الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إحْدَاهُمَا، يَجِبُ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً، فَيَدْخُلُ فِي عُمُومِ قَوْله تَعَالَى:{وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: 92] .
وَالثَّانِيَةُ، لَا دِيَةَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ قُتِلَ فِي دَارِ الْحَرْبِ بِرَمْيٍ مُبَاحٍ، فَيَدْخُلُ فِي عُمُومِ قَوْله تَعَالَى:{فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] . وَلَمْ يَذْكُرْ دِيَةً. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا دِيَةَ لَهُ، وَلَا كَفَّارَةَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ رَمْيٌ أُبِيحَ مَعَ الْعِلْمِ بِحَقِيقَةِ الْحَالِ، فَلَمْ يُوجِبْ شَيْئًا، كَرَمْيِ مَنْ أُبِيحَ دَمُهُ.
وَلَنَا، الْآيَةُ الْمَذْكُورَةُ، وَأَنَّهُ قَتَلَ مَعْصُومًا بِالْإِيمَانِ، وَالْقَاتِلُ مِنْ أَهْلِ الضَّمَانِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ لَمْ يَتَتَرَّسْ بِهِ.
[مَسْأَلَة تَغْرِيقَ النَّحْلِ وَتَحْرِيقَهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ]
(7580)
مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: وَلَا يُغَرِّقُوا النَّحْلَ وَجُمْلَتُهُ أَنَّ تَغْرِيقَ النَّحْلِ وَتَحْرِيقَهُ لَا يَجُوزُ، فِي قَوْلِ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ؛ مِنْهُمْ الْأَوْزَاعِيُّ، وَاللَّيْثُ، وَالشَّافِعِيُّ. وَقِيلَ لِمَالِكٍ: أَنُحَرِّقُ بُيُوتَ نَحْلِهِمْ؟ قَالَ: أَمَّا النَّحْلُ فَلَا أَدْرِي مَا هُوَ؟ وَمُقْتَضَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ إبَاحَتُهُ؛ لِأَنَّ فِيهِ غَيْظًا لَهُمْ وَإِضْعَافًا، فَأَشْبَهَ قَتْلَ بَهَائِمِهِمْ حَالَ قِتَالِهِمْ.
وَلَنَا، مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ لِيَزِيدَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، وَهُوَ يُوصِيهِ، حِينَ بَعَثَهُ أَمِيرًا عَلَى الْقِتَالِ بِالشَّامِ: وَلَا تُحَرِّقْنَ نَحْلًا، وَلَا تُغْرِقَنَّهُ. وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّهُ قَدِمَ عَلَيْهِ ابْنُ أَخِيهِ مِنْ غَزَاةٍ غَزَاهَا، فَقَالَ: لَعَلَّك حَرَّقْت حَرْثًا؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: لَعَلَّك غَرَّقْت نَحْلًا؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: لَعَلَّك قَتَلْت صَبِيًّا؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: لِيَكُنْ غَزْوُك كَفَافًا. أَخْرَجَهُمَا سَعِيدٌ. وَنَحْوُ ذَلِكَ عَنْ ثَوْبَانَ.
وَقَدْ ثَبَتَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ قَتْلِ النَّحْلَةِ، وَنَهَى أَنْ يُقْتَلَ شَيْءٌ مِنْ الدَّوَابِّ صَبْرًا» . وَلِأَنَّهُ إفْسَادٌ، فَيَدْخُلُ فِي عُمُومِ قَوْله تَعَالَى:{وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ} [البقرة: 205] . وَلِأَنَّهُ حَيَوَانٌ ذُو رُوحٍ، فَلَمْ يَجُزْ قَتْلُهُ لِغَيْظِ الْمُشْرِكِينَ، كَنِسَائِهِمْ وَصِبْيَانِهِمْ. وَأَمَّا أَخْذُ الْعَسَلِ وَأَكْلُهُ فَمُبَاحٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الطَّعَامِ الْمُبَاحِ.
[مَسْأَلَة لَا يَعْقِرُ شَاةً وَلَا دَابَّةً فِي دَارِ الْحَرْب]
(7581)
مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: وَلَا يَعْقِرُ شَاةً، وَلَا دَابَّةً، إلَّا لِأَكْلٍ لَا بُدَّ لَهُمْ مِنْهُ أَمَّا عَقْرُ دَوَابِّهِمْ فِي غَيْرِ حَالِ الْحَرْبِ، لِمُغَايَظَتِهِمْ، وَالْإِفْسَادِ عَلَيْهِمْ، فَلَا يَجُوزُ، سَوَاءٌ خِفْنَا أَخْذَهُمْ لَهَا أَوْ لَمْ نَخَفْ. وَبِهَذَا قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ، وَاللَّيْثُ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ: يَجُوزُ؛ لِأَنَّ فِيهِ غَيْظًا لَهُمْ، وَإِضْعَافًا لِقُوَّتِهِمْ، فَأَشْبَهَ قَتْلَهَا حَالَ قِتَالِهِمْ. وَلَنَا، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رضي الله عنه قَالَ فِي وَصِيَّتِهِ لِيَزِيدَ حِينَ بَعَثَهُ أَمِيرًا: يَا يَزِيدُ، لَا تَقْتُلْ صَبِيًّا، وَلَا امْرَأَةً، وَلَا هَرِمًا، وَلَا تُخَرِّبَنَّ عَامِرًا، وَلَا تَعْقِرَنَّ شَجَرًا مُثْمِرًا، وَلَا دَابَّةً عَجْمَاءَ، وَلَا شَاةً، إلَّا لِمَأْكَلَةٍ، وَلَا تُحَرِّقَنَّ
نَحْلًا، وَلَا تُغْرِقَنَّهُ، وَلَا تَغْلُلْ، وَلَا تَجْبُنْ. وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم «نَهَى عَنْ قَتْلِ شَيْءٍ مِنْ الدَّوَابِّ صَبْرًا» . وَلِأَنَّهُ حَيَوَانٌ ذُو حُرْمَةٍ، فَأَشْبَهَ النِّسَاءَ وَالصِّبْيَانَ.
وَأَمَّا حَالُ الْحَرْبِ. فَيَجُوزُ فِيهَا قَتْلُ الْمُشْرِكِينَ كَيْفَ أَمْكَنَ، بِخِلَافِ حَالِهِمْ إذَا قُدِرَ عَلَيْهِمْ، وَلِهَذَا جَازَ قَتْلُ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ فِي الْبَيَاتِ، وَفِي الْمَطْمُورَةِ، إذَا لَمْ يَتَعَمَّدْ قَتْلَهُمْ مُنْفَرِدِينَ، بِخِلَافِ حَالَةِ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِمْ، وَقَتْلِ بَهَائِمِهِمْ يَتَوَصَّلُ بِهِ إلَى قَتْلِهِمْ وَهَزِيمَتِهِمْ. وَقَدْ ذَكَرْنَا حَدِيثَ الْمَدَدِيِّ الَّذِي عَقَرَ بِالرُّومِيِّ فَرَسَهُ.
وَرُوِيَ أَنَّ حَنْظَلَةَ بْنَ الرَّاهِبِ، عَقَرَ فَرَسَ أَبِي سُفْيَانَ بِهِ يَوْمَ أُحُدٍ، فَرَمَتْ بِهِ، فَخَلَّصَهُ ابْنُ شَعُوبٍ وَلَيْسَ فِي هَذَا خِلَافٌ.
(7582)
فَصْلٌ: فَأَمَّا عَقْرُهَا لِلْأَكْلِ، فَإِنْ كَانَتْ الْحَاجَةُ دَاعِيَةً إلَيْهِ، وَلَا بُدَّ مِنْهُ، فَمُبَاحٌ، بِغَيْرِ خِلَافٍ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ تُبِيحُ مَالَ الْمَعْصُومِ، فَمَالُ الْكَافِرِ أَوْلَى. وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الْحَاجَةُ دَاعِيَةً إلَيْهِ نَظَرْنَا؛ فَإِنْ كَانَ الْحَيَوَانُ لَا يُرَادُ إلَّا لِلْأَكْلِ، كَالدَّجَاجِ وَالْحَمَامِ وَسَائِرِ الطَّيْرِ وَالصَّيْدِ، فَحُكْمُهُ حُكْمُ الطَّعَامِ. فِي قَوْلِ الْجَمِيعِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُرَادُ لِغَيْرِ الْأَكْلِ، وَتَقِلُّ قِيمَتُهُ، فَأَشْبَهَ الطَّعَامَ.
وَإِنْ كَانَ مِمَّا يُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الْقِتَالِ، كَالْخَيْلِ، لَمْ يُبَحْ ذَبْحُهُ لِلْأَكْلِ، فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا. وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ، كَالْغَنَمِ وَالْبَقَرِ، لَمْ يُبَحْ فِي قَوْلِ الْخِرَقِيِّ. وَقَالَ الْقَاضِي: ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ إبَاحَتُهُ؛ لِأَنَّ هَذَا الْحَيَوَانَ مِثْلُ الطَّعَامِ فِي بَابِ الْأَكْلِ وَالْقُوتِ، فَكَانَ مِثْلَهُ فِي إبَاحَتِهِ. وَإِذَا ذَبَحَ الْحَيَوَانَ، أَكَلَ لَحْمَهُ، وَلَيْسَ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِجِلْدِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أُبِيحَ لَهُ مَا يَأْكُلُهُ دُونَ غَيْرِهِ. قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ: كُلُوا لَحْمَ الشَّاةِ، وَرُدُّوا إهَابَهَا إلَى الْمَغْنَمِ. وَلِأَنَّ هَذَا حَيَوَانٌ مَأْكُولٌ، فَأُبِيحَ أَكْلُهُ، كَالطَّيْرِ.
وَوَجْهُ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ، مَا رَوَى سَعِيدٌ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ «ثَعْلَبَةَ بْنِ الْحَكَمِ، قَالَ: أَصَبْنَا غَنَمًا لِلْعَدُوِّ، فَانْتَهَبْنَا، فَنَصَبْنَا قُدُورَنَا، فَمَرَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالْقُدُورِ وَهِيَ تَغْلِي، فَأَمَرَ بِهَا فَأُكْفِئَتْ، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: إنَّ النُّهْبَةَ لَا تَحِلُّ» . وَلِأَنَّ هَذِهِ الْحَيَوَانَاتِ تَكْثُرُ قِيمَتُهَا، وَتَشِحُّ أَنْفُسُ الْغَانِمِينَ بِهَا، وَيُمْكِنُ حَمْلُهَا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ، بِخِلَافِ الطَّيْرِ وَالطَّعَامِ، لَكِنْ إنْ أَذِنَ الْأَمِيرُ فِيهَا جَازَ؛ لِمَا رَوَى عَطِيَّةُ بْنُ قَيْسٍ، قَالَ: كُنَّا إذَا خَرَجْنَا فِي سَرِيَّةٍ، فَأَصَبْنَا غَنَمًا، نَادَى مُنَادِي الْإِمَامِ: أَلَا مَنْ أَرَادَ أَنْ يَتَنَاوَلَ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْغَنَمِ فَلْيَتَنَاوَلْ، إنَّا لَا نَسْتَطِيعُ سِيَاقَتَهَا. رَوَاهُ سَعِيدٌ.
وَكَذَلِكَ إنْ قَسَمَهَا؛ لِمَا رَوَى مُعَاذٌ، قَالَ:«غَزَوْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم خَيْبَرَ، فَأَصَبْنَا غَنَمًا، فَقَسَمَ بَيْنَنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم طَائِفَةً، وَجَعَلَ بَقِيَّتَهَا فِي الْمَغْنَمِ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.