَرَامٌ، فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ ثَمَانِينَ، فَقَدْ افْتَرَوْا عَلَى اللَّهِ. وَقَدْ أَخْبَرَنَا اللَّهُ عز وجل بِحَدِّ مَا يَفْتَرِي بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ.: فَحَدَّهُمْ عُمَرُ ثَمَانِينَ ثَمَانِينَ إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَالْمُجْمَعُ عَلَى تَحْرِيمِهِ عَصِيرُ الْعِنَبِ، إذَا اشْتَدَّ وَقَذَفَ زَبَدَهُ، وَمَا عَدَاهُ مِنْ الْأَشْرِبَةِ الْمُسْكِرَةِ، فَهُوَ مُحَرَّمٌ، وَفِيهِ اخْتِلَافٌ نَذْكُرُهُ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - (7337)
(مَسْأَلَةٌ) قَالَ: (وَمَنْ شَرِبَ مُسْكِرًا قَلَّ أَوْ كَثُرَ، جُلِدَ ثَمَانِينَ جَلْدَةً، إذَا شَرِبَهَا وَهُوَ مُخْتَارٌ لِشُرْبِهَا، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ كَثِيرَهَا يُسْكِرُ) الْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي فُصُولٍ: (7338) الْفَصْلُ الْأَوَّلُ: أَنَّ كُلَّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ، قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ، وَهُوَ خَمْرٌ حُكْمُهُ حُكْمُ عَصِيرِ الْعِنَبِ فِي تَحْرِيمِهِ، وَوُجُوبِ الْحَدِّ عَلَى شَارِبِهِ. وَرُوِيَ تَحْرِيمُ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَأُبَيُّ بْنِ كَعْبٍ، وَأَنَسٍ، وَعَائِشَةَ رضي الله عنهم وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ، وَطَاوُسٌ، وَمُجَاهِدٌ، وَالْقَاسِمُ، وَقَتَادَةُ، وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَإِسْحَاقُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، فِي عَصِيرِ الْعِنَبِ إذَا طُبِخَ فَذَهَبَ ثُلُثَاهُ، وَنَقِيعِ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ إذَا طُبِخَ وَإِنْ لَمْ يَذْهَبْ ثُلُثَاهُ، وَنَبِيذِ الْحِنْطَةِ، وَالذُّرَةِ وَالشَّعِيرِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ نَقِيعًا كَانَ أَوْ مَطْبُوخًا: كُلُّ ذَلِكَ حَلَالٌ، إلَّا مَا بَلَغَ السُّكْرَ، فَأَمَّا عَصِيرُ الْعِنَبِ إذَا اشْتَدَّ، وَقَذَفَ زَبَدَهُ، أَوَطُبِخَ فَذَهَبَ أَقَلُّ مِنْ ثُلُثَيْهِ، وَنَقِيعُ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ إذَا اشْتَدَّ بِغَيْرِ طَبْخٍ، فَهَذَا مُحَرَّمٌ، قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ؛ لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ، عَنْ النَّبِيِّ قَالَ:«حُرِّمَتْ الْخَمْرَةُ لِعَيْنِهَا، وَالْمُسْكِرُ مِنْ كُلِّ شَرَابٍ» وَلَنَا مَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: صلى الله عليه وسلم «كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ، وَكُلُّ خَمْرٍ حَرَامٌ» وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ، فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ» رَوَاهُمَا أَبُو دَاوُد، وَالْأَثْرَمُ، وَغَيْرُهُمَا وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ. قَالَ: وَمَا أَسْكَرَ مِنْهُ الْفَرْقُ، فَمِلْءُ الْكَفِّ مِنْهُ حَرَامٌ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَغَيْرُهُ وَقَالَ عُمَرُ رضي الله عنه نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ، وَهِيَ