الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
غَيْرِهَا لَا تُجْزِئُ، قَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:«لَا تَذْبَحُوا إلَّا مُسِنَّةً، فَإِنْ عَسِرَ عَلَيْكُمْ، فَاذْبَحُوا الْجَذَعَ مِنْ الضَّأْنِ» .
وَقَالَ أَبُو بُرْدَةَ بْنُ نِيَارٍ: «عِنْدِي جَذَعَةٌ، أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ شَاتَيْنِ، فَهَلْ تُجْزِئُ عَنِّي؟ قَالَ: نَعَمْ، وَلَا تُجْزِئُ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَك» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَحَدِيثُهُمْ مَحْمُولٌ عَلَى الْجَذَعِ مِنْ الضَّأْنِ لِمَا ذَكَرْنَا. قَالَ إبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ: إنَّمَا يُجْزِئُ الْجَذَعُ مِنْ الضَّأْنِ؛ لِأَنَّهُ يَنْزُو فَيُلَقِّحُ، فَإِذَا كَانَ مِنْ الْمَعْزِ لَمْ يُلَقِّحْ حَتَّى يَكُونَ ثَنِيًّا.
(7859)
فَصْلٌ: وَلَا يُجْزِئُ فِي الْأُضْحِيَّةِ غَيْرُ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُ أَبَوَيْهِ وَحْشِيًّا، لَمْ يُجْزِئْ أَيْضًا. وَحُكِيَ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ أَنَّ بَقَرَةَ الْوَحْشِ تُجْزِئُ عَنْ سَبْعَةٍ، وَالظَّبْيَ عَنْ وَاحِدٍ.
وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: وَلَدُ الْبَقَرِ الْإِنْسِيَّةِ يُجْزِئُ، وَإِنْ كَانَ أَبُوهُ وَحْشِيًّا. وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ: يُجْزِئُ إذَا كَانَ مَنْسُوبًا إلَى بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ. وَلَنَا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ} [الحج: 34] . وَهِيَ الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ. وَعَلَى أَصْحَابِ الرَّأْيِ، أَنَّهُ مُتَوَلِّدٌ مِنْ بَيْنِ مَا يُجْزِئُ وَمَا لَا يُجْزِئُ، فَلَمْ يُجْزِئْ، كَمَا لَوْ كَانَتْ الْأُمُّ وَحْشِيَّةً.
[مَسْأَلَةٌ مَا هُوَ الْجَذَعُ مِنْ الضَّأْنِ]
(7860)
مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَالْجَذَعُ مِنْ الضَّأْنِ مَا لَهُ سِتَّةُ أَشْهُرٍ، وَدَخَلَ فِي السَّابِعِ) قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ: وَسَمِعْت أَبِي يَقُولُ: سَأَلْت بَعْضَ أَهْلِ الْبَادِيَةِ: كَيْفَ تَعْرِفُونَ الضَّأْنَ إذَا أَجْذَعَ؟ قَالَ: لَا تَزَالُ الصُّوفَةُ قَائِمَةً عَلَى ظَهْرِهِ مَادَامَ حَمَلًا، فَإِذَا نَامَتْ الصُّوفَةُ عَلَى ظَهْرِهِ، عُلِمَ أَنَّهُ قَدْ أَجْذَعَ. وَثَنِيُّ الْمَعْزِ إذَا تَمَّتْ لَهُ سَنَةٌ وَدَخَلَ فِي الثَّانِيَةِ، وَالْبَقَرَةُ إذَا صَارَ لَهَا سَنَتَانِ وَدَخَلَتْ فِي الثَّالِثَةِ، وَالْإِبِلُ إذَا كَمَلَ لَهَا خَمْسُ سِنِينَ وَدَخَلَتْ فِي السَّادِسَةِ.
قَالَ الْأَصْمَعِيُّ أَبُو زِيَادٍ الْكِلَابِيُّ، وَأَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيُّ: إذَا مَضَتْ السَّنَةُ الْخَامِسَةُ عَلَى الْبَعِيرِ، وَدَخَلَ فِي السَّادِسَةِ، وَأَلْقَى ثَنِيَّتَهُ، فَهُوَ حِينَئِذٍ ثَنِيٌّ، وَنَرَى إنَّمَا سُمِّيَ ثَنِيًّا؛ لِأَنَّهُ أَلْقَى ثَنِيَّتَهُ. وَأَمَّا الْبَقَرَةُ: فَهِيَ الَّتِي لَهَا سَنَتَانِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا تَذْبَحُوا إلَّا مُسِنَّةً» . وَمُسِنَّةُ الْبَقَرِ الَّتِي لَهَا سَنَتَانِ.
وَقَالَ وَكِيعٌ: الْجَذَعُ مِنْ الضَّأْنِ يَكُونُ ابْنَ سَبْعَةِ أَوْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ.
[مَسْأَلَةٌ يُجْتَنَبُ فِي الضَّحَايَا الْعَوْرَاءُ الْبَيِّنُ عَوَرُهَا]
(7861)
مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَيُجْتَنَبُ فِي الضَّحَايَا الْعَوْرَاءُ الْبَيِّنُ عَوَرُهَا، وَالْعَجْفَاءُ الَّتِي لَا تُنْقِي، وَالْعَرْجَاءُ الْبَيِّنُ عَرَجُهَا، وَالْمَرِيضَةُ الَّتِي لَا يُرْجَى بُرْؤُهَا، وَالْعَضْبَاءُ، وَالْعَضَبُ ذَهَابُ أَكْثَرِ مِنْ نِصْفِ الْأُذُنِ أَوْ الْقَرْنِ)
أَمَّا الْعُيُوبُ الْأَرْبَعَةُ الْأُوَلُ، فَلَا نَعْلَمُ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ خِلَافًا فِي أَنَّهَا تَمْنَعُ الْإِجْزَاءَ؛ لِمَا رَوَى الْبَرَاءُ قَالَ: قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «أَرْبَعٌ لَا تَجُوزُ فِي الْأَضَاحِيِّ؛ الْعَوْرَاءُ الْبَيِّنُ عَوَرُهَا، وَالْمَرِيضَةُ الْبَيِّنُ مَرَضُهَا، وَالْعَرْجَاءُ الْبَيِّنُ ظَلْعُهَا وَالْعَجْفَاءُ الَّتِي لَا تُنْقِي» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ.
وَمَعْنَى الْعَوْرَاءِ الْبَيِّنِ عَوَرُهَا، الَّتِي قَدْ انْخَسَفَتْ عَيْنُهَا، وَذَهَبَتْ؛ لِأَنَّهَا قَدْ ذَهَبَتْ عَيْنُهَا، وَالْعَيْنُ عُضْوٌ مُسْتَطَابٌ، فَإِنْ كَانَ عَلَى عَيْنِهَا بَيَاضٌ وَلَمْ تَذْهَبْ، جَازَتْ التَّضْحِيَةُ بِهَا؛ لِأَنَّ عَوَرَهَا لَيْسَ بِبَيِّنٍ، وَلَا يَنْقُصُ ذَلِكَ لَحْمَهَا. وَالْعَجْفَاءُ الْمَهْزُولَةُ الَّتِي لَا تُنْقِي، هِيَ الَّتِي لَا مُخَّ لَهَا فِي عِظَامِهَا؛ لِهُزَالِهَا، وَالنِّقْيُ: الْمُخُّ، قَالَ الشَّاعِرُ:
لَا يَشْتَكِينَ عَمَلًا مَا أَنْقَيْنَ
…
مَا دَامَ مُخٌّ فِي سُلَامَى أَوْ عَيْن
فَهَذِهِ لَا تُجْزِئُ؛ لِأَنَّهَا لَا لَحْمَ فِيهَا، إنَّمَا هِيَ عِظَامٌ مُجْتَمِعَةٌ.
وَأَمَّا الْعَرْجَاءُ الْبَيِّنُ عَرَجُهَا: فَهِيَ الَّتِي بِهَا عَرَجٌ فَاحِشٌ، وَذَلِكَ يَمْنَعُهَا مِنْ اللِّحَاقِ بِالْغَنَمِ فَتَسْبِقُهَا إلَى الْكَلَإِ فَيَرْعَيْنَهُ وَلَا تُدْرِكُهُنَّ، فَيَنْقُصُ لَحْمُهَا، فَإِنْ كَانَ عَرَجًا يَسِيرًا لَا يُفْضِي بِهَا إلَى ذَلِكَ، أَجْزَأَتْ. وَأَمَّا الْمَرِيضَةُ الَّتِي لَا يُرْجَى بُرْؤُهَا: فَهِيَ الَّتِي بِهَا مَرَضٌ قَدْ يَئِسَ مِنْ زَوَالِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَنْقُصُ لَحْمَهَا وَقِيمَتَهَا نَقْصًا كَبِيرًا، وَاَلَّذِي فِي الْحَدِيثِ الْمَرِيضَةُ الْبَيِّنُ مَرَضُهَا، وَهِيَ الَّتِي يَبِينُ أَثَرُهُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَنْقُصُ لَحْمَهَا وَيُفْسِدُهُ، وَهُوَ أَصَحُّ.
وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَرِيضَةِ الْجَرْبَاءُ؛ لِأَنَّ الْجَرَبَ يُفْسِدُ اللَّحْمَ وَيُهْزِلُ إذَا كَثُرَ. وَهَذَا قَوْلُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ. وَهَذَا تَقْيِيدٌ لِلْمُطْلَقِ، وَتَخْصِيصٌ لِلْعُمُومِ بِلَا دَلِيلٍ، وَالْمَعْنَى يَقْتَضِي الْعُمُومَ كَمَا يَقْتَضِيهِ اللَّفْظُ، فَإِنْ كَانَ الْمَرَضُ يُفْسِدُ اللَّحْمَ وَيَنْقُصُهُ، فَلَا مَعْنَى لِلتَّخْصِيصِ مَعَ عُمُومِ اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى.
وَأَمَّا الْعَضَبُ: فَهُوَ ذَهَابُ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ الْأُذُنِ أَوْ الْقَرْنِ، وَذَلِكَ يَمْنَعُ الْإِجْزَاءَ أَيْضًا. وَبِهِ قَالَ النَّخَعِيُّ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ: تُجْزِئُ مَكْسُورَةُ الْقَرْنِ. وَرُوِيَ نَحْوُ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ وَعُمَرَ وَعَمَّارٍ وَابْنِ الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَنِ. وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ كَانَ قَرْنُهَا يَدْمَى، لَمْ يَجُزْ، وَإِلَّا جَازَ.
وَقَالَ عَطَاءٌ وَمَالِكٌ: إذَا ذَهَبَتْ الْأُذُنُ كُلُّهَا، لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ ذَهَبَ يَسِيرٌ، جَازَ. وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ قَوْلَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:«أَرْبَعٌ لَا تَجُوزُ فِي الْأَضَاحِيِّ» . يَدُلُّ عَلَى أَنَّ غَيْرَهُ يُجْزِئُ؛ وَلِأَنَّ فِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ فَيْرُوزَ، قَالَ: قُلْت لِلْبَرَاءِ فَإِنِّي أَكْرَهُ النَّقْصَ مِنْ الْقَرْنِ وَمِنْ الذَّنَبِ. فَقَالَ: اكْرَهْ لِنَفْسِك مَا شِئْت،