الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَالثَّانِيَةُ، يَلْزَمُهُ.
وَهُوَ قَوْلُ عُثْمَانَ وَالزُّهْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَمُحَمَّدِ بْنِ سُوقَةَ لِمَا ذَكَرْنَا فِي بَعْثِ الْفِدَاءِ «وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَدْ عَاهَدَ قُرَيْشًا عَلَى رَدِّ مَنْ جَاءَهُ مُسْلِمًا، وَرَدَّ أَبَا بَصِيرٍ وَقَالَ: إنَّا لَا يَصْلُحُ فِي دِينِنَا الْغَدْرُ» وَفَارَقَ رَدَّ الْمَرْأَةِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فِي هَذَا الْحُكْمِ، حِينَ صَالَحَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قُرَيْشًا عَلَى رَدِّ مَنْ جَاءَهُ مِنْهُمْ مُسْلِمًا، فَأَمْضَى اللَّهُ ذَلِكَ فِي الرِّجَالِ، وَنَسَخَهُ فِي النِّسَاءِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ تَقَدَّمَتْ.
[فَصْلٌ أَطْلَقُوهُ وَآمَنُوهُ السَّبْي]
(7620)
فَصْلٌ: فَإِنْ أَطْلَقُوهُ وَآمَنُوهُ، صَارُوا فِي أَمَانٍ مِنْهُ لِأَنَّ أَمَانَهُمْ لَهُ يَقْتَضِي سَلَامَتَهُمْ مِنْهُ فَإِنْ أَمْكَنَهُ الْمُضِيُّ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ، لَزِمَهُ، وَإِنْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ أَقَامَ، وَكَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ مَنْ أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَإِنْ أَخَذَ فِي الْخُرُوجِ، فَأَدْرَكُوهُ وَتَبِعُوهُ، قَاتَلَهُمْ، وَبَطَلَ الْأَمَانُ لِأَنَّهُمْ طَلَبُوا مِنْهُ الْمُقَامَ وَهُوَ مَعْصِيَةٌ، فَأَمَّا إنْ أَطْلَقُوهُ وَلَمْ يُؤَمِّنُوهُ، فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُمْ مَا قَدَرَ، عَلَيْهِ وَيَسْرِقَ وَيَهْرَبَ، لِأَنَّهُ لَمْ يُؤَمِّنْهُمْ وَلَمْ يُؤَمِّنُوهُ، وَإِنْ أَطْلَقُوهُ، وَشَرَطُوا عَلَيْهِ الْمُقَامَ عِنْدَهُمْ، لَزِمَهُ مَا شَرَطُوا عَلَيْهِ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:«الْمُؤْمِنُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ» .
وَقَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ: لَا يَلْزَمُهُ فَأَمَّا إنْ أَطْلَقُوهُ عَلَى أَنَّهُ رَقِيقٌ لَهُمْ، فَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: لَهُ أَنْ يَسْرِقَ وَيَهْرَبَ وَيَقْتُلَ، لِأَنَّ كَوْنَهُ رَقِيقًا حُكْمٌ شَرْعِيٌّ، لَا يَثْبُتُ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ، وَلَوْ ثَبَتَ لَمْ يَقْتَضِ أَمَانًا لَهُ مِنْهُمْ، وَلَا لَهُمْ مِنْهُ وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ. وَإِنْ أَحَلَفُوا عَلَى هَذَا، فَإِنْ كَانَ مُكْرَهًا عَلَى الْيَمِينِ، لَمْ تَنْعَقِدْ يَمِينُهُ، وَإِنْ كَانَ مُخْتَارًا فَحَنِثَ، كَفَّرَ يَمِينَهُ.
وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَلْزَمَهُ الْإِقَامَةُ، عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي تُلْزِمُهُ الرُّجُوعَ إلَيْهِمْ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، وَهُوَ قَوْلُ اللَّيْثِ.
[فَصْلٌ شِرَاء الْأَسِير وَاقْتِرَاضه]
(7621)
فَصْلٌ: وَإِنْ اشْتَرَى الْأَسِيرُ شَيْئًا مُخْتَارًا، أَوْ اقْتَرَضَهُ، فَالْعَقْدُ صَحِيحٌ، وَيَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ لَهُمْ لِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ فَعَلَهُ غَيْرُ الْأَسِيرِ، وَإِنْ كَانَ مُكْرَهًا، لَمْ يَصِحَّ، فَإِنْ أَكْرَهُوهُ عَلَى قَبْضِهِ، لَمْ يَضْمَنْهُ، وَلَكِنْ عَلَيْهِ رَدُّهُ إلَيْهِمْ إنْ كَانَ بَاقِيًا، لِأَنَّهُمْ دَفَعُوهُ إلَيْهِ بِحُكْمِ الْعَقْدِ، وَإِنْ قَبَضَهُ بِاخْتِيَارِهِ، ضَمِنَهُ، لِأَنَّهُ قَبَضَهُ عَنْ عَقْدٍ فَاسِدٍ، وَإِنْ بَاعَهُ وَالْعَيْنُ قَائِمَةٌ لَزِمَهُ رَدُّهَا، لِأَنَّ الْعَقْدَ بَاطِلٌ، وَإِنْ عَدِمَتْ الْعَيْنُ، رَدَّ قِيمَتَهَا.
[مَسْأَلَةٌ لِلْمُسْلِمِ الْهَرَبُ مِنْ الْكَافِرِ إذَا خَشِيَ الْأَسْرِ فِي الْحَرْبِ]
(7622)
مَسْأَلَةٌ قَالَ (وَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْرَبَ مِنْ كَافِرَيْنِ، وَمُبَاحٌ لَهُ أَنْ يَهْرَبَ مِنْ ثَلَاثَةٍ، فَإِنْ خَشِيَ الْأَسْرَ، قَاتَلَ حَتَّى يُقْتَلَ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّهُ إذَا الْتَقَى الْمُسْلِمُونَ وَالْكُفَّارُ، وَجَبَ الثَّبَاتُ، وَحَرُمَ الْفِرَارُ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلا تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ} [الأنفال: 15] الْآيَةَ وَقَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الأنفال: 45] «
وَذَكَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْفِرَارَ يَوْمَ الزَّحْفِ، فَعَدَّهُ مِنْ الْكَبَائِرِ» .
وَحُكِيَ عَنْ الْحَسَنِ وَالضَّحَّاكِ أَنَّ هَذَا كَانَ يَوْمَ بَدْرٍ خَاصَّةً وَلَا يَجِبُ فِي غَيْرِهَا، وَالْأَمْرُ مُطْلَقٌ وَخَبَرُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَامٌّ، فَلَا يَجُوزُ التَّقْيِيدُ وَالتَّخْصِيصُ إلَّا بِدَلِيلٍ، وَإِنَّمَا يَجِبُ الثَّبَاتُ بِشَرْطَيْنِ، أَحَدُهُمَا، أَنْ يَكُونَ الْكُفَّارُ لَا يَزِيدُونَ عَلَى ضِعْفِ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ زَادُوا عَلَيْهِ جَازَ الْفِرَارُ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:{الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} [الأنفال: 66] .
وَهَذَا إنْ كَانَ لَفْظُهُ لَفْظَ الْخَبَرِ، فَهُوَ أَمْرٌ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ:{الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ} [الأنفال: 66] وَلَوْ كَانَ خَبَرًا عَلَى حَقِيقَتِهِ، لَمْ يَكُنْ رَدُّنَا مِنْ غَلَبَةِ الْوَاحِدِ لِلْعَشَرَةِ إلَى غَلَبَةِ الِاثْنَيْنِ تَخْفِيفًا، وَلِأَنَّ خَبَرَ اللَّهِ تَعَالَى صِدْقٌ لَا يَقَعُ بِخِلَافِ مُخْبِرِهِ وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ الظَّفَرَ وَالْغَلَبَةَ لَا يَحْصُلُ لِلْمُسْلِمِينَ فِي كُلِّ مَوْطِنٍ يَكُونُ الْعَدُوُّ فِيهِ ضِعْفَ الْمُسْلِمِينَ فَمَا دُونَ، فَعُلِمَ أَنَّهُ أَمْرٌ وَفَرْضٌ، وَلَمْ يَأْتِ شَيْءٌ يَنْسَخُ هَذِهِ الْآيَةَ، لَا فِي كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ، فَوَجَبَ الْحُكْمُ بِهَا.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: نَزَلَتْ: {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} [الأنفال: 65] فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ حِينَ فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ أَلَّا يَفِرَّ وَاحِدٌ مِنْ عَشَرَةٍ، ثُمَّ جَاءَ تَخْفِيفٌ فَقَالَ:{الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ} [الأنفال: 66] /إلَى قَوْلِهِ: {يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} [الأنفال: 65] فَلَمَّا خَفَّفَ اللَّهُ عَنْهُمْ مِنْ الْعَدَدِ، نَقَصَ مِنْ الصَّبْرِ بِقَدْرِ مَا خَفَّفَ مِنْ الْعَدَدِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ مَنْ فَرَّ مِنْ اثْنَيْنِ، فَقَدْ فَرَّ، وَمَنْ فَرَّ مِنْ ثَلَاثَةٍ فَمَا فَرَّ الثَّانِي، أَنْ لَا يَقْصِدَ بِفِرَارِهِ التَّحَيُّزَ إلَى فِئَةٍ، وَلَا التَّحَرُّفَ لِقِتَالٍ، فَإِنْ قَصَدَ أَحَدَ هَذَيْنِ، فَهُوَ مُبَاحٌ لَهُ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ:{إِلا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ} [الأنفال: 16] .
وَمَعْنَى التَّحَرُّفِ لِلْقِتَالِ، أَنْ يَنْحَازَ إلَى مَوْضِعٍ يَكُونُ الْقِتَالُ فِيهِ أَمْكَنَ، مِثْلُ أَنْ يَنْحَازَ مِنْ مُوَاجَهَةِ الشَّمْسِ، أَوْ الرِّيحِ إلَى اسْتِدْبَارِهِمَا أَوْ مِنْ نَزْلَةٍ إلَى عُلُوٍّ، أَوْ مِنْ مَعْطَشَةٍ إلَى مَوْضِعِ مَاءٍ، أَوْ يَفِرَّ بَيْنَ أَيْدِيهمْ لِتَنْتَقِضَ صُفُوفُهُمْ، أَوْ تَنْفَرِدَ خَيْلُهُمْ مِنْ رَجَّالَتِهِمْ، أَوْ لِيَجِدَ فِيهِمْ فُرْصَةً، أَوْ لِيَسْتَنِدَ إلَى جَبَلٍ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ أَهْلِ الْحَرْبِ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّهُ كَانَ يَوْمًا فِي خُطْبَتِهِ إذْ قَالَ: يَا سَارِيَةُ بْنُ زُنَيْمٍ، الْجَبَلَ، ظَلَمَ الذِّئْبَ مَنْ اسْتَرْعَاهُ الْغَنَمَ. فَأَنْكَرَهَا النَّاسُ فَقَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه: دَعُوهُ. فَلَمَّا نَزَلَ سَأَلُوهُ عَمَّا قَالَ، فَلَمْ يَعْتَرِفْ بِهِ، وَكَانَ قَدْ بَعَثَ سَارِيَةَ إلَى نَاحِيَةِ الْعِرَاقِ لِغَزْوِهِمْ فَلَمَّا قَدِمَ ذَلِكَ الْجَيْشُ أَخْبَرُوا أَنَّهُمْ لَقُوا عَدُوَّهُمْ يَوْمَ جُمُعَةَ، فَظَهَرَ عَلَيْهِمْ، فَسَمِعُوا صَوْتَ عُمَرَ فَتَحَيَّزُوا إلَى الْجَبَلِ، فَنَجَوْا مِنْ عَدُوِّهِمْ فَانْتَصَرُوا عَلَيْهِمْ