الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْمَرْأَةَ، اسْتَمْتَعَ بِهَا فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ، فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ؛ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنِّي لَقِيت امْرَأَةً، فَأَصَبْت مِنْهَا كُلَّ شَيْءٍ إلَّا الْجِمَاعَ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى:{أَقِمِ الصَّلاةَ} [الإسراء: 78] الْآيَةُ. فَقَالَ الرَّجُلُ: أَلِيَ هَذِهِ الْآيَةُ؟ فَقَالَ: لِمَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ أُمَّتِي» . رَوَاهُ النَّسَائِيّ. وَلَوْ وُجِدَ رَجُلٌ مَعَ امْرَأَة، يُقَبِّلُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ، وَلَمْ يُعْلَمْ هَلْ وَطِئَهَا أَوْ لَا، فَلَا حَدَّ عَلَيْهِمَا، فَإِنْ قَالَا: نَحْنُ زَوْجَانِ، وَاتَّفَقَا عَلَى ذَلِكَ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُمَا. وَبِهِ قَالَ الْحَكَمُ، وَحَمَّادٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَإِنْ شُهِدَ عَلَيْهِمَا بِالزِّنَى، فَقَالَا: نَحْنُ زَوْجَانِ. فَعَلَيْهِمَا الْحَدُّ إنْ لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ بِالنِّكَاحِ. وَبِهِ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ بِالزِّنَى تَنْفِي كَوْنَهُمَا زَوْجَيْنِ، فَلَا تَبْطُلُ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِمَا.
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَسْقُطَ الْحَدُّ إذَا لَمْ يُعْلَمْ كَوْنُهَا أَجْنَبِيَّةً مِنْهُ؛ لِأَنَّ مَا ادَّعَيَاهُ مُحْتَمَلٌ، فَيَكُونُ ذَلِكَ شُبْهَةً، كَمَا لَوْ شُهِدَ عَلَيْهِ بِالسَّرِقَةِ، فَادَّعَى أَنَّ الْمَسْرُوقَ مِلْكُهُ.
[مَسْأَلَةٌ قَالَ أَتَيَانِ الْبَهِيمَة]
(7170)
مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَمَنْ أَتَى بَهِيمَةً أُدِّبَ، وَأُحْسِنَ أَدَبُهُ، وَقُتِلَتْ الْبَهِيمَةُ) اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ أَحْمَدَ، فِي الَّذِي يَأْتِي الْبَهِيمَةَ، فَرُوِيَ عَنْهُ، أَنَّهُ يُعَزَّرُ، وَلَا حَدَّ عَلَيْهِ. رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَطَاءٍ، وَالشَّعْبِيِّ، وَالنَّخَعِيِّ وَالْحَكَمِ، وَمَالِكٍ، وَالثَّوْرِيِّ وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ، وَإِسْحَاقَ، وَهُوَ قَوْلٌ لِلشَّافِعِيِّ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ، حُكْمُهُ حُكْمُ اللَّائِطِ سَوَاءً. وَقَالَ الْحَسَنُ: حَدُّهُ حَدُّ الزَّانِي. وَعَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: يُقْتَلُ هُوَ وَالْبَهِيمَةُ؛ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَتَى بَهِيمَةً، فَاقْتُلُوهُ، وَاقْتُلُوهَا مَعَهُ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى، أَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ فِيهِ نَصٌّ، وَلَا يُمْكِنُ قِيَاسُهُ عَلَى الْوَطْءِ فِي فَرْجِ الْآدَمِيِّ؛ لِأَنَّهُ لَا حُرْمَهُ لَهَا، وَلَيْسَ بِمَقْصُودٍ يَحْتَاجُ فِي الزَّجْرِ عَنْهُ إلَى الْحَدِّ، فَإِنَّ النُّفُوسَ تَعَافُهُ، وَعَامَّتُهَا تَنْفِرُ مِنْهُ، فَبَقِيَ عَلَى الْأَصْلِ فِي انْتِفَاءِ الْحَدِّ وَالْحَدِيثُ يَرْوِيهِ عَمْرُو بْنُ أَبِي عَمْرٍو، وَلَمْ يُثْبِتْهُ أَحْمَدُ. وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ: هُوَ ضَعِيفٌ. وَمَذْهَبُ ابْنِ عَبَّاسٍ خِلَافُهُ، وَهُوَ الَّذِي رُوِيَ عَنْهُ. قَالَ أَبُو دَاوُد: هَذَا يُضْعِفُ الْحَدِيثَ عَنْهُ، قَالَ إسْمَاعِيلُ بْنُ سَعِيدٍ: سَأَلْتُ أَحْمَدَ عَنْ الرَّجُلِ يَأْتِي الْبَهِيمَةَ، فَوَقَفَ عِنْدَهَا، وَلَمْ يُثْبِتْ حَدِيثَ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو فِي ذَلِكَ. وَلِأَنَّ الْحَدَّ يُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ بِحَدِيثٍ فِيهِ هَذِهِ الشُّبْهَةُ وَالضَّعْفُ. وَقَوْلُ الْخِرَقِيِّ: أُدِّبَ، وَأُحْسِنَ أَدَبُهُ. يَعْنِي يُعَزَّرُ، وَيُبَالَغُ فِي تَعْزِيرِهِ؛ لِأَنَّهُ وَطْءٌ فِي فَرْجٍ مُحَرَّمٍ، لَا شُبْهَةَ لَهُ فِيهِ، لَمْ يُوجِبْ الْحَدَّ، فَأَوْجَبَ التَّعْزِيرَ، كَوَطْءِ الْمَيِّتَةِ.
[فَصْلٌ قَتَلَ الْبَهِيمَة الَّتِي أَتَاهَا رَجُل]
(7171)
فَصْلٌ: وَيَجِبُ قَتْلُ الْبَهِيمَةِ. وَهَذَا قَوْلُ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَأَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ. وَسَوَاءٌ كَانَتْ مَمْلُوكَةً
لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ، مَأْكُولَةً أَوْ غَيْرَ مَأْكُولَةٍ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: الِاخْتِيَارُ قَتْلُهَا، وَإِنْ تُرِكَتْ فَلَا بَأْسَ. وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ إنْ كَانَتْ مَأْكُولَةً ذُبِحَتْ، وَإِلَّا لَمْ تُقْتَلْ. وَهَذَا قَوْلٌ ثَانٍ لِلشَّافِعِيِّ؛ «لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ ذَبْحِ الْحَيَوَانِ لِغَيْرِ مَأْكَلَةٍ» .
وَلَنَا، قَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:«مَنْ أَتَى بَهِيمَةً، فَاقْتُلُوهُ، وَاقْتُلُوا الْبَهِيمَةَ» وَلَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَ كَوْنِهَا مَأْكُولَةً أَوْ غَيْرَ مَأْكُولَةٍ، وَلَا بَيْنَ مِلْكِهِ وَمِلْكِ غَيْرِهِ. فَإِنْ قِيلَ: الْحَدِيثُ ضَعِيفٌ، وَلَمْ يَعْمَلُوا بِهِ فِي قَتْلِ الْفَاعِلِ الْجَانِي، فَفِي حَقِّ حَيَوَانٍ لَا جِنَايَةَ مِنْهُ أَوْلَى. قُلْنَا: إنَّمَا يُعْمَلْ بِهِ فِي قَتْلِ الْفَاعِلِ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، لِوَجْهَيْنِ؛ أَحَدُهُمَا، أَنَّهُ حَدٌّ، وَالْحُدُودُ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ، وَهَذَا إتْلَافُ مَالٍ، فَلَا تُؤَثِّرُ الشُّبْهَةُ فِيهِ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ إتْلَافُ آدَمِيٍّ، وَهُوَ أَعْظَمُ الْمَخْلُوقَاتِ حُرْمَةً، فَلَمْ يَجُزْ التَّهَجُّمُ عَلَى إتْلَافِهِ إلَّا بِدَلِيلٍ فِي غَايَةِ الْقُوَّةِ، وَلَا يَلْزَمُ مِثْلُ هَذَا فِي إتْلَافِ مَالٍ، وَلَا حَيَوَانٍ سِوَاهُ. إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّ الْحَيَوَانَ إنْ كَانَ لِلْفَاعِلِ، ذَهَبَ هَدَرًا، وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِهِ، فَعَلَى الْفَاعِلِ غَرَامَتُهُ؛ لِأَنَّهُ سَبَبُ إتْلَافِهِ، فَيَضْمَنُهُ، كَمَا لَوْ نَصَبَ لَهُ شَبَكَةً فَتَلِفَ بِهَا. ثُمَّ إنْ كَانَتْ مَأْكُولَةً، فَهَلْ يُبَاحُ أَكْلُهَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَلِلشَّافِعِيِّ أَيْضًا فِي ذَلِكَ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا، يَحِلُّ أَكْلُهَا؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:{أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ} [المائدة: 1] . وَلِأَنَّهُ حَيَوَانٌ مِنْ جِنْسٍ يَجُوزُ أَكْلُهُ، ذَبَحَهُ مَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ الذَّكَاةِ، فَحَلَّ أَكْلُهُ، كَمَا لَوْ لَمْ يُفْعَلْ بِهِ هَذَا الْفِعْلُ، وَلَكِنْ يُكْرَهُ أَكْلُهُ؛ لِشُبْهَةِ التَّحْرِيمِ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَحِلُّ أَكْلُهَا؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قِيلِ لَهُ: مَا شَأْنُ الْبَهِيمَةِ؟ قَالَ: مَا أُرَاهُ قَالَ ذَلِكَ، إلَّا أَنَّهُ كَرِهَ أَكْلَهَا وَقَدْ فُعِلَ بِهَا ذَلِكَ الْفِعْلُ. وَلِأَنَّهُ حَيَوَانٌ يَجِبُ قَتْلُهُ، لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، فَلَمْ يَجُزْ أَكْلُهُ، كَسَائِرِ الْمَقْتُولَاتِ، وَاخْتُلِفَ فِي عِلَّةِ قَتْلِهَا، فَقِيلَ: إنَّمَا قُتِلَتْ لِئَلَّا يُعَيَّرَ فَاعِلُهَا، وَيُذَكَّرَ بِرُؤْيَتِهَا. وَقَدْ رَوَى ابْنُ بَطَّةَ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:«مَنْ وَجَدْتُمُوهُ عَلَى بَهِيمَةٍ فَاقْتُلُوهُ، وَاقْتُلُوا الْبَهِيمَةَ. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا بَالُ الْبَهِيمَةِ؟ قَالَ: لَا يُقَالُ هَذِهِ وَهَذِهِ» . وَقِيلَ: لِئَلَّا تَلِدَ خَلْقًا مُشَوَّهًا. وَقِيلَ: لِئَلَّا تُؤْكَلَ. وَإِلَيْهَا أَشَارَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي تَعْلِيلِهِ. وَلَا يَجِبُ قَتْلُهَا حَتَّى يَثْبُتَ هَذَا الْعَمَلُ بِهَا بِبَيِّنَةٍ، فَأَمَّا إنْ أَقَرَّ الْفَاعِلُ، فَإِنْ كَانَتْ الْبَهِيمَةُ لَهُ، ثَبَتَ بِإِقْرَارِهِ، وَإِنْ كَانَتْ لِغَيْرِهِ، لَمْ يَجُزْ قَتْلُهَا بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى مِلْكِ غَيْرِهِ، فَلَمْ يُقْبَلْ، كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِهَا لِغَيْرِ مَالِكِهَا. وَهَلْ يَثْبُتُ هَذَا بِشَاهِدَيْنِ عَدْلَيْنِ، وَإِقْرَارٍ مَرَّتَيْنِ،