الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مِنْهُ شَيْئًا بَعْدَ أَنْ يُؤْوِيَهُ الْجَرِينُ، فَبَلَغَ ثَمَنَ الْمِجَنِّ، فَفِيهِ الْقَطْعُ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَغَيْرُهُ. وَرُوِيَ أَنَّ عُثْمَانَ رضي الله عنه أُتِيَ بِرَجُلٍ قَدْ سَرَقَ أُتْرُجَّةً، فَأَمَرَ بِهَا عُثْمَانُ فَأُقِيمَتْ، فَبَلَغَتْ قِيمَتُهَا رُبْعَ دِينَارٍ، فَأَمَرَ بِهِ عُثْمَانُ فَقُطِعَ. رَوَاهُ سَعِيدٌ. وَلِأَنَّ هَذَا مَالٌ يَتَمَوَّلُ فِي الْعَادَةِ، وَيُرْغَبُ فِيهِ، فَيُقْطَعُ سَارِقُهُ إذَا اجْتَمَعْت الشُّرُوطُ، كَالْمُجَفَّفِ؛ وَلِأَنَّ مَا وَجَبَ الْقَطْعُ فِي مَعْمُولِهِ، وَجَبَ فِيهِ قَبْلَ الْعَمَلِ، كَالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ، وَحَدِيثُهُمْ أَرَادَ بِهِ الثَّمَرَ الْمُعَلَّقَ؛ بِدَلِيلِ حَدِيثِنَا، فَإِنَّهُ مُفَسِّرٌ لَهُ، وَتَشْبِيهُهُ بِغَيْرِ الْمُحْرَزِ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْمُحْرَزِ مُضَيَّعٌ، وَهَذَا مَحْفُوظٌ، وَلِهَذَا افْتَرَقَ سَائِرُ الْأَمْوَالِ بِالْحِرْزِ وَعَدَمِهِ. وَقَوْلُهُمْ: يُوجَدُ مُبَاحًا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ. يُنْتَقَضُ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ، وَالْحَدِيدِ، وَالنُّحَاسِ، وَسَائِرِ الْمَعَادِنِ. وَالتُّرَابُ قَدْ سَبَقَ الْقَوْلُ فِيهِ.
[فَصْلٌ سَرَقَ مُصْحَفًا]
(7256)
فَصْلٌ: فَإِنْ سَرَقَ مُصْحَفًا، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ، وَالْقَاضِي: لَا قَطْعَ فِيهِ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ مَا فِيهِ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ مِمَّا لَا يَجُوزُ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهُ. وَاخْتَارَ أَبُو الْخَطَّابِ وُجُوبَ قَطْعِهِ، وَقَالَ: هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ، فَإِنَّهُ سُئِلَ عَمَّنْ سَرَقَ كِتَابًا فِيهِ عِلْمٌ لِيَنْظُرَ فِيهِ، فَقَالَ: كُلُّ مَا بَلَغَتْ قِيمَتُهُ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ فِيهِ الْقَطْعُ. وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَابْنِ الْمُنْذِرِ؛ لِعُمُومِ الْآيَةِ فِي كُلِّ سَارِقٍ؛ وَلِأَنَّهُ مُتَقَوِّمٌ، تَبْلُغُ قِيمَتُهُ نِصَابًا، فَوَجَبَ الْقَطْعُ بِسَرِقَتِهِ، كَكُتُبِ الْفِقْهِ، وَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَصْحَابِنَا فِي وُجُوبِ الْقَطْعِ بِسَرِقَةِ كُتُبِ الْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ وَسَائِرِ الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ.
فَإِنْ كَانَ الْمُصْحَفُ مُحَلًّى بِحِلْيَةٍ تَبْلُغُ نِصَابًا، خُرِّجَ فِيهِ وَجْهَانِ، عِنْدَ مَنْ لَمْ يَرَ الْقَطْعَ بِسَرِقَةِ الْمُصْحَفِ، أَحَدُهُمَا: لَا يُقْطَعُ. وَهَذَا قِيَاسُ قَوْلِ أَبِي إِسْحَاقَ بْنِ شَاقِلَا، وَمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ الْحُلِيَّ تَابِعَةٌ لِمَا لَا يُقْطَعُ بِسَرِقَتِهِ، أَشْبَهَتْ ثِيَابَ الْحُرِّ. وَالثَّانِي: يُقْطَعُ. وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي؛ لِأَنَّهُ سَرَقَ نِصَابًا مِنْ الْحُلِيِّ، فَوَجَبَ قَطْعُهُ، كَمَا لَوْ سَرَقَهُ مُنْفَرِدًا. وَأَصْلُ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ مَنْ سَرَقَ صَبِيًّا عَلَيْهِ حَلْيٌ.
[فَصْلٌ سَرَقَ عَيْنًا مَوْقُوفَةً]
(7257)
فَصْلٌ: وَإِنْ سَرَقَ عَيْنًا مَوْقُوفَةً، وَجَبَ الْقَطْعُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يُقْطَعَ، بِنَاءً عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَقُولُ: إنَّ الْمَوْقُوفَ لَا يَمْلِكُهُ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ.
الشَّرْطُ الرَّابِعُ: أَنْ يَسْرِقَ مِنْ حِرْزٍ، وَيُخْرِجَهُ مِنْهُ. وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَهَذَا مَذْهَبُ عَطَاءٍ، وَالشَّعْبِيِّ، وَأَبِي الْأَسْوَدِ الدُّؤَلِيِّ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَالزُّهْرِيِّ، وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، وَالثَّوْرِيِّ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ. وَلَا نَعْلَمُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ خِلَافَهُمْ، إلَّا قَوْلًا حُكِيَ عَنْ عَائِشَةَ، وَالْحَسَنِ،
وَالنَّخَعِيِّ، فِيمَنْ جَمَعَ الْمَتَاعَ، وَلَمْ يَخْرُجْ بِهِ مِنْ الْحِرْزِ، عَلَيْهِ الْقَطْعُ. وَعَنْ الْحَسَنِ مِثْلُ قَوْلِ الْجَمَاعَةِ.
وَحُكِيَ عَنْ دَاوُد أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ الْحِرْزُ؛ لِأَنَّ الْآيَةَ لَا تَفْصِيلَ فِيهَا. وَهَذِهِ أَقْوَالٌ شَاذَّةٌ، غَيْرُ ثَابِتَةٍ عَمَّنْ نُقِلَتْ عَنْهُ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَلَيْسَ فِيهِ خَبَرٌ ثَابِتٌ، وَلَا مَقَالٌ لِأَهْلِ الْعِلْمِ، إلَّا مَا ذَكَرْنَاهُ، فَهُوَ كَالْإِجْمَاعِ، وَالْإِجْمَاعُ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ خَالَفَهُ. وَرَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ «، أَنَّ رَجُلًا مِنْ مُزَيْنَةَ سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ الثِّمَارِ، فَقَالَ: مَا أُخِذَ فِي غَيْرِ أَكْمَامِهِ فَاحْتُمِلَ، فَفِيهِ قِيمَتُهُ وَمِثْلُهُ مَعَهُ، وَمَا كَانَ فِي الْخَزَائِنِ، فَفِيهِ الْقَطْعُ إذَا بَلَغَ ثَمَنَ الْمِجَنِّ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ، وَغَيْرُهُمَا. وَهَذَا الْخَبَرُ يَخُصُّ الْآيَةَ، كَمَا خَصَّصْنَاهَا فِي اعْتِبَارِ النِّصَابِ.
إذَا ثَبَتَ اعْتِبَارُ الْحِرْزِ، وَالْحِرْزُ مَا عُدَّ حِرْزًا فِي الْعُرْفِ، فَإِنَّهُ لَمَّا ثَبَتَ اعْتِبَارُهُ فِي الشَّرْعِ مِنْ غَيْرِ تَنْصِيصٍ عَلَى بَيَانِهِ، عُلِمَ أَنَّهُ رَدَّ ذَلِكَ إلَى أَهْلِ الْعُرْفِ؛ لِأَنَّهُ لَا طَرِيقَ إلَى مَعْرِفَتِهِ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ، فَيُرْجَعُ إلَيْهِ، كَمَا رَجَعْنَا إلَيْهِ، فِي مَعْرِفَةِ الْقَبْضِ وَالْفُرْقَةِ فِي الْبَيْعِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ. إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّ مِنْ حِرْزِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْجَوَاهِرِ الصَّنَادِيقُ تَحْتَ الْأَغْلَاقِ وَالْأَقْفَالِ الْوَثِيقَةِ فِي الْعُمْرَانِ، وَحِرْزُ الثِّيَابِ، وَمَا خَفَّ مِنْ الْمَتَاعِ، كَالصُّفْرِ وَالنُّحَاسِ وَالرَّصَاصِ، فِي الدَّكَاكِينِ، وَالْبُيُوتِ الْمُقْفَلَةِ فِي الْعُمْرَانِ، أَوْ يَكُونُ فِيهَا حَافِظٌ، فَيَكُونُ حِرْزًا، وَإِنْ كَانَتْ مَفْتُوحَةً. وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُغْلَقَةً وَلَا فِيهَا حَافِظٌ، فَلَيْسَتْ بِحِرْزٍ. وَإِنْ كَانَتْ فِيهَا خَزَائِنُ مُغْلَقَةٌ، فَالْخَزَائِنُ حِرْزٌ لِمَا فِيهَا، وَمَا خَرَجَ عَنْهَا فَلَيْسَ بِمُحْرَزٍ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ، فِي الْبَيْتِ الَّذِي لَيْسَ عَلَيْهِ غَلَقٌ، يُسْرَقُ مِنْهُ: أَرَاهُ سَارِقًا. وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ أَهْلَهُ فِيهِ، فَأَمَّا الْبُيُوتُ الَّتِي فِي الْبَسَاتِينِ أَوْ الطُّرُقِ أَوْ الصَّحْرَاءِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا أَحَدٌ فَلَيْسَتْ حِرْزًا، سَوَاءٌ كَانَتْ مُغْلَقَةً أَوْ مَفْتُوحَةً؛ لِأَنَّ مَنْ تَرَكَ مَتَاعَهُ فِي مَكَان خَالٍ مِنْ النَّاسِ وَالْعُمَرَانِ، وَانْصَرَفَ عَنْهُ لَا يُعَدُّ حَافِظًا لَهُ، وَإِنْ أَغْلَقَ عَلَيْهِ. وَإِنْ كَانَ فِيهَا أَهْلُهَا أَوْ حَافِظٌ، فَهِيَ حِرْزٌ، سَوَاءٌ كَانَتْ مُغْلَقَةً أَوْ مَفْتُوحَةً. وَإِذَا كَانَ لَابِسًا لِلثَّوْبِ، أَوْ مُتَوَسِّدًا لَهُ، نَائِمًا، أَوْ مُسْتَيْقِظًا، أَوْ مُفْتَرِشًا لَهُ، أَوْ مُتَّكِئًا عَلَيْهِ، فِي أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَ مِنْ الْبَلَدِ، أَوْ بَرِّيَّةٍ، فَهُوَ مُحْرَزٌ؛ بِدَلِيلِ أَنَّ رِدَاءَ صَفْوَانَ سُرِقَ وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ لَهُ، فَقَطَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم سَارِقَهُ.
وَإِنْ تَدَحْرَجَ عَنْ الثَّوْبِ، زَالَ الْحِرْزُ إنْ كَانَ نَائِمًا، وَإِنْ كَانَ الثَّوْبُ بَيْنَ يَدَيْهِ، أَوْ غَيْرُهُ مِنْ الْمَتَاعِ، كَبَزِّ الْبَزَّازِينَ، وَقُمَاشِ الْبَاعَةِ، وَخُبْزِ الْخَبَّازِينَ، بِحَيْثُ يُشَاهِدُهُ، وَيَنْظُرُ إلَيْهِ، فَهُوَ مُحْرَزٌ، وَإِنْ نَامَ، أَوْ كَانَ غَائِبًا عَنْ مَوْضِعِ مُشَاهَدَتِهِ، فَلَيْسَ بِمُحْرَزٍ. وَإِنْ جَعَلَ الْمَتَاعَ فِي الْغَرَائِرِ، وَعَلَّمَ عَلَيْهَا، وَمَعَهَا حَافِظٌ يُشَاهِدُهَا، فَهِيَ مُحْرَزَةٌ، وَإِلَّا فَلَا.