الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَأَمَّا الَّذِي قَتَلَهُ سَلَمَةُ، فَكَانَ مُتَحَيِّزًا إلَى فِئَةٍ، وَكَذَلِكَ مَنْ قُتِلَ حَالَ قِيَامِ الْحَرْبِ، فَإِنَّهُ إنْ كَانَ مُنْهَزِمًا فَهُوَ مُتَحَيِّزٌ إلَى فِئَةٍ، وَرَاجِعٌ إلَى الْقِتَالِ، فَأَشْبَهَ الْكَارَّ، فَإِنَّ الْقِتَالَ فَرٌّ وَكَرٌّ. إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي اسْتِحْقَاقِ السَّلَبِ أَنْ تَكُونَ الْمُبَارَزَةُ بِإِذْنِ الْأَمِيرِ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَنْ قُضِيَ لَهُ بِالسَّلَبِ فِي عَصْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَيْسَ فِيهِمْ مَنْ نُقِلَ إلَيْنَا أَنَّهُ أُذِنَ لَهُ فِي الْمُبَارَزَةِ، مَعَ أَنَّ عُمُومَ الْخَبَرِ يَقْتَضِي اسْتِحْقَاقَ السَّلَبِ لِكُلِّ قَاتِلٍ، إلَّا مَنْ خَصَّهُ الدَّلِيلُ.
[الْفَصْل الْخَامِس السَّلَب لَا يُخْمَسُ]
(7473)
أَنَّ السَّلَبَ لَا يُخْمَسُ. رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ. وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ جَرِيرٍ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يُخْمَسُ.
وَبِهِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ، وَمَكْحُولٌ؛ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى:{وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: 41] . وَقَالَ إِسْحَاقُ: إنْ اسْتَكْثَرَ الْإِمَامُ السَّلَبَ خَمَسَهُ.
وَذَلِكَ إلَيْهِ؛ لِمَا رَوَى ابْنُ سِيرِينَ، أَنَّ الْبَرَاءَ بْنَ مَالِكٍ بَارَزَ مَرْزُبَانَ الزَّأْرَةِ بِالْبَحْرَيْنِ، فَطَعَنَهُ فَدَقَّ صُلْبَهُ، وَأَخَذَ سِوَارَيْهِ وَسَلَبَهُ، فَلَمَّا صَلَّى عُمَرُ الظُّهْرَ، أَتَى أَبَا طَلْحَةَ فِي دَارِهِ، فَقَالَ: إنَّا كُنَّا لَا نُخَمِّسُ السَّلَبَ، وَإِنَّ سَلَبَ الْبَرَاءِ قَدْ بَلَغَ مَالًا، وَأَنَا خَامِسُهُ. فَكَانَ أَوَّلُ سَلَبٍ خُمِسَ فِي الْإِسْلَامِ سَلَبَ الْبَرَاءِ. رَوَاهُ سَعِيدٌ فِي السُّنَنِ. وَفِيهَا أَنَّ سَلَبَ الْبَرَاءِ بَلَغَ ثَلَاثِينَ أَلْفًا. وَلَنَا، مَا رَوَى عَوْفُ بْنُ مَالِكٍ، وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَضَى بِالسَّلَبِ لِلْقَاتِلِ، وَلَمْ يَخْمُسْ السَّلَبَ.
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَعُمُومُ الْأَخْبَارِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا، وَخَبَرُ عُمَرَ حُجَّةٌ لَنَا، فَإِنَّهُ قَالَ: إنَّا كُنَّا لَا نُخَمِّسُ السَّلَبَ. وَقَوْلُ الرَّاوِي: كَانَ أَوَّلَ سَلَبٍ خُمِسَ فِي الْإِسْلَامِ. يَعْنِي أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ صَدْرًا مِنْ خِلَافَتِهِ، لَمْ يَخْمُسُوا سَلَبًا، وَاتِّبَاعُ ذَلِكَ أَوْلَى. قَالَ الْجُوزَجَانِيُّ: لَا أَظُنُّهُ يَجُوزُ لِأَحَدٍ فِي شَيْءٍ سَبَقَ فِيهِ مِنْ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم شَيْءٌ إلَّا اتِّبَاعُهُ، وَلَا حُجَّةَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ مَعَ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
وَمَا ذَكَرْنَاهُ يَصْلُحُ أَنْ يُخَصَّصَ بِهِ عُمُومُ الْآيَةِ. وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّ السَّلَبَ مِنْ أَصْلِ الْغَنِيمَةِ. وَقَالَ مَالِكٌ: يُحْتَسَبُ مِنْ خُمْسِ الْخُمْسِ. وَلَنَا، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَضَى بِالسَّلَبِ لِلْقَاتِلِ مُطْلَقًا، وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ أَنَّهُ احْتَسَبَ بِهِ مِنْ خُمْسِ الْخُمْسِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ احْتَسَبَ بِهِ مِنْ خُمْسِ الْخُمْسِ، اُحْتِيجَ إلَى مَعْرِفَةِ قِيمَتِهِ وَقَدْرِهِ، وَلَمْ يُنْقَلْ ذَلِكَ وَلِأَنَّ سَبَبَهُ لَا يَفْتَقِرُ إلَى اجْتِهَادِ الْإِمَامِ، فَلَمْ يَكُنْ مِنْ خُمْسِ الْخُمْسِ، كَسَهْمِ الْفَارِسِ وَالرَّاجِلِ.
[الْفَصْل السَّادِس الْقَاتِل يَسْتَحِقُّ السَّلَبَ]
(7474)
أَنَّ الْقَاتِلَ يَسْتَحِقُّ السَّلَبَ، قَالَ ذَلِكَ الْإِمَامُ أَوْ لَمْ يَقُلْ. وَبِهِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ، وَاللَّيْثُ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالثَّوْرِيُّ: لَا يَسْتَحِقُّهُ إلَّا أَنْ يَشْرِطَهُ الْإِمَامُ لَهُ.
وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَسْتَحِقُّهُ، إلَّا أَنْ يَقُولَ الْإِمَامُ ذَلِكَ.
وَلَمْ يَرَ أَنْ يَقُولَ الْإِمَامُ ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْحَرْبِ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ مَذْهَبِهِ فِي النَّفْلِ، وَجَعَلُوا السَّلَبَ هَاهُنَا مِنْ جُمْلَةِ الْأَنْفَالِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ مِثْلُ قَوْلِهِمْ، وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ، وَاحْتَجُّوا بِمَا رَوَى عَوْفُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ مَدَدِيًّا اتَّبَعَهُمْ، فَقَتَلَ عِلْجًا، فَأَخَذَ خَالِدٌ بَعْضَ سَلَبَهُ، وَأَعْطَاهُ بَعْضَهُ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:«لَا تُعْطِهِ يَا خَالِدُ» . رَوَاهُ سَعِيدٌ، وَأَبُو دَاوُد. وَأَنَا اخْتَصَرْته.
وَرَوَيَا بِإِسْنَادِهِمَا عَنْ شِبْرِ بْنِ عَلْقَمَةَ، قَالَ: بَارَزْت رَجُلًا يَوْمَ الْقَادِسِيَّةِ، فَقَتَلْته، وَأَخَذْت سَلَبَهُ، فَأَتَيْت بِهِ سَعْدًا، فَخَطَبَ سَعْدٌ أَصْحَابَهُ، وَقَالَ: إنَّ هَذَا سَلَبُ شِبْرٍ، خَيْرٌ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا، وَإِنَّا قَدْ نَفَلْنَاهُ إيَّاهُ. وَلَوْ كَانَ حَقًّا لَهُ، لَمْ يَحْتَجْ إلَى نَفْلِهِ، وَلِأَنَّ عُمَرَ أَخَذَ الْخُمُسَ مِنْ سَلَبِ الْبَرَاءِ، وَلَوْ كَانَ حَقًّا لَهُ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا، وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم دَفَعَ سَلَبَ أَبِي قَتَادَةَ إلَيْهِ مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ وَلَا يَمِينٍ. وَلَنَا، قَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:«مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا، فَلَهُ سَلَبُهُ» .
وَهَذَا مِنْ قَضَايَا رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمَشْهُورَةِ، الَّتِي عَمِلَ بِهَا الْخُلَفَاءُ بَعْدَهُ، وَأَخْبَارُهُمْ الَّتِي احْتَجُّوا بِهَا تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ؛ فَإِنَّ عَوْفَ بْنَ مَالِكٍ احْتَجَّ عَلَى خَالِدٍ حِينَ أَخَذَ سَلَبَ الْمَدَدِيَّ، فَقَالَ لَهُ عَوْفٌ: أَمَّا تَعْلَمُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَضَى بِالسَّلَبِ لِلْقَاتِلِ؟ قَالَ: بَلَى. وَقَوْلُ عُمَرَ: إنَّا كُنَّا لَا نُخَمِّسُ السَّلَبَ.
يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذِهِ قَضِيَّةٌ عَامَّةٌ فِي كُلِّ غَزْوَةٍ، وَحُكْمٌ مُسْتَمِرٌّ لِكُلِّ قَاتِلٍ، وَإِنَّمَا أَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم خَالِدًا أَنْ لَا يَرُدَّ عَلَى الْمَدَدِيِّ عُقُوبَةً، حِينَ أَغْضَبَهُ عَوْفٌ بِتَقْرِيعِهِ خَالِدًا بَيْنَ يَدَيْهِ، وَقَوْلُهُ: قَدْ أَنْجَزْت لَك مَا ذَكَرْت لَك مِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. وَأَمَّا خَبَرُ شِبْرٍ، فَإِنَّمَا أَنْفَذَ لَهُ سَعْدٌ مَا قَضَى لَهُ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَسَمَّاهُ نَفْلًا، لِأَنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ نَفْلٌ؛ لِأَنَّهُ زِيَادَةٌ عَلَى سَهْمِهِ.
وَأَمَّا أَبُو قَتَادَةَ، فَإِنَّ خَصْمَهُ اعْتَرَفَ لَهُ بِهِ، وَصَدَّقَهُ، فَجَرَى مَجْرَى الْبَيِّنَةِ، وَلِأَنَّ السَّلَبَ مَأْخُوذٌ مِنْ الْغَنِيمَةِ بِغَيْرِ تَقْدِيرِ الْإِمَامِ وَاجْتِهَادِهِ، فَلَمْ يَفْتَقِرْ إلَى شَرْطِهِ، كَالسَّهْمِ. إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّ أَحْمَدَ قَالَ: لَا يُعْجِبُنِي أَنْ يَأْخُذَ السَّلَبَ إلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ. وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ.
وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَالشَّافِعِيُّ: لَهُ أَخْذُهُ بِغَيْرِ إذْنٍ؛ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّهُ بِجَعْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَهُ ذَلِكَ، وَلَا يَأْمَنُ إنْ أَظْهَرَهُ عَلَيْهِ أَنْ لَا يُعْطَاهُ. وَوَجْهُ قَوْلِ أَحْمَدَ، أَنَّهُ فِعْلٌ مُجْتَهَدٌ فِيهِ، فَلَمْ يَنْفُذْ أَمْرُهُ فِيهِ إلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ كَأَخْذِ سَهْمِهِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا مِنْ أَحْمَدَ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِحْبَابِ، لِيَخْرُجَ مِنْ الْخِلَافِ، لَا عَلَى سَبِيلِ الْإِيجَابِ فَعَلَى هَذَا، إنْ أَخَذَهُ بِغَيْرِ إذْنٍ، تَرَكَ الْفَضِيلَةَ، وَلَهُ مَا أَخَذَهُ.