الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَقَالَ: وَاَللَّهِ لَأَغْزُوَنَّ قُرَيْشًا، وَاَللَّهِ لَأَغْزُوَنَّ قُرَيْشًا، وَاَللَّهِ لَأَغْزُوَنَّ قُرَيْشًا» .
وَلَوْ كَانَ هَذَا مَكْرُوهًا، لَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ. وَلِأَنَّ الْحَلِفَ بِاَللَّهِ تَعْظِيمٌ لَهُ، وَرُبَّمَا ضَمَّ إلَى يَمِينِهِ وَصْفَ اللَّهِ - تَعَالَى - بِتَعْظِيمِهِ وَتَوْحِيدِهِ، فَيَكُونُ مُثَابًا عَلَى ذَلِكَ. وَقَدْ رُوِيَ «أَنَّ رَجُلًا حَلَفَ عَلَى شَيْءٍ، فَقَالَ: وَاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ، مَا فَعَلْت كَذَا. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: أَمَا إنَّهُ قَدْ كَذَبَ، وَلَكِنْ قَدْ غُفِرَ لَهُ بِتَوْحِيدِهِ» . وَأَمَّا الْإِفْرَاطُ فِي الْحَلِفِ، فَإِنَّمَا كُرِهَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكَادُ يَخْلُو مِنْ الْكَذِبِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
فَأَمَّا قَوْلُهُ: {وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ} [البقرة: 224] . فَمَعْنَاهُ لَا تَجْعَلُوا أَيْمَانَكُمْ بِاَللَّهِ مَانِعَةً لَكُمْ مِنْ الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَالْإِصْلَاحِ بَيْنَ النَّاسِ، وَهُوَ أَنْ يَحْلِفَ بِاَللَّهِ أَنْ لَا يَفْعَلَ بِرًّا وَلَا تَقْوَى وَلَا يُصْلِحَ بَيْنَ النَّاسِ، ثُمَّ يَمْتَنِعَ مِنْ فِعْلِهِ، لِيَبَرَّ فِي يَمِينِهِ، وَلَا يَحْنَثَ فِيهَا، فَنُهُوا عَنْ الْمُضِيِّ فِيهَا. قَالَ أَحْمَدُ، وَذَكَرَ حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ بِإِسْنَادِهِ، فِي قَوْله تَعَالَى:{وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ} [البقرة: 224] : الرَّجُلُ يَحْلِفُ أَنْ لَا يَصِلَ قَرَابَتَهُ، وَقَدْ جَعَلَ اللَّهَ لَهُ مَخْرَجًا فِي التَّكْفِيرِ، فَأَمَرَهُ أَنْ لَا يَعْتَلَّ بِاَللَّهِ، فَلِيُكَفِّرْ، وَلْيَبَرَّ.
وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «لَأَنْ يَسْتَلِجَّ أَحَدُكُمْ فِي يَمِينِهِ، آثَمُ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ أَنْ يُؤَدِّيَ الْكَفَّارَةَ الَّتِي فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْهِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «إذَا حَلَفْت عَلَى يَمِينٍ فَرَأَيْت غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا، فَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِك. وَقَالَ: إنِّي وَاَللَّهِ لَا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ، فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا، إلَّا أَتَيْت الَّذِي هُوَ خَيْرٌ، وَتَحَلَّلْتهَا» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا. وَإِنْ كَانَ النَّهْيُ عَادَ إلَى الْيَمِينِ، فَالْمَنْهِيُّ عَنْهُ الْحَلِفُ عَلَى تَرْكِ الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَالْإِصْلَاحِ بَيْنَ النَّاسِ، لَا عَلَى كُلِّ يَمِينٍ، فَلَا حُجَّةَ فِيهَا لَهُمْ إذًا.
[فَصْلٌ وَالْأَيْمَانُ تَنْقَسِمُ خَمْسَةَ أَقْسَامٍ]
(7944)
فَصْلٌ: وَالْأَيْمَانُ تَنْقَسِمُ خَمْسَةَ أَقْسَامٍ؛ أَحَدُهَا، وَاجِبٌ، وَهِيَ الَّتِي يُنْجِي بِهَا إنْسَانًا مَعْصُومًا مِنْ هَلَكَةٍ، كَمَا رُوِيَ عَنْ سُوَيْد بْنِ حَنْظَلَةَ، قَالَ:
خَرَجْنَا نُرِيدُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَمَعَنَا وَائِلُ بْنُ حُجْرٍ، فَأَخَذَهُ عَدُوٌّ لَهُ، فَتَحَرَّجَ الْقَوْمُ أَنْ يَحْلِفُوا، وَحَلَفْت أَنَا أَنَّهُ أَخِي، فَذَكَرْت ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«صَدَقْت، الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ. فَهَذَا وَمِثْلُهُ وَاجِبٌ لِأَنَّ إنْجَاءَ الْمَعْصُومِ وَاجِبٌ، وَقَدْ تَعَيَّنَ فِي الْيَمِينِ، فَيَجِبُ، وَكَذَلِكَ إنْجَاءُ نَفْسِهِ، مِثْلُ أَنْ تَتَوَجَّهَ عَلَيْهِ أَيْمَانُ الْقَسَامَةِ فِي دَعْوَى الْقَتْلِ عَلَيْهِ، وَهُوَ بَرِيءٌ.
الثَّانِي، مَنْدُوبٌ، وَهُوَ الْحَلِفُ الَّذِي تَتَعَلَّقُ بِهِ مَصْلَحَةٌ؛ مِنْ إصْلَاحٍ بَيْنَ مُتَخَاصِمَيْنِ، أَوْ إزَالَةِ حِقْدٍ مِنْ قَلْبِ مُسْلِمٍ عَنْ الْحَالِفِ أَوْ غَيْرِهِ، أَوْ دَفْعِ شَرٍّ، فَهَذَا مَنْدُوبٌ؛ لِأَنَّ فِعْلَ هَذِهِ الْأُمُورِ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ، وَالْيَمِينُ مُفْضِيَةٌ إلَيْهِ. وَإِنْ حَلَفَ عَلَى فِعْلِ طَاعَةٍ، أَوْ تَرْكِ مَعْصِيَةٍ، فَفِيهِ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا، أَنَّهُ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ. وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ أَصْحَابِنَا، وَأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَدْعُوهُ إلَى فِعْلِ الطَّاعَاتِ، وَتَرْكِ الْمَعَاصِي.
وَالثَّانِي، لَيْسَ بِمَنْدُوبٍ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابَهُ لَمْ يَكُونُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ فِي الْأَكْثَرِ الْأَغْلَبِ، وَلَا حَثَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَحَدًا عَلَيْهِ، وَلَا نَدَبَهُ إلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ طَاعَةً لَمْ يُخِلُّوا بِهِ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ يَجْرِي مَجْرَى النَّذْرِ، وَقَدْ «نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ النَّذْرِ، وَقَالَ: إنَّهُ لَا يَأْتِي بِخَيْرٍ، وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنْ الْبَخِيلِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
الثَّالِثُ، الْمُبَاحُ، مِثْلُ الْحَلِفِ عَلَى فِعْلِ مُبَاحٍ أَوْ تَرْكِهِ، وَالْحَلِفِ عَلَى الْخَبَرِ بِشَيْءِ، وَهُوَ صَادِقٌ فِيهِ، أَوْ يَظُنُّ أَنَّهُ فِيهِ صَادِقٌ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ:{لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} [البقرة: 225] . وَمِنْ صُورِ اللَّغْوِ قَوْلُهُ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى شَيْءٍ يَظُنُّهُ كَمَا حَلَفَ عَلَيْهِ، وَيَبِينُ بِخِلَافِهِ.
فَأَمَّا الْحَلِفُ عَلَى الْحُقُوقِ عِنْدَ الْحَاكِمِ، فَفِيهِ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا، أَنَّ تَرْكَهُ أَوْلَى مِنْ فِعْلِهِ، فَيَكُونُ مَكْرُوهًا. ذَكَرَ ذَلِكَ أَصْحَابُنَا، وَأَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ؛ لِمَا رُوِيَ أَنَّ عُثْمَانَ وَالْمِقْدَادَ تَحَاكَمَا إلَى عُمَرَ، فِي مَالٍ اسْتَقْرَضَهُ الْمِقْدَادُ، فَجَعَلَ عُمَرُ الْيَمِينَ عَلَى الْمِقْدَادِ، فَرَدَّهَا عَلَى عُثْمَانَ، فَقَالَ عُمَرُ: لَقَدْ أَنْصَفَك. فَأَخَذَ عُثْمَانُ مَا أَعْطَاهُ الْمِقْدَادُ، وَلَمْ يَحْلِفْ، فَقَالَ: خِفْت أَنْ يُوَافِقَ قَدَرٌ بَلَاءً، فَيُقَالَ: بِيَمِينِ عُثْمَانَ.
وَالثَّانِي، أَنَّهُ مُبَاحٌ فِعْلُهُ كَتَرْكِهِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - أَمَرَ نَبِيَّهُ بِالْحَلِفِ عَلَى الْحَقِّ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ. وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيّ، أَنَّ عُمَرَ قَالَ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَفِي يَدِهِ عَصًا: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، لَا تَمْنَعُكُمْ الْيَمِينُ مِنْ حُقُوقِكُمْ، فَوَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إنَّ فِي يَدِي لَعَصًا.
وَرَوَى عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ، فِي كِتَابِ " قُضَاةِ الْبَصْرَةِ "، بِإِسْنَادِهِ عَنْ الشَّعْبِيِّ، أَنَّ عُمَرَ وَأُبَيًّا تَحَاكَمَا إلَى زَيْدٍ فِي نَخْلٍ ادَّعَاهُ أُبَيٌّ، فَتَوَجَّهَتْ الْيَمِينُ عَلَى عُمَرَ، فَقَالَ زَيْدٌ: أَعْفِ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. فَقَالَ عُمَرُ: وَلِمَ يُعْفِي أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ إنْ
عَرَفْت شَيْئًا اسْتَحْقَقْته بِيَمِينِي، وَإِلَّا تَرَكْته، وَاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ، إنَّ النَّخْلَ لَنَخْلِي، وَمَا لِأُبَيٍّ فِيهِ حَقٌّ. فَلَمَّا خَرَجَا وَهَبَ النَّخْلَ لِأُبَيٍّ، فَقِيلَ لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ هَلَّا كَانَ هَذَا قَبْلَ الْيَمِينِ؟ فَقَالَ: خِفْت أَنْ لَا أَحْلِفَ، فَلَا يَحْلِفُ النَّاسُ عَلَى حُقُوقِهِمْ بَعْدِي، فَيَكُونَ سُنَّةً. وَلِأَنَّهُ حَلِفُ صِدْقٍ عَلَى حَقٍّ، فَأَشْبَهَ الْحَلِفَ عِنْدَ غَيْرِ الْحَاكِمِ.
الرَّابِعُ، الْمَكْرُوهُ، وَهُوَ الْحَلِفُ عَلَى فِعْلِ مَكْرُوهٍ، أَوْ تَرْكِ مَنْدُوبٍ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ} [البقرة: 224] . وَرُوِيَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رضي الله عنه حَلَفَ لَا يُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحٍ بَعْدَ الَّذِي قَالَ لِعَائِشَةَ مَا قَالَ، وَكَانَ مِنْ جُمْلَةِ أَهْلِ الْإِفْكِ الَّذِينَ تَكَلَّمُوا فِي عَائِشَةَ رضي الله عنها، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى:{وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا} [النور: 22] وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: {وَلا يَأْتَلِ} [النور: 22] أَيْ لَا يَمْتَنِعْ. وَلِأَنَّ الْيَمِينَ عَلَى ذَلِكَ مَانِعَةٌ مِنْ فِعْلِ الطَّاعَةِ، أَوْ حَامِلَةٌ عَلَى فِعْلِ الْمَكْرُوهِ، فَتَكُونُ مَكْرُوهَةً.
فَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَتْ مَكْرُوهَةً لَأَنْكَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْأَعْرَابِيِّ الَّذِي سَأَلَهُ عَنْ الصَّلَوَاتِ، فَقَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟ فَقَالَ: " لَا، إلَّا أَنْ تَطَوَّعَ ". فَقَالَ: وَاَلَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ، لَا أَزِيدُ عَلَيْهَا وَلَا أَنْقُصُ مِنْهَا. وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، بَلْ قَالَ:" أَفْلَحَ الرَّجُلُ إنْ صَدَقَ ". قُلْنَا: لَا يَلْزَمُ هَذَا، فَإِنَّ الْيَمِينَ عَلَى تَرْكِهَا، لَا تَزِيدُ عَلَى تَرْكِهَا، وَلَوْ تَرَكَهَا لَمْ يُنْكِرْهُ عَلَيْهِ، وَيَكْفِي فِي ذَلِكَ بَيَانُ أَنَّ مَا تَرَكَهُ تَطَوُّعٌ، وَقَدْ بَيَّنَهُ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِقَوْلِهِ:" إلَّا أَنْ تَطَوَّعَ ". وَلِأَنَّ هَذِهِ الْيَمِينَ إنْ تَضَمَّنَتْ تَرْكَ الْمَنْدُوبِ، فَقَدْ تَنَاوَلَتْ فِعْلَ الْوَاجِبِ، وَالْمُحَافَظَةَ عَلَيْهِ كُلِّهِ، بِحَيْثُ لَا يَنْقُصُ مِنْهُ شَيْئًا، وَهَذَا فِي الْفَضْلِ يَزِيدُ عَلَى مَا قَابَلَهُ مِنْ تَرْكِ التَّطَوُّعِ، فَيَتَرَجَّحُ جَانِبُ الْإِثْبَاتِ بِهَا عَلَى تَرْكِهَا، فَيَكُونُ مِنْ قَبِيلِ الْمَنْدُوبِ، فَكَيْفَ يُنْكَرُ، وَلِأَنَّ فِي الْإِقْرَارِ عَلَى هَذِهِ الْيَمِينِ بَيَانَ حُكْمٍ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ، وَهُوَ بَيَانُ أَنَّ تَرْكَ التَّطَوُّعِ غَيْرُ مُؤَاخَذٍ بِهِ، وَلَوْ أَنْكَرَ عَلَى الْحَالِفِ، لَحَصَلَ ضِدُّ هَذَا، وَتَوَهَّمَ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ لُحُوقَ الْإِثْمِ بِتَرْكِهِ فَيَفُوتُ الْغَرَضُ.
وَمِنْ قِسْمِ الْمَكْرُوهِ الْحَلِفُ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الْحَلِفُ مُنْفِقٌ لِلسِّلْعَةِ، مُمْحِقٌ لِلْبَرَكَةِ» . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ.
الْقِسْمُ الْخَامِسُ، الْمُحَرَّمُ، وَهُوَ الْحَلِفُ الْكَاذِبُ؛ فَإِنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - ذَمَّهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [المجادلة: 14] . وَلِأَنَّ الْكَذِبَ حَرَامٌ، فَإِذَا كَانَ مَحْلُوفًا عَلَيْهِ، كَانَ أَشَدَّ فِي التَّحْرِيمِ. وَإِنْ أَبْطَلَ بِهِ حَقًّا، أَوْ اقْتَطَعَ بِهِ مَالَ مَعْصُومٍ، كَانَ أَشَدَّ؛ فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ حَلَفَ يَمِينًا فَاجِرَةً، يَقْتَطِعُ بِهَا