الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدُّخُولِ كَالْمَفْهُومِ مِنْ لَفْظِ الْمُجَامَعَةِ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: لَا يُكْتَفَى بِهِ حَتَّى تَقُولَ: جَامَعَهَا أَوْ بَاضَعَهَا. أَوْ نَحْوَهُ؛ لِأَنَّ الدُّخُولَ يُطْلَقُ عَلَى الْخَلْوَةِ بِهَا، وَلِهَذَا تَثْبُتُ بِهَا أَحْكَامُهُ. وَهَذَا أَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ، إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. فَأَمَّا إذَا قَالَتْ: جَامَعَهَا أَوْ بَاضَعَهَا. فَلَمْ نَعْلَمْ خِلَافًا فِي ثُبُوتِ الْإِحْصَانِ، وَهَكَذَا يَنْبَغِي إذَا قَالَتْ: وَطِئَهَا. فَإِنْ قَالَتْ: بَاشَرَهَا، أَوْ مَسَّهَا، أَوْ أَصَابَهَا، أَوْ أَتَاهَا. فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَثْبُتَ بِهِ الْإِحْصَانُ؛ لِأَنَّ هَذَا يُسْتَعْمَلُ فِيمَا دُونَ الْجِمَاعِ فِي الْفَرْجِ كَثِيرًا، فَلَا يَثْبُتُ بِهِ الْإِحْصَانُ الَّذِي يَنْدَرِئُ بِالِاحْتِمَالِ
[فَصْلٌ جَلَدَ الزَّانِي عَلَى أَنَّهُ بَكْرٍ ثُمَّ بَانَ مُحْصَنًا]
(7141)
فَصْلٌ: وَإِذَا جُلِدَ الزَّانِي عَلَى أَنَّهُ بِكْرٌ، ثُمَّ بَانَ مُحْصَنًا، رُجِمَ؛ لِمَا رَوَى جَابِرٌ، «أَنَّ رَجُلًا زَنَى بِامْرَأَةٍ، فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَجُلِدَ الْحَدَّ، ثُمَّ أُخْبِرَ أَنَّهُ مُحْصَنٌ، فَرُجِمَ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَلِأَنَّهُ وَجَبَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا، فَقَدْ أَتَى بِبَعْضِ الْوَاجِبِ، فَيَجِبُ إتْمَامُهُ، وَإِنْ لَمْ يَجِبْ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِالْحَدِّ الْوَاجِبِ، فَيَجِبُ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ.
[مَسْأَلَةٌ وَيَغْسِلَانِ وَيُكَفِّنَانِ وَيُصَلَّى عَلَيْهِمَا الزَّانِي الْبِكْر وَالْمُحْصَن]
(7142)
مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَيُغَسَّلَانِ، وَيُكَفَّنَانِ، وَيُصَلَّى عَلَيْهِمَا وَيُدْفَنَانِ) لَا خِلَافَ فِي تَغْسِيلِهِمَا وَدَفْنِهِمَا، وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ يَرَوْنَ الصَّلَاةَ عَلَيْهِمَا. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: سُئِلَ عَلِيٌّ رضي الله عنه عَنْ شُرَاحَةَ وَكَانَ رَجَمَهَا، فَقَالَ: اصْنَعُوا بِهَا كَمَا تَصْنَعُونَ بِمَوْتَاكُمْ. وَصَلَّى عَلِيٌّ عَلَى شُرَاحَةَ. وَقَالَ مَالِكٌ: مَنْ قَتَلَهُ الْإِمَامُ فِي حَدٍّ لَا نُصَلِّي عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ جَابِرًا قَالَ فِي حَدِيثِ مَاعِزٍ: فَرُجِمَ حَتَّى مَاتَ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم خَيْرًا، وَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلَنَا، مَا رَوَى أَبُو دَاوُد، بِإِسْنَادِهِ عَنْ عِمْرَانِ بْنِ حُصَيْنٍ، فِي حَدِيثِ الْجُهَنِيَّةِ:«فَأَمَرَ بِهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَرُجِمَتْ، ثُمَّ أَمَرَهُمْ فَصَلَّوْا عَلَيْهَا، فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتُصَلِّي عَلَيْهَا وَقَدْ زَنَتْ؟ فَقَالَ: وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً، لَوْ قُسِمَتْ بَيْنَ سَبْعِينَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَوَسِعَتْهُمْ، وَهَلْ وَجَدْت أَفْضَلَ مِنْ أَنْ جَادَتْ بِنَفْسِهَا؟» وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَفِيهِ: فَرُجِمَتْ، وَصَلَّى عَلَيْهَا. وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «صَلُّوا عَلَى مَنْ قَالَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ» . وَلِأَنَّهُ مُسْلِمٌ لَوْ مَاتَ قَبْلَ الْحَدِّ صُلِّيَ عَلَيْهِ، فَيُصَلَّى عَلَيْهِ بَعْدَهُ، كَالسَّارِقِ.
وَأَمَّا خَبَرُ مَاعِزٍ، فَيَحْتَمِلُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَحْضُرْهُ، أَوْ اشْتَغَلَ عَنْهُ بِأَمْرٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، فَلَا يُعَارِضُ مَا رَوَيْنَاهُ
[مَسْأَلَةٌ زَنَى الْحُرّ الْبِكْر]
مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَإِذَا زَنَى الْحُرُّ الْبِكْرُ، جُلِدَ مِائَةً، وَغُرِّبَ عَامًا)
يَعْنِي لَمْ يُحْصَنْ وَإِنْ كَانَ ثَيِّبًا، وَقَدْ ذَكَرْنَا الْإِحْصَانَ وَشُرُوطَهُ، وَلَا خِلَافَ فِي وُجُوبِ الْجَلْدِ عَلَى الزَّانِي إذَا لَمْ يَكُنْ مُحْصَنًا، وَقَدْ جَاءَ بَيَانُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ:{الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور: 2] .
وَجَاءَتْ الْأَحَادِيثُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مُوَافِقَةً لِمَا جَاءَ بِهِ الْكِتَابُ. وَيَجِبُ مَعَ الْجَلْدِ تَغْرِيبُهُ عَامًا، فِي قَوْلِ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ. رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ. وَبِهِ قَالَ أُبَيٍّ، وَأَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَسْعُودٍ، وَابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهم، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ عَطَاءٌ، وَطَاوُسٌ، وَالثَّوْرِيُّ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو ثَوْرٍ.
وَقَالَ مَالِكٌ، وَالْأَوْزَاعِيُّ: يُغَرَّبُ الرَّجُلُ دُونَ الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ تَحْتَاجُ إلَى حِفْظٍ وَصِيَانَةٍ، وَلِأَنَّهَا لَا تَخْلُو مِنْ التَّغْرِيبِ بِمَحْرَمٍ أَوْ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ، لَا يَجُوزُ التَّغْرِيبُ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:«لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، أَنْ تُسَافِرَ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، إلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ» . وَلِأَنَّ تَغْرِيبَهَا بِغَيْرِ مَحْرَمٍ إغْرَاءٌ لَهَا بِالْفُجُورِ، وَتَضْيِيعٌ لَهَا، وَإِنْ غُرِّبَتْ بِمَحْرَمٍ، أَفْضَى إلَى تَغْرِيبِ مَنْ لَيْسَ بِزَانٍ، وَنَفْيِ مَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ، وَإِنْ كُلِّفَتْ أُجْرَتَهُ، فَفِي ذَلِكَ زِيَادَةٌ عَلَى عُقُوبَتِهَا بِمَا لَمْ يَرِدْ الشَّرْعُ بِهِ، كَمَا لَوْ زَادَ ذَلِكَ عَلَى الرَّجُلِ، وَالْخَبَرُ الْخَاصُّ فِي التَّغْرِيبِ إنَّمَا هُوَ فِي حَقِّ الرَّجُلِ، وَكَذَلِكَ فَعَلَ الصَّحَابَةُ رضي الله عنهم، وَالْعَامُّ يَجُوزُ تَخْصِيصُهُ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ الْعَمَلِ بِعُمُومِهِ مُخَالَفَةُ مَفْهُومِهِ، فَإِنَّهُ دَلَّ بِمَفْهُومِهِ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى الزَّانِي أَكْثَرُ مِنْ الْعُقُوبَةِ الْمَذْكُورَةِ فِيهِ، وَإِيجَابُ التَّغْرِيبِ عَلَى الْمَرْأَةِ يَلْزَمُ مِنْهُ الزِّيَادَةُ عَلَى ذَلِكَ، وَفَوَاتُ حِكْمَتِهِ؛ لِأَنَّ الْحَدَّ وَجَبَ زَجْرًا عَنْ الزِّنَا، وَفِي تَغْرِيبِهَا إغْرَاءٌ بِهِ، وَتَمْكِينٌ مِنْهُ، مَعَ أَنَّهُ قَدْ يُخَصَّصُ فِي حَقِّ الثَّيِّبِ بِإِسْقَاطِ الْجَلْدِ، فِي قَوْلِ الْأَكْثَرِينَ، فَتَخْصِيصُهُ هَاهُنَا أَوْلَى.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: لَا يَجِبُ التَّغْرِيبُ؛ لِأَنَّ عَلِيًّا رضي الله عنه قَالَ: حَسْبُهُمَا مِنْ الْفِتْنَةِ أَنْ يُنْفَيَا. وَعَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، أَنَّ عُمَرَ غَرَّبَ رَبِيعَةَ بْنَ أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ فِي الْخَمْرِ إلَى خَيْبَرَ، فَلَحِقَ بِهِرَقْلَ فَتَنَصَّرَ، فَقَالَ عُمَرُ: لَا أُغَرِّبُ مُسْلِمًا بَعْدَ هَذَا أَبَدًا. وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِالْجَلْدِ دُونَ التَّغْرِيبِ، فَإِيجَابُ التَّغْرِيبِ زِيَادَةٌ عَلَى النَّصِّ. وَلَنَا قَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «: الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ، جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ» . وَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ، وَزَيْدُ بْنُ خَالِدٍ، «أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ أَحَدُهُمَا: إنَّ ابْنِي كَانَ عَسِيفًا عَلَى هَذَا، فَزَنَى بِامْرَأَتِهِ، وَإِنَّنِي افْتَدَيْت مِنْهُ بِمِائَةِ شَاةٍ وَوَلِيدَةٍ، فَسَأَلْت رِجَالًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، فَقَالُوا: إنَّمَا عَلَى ابْنِكَ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ، وَالرَّجْمُ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللَّهِ عز وجل، عَلَى ابْنِكَ جَلْدُ مِائَةٍ، وَتَغْرِيبُ عَامٍ. وَجَلَدَ ابْنَهُ مِائَةً، وَغَرَّبَهُ عَامًا وَأَمَرَ أُنَيْسًا الْأَسْلَمِيَّ أَنْ يَأْتِيَ امْرَأَةَ الْآخَرِ، فَإِنْ اعْتَرَفَتْ رَجَمَهَا، فَاعْتَرَفَتْ فَرَجَمَهَا» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَفِي الْحَدِيثِ،