الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
، قُطِعَتْ؛ لِأَنَّ مُعْظَمَ نَفْعِهَا بَاقٍ، وَإِنْ لَمْ يَبْقَ إلَّا وَاحِدَةٌ، فَهِيَ كَاَلَّتِي ذَهَبَ جَمِيعُ أَصَابِعِهَا، وَإِنْ بَقِيَ اثْنَتَانِ، فَهَلْ تُلْحَقُ بِالصَّحِيحَةِ، أَوْ بِمَا قُطِعَ جَمِيعُ أَصَابِعِهَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَالْأَوْلَى قَطْعُهَا؛ لِأَنَّ نَفْعَهَا لَمْ يَذْهَبْ بِالْكُلِّيَّةِ.
[فَصْلٌ سَرَقَ وَلَهُ يُمْنَى]
(7282)
فَصْلٌ: وَمَنْ سَرَقَ وَلَهُ يُمْنَى، فَقُطِعَتْ فِي قِصَاصٍ، أَوْ ذَهَبَتْ بِأَكِلَةٍ، أَوْ تَعَدَّى عَلَيْهِ مُتَعَدٍّ فَقَطَعَهَا، سَقَطَ الْقَطْعُ، وَلَا شَيْءَ عَلَى الْعَادِي إلَّا الْأَدَبُ. وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَقَالَ قَتَادَةُ: يُقْتَصُّ مِنْ الْقَاطِعِ، وَتُقْطَعُ رِجْلُ السَّارِقِ. وَهَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ؛ فَإِنَّ يَدَ السَّارِقِ ذَهَبَتْ، وَالْقَاطِعُ قَطَعَ عُضْوًا غَيْرَ مَعْصُومٍ، وَإِنْ قَطَعَهَا قَاطِعٌ بَعْدَ السَّرِقَةِ، وَقَبْلَ ثُبُوتِ السَّرِقَةِ وَالْحُكْمِ بِالْقَطْعِ، ثُمَّ ثَبَتَ ذَلِكَ، فَكَذَلِكَ، وَلَوْ شُهِدَ بِالسَّرِقَةِ، فَحَبَسَهُ الْحَاكِمُ لِيُعَدِّلَ الشُّهُودَ، فَقَطَعَهُ قَاطِعٌ، ثُمَّ عُدِّلُوا، فَكَذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يُعَدَّلُوا، وَجَبَ الْقِصَاصُ عَلَى الْقَاطِعِ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ.
وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: لَا قِصَاصَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ صِدْقَهُمْ مُحْتَمَلٌ، فَيَكُونُ ذَلِكَ شُبْهَةً. وَلَنَا أَنَّهُ قَطَعَ طَرَفًا مِمَّنْ يُكَافِئُهُ عَمْدًا بِغَيْرِ حَقٍّ، فَلَزِمَهُ الْقَطْعُ، كَمَا لَوْ قَطَعَهُ قَبْلَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ.
[فَصْلٌ سَرَقَ فَقَطَعَ الْجَذَّاذُ يَسَارَهُ بَدَلًا عَنْ يَمِينِهِ]
(7283)
فَصْلٌ: وَإِنْ سَرَقَ فَقَطَعَ الْجَذَّاذُ يَسَارَهُ بَدَلًا عَنْ يَمِينِهِ، أَجْزَأَتْ، وَلَا شَيْءَ عَلَى الْقَاطِعِ إلَّا الْأَدَبُ. وَبِهَذَا قَالَ قَتَادَةُ، وَالشَّعْبِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَذَلِكَ لِأَنَّ قَطْعَ يُمْنَى السَّارِقِ يُفْضِي إلَى تَفْوِيتِ مَنْفَعَةِ الْجِنْسِ، وَقَطْعَ يَدَيْهِ بِسَرِقَةٍ وَاحِدَةٍ، فَلَا يُشْرَعُ، وَإِذَا انْتَفَى قَطْعُ يَمِينِهِ، حَصَلَ قَطْعُ يَسَارِهِ مُجْزِئًا عَنْ الْقَطْعِ الْوَاجِبِ، فَلَا يَجِبُ عَلَى فَاعِلِهِ قِصَاصٌ. وَقَالَ أَصْحَابُنَا: فِي وُجُوبِ قَطْعِ يَمِينِ السَّارِقِ وَجْهَانِ. وَلِلشَّافِعِيِّ فِيمَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ الْقَاطِعُ كَوْنَهَا يَسَارًا، أَوْ ظَنَّ أَنَّ قَطْعَهَا يُجْزِئُ قَوْلَانِ؛ أَحَدُهُمَا: لَا تُقْطَعُ يَمِينُ السَّارِقِ، كَيْ لَا تُقْطَعَ يَدَاهُ بِسَرِقَةٍ وَاحِدَةٍ. وَالثَّانِي: تُقْطَعُ، كَمَا لَوْ قُطِعَتْ يُسْرَاهُ قِصَاصًا. فَأَمَّا الْقَاطِعُ: فَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا وَالشَّافِعِيُّ عَلَى أَنَّهُ إنْ قَطَعَهَا عَنْ غَيْرِ اخْتِيَارٍ مِنْ السَّارِقِ، أَوْ كَانَ السَّارِقُ أَخْرَجَهَا دَهْشَةً أَوْ ظَنًّا مِنْهُ أَنَّهَا تُجْزِئُ، وَقَطَعَهَا الْقَاطِعُ عَالِمًا بِأَنَّهَا يُسْرَاهُ، وَأَنَّهَا لَا تُجْزِئُ، فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهَا يُسْرَاهُ، أَوْ ظَنَّ أَنَّهَا مُجْزِئَةٌ، فَعَلَيْهِ دِيَتُهَا.
وَإِنْ كَانَ السَّارِقُ أَخْرَجَهَا مُخْتَارًا عَالِمًا بِالْأَمْرَيْنِ، فَلَا شَيْءَ عَلَى الْقَاطِعِ؛ لِأَنَّهُ أَذِنَ فِي قَطْعِهَا، فَأَشْبَهَ غَيْرَ السَّارِقِ. وَالْمُخْتَارُ عِنْدَنَا مَا ذَكَرْنَاهُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ -.
[مَسْأَلَةٌ عَادَ السَّارِقُ بَعْدَمَا قُطِعَتْ يَدَاهُ وَرِجْلُهُ]
(7284)
مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (فَإِنْ عَادَ، حُبِسَ، وَلَا يُقْطَعُ غَيْرُ يَدٍ وَرِجْلٍ)
يَعْنِي إذَا عَادَ فَسَرَقَ بَعْدَ قَطْعِ يَدِهِ وَرِجْلِهِ، لَمْ يُقْطَعْ مِنْهُ شَيْءٌ آخَرُ وَحُبِسَ. وَبِهَذَا قَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه وَالْحَسَنُ، وَالشَّعْبِيُّ، وَالنَّخَعِيُّ، وَالزُّهْرِيُّ، وَحَمَّادٌ، وَالثَّوْرِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَعَنْ أَحْمَدَ، أَنَّهُ تُقْطَعُ فِي الثَّالِثَةِ يَدُهُ الْيُسْرَى، وَفِي الرَّابِعَةِ رِجْلُهُ الْيُمْنَى، وَفِي الْخَامِسَةِ يُعَزَّرُ وَيُحْبَسُ.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ رضي الله عنهما، أَنَّهُمَا قَطَعَا يَدَ أَقْطَعِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ. وَهَذَا قَوْلُ قَتَادَةَ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَابْنِ الْمُنْذِرِ. وَرُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ، وَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّهُ تُقْطَعُ يَدُهُ الْيُسْرَى فِي الثَّالِثَةِ، وَالرِّجْلُ الْيُمْنَى فِي الرَّابِعَةِ، وَيُقْتَلُ فِي الْخَامِسَةِ؛ لِأَنَّ جَابِرًا قَالَ:«جِيءَ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِسَارِقٍ، فَقَالَ: اُقْتُلُوهُ. فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّمَا سَرَقَ. فَقَالَ: اقْطَعُوهُ. قَالَ: فَقُطِعَ، ثُمَّ جِيءَ بِهِ الثَّانِيَةَ، فَقَالَ: اُقْتُلُوهُ. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّمَا سَرَقَ. قَالَ: اقْطَعُوهُ فَقُطِعَ، ثُمَّ جِيءَ بِهِ الثَّالِثَةَ، فَقَالَ: اُقْتُلُوهُ. فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّمَا سَرَقَ. قَالَ: اقْطَعُوهُ. قَالَ: ثُمَّ أُتِيَ بِهِ الرَّابِعَةَ، فَقَالَ: اُقْتُلُوهُ. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّمَا سَرَقَ. قَالَ: اقْطَعُوهُ. ثُمَّ أُتِيَ بِهِ الْخَامِسَةَ، قَالَ: اُقْتُلُوهُ. قَالَ: فَانْطَلَقْنَا بِهِ، فَقَتَلْنَاهُ، ثُمَّ اجْتَرَرْنَاهُ فَأَلْقَيْنَاهُ فِي بِئْرٍ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي السَّارِقِ: وَإِنْ سَرَقَ فَاقْطَعُوا يَدَهُ، ثُمَّ إنْ سَرَقَ فَاقْطَعُوا رِجْلَهُ، ثُمَّ إنْ سَرَقَ فَاقْطَعُوا يَدَهُ، ثُمَّ إنْ سَرَقَ فَاقْطَعُوا رِجْلَهُ» . وَلِأَنَّ الْيَسَارَ تُقْطَعُ قَوَدًا، فَجَازَ قَطْعُهَا فِي السَّرِقَةِ، كَالْيُمْنَى؛ وَلِأَنَّهُ فِعْلُ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ رضي الله عنهما
وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «اقْتَدُوا بِاَلَّذِينَ مِنْ بَعْدِي؛ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ» . وَلَنَا مَا رَوَى سَعِيدٌ، حَدَّثَنَا أَبُو مَعْشَرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: حَضَرْت عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، رضي الله عنه أُتِيَ بِرَجُلٍ مَقْطُوعِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ قَدْ سَرَقَ، فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: مَا تَرَوْنَ فِي هَذَا؟ . قَالُوا: اقْطَعْهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. قَالَ قَتَلْتُهُ إذًا، وَمَا عَلَيْهِ الْقَتْلُ، بِأَيِّ شَيْءٍ يَأْكُلُ الطَّعَامَ؟ بِأَيِّ شَيْءٍ يَتَوَضَّأُ لِلصَّلَاةِ؟ بِأَيِّ شَيْءٍ يَغْتَسِلُ مِنْ جَنَابَتِهِ؟ بِأَيِّ شَيْءٍ يَقُومُ عَلَى حَاجَتِهِ؟ فَرَدَّهُ إلَى السِّجْنِ أَيَّامًا، ثُمَّ أَخْرَجَهُ، فَاسْتَشَارَ أَصْحَابَهُ، فَقَالُوا مِثْلَ قَوْلِهِمْ الْأَوَّلِ، وَقَالَ لَهُمْ مِثْلَ مَا قَالَ أَوَّلَ مَرَّةٍ، فَجَلَدَهُ جَلْدًا شَدِيدًا، ثُمَّ أَرْسَلَهُ. وَرُوِيَ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: إنِّي لَأَسْتَحِي مِنْ اللَّهِ أَنْ لَا أَدَعَ لَهُ يَدًا يَبْطِشُ بِهَا، وَلَا رِجْلًا يَمْشِي عَلَيْهَا. وَلِأَنَّ فِي قَطْعِ الْيَدَيْنِ تَفْوِيتَ مَنْفَعَةِ الْجِنْسِ، فَلَمْ يُشْرَعْ فِي حَدٍّ، كَالْقَتْلِ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ جَازَ قَطْعُ الْيَدَيْنِ، لَقُطِعَتْ الْيُسْرَى فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّهَا آلَةُ الْبَطْشِ كَالْيُمْنَى، وَإِنَّمَا لَمْ تُقْطَعْ لِلْمَفْسَدَةِ فِي قَطْعِهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْإِهْلَاكِ،