الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَنَا أَنَّهُ حَيَوَانٌ يَعِيشُ فِي الْبَرِّ، لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ، فَلَمْ يُبَحْ بِغَيْرِ ذَبْحٍ، كَالطَّيْرِ، وَلَا خِلَافَ فِي الطَّيْرِ فِيمَا عَلِمْنَاهُ، وَالْأَخْبَارُ مَحْمُولَةٌ عَلَى مَا لَا يَعِيشُ إلَّا فِي الْبَحْرِ، كَالسَّمَكِ وَشِبْهِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَمَكَّنُ مِنْ تَذْكِيَتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُذْبَحُ إلَّا بَعْدَ إخْرَاجِهِ مِنْ الْمَاءِ، وَإِذَا خَرَجَ مَاتَ.
[فَصْلٌ حُكْمُ أَكْلِ مَا لَا يَعِيشُ إلَّا فِي الْمَاءِ]
(7828)
فَصْلٌ: فَأَمَّا مَا لَا يَعِيشُ إلَّا فِي الْمَاءِ، كَالسَّمَكِ وَشِبْهِهِ، فَإِنَّهُ يُبَاحُ بِغَيْرِ ذَكَاةٍ. لَا نَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا؛ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَخْبَارِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:«أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ، أَمَّا الْمَيْتَتَانِ فَالسَّمَكُ وَالْجَرَادُ» . وَقَدْ صَحَّ أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ وَأَصْحَابَهُ وَجَدُوا عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ دَابَّةً، يُقَالُ لَهَا الْعَنْبَرُ، مَيِّتَةً، فَأَكَلُوا مِنْهَا شَهْرًا حَتَّى سَمِنُوا، وَادَّهَنُوا، فَلَمَّا قَدِمُوا عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَخْبَرُوهُ، فَقَالَ:«هُوَ رِزْقٌ أَخْرَجَهُ اللَّهُ لَكُمْ، فَهَلْ مَعَكُمْ مِنْ لَحْمِهِ شَيْءٌ تُطْعِمُونَا» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(7829)
فَصْلٌ: وَكُلُّ صَيْدِ الْبَحْرِ مُبَاحٌ، إلَّا الضُّفْدَعَ. وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: لَوْ أَكَلَ أَهْلِي الضَّفَادِعَ لَأَطْعَمْتُهُمْ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: فِي كُلِّ مَا فِي الْبَحْرِ قَدْ ذَكَّاهُ اللَّهُ لَكُمْ. وَعُمُومُ قَوْله تَعَالَى {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ} [المائدة: 96] . يَدُلُّ عَلَى إبَاحَةِ جَمِيعِ صَيْدِهِ.
وَرَوَى عَطَاءٌ وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ أَنَّهُمَا بَلَغَهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «إنَّ اللَّهَ ذَبَحَ كُلَّ شَيْءٍ فِي الْبَحْرِ لِابْنِ آدَمَ» . فَأَمَّا الضُّفْدَعُ: فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ قَتْلِهِ. رَوَاهُ النَّسَائِيّ. فَيَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى تَحْرِيمِهِ، فَأَمَّا التِّمْسَاحُ: فَقَدْ نُقِلَ عَنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُؤْكَلُ.
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: لَا بَأْسَ بِهِ لِمَنْ اشْتَهَاهُ. وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: لَا يُؤْكَلُ التِّمْسَاحُ وَلَا الْكَوْسَجُ؛ لِأَنَّهُمَا يَأْكُلَانِ النَّاسَ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَغَيْرِهِ: أَنَّهُ قَالَ: كَانُوا يَكْرَهُونَ سِبَاعَ الْبَحْرِ، كَمَا يَكْرَهُونَ سِبَاعَ الْبَرِّ.
وَذَلِكَ لِنَهْيِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَنْ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ. وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ النَّجَّادُ: مَا حَرُمَ نَظِيرُهُ فِي الْبَرِّ، فَهُوَ حَرَامٌ فِي الْبَحْرِ، كَكَلْبِ الْمَاءِ وَخِنْزِيرِهِ وَإِنْسَانِهِ. وَهُوَ قَوْلُ اللَّيْثِ، إلَّا فِي كَلْبِ الْمَاءِ، فَإِنَّهُ يَرَى إبَاحَةَ كَلْبِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يُبَاحُ إلَّا السَّمَكُ. قَالَ مَالِكٌ: كُلُّ مَا فِي الْبَحْرِ مُبَاحٌ؛ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ} [المائدة: 96]
[فَصْلٌ حُكْمُ أَكْلِ كَلْبِ الْمَاءِ]
(7830)
فَصْلٌ: وَكَلْبُ الْمَاءِ مُبَاحٌ، وَرَكِبَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ رضي الله عنه سَرْجًا عَلَيْهِ جِلْدٌ مِنْ جُلُودِ كِلَابِ الْمَاءِ. وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَاللَّيْثِ. وَيَقْتَضِيهِ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ. وَلَا يُبَاحُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيٍّ النَّجَّادِ، وَبَعْضِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ.