الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سَبَبًا يَدْفَعُهُ. وَقَالَ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ: لَا يَجِبُ فِيهِ أَكْثَرُ مِنْ مِثْلِهِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ الْفُقَهَاءِ قَالَ بِوُجُوبِ غَرَامَةِ مِثْلَيْهِ. وَاعْتَذَرَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ عَنْ هَذَا الْخَبَرِ، بِأَنَّهُ كَانَ حِينَ كَانَتْ الْعُقُوبَةُ فِي الْأَمْوَالِ، ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ.
وَلَنَا قَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ حُجَّةٌ لَا تَجُوزُ مُخَالَفَتُهُ، إلَّا بِمُعَارَضَةِ مِثْلِهِ أَوْ أَقْوَى مِنْهُ، وَهَذَا الَّذِي اعْتَذَرَ بِهِ هَذَا الْقَائِلُ دَعْوَى لِلْفَسْخِ بِالِاحْتِمَالِ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ عَلَيْهِ، وَهُوَ فَاسِدٌ بِالْإِجْمَاعِ، ثُمَّ هُوَ فَاسِدٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ؛ لِقَوْلِهِ:" وَمَنْ سَرَقَ مِنْهُ شَيْئًا بَعْدَ أَنْ يُؤْوِيَهُ الْجَرِينُ، فَبَلَغَ ثَمَنَ الْمِجَنِّ، فَعَلَيْهِ الْقَطْعُ ". فَقَدْ بَيَّنَ وُجُوبَ الْقَطْعِ مَعَ إيجَابِ غَرَامَةِ مِثْلَيْهِ، وَهَذَا يُبْطِلُ مَا قَالَهُ. وَقَدْ احْتَجَّ أَحْمَدُ بِأَنَّ عُمَرَ أَغْرَمَ حَاطِبَ بْنَ أَبِي بَلْتَعَةَ حِينَ انْتَحَرَ غِلْمَانُهُ نَاقَةَ رَجُلٍ مِنْ مُزَيْنَةَ، مِثْلَيْ قِيمَتِهَا. وَرَوَى الْأَثْرَمُ الْحَدِيثَيْنِ فِي " سُنَنِهِ "، قَالَ أَصْحَابُنَا: وَفِي الْمَاشِيَةِ تُسْرَقُ مِنْ الْمَرْعَى، مِنْ غَيْرِ أَنْ تَكُونَ مُحْرَزَةً، مِثْلَا قِيمَتِهَا؛ لِلْحَدِيثِ، وَهُوَ مَا جَاءَ فِي سِيَاقِ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، «أَنَّ السَّائِلَ قَالَ: الشَّاةُ الْحَرِيسَةُ مِنْهُنَّ يَا نَبِيَّ اللَّهِ؟ قَالَ: ثَمَنُهَا وَمِثْلُهُ مَعَهُ، وَالْفِكَاكُ، وَمَا كَانَ فِي الْمُرَاحِ، فَفِيهِ الْقَطْعُ إذَا كَانَ مَا يَأْخُذُهُ مِنْ ذَلِكَ ثَمَنَ الْمِجَنِّ» . وَهَذَا لَفْظُ رِوَايَةِ ابْنِ مَاجَهْ. وَمَا عَدَا هَذَيْنِ لَا يُغْرَمُ بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ، أَوْ مِثْلِهِ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا. هَذَا قَوْلُ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ، إلَّا أَبَا بَكْرٍ. فَإِنَّهُ ذَهَبَ إلَى إيجَابِ غَرَامَةِ الْمَسْرُوقِ مِنْ غَيْرِ حِرْزٍ بِمِثْلَيْهِ، قِيَاسًا عَلَى الثَّمَرِ الْمُعَلَّقِ وَحَرِيسَةِ الْجَبَلِ، وَاسْتِدْلَالًا بِحَدِيثِ حَاطِبٍ.
وَلَنَا أَنَّ الْأَصْلَ وُجُوبُ غَرَامَةِ الْمِثْلِيِّ بِمِثْلِهِ، وَالْمُتَقَوَّمِ بِقِيمَتِهِ بِدَلِيلِ الْمُتْلَفِ وَالْمَغْصُوبِ، وَالْمُنْتَهَبِ وَالْمُخْتَلَسِ، وَسَائِرِ مَا تَجِبُ غَرَامَتُهُ، خُولِفَ فِي هَذَيْنِ الْمَوْضِعَيْنِ لِلْأَثَرِ، فَفِيمَا عَدَاهُ يَبْقَى عَلَى الْأَصْلِ.
[مَسْأَلَةٌ ابْتِدَاءُ قَطْعِ السَّارِقِ]
(7276)
مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَابْتِدَاءُ قَطْعِ السَّارِقِ، أَنْ تُقْطَعَ يَدُهُ الْيُمْنَى مِنْ مَفْصِلِ الْكَفِّ، وَيُحْسَمَ، فَإِنْ عَادَ قُطِعَتْ رِجْلُهُ الْيُسْرَى مِنْ مَفْصِلِ الْكَعْبِ، وَحُسِمَتْ)
لَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي أَنَّ السَّارِقَ أَوَّلُ مَا يُقْطَعُ مِنْهُ، يَدُهُ الْيُمْنَى، مِنْ مَفْصِلِ الْكَفِّ، وَهُوَ الْكُوعُ. وَفِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ:" فَاقْطَعُوا أَيْمَانَهُمَا ". وَهَذَا إنْ كَانَ قِرَاءَةً وَإِلَّا فَهُوَ تَفْسِيرٌ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَعُمَرَ رضي الله عنهما، أَنَّهُمَا قَالَا: إذَا سَرَقَ السَّارِقُ، فَاقْطَعُوا يَمِينَهُ مِنْ الْكُوعِ. وَلَا مُخَالِفَ لَهُمَا فِي الصَّحَابَةِ؛ وَلِأَنَّ الْبَطْشَ بِهَا أَقْوَى، فَكَانَتْ الْبِدَايَةُ بِهَا أَرْدَعَ؛ وَلِأَنَّهَا آلَةُ السَّرِقَةِ، فَنَاسَبَ عُقُوبَتَهُ بِإِعْدَامِ آلَتِهَا.
وَإِذَا سَرَقَ ثَانِيًا، قُطِعَتْ رِجْلُهُ الْيُسْرَى. وَبِذَلِكَ قَالَ الْجَمَاعَةُ إلَّا عَطَاءً، حُكِيَ عَنْهُ أَنَّهُ تُقْطَعُ يَدُهُ الْيُسْرَى؛ لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ:{فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] . وَلِأَنَّهَا آلَةُ السَّرِقَةِ وَالْبَطْشِ، فَكَانَتْ الْعُقُوبَةُ بِقَطْعِهَا أَوْلَى. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ رَبِيعَةَ، وَدَاوُد. وَهَذَا شُذُوذٌ، يُخَالِفُ قَوْلَ جَمَاعَةِ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ مِنْ أَهْلِ الْفِقْهِ وَالْأَثَرِ، مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَمَنْ بَعْدَهُمْ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رضي الله عنهما، وَقَدْ رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ، عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ فِي السَّارِقِ «إذَا سَرَقَ فَاقْطَعُوا يَدَهُ، ثُمَّ إنْ سَرَقَ فَاقْطَعُوا رِجْلَهُ» . وَلِأَنَّهُ فِي الْمُحَارَبَةِ الْمُوجِبَةِ قَطْعَ عُضْوَيْنِ، إنَّمَا تُقْطَعُ يَدُهُ وَرِجْلُهُ، وَلَا تُقْطَعُ يَدَاهُ، فَنَقُولُ: جِنَايَةٌ أَوْجَبَتْ قَطْعَ عُضْوَيْنِ، فَكَانَا رِجْلًا وَيَدًا، كَالْمُحَارَبَةِ؛ وَلِأَنَّ قَطْعَ يَدَيْهِ يُفَوِّتُ مَنْفَعَةَ الْجِنْسِ، فَلَا تَبْقَى لَهُ يَدٌ يَأْكُلُ بِهَا، وَلَا يَتَوَضَّأُ، وَلَا يَسْتَطِيبُ، وَلَا يَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهِ، فَيَصِيرُ كَالْهَالِكِ، فَكَانَ قَطْعُ الرِّجْلِ الَّذِي لَا يَشْتَمِلُ عَلَى هَذِهِ الْمَفْسَدَةِ أَوْلَى.
وَأَمَّا الْآيَةُ: فَالْمُرَادُ بِهَا قَطْعُ يَدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا تُقْطَعُ الْيَدَانِ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى. وَفِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ: (فَاقْطَعُوا أَيْمَانَهُمَا) . وَإِنَّمَا ذُكِرَ بِلَفْظِ الْجَمْعِ، لِأَنَّ الْمُثَنَّى إذَا أُضِيفَ إلَى الْمُثَنَّى ذُكِرَ بِلَفْظِ الْجَمْعِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى:{فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم: 4] . إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّهُ تُقْطَعُ رِجْلُهُ الْيُسْرَى؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:{أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ} [المائدة: 33] . وَلِأَنَّ قَطْعَ الْيُسْرَى أَرْفَقُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ الْمَشْيُ عَلَى خَشَبَةٍ، وَلَوْ قُطِعَتْ رِجْلُهُ الْيُمْنَى لَمْ يُمْكِنْهُ الْمَشْيُ بِحَالٍ. وَتُقْطَعُ الرِّجْلُ مِنْ مَفْصِلِ الْكَعْبِ فِي قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَفَعَلَ ذَلِكَ عُمَرُ رضي الله عنه.
وَكَانَ عَلِيٌّ رضي الله عنه يَقْطَعُ مِنْ نِصْفِ الْقَدَمِ مِنْ مَعْقِدِ الشِّرَاكِ، وَيَدَعُ لَهُ عَقِبًا يَمْشِي عَلَيْهَا. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ. وَلَنَا أَنَّهُ أَحَدُ الْعُضْوَيْنِ الْمَقْطُوعَيْنِ فِي السَّرِقَةِ، فَيُقْطَعُ مِنْ الْمَفْصِلِ كَالْيَدِ. وَإِذَا قُطِعَ حُسِمَ، وَهُوَ أَنْ يُغْلَى الزَّيْتُ، فَإِذَا قُطِعَ غُمِسَ عُضْوُهُ فِي الزَّيْتِ؛ لِتَنْسَدَّ أَفْوَاهُ الْعُرُوقِ؛ لِئَلَّا يَنْزِفَ الدَّمَ فَيَمُوتَ. وَقَدْ رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أُتِيَ بِسَارِقٍ سَرَقَ شَمْلَةً، فَقَالَ اقْطَعُوهُ وَاحْسِمُوهُ» . وَهُوَ حَدِيثٌ